سورة المائدة / الآية رقم 102 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ جَعَلَ اللَّهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ قُل لاَّ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ

المائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (102)}.
التفسير:
مناسبة هذه الآية لما قبلها، هو أن التعرف على الحلال والحرام، والتهدّى إلى تمييز الطيب من الخبيث، يكون عن نظر وتقدير، كما يكون عن مدارسة، ومساءلة لأهل العلم والذكر، كما يقول اللّه تعالى: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [7: الأنبياء].
وقد أشارت الآية السابقة إلى التفرقة بين الخبيث والطيب، وأن الخبيث خسيس لا قيمة له، ولو لبس ثوبا من البريق الزائف الذي يخدع الحمقى والسفهاء.
وكان من هذا أن أكثر المسلمون من التنقيب والبحث، وتقليب الأمور على وجوهها، ليتعرفوا على ما ينكشف منها من طيب أو خبيث، ومن خير أو شر، ومن حق أو باطل.. وقد أغراهم بهذا أن الرسول الكريم قائم فيهم، مقام الشمس في وضاءتها وامتداد سلطانها على الآفاق، فكانوا يلقونه- صلوات اللّه وسلامه عليه- بكل عارض يعرض لهم، وبكل شبهة تقع لأبصارهم، فيلقاهم الرسول الكريم بما يجلو الشّبه، ويكشف معالم الطريق إلى الحق والخير.
وقد تجاوز بعض المسلمين هذه الحدود فيما يعنيهم من أمر دينهم أو دنياهم، فجعلوا يسألون عن أمور لم تقع، قد افترضوا وقوعها، واستعجلوا الحكم الشرعي فيها.. وهذا من شأنه أن يجعل الرسول بين أمرين إما أن يجيبهم إلى ما سألوا، وإما أن يدعهم يسألون ولا يجيب.
والأمر الثاني: إن أخذ به الرسول، ووقف عنده، أقام السائلين على قلق، وحيرة، فتذهب بهم الظنون كل مذهب، وتتشعب بهم الآراء في كل وجه.
فكان لا بد- والحال كذلك- أن يلقى الرسول كلّ سائل بالجواب عما سأل، قبولا أو ردّا، وموافقة أو مخالفة.
وإذا علمنا أن القرآن الكريم كان ينزل منجّما، وأن التشريع الإسلامى جاء متدرجا، شيئا فشيئا، وحالا بعد حال، حسب تقدير العزيز العليم، وحكمة الحكيم الخبير، حتى تتأصل أصول الشريعة، وترسخ أحكامها، وتنزل من النفوس منزلة الاطمئنان والقرار.
فالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وهى أركان الإسلام، بعد الإيمان باللّه- هذه العبادات لم تفرض على المسلمين مرة واحدة.. بل فرض بعضها في مكة، قبل الهجرة، كالصلاة التي فرضت بعد الإسراء، ثم فرضت الزكاة، والصوم- في السنة الثانية بعد الهجرة، ثم الحج، الذي كان آخر ما فرض من العبادات!.
إذا علمنا هذا، كان لنا أن نسأل:
ماذا يكون الأمر لو سأل سائل من المسلمين النبىّ صلى اللّه عليه وسلم وهو في مكة لم يهاجر بعد- عن الزكاة، أو عن الصوم مثلا؟
أكان الجواب بأن الزكاة فرض على المسلمين، أو أن الصوم المفروض عليهم هو صوم رمضان؟
كان لا بد إذن أن ينزل قرآن في هذا، وأن يعجّل بأمر لم يرد اللّه تعجيله، لحكمة أرادها، ولتقدير قدره.
إذن، فإن من الخير للمسلمين أن يسكتوا عما سكتت السريعة عنه، إلى أن تقول كلمتها فيه، أو تدعه فلا تقول شيئا عنه.. وفى هذا وذاك خير للمسلمين، ورحمة بهم، وإحسان إليهم.
ولهذا جاء قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} والأشياء المنهىّ عن السؤال عنها ليست الأشياء جميعها على إطلاقها، وإنما هى الأشياء التي يترتب على إقرار الشريعة لها، وأخذ المسلمين بها إضافة تكاليف وأعباء، كتحريم أمر كان غير محرم، وحظر طعام كان مباحا.. ونحو هذا.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} أي إن انكشف لكم حكم الشريعة فيها ساءكم، وشق عليكم، وأعنتكم.
وفى هذا يقول الرسول الكريم: «ذرونى ما تركتكم.. فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه».
واستمع إلى قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ...} [25 محمد].
فقد سأل المسلمون النبىّ أن تنزل عليهم كلمة اللّه في القتال، وحكمة فيه، فلما نزلت سورة محكمة، أي جلية واضحة، لا تحتمل تأويلا، وجاء أمر القتال فيها واجبا ملزما- ساء ذلك كثيرا من النفوس، وثقل عليها احتماله، أما الذين احتملوه فاحتملوه على جهد ومشقة.
واستمع بعد ذلك إلى قوله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [77: النساء] فالذى كان مطلوبا أولا من المسلمين أن يكفّوا أيديهم عن الإثم والعدوان وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.. وكان ذلك أول الإسلام، وعلى الخطوات الأولى من مسيرة المسلمين فيه.. ثم كان بعد ذلك أن فرض اللّه عليهم القتال، فرضه عليهم بعد أن قطع بهم على طريق الإسلام تلك المرحلة التي دربوا فيها على الطاعات، وتوثقت فيها صلتهم باللّه فماذا كان بعد أن كتب عليهم القتال؟ لقد تمنى كثير منهم ألا يكون هذا الحكم فريضة واجبة عليهم.. لقد ضاقت به نفوس، ووجفت منه قلوب.
فكيف كان الحال لو أن الأمر بالقتال جاءهم ابتداء، فكان فرضا لازما من أول يوم الإسلام؟
كان من الخير إذن للمسلمين ألا يسألوا عن مثل هذه الأشياء، وألا يفتحوا على أنفسهم أبوابا من الأعباء، سدّها اللّه دونهم، وعافاهم مما يجيئهم منها من تكاليف وواجبات.. لا عن نسيان منه، سبحانه، وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا، ولكن كان ذلك رحمة وفضلا وإحسانا.
يقول الرسول الكريم: «إن اللّه تعالى فرض فرائض فلا تصيّعوها، وحدّ حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء، فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها».
وفى الحديث، أنه لما نزلت آية الحج، نادى النبي صلّى اللّه عليه وسلم في الناس فقال: «أيها الناس.. إن اللّه قد كتب عليكم الحج فحجّوا» فقالوا يا رسول اللّه: أعاما واحدا أم كل عام؟ فقال: «لا، بل عاما واحدا، ولو قلت كلّ عام لوجبت، ولو وجبت لكفرتم!» أي لم تستطيعوا الوفاء بما فرض عليكم، وفى هذا مخالفة لحكم من أحكام اللّه، وتضييع لفريضة من فرائضه، وذلك هو كفر باللّه.
وقوله تعالى: {وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ}.
المراد بقوله تعالى: {حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ} أي حين تجىء آيات اللّه في الوقت المقدور لنزولها، بما تنزل به من أحكام، حتى يتم نزول القرآن الكريم كله.. فإن بقي في نفوسهم شيء بعدها سألوا عنه.. وفى هذا إشارة إلى أن أحكام الشريعة كانت تتنزل بقدر مقدور لها، وبتوقيت محدد لنزولها.
فإذا جاء القرآن بحكم من الأحكام، كان السؤال مطلوبا من المسلمين عما خفى عليهم من هذا الحكم الذي جاء به، على أن يكون ذلك موقوفا به عند حدود الحكم، وفى بيان محتواه.
أما مجاوزة هذه الحدود فهى مما نهى عنه. وهى من التنطع والتكلف الذي لا يجرّ وراءه إلا الحسرة والندم، كهذا السؤال الذي سئله الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه، وهو يدعو الناس إلى أداء فريضة الحج.. فقد كان أمر الرسول واضحا محددا، وكذلك ما نزل به القرآن في أمر الحج {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} فالسؤال بعد هذا عن الحج، وهل هو كل عام، أو مرة واحدة- فيه تكلف لا مبرر له، ولا حاجة إليه.
وقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْها} الضمير هنا يعود إلى تلك الأشياء التي كانت مباحة للمسلمين في أول الإسلام، ثم جاء الإسلام، في زمن متراخ فحرمها عليهم.. كالخمر، والربا، والزواج من زوجات الأبناء من الأصلاب وكثير غير هذا، مما حرمته الشريعة، من أمور كان يأتيها الجاهليون وجرى عليها المسلمون في أول الإسلام.
فهذه الأشياء قد عفا اللّه عنها، فلا يؤاخذهم عليها، وإن كانوا قد فعلوها وهم مسلمون، إذ لم يكن قد جاء حكم الشريعة فيها.
وفى قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} إشارة إلى أنّ في مغفرته ما يسع هذه المنكرات التي أتاها المسلمون، وهم مسلمون، ووجدوا في أنفسهم حرجا منها، وضيقا بها، وإن كانوا لم يتلقوا حكم- اللّه فيها.
فهذه مغفرة اللّه تدفع عنهم هذا الحرج، وتذهب بما في صدورهم من ضيق.
وهذا حلم اللّه يأخذهم بالأناة واللطف، فيما يشرّع لهم من أحكام.. إنه- سبحانه- يقبلهم مسلمين بما كانوا عليه، وبما فعلوه مما لم ينههم عنه من قبل.
فليرفقوا بأنفسهم، ولا يعجلوا بالسؤال عن حلّ هذا الشيء أو حرمته، حتى يأتيهم أمر اللّه فيه.
وقوله تعالى: {قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ}.
الضمير في {سألها} يعود إلى تلك الأشياء التي لم تقل الشريعة قولا فيها، بحلّ أو حرمة.
والقوم هنا، هم بنو إسرائيل.
والمعنى أن بنى إسرائيل سألوا رسلهم عن كثير من أمور لم يأتهم الرسل بحكم اللّه فيها، فلما جاءهم الحكم فيما سألوا عنه، كفروا به، ولم يمتثلوا حكم اللّه فيه.
وما كان أغناهم عن أن يسكتوا.. ولكن القوم بما ركّب فيهم من لجاج وعناد وخلاف، لا يدعون لرسول من رسل اللّه فيهم، سبيلا، إلا أخذوه عليه، يسألون ويلحفون في السؤال، في كل صغير وكبير، وقريب وبعيد! ثم ما كان أولاهم إذا لم يسكتوا أن يتقبلوا جواب ما سألوه عنه، وأن ينزلوا على مقرراته، ويقفوا عند حدوده.. ولكنهم لم يسألوا ليهتدوا من ضلال، وليبصروا من عمى، ولكن كانت أسئلتهم مماراة، ومماحكة، وإعناتا!




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال