سورة العلق / الآية رقم 18 / تفسير تفسير البقاعي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الحَاكِمِينَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ

التينالتينالتينالتينالتينالتينالعلقالعلقالعلقالعلقالعلقالعلقالعلقالعلقالعلق




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


ولما كان هذا أمراً خارجاً عن الحد في الطغيان، وكان السؤال إنما هو عن رؤية حاله في نهيه العبد عن الصلاة، لا عن رؤية ذاته، فتشوف السامع إلى معرفة ذلك الحال، كرر التقرير بزيادة التعجيب من حاله والتحذير، فقال مكرراً العامل زيادة في التأكيد وبياناً لأن هذا في الحقيقة أول السؤال عن الحال: {أرءيت} أي أخبرني عن حاله {إن كان} أي هذا الناهي، وعبر بأداة الاستعلاء إشارة إلى أنه في غاية الثبات والتمكن فقال: {على الهدى} أي الكامل في الهداية فكف عن نهي هذا المصلي عن خدمة مولاه الذي هو معترف بسيادته وإن ادعى كذباً أن له شريكاً كما أنه لا ينهى عن السجود للأصنام.
ولما ذكر ما لعله يكون عليه في تكميل نفسه، ذكر ما لعله يعانيه من إنجاء غيره فقال: {أو أمر} أي ذلك الناهي {بالتقوى} أي التي هي عماد الدين، وهي عمارة الباطن بالنور الناشئة عن الهدى، وعمارة الظاهرة لذلك، المترشحة من عمارة الباطن، الموجب لذلك، فأمر هذا المصلي بملازمة خدمة سيده المجمع على سيادته، ولا شك في توحيده بالربوبية بالإقبال على ما يرضيه من أفعال العبادة، ليكون ذلك وقاية لفاعل من سخطه فيأمن الهلاك، والجواب محذوف تقديره: ألم يكن خيراً له فليتدبر كل أمر من أموره فلا يقدم عليه حتى يعلم بالدليل أنه هدى وتقوى.
ولما كان التقدير حتماً كما هدى إليه السياق ما قدرته من جواب السؤالين، بنى عليه قوله زيادة في التوبيخ والتعجيب والتقريع استفهاماً عن حال لهذا الناهي مناف للحال الأول معيداً الفعل إيضاحاً لذلك: {أرءيت} أي أخبرني أيها السامع ولا تستعجل {إن كذب} أي أوقع هذا الناهي التكذيب بأن المصلي على الهدى بخدمة سيده المتفق على سيادته، فكان بذلك مرتكباً للضلال الذي لا شك في كونه ضلالاً، ولا يدعو إليه إلا الهدى.
ولما كان المكذب قد لا يترك من كذبه، أشار إلى أن حال هذا على غير ذلك فقال: {وتولى} أي وكلف فطرته الأولى بعد معالجتها الإعراض عن قبول الأمر بالتقوى، وذلك التولي إخراب الباطن بالأخلاق السيئة الناشئة عن التكذيب وإخراب الظاهر بالأعمال القبيحة الناشئة عن التكذيب، والجواب محذوف تقديره: ألم يكن ذلك التولي والتكذيب شراً له لأن التكذيب والتولي من غير دليل شر محض، فكيف إذا كان الدليل قائماً على ضدهما.
ولما عجب من حالته البعيدة عن العقل مع نفسه ومع أبناء جنسه، أنكر عليه معجباً من كونه يعلم أنه ليس بيده شيء، المنتج لأنه مراقب وحاله مضبوط غاية الضبط وينسى ذلك، فقال ذاكراً مفعول {أرءيت} الثاني وهو لا يكون إلا جملة استفهامية: {ألم يعلم} أي يقع له عمل يوماً من الأيام {بأن الله} أي وهو الملك الأعلى {يرى} أي له صفتا البصر والعلم على الإطلاق، فهو يعلم كل معلوم ويبصر كل مبصر، ومن كان له ذلك كان جديراً بأن يهلك من يراه على الضلال والإضلال وينصر من يطيع أمره على كل من يعاديه، وإنما جاء هذا الاستفهام الإنكاري على هذا الوجه لأنهم يعترفون بكل ما أنكر عليهم فيه ويلزمهم بما يفعلون من عداوة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكونوا منكرين له، وذلك هو عين التناقض الذي لا أشنع عندهم منه، هذا ويمكن، وهو أحسن، أن تنزل الآية على الاحتباك فيقال: لما كان السؤال عن حال الناهي لأن الرؤية علميه لا بصرية، فتشوف السامع إلى معرفتها، وكان للناهي حالان: طاعة ومعصية، بدأ بالأولى لشرفها على الأسلوب الماضي في التقرير على سبيل التعجيب فقال: {أرءيت} أي أخبرني {إن كان} الناهي ثابتاً في نهيه هذا متمكناً {على الهدى} أي الكامل {أو} كان قد {أمر} في ذلك الأمر أو في أمر ما من عبادة الأوثان وغيرها {بالتقوى} وحذف جواب السؤال عن هذا الحال لدلالة جواب الحال الثاني عليه، وهو ألم يعلم بأن الله يرى كل ما يصح أن يرى، فينهى عنه إن كان مكروهاً ولا يقر عليه ويحاسب به ليزن هذا الناهي أفعاله بما شرعه سبحانه من الدليل العقلي والسمعي فيعلم أهي مما يرضيه ليقره عليه كما يقر سائر ما يرضيه أو يسخطه فيمنعه منه.
ولما ذكر ما يمكن أن يكون عليه حال الناهي من السداد، ذكر ما يمكن أن يكون عليه من الفساد، فقال مقرراً معجباً معيداً العامل لزيادة التعجيب على النمط الأول: {أرأيت إن كذب} أي هذا الناهي بالحق في وقت النهي- ولما كان لا يلزم من التكذيب التولي قال: {وتولى} أي عن الدين بنهيه هذا، فكان على الضلال والهوى متمكناً في ذلك بحيث إنه لا يصدر عنه فعل إلا فاسداً {ألم يعلم بأن الله يرى} فيحاسب نفسه بما أرشد إليه سبحانه من البراهين فيعلم أن ما هو عليه من الرشد إن كان الله يقره عليه ويمكنه منه أو الغواية إن كان ينهاه عنه ولا يقره عليه، كما فعل بهذا الذي أقسم: ليرضخن رأس هذا المصلي، وأقدم عليه بصخرته وهو عند نفسه في غاية القدرة على ذلك بزعمه فمنعه الله منه ورده عنه فرجع على عقبيه خاسئاً ظاهراً عليه الجبن والرعب وغيرهما مما يتحاماه الرجال، ويأنف منه الضراغمة الأبطال، والاحتباك هنا بطلب {أرءيت} جملة ليس هو من التنازع لأنه يستدعي إضماراً والجمل لا تضمر، إنما هو من باب الحذف لدليل، فحذف الكون على الضلال ثانياً لدلالة الكون على الهدى عليه أولاً، وحذف {ألم يعلم بأن الله يرى} أولاً لدلالة ذكره آخراً عليه.
ولما كان هذا الخبيث معرضاً عن هذا العلم الذي هو معترف به كله، وإنما كان إعراضه لما عنده من الحظوظ والشهوات الموقعة له- بحكم الرد أسفل سافلين- إلى رتبة البهائم، أتى بأعظم أدواث الردع فقال: {كلا} أي ليس عنده علم بشيء من ذلك لسفول رتبته عن رتبة البهائم ولا في يده شيء من الأشياء، فهو لا يقدر على شيء مما رامه من الأذى، فليرتدع عن تعاطي ذلك لأنه لا يضر إلا نفسه.
ولما كان نفي العلم عنه يوهم أنه في عداد الغافلين الذي لا ملامة عليهم، بين أن انتفاء العلم عنه ليس عن غفلة يعذر صاحبها، إنما هو عن تهاون بالخير ورضى بالعمى والتقليد، فهو من قسم الضال الذي فرط في استعمال القوة العلمية المذكور في الفاتحة، فاستأنف الإخبار عنه في جواب من يقول: فما يفعل به؟ معبراً بأداة الشك إقامة له ولغيره في محل الرجاء لانتهائه إبقاء للتكليف ومؤكداً لأنهم منكرون: {لئن لم ينته} أي يفتعل هذا الناهي لهذا العبد المطيع فيقف ويكف عما هو فيه من نهيه وتكذيبه وتوليه.
ولما كان الحال غير محتاج إلى أكثر من التأكد لإيقاع الفعل، عبر بالحقيقة ولم ينقلها إشارة إلى أن هذا الناهي أقل من أن يحتاج فيه إلى فعل شديد، بل أقل نفحة من العذاب تكفي في إهلاكه، وما كان أصل التأكيد إلاّ تطيبباً لقلوب الأولياء وتكذيباً للأعداء فقال: {لنسفعاً} أي والله لنأخذن ونقبضن قبضاً وأخذاً بشدة وعنف مع الجر والاجتذاب واللطم والدفع والغيظ أخذ من يعض مأخوذه ويذله ويسود وجهه ويقذره {بالناصية} أي بالشعر الذي في مقدم رأسه وهو أشرف ما فيه، والعرب لا تأنف من شيء أنفتهم من أخذ الناصية، وإذا انتهكت حرمة الأشرف فما بالك بغيره، واستغنى بتعريف العهد عن الإضافة.
ولما كان من المعلوم أن من صار في القبضة على هذه الهيئة المهينة المزرية فهو هالك، اغتنى به عن أن يقول: ولنسحبنه بها على وجهه إلى النار، ووصفها بما يدل على ذلك فقال مبدلاً لأن البدل وصف بما قربه من المعرفة: {ناصية} أي عظيمة القبح {كاذبة} أي متعمدة للكذب {خاطئة} فهي صادر عنها الذنب من الكذب وغيره من غير تعمد، فأغلب أحوالها على غير صواب تارة عن عمد وتارة عن غير عمد، وما ذاك إلا لسوء جبلة صاحبها حتى كاد لا يصدر عنه فعل سديد، ووصفها بما هو لصاحبها على الإسناد المجازي مبالغة في تكذيبه في أنه لا يقدر على منع المهتدي أو إذلاله أو شيء من أذاه إلا إن أذن له صاحب الأمر كله فيما يكون سبباً لزيادة رفعته، وفي العدول عن الحقيقة، كأن يقال: ناصية كاذب خاطئ، بالإضافة إلى هذا المجاز، من الجزالة والفخامة والجلالة ما لا يخفى.
ولما كان هذا هو غاية الإهانة، وكان الكفار إنما يقصدون بأعراضهم الشماخة والأنفة والعز عن أن يكونوا أتباعاً أذناباً، وإنما عزهم بقومهم، وأقرب من يعتز به الإنسان أهل ناديه، وهم القوم الذين يجتمعون نهاراً ليحدث بعضهم بعضاً ويستروح بعضهم إلى بعضهم لما عندهم من التصافي لأنهم لا يتركون أشغالهم نهاراً ويجتمعون لذلك إلا عن ذلك، قال تعالى مسبباً عن أخذه على هذا الوجه المزري: {فليدع} أي دعاء استغاثة {ناديه} أي القوم الذين كانوا يجتمعون معه نهاراً يتحدثون في مكان ينادي فيه بعضهم بعضاً من أنصاره وعشيرته ليخلصوه مما هو فيه، والذي نزلت فيه هو أبو جهل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي نادياً.
ولما كان كأنه قيل: فلو دعا ناديه يكون ماذا؟ قال: {سندع} أي بوعد لا خلف فيه {الزبانية} أي الأعوان الموكلين بالنار ليجروه إليها، وهم في الأصل الشرط، الواحد زبنية كهبرية، من الزبن وهو الدفع أو زبني على النسبة، أصلها زباني والتاء عوض عن الياء، وهم كل من عظم خلقه، واشتد بطشه، وقد اجتمعت المصاحف العثمانية على حذف الواو من هذا الفعل خطأ، ولا موجب لحذفه من العربية لفظاً، وكأن المعنى في ذلك- والله أعلم- أن لا يظن أنهم دعوا لرفعة لهم في ذواتهم يستعان بهم بسببها لأن معنى الواو عند الربانيين العلو والرفعة، إشارة إلى أنهم لا قوة لهم إلا بالقوي العزيز، أو يقال: إن الحذف دال على تشبيه الفعل بالأمر ليدل على أن هذا الدعاء أمر لا بد من إيقاع مضمونه، ومن إجابة المدعوين إلى ما دعوا إليه، وأن ذلك كله يكون على غاية الإحكام، والاتساق بين خطه ومعناه والانتظام، لا سيما مع التأكيد بالسين، الدال على تحتم الاتحاد والتمكين، أو يكون المعنى: إنا ندعوهم بأيسر دعاء وأسهل أمر، فيكون منهم ما لا يطاق ولا يستطاع دفاعه بوجه، فكيف لو أكدنا دعوتهم وقوينا عزمتهم.
ولما كان الذي تقدم نهي الناهي للمصلي والسفع بناصيته إن لم ينته وأمره بدعاء ناديه، وكان الحكم في الأول أنه لا يجيبه إلى ترك الصلاة، وفي الثاني أن الناهي لا ينتهي عن عصيانه بالتهديد وأنه لا يفيده دعاء ناديه، فالكل منفي، حسن كل الحسن الإتيان بأداة الردع فقال: {كلا} أي لا يقدر على دعاء ناديه ولا ينتهي عن أذاه للمطيع بالتهديد فليرتدع عن كل من ذلك.
ولما كان كأنه قيل: فما أفعل؟ قال معرفاً أن من علم أن طبع الزمان وأهله الفساد، وجب عليه الإقبال على شأنه والإعراض عن سائر العباد {لا تطعه} أي في نهيه لك عن الطاعة بالصلاة أو غيرها.
ولما كان نهيه عن الصلاة التي هي عماد الدين، وكانت الصلاة يعبر عنها بالسجود لأنه- مع أنه جزؤها- هو أشرفها، وهو أيضاً يطلق على مطلق العبادة، قال تعالى مشيراً إلى النصر له صلى الله عليه وسلم ولأتباعه على كل من يمنعهم عبادته: {واسجد} أي دم على صلاتك وخضوعك بنفسك وجدد ذلك في كل وقت. ولما كان السجود أقرب مقرب للعبد إلى الله قال: {واقترب} أي اجتهد بسرك في بلوغ درجة القرب إلى ربك والتحبب إليه بكل عبادة لا سيما الصلاة فإنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وقد شرح هذا المقام كما تقدم في الفاتحة قوله صلى الله عليه وسلم «أعوذ بعفوك من عقوبتك» فإن هذه الجملة أفادت- كما قال الإمام الغزالي في كتاب الشكر- مشاهدة أفعال الله فقط، فكأنه لم ير إلا الله وأفعاله، فاستعاذ بفعله من فعله، قال: ثم اقترب ففني في مشاهدة الأحوال، وترقى إلى مصادر الأفعال، وهي الصفات، فقال: «أعوذ برضاك من سخطك» وهما صفتان، ثم رأى ذلك نقصاناً في التوحيد فاقترب وترقى من مقام مشاهدة الصفات إلى مشاهدة الذات فقال «وأعوذ بك منك» فراراً منه إليه من غير رؤية فعل وصفة، ولكنه رأى نفسه فاراً منه إليه ومستعيذاً ومثنياً ففني عن مشاهدة نفسه إذا رأى ذلك نقصاناً فاقترب فقال «أنت كما أثنيت على نفسك لا أحصي ثناء عليك» فقوله: «لا أحصي» خبر عن- فناء نفسه وخروجه عن مشاهدتها، وقوله: «أنت كما أثنيت» بيان أنه المثني والمثنى عليه، وأن الكل منه بدأ وإليه يعود، وأن كل شيء هالك إلا وجهه، فكان أول مقامه نهاية مقامات الموحدين وهو أن لا يرى إلا الله وأفعاله فيستعيذ بفعل من فعل، فانظر إلى ماذا انتهت نهايته إذا انتهى إلى الواحد الحق حتى ارتفع من نظره ومشاهدته سوى الذات الحق، ولقد كان صلى الله عليه وسلم لا يرقى من مرتبة إلى أخرى إلا ويرى الأولى بعداً بالإضافة إلى الثانية، فكان يستغفر الله من الأولى، ويرى ذلك نقصاً في سلوكه وتقصيراً في مقامه، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة» فكان ذلك لترقيه إلى سبيعن مقاماً بعضها يعد نقصاً لنقص أوائلها وإن كان مجاوزاً أقصى غايات مقامات الخلق، ولكن كان نقصاناً بالإضافة إلى أواخرها، فكان استغفاره لذلك.
ولما قالت عائشة رضي الله عنها: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فما هذا البكاء في السجود وما هذا الجهد الشديد؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً» معناه: أفلا أكون طالباً للمزيد في المقامات، فإن الشكر سبب الزيادة حيث قال تعالى: {ولئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 7] انتهى. وهو على ما ترى من النفاسة فمن أكثر من الدعاء في سجوده فقمن أن يستجاب له، والصلاة لا تكون إلا بالقراءة فإذا فعلت ذلك احتجبت عن الأغيار بحجاب منيع، فازددت صفاء وصنت حالك عن الغير كما يرشد إليه ما في صحف إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ينبغي للعاقل أن يكون حافظاً للسانه عارفاً بزمانه مقبلاً على شأنه والله أعلم فقد رجع آخرها إلى الأول، على أحسن وجه وأجمل وأكمل- والله الهادي.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال