سورة الحاقة / الآية رقم 44 / تفسير تفسير البقاعي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

فَلَيْسَ لَهُ اليَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ لاَ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الخَاطِئُونَ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الكَافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ اليَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي المَعَارِجِ تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الجِبَالُ كَالْعِهْنِ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً

الحاقةالحاقةالحاقةالحاقةالحاقةالحاقةالحاقةالحاقةالمعارجالمعارجالمعارجالمعارجالمعارجالمعارجالمعارج




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


ولما أثبت أنه قوله سبحانه وتعالى لأنه قول رسوله صلى الله عليه وسلم لنا وهولا ينطق عن الهوى، نفى عنه ما يتقولونه عليه، فبدأ بالشعر وهو ما يقوله الإنسان من تلقاء نفسه على وزن مقصود صدقاً كان أو كذباً، ولا بد فيه للتقيد بالوزن والقافية من التكلف الذي القرآن بعيد عنه، وهو مع مشاركته للسجع في التكلف الناقص للمعنى أعلى منه بالوزن الذي يكسبه الرونق والحلاوة فقال: {وما هو} أي هذا الذكر في باطن أمره ولا ظاهره، وأكد النفي فقال: {بقول شاعر} أي يأتي بكلام مقفى موزون بقصد الوزن، وإنما قيل أنه ليس بقول من هو كذلك لأنه، لا يوافق الوزن فيه إلا أماكن نادرة بالنسبة إلى مجموع القرآن، ومن المقطوع به أن ذلك لا يرضى به شاعر وهو أنه ينصب نفسه منصب النظم والارتهان بعهدة الوزن، ثم يأتي بكلام أكثره غير موزون، فعلم قطعاً أن الذي وافق الوزن فيه غير مقصود فليس بشعر.
ولما كانت مخالفة القرآن للشعر خفية من حيث أنه لا يعرف ذلك إلا الشعراء وهم قليل في الناس، والأغلب لا يعرفون ذلك، ختم الآية بالإيمان الذي هو التصديق بالغيب فقال تعالى: {قليلاً ما تؤمنون} أي ما توجدون التصديق الذي هو الإيمان إلا إيجاداً أو زماناً قليلاً، وذلك لأني قد أخبرتكم بذلك في غير موضع فلم تصدقوا وفيكم شعراء كثير يعرفون معرفة تامة أنه مخالف للشعر، وقد أخبركم بعضهم بذلك كالوليد بن المغير وعتبة ابن ربيعة وغيرهما ثم لا تتبعون ذلك ثمرته، وهو الإيمان بالله ورسوله، وإيمانهم القليل إقرار من أقر من شعرائهم أنه ليس بشعر، وإخلاصهم بالوحدانية عند الاضطرار وإفرادهم الخالق بالخلق والربوبية، وهو إيمان لغوي لا شرعي، ولما كان من يعرف الشعر يعرف النثر فهو أعلى فقدمه، أتبعه النثر فقال: {ولا بقول كاهن} وهو المنجم الذي يخبر عن أشياء يوهمها لرئي يخبره بذلك، وأغلبها ليس لها صحة، وعبارته عن ذلك بالسجع المتكلف المقصود كونه سجعاً الذي يكون المعنى فيه تابعاً للفظ للتحلية بمشاكلة المقاطع.
ولما كانت مباينة القرآن للسجع خفية جداً لما فيه من الفواصل في الأغلب وتركها في البعث فارق لأن الساجعين لا يرضون أن يأتوا بقرينة لا أخت لها ويعدون ذلك وعياً عيباً رديئاً، وكذا تطويل السجعة عن قرينتها وتضعيفها على عديلتها لا يرضى به ساجع ولو أنه هاجع، ومباينة النبي صلى الله عليه وسلم للكهنة ظاهرة جداً، فإن الكاهن من ينصب نفسه للدلال على الضوائع والإخبار بالمغيبات يصدق فيها تارة ويكذب كثيراً، ويأخذ الجعل على ذلك، ويقتصر على من يسأله، فعبر لذلك ب {كاهن} دون «ساجع» أدار أمره على التفكر فقال: {قليلاً ما} وأكد أمر القلة والخفاء بإدغام تاء التفعل فقال تعالى: {تذكرون} فلذلك يلتبس عليكم الأمر أو على من تلبسون عليه بذلك، فعلم أن الذي يفرق بينهما موجود فيهم لأنه يرى أن الكتاب تابع للمعنى الصحيح الثابت، فإن صح غاية الصحة مع وجود القرائن المتوافقة في الروي كان وإلا انتقل عن ذلك إلى قرائن غير متوافقة في روي ولا ما يقاربه، أو قريبة مفردة مع إمكان جعلها كما قبلها لكن مع نقصان المقصور وطول الكلام ونحو ذلك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدّع يوماً من الأيام علم الغيب ولا نصيب نفسه الشريفة لشيء مما الكهان فيه ولا نقل في ساعة من الدهر عن الجن خبراً ذكر أنه استفاده منهم ولا مدحهم لذلك كما تفعل الكهان، بل ذم الفاسقين منهم غاية الذم وقال: إن أكثر ما يأتون به الكذب، ولا سأل جعلاً عما يدعو إليه ولا اقتصر على من يأتيه للسؤال، بل هو صلى الله عليه وسلم يتبع الناس في مجامعهم يدعوهم إلى الله بإنقاذهم نم الضلال فمباينته للكهان لا يحتاج إلى غير تذكر قليل- كما أشار إليه إدغام تاء التفعل- فثبت أن القول ليس بكهانة، وقائله والمؤدي له ليس بكاهن، ونسبة القول إلى المبلغ لكونه مبلغاً واضحة الصحة.
ولما أثبت أنه قول الرسول الذي لا ينطق عن الهوى، ونفى عنه ما قد يلبس من الشعر والكهانة، ولم يذكر ما كانوا يرمونه به من السحر والأضغاث لأنه عتاد محض لا يرتاب أحد فيه، وكانت السورة مقصوداً فيه إثبات الحقائق التي قد تخفى، وصفه بما يحقق ما أريد من نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {تنزيل} أي على وجه التنجيم وأشار إلى إرساله إلى جميع الخلق من أهل السماوات والأرض بقوله: {من رب العالمين} أي موجدهم ومدبرهم بالإحسان إليهم بما يفهم كل منهم من هذا الذكر الذي رباهم به، ورتب سبحانه نظمه على وجه سهله على كل منهم شيئاً يكفي في هدايته البيانية بخلاف الشعر والكهانة فإنه لا يفهمهما إلا قليل من الناس لا جميع العالمين، بل كثير من أكابر العلماء وحذاقهم ربما قرئ على أحد منهم الآن القصيدة من قصائد العرب فلا يفهم المراد منها ولا يتضح له بوجه.
ولما كان قد بقي من الأقسام التي كانوا يتقولونها عليه الافتراء في الرسالة بمعنى أنه عثر على بعض كتب الله تعالى التي نزلت على من قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فانتحلها من غير أن يوحى إليه، وكان الدليل على أن ذلك ليس كذلك أن العادة تحيل أن يطلع شخص من الناس على شيء لم يطلع أحد منهم ولا سيما إن كان ذلك الشخص قليل المخالطة للعلماء فكيف إذا كان أمياً لا يكتب ولا يقرأ كما كان صلى الله عليه وسلم، قال عاطفاً على ما تقديره: فلو لم يكن تنزيل رب العالمين عليه لم يعجزوا عنه: {ولو تقوّل} أي كلف نفسه أن يقول مرة من الدهر كذباً {علينا} على ما لنا من صفات العظمة والجلال والبهاء والكمال والكبرياء {بعض الأقاويل} التي لم نقلها أو قلناها ولم نأذن له فيها، وهو جمع أفعولة من القول كالأضاحيك جمع أضحوكة، لا جمع أقوال، ليكون جمع الجمع، لأنه يلزم عليه أن لا يعاقب بما دون ثلاثة أقوال {لأخذنا} أي بعظمتنا أخذ قوة وغضب وقهر وإهلاك، وأكده للإعلام بشدة الغضب من الكذب وشدة قبحه.
ولما كان أخذه أخذاً يتلاشى عنده كل أخذ لأن من افترى على الملوك لا يفعل به إلا ذلك قال: {منه} أي خاصة {باليمين} أي التي هي العضو الأقوى منه فيها يكون بطشه فنذهبه بشدة بطشنا، أو اليمين منا، فيكون كناية عن أخذنا له بغاية القوة، فإن قوة كل شيء في ميامنه، وقيل: إذا أراد الملك إهانة شخص قال: خذه يا فلان، فيأخذه بيمينه، فهو كناية عن الإذلال، وقيل: هذا تصوير قتل الصبر بأشنع صورة، فإن الملك إذا أراد التخفيف على من يقتله أمر السياف فأخذ يساره بيساره، وضرب بالسيف من ورائه لأن العنق من خلف أوسع فيكون أسرع قطعاً ولا يرى المقتول لمع السيف، وإن أراد التعذيب والمبالغة في الإهانة أخذ يده اليمنى بيده اليسرى وضربه وهو مستقبل له يرى لمع السيف، وربما وقعت الضربة لضيق المجال من قدام في حنكه فيحتاج إلى ثانية وثالثة فهو أفحش.
ولما صور مبدأ الإهلاك بأفظع صورة، أتمه مشيراً إلى شدة بشاعته بحرف التراخي فقال: {ثم لقطعنا} حتماً بلا مثنوية بما لنا من العظمة قطعاً يتلاشى عنده كل قطع {منه الوتين} أي العرق الأعظم في العنق الثابت الدائم المتين الذي يسمى الوريد، وهو بين العلباء والحلقوم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه نياط القلب، وفي القاموس: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه- انتهى. واختير التعبير به لأن مادته بهذا الترتيب تدور على المتانة والدوام، فلذا كان يفوت صاحبه بفواته، وقال ابن برجان: عرق متصل بنياط القلب مستبطن للصلب يملأ الجسد كله تسقيه الكبد وهي بيت الدم وهو يجري منها الدم في البدن يأخذ منه ستون عرقاً هي أنهار الدم في الجسد كله، من هذه الأنهار تأخذ الجسد ثمانية عشر تسقي الصدر، وسبعة تسقي العين، وأربعة تسقي الدماغ، والوتين من مجمع الوركين إلى مجمع الصدر بين الترقوتين، ثم ينقسم عنه سائر العروق إلى سائر الجسد، ولا يمكن في العادة الحياة بعد قطعه، وفي المائدة عند قوله: {والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67] ما ينفع هنا.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال