سورة المائدة / الآية رقم 6 / تفسير تفسير القرطبي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ

المائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)}
فيه اثنتان وثلاثون مسألة: الأولى: ذكر القشيري وابن عطية أن هذه الآية نزلت في قصة عائشة حين فقدت العقد في غزوة المريسيع، وهي آية الوضوء. قال ابن عطية: لكن من حيث كان الوضوء متقررا عندهم مستعملا، فكأن الآية لم تزدهم فيه إلا تلاوته، وإنما أعطتهم الفائدة والرخصة في التيمم. وقد ذكرنا في آية النساء خلاف هذا، والله أعلم. ومضمون هذه الآية داخل فيما أمر به من الوفاء بالعقود وأحكام الشرع، وفيما ذكر من إتمام النعمة، فإن هذه الرخصة من إتمام النعم.
الثانية: واختلف العلماء في المعنى المراد بقوله: {إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} على أقوال، فقالت طائفة: هذا لفظ عام في كل قيام إلى الصلاة سواء كان القائم متطهرا أو محدثا، فإنه ينبغي له إذا قام إلى الصلاة أن يتوضأ، وكان علي يفعله ويتلو هذه الآية، ذكره أبو محمد الدارمي في مسنده. وروي مثله عن عكرمة.
وقال ابن سيرين: كان الخلفاء يتوضئون لكل صلاة.
قلت: فالآية على هذا محكمة لا نسخ فيها. وقالت طائفة: الخطاب خاص بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالوضوء عند كل صلاة فشق ذلك عليه، فأمر بالسواك ورفع عنه الوضوء إلا من حدث.
وقال علقمة بن الفغواء عن أبيه- وهو من الصحابة، وكان دليل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى تبوك: نزلت هذه الآية رخصة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه كان لا يعمل عملا إلا وهو على وضوء، ولا يكلم أحدا ولا يرد سلاما إلى غير ذلك، فأعلمه الله بهذه الآية أن الوضوء إنما هو للقيام إلى الصلاة فقط دون سائر الأعمال. وقالت طائفة: المراد بالآية الوضوء لكل صلاة طلبا للفضل، وحملوا الامر على الندب، وكان كثير من الصحابة منهم ابن عمر يتوضئون لكل صلاة طلبا للفضل، وكان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك إلى أن جمع يوم الفتح بين الصلوات الخمس بوضوء واحد، إرادة البيان لامته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلت: وظاهر هذا القول أن الوضوء لكل صلاة قبل ورود الناسخ كان مستحبا لا إيجابا وليس كذلك، فإن الامر إذا ورد، مقتضاه الوجوب، لا سيما عند الصحابة رضوان الله عليهم، على ما هو معروف من سيرتهم.
وقال آخرون: إن الفرض في كل وضوء كان لكل صلاة ثم نسخ في فتح مكة، وهذا غلط لحديث أنس قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ لكل صلاة، وأن أمته كانت على خلاف ذلك، وسيأتي، ولحديث سويد ابن النعمان أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى وهو بالصهباء العصر والمغرب بوضوء واحد، وذلك في غزوة خيبر، وهي سنة ست، وقيل: سنة سبع، وفتح مكة كان في سنة ثمان، وهو حديث صحيح رواه مالك في موطئة، وأخرجه البخاري ومسلم، فبان بهذين الحديثين أن الفرض لم يكن قبل الفتح لكل صلاة. فإن قيل: فقد روى مسلم عن بريدة بن الحصيب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال عمر رضي الله عنه: لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه، فقال: «عمدا صنعته يا عمر». فلم سأله عمر واستفهمه؟ قيل له: إنما سأله لمخالفته عادته منذ صلاته بخيبر، والله أعلم.
وروى الترمذي عن أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضأ لكل صلاة طاهرا وغير طاهر، قال حميد: قلت لأنس: وكيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءا واحدا، قال: حديث حسن صحيح، وروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «الوضوء على الوضوء نور» فكان عليه السلام يتوضأ مجددا لكل صلاة، وقد سلم عليه وجل وهو يبول فلم يرد عليه حتى تيمم ثم رد السلام وقال: «إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر» رواه الدارقطني.
وقال السدي وزيد بن أسلم: معنى الآية {إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} يريد من المضاجع يعني النوم، والقصد بهذا التأويل أن يعم الأحداث بالذكر، ولا سيما النوم الذي هو مختلف فيه هل هو حدث في نفسه أم لا؟ وفي الآية على هذا التأويل تقديم وتأخير، التقدير: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة من النوم، أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء- يعني الملامسة الصغرى- فاغسلوا، فتمت أحكام المحدث حدثا أصغر. ثم قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} فهذا حكم نوع آخر، ثم قال للنوعين جميعا: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء: 43].
وقال بهذا التأويل محمد بن مسلمة من أصحاب مالك- رحمه الله- وغيره.
وقال جمهور أهل العلم: معنى الآية إذا قمتم إلى الصلاة محدثين، وليس في الآية على هذا تقديم وتأخير، بل ترتب في الآية حكم واجد الماء إلى قوله: {فَاطَّهَّرُوا} ودخلت الملامسة الصغرى في قوله محدثين. ثم ذكر بعد قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} حكم عادم الماء من النوعين جميعا، وكانت الملامسة هي الجماع، ولا بد أن يذكر الجنب العادم الماء كما ذكر الواجد، وهذا تأويل الشافعي وغيره، وعليه تجئ أقوال الصحابة كسعد بن أبي وقاص وابن عباس وأبي موسى الأشعري وغيرهم.
قلت: وهذان التأويلان أحسن ما قيل في الآية، والله أعلم. ومعنى: {إِذا قُمْتُمْ} إذا أردتم، كما قال تعالى: {فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [النحل: 98]، أي إذا أردت، لأن الوضوء حالة القيام إلى الصلاة لا يمكن.
الثالثة: قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} ذكر تعالى أربعة أعضاء: الوجه وفرضه الغسل واليدين كذلك والرأس وفرضه المسح اتفاقا واختلف في الرجلين على ما يأتي، لم يذكر سواها فدل ذلك على أن ما عداها آداب وسنن. والله أعلم ولا بد في غسل الوجه من نقل الماء إليه، وإمرار اليد عليه، وهذه حقيقة الغسل عندنا، وقد بيناه في النساء.
وقال غيرنا: إنما عليه إجراء الماء وليس عليه دلك بيده، ولا شك أنه إذا انغمس الرجل في الماء وغمس وجهه أو يده ولم يدلك يقال: غسل وجهه ويده، ومعلوم أنه لا يعتبر في ذلك غير حصول الاسم، فإذا حصل كفى. والوجه في اللغة مأخوذ من المواجهة، وهو عضو مشتمل على أعضاء وله طول وعرض، فحده في الطول من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين، ومن الاذن إلى الاذن في العرض، وهذا في الأمرد، وأما الملتحي فإذا اكتسى الذقن بالشعر فلا يخلو أن يكون خفيفا أو كثيفا، فإن كان الأول بحيث تبين منه البشرة فلا بد من إيصال الماء إليها، وإن كان كثيفا فقد انتقل الفرض إليه كشعر الرأس، ثم ما زاد على الذقن من الشعر واسترسل من اللحية، فقال سحنون عن ابن القاسم: سمعت مالكا سئل: هل سمعت بعض أهل العلم يقول إن اللحية من الوجه فليمر عليها الماء؟ قال: نعم، وتخليلها في الوضوء ليس من أمر الناس، وعاب ذلك على من فعله.
وذكر ابن القاسم أيضا عن مالك قال: يحرك المتوضئ ظاهر لحيته من غير أن يدخل يده فيها، قال: وهي مثل أصابع الرجلين. قال ابن عبد الحكم: تخليل اللحية واجب في الوضوء والغسل. قال أبو عمر: روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه خلل لحيته في الوضوء من وجوه كلها ضعيفة.
وذكر ابن خويز منداد: أن الفقهاء اتفقوا على أن تخليل اللحية ليس بواجب في الوضوء، إلا شيء روى عن سعيد بن جبير، قوله: ما بال الرجل يغسل لحيته قبل أن تنبت فإذا نبتت لم يغسلها، وما بال الأمرد يغسل ذقنه ولا يغسله ذو اللحية؟ قال الطحاوي: التيمم واجب فيه مسح البشرة قبل نبات الشعر في الوجه ثم سقط بعده عند جميعهم. فكذلك الوضوء. قال أبو عمر: من جعل غسل اللحية كلها واجبا جعلها وجها، لأن الوجه مأخوذ من المواجهة، والله قد أمر بغسل الوجه أمرا مطلقا لم يخص صاحب لحية من أمرد، فوجب غسلها بظاهر القرآن لأنها بدل من البشرة.
قلت: واختار هذا القول ابن العربي وقال: وبه أقول، لما روى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغسل لحيته، خرجه الترمذي وغيره، فعين المحتمل بالفعل.
وحكى ابن المنذر عن إسحاق أن من ترك تخليل لحيته عامدا أعاد.
وروى الترمذي عن عثمان بن عفان أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخلل لحيته، قال: هذا حديث حسن صحيح، قال أبو عمر: ومن لم يوجب غسل ما انسدل من اللحية ذهب إلى أن الأصل المأمور بغسله البشرة، فوجب غسل ما ظهر فوق البشرة، وما انسدل من اللحية ليس تحته ما يلزم غسله، فيكون غسل اللحية بدلا منه. واختلفوا أيضا في غسل ما وراء العذار إلى الاذن، فروى ابن وهب عن مالك قال: ليس ما خلف الصدغ الذي من وراء شعر اللحية إلى الذقن من الوجه. قال أبو عمر: لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بما رواه ابن وهب عن مالك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: البياض بين العذار والاذن من الوجه. وغسله واجب، ونحوه قال الشافعي وأحمد.
وقيل: يغسل البياض استحبابا، قال ابن العربي: والصحيح عندي أنه لا يلزم غسله إلا للامرد لا للمعذر.
قلت: وهو اختيار القاضي عبد الوهاب، وسبب الخلاف هل تقع عليه المواجهة أم لا؟ والله أعلم. وبسبب هذا الاحتمال اختلفوا هل يتناول الامر بغسل الوجه باطن الأنف والفم أم لا؟ فذهب أحمد بن حنبل وإسحاق وغيرهما إلى وجوب ذلك في الوضوء والغسل، إلا أن أحمد قال: يعيد من ترك الاستنشاق في وضوئه ولا يعيد من ترك المضمضة.
وقال عامة الفقهاء: هما سنتان في الوضوء والغسل، لأن الامر إنما يتناول الظاهر دون الباطن، والعرب لا تسمي وجها إلا ما وقعت به المواجهة، ثم إن الله تعالى لم يذكرهما في كتابه، ولا أوجبهما المسلمون، ولا اتفق الجميع عليه، والفرائض لا تثبت إلا من هذه الوجوه. وقد مضى هذا المعنى في النساء. وأما العينان فالناس كلهم مجمعون على أن داخل العينين لا يلزم غسله، إلا ما روى عن عبد الله بن عمر أنه كان ينضح الماء في عينيه، وإنما سقط غسلهما للتأذي بذلك والحرج به، قال ابن العربي: ولذلك كان عبد الله بن عمر لما عمي يغسل عينيه إذ كان لا يتأذى بذلك، وإذا تقرر هذا من حكم الوجه فلا بد من غسل جزء من الرأس مع الوجه من غير تحديد، كما لا بد على القول بوجوب عموم الرأس من مسح جزء معه من الوجه لا يتقدر، وهذا ينبني على أصل من أصول الفقه وهو: أن ما لا يتم الواجب إلا به واجب مثله والله أعلم.
الرابعة: وجمهور العلماء على أن الوضوء لا بد فيه من نية، لقوله عليه السلام: «إنما الأعمال بالنيات». قال البخاري: فدخل فيه الايمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج والصوم والأحكام، وقال الله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84]، يعني على نيته.
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ولكن جهاد ونية».
وقال كثير من الشافعية: لا حاجة إلى نية، وهو قول الحنفية، قالوا: لا تجب النية إلا في الفروض التي هي مقصودة لأعيانها ولم تجعل سببا لغيرها، فأما ما كان شرطا لصحة فعل آخر فليس يجب ذلك فيه بنفس ورود الامر إلا بدلالة تقارنه، والطهارة شرط، فإن من لا صلاة عليه لا يجب عليه فرض الطهارة، كالحائض والنفساء. احتج علماؤنا وبعض الشافعية بقوله تعالى: {إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} فلما وجب فعل الغسل كانت النية شرطا في صحة الفعل، أن الفرض من قبل الله تعالى فينبغي أن يجب فعل ما أمر الله به، فإذا قلنا: إن النية لا تجب عليه لم يجب عليه القصد إلى فعل ما أمره الله تعالى، ومعلوم أن الذي اغتسل تبردا أو لغرض ما، قصد أداء الواجب، وصح في الحديث أن الوضوء يكفر، فلو صح بغير نية لما كفر.
وقال تعالى: {وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5].
الخامسة: قال ابن العربي قال بعض علمائنا: إن من خرج إلى النهر بنية الغسل أجزأه، وإن عزبت نيته في الطريق ولو خرج إلى الحمام فعزبت في أثناء الطريق بطلت النية. قال القاضي أبو بكر بن العربي رضي الله عنه: فركب على هذا سفاسفة المفتين أن نية الصلاة تتخرج على القولين، وأوردوا فيها نصا عمن لا يفرق بين الظن واليقين بأنه قال:
يجوز أن تتقدم فيها النية على التكبير، ويا لله ويا للعالمين من أمة أرادت أن تكون مفتية مجتهدة فما وفقها الله ولا سددها!، اعلموا رحمكم الله أن النية في الوضوء مختلف في وجوبها بين العلماء، وقد اختلف فيها قول مالك، فلما نزلت عن مرتبة الاتفاق سومح في تقديمها في بعض المواضع، فأما الصلاة فلم يختلف أحد من الأئمة فيها، وهي أصل مقصود، فكيف يحمل الأصل المقصود المتفق عليه على الفرع التابع المختلف فيه! هل هذا إلا غاية الغباوة؟ وأما الصوم فإن الشرع رفع الحرج فيه لما كان ابتداؤه في وقت الغفلة بتقديم النية عليه.
السادسة: قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ} واختلف الناس في دخول المرافق في التحديد، فقال قوم: نعم، لأن ما بعد إلى إذا كان من نوع ما قبلها دخل فيه، قاله سيبويه وغيره، وقد مضى هذا في البقرة مبينا.
وقيل: لا يدخل المرفقان في الغسل، والروايتان مرويتان عن




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال