سورة النبأ / الآية رقم 27 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً وَأَنزَلْنَا مِنَ المُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَباًّ وَنَبَاتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً إِنَّ يَوْمَ الفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً وَسُيِّرَتِ الجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً جَزَاءً وِفَاقاً إِنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباًوَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباًفَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً

النبأالنبأالنبأالنبأالنبأالنبأالنبأالنبأالنبأالنبأالنبأالنبأالنبأالنبأالنبأ




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


يقول الحق جلّ جلاله: {إِنَّ يومَ الفَصْلِ} بين الخلائق، فيتميز المحسن من المسيء، والمحقّ من المبطل، {كان} في علم الله تعالى وتقديره {ميقاتاً}؛ وقتاً محدوداً ومُنتهى معلوماً لوقوع الجزاء أو: ميعاداً لجمع الأولين والآخرين، وما يترتب عليه من الجزاء ثواباً وعقاباً، لا يكاد يتخطاه بالتقدُّم ولا بالتأخُّر، وهو {يوم ينفخ في الصور} نفخة ثانية، ف {يوم} بدل من {يوم الفصل}، أو عطف بيان له، مفيد لزيادة تخفيمه وتهويله في تأخير الفصل، فإنه زمان ممتد، في مبدئه النفحة، وفي بقيته الفصل وآثاره. والصُور: القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لمّا خلق الله السموات والأرض خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضع له على فيه، شاخص ببصره إلى العرش، حتى يؤمر بالنفخ فيه، فيؤمر به، فينفخ نفخةً لا يبقى عندها في الحياة غير ما شاء الله، وذلك قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصور فَصَعِقَ مَن فِي السماوات...} [الزمر: 68] الآية، ثم يؤمر بأخرى، فينفخ نفخه لا يبقى معها ميت إلاَّ بُعث وقام، وذلك قوله تعالى: {ثُمََّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر: 68].»
والفاء في قوله تعالى: {فتأتون} فصيحة تفصح عن جملة حُذفت ثقةً بدلالة الحال عليها، وإيذاناً بغاية سرعة الإتيان، كما في قوله تعالى: {أّنِ اضرب بِّعَصَاكَ البحر فانفلق} [الشعراء: 63] أي: فتبعثون من قبوركم فتأتون عقب ذلك من غير لبث {أفواجاً}؛ جماعات مختلفة الأحوال، متباينة، الأوضاع، حسب اختلاف أعمالكم وتباينها، مِن راكب، وطائر، وماش خفيف وثقيل، ومكب على وجهه وغير ذلك من الأحوال العظيمة، أو: أمماً، كل أمة مع رسولها، كما في قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُناَسِ بِإِمَامِهْم} [الكهف: 47].
{وفُتِحت السماءُ} أي: تشققت لنزول الملائكة، وصيغة الماضي لتحقُّق وقوعه، {فكانت أبواباً}؛ فصارت ذات أبواب وطرق وفروج وما لها اليومَ من فُروج. {وسُيْرت الجبالُ} في الجو على هيئتها بعد قلعها من مقارها، {فكانت سَرَاباً}؛ هباءً، تخيل الشمس أنها سراب، وهَل هذا التسيير قبل البعث فلا يقع إلاَّ على أرض قاع صفصف، وهو ما تقتضيه ظواهر الآيات، كقوله: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجبال وَتَرَى الأرض بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ} [الكهف: 47] وقوله: {وَحُمِلَتِ الأرض والجبال فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الواقعة} [الحاقة: 14، 15] والفاء تقتضي الترتيب، أو لا يقع إلاّ بعد البعث، وهو ظاهر الآية هنا وسورة القارعة. وهو الذي اقتصر عليه أبو السعود، قال: يُبدل اللهُ الأرض ويُغيّر هيئاتها، ويُسَيّر الجبال على تلك الهيئة الهائلة عند حشر الخلائق بعد النفخة الثانية ليشاهدوها. اهـ. والله أعلم بحقيقة الأمر.
ثم شرع في تفصيل أحكام الفصل بعد بيان هوله، وقدَّم بيان حال الكفرة ترهيباً، فقال: {إنَّ جهنم كانت مِرْصَاداً} أي: موضع الرصد، وهو الارتقاب والانتظار، أي: تنتظر الكفار وترتقبهم ليدخلوا فيها، أو طريقاً يمر عليه الخلق، فالمؤمن يمر عليها، والكافر يقع فيها، أي: كانت في علم الله وقضائه موضع رصد يرصد فيه الخزنةُ الكفارَ ليعذبوهم فيها، {للطاغين مآباً}: نعت لمرصاد، أي: كائناً للطاغين مرجعاً يرجعون إليه لا محالة، {لابثين فيها}، ماكثين فيها، وهو حال مُقدَّرة من المستكن في الطاغين.
وقرأ حمزة {لبثين}، وهو أبلغ من لابثين لأنَّ اللابث مَن يقع منه مطلق اللَّبْث، واللَّبِث مَن شأنه اللبث والمقام، و{أحقاباً}: طرف للبثهم، جمع حُقب، كقُفْل وأقفال، وهو الدهر، ولم يرد به عدداً محصوراً، بل كلما مضى حُقب تبعه حقب، إلى غير نهاية، ولا يستعمل الحُقب إلاّ حيث يراد تتابع الأزمنة وتواليها. وقيل: الحقب ثمانون سنة، ورُوي عنه عليه الصلاة والسلام أنه ثلاثون ألف سنة. وقال الحسن: ليس للأحقاب عدة إلاّ الخلود.
{لا يَذُوقون فيها بَرْداً ولا شَراباً}: حال من ضمير {لابثين} أي: غير ذائقين فيها {برداً} أي: نسيماً بارداً، بل لهباً حاراً، {ولا شراباً} بارداً، {إلاَّ حميماً}؛ ماءً حاراً، استثناء منقطع، أي: لا يذوقون في جهنم، أو في الأحقاب، برداً، ولا ينفس عنهم غم حر النهار، أو: نوماً، فإنَّ النوم يطلق عليه البرد، لأنه يبرد سَوْرة العطش ولا شراباً يُسكن عطشهم، لكن يذوقون فيها ماءً حاراً، يحرق ما يأتي عليه، {وغسَّاقاً} أي: صديداً يسيل من أجسادهم. وفي القاموس: وغَساق كسَحاب وشدّاد: البادرُ المنتن. وقال الهروي عن الليث: {وغساقاً} أي: مُنتناً، ودلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «لو أنَّ دلواً من غساق يُهرَاقُ في الدنيا، لأنتَنَ أهلُ الدنيا»، وقيل: ما يسيل من أعينهم من دموعهم يسقون به مع الحميم، يقال: غسقت عينه تغْسَق، إذا سالت. ثم قال: ومَن قرأ بالتخفيف، فهو البارد الذي يُحرق ببرده. اهـ.
{جزاءً وِفاقاً} أي: جُوزوا بذلك جزاءً موافقاً لأعمالهم الخبيثة، مصدر بمعنى الصفة، أو: ذا وفاق. {إِنهم كانوا لا يرجون حِساباً} أي: لا يخافون محاسبة الله إياهم، أو: لا يؤمنون بالبعث فيرجعوا حسابه، {وكذّبوا بآياتنا} الناطقة بذلك {كِذَّاباً} أي: تكذيباً مفرطاً، ولذلك كانوا مصرِّين على الكفر وفنون المعاصي. وفعّال في باب فعّل فاش. {وكلَّ شيءٍ} من الأشياء، ومِن جملتها أعمالهم الخبيثة، {أحصيناه} أي: حفظناه وضبطناه {كِتاباً}، مصدر مؤكد لأحصينا؛ لأنَّ الإحصاء والكتابة من وادٍ واحد، أو: حال بمعنى مكتوب في اللوح المحفوظ أو في صحف الحفظة، والجملة اعتراض، وقولة تعالى: {فذُوقوا فلن نزيدكم إِلاَّ عذاباً} مسبب عن كفرهم بالحساب، وتكذيبهم بالآيات، أي: فذوقوا جزاء تكذيبكم والالتفات شاهد على شدّة الغضب.
روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ هذه الآية أشدُّ ما في القرآن على أهل النار».
الإشارة: إنَّ يوم الفصل بين العمومية والخصوصية، أو تقول: بين الانتقال من مقام أهل اليمين إلى مقام المقربين، كان في علم الله ميقاتاً، أي: مؤقتاً، وهو يوم انتقاله من شهود الأكوان إلى شهود المكوِّن، أو من مقام البرهان إلى مقام العيان. يوم يُنفخ في صور الأرواح التي سبقت لها العناية، فيُزعجها شوق مقلق أو خوف مزعج، فتأتون إلى حضرة القدس، تسيرون إليها على يد الخبير أفواجاً، وفُتحت سماء الأرواح ليقع العروج إليها من تلك الأرواح السائرة، فكانت أبواباً، وسُيرت جبال العقل حين سطوع أنوار الحقائق، فكانت سراباً، فلا يبقى من نور العقل إِلاّ ما يميز به بين الحس والمعنى، وبين الشريعة والحقيقة. إنَّ جهنم البُعد كانت مِرصاداً، للطاغين المتكبرين عن حط رؤوسهم للخبير، الباقين مع عامة أهل اليمين، مآباً لا يبرحون عنها، لابثين فيها أحقاباً مدة عمرهم وما بعد موتهم، لا يذوقون فيها برد الرضا، ولا شراب نسيم التسليم، إلاَّ حميماً: حر التدبير والاختيار، وغساقاً: نتن حب الدنيا وهمومها، جزاءً موافقاً لميلهم إلى الحظوظ والهوى، إنهم كانوا لا يرجون حِساباً، فلم يحاسبوا نفوسهم، ولا التفتوا إلى إخلاصها، وكذّبوا بأهل الخصوصية، وهم الأولياء الدالون على الله، ثم يقال لهم: ذّوقوا وبال القطيعة، فلن نزيدكم إلاّ تعباً وحرصاً وجزعاً. عائذاً بالله من سوء القضاء، وشماتة الأعداء.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال