سورة الطارق / الآية رقم 11 / تفسير في ظلال القرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَخُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ وَمَا يَخْفَىوَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الكُبْرَى ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى

الطارقالطارقالطارقالطارقالطارقالطارقالطارقالأعلىالأعلىالأعلىالأعلىالأعلىالأعلىالأعلىالأعلى




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


جاء في مقدمة هذا الجزء أن سوره تمثل طرقات متوالية على الحس. طرقات عنيفة قوية عالية، وصيحات بنوّم غارقين في النوم.. تتوالى على حسهم تلك الطرقات والصيحات بإيقاع واحد، ونذير واحد. اصحوا. تيقظوا. انظروا. تلفتوا. تفكروا. تدبروا. إن هنالك إلهاً. وإن هنالك تدبيراً. وإن هنالك تقديراً. وإن هنالك ابتلاء. وإن هنالك تبعة. وإن هنالك حساباً وجزاء. وإن هنالك عذاباً شديداً ونعيماً كبيراً....
وهذه السورة نموذج واضح لهذه الخصائص. ففي إيقاعاتها حدة يشارك فيها نوع المشاهد، ونوع الإيقاع الموسيقي، وجرس الألفاظ، وإيحاء المعاني.
ومن مشاهدها: الطارق. والثاقب. والدافق. والرجع. والصدع.
ومن معانيها: الرقابة على كل نفس: {إن كل نفس لما عليها حافظ}.. ونفي القوة والناصر: {يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر}.. والجد الصارم: {إنه لقول فصل وما هو بالهزل}..
والوعيد فيها يحمل الطابع ذاته: {إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً. فمهل الكافرين أمهلهم رويداً!}!
وتكاد تتضمن تلك الموضوعات التي أشير إليها في مقدمة الجزء: إن هنالك إلهاً. وإن هنالك تدبيراً. وإن هنالك تقديراً. وإن هنالك ابتلاء. وإن هنالك تبعة. وإن هنالك حساباً وجزاء.. الخ.
وبين المشاهد الكونية والحقائق الموضوعية في السورة تناسق مطلق دقيق ملحوظ يتضح من استعراض السورة في سياقها القرآني الجميل..
{والسماء والطارق. وما أدراك ما الطارق؟ النجم الثاقب. إن كل نفس لما عليها حافظ}..
هذا القسم يتضمن مشهداً كونياً وحقيقة إيمانية. وهو يبدأ بذكر السماء والطارق ويثني بالاستفهام المعهود في التعبير القرآني: {وما أدراك ما الطارق؟}.. وكأنه أمر وراء الإدراك والعلم. ثم يحدده ويبينه بشكله وصورته: {النجم الثاقب} الذي يثقب الظلام بشعاعه النافذ. وهذا الوصف ينطبق على جنس النجم. ولا سبيل إلى تحديد نجم بذاته من هذا النص، ولا ضرورة لهذا التحديد. بل إن الإطلاق أولى. ليكون المعنى: والسماء ونجومها الثاقبة للظلام، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء. ويكون لهذه الإشارة إيحاؤها حول حقائق السورة وحول مشاهدها الأخرى.. كما سيأتي..
يقسم بالسماء ونجمها الثاقب: أن كل نفس عليها من أمر الله رقيب: {إن كل نفس لما عليها حافظ}.. وفي التعبير بصيغته هذه معنى التوكيد الشديد.. ما من نفس إلا عليها حافظ. يراقبها، ويحصى عليها، ويحفظ عنها، وهو موكل بها بأمر الله. ويعين النفس لأنها مستودع الأسرار والأفكار. وهي التي يناط بها العمل والجزاء.
ليست هنالك فوضى إذن ولا هيصة! والناس ليسوا مطلقين في الأرض هكذا بلا حارس. ولا مهملين في شعابها بلا حافظ، ولا متروكين يفعلون كيف شاءوا بلا رقيب. إنما هو الإحصاء الدقيق المباشر، والحساب المبني على هذا الإحصاء الدقيق المباشر.
ويلقي النص إيحاءه الرهيب حيث تحس النفس أنها ليست أبداً في خلوة وإن خلت فهناك الحافظ الرقيب عليها حين تنفرد من كل رقيب، وتتخفى عن كل عين، وتأمن من كل طارق. هنالك الحافظ الذي يشق كل غطاء وينفذ إلى كل مستور. كما يطرق النجم الثاقب حجاب الليل الساتر.. وصنعة الله واحدة متناسقة في الأنفس وفي الآفاق.
ويخلص من هذه اللمسة التي تصل النفس بالكون، إلى لمسة أخرى تؤكد التقدير والتدبير، التي أقسم عليها بالسماء والطارق. فهذه نشأة الإنسان الأولى تدل على هذه الحقيقة؛ وتوحي بأن الإنسان ليس متروكاً سدى، ولا مهملاً ضياعاً:
{فلينظر الإنسان ممّ خلق. خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب}..
فلينظر الإنسان من أي شيء خلق وإلى أي شيء صار.. إنه خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، خلق من هذا الماء الذي يجتمع من صلب الرجل وهو عظام ظهره الفقارية ومن ترائب المرأة وهي عظام صدرها العلوية.. ولقد كان هذا سراً مكنوناً في علم الله لا يعلمه البشر. حتى كان نصف القرن الأخير حيث اطلع العلم الحديث على هذه الحقيقة بطريقته؛ وعرف أنه في عظام الظهر الفقارية يتكون ماء الرجل، وفي عظام الصدر العلوية يتكون ماء المرأة. حيث يلتقيان في قرار مكين فينشأ منهما الإنسان!
والمسافة الهائلة بين المنشأ والمصير.. بين الماء الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب وبين الإنسان المدرك العاقل المعقد التركيب العضوي والعصبي والعقلي والنفسي.. هذه المسافة الهائلة التي يعبرها الماء الدافق إلى الإنسان الناطق توحي بأن هنالك يداً خارج ذات الإنسان هي التي تدفع بهذا الشيء المائع الذي لا قوام له ولا إرادة ولا قدرة، في طريق الرحلة الطويلة العجيبة الهائلة، حتى تنتهي به إلى هذه النهاية الماثلة. وتشي بأن هنالك حافظاً من أمر الله يرعى هذه النطفة المجردة من الشكل والعقل، ومن الإرادة والقدرة، في رحلتها الطويلة العجيبة. وهي تحوي من العجائب أضعاف ما يعرض للإنسان من العجائب من مولده إلى مماته!
هذه الخلية الواحدة الملقحة لا تكاد ترى بالمجهر، إذ أن هنالك ملايين منها في الدفقة الواحدة.. هذه الخليقة التي لا قوام لها ولا عقل ولا قدرة ولا إرادة، تبدأ في الحال بمجرد استقرارها في الرحم في عملية بحث عن الغذاء. حيث تزودها اليد الحافظة بخاصية أكالة تحوّل بها جدار الرحم حولها إلى بركة من الدم السائل المعد للغذاء الطازج! وبمجرد اطمئنانها على غذائها تبدأ في عملية جديدة. عملية انقسام مستمرة تنشأ عنها خلايا.. وتعرف هذه الخليقة الساذجة التي لا قوام لها ولا عقل ولا قدرة ولا إرادة.. تعرف ماذا هي فاعلة وماذا هي تريد.. حيث تزودها اليد الحافظة بالهدى والمعرفة والقدرة والإرادة التي تعرف بها الطريق! إنها مكلفة أن تخصص كل مجموعة من هذه الخلايا الجديدة لبناء ركن من أركان هذه العمارة الهائلة.
عمارة الجسم الإنساني.. فهذه المجموعة تنطلق لتنشئ الهيكل العظمي. وهذه المجموعة تنطلق لتنشئ الجهاز العضلي. وهذه المجموعة تنطلق لتنشئ الجهاز العصبي. وهذه المجموعة تنطلق لتنشئ الجهاز للمفاوي.. إلى آخر هذه الأركان الأساسية في العمارة الإنسانية!.. ولكن العمل ليس بمثل هذه البساطة.. إن هنالك تخصصاً أدق. فكل عظم من العظام. وكل عضلة من العضلات. وكل عصب من الأعصاب.. لا يشبه الآخر. لأن العمارة دقيقة الصنع، عجيبة التكوين، متنوعة الوظائف.. ومن ثم تتعلم كل مجموعة من الخلايا المنطلقة لبناء ركن من العمارة، أن تتفرق طوائف متخصصة، تقوم كل طائفة منها بنوع معين من العمل في الركن المخصص لها من العمارة، الكبيرة!.. إن كل خلية صغيرة تنطلق وهي تعرف طريقها. تعرف إلى أين هي ذاهبة، وماذا هو مطلوب منها! ولا تخطئ واحدة منها طريقها في هذه المتاهة الهائلة. فالخلايا المكلفة أن تصنع العين تعرف أن العين ينبغي أن تكون في الوجه، ولا يجوز أبداً أن تكون في البطن أو القدم أو الذراع. مع أن كل موضع من هذه المواضع يمكن أن تنمو فيه عين. ولو أخذت الخلية الأولى المكلفة بصنع العين وزرعت في أي من هذه المواضع لصنعت عيناً هنالك! ولكنها هي بذاتها حين تنطلق لا تذهب إلا للمكان المخصص للعين في هذا الجهاز الإنساني المعقد.. فمن ترى قال لها: إن هذا الجهاز يحتاج إلى عين في هذا المكان دون سواه؟ إنه الله. إنه الحافظ الأعلى الذي يرعاها ويوجهها ويهديها إلى طريقها في المتاهة التي لا هادي فيها إلا الله!
وكل تلك الخلايا فرادى ومجتمعة تعمل في نطاق ترسمه لها مجموعة معينة من الوحدات كامنة فيها. هي وحدات الوراثة، الحافظة لسجل النوع ولخصائص الأجداد. فخلية العين وهي تنقسم وتتكاثر لكي تكوّن العين، تحاول أن تحافظ في أثناء العمل على شكل معين للعين وخصائص محددة تجعلها عين إنسان لا عين أي حيوان آخر. وإنسان لأجداده شكل معين للعين وخصائص معينة.. وأقل انحراف في تصميم هذه العين من ناحية الشكل أو ناحية الخصائص يحيد بها عن الخط المرسوم. فمن ذا الذي أودعها هذه القدرة؟ وعلمها ذلك التعليم؟ وهي الخلية الساذجة التي لا عقل لها ولا إدراك، ولا إرادة لها ولا قوة؟ إنه الله. علمها ما يعجز الإنسان كله عن تصميمه لو وكل إليه تصميم عين أو جزء من عين. بينما خلية واحدة منه أو عدة خلايا ساذجة، تقوم بهذا العمل العظيم!
ووراء هذا اللمحة الخاطفة عن صور الرحلة الطويلة العجيبة بين الماء الدافق والإنسان الناطق، حشود لا تحصى من العجائب والغرائب، في خصائص الأجهزة والأعضاء، لا نملك تقصيها في هذه الظلال.
تشهد كلها بالتقدير والتدبير. وتشي باليد الحافظة الهادية المعينة. وتؤكد الحقيقة الأولى التي أقسم عليها بالسماء والطارق. كما تمهد للحقيقة التالية. حقيقة النشأة الآخرة التي لا يصدقها المشركون، المخاطبون أول مرة بهذه السورة..
{إنه على رجعه لقادر. يوم تبلى السرائر. فما له من قوة ولا ناصر}..
إنه الله الذي أنشأه ورعاه إنه لقادر على رجعة إلى الحياة بعد الموت، وإلى التجدد بعد البلى، تشهد النشأة الأولى بقدرته، كما تشهد بتقديره وتدبيره. فهذه النشأة البالغة الدقة والحكمة تذهب كلها عبثاً إذا لم تكن هناك رجعة لتختبر السرائر وتجزى جزاءها العادل: {يوم تبلى السرائر}.. السرائر المكنونة، المطوية على الأسرار المحجوبة.. يوم تبلى وتختبر، وتتكشف وتظهر كما ينفذ الطارق من خلال الظلام الساتر؛ وكما ينفذ الحافظ إلى النفس الملفعة بالسواتر! كذلك تبلى السرائر يوم يتجرد الإنسان من كل قوة ومن كل ناصر: {فما له من قوة ولا ناصر}.. ما له من قوة في ذاته، وما له من ناصر خارج ذاته.. والتكشف من كل ستر، مع التجرد من كل قوة، يضاعف شدة الموقف؛ ويلمس الحس لمسة عميقة التأثير. وهو ينتقل من الكون والنفس، إلى نشأة الإنسان ورحلته العجيبة، إلى نهاية المطاف هناك، حيث يتكشف ستره ويكشف سره، ويتجرد من القوة والنصير..
ولعل طائفاً من شك، أو بقية من ريب، تكون باقية في النفس، في أن هذا لا بد كائن.. فمن ثم يجزم جزماً بأن هذا القول هو القول الفصل، ويربط بين هذا القول وبين مشاهد الكون، كما صنع في مطلع السورة:
{والسماء ذات الرجع، والأرض ذات الصدع، إنه لقول فصل، وما هو بالهزل}..
والرجع المطر ترجع به السماء مرة بعد مرة، والصدع النبت يشق الأرض وينبثق.. وهما يمثلان مشهداً للحياة في صورة من صورها. حياة النبات ونشأته الأولى: ماء يتدفق من السماء، ونبت ينبثق من الأرض.. أشبه شيء بالماء الدافق من الصلب والترائب؛ والجنين المنبثق من ظلمات الرحم. الحياة هي الحياة. والمشهد هو المشهد. والحركة هي الحركة.. نظام ثابت، وصنعة مُعلمة، تدل على الصانع. الذي لا يشبهه أحد لا في حقيقة الصنعة ولا في شكلها الظاهر!
وهو مشهد قريب الشبه بالطارق. النجم الثاقب. وهو يشق الحجب والستائر. كما أنه قريب الشبه بابتلاء السرائر وكشف السواتر.. صنعة واحدة تشير إلى الصانع!
يقسم الله بهذين الكائنين وهذين الحدثين: السماء ذات الرجع. والأرض ذات الصدع.. حيث يوقع مشهدهما وإيحاؤهما، كما يوحي جرس التعبير ذاته، بالشدة والنفاذ والجزم.. يقسم بأن هذا القول الذي يقرر الرجعة والابتلاء أو بأن هذا القرآن عامة هو القول الفصل الذي لا يتلبس به الهزل. القول الفصل الذي ينهي كل قول وكل جدل وكل شك وكل ريب.
القول الذي ليس بعده قول. تشهد بهذا السماء ذات الرجع، والأرض ذات الصدع!
وفي ظل هذا القول الفصل بالرجعة والابتلاء يتجه الخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ومن معه من القلة المؤمنة في مكة يعانون من كيد المشركين ومؤامراتهم على الدعوة والمؤمنين بها وقد كانوا في هم مقعد مقيم للكيد لها والتدبير ضدها وأخذ الطرق عليها وابتكار الوسائل في حربها يتجه الخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالتثبيت والتطمين وبالتهوين من أمر الكيد والكائدين. وأنه إلى حين. وأن المعركة بيده هو سبحانه وقيادته. فليصبر الرسول وليطمئن هو والمؤمنون:
{إنهم يكيدون كيداً، وأكيد كيداً، فمهل الكافرين، أمهلهم رويداً}..
إنهم هؤلاء الذين خلقوا من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب بلا حول ولا قوة ولا قدرة ولا إرادة، ولا معرفة ولا هداية. والذين تولتهم يد القدرة في رحلتهم الطويلة. والذين هم صائرون إلى رجعة تبلى فيها السرائر، حيث لا قوة لهم ولا ناصر.. إنهم هؤلاء يكيدون كيداً..
وأنا أنا المنشئ.. الهادي. الحافظ. الموجه. المعيد. المبتلي. القادر. القاهر. خالق السماء والطارق. وخالق الماء الدافق، والإنسان الناطق، وخالق السماء ذات الرجع، والأرض ذات الصدع.. أنا الله.. أكيد كيداً..
فهذا كيد. وهذا كيد. وهذه هي المعركة.. ذات طرف واحد في الحقيقة.. وإن صورت ذات طرفين لمجرد السخرية والهزاء!
{فمهل الكافرين}.. {أمهلهم رويداً}.. لا تعجل. ولا تستبطئ نهاية المعركة. وقد رأيت طبيعتها وحقيقتها.. فإنما الحكمة وراء الإمهال. الإمهال قليلاً.. وهو قليل حتى لو استغرق عمر الحياة الدنيا. فما هو عمر الحياة الدنيا إلى جانب تلك الآباد المجهولة المدى؟
ونلحظ في التعبير الإيناس الإلهي للرسول: {فمهل الكافرين أمهلهم رويداً}.. كأنه هو صلى الله عليه وسلم صاحب الأمر، وصاحب الإذن، وكأنه هو الذي يأذن بإمهالهم. أو يوافق على إمهالهم. وليس من هذا كله شيء للرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو الإيناس والود في هذا الموضع الذي تنسم نسائم الرحمة على قلبه صلى الله عليه وسلم الإيناس الذي يخلط بين رغبة نفسه وإرادة ربه. ويشركه في الأمر كأن له فيه شيئاً. ويرفع الفوارق والحواجز بينه وبين الساحة الإلهية التي يقضي فيها الأمر ويبرم.. وكأنما يقول له ربه: إنك مأذون فيهم. ولكن أمهلهم. أمهلهم رويداً.. فهو الود العطوف والإيناس اللطيف. يمسح على الكرب والشدة والعناء والكيد، فتنمحي كلها وتذوب.. ويبقى العطف الودود..




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال