سورة المائدة / الآية رقم 98 / تفسير تفسير أبي حيان / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ جَعَلَ اللَّهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ قُل لاَّ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ

المائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد}.
مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة وذلك أنه تعالى ذكر تعظيم الإحرام بالنهي عن قتل الوحش فيه بحيث شرع بقتله ما شرع وذكر تعظيم الكعبة بقوله {هدياً بالغ الكعبة}، فذكر تعالى في هذه الآية أنه جعل الكعبة قياماً للناس أي ركز في قلوبهم تعظيمها بحيث لا يقع فيها أذى أحد، وصارت وازعة لهم من الأذى وهم في الجاهلية الجهلاء لا يرجون جنة ولا يخافون ناراً إذ لم يكن لهم ملك يمنعهم من أذى بعضهم فقامت لهم حرمة الكعبة مقام حرمة الملك هذا مع تنافسهم وتحاسدهم ومعاداتهم وأخذهم بالثأر، ولذلك جعل الثلاثة المذكورة بعد الكعبة قياماً للناس فكانوا لا يهيجون أحداً في الشهر الحرام ولا من ساق الهدي لأنه لا يعلم أنه لم يجيء لحرب ولا من خرج يريد البيت بحج أو عمرة فتقلد من لحي الشجر ولا من قضى نسكه فتقلد من شجر الحرم، ولما بعثت قريش زمن الحديبية إلى المؤمنين الحلس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا رجل يعظم الحرمة فألقوه بالبدن مشعرة» فلما رآها الحلس عظم عليه ذلك وقال ما ينبغي أن يصد هؤلاء ورجع عن رسالة قريش، وجعل هنا بمعنى صيَّر. وقيل جعل بمعنى بين وينبغي أن يحمل هذا على تفسير المعنى إذ لم ينقل جعل مرادفة لهذا المعنى لكنه من حيث التصيير يلزم منه التبيين والحكم، ولما كان لفظ الكعبة قد أطلقه بعض العرب على غير البيت الحرام كالبيت الذي كان في خثعم يسمى كعبة اليمانية، بين تعالى أن المراد هنا بالكعبة البيت الحرام، وهو بدل من الكعبة أو عطف بيان، وقال الزمخشري: البيت الحرام عطف بيان على جهة المدح لا على جهة التوضيح كما تجيء الصفة كذلك انتهى. وليس كما ذكر لأنهم ذكروا في شرط عطف البيان الجمود فإذا كان شرطه أن يكون جامداً. لم يكن فيه إشعار بمدح إذ ليس مشتقاً وإنما يشعر بالمدح المشتق إلا أن يقال أنه لما وصف عطف البيان بقوله الحرام اقتضى المجموع المدح فيمكن ذلك والقيام مصدر كالصيام ويقال هذا قيام له وقوام له وكأنهم ذهبوا في قيام إلى أنه ليس مصدراً بل هو اسم كالسواك فلذلك صحت الواو قال: قوام دنيا وقيام دين. إذا لحقت تاء التأنيث لزمت التاء قالوا القيامة واختلفوا في تفسير قوله {قياماً للناس} فقيل باتساع الرزق عليهم إذ جعلها تعالى مقصودة من جميع الآفاق وكانت مكة لا زرع ولا ضرع، وقيل بامتناع الإغارة في الحرم، وقيل بسبب صيرورتهم أهل الله فكل أحد يتقرب إليهم، وقيل بما يقام فيها من المناسك وفعل العبادات، وروي عن ابن عباس، وقيل: يأمن من توجه إليها وروي عنه، وقيل بعدم أذى من أخرجوه من جر جريرة ولجأ إليها، وقيل ببقاء الدين ما حجت واستقبلت، وقال عطاء لو تركوه عاماً واحداً لم ينظروا ولم يؤخروا.
وقال أبو عبد الله الرازي لا يبعد حمله على جميع الوجوه، لأن قوام المعيشة بكثرة المنافع وبدفع المضار وبحصول الجاه والرئاسة وبحصول الدين والكعبة سبب لحصول هذه الأقسام انتهى.
وقرأ ابن عامر قيماً بغير ألف فإن كان أصله قياماً بالألف وحذفت فقيل حكم هذا أن يجيء في الشعر وإن كان مصدراً على فعل فكان قياسه أن تصح فيه الواو كعوض، وقرأ الجحدري قيماً بفتح القاف وتشديد الياء المكسورة وهو كسيد اسم يدل على ثبوت الوصف من غير تقييد بزمان ولفظ الناس عام، فقيل المراد العموم، وقيل المراد العرب، قال أبو عبد الله بن أبي الفضل وحس هذا المجاز أن أهل كل بلدة إذا قالوا الناس فعلوا كذا لا يريدون بذلك إلا أهل بلدتهم فلذلك خوطبوا على وفق عادتهم انتهى. والشهر الحرام ظاهره الإفراد، فقيل هو ذو الحجة وحده وبه بدأ الزمخشري قال لأن لاختصاصه من بين الأشهر المحرمة برسم الحج شأناً قد عرفه الله انتهى، وقيل المراد الجنس فيشمل الأشهر الحرم الأربعة الثلاثة بإجماع من العرب وشهر مضر وهو رجب كان كثير من العرب لا يراه ولذلك يسمى شهر الله إذ كان تعالى قد ألحقه في الحرمة بالثلاثة فنسبه وسدده، والمعنى شهر آل الله وهو شهر قريش وله يقول عوف بن الأحوص:
وشهر بني أمية والهدايا *** إذا سيقت مصرحها الدماء
ولما كانت الكعبة موضعاً مخصوصاً لا يصل إليه كل خائف جعل الله الأشهر الحرم والهدي والقلائد قياماً للناس كالكعبة.
{ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض} الظاهر أن الإشارة هي للمصدر المفهوم أي ذلك الجعل لهذه الأشياء قياماً للناس وأمناً لهم ليعلموا أنه تعالى يعلم تفاصيل الأمور الكائنة في السموات والأرض ومصالحكم في دنياكم ودينكم فانظروا لطفه بالعباد على حال كفرهم، وأجاز الزمخشري أن تكون الإشارة إلى ما ذكر من حفظ حرمة الإحرام بترك الصيد وغيره، وقال الزجاج الإشارة إلى ما نبأ به تعالى من الأخبار بالمغيبات والكشف عن الأسرار مثل قوله {سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} ومثل إخباره بتحريفهم الكتب أي ذلك الغيب الذي أنبأكم به على لسان رسوله يدلكم على أنه يعلم ما في السموات وما في الأرض. وقيل الإشارة إلى صرف قلوب الناس إلى مكة في الأشهر المعلومة فيعيش أهلها معهم ولولا ذلك ماتوا جوعاً لعلمه بما في مصالحهم وليستدلوا على أنه يعلم ما في السموات وما في الأرض.
{وأن الله بكل شيء عليم} هذا عموم تندرج فيه الكليات والجزئيات كقوله تعالى {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها}، {اعلموا أن الله شديد العقاب} هذا تهديد إذ أخبر أن عقابه شديد لمن انتهك حرمته.
{وأن الله غفور رحيم} وهذا توجيه بالغفران والرحمة لمن حافظ على طاعة الله أو تاب عن معاصيه.
{ما على الرسول إلا البلاغ} لما تقدم الترغيب والترهيب أخبر تعالى أن كلف رسوله بالتبليغ وهو توصيل الأحكام إلى أمته وهذا فيه تشديد على إيجاب القيام بما أمر به تعالى، وأن الرسول قد فرغ مما وجب عليه من التبليغ وقامت عليه الحجة ولزمتكم الطاعة فلا عذر لكم في التفريط. قال ابن عطية هي إخبار للمؤمنين ولا يتصور أن يقال هي أنه موادعة منسوخة بآيات القتال بل هذه حال من آمن بهذا وشهد شهادة الحق فإنه عصم من الرسول ماله ودمه فليس على الرسول في جهته أكثر من التبليغ. انتهى. وذكر بعض المفسرين الخلاف فيها أهي محكمة أم منسوخة بآية السيف والرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل يجوز أن يكون اسم جنس والمعنى ما على كل من أرسل إلا البلاغ والبلاغ والبلوغ مصدران لبلغ وإذا كان مصدر البلغ فبلاغ الشرائع مستلزم لتبليغ من أرسل بها فعبر باللازم عن الملزوم ويحتمل أن يكون مصدر البلغ المشدد على حذف الزوائد فمعنى البلاغ التبليغ.
{والله يعلم ما تبدون وما تكتمون} جملة فيها تهديد إذ أخبر تعالى أنه مطلع على حال العبد ظاهراً وباطناً فهو مجازيه على ذلك ثواباً أو عقاباً، ويحتمل أن يكون المعنى أنه تعالى ألزم رسوله التبليغ للشريعة وألزمكم أنتم تبليغها فهو العالم بما تبدون منها وما تكتمونه فيجازيكم على ذلك وكان ذلك خطاباً لأمته إذا كان الإبداء والكتم يمكن صدورهما منهم بخلاف الرسول فإنه يستحيل عليه أن يكتم شيئاً من شرائع الله تعالى.
{قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث} روى جابر أن رجلاً قال: يا رسول الله إن الخمر كانت تجارتي، فهل ينفعني ذلك المال إذا عملته في طاعة الله تعالى؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبل إلا الطيب» فنزلت هذه الآية تصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما حذر عن المعصية ورغب في التوبة بقوله: {اعلموا أن الله شديد العقاب} الآية. وأتبعه في التكليف بقوله: {ما على الرسول إلا البلاغ} ثم بالترغيب في الطاعة والتنفير عن المعصية بقوله: {والله يعلم ما تبدون وما تكتمون} أتبعه بنوع آخر من الترغيب في الطاعة والتنفير عن المعصية. فقال هل يستوي الخبيث والطيب، الآية أو يقال لما بين أن عقابه شديد لمن عصى وأنه غفور رحيم لمن أطاع بين أنه لا يستوي المطيع والعاصي وإن كان من العصاة والكفار كثرة فلا يمنعه كثرتهم من عقابه، والظاهر أن الخبيث والطيب عامان فيندرج تحتهما حلال المال وحرامه وصالح العمل وفاسده وجيد الناس ورديئهم وصحيح العقائد وفاسدها والخبيث من هذا كله لا يصلح ولا يحب ولا يحسن له عاقبة والطيب ولو قل نافع جيد العاقبة وينظر إلى هذه الآية قوله تعالى: {والبلد الطيب يخرج نباته} الآية. والخبيث فاسد الباطن في الأشياء حتى يظن بها الصلاح والطيب خلاف ذلك وقد خصص بعض المتقدمين هنا الخبيث والطيب ببعض ما يقتضيه عموم اللفظ، فقال ابن عباس والحسن هو الحلال والحرام، وقال السدي هو المؤمن والكافر وذكر الماوردي قولاً أنه المطيع والعاصي وقولاً آخر أنه الجيد والرديء، وقيل: الطيب المعرفة والطاعة والخبيث الجهل والمعصية والأحسن حمل هذه الأقوال على أنها تمثيل للطيب والخبيث لأقصر اللفظ عليها، وقوله: {ولو أعجبك كثرة الخبيث} ظاهره أنه من جملة المأمور بقوله ووجه كاف الخطاب في قوله {ولو أعجبك} أن المعنى ولو أعجبك أيها السامع أو أيها المخاطب وأما أن لا يكون من جملة ما أمر بقوله ويكون خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم فقد ذكر بعضهم أنه يحتمل ذلك والأولى القول الأول أو يحمل على أنه خطاب له في الظاهر والمراد غيره.
{فاتقوا الله يا اولي الألباب لعلكم تفلحون} أي اتقوه في إيثار الطيب وإن قل على الخبيث وإن كثر، قال الزمخشري ومن حق هذه الآية أن يكفح بها المجبرة إذا افتخروا بالكثرة. قال شاعرهم:
وكاثر بسعدٍ إنّ سعداً كثيرة *** ولا ترجُ من سعدٍ وفاء ولا نصرا
وقال آخر:
لا يدهمنك من دهمائهم عدد *** فإنّ جلَّهم كلَّهم بقرُ
وهو على عادته من تسمية أهل السنة مجبرة وذمهم وخص تعالى الخطاب والنداء بأولي الألباب لأنهم المتقدمون في تمييز الطيب والخبيث فلا ينبغي لهم إهمال ذلك. قال ابن عطية وكأن الإشارة إلى لب التجربة الذي يزيد على لب التكليف بالجبلة والفطنة المستنبطة والنظر البعيد انتهى.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال