سورة المزمل / الآية رقم 2 / تفسير تفسير ابن كثير / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً رَّبُّ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الوِلْدَانَ شِيباً السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً

المزملالمزملالمزملالمزملالمزملالمزملالمزملالمزملالمزملالمزملالمزملالمزملالمزملالمزملالمزمل




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا (9)}
يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يترك التزمل، وهو: التغطي في الليل، وينهض إلى القيام لربه عز وجل، كما قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16] وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتثلا ما أمره الله تعالى به من قيام الليل، وقد كان واجبًا عليه وحده، كما قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] وهاهنا بين له مقدار ما يقوم، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} قال ابن عباس، والضحاك، والسدي: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} يعني: يا أيها النائم.
وقال قتادة: المزمل في ثيابه، وقال إبراهيم النخعي: نزلت وهو متزمل بقطيفة.
وقال شبيب بن بِشر، عن عكرمة، عن ابن عباس: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} قال: يا محمد، زُمّلتَ القرآن.
وقوله: {نِصْفَهُ} بدل من الليل {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} أي: أمرناك أن تقوم نصف الليل بزيادة قليلة أو نقصان قليل، لا حرج عليك في ذلك.
وقوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} أي: اقرأه على تمهل، فإنه يكون عونا على فهم القرآن وتدبره. وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه، قالت عائشة: كان يقرأ السورة فيرتلها، حتى تكون أطول من أطول منها. وفي صحيح البخاري، عن أنس: أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كانت مدًا، ثم قرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يمد بسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم.
وقال ابن جُرَيج، عن ابن أبي مُلَيكة عن أم سلمة: أنها سُئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يقطع قراءته آية آية، {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن عاصم، عن زرّ، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارْقَ، ورَتِّل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها».
ورواه أبو داود، والترمذي والنسائي، من حديث سفيان الثوري، به وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقد قدمنا في أول التفسير الأحاديث الدالة على استحباب الترتيل وتحسين الصوت بالقراءة، كما جاء في الحديث: «زَيِّنوا القرآن بأصواتكم»، و«ليس منا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن»، و«لقد أوتي هذا مزمار من مزامير آل داود» يعني: أبا موسى، فقال أبو موسى: لو كنت أعلم أنك كنت تسمع قراءتي لحبَّرْته لك تحبيرا.
وعن ابن مسعود أنه قال: لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذّوه هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة. رواه البغوي.
وقال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا عمرو بن مرة: سمعت أبا وائل قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: قرأت المفصل الليلة في ركعة. فقال: هذّا كهذّ الشعر. لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن. فذكر عشرين سورة من المُفَصّل سورتين في ركعة.
وقوله: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا} قال الحسن، وقتادة: أي العمل به.
وقيل: ثقيلٌ وقت نزوله؛ من عظمته. كما قال زيد بن ثابت: أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي، فكادت تُرض فَخذي.
وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمرو بن الوليد، عن عبد الله بن عمرو قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، هل تحس بالوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسمعُ صَلاصيل، ثم أسكتُ عند ذلك، فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تفيض»، تفرد به أحمد.
وفي أول صحيح البخاري عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يأتيك الوحي؟ فقال: «أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عَلَيّ، فَيَفْصِمُ عني وقد وَعَيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول». قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم في اليوم الشديد البرد، فَيَفْصِمُ عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا هذا لفظه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، أخبرنا عبد الرحمن، عن هشام بن عُرْوَة، عن أبيه، عن عائشة قالت: إن كان ليوحَى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته، فتضرب بِجرَانها.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، عن مَعْمَر، عن هشام بن عروة، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته، وضعت جرانها، فما تستطيع أن تحرك حتى يُسَرّى عنه.
وهذا مرسل. الجران: هو باطن العنق.
واختار ابن جرير أنه ثقيل من الوجهين معا، كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كما ثقل في الدنيا ثقل يوم القيامة في الموازين.
وقوله: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا} قال أبو إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: نشأ: قام بالحبشة.
وقال عمر، وابن عباس، وابن الزبير: الليل كله ناشئة.
وكذا قال مجاهد، وغير واحد، يقال: نشأ: إذا قام من الليل. وفي رواية عن مجاهد: بعد العشاء.
وكذا قال أبو مِجْلَز، وقتادة، وسالم وأبو حازم، ومحمد بن المنكدر.
والغرض أن ناشئة الليل هي: ساعاته وأوقاته، وكل ساعة منه تسمى ناشئة، وهي الآنات. والمقصود أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان، وأجمع على التلاوة؛ ولهذا قال: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا} أي: أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار؛ لأنه وقت انتشار الناس ولَغَط الأصوات وأوقات المعاش.
وقد قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الأعمش، أن أنس بن مالك قرأ هذه الآية: «إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا» فقال له رجل: إنما نقرؤها {وَأَقْوَمُ قِيلا} فقال له: إن أصوب وأقوم وأهيأ وأشباه هذا واحد.
ولهذا قال: {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا} قال ابن عباس، وعكرمة، وعطاء بن أبي مسلم: الفراغ والنوم.
وقال أبو العالية، ومجاهد، وابن مالك، والضحاك، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، وسفيان الثوري: فراغًا طويلا.
وقال قتادة: فراغا وبغية ومنقلبا.
وقال السدي: {سَبْحًا طَوِيلا} تطوعا كثيرًا.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا} قال: لحوائجك، فَأفْرغ لدينك الليل. قال: وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة، ثم إن الله من على العباد فخففها ووضعها، وقرأ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} إلى آخر الآية، ثم قال: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} حتى بلغ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} الليل نصفة أو ثلثه. ثم جاء أمر أوسع وأفسح وضع الفريضة عنه وعن أمته فقال: قال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 49] وهذا الذي قاله كما قاله.
والدليل عليه ما رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا يحيى، حدثنا سعيد ابن أبي عَرُوبة، عن قتادة، عن زُرارة بن أوفى، عن سعيد بن هشام: أنه طلق امرأته ثم ارتحل إلى المدينة ليبيع عقارًا له بها ويجعله في الكُرَاع والسلاح، ثم يجاهد الروم حتى يموت. فلقي رهطًا من قومه فحدثوه أن رهطًا من قومه ستة أرادوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أليس لكم فيّ أسوة؟».
فنهاهم عن ذلك، فأشهدهم على رَجعتها، ثم رجع إلينا فأخبرنا أنه أتى ابن عباس فسأله عن الوتر فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم قال: ائت عائشة فاسألها ثم ارجع إليّ فأخبرني بردها عليك. قال: فأتيت على حكيم بن أفلحَ فاستلحقتُه إليها، فقال: ما أنا بقاربها؛ إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئًا، فأبت فيهما إلا مُضِيًا. فأقسمتُ عليه، فجاء معي، فدخلنا عليها فقالت: حكيم؟ وعرفته، قال: نعم. قالت: من هذا معك؟ قال: سعيد بن هشام. قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر. قال: فترحمت عليه وقالت: نعم المرء كان عامر. قلت: يا أم المؤمنين، أنبئينى عن خلق رسول صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن. فَهممت أن أقوم، ثم بدا لي قيامُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم. ألست تقرأ هذه السورة: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهرًا، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعًا من بعد فريضة. فهممت أن أقوم، ثم بدا لي وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: كنا نعد له سِواكه وطَهُوره، فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ثم يتوضأ ثم يصلي ثماني ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيجلس ويذكر ربه تعالى ويدعو ويستغفر ثم ينهض وما يسلم. ثم يصلي التاسعة فيقعد فيحمد ربه ويذكره ويدعو ثم يسلم تسليمًا يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم. فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني. فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم، أوتر بسبع، ثم صلى ركعتين وهو جالس بعدما يسلم، فتلك تسع يا بني. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا شَغَله عن قيام الليل نوم أو وَجَع أو مرض، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة حتى أصبح، ولا صام شهرًا كاملا غير رمضان.
فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها، فقال: صدقت، أما لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة.
هكذا رواه الإمام أحمد بتمامه. وقد أخرجه مسلم في صحيحه، من حديث قتادة، بنحوه.
طريق أخرى عن عائشة في هذا المعنى: قال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا زيد بن الحُبَاب- وحدثنا ابن حميد، حدثنا مِهْران قالا جميعا، واللفظ لابن وكيع: عن موسى بن عُبَيدة، حدثني محمد بن طَحْلاء، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا يُصَلي عليه من الليل، فتسامع الناس به فاجتمعوا، فخرج كالمغضب- وكان بهم رحيما، فخشي أن يكتب عليهم قيام الليل- فقال: «أيها الناس، اكلَفُوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يَمَلّ من الثواب حتى تملوا من العمل، وخير الأعمال ما ديمَ عليه». ونزل القرآن: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه، فرحمهم فردهم إلى الفريضة، وترك قيام الليل.
ورواه ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف. والحديث في الصحيح بدون زيادة نزول هذه السورة، وهذا السياق قد يُوهم أن نزول هذه السورة بالمدينة، وليس كذلك، وإنما هي مكية. وقوله في هذا السياق: إن بين نزول أولها وآخرها ثمانية أشهر- غريب؛ فقد تقدم في رواية أحمد أنه كان بينهما سنة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة، عن مِسْعَر، عن سِماك الحنفي، سمعت ابن عباس يقول: أول ما نزل: أول المزمل، كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان، وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة.
وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كُرَيْب، عن أبي أسامة، به.
وقال الثوري ومحمد بن بشر العَبدي، كلاهما عن مسعر، عن سماك، عن ابن عباس: كان بينهما سنة.
وروى ابن جرير، عن أبي كريب، عن وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا مِهْرَان، عن سفيان، عن قيس بن وهب، عن أبي عبد الرحمن قال: لما نزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} قاموا حولا حتى ورمت أقدامهم وسُوقُهم، حتى نزلت: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} قال: فاستراح الناس.
وكذا قال الحسن البصري.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا عُبَيد الله بن عمر القواريري، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي عن قتادة، عن زُرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام قال: فقلت- يعني لعائشة-: أخبرينا عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: ألست تقرأ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}؟ قلت: بلى. قالت: فإنها كانت قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى انتفخت أقدامهم، وحُبس آخرها في السماء ستة عشر شهرًا، ثم نزل.
وقال مَعْمَر، عن قتادة: {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} قاموا حولا أو حولين، حتى انتفخت سوقُهم وأقدامهم فأنزل الله تخفيفها بعد في آخر السورة.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حُميد، حدثنا يعقوب القمي عن جعفر، عن سعيد- هو ابن جبير- قال: لما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} قال: مكث النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال عشر سنين يقوم الليل، كما أمره، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه، فأنزل الله عليه بعد عشر سنين: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} إلى قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} فخفف الله تعالى عنهم بعد عشر سنين.
ورواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن عمرو بن رافع، عن يعقوب القمي به.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} فأمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلا فشق ذلك على المؤمنين، ثم خفف الله عنهم ورحمهم، فأنزل بعد هذا: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ} إلى قوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} فوسع الله- وله الحمد- ولم يضيق.
وقوله: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} أي: أكثر من ذكره، وانقطع إليه، وتفرغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك، وما تحتاج إليه من أمور دنياك، كما قال: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] أي: إذا فرغت من مهامك فانصب في طاعته وعبَادَته، لتكون فارغ البال. قاله ابن زيد بمعناه أو قريب منه.
وقال ابن عباس ومجاهد، وأبو صالح، وعطية، والضحاك، والسدي: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} أي: أخلص له العبادة.
وقال الحسن: اجتهد وبتّل إليه نفسك.
وقال ابن جرير: يقال للعابد: متبتل، ومنه الحديث المروي: أنه نهى عن التَّبتُّل، يعني: الانقطاع إلى العبادة وترك التزوج.
وقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا} أي: هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب لا إله إلا هو، وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل، {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا} كما قال في الآية الأخرى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123] وكقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وآيات كثيرة في هذا المعنى، فيها الأمر بإفراد العبادة والطاعة لله، وتخصيصه بالتوكل عليه.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال