سورة المائدة / الآية رقم 5 / تفسير تفسير الألوسي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ

المائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)}
{اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات} إعادة هذا الحكم للتأكيد والتوطئة لما بعده، وسبب ذكر اليوم يعلم مما ذكر أمس.
وقال النيسابوري: فائدة الإعاذة أن يعلم بقاء هذا الحكم عند إكمال الدين واستقراره، والأول أولى. {وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ} أي حلال، والمراد بالموصول اليهود والنصارى حتى نصارى العرب عندنا، وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه استثنى نصارى بني تغلب، وقال: ليسوا على النصرانية ولم يأخذوا منها إلا شرب الخمر، وإلى ذلك ذهب ابن جبير، وحكاه الربيع عن الشافعي رضي الله تعالى عنه؛ والمراد بطعامهم ما يتناول ذبائحهم وغيرها من الأطعمة كما روي عن ابن عباس. وأبي الدرداء. وإبراهيم. وقتادة. والسدى. والضحاك. ومجاهد رضوان الله عليهم أجمعين وبه قال الجبائي. والبلخي. وغيرهم.
وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد به الذبائح لأن غيرها لم يختلف في حله، وعليه أكثر المفسرين، وقيل: إنه مختص بالحبوب وما لا يحتاج فيه إلى التذكية وهو المروي عند الإمامية عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه، وبه قال جماعة من الزيدية، فلا تحل ذبائحهم عند هؤلاء، وحكم الصابئين حكم أهل الكتاب عند الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه، وقال صاحباه: الصابئة صنفان: صنف يقرأون الزبور ويعبدون الملائكة، وصنف لا يقرأون كتابًا ويعبدون النجوم، فهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب، وأما المجوس فقد سن بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم لما روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي من طريق الحسن بن محمد بن علي قال: «كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن أسلم قبل ومن أصر ضربت عليه الجزية غير ناكحي نسائهم» وهو وإن كان مرسلًا وفي إسناده قيس بن الربيع وهو ضيعف إلا أن إجماع أكثر المسلمين كما قال البيهقي عليه يؤكده، واختلف العلماء في حل ذبيحة اليهودي والنصراني إذا ذكر عليها اسم غير الله تعالى كعزير وعيسى عليهما السلام فقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: لا تحل وهو قول ربيعة، وذهب أكثر أهل العلم إلى أنها تحل وهو قول الشعبي. وعطاء قالا: فإن الله تعالى قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون. وقال الحسن: إذا ذبح اليهودي والنصراني فذكر اسم غير الله تعالى وأنت تسمع يفلا تأكل، فإذا غاب عنك فكل فقد أحل الله تعالى لك.
{وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ} قال الزجاج وكثير من المتأخرين: إن هذا خطاب للمؤمنين، والمعنى لا جناح عليكم أيها المؤمنون أن تطعموا أهل الكتاب من طعامكم، فلا تصلح الآية دليلًا لمن يرى أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لأن التحليل حكم، وقد علقه سبحانه بهم فيها كما علق الحكم بالمؤمنين، واعترض على ظاهره بأنه إنما يتأتى لو كان الإطعام بدل الطعام، فإن زعموا أن الطعام يقوم مقام الإطعام توسعًا ورد الفصل بين المصدر وصلته بخبر المبتدأ، وهو ممتنع فقد صرحوا بأنه لا يجوز إطعام زيد حسن للمساكين وضربك شديد زيدًا فكيف جاز {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ}؟ وعن بعضهم فإن قيل: ما الحكمة في هذه الجملة وهم كفار لا يحتاجون إلى بياننا؟ أجيب بأن المعنى انظروا إلى ما أحل لكم في شريعتكم فإن أطعموكموه فكلوه ولا تنظروا إلى ما كان محرمًا عليهم، فإن لحوم الإبل ونحوها كانت محرمة عليهم، ثم نسخ ذلك في شريعتنا، فالآية بيان لنا لا لهم أي اعلموا أن ما كان محرمًا عليهم مما هو حلال لكم قد أحل لكم أيضًا ولذلك لو أطعمونا خنزيرًا أو نحوه وقالوا: هو حلال في شريعتنا، وقد أباح الله تعالى لكم طعامنا كذبناهم وقلنا: إن الطعام الذي يحل لكم هو الذي يحل لنا لا غيره، فحاصل المعنى طعامهم حل لكم إذا كان الطعام الذي أحللته لكم، وهذا التفسير معنى قول السدي وغيره فافهمه فقد أشكل على بعض المعاصرين.
{والمحصنات مِنَ المؤمنات} عطف على {الطيبات}. أو مبتدأ والخبر محذوف لدلالة ما تقدم عليه أي حل لكم أيضًا، والجار والمجرور متعلق حذوف وقع حالًا من المحصنات، أو من الضمير فيها على ما قاله أبو البقاء، والمراد بهن عند الحسن والشعبي وإبراهيم: العفائف، وعند مجاهد: الحرائر، واختاره أبو علي، وعند جماعة العفائف والحرائر، وتخصيصهن بالذكر للبعث على ما هو أولى لا لنفي ما عداهن، فإن نكاح الإماء المسلمات بشرطه صحيح بالاتفاق، وكذا نكاح غير العفائف منهن، وأما الإماء الكتابيات فهن كالمسلمات عند الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه.
{والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ} وإن كن حربيات كما هو الظاهر، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا يجوز نكاح الحربيات، وخص الآية بالذميات، واحتج له بقوله تعالى: {لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الاخر يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] والنكاح مقتض للمودة لقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] قال الجصاص: وهذا عندنا إنما يدل على الكراهة، وأصحابنا يكرهون مناكحة أهل الحرب، وذهبت الإمامية إلى أنه لا يجوز عقد نكاح الدوام على الكتابيات لقوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] ولقوله سبحانه: {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} [الممتحنة: 10] وأولوا هذه الآية بأن المراد من المحصنات من الذين أوتوا الكتاب اللاتي أسلمن منهن، والمراد من المحصنات من المؤمنات اللاتي كن في الأصل مؤمنات، وذلك أن قومًا كانوا يتحرجون من العقد على من أسلمت عن كفر فبين الله تعالى أنه لا حرج في ذلك، وإلى تفسير المحصنات ن أسلمن ذهب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أيضًا، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر ويأباه النظم، ولذلك زعم بعضهم أن المراد هو الظاهر إلا أن الحل مخصوص بنكاح المتعة وملك اليمين، ووطؤهن حلال بكلا الوجهين عند الشيعة، وأنت تعلم أن هذا أدهى وأمر، ولذلك هرب بعضهم إلى دعوى أن الآية منسوخة باآيتين المتقدمتين آنفًا احتجاجًا بما رواه الجارود عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه في ذلك، ولا يصح ذلك من طريق أهل السنة، نعم أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات وحرم كل ذات دين غير الإسلام».
أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن جابر بن عبد الله: أنه سئل عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية فقال: تزوجناهن زمن الفتح ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرًا فلما رجعنا طلقناهن. وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه سئل أيتزوج الرجل المرأة من أهل الكتاب؟ فقال: ما له ولأهل الكتاب وقد أكثر الله تعالى المسلمات فإن كان لابد فاعلًا فليعمد إليها حصانًا غير مسافحة، قال الرجل: وما المسافحة؟ قال: هي التي إذا لمح الرجل إليها بعينه اتبعته.
{إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي مهورهن وهي عوض الاستمتاع بهن كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره وتقييد الحل بإيتائها لتأكيد وجوبها لا للاحتراز، ويجوز أن يراد بالإيتاء التعهد والالتزام مجازًا، ولعله أقرب من الأول، وإن كان المآل واحدًا، و{إِذَا} ظرف لحل المحذوف، ويحتمل أن تكون شرطية حذف جوابها أي إذا آتيتموهن أجورهن حللن لكم. {مُّحْصِنِينَ} أي أعفاء بالنكاح وهو منصوب على الحال من فاعل {ءاتَيْتُمُوهُنَّ} وكذا قوله تعالى: {غَيْرَ مسافحين}، وقيل: هو حال من ضمير {مُّحْصِنِينَ}، وقيل: صفة لمحصنين أي غير مجاهرين بالزنا، {وَلاَ مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ} أي ولا مسرين به، والخدن الصديق يقع على الذكر والأنثى، وقيل: الأول: نهى عن الزنا، والثاني: نهى عن مخالطتهنّ، و{مُتَّخِذِى} يحتمل أن يكون مجرورًا عطفًا على {مسافحين} وزيدت لا لتأكيد النفي المستفاد من {غَيْرِ}، ويحتمل أن يكون منصوبًا عطفًا على {غَيْرَ مسافحين} باعتبار أوجهه الثلاثة.
{وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان} أي من ينكر المؤمن به، وهو شرائع الإسلام التي من جملتها ما بين هنا من الأحكام المتعلقة بالحل والحرمة، ويمتنع عن قبولها {فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} أي الذي عمله واعتقد أنه قربة له إلى الله تعالى.
{وَهُوَ فِى الاخرة مِنَ الخاسرين} أي الهالكين، والآية تذييل لقوله تعالى: {اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات} إلخ تعظيمًا لشأن ما أحله الله تعالى وما حرمه، وتغليظًا على من خالف ذلك، فحمل الإيمان على المعنى المصدري وتقدير مضاف كما قيل أي وجب الإيمان وهو الله تعالى ليس بشيء، وإن أشعر به كلام مجاهد، وضمير الرافع مبتدأ، و{مّنَ الخاسرين} خبره، و{فِى} متعلقة بما تعلق به الخبر من الكون المطلق، وقيل: حذوف دل عليه المذكور أي خاسرين في الآخرة، وقيل: بالخاسرين على أن أل معرفة لا موصولة لأن ما بعدها لا يعمل فيما قبلها، وقيل: يغتفر في الظرف ما لا يغتفر في غيره كما في قوله:
ربيته حتى إذا ما تمعددا *** كان جزائي بالعصا أن أجلدا
هذا ومن باب الإشارة في الآيات: {ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ} بالإيمان العلمي {أَوْفُواْ بالعقود} أي بعزائم التكليف، وقال أبو الحسن الفارسي: أمر الله تعالى عباده بحفظ النيات في المعاملات، والرياضات في المحاسبات، والحراسة في الخطرات، والرعاية في المشاهدات، وقال بعضهم: {أَوْفُواْ بالعقود} عقد القلب بالمعرفة، وعقد اللسان بالثناء، وعقد الجوارح بالخضوع، وقيل: أول عقد عقد على المرء عقد الإجابة له سبحانه بالربوبية وعدم المخالفة بالرجوع إلى ما سواه، والعقد الثاني عقد تحمل الأمانة وترك الخيانة {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الانعام} أي أحل لكم جميع أنواع التمتعات والحظوظ بالنفوس السليمة التي لا يغلب عليها السبعية والشره {إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ} من التمتعات المنافية للفضيلة والعدالة {غَيْرَ مُحِلّى الصيد وَأَنتُمْ حُرُمٌ} أي لا متمتعين بالحظوظ في حال تجردكم للسلوك وقصدكم كعبة الوصال وتوجهكم إلى حرم صفات الجمال والجلال {إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: 1] فليرض السالك بحكمه ليستريح، ويهدي إلى سبيل رشده {يُرِيدُ يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ الله} من المقامات والأحوال التي يعلم بها السالك إلى حرم ربه سبحانه من الصبر والتوكل والشكر ونحوها أي لا تخرجوا عن حكمها {وَلاَ الشهر الحرام} وهو وقت الحج الحقيقي وهو وقت السلوك إلى ملك الملوك، وإحلاله بالخروج عن حكمه والاشتغال بما ينافيه {وَلاَ الهدى} وهو النفس المستعدة المعدة للقربان عند الوصول إلى الحضرة، وإحلالها باستعمالها بما يصرفها، أو تكليفها بما يكون سبب مللها {وَلاَ القلائد} وهي ما قلدته النفس من الأعمال الشرعية التي لا يتم الوصول إلا بها، وإحلالها بالتطفيف بها وعدم إيقاعها على الوجه الكامل {وَلاَ الشهر الحرام وَلاَ} وهم السالكون، وإحلالهم بتنفيرهم وشغلهم بما يصدهم أو يكسلهم {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مّن رَّبّهِمْ} بتجليات الأفعال {وَرِضْوَانًا} بتجليات الصفات، {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا} أي إذا رجعتم إلى البقاء بعد الفناء فلا جناح عليكم في التمتع {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام أَن تَعْتَدُواْ} أي لا يكسبنكم بغض القوى النفسانية بسبب صدها إياكم عن السلوك أن تعتدوا عليها، وتقهروها بالكلية فتتعطل أو تضعف عن منافعها، أو لا يكسبنكم بغض قوم من أهاليكم أو أصدقائكم بسبب صدهم إياكم أن تعتدوا عليهم قتهم وإضرارهم وإرادة الشر لهم {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى} بتدبير تلك القوى وسياستها، أو راعاة الأهل والأصدقاء والإحسان إليهم {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان} فإن ذلك يقطعكم عن الوصول، وعن سهل أن البر الإيمان والتقوى السنة والإثم الكفر والعدوان البدعة، وعن الصادق رضي الله تعالى عنه البر الإيمان والتقوى الإخلاص والإثم الكفر والعدوان المعاصي، وقيل: البر ما توافق عليه العلماء من غير خلاف والتقوى مخالفة الهوى والإثم طلب الرخص {والعدوان} التخطي إلى الشبهات {واتقوا الله} في هذه الأمور.
{أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب} [المائدة: 2] فيعاقبكم بما هو أعلم {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} وهي خمود الشهوة بالكلية فإنه رذيلة التفريط المنافية للعفة {والدم} وهو التمتع بهوى النفس {وَلَحْمَ الخنزير} أي وسائر وجوه التمتعات بالحرص والشره وقلة الغيرة {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} من الأعمال التي فعلت رياءًا وسمعة {والمنخنقة} وهي الأفعال الحسنة صورة مع كمون الهوى فيها، {والموقوذة} وهي الأفعال التي أجبر عليها الهوى {والمتردية} وهي الأفعال المائلة إلى التفريط والنقصان {والنطيحة} وهي الأفعال التي تصدر خوف الفضيحة وزجر المحتسب مثلًا {وَمَا أَكَلَ السبع} وهي الأفعال التي هي من ملائمات القوة الغضبية من الأنفة والحمية النفسانية {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} من الأفعال الحسنة التي تصدر بإرادة قلبية لم يمازجها ما يشينها {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب} وهو ما يفعله أبناء العادات لا لغرض عقلي أو شرعي {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالازلام} بأن تطلبوا السعادة والكمال بالحظوظ والطوالع وتتركوا العمل وتقولوا: لو كان مقدرًا لنا لعملنا فإنه را كان القدر معلقًا بالسعي {ذلكم فِسْقٌ} خروج عن الدين الحق لأن فيه الأمر والنهي، والإتكال على المقدر بجعلهما عبثًا {اليوم} وهو وقت حصول الكمال {يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ} بأن يصدّوكم عن طريق الحق {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ} فإنهم لا يستولون عليكم بعد {واخشون} لتنالوا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ببيان ما بينت {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى} بذلك أو بالهداية إليَّ {وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسلام} أي الانقياد للانمحاء {دِينًا فَمَنِ اضطر} إلى تناول لذة في {مَخْمَصَةٍ}، وهي الهيجان الشديد للنفس {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} غير منحرف لرذيلة {فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 3] فيستر ذلك ويرحم دد التوفيق.
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات} من الحقائق التي تحصل لكم بعقولكم وقلوبكم وأرواحكم {وَمَا عَلَّمْتُمْ مّنَ الجوارح} وهي الحواس الظاهرة والباطنة وسائر القوى والآلات البدنية {مُكَلّبِينَ} معلمين لها على اكتساب الفضائل {تُعَلّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله} من علوم الأخلاق والشرائع {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} مما يؤدي إلى الكمال {واذكروا اسم الله عَلَيْهِ} [المائدة: 4] بأن تقصدوا أنه أحد أسباب الوصول إليه عز شأنه لا أنه لذة نفسانية {وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ} وهو مقام الفرق والجمع {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ} فلا عليكم أن تطعموهم منه بأن تضموا لأهل الفرق جمعًا، ولأهل الجمع فرقًا {والمحصنات مِنَ المؤمنات} وهي النفوس المهذبة الكاملة {والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ} أي حقوقهن من الكمال اللائق بهن وألحقتموهن بالمحصنات من المؤمنات {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ} بل قاصدين تكميلهن واستيلاء الآثار النافعة منهن لا مجرد الصحبة وإفاضة ماء المعارف من غير ثمرة {وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان} بأن ينكر الشرائع والحقائق ويمتنع من قبولها {فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} بإنكاره الشرائع {وَهُوَ فِى الاخرة مِنَ الخاسرين} [المائدة: 5] بإنكاره الحقائق، والظاهر عدم التوزيع، والله تعالى أعلم راده، وهو الموفق للصواب.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال