سورة التحريم / الآية رقم 6 / تفسير في ظلال القرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَعْتَذِرُوا اليَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

التحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريم




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


عندما جرى قدر الله أن يجعل الإسلام هو الرسالة الأخيرة؛ وأن يجعل منهجه هو المنهاج الباقي إلى آخر الخليقة؛ وأن تجري حياة المؤمنين به وفق الناموس الكوني العام؛ وأن يكون هذا الدين هو الذي يقود حياة البشرية ويهيمن على نشاطها في كل ميدان..
عندما جرى قدر الله بهذا كله جعل الله هذا المنهج في هذه الصورة، شاملاً كاملاً متكاملاً، يلبي كل طاقات البشر واستعداداتهم، في الوقت الذي يرفع هذه الطاقات وهذه الاستعدادات إلى الأفق اللائق بخليفة الله في الأرض، وبالكائن الذي كرمه الله على كثير من عباده، ونفخ فيه من روحه.
وجعل طبيعة هذا الدين الانطلاق بالحياة إلى الأمام: نمواً وتكاثراً، ورفعة وتطهراً، في آن واحد. فلم يعطل طاقة باقية بانية، ولم يكبت استعداداً نافعاً. بل نشط الطاقات وأيقظ الاستعدادات وفي الوقت ذاته حافظ على توازن حركة الاندفاع إلى الأمام مع حركة الاندفاع إلى الأفق الكريم، الذي يهيئ الأرواح في الدنيا لمستوى نعيم الآخرة، ويعد المخلوق الفاني في الأرض للحياة الباقية في دار الخلود.
وعندما جرى قدر الله أن يجعل طبيعة هذه العقيدة هكذا جرى كذلك باختيار رسولها صلى الله عليه وسلم إنساناً تتمثل فيه هذه العقيدة بكل خصائصها، وتتجسم فيه بكل حقيقتها، ويكون هو بذاته وبحياته الترجمة الصحيحة الكاملة لطبيعتها واتجاهها. إنساناً قد اكتملت طاقاته الإنسانية كلها. ضليع التكوين الجسدي، قوي البنية، سليم البناء؛ صحيح الحواس، يقظ الحس، يتذوق المحسوسات تذوقاً كاملاً سليماً. وهو في ذات الوقت ضخم العاطفة، حي الطبع، سليم الحساسية، يتذوق الجمال، متفتح للتلقي والاستجابة. وهو في الوقت ذاته كبير العقل، واسع الفكر، فسيح الأفق، قوي الإرادة، يملك نفسه ولا تملكه.. ثم هو بعد ذلك كله.. النبي.. الذي تشرق روحه بالنور الكلي، والذي تطيق روحه الإسراء والمعراج، والذي ينادى من السماء، والذي يرى نور ربه، والذي تتصل حقيقته بحقيقة كل شيء في الوجود من وراء الأشكال والظواهر، فيسلم عليه الحصى والحجر، ويحن له الجذع، ويرتجف به أحد الجبل..!.. ثم تتوازن في شخصيته هذه الطاقات كلها. فإذا هو التوازن المقابل لتوازن العقيدة التي اختير لها..
ثم يجعل الله حياته الخاصة والعامة كتاباً مفتوحاً لأمته وللبشرية كلها، تقرأ فيه صور هذه العقيدة، وترى فيه تطبيقاتها الواقعية. ومن ثم لا يجعل فيها سراً مخبوءاً، ولا ستراً مطوياً. بل يعرض جوانب كثيرة منها في القرآن، ويكشف منها ما يطوى عادة عن الناس في حياة الإنسان العادي. حتى مواضع الضعف البشري الذي لا حيلة فيه لبشر. بل إن الإنسان ليكاد يلمح القصد في كشف هذه المواضع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم للناس!
إنه ليس له في نفسه شيء خاص.
فهو لهذه الدعوة كله. فعلام يختبئ جانب من حياته صلى الله عليه وسلم أو يخبأ؟ إن حياته هي المشهد المنظور القريب الممكن التطبيق من هذه العقيدة؛ وقد جاء صلى الله عليه وسلم ليعرضها للناس في شخصه، وفي حياته، كما يعرضها بلسانه وتوجيهه. ولهذا خلق. ولهذا جاء.
ولقد حفظ عنه أصحابه صلى الله عليه وسلم ونقلوا للناس بعدهم جزاهم الله خيراً أدق تفصيلات هذه الحياة. فلم تبق صغيرة ولا كبيرة حتى في حياته اليومية العادية، لم تسجل ولم تنقل.. وكان هذا طرفاً من قدر الله في تسجيل حياة هذا الرسول، أو تسجيل دقائق هذه العقيدة مطبقة في حياة الرسول. فكان هذا إلى جانب ما سجله القرآن الكريم من هذه الحياة السجل الباقي للبشرية إلى نهاية الحياة.
وهذه السورة تعرض في صدرها صفحة من الحياة البيتية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصورة من الانفعالات والاستجابات الإنسانية بين بعض نسائه وبعض، وبينهن وبينه! وانعكاس هذه الانفعالات والاستجابات في حياته صلى الله عليه وسلم وفي حياة الجماعة المسلمة كذلك.. ثم في التوجيهات العامة للأمة على ضوء ما وقع في بيوت رسول الله وبين أزواجه.
والوقت الذي وقعت فيه الأحداث التي تشير إليها السورة ليس محدداً. ولكن بالرجوع إلى الروايات التي جاءت عنه يتأكد أنه بعد زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش قطعاً.
ولعله يحسن أن نذكر هنا ملخصاً عن قصة أزواج النبي، وعن حياته البيتية يعين على تصور الحوادث والنصوص التي جاءت بصددها في هذه السورة. ونعتمد في هذا الملخص على ما أثبته الإمام ابن حزم في كتابه: جوامع السيرة.. وعلى السيرة لابن هشام مع بعض التعليقات السريعة:
أول أزواجه صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد. تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة وقيل ثلاث وعشرون، وسنها رضي الله عنها أربعون أو فوق الأربعين، وماتت رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنوات، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت. وقد تجاوزت سنة الخمسين.
فلما ماتت خديجة تزوج عليه السلام سودة بنت زمعه رضي الله عنها ولم يرو أنها ذات جمال ولا شباب. إنما كانت أرملة للسكران بن عمرو بن عبد شمس. كان زوجها من السابقين إلى الإسلام من مهاجري الحبشة. فلما توفي عنها، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم تزوج عائشة رضي الله عنها بنت الصديق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه وكانت صغيرة فلم يدخل بها إلا بعد الهجرة.
ولم يتزوج بكرا غيرها. وكانت أحب نسائه إليه، وقيل كانت سنها تسع سنوات وبقيت معه تسع سنوات وخمسة أشهر. وتوفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم تزوج حفصة بنت عمر رضي الله عنه وعنها بعد الهجرة بسنتين وأشهر. تزوجها ثيباً. بعدما عرضها أبوها على أبي بكر وعلى عثمان فلم يستجيبا. فوعده النبي خيراً منهما وتزوجها!
ثم تزوج زينب بنت خزيمة. وكان زوجها الأول عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب قد قتل يوم بدر. وتوفيت زينب هذه في حياته صلى الله عليه وسلم. وقيل كان زوجها قبل النبي هو عبد الله بن جحش الأسدي المستشهد يوم أحد. ولعل هذا هو الأقرب.
وتزوج أم سلمة. وكانت قبله زوجاً لأبي سلمة، الذي جرح في أحد، وظل جرحه يعاوده حتى مات به. فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أرملته. وضم إليه عيالها من أبي سلمة.
وتزوج زينب بنت جحش. بعد أن زوجها لمولاه ومتبناه زيد بن حارثة فلم تستقم حياتهما فطلقها. وقد عرضنا قصتها في سورة الأحزاب في الجزء الثاني والعشرين، وكانت جميلة وضيئة. وهي التي كانت عائشة رضي الله عنها تحس أنها تساميها، لنسبها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت عمته، ولوضاءتها!
ثم تزوج جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق بعد غزوة بني المصطلق في أواسط السنة السادسة الهجرية. قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها. قالت: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في أسهم الثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة مليحة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها. قالت عائشة: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها! وعرفت أنه سيرى منها صلى الله عليه وسلم ما رأيت، فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله. أنا جويرية بنت الحارث بن أبي صرار سيد قومه. وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسي، فجئت أستعينك على كتابتي. قال: «فهل لك في خير من ذلك؟» قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: «أقضي عنك كتابتك وأتزوجك؟» قالت: نعم يا رسول الله. قال: «قد فعلت».
ثم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان بعد الحديبية. وكانت مهاجرة مسلمة في بلاد الحبشة، فارتد زوجها عبد الله بن جحش إلى النصرانية وتركها. فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه نجاشي الحبشة. وجاءت من هناك إلى المدينة.
وتزوج إثر فتح خيبر بعد الحديبية صفية بنت حيي بن أخطب زعيم بني النضير. وكانت زوجة لكنانة ابن أبي الحقيق وهو من زعماء اليهود أيضاً. ويذكر ابن إسحاق في قصة زواجه صلى الله عليه وسلم منها: أنه أتي بها وبأخرى معها من السبي، فمر بهما بلال رضي الله عنه على قتلى من قتلى اليهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها. فقال صلى الله عليه وسلم «اعزبوا عني هذه الشيطانة» وأمر بصفية فحيزت خلفه، وألقى عليها رداءه فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم لبلال فيما بلغني حين رأى بتلك اليهودية ما رأى: «أنزعت منك الرحمة يا بلال؟ حين تمر بامرأتين على قتلى رجالهما؟».
ثم تزوج ميمونة بنت الحارث بن حزن. وهي خالة خالد بن الوليد وعبد الله بن عباس. وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبي رهم بن عبد العزى. وقيل حويطب بن عبد العزى. وهي آخر من تزوج صلى الله عليه وسلم.
وهكذا ترى أن لكل زوجة من أزواجه صلى الله عليه وسلم قصة وسبباً في زواجه منها. وهن فيمن عدا زينت بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، لم يكن شواب ولا ممن يرغب فيهن الرجال لجمال. وكانت عائشة رضي الله عنها هي أحب نسائه إليه. وحتى هاتان اللتان عرف عنهما الجمال والشباب كان هناك عامل نفسي وإنساني آخر إلى جانب جاذبيتهن ولست أحاول أن أنفي عنصر الجاذبية الذي لحظته عائشة في جويرية مثلاً، ولا عنصر الجمال الذي عرفت به زينب. فلا حاجة أبداً إلى نفي مثل هذه العناصر الإنسانية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وليست هذه العناصر موضع اتهام يدفعه الأنصار عن نبيهم. إذا حلا لأعدائه أن يتهموه! فقد اختير ليكون إنساناً. ولكن إنساناً رفيعاً. وهكذا كان. وهكذا كانت دوافعه في حياته وفي أزواجه صلى الله عليه وسلم على اختلاف الدوافع والأسباب.
ولقد عاش في بيته مع أزواجه بشراً رسولاً كما خلقه الله، وكما أمره أن يقول: {قل: سبحان ربي! هل كنت إلا بشراً رسولاً؟}
استمتع بأزواجه وأمتعهن. كما قالت عائشة رضي الله عنها عنه: «كان إذا خلا بنسائه ألين الناس. وأكرم الناس ضحاكاً بساماً». ولكنه إنما كان يستمتع بهن ويمتعهن من ذات نفسه، ومن فيض قلبه، ومن حسن أدبه، ومن كريم معاملته. فأما حياتهن المادية فكانت في غالبها كفافاً حتى بعد أن فتحت له الفتوح وتبحبح المسلمون بالغنائم والفيء. وقد سبق في سورة الأحزاب قصة طلبهن الوسعة في النفقة، وما أعقب هذا الطلب من أزمة، انتهت بتخييرهن بين الله ورسوله والدار الآخرة، أو المتاع والتسريح من عصمته صلى الله عليه وسلم فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
ولكن الحياة في جو النبوة في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لتقضي على المشاعر البشرية، والهواتف البشرية في نفوس أزواجه رضي الله عنهن فقد كان يبدو أو يشجر بينهن، ما لا بد أن يشجر في قلوب النساء في مثل هذه الحال. وقد سلف في رواية ابن إسحاق عن عائشة رضي الله عنها أنها كرهت جويريه بمجرد رؤيتها لما توقعته من استملاح رسول الله صلى الله عليه وسلم لها إذا رآها وصح ما توقعته فعلاً! وكذلك روت هي نفسها حادثاً لها مع صفية. قالت. «قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا. قال الراوي: تعني قصيرة! فقال صلى الله عليه وسلم-» لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته. كذلك روت عن نفسها أن النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت آية التخيير التي في الأحزاب، فاختارت هي الله ورسوله والدار الآخرة، طلبت إليه ألا يخبر زوجاته عن اختيارها! وظاهر لماذا طلبت هذا! فقال صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تعالى لم يبعثني معنفاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً. لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها..».
وهذه الوقائع التي روتها عائشة رضي الله عنها عن نفسها بدافع من صدقها ولتربيتها الإسلامية الناصعة ليست إلا أمثلة لغيرها تصور هذا الجو الإنساني الذي لا بد منه في مثل هذه الحياة. كما تصور كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤدي رسالته بالتربية والتعلية في بيته كما يؤديها في أمته سواء.
وهذا الحادث الذي نزل بشأنه صدر هذه السورة هو واحد من تلك الأمثلة التي كانت تقع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي حياة أزواجه. وقد وردت بشأنه روايات متعددة ومختلفة سنعرض لها عند استعراض النصوص القرآنية في السورة.
وبمناسبة هذا الحادث وما ورد فيه من توجيهات.
وبخاصة دعوة الزوجتين المتآمرتين فيه إلى التوبة. أعقبه في السورة دعوة إلى التوبة وإلى قيام أصحاب البيوت على بيوتهم بالتربية، ووقاية أنفسهم وأهليهم من النار.
كما ورد مشهد للكافرين في هذه النار. واختتمت السورة بالحديث عن امرأة نوح وامرأة لوط كمثل للكفر في بيت مؤمن. وعن امرأة فرعون كمثل للإيمان في بيت كافر، وكذلك عن مريم ابنة عمران التي تطهرت فتلقت النفخة من روح الله وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين..
{يا أيها النبي لم تحرم مآ أحل الله لك، تبتغي مرضاة أزواجك، والله غفور رحيم. قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم}.
{وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرَّف بعضه وأعرض عن بعض، فلما نبأها به قالت: من أنبأك هذا؟ قال: نبأني العليم الخبير}.
{إن تتوبآ إلى الله فقد صغت قلوبكما، وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير. عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً}..
وردت في سبب نزول هذه الآيات روايات متعددة منها ما رواه البخاري عند هذه الآية قال: حدثنا إبراهيم ابن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش، ويمكث عندها. فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير. إني أجد منك ريح مغافير. قال: «لا. ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش فلن أعود له. وقد حلفت. لا تخبري بذلك أحداً». فهذا هو ما حرمه على نفسه وهو حلال له: {لم تحرم ما أحل الله لك؟}.
ويبدو أن التي حدثها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث وأمرها بستره قالت لزميلتها المتآمرة معها. فأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على الأمر. فعاد عليها في هذا وذكر لها بعض ما دار بينها وبين زميلتها دون استقصاء لجميعه. تمشياً مع أدبه الكريم. فقد لمس الموضوع لمساً مختصراً لتعرف أنه يعرف وكفى. فدهشت هي وسألته: {من أنبأك هذا؟}.. ولعله دار في خلدها أن الأخرى هي التي نبأته! ولكنه أجابها: {نبأني العليم الخبير}.. فالخبر من المصدر الذي يعلمه كله. ومضمون هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم كل ما دار، لا الطرف الذي حدثها به وحده!
وقد كان من جراء هذا الحادث، وما كشف عنه من تآمر ومكايدات في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم أن غضب.
فآلى من نسائه لا يقربهن شهراً، وهم بتطليقهن على ما تسامع المسلمون ثم نزلت هذه الآيات. وقد هدأ غضبه صلى الله عليه وسلم فعاد إلى نسائه بعد تفصيل سنذكره بعد عرض رواية أخرى للحادث.
وهذه الرواية الأخرى أخرجها النسائي من حديث أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها. فأنزل الله عز وجل: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك؛ تبتغي مرضاة أزواجك}..
وفي رواية لابن جرير ولابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم وطئ مارية أم ولده إبراهيم في بيت حفصه. فغضبت وعدتها إهانة لها. فوعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريم مارية وحلف بهذا. وكلفها كتمان الأمر. فأخبرت به عائشة.. فهذا هو الحديث الذي جاء ذكره في السورة.
وكلا الروايتين يمكن أن يكون هو الذي وقع. وربما كانت هذه الثانية أقرب إلى جو النصوص وإلى ما أعقب الحادث من غضب كاد يؤدي إلى طلاق زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم نظراً لدقة الموضوع وشدة حساسيته. ولكن الرواية الأولى أقوى إسناداً. وهي في الوقت ذاته ممكنة الوقوع، ويمكن أن تحدث الآثار التي ترتبت عليها. إذا نظرنا إلى المستوى الذي يسود بيوت النبي، مما يمكن أن تعد فيه الحادثة بهذا الوصف شيئاً كبيراً.. والله أعلم أي ذلك كان.
أما وقع هذا الحادث حادث إيلاء النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه، فيصوره الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو يرسم كذلك جانباً من صورة المجتمع الإسلامي يومذاك.. قال: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله ابن عبد الله بن أبي ثور، عن ابن عباس قال: لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} حتى حج عمر وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة، فتبّرز، ثم أتاني فسكبت على يديه فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}؟ فقال عمر: واعجباً لك يا ابن عباس! قال الزهري: كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه قال: هي عائشة وحفصة. قال: ثم أخذ يسوق الحديث، قال: كنا معشر قريش قوماً نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم. قال: وكان منزلي في دار أمية بن زيد بالعوالي. قال: فغضبت يوماً على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل! قال: فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم! قلت: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم! قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر! أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت؟ لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئاً وسليني من مالي ما بدا لك، ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أوسم أي أجمل وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منك يريد عائشة قال: وكان لي جار من الأنصار وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوماً وأنزل يوماً، فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك. قال: وكنا نتحدث أن غسان تنحل الخيل لتغزونا. فنزل صاحبي يوماً ثم أتى عشاء فضرب بابي ثم نادى، فخرجت إليه، فقال: حدث أمر عظيم. فقلت: وما ذاك؟ أجاءت غسان؟ قال: لا. بل أعظم من ذلك وأطول! طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه! فقلت: قد خابت حفصة وخسرت! قد كنت أظن هذا كائناً. حتى إذا صليت الصبح شددت على ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي. فقلت: أطلقكن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ فقالت: لا أدري. هو هذا معتزل في هذه المشربة. فأتيت غلاماً أسود فقلت: استأذن لعمر. فدخل الغلام ثم خرج إلي فقال: ذكرتك له فصمت! فانطلقت حتى أتيت المنبر، فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم. فجلست عنده قليلاً، ثم غلبني ما أجد، فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثم خرج إليّ فقال: ذكرتك له فصمت! فخرجت فجلست إلى المنبر، ثم غلبني ما أجد، فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثم خرج إليّ فقال: ذكرتك له فصمت! فوليت مدبراً فإذا الغلام يدعوني. فقال: ادخل قد أذن لك. فدخلت فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكئ على رمل حصير قد أثر في جنبه. فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال: «لا». فقلت: الله أكبر! ولو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قوماً نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فغضبت على امرأتي يوماً، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. فقلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر! أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله؛ فإذا هي قد هلكت؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت: لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم أو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك! فتبسم أخرى. فقلت: أستأنس يا رسول الله! قال: «نعم» فجلست، فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت في البيت شيئاً يرد البصر إلا هيبة مقامه فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله. فاستوى جالساً وقال: «أفي شك أنت يا بن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا» فقلت: «استغفر لي يا رسول الله.. وكان أقسم ألا يدخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله عز وجل».
(وقد رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري بهذا النص)..
هذه رواية الحادث في السير. فلننظر في السياق القرآني الجميل:
تبدأ السورة بهذا العتاب من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم:
{يا أيها النبي لم تحرم مآ أحل الله لك، تبتغي مرضاة أزواجك، والله غفور رحيم؟ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم، والله مولاكم، وهو العليم الحكيم}..
وهو عتاب مؤثر موح. فما يجوز أن يحرم المؤمن على نفسه ما أحله الله له من متاع. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن حرم العسل أو مارية بمعنى التحريم الشرعي؛ إنما كان قد قرر حرمان نفسه. فجاء هذا العتاب يوحي بأن ما جعله الله حلالاً فلا يجوز حرمان النفس منه عمداً وقصداً إرضاء لأحد.. والتعقيب.. {والله غفور رحيم}.. يوحي بأن هذا الحرمان من شأنه أن يستوجب المؤاخذة، وأن تتداركه مغفرة الله ورحمته. وهو إيحاء لطيف.
فأما اليمين التي يوحي النص بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حلفها، فقد فرض الله تحلتها. أي كفارتها التي يحل منها. ما دامت في غير معروف والعدول عنها أولى. {والله مولاكم}.. فهو يعينكم على ضعفكم وعلى ما يشق عليكم. ومن ثم فرض تحلة الأيمان، للخروج من العنت والمشقة.. {وهو العليم الحكيم}. يشرع لكم عن علم وعن حكمة، ويأمركم بما يناسب طاقتكم وما يصلح لكم. فلا تحرموا إلا ما حرم، ولا تحلوا غير ما أحل.
وهو تعقيب يناسب ما قبله من توجيه.
ثم يشير إلى الحديث ولا يذكر موضوعه ولا تفصيله، لأن موضوعه ليس هو المهم، وليس هو العنصر الباقي فيه. إنما العنصر الباقي هو دلالته وآثاره:
{وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً}..
ومن النص نطلع على نموذج من تلك الفترة العجيبة في تاريخ البشرية. الفترة التي يعيش فيها الناس مع السماء. والسماء تتدخل في أمرهم علانية وتفصيلاً. ونعلم أن الله قد أطلع نبيه على ما دار بين زوجيه بشأن ذلك الحديث الذي أسره إلى بعض أزواجه. وأنه صلى الله عليه وسلم حين راجعها فيه اكتفى بالإشارة إلى جانب منه. ترفعاً عن السرد الطويل، وتجملاً عن الإطالة في التفصيل؛ وأنه أنبأها بمصدر علمه وهو المصدر الأصيل:
{فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض، فلما نبأها به قالت: من أنبأك هذا؟ قال: نبأني العليم الخبير}..
والإشارة إلى العلم والخبرة هنا إشارة مؤثرة في حالة التآمر والمكايدات المحبوكة وراء الأستار! ترد السائلة إلى هذه الحقيقة التي ربما نسيتها أو غفلت عنها، وترد القلوب بصفة عامة إلى هذه الحقيقة كلما قرأت هذا القرآن.
ويتغير السياق من الحكاية عن حادث وقع إلى مواجهة وخطاب للمرأتين كأن الأمر حاضر:
{إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما. وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير}..
وحين نتجاوز صدر الخطاب، ودعوتهما إلى التوبة لتعود قلوبهما فتميل إلى الله، فقد بعدت عنه بما كان منها.. حين نتجاوز هذه الدعوة إلى التوبة نجد حملة ضخمة هائلة وتهديداً رعيباً مخيفاً.
ومن هذه الحملة الضخمة الهائلة ندرك عمق الحادث وأثره في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احتاج الأمر إلى إعلان موالاة الله وجبريل وصالح المؤمنين. والملائكة بعد ذلك ظهيرا! ليطيب خاطر الرسول صلى الله عليه وسلم ويحس بالطمأنينة والراحة من ذلك الأمر الخطير!
ولا بد أن الموقف في حس رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي محيطه كان من الضخامة والعمق والتأثير إلى الحد الذي يتناسب مع هذه الحملة. ولعلنا ندرك حقيقته من هذا النص ومما جاء في الرواية على لسان الأنصاري صاحب عمر رضي الله عنهما وهو يسألة: جاءت غسان؟ فيقول لا بل أعظم من ذلك وأطول. وغسان هي الدولة العربية الموالية للروم في الشام على حافة الجزيرة، وهجومها إذ ذاك أمر خطير. ولكن الأمر الآخر في نفوس المسلمين كان أعظم وأطول! فقد كانوا يرون أن استقرار هذا القلب الكبير، وسلام هذا البيت الكريم أكبر من كل شأن.
وأن اضطرابه وقلقه أخطر على الجماعة المسلمة من هجوم غسان عملاء الروم! وهو تقدير يوحي بشتى الدلالات على نظرة أولئك الناس للأمور. وهو تقدير يلتقي بتقدير السماء للأمر، فهو إذن صحيح قويم عميق.
وكذلك دلالة الآية التالية، وتفصيل صفات النساء اللواتي يمكن أن يبدل الله النبي بهن من أزواجه ولو طلقهن. مع توجيه الخطاب للجميع في معرض التهديد:
{عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات، مؤمنات، قانتات، تائبات، عابدات، سائحات، ثيبات وأبكاراً}..
وهي الصفات التي يدعوهن إليها عن طريق الإيحاء والتلميح.
الإسلام الذي تدل عليه الطاعة والقيام بأوامر الدين. والإيمان الذي يعمر القلب، وعنه ينبثق الإسلام حين يصح ويتكامل. والقنوت وهو الطاعة القلبية. والتوبة وهي الندم على ما وقع من معصية والاتجاه إلى الطاعة. والعبادة وهي أداة الاتصال بالله والتعبير عن العبودية له. والسياحة وهي التأمل والتدبر والتفكر في إبداع الله والسياحة بالقلب في ملكوته. وهن مع هذه الصفات من الثيبات ومن الأبكار. كما أن نساءه الحاضرات كان فيهن الثيب وفيهن البكر.
وهو تهديد لهن لا بد كان له ما يقتضيه من تأثير مكايداتهن في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان ليغضب من قليل!
وقد رضيت نفس النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآيات. وخطاب ربه له ولأهل بيته. واطمأن هذا البيت الكريم بعد هذه الزلزلة، وعاد إليه هدوؤه بتوجيه الله سبحانه. وهو تكريم لهذا البيت ورعاية تناسب دوره في إنشاء منهج الله في الأرض وتثبيت أركانه.
وبعد فهذه صورة من الحياة البيتية لهذا الرجل الذي كان ينهض بإنشاء أمة، وإقامة دولة، على غير مثال معروف، وعلى غير نسق مسبوق. أمة تنهض بحمل أمانة العقيدة الإلهية في صورتها الأخيرة، وتنشئ في الأرض مجتمعاً ربانياً، في صورة واقعية يتأسى بها الناس.
وهي صورة من حياة إنسان كريم رفيع جليل عظيم. يزاول إنسانيته في الوقت الذي يزاول فيه نبوته. فلا تفترق هذه عن تلك؛ لأن القدر جرى بأن يكون بشراً رسولاً، حينما جرى بأن يحمله الرسالة الأخيرة للبشر أو منهج الحياة الأخير.
إنها الرسالة الكاملة يحملها الرسول الكامل. ومن كمالها أن يظل الإنسان بها إنساناً. فلا تكبت طاقة من طاقاته البانية. ولا تعطل استعداداً من استعداداته النافعة؛ وفي الوقت ذاته تهذبه وتربيه، وترتفع به إلى غاية مراقيه.
وكذلك فعل الإسلام بمن فقهوه وتكيفوا به، حتى استحالوا نسخاً حية منه. وكانت سيرة نبيهم وحياته الواقعية، بكل ما فيها من تجارب الإنسان، ومحاولات الإنسان، وضعف الإنسان، وقوة الإنسان، مختلطة بحقيقة الدعوة السماوية، مرتقية بها خطوة خطوة كما يبدو في سيرة أهله وأقرب الناس إليه كانت هي النموذج العملي للمحاولة الناجحة، يراها ويتأثر بها من يريد القدوة الميسرة العملية الواقعية، التي لا تعيش في هالات ولا في خيالات!
وتحققت حكمة القدر في تنزيل الرسالة الأخيرة للبشر بصورتها الكاملة الشاملة المتكاملة.
وفي اختيار الرسول الذي يطيق تلقيها وترجمتها في صورة حية. وفي جعل حياة هذا الرسول كتاباً مفتوحاً يقرؤه الجميع. وتراجعه الأجيال بعد الأجيال..
وفي ظلال هذا الحادث الذي كان وقعه عميقاً في نفوس المسلمين، يهيب القرآن بالذين آمنوا ليؤدوا واجبهم في بيوتهم من التربية والتوجيه والتذكير، فيقوا أنفسهم وأهليهم من النار. ويرسم لهم مشهداً من مشاهدها. وحال الكفار عندها. وفي ظلال الدعوة إلى التوبة التي وردت في سياق الحادث يدعو الذين آمنوا إلى التوبة، ويصور لهم الجنة التي تنتظر التائبين. ثم يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهاد الكفار والمنافقين.. وهذا هو المقطع الثاني في السورة:
{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً، وقودها الناس والحجارة، عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله مآ أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم، إنما تجزون ما كنتم تعملون. يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه، نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، يقولون: ربنآ أتمم لنا نورنا، واغفر لنآ إنك على كل شيء قدير. يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم، ومأواهم جهنم وبئس المصير}..
إن تبعة المؤمن في نفسه وفي أهله تبعة ثقيلة رهيبة. فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله، وعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظر هناك. إنها نار. فظيعة متسعرة: {وقودها الناس والحجارة}.. الناس فيها كالحجارة سواء. في مهانة الحجارة. وفي رخص الحجارة، وفي قذف الحجارة. دون اعتبار ولا عناية. وما أفظعها ناراً هذه التي توقد بالحجارة! وما أشده عذاباً هذا الذي يجمع إلى شدة اللذع المهانة والحقارة! وكل ما بها وما يلابسها فظيع رهيب: {عليها ملائكة غلاظ شداد}. تتناسب طبيعتهم مع طبيعة العذاب الذي هم به موكلون.. {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}.. فمن خصائصهم طاعة الله فيما يأمرهم، ومن خصائصهم كذلك القدرة على النهوض بما يأمرهم.. وهم بغلظتهم هذه وشدتهم موكلون بهذه النار الشديدة الغليظة. وعلى المؤمن أن يقي نفسه وأن يقي أهله من هذه النار. وعليه أن يحول بينها وبينهم قبل أن تضيع الفرصة ولا ينفع الاعتذار. فها هم أولاء الذين كفروا يعتذرون وهم عليها وقوف، فلا يؤبه لاعتذارهم، بل يجبهون بالتيئيس:
{يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم.
إنما تجزون ما كنتم تعملون}..
لا تعتذروا فليس اليوم يوم اعتذار، إنما هو يوم الجزاء على ما كان من عمل. وقد عملتم ما تجزون عليه بهذه النار!
فكيف يقي المؤمنون أنفسهم وأهليهم من هذه النار؟ إنه يبين لهم الطريق، ويطمعهم بالرجاء:
{يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً، عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار. يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه، نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، يقولون: ربنآ أتمم لنا نورنا، واغفر لنآ إنك على كل شيء قدير}..
هذا هو الطريق.. توبة نصوح.. توبة تنصح القلب وتخلصه، ثم لا تغشه ولا تخدعه.
توبه عن الذنب والمعصية، تبدأ بالندم على ما كان، وتنتهي بالعمل الصالح والطاعة، فهي عندئد تنصح القلب فتخلصه من رواسب المعاصي وعكارها؛ وتحضه على العمل الصالح بعدها. فهذه هي التوبة النصوح. التوبة التي تظل تذكر القلب بعدها وتنصحه فلا يعود إلى الذنوب.
فإذا كانت هذه التوبة فهي مرجوة إذن في أن يكفر الله بها السيئات. وأن يدخلهم الجنات. في اليوم الذي يخزي فيه الكفار كما هم في المشهد الذي سبق في السياق. ولا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه.
وإنه لإغراء مطمع، وتكريم عظيم، أن يضم الله المؤمنين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيجعلهم معه صفاً يتلقى الكرامة في يوم الخزي. ثم يجعل لهم نوراً {يسعى بين أيديهم وبأيمانهم}. نوراً يعرفون به في ذلك اليوم الهائل المائج العصيب الرهيب. ونوراً يهتدون به في الزحام المريج. ونوراً يسعى بين أيديهم وبأيمانهم إلى الجنة في نهاية المطاف!
وهم في رهبة الموقف وشدته يلهمون الدعاء الصالح بين يدي الله: {يقولون: ربنا أتمم لنا نورنا، واغفر لنا، إنك على كل شيء قدير}.. وإلهامهم هذا الدعاء في هذا الموقف الذي يلجم الألسنة ويسقط القلوب، هو علامة الاستجابة. فما يلهم الله المؤمنين هذا الدعاء إلا وقد جرى قدره بأنه سيستجيب. فالدعاء هنا نعمة يمنّ بها الله عليهم تضاف إلى منة الله بالتكريم وبالنور.
فأين هذا من النار التي وقودها الناس والحجارة؟
إن هذا الثواب، كذلك العقاب، كلاهما يصور تبعة المؤمن في وقاية نفسه وأهله من النار، وإنالتهم هذا النعيم في جنات تجري من تحتها الأنهار.
وفي ظلال ذلك الحادث الذي كان في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ندرك الإيحاء المقصود هنا من وراء هذه النصوص.
إن المؤمن مكلف هداية أهله، وإصلاح بيته، كما هو مكلف هداية نفسه وإصلاح قلبه.
إن الإسلام دين أسرة كما أسلفنا في سورة الطلاق ومن ثم يقرر تبعة المؤمن في أسرته، وواجبه في بيته.
والبيت المسلم هو نواة الجماعة المسلمة، وهو الخلية التي يتألف منها ومن الخلايا الأخرى ذلك الجسم الحي.. المجتمع الإسلامي..
إن البيت الواحد قلعة من قلاع هذه العقيدة. ولا بد أن تكون القلعة متماسكة من داخلها حصينة في ذاتها، كل فرد فيها يقف على ثغرة لا ينفذ إليها. وإلا تكن كذلك سهل اقتحام المعسكر من داخل قلاعه، فلا يصعب على طارق، ولا يستعصي على مهاجم!
وواجب المؤمن أن يتجه بالدعوة أول ما يتجه إلى بيته وأهله. واجبه أن يؤمن هذه القلعة من داخلها. واجبه أن يسد الثغرات فيها قبل أن يذهب عنها بدعوته بعيداً.
ولا بد من الأم المسلمة. فالأب المسلم وحده لا يكفي لتأمين القلعة. لا بد من أب وأم ليقوما كذلك على الأبناء والبنات. فعبثاً يحاول الرجل أن ينشئ المجتمع الإسلامي بمجموعة من الرجال. لا بد من النساء في هذا المجتمع فهن الحارسات على النشء، وهو بذور المستقبل وثماره.
ومن ثم كان القرآن يتنزل للرجال وللنساء؛ وكان ينظم البيوت، ويقيمها على المنهج الإسلامي، وكان يحمل المؤمنين تبعة أهليهم كما يحملهم تبعة أنفسهم: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً}..
هذا أمر ينبغي أن يدركه الدعاة إلى الإسلام وأن يدركوه جيداً. إن أول الجهد ينبغي أن يوجه إلى البيت. إلى الزوجة. إلى الأم. ثم إلى الأولاد؛ وإلى الأهل بعامة. ويجب الاهتمام البالغ بتكوين المسلمة لتنشئ البيت المسلم. وينبغي لمن يريد بناء بيت مسلم أن يبحث له أولاً عن الزوجة المسلمة. وإلا فسيتأخر طويلاً بناء الجماعة الإسلامية. وسيظل البنيان متخاذلاً كثير الثغرات!
وفي الجماعة المسلمة الأولى كان الأمر أيسر مما هو في أيامنا هذه.. كان قد أنشئ مجتمع مسلم في المدينة يهيمن عليه الإسلام. يهيمن عليه بتصوره النظيف للحياة البشرية، ويهيمن عليه بتشريعه المنبثق من هذا التصور. وكان المرجع فيه، مرجع الرجال والنساء جميعاً، إلى الله ورسوله. وإلى حكم الله وحكم رسوله. فإذا نزل الحكم فهو القضاء الأخير.. وبحكم وجود هذا المجتمع وسيطرة تصوره وتقاليده على الحياة كان الأمر سهلاً بالنسبة للمرأة لكي تصوغ نفسها كما يريد الإسلام. وكان الأمر سهلاً بالنسبة للأزواج كي ينصحوا نساءهم ويربوا أبناءهم على منهج الإسلام..
نحن الآن في موقف متغير. نحن نعيش في جاهلية. جاهلية مجتمع. وجاهلية تشريع. وجاهلية أخلاق. وجاهلية تقاليد. وجاهلية نظم. وجاهلية آداب. وجاهلية ثقافة كذلك!!
والمرأة تتعامل مع هذا المجتمع الجاهلي، وتشعر بثقل وطأته الساحقة حين تهم أن تلبي الإسلام، سواء اهتدت إليه بنفسها، أو هداها إليه رجلها. زوجها أو أخوها أو أبوها..
هناك كان الرجل والمرأة والمجتمع. كلهم. يتحاكمون إلى تصور واحد، وحكم واحد، وطابع واحد.
فأما هنا فالرجل يتحاكم إلى تصور مجرد لا وجود له في دنيا الواقع. والمرأة تنوء تحت ثقل المجتمع الذي يعادي ذلك التصور عداء الجاهلية الجامح! وما من شك أن ضغط المجتمع وتقاليده على حس المرأة أضعاف ضغطه على حس الرجل!
وهنا يتضاعف واجب الرجل المؤمن، إن عليه أن يقي نفسه النار! ثم عليه أن يقي أهله وهم تحت هذا الضغط الساحق والجذب العنيف!
فينبغي له أن يدرك ثقل هذا الواجب ليبذل له من الجهد المباشر أضعاف ما كان يبذله أخوه في الجماعة المسلمة الأولى. ويتعين حينئذ على من يريد أن ينشئ بيتاً أن يبحث أولاً عن حارسة للقلعة، تستمد تصورها من مصدر تصوره هو.. من الإسلام.. وسيضحي في هذا بأشياء: سيضحي بالالتماع الكاذب في المرأة. سيضحي بخضراء الدمن! سيضحي بالمظهر البراق للجيف الطافية على وجه المجتمع. ليبحث عن ذات الدين، التي تعينه على بناء بيت مسلم، وعلى إنشاء قلعة مسلمة! ويتعين على الآباء المؤمنين الذين يريدون البعث الإسلامي أن يعلموا أن الخلايا الحية لهذا البعث وديعة في أيديهم وأن عليهم أن يتوجهوا إليهن بالدعوة والتربية والإعداد قبل أي أحد آخر. وأن يستجيبوا لله وهو يدعوهم: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً}؛
ونرجع الكرة بهذه المناسبة إلى طبيعة الإسلام التي تقتضي قيام الجماعة المسلمة التي يهيمن عليها الإسلام، والتي يتحقق فيها وجوده الواقعي. فهو مبني على أساس أن تكون هناك جماعة. الإسلام عقيدتها، والإسلام نظامها، والإسلام شريعتها، والإسلام منهجها الكامل الذي تستقي منه كل تصوراتها.
هذه الجماعة هي المحضن الذي يحمي التصور الإسلامي ويحمله إلى النفوس، ويحميها من ضغط المجتمع الجاهلي، كما يحميها من فتنة الإيذاء سواء.
ومن ثم تتبين أهمية الجماعة المسلمة التي تعيش فيها الفتاة المسلمة والمرأة المسلمة، محتمية بها من ضغط المجتمع الجاهلي حولها. فلا تتمزق مشاعرها بين مقتضيات تصورها الإسلامي وبين تقاليد المجتمع الجاهلي الضاغط الساحق. ويجد فيها الفتى المسلم شريكة في العش المسلم، أو في القلعة المسلمة، التي يتألف منها ومن نظيراتها المعسكر الإسلامي.
إنها ضرورة- وليست نافلة- أن تقوم جماعة مسلمة، تتواصى بالإسلام، وتحتضن فكرته وأخلاقه وآدابه وتصوراته كلها، فتعيش بها فيما بينها، وتعيش لها تحرسها وتحميها وتدعو إليها، في صورة واقعية يراها من يدعون إليها من المجتمع الجاهلي الضال ليخرجوا من الظلمات إلى النور بإذن الله. إلى أن يأذن الله بهيمنة الإسلام. حتى تنشأ الأجيال في ظله، في حماية من الجاهلية الضاربة الأطناب..
وفي سبيل حماية الجماعة المسلمة الأولى كان الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمجاهدة أعدائها:
{يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين، واغلظ عليهم، ومأواهم جهنم وبئس المصير}.
وهي لفتة لها معناها وقيمتها بعدما تقدم من أمر المؤمنين بوقاية أنفسهم وأهليهم من النار. وبالتوبة النصوح التي تكفر عنهم السيئات وتدخلهم الجنة تجري من تحتها الأنهار..
لها معناها وقيمتها في ضرورة حماية المحضن الذي تتم فيه الوقاية من النار. فلا تترك هذه العناصر المفسدة الجائرة الظالمة، تهاجم المعسكر الإسلامي من خارجه كما كان الكفار يصنعون. أو تهاجمه من داخله كما كان المنافقون يفعلون.
وتجمع الآية بين الكفار والمنافقين في الأمر بجهادهم والغلظة عليهم. لأن كلا من الفريقين يؤدي دوراً مماثلاً في تهديد المعسكر الإسلامي، وتحطيمه أو تفتيته. فجهادهم هو الجهاد الواقي من النار. وجزاؤهم هو الغلظة عليهم من رسول الله والمؤمنين في الدنيا.
{ومأواهم جهنم وبئس المصير} في الآخرة!
وهكذا تتناسق هذه الجولة فيما بين آياتها واتجاهاتها؛ كما تتناسق بجملتها مع الجولة الأولى مع السياق..
ثم تجيء الجولة الثالثة والأخيرة. وكأنها التكملة المباشرة للجولة الأولى، إذ تتحدث عن نساء كافرات في بيوت أنبياء. ونساء مؤمنات في وسط كفار:
{ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين، فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً، وقيل: ادخلا النار مع الداخلين.. وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون، إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة، ونجني من فرعون وعمله، ونجني من القوم الظالمين. ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا، وصدقت بكلمات ربها وكتبه. وكانت من القانتين}..
والمأثور في تفسير خيانة امرأة نوح وامرأة لوط، أنها كانت خيانة في الدعوة، وليست خيانة الفاحشة. امرأة نوح كانت تسخر منه مع الساخرين من قومه؛ وإمرأة لوط كانت تدل القوم على ضيوفه وهي تعلم شأنهم مع ضيوفه!
والمأثور كذلك عن امرأة فرعون أنها كانت مؤمنة في قصره ولعلها كانت أسيوية من بقايا المؤمنين بدين سماوي قبل موسى. وقد ورد في التاريخ أن أم أمنحوتب الرابع الذي وحد الآلهة في مصر ورمز للإله الواحد بقرص الشمس، وسمى نفسه إخناتون.. كانت أسيوية على دين غير دين المصريين.. والله أعلم إن كانت هي المقصودة في هذه السورة أم إنها امرأة فرعون موسى.. وهو غير أمنحوتب هذا..
ولا يعنينا هنا التحقيق التاريخي لشخص امرأة فرعون.. فالإشارة القرآنية تعني حقيقة دائمة مستقلة عن الأشخاص. والأشخاص مجرد أمثلة لهذه الحقيقة..
إن مبدأ التبعة الفردية يراد إبرازه هنا، بعد الأمر بوقاية النفس والأهل من النار. كما يراد أن يقال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأزواج المؤمنين كذلك: إن عليهن أنفسهن بعد كل شيء.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال