سورة العصر / الآية رقم 1 / تفسير تفسير البقاعي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ المُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ

العصرالعصرالعصرالعصرالهمزةالهمزةالهمزةالهمزةالهمزةالهمزةالفيلالفيلالفيلالفيلالفيل




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


لما كانت لذة هذه الدنيا الظاهرة التنعم بما فيها من المتاع، وكان الإنسان مسؤولاً بما شهد به، ختم التكاثر عن ذلك النعيم متوعداً برؤية الجحيم، فكان ساكن هذه الدار على غاية الخطر، فكان نعيمه في غاية الكدر، قال دالاًّ على ذلك بأن أكثر الناس هالك، مؤكداً بالقسم والأداة لما للأغلب من التكذيب لذلك إما بالمقال أو بالحال: {والعصر} أي الزمان الذي خلق فيه أصله آدم عليه الصلاة والسلام وهو في عصر يوم الجمعة كما ورد في الحديث الصحيح في مسلم، أو الصلاة الوسطى أو وقتها الذي هو زمان صاحب هذا الشرع الذي مقداره فيما مضى من الزمان بمقدار وقت العصر من النهار أو بعضه، أو زمان كل أحد الذي هو الخلاصة بالنسبة إليه تنبيهاً له على نفاسته إشارة إلى اغتنام إنفاقه في الخير إشفاقاً من الحشر، أو وقت الأصيل لأنه أفضله بما يحويه من الفراغ من الأشغال واستقبال الراحة والحصول على فائدة ما أنفق فيه ذلك النهار، وبما دل عليه من طول الساعة وربح من كان له فيها بضاعة باختتام الأعمال وتقوض النهار، والدال على البعث، أو جميع الدهر الذي أوجد فيه سبحانه وتعالى المخلوقات وقدر فيه المقدورات بما ظهر فيه من العجائب الدالة على ما لله تعالى من العز والعظمة الداعي إلى صرف الهمة إليه وقصرها عليه: {إن الإنسان} أي هذا النوع الذي هو أشرف الأنواع لكونه في أحسن تقويم كما أن العصر خلاصة الزمان، والعصر يكون لاستخراج خلاصات الأشياء {لفي خسر} أي نقص بحسب مساعيهم في أهوائهم وصرف أعصارهم في أغراضهم لما لهم بالطبع من الميل إلى الحاضر والإعراض عن الغائب والاغترار بالفاني أعم من أن يكون الخسر قليلاً أو جليلاً بحسب تنوع الناس إلى أكياس وأرجاس، فمن كان كافراً كان في كفران، ومن كان مؤمناً عاصياً كان في خسران إن كان بالغاً في المعصية وإلا كان في مطلق الخسر، وهو مدلول المصدر المجرد، وفي هذا إشارة إلى العلم بالاحتياج إلى إرسال الرسل لبيان المرضي لله من الاعتقادات والعبادات إيماناً وإسلاماً وإدامة لذلك ليكون فاعله من قبضة اليمين وتاركه من أصحاب الشمال.
وقال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: لما قال تعالى: {ألهاكم التكاثر} وتضمن ذلك الإشارة إلى قصور نظر الإنسان وحصر إدراكه في العاجل دون الآجل الذي فيه فوزه وفلاحه، وذلك لبعده عن العلم بموجب الطبع {إنه كان ظلوماً جهولاً} [الأحزاب: 72] أخبر سبحانه أن ذلك شأن الإنسان بما هو إنسان فقال {والعصر إن الإنسان لفي خسر} فالقصور شأنه، والظلم طبعه، والجهل جبلته، فيحق أن يلهيه التكاثر، ولا يدخل الله عليه روح الإيمان {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} إلى آخرها، فهؤلاء الذين {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} [النور: 37] انتهى.
ولما كان الحكم على الجنس حكماً على الكل لأنهم ليس لهم من ذواتهم إلا ذلك، وكان فيهم من خلصه الله سبحانه وتعالى مما طبع عليه الإنسان بجعله في أحسن تقويم، وحفظه عن الميل مع ما فيه من النقائص، استثناهم سبحانه وتعالى لأنهم قليل جداً بالنسبة إلى أهل الخسر فقال دالاًّ بالاستثناء على أن النفوس داعية إلى الشر مخلدة إلى البطالة واللهو، فالمخلص واحد من ألف كما في الحديث الصحيح {إلا الذين آمنوا} أي أوجدوا الإيمان وهو التصديق بما علم بالضرورة مجيء النبي صلى الله عليه وسلم به من توحيده سبحانه وتعالى والتصديق بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ولعل حكمة التعبير بالماضي الحث على الدخول في الدين ولو على أدنى الدرجات، والبشارة لمن فعل ذلك بشرطه بالنجاة من الخسر.
ولما كان الإنسان حيواناً ناطقاً، وكان كمال حيوانيته في القوة العملية للحركة بالإرادة لا بمقتضى الشهوة القاسرة البهيمية قال تعالى: {وعملوا} أي تصديقاً بما أقروا به من الإيمان {الصالحات} أي هذا الجنس، وهو اتباع الأوامر واجتناب النواهي في العبادات كالصلاة والعادات كالبيع فكانوا بهذا مسلمين بعد أن كانوا مؤمنين فاشتروا الآخرة بالدنيا فلم يلههم التكاثر، ففازوا بالحياة الأبدية والسعادة السرمدية فلم يلقهم شيء من الخسر.
ولما كان الإنسان بعد كماله في نفسه بالأعمال لا ينتفي عنه مطلق الخسر- إلا بتكميل غيره، وحينئذ يكون وارثاً لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعثوا للتكميل، وكان الدين لا يقوم، وإذا قام لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الناشئ عن نور القلب، ولا يتأتى ذلك إلا بالاجتماع، قال مخصصاً لما دخل في الأعمال الصالحة تنبيهاً على عظمه: {وتواصوا} أي أوصى بعضهم بعضاً بلسان الحال أو المقال: {بالحق} أي الأمر الثابت، وهو كل ما حكم الشرع بصحته فلا يصح بوجه نفيه من قول أو عمل أو اعتقاد أو غيره من فعل أو ترك، فكانوا محسنين، والتكميل في القوة العملية باجتلاب الخيور.
ولما كان الإنسان ميالاً إلى النقصان، فكان فاعل ذلك الإحسان معرضاً للشنآن من أهل العدوان، وهم الأغلب في كل زمان، قال تعالى: {وتواصوا} لأن الإنسان ينشط بالوعظ وينفعه اللحظ واللفظ {بالصبر} أي الناشئ عن زكاة النفس على العمل بطاعة الله من إحقاق الحق وإبطال الباطل والنفي له والمحق وعلى ما يحصل بسبب ذلك من الأذى باجتناب الشرور إلى الممات الذي هو سبب موصل إلى دار السلام، فكانوا مكملين للقوة العملية حافظين لما قبلها من العلمية، وذلك هو حكمة العبادات فإن حكمة الشيء هي الغاية والفائدة المقصودة منه، وهي هنا أمران: خارج عن العامل وهو الجنة، وداخل قائم به وهو النور المقرب من الحق سبحانه وتعالى، واختير التعبير بالوصية إشارة إلى الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستعمال اللين بغاية الجهد، والصبر هو خلاصة الإنسان وسره وصفاوته وزبدته وعصارته، الذي لا يوصل إليه إلا بضغط الإنسان لنفسه وقسرها على أفعال الطاعة وقهرها على لزوم السنة والجماعة حتى يصير الصبر لها بالتدريب عادة وصناعة، فقد عانق آخرها أولها، وواصل مفصلها موصلها، وهي أربع عشرة كلمة تشير إلى أن في السنة الرابعة عشرة من النبوة يكون الإذن في الجهاد الذي هو رأس الأمر بالمعروف بالفعل لإظهار الحق وهي سنة الهجرة التي تم فيها بدره، وعم نوره وقدره، وجم عزه ونصره، فإذا ضممت إليها أربع كلمات البسملة كانت موازية في العدد لسنة خمس من الهجرة، وكان فيها غزوة بدر الموعد وغزوة الأحزاب، وقد وقع فيهما أتم الصبر من النبي صلى الله عليه وسلم ثم ممن وافقه من الصحابة رضي الله تعالى عنهم لإظهار الحق والصواب، فإنهم في بدر خذلوا من ركب عبد القيس أو من نعيم بن مسعود وموافقة المنافقين وخوفوا حتى كاد يعمهم الرعب والفشل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد» وأنزل الله فيها {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا} [آل عمران: 173] الآيات، وفي الأحزاب زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وأسفرت عاقبة الصبر فيها عما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذهابهم: «الآن نغزوهم ولا يغزوننا» فإذا ضممت إليها الضمائر الأربعة أشارت إلى سنة تسع، وقد كانت فيها غزوة تبوك وهي غزوة العسرة لما كان فيها من الشدة التي أسفرت عاقبة الصبر فيها عن إقبال الوفود، بفخامة العز والجدود وتواتر السعود، بلطف الرحيم الودود، وبذلك كان نور الوجود، وتواتر الفضل والجود من الإله المعبود- وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه خيار الوجود.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال