سورة المائدة / الآية رقم 64 / تفسير تفسير ابن كثير / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ المُفْسِدِينَ

المائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)}
يخبر تعالى عن اليهود- عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة- بأنهم وصفوا الله، عز وجل وتعالى عن قولهم علوًا كبيرًا، بأنه بخيل. كما وصفوه بأنه فقير وهم أغنياء، وعبروا عن البخل بقولهم: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبد الله الطهراني، حدثنا حفص بن عمر العَدَنِيّ، حدثنا الحكم بن أبان، عن عِكْرِمَة قال: قال ابن عباس: {مَغْلُولَةٌ} أي: بخيلة.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} قال: لا يعنون بذلك أن يد الله موثقة ولكن يقولون: بخيل أمسك ما عنده، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
وكذا روي عن عِكْرِمَة، وقتادة، والسُّدِّي، ومجاهد، والضحاك وقرأ: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29]. يعني: أنه ينهى عن البخل وعن التبذير، وهو الزيادة في الإنفاق في غير محله، وعبَّر عن البخل بقوله: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ}.
وهذا هو الذي أراد هؤلاء اليهود عليهم لعائن الله. وقد قال عكرمة: إنها نزلت في فنْحاص اليهودي، عليه لعنة الله. وقد تقدم أنه الذي قال: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: 181] فضربه أبو بكر الصديق، رضي الله عنه.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رجل من اليهود، يقال له: شاس بن قيس: إن ربك بخيل لا ينفق، فأنزل الله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}
وقد رد الله، عز وجل، عليهم ما قالوه، وقابلهم فيما اختلقوه وافتروه وائتفكوه، فقال: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} وهكذا وقع لهم، فإن عندهم من البخل والحسد والجبن والذلة أمر عظيم، كما قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} [النساء: 53- 55] وقال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاس} الآية [آل عمران: 112].
ثم قال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} أي: بل هو الواسع الفضل، الجزيل العطاء، الذي ما من شيء إلا عنده خزائنه، وهو الذي ما بخلقه من نعمة فمنه وحده لا شريك له، الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه، في ليلنا ونهارنا، وحضرنا وسفرنا، وفي جميع أحوالنا، كما قال تعالى {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} الآية [إبراهيم: 34]. والآيات في هذا كثيرة، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل:
حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن همام بن مُنَبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن يمين الله مَلأى لا يَغِيضُها نفقة، سَحَّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم يَغِض ما في يمينه» قال: «وعرشه على الماء، وفي يده الأخرى القبْض، يرفع ويخفض»: قال: قال الله تعالى: «أنفق أنفق عليك» أخرجاه في الصحيحين، البخاري في (التوحيد) عن علي بن المديني، ومسلم فيه، عن محمد بن رافع، وكلاهما عن عبد الرزاق، به.
وقوله: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} أي: يكون ما أتاك الله يا محمد من النعمة نقمة في حق أعدائك من اليهود وأشباههم، فكما يزداد به المؤمنون تصديقًا وعملا صالحًا وعلمًا نافعًا، يزداد به الكفرة الحاسدون لك ولأمتك {طُغْيَانًا} وهو: المبالغة والمجاوزة للحد في الأشياء {وَكُفْرًا} أي: تكذيبا، كما قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44] وقال تعالى: {وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} [الإسراء: 82].
وقوله: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} يعني: أنه لا تجتمع قلوبهم، بل العداوة واقعة بين فِرقهم بعضهم في بعض دائمًا لأنهم لا يجتمعون على حق، وقد خالفوك وكذبوك.
وقال إبراهيم النَّخَعي: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} قال: الخصومات والجدال في الدين. رواه ابن أبي حاتم.
وقوله: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} أي: كلما عقدوا أسبابًا يكيدونك بها، وكلما أبرموا أمورًا يحاربونك بها يبطلها الله ويرد كيدهم عليهم، ويحيق مكرهم السيئ بهم.
{وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} أي: من سجيتهم أنهم دائمًا يسعوْن في الإفساد في الأرض، والله لا يحب من هذه صفته.
ثم قال جل وعلا {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا} أي: لو أنهم آمنوا بالله ورسوله، واتقوا ما كانوا يتعاطونه من المحارم والمآثم {لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} أي: لأزلنا عنهم المحذور ولحصّلْناهم المقصود.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ} قال ابن عباس، وغيره: يعني القرآن. {لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} أي: لأنهم عملوا بما في الكتب التي بأيديهم عن الأنبياء، على ما هي عليه، من غير تحريف ولا تغيير ولا تبديل، لقادهم ذلك إلى اتباع الحق والعمل بمقتضى ما بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ فإن كتبهم ناطقة بتصديقه والأمر باتباعه حتمًا لا محالة.
وقوله: {لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء والنابت لهم من الأرض.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ} يعني: لأرسل السماء عليهم مدرارًا، {وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} يعني: يخرج من الأرض بركاتها.
وكذا قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، والسُّدِّي، كما قال تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96]، وقال: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].
وقال بعضهم: معناه {لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} يعني: من غير كَد ولا تعب ولا شقاء ولا عناء.
وقال ابن جرير: قال بعضهم: معناه: لكانوا في الخير، كما يقول القائل: هو في الخير من قرَنه إلى قدمه. ثم رد هذا القول لمخالفة أقوال السلف.
وقد ذكر ابن أبي حاتم، عند قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ} حديث علقمة، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك أن يرفع العلم». فقال زياد بن لبيد: يا رسول الله، وكيف يرفع العلم وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا؟! قال: «ثكلتك أمك يا ابن لبيد! إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة، أوليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى، فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله» ثم قرأ {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ}
هكذا أورده ابن أبي حاتم حديثًا معلقًا من أول إسناده، مرسلا في آخره. وقد رواه الإمام أحمد بن حنبل متصلا موصولا فقال:
حدثنا وَكِيع، حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن زياد بن لَبِيد قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا فقال: «وذاك عند ذهاب العلم». قال: قلنا: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونُقْرئه أبناءنا، ويُقْرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال: «ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد، إن كنتُ لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء».
وكذا رواه ابن ماجه، عن أبى بكر بن أبي شيبة، عن وكيع بإسناده نحوه وهذا إسناد صحيح.
وقوله: {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} كقوله تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 159]، وكقوله عن أتباع عيسى: {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 27]. فجعل أعلى مقاماتهم الاقتصاد، وهو أوسط مقامات هذه الأمة، وفوق ذلك رتبة السابقين كما في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} الآية [فاطر: 32، 33]. والصحيح أن الأقسام الثلاثة من هذه الأمة يدخلون الجنة.
وقد قال أبو بكر بن مَرْدُويه: حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أحمد بن يونس الضَّبِّي، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا أبو مَعْشَر، عن يعقوب بن يزيد بن طلحة، عن زيد بن أسلم، عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تفرقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملة، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة، وتفرقت أمة عيسى على ثنتين وسبعين ملة، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار، وتعلو أمتي على الفرقتين جميعًا. واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار». قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «الجماعات الجماعات».
قال يعقوب بن يزيد كان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلا فيه قرآنا: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} إلى قوله تعالى: {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} وتلا أيضًا: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181] يعني: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا حديث غريب جدًا من هذا الوجه وبهذا السياق. وحديثُ افتراق الأمم إلى بضع وسبعين مَرْوي من طرق عديدة، وقد ذكرناه في موضع آخر. ولله الحمد والمنة.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال