سورة المائدة / الآية رقم 116 / تفسير تفسير الألوسي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ العَالَمِينَ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

المائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدةالمائدة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)}
{وَإِذْ قَالَ الله ياعيسى عِيسَى ابن مَرْيَمَ} عطف على {إِذْ قَالَ الحواريون} [المائدة: 112] منصوب بما نصبه من الفعل المضمر أو ضمر مستقل معطوف على ذلك. وصيغة الماضي لما مضى. والمراد يقول له عليه الصلاة والسلام: {ءأَنْتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّىَ إلهين مِن دُونِ الله} يوم القيامة توبيخًا للكفرة وتبكيتًا لهم باقراره عليه الصلاة والسلام على رؤوس الأشهاد بالعبودية وأمرهم بعبادته عز وجل. وقيل: قاله سبحانه له عليه الصلاة والسلام في الدنيا وكان ذلك بعد الغروب فصلى عليه الصلاة والسلام المغرب ثلاث ركعات شكرًا لله تعالى حين خاطبه بذلك، وكان الأولى: لنفي الألوهية عن نفسه. والثانية: لنفيها عن أمه. والثالثة: لإثباتها لله عز وجل. فهو عليه الصلاة والسلام أول من صلى المغرب ولا يخفى أن ما سيأتي إن شاء الله تعالى في الآيات يأبى ذلك ولا يصح أيضًا خبر فيه. ثم إنه ليس مدار أصل الكلام عند بعض المحققين أن القول متيقن والاستفهام لتعيين القائل كما هو المتبادر من إيلاء الهمزة المبتدأ على الاستعمال المشهور وعليه قوله تعالى: {قَالُواْ ءأَنْتَ فَعَلْتَ هذا} [الأنبياء: 62] ونحوه بل على أن المتيقن هو الاتخاذ. والاستفهام لتعيين أنه بأمره عليه الصلاة والسلام أو أمر من تلقاء أنفسهم كما في قوله تعالى: {أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هَؤُلاَء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السبيل قَالُواْ} [الفرقان: 17] وقال بعض: لما كان القول قد وقع من رؤسائهم في الضلال كان مقررًا كالاتخاذ فالاستفهام لتعيين من صدر منه فلذا قدم المسند إليه، وقيل: التقديم لتقوية النسبة لأنها بعيدة عن القبول بحيث لا تتوجه نفس السامع إلى أن المقصود ظاهرها حتى يجيب على طبقه فاحتاجت إلى التقوية حتى يتوجه إليها المستفهم عنها، وفيه كمال توبيخ الكفرة بنسبة هذا القول إليه.
وفي قوله: {اتخذونى وَأُمّىَ} دون واتخذوني ومريم توبيخ على توبيخ كأنه قيل: أأنت قلت ما قلت مع كونك مولودًا وأمك والدة والإله لا يلد ولا يولد.
وأنت تعلم أن في ندائه عليه الصلاة والسلام على الكيفية المذكورة إشارة إلى إبطال ذلك الاتخاذ. ولام {لِلنَّاسِ} للتبليغ، والاتخاذ إما متعد لاثنين فالياء مفعوله الأول و{إلهين} مفعوله الثاني وإما متعد لواحد فإلهين حال من المفعول و{مِن دُونِ الله} حال من فاعل الاتخاذ أي متجاوزين الله تعالى أو صفة لإلهين أي كائنين من دون الله تعالى أي غيره منضمًا إليه سبحانه فالله تعالى إله وهما بزعم الكفرة إلهان فالمراد اتخاذهما بطريق اشتراكهما معه عز وجل. وهذا كما في قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله} إلى قوله سبحانه: {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18] وأيد ذلك بأن التوبيخ والتبكيت إنما يتأتى بذلك. وقال الراغب: إن ظاهر ذلك القول استقلالهما عليهما الصلاة والسلام بالألوهية وعدم اتخاذ الله سبحانه وتعالى معهما إلهًا ولا بد من تأويل ذلك لأن القوم ثلثوا والعياذ بالله تعالى فإما أن يقال: إن من أشرك مع الله سبحانه غيره فقد نفاه معنى لأنه جل شأنه وحده لا شريك له ويكون إقراره بالله تعالى كلا إقرار. وحينئذٍ يكون {مِن دُونِ الله} مجازًا عن مع الله تعالى أو يقال: إن المراد ن دون الله التوسط بينهما وبينه عز شأنه فيكون الدون إشارة لقصور مرتبتهما عن مرتبته جل جلاله لأنهم قالوا: هو عز اسمه كالشمس وهما كشعاعها. وزعم بعضهم أن المراد اتخاذهما بطريق الاستقلال. ووجهه أن النصارى يعتقدون أن المعجزات التي ظهرت على يدي عيسى وأمه عليهما الصلاة والسلام لم يخلقها الله تعالى بل هما خلقاها فصح أنهم اتخذوهما في حق بعض الأشياء إلهين مستقلين ولم يتخذوه إلهًا في حق ذلك البعض، ولا يخفى أن الأول كالمتعين وإليه أشار العلامة ونص على اختياره شيخ الإسلام.
واستشكلت الآية بأنه لا يعلم أن أحدًا من النصارى اتخذ مريم عليها السلام إلهًا. وأجيب عنه بأجوبة. الأول: أنهم لما جعلوا عيسى عليه الصلاة والسلام إلهًا لزمهم أن يجعلوا والدته أيضًا كذلك لأن الولد من جنس من يلده فذكر {إلهين} على طريق الإلزام لهم. والثاني: أنهم لما عظموها تعظيم الإله أطلق عليها اسم الإله كما أطلق اسم الرب على الأحبار والرهبان في قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أَرْبَابًا مّن دُونِ الله} [التوبة: 31] لما أنهم عظموهم تعظيم الرب. والتثنية حينئذٍ على حد القلم أحد اللسانين. والثالث: أنه يحتمل أن يكون فيهم من قال بذلك. ويعضد هذا القول ما حكاه أبو جعفر الإمامي عن بعض النصارى أنه قد كان فيما مضى قوم يقال لهم: المريمية يعتقدون في مريم أنها إله. وهذا كما كان في اليهود قوم يعتقدون أن عزيرًا ابن الله عز اسمه وهو أولى الأوجه عندي. وما قرره الزاعم من أن النصارى يعتقدون إلخ غير مسلم في نصارى زماننا ولم ينقله أحد ممن يوثق به عنهم أصلًا. وإظهار الاسم الجليل لكونه في حيز القول المسند إلى عيسى عليه الصلاة والسلام.
{قَالَ} استئناف مبني على سؤال نشأ من صدر الكلام وهو ظاهر. وفي بعض الآثار أنه عليه الصلاة والسلام حين يقول له الرب عز وجل ما يقول ترتعد مفاصله وينفجر من أصل كل شعرة من جسده عين من دم خيفة من ربه جلت عظمته، وفي بعضها أنه عليه الصلاة والسلام يرتعد خوفًا ولا يفتح له باب الجواب خمسمائة عام ثم يلهمه الله تعالى الجواب بعد فيقول: {سبحانك} أي تنزيهًا لك من أن أقول ذلك أو يقال في حقك كما قدره ابن عطية، وقدره بعضهم من أن يكون لك شريك فضلًا من أن يتخذ إلهان دونك، وآخرون من أن تبعث رسولًا يدعى ألوهية غيرك ويدعو إليها ويكفر بنعمتك، والأول أوفق بسياق النظم الكريم.
وسبحان على سائر التقادير على أحد الأقوال فيه وقد تقدمت علم للتسبيح وانتصابه على المصدرية ولا يكاد يذكر ناصبه. وفيه من المبالغة في التنزيه من حيث الاشتقاق من السبح وهو الإبعاد في الأرض والذهاب، ومن جهة النقل إلى صيغة التفعيل والعدول عن المصدر إلى الاسم الموضوع له خاصة المشير إلى الحقيقة الحاضرة في الذهن وإقامته مقام المصدر مع الفعل ما لا يخفى.
وقوله سبحانه: {مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقّ} استئناف مقرر للتنزيه ومبين للمنزه عنه. وما الثانية سواء كانت موصولة أو نكرة موصوفة مفعول {أَقُولُ} والمراد بها على التقديرين القول المذكور أو ما يعمه وغيره ويدخل فيه القول المذكور دخولًا أوليًا، ونصب القول للمفردات نحو الجملة والكلام والشعر مما لا شك في صحته كنصبه الجمل الصريحة فلا حاجة إلى تفسير أقول بأذكر كما يتوهم. واسم {لَّيْسَ} ضمير عائد إلى ما و{بِحَقّ} خبره، والجار والمجرور فيما بينهما للتبيين فيتعلق حذوف كما في سقيا لك. وإيثار ليس على الفعل المنفي على ما يحق لي لظهور دلالته على استمرار انتفاء الحقيقة وإفادة التأكيد بما في خبره من الباء المطرد زيادتها في خبر ليس. ومعنى {مَا يَكُونُ لِى} أي لا ينبغي ولا يليق وهو أبلغ من لم أقله فلذا أوثر عليه: والمراد لا ينبغي أن أقول قولًا لا يحق لي قوله أصلًا في وقت من الأوقات، وجوز أبو البقاء أن يكون {لِى} خبر ليس و{بِحَقّ} في موضع الحال من الضمير في الجار والعامل فيه ما فيه من معنى الاستقرار. وأن يكون متعلقًا بفعل محذوف على أنه مفعول له والباء للسببية أي ما ليس يثبت لي بسبب حق. وأن يكون خبر ليس و{لِى} صفة حق قدم عليه فصار حالًا، وهذا مخرج على رأي من أجاز تقديم حال المجرور عليه، وقيل: إن {لِى} متعلق بحق وهو الخبر. وهو أيضًا مبني على قول بعض النحاة المجوز تقديم صلة المجرور على الجار. والجمهور على عدم الجواز ولا فرق عندهم في المنع بين أن يكون الجار زائدًا أو غيره.
وقوله عز وجل: {إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} استدلال على براءته من صدور القول المذكور عنه فإن صدوره عنه مستلزم لعلمه به تعالى قطعًا والعلم به منتف فينتفي الصدور ضرورة أن انتفاء اللازم مستلزم لانتفاء الملزوم.
واستشكلت هذه الجملة بأن المعنى على المضي هنا وأن تقلب الماضي مستقبلًا. وأجاب عن ذلك المبرد بأن كان قوية الدلالة على المضي حتى قيل إنها موضوعة له فقط دون الحدث وجعلوه وجهًا لكونها ناقصة فلا تقدر إن على تحويلها إلى الاستقبال. وأجاب ابن السراج بأن التقدير إن أقل كنت قلته إلخ وكذا يقال فيما كان من أمثال ذلك، وقد نقل ذلك عثمان بن يعيش وضعفه ابن هشام في «تذكرته»، والجمهور على أن المعنى إن صح قولي ودعواي ذلك فقد تبين علمك به.
{تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى} استئناف جار مجرى التعليل لما قبله فقوله جل شأنه: {وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ} بيان للواقع وإظهار لقصوره عليه السلام، وللنفس في كلامهم إطلاقات فتطلق على ذات الشيء وحقيقته وعلى الروح وعلى القلب وعلى الدم وعلى الإرادة، قيل: وعلى العين التي تصيب وعلى الغيب وعلى العقوبة. ويفهم من كلام البعض أنها حقيقة في الإطلاق الأولي مجاز فيما عداه، وفسر غير واحد النفس هنا بالقلب، والمراد تعلم معلومي الذي أخفيه في قلبي فكيف بما أعلنه ولا أعلم معلومك الذي تخفيه وسلك في ذلك مسلك المشاكلة كما في قوله:
قالوا اقترح شيئًا نجد لك طبخه *** قلت اطبخوا لي جبة وقميصًا
إلا أن ما في الآية كلا اللفظين وقع في كلام شخص واحد وما في البيت ليس كذلك. وفي الدر المصون أن هذا التفسير مروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وحكاه عنه أيضًا في مجمع البيان. وفسرها بعضهم بالذات وادعى أن نسبتها بهذا المعنى إلى الله تعالى لا تحتاج إلى القول بالمشاكلة، ومن ذلك قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} [الأنعام: 54] {واصطنعتك لِنَفْسِى} [طه: 41] {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} [آل عمران: 28 و30] وقوله صلى الله عليه وسلم: «أقسم ربي على نفسه أن لا يشرب عبد خمرًا ولم يتب إلى الله تعالى منه إلا سقاه من طينة الخبال» وقوله عليه الصلاة والسلام: «ليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل ولأجل ذلك مدح نفسه» وقوله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله عدد خلقه ورضا نفسه» إلى غير ذلك من الأخبار.
وقال المحقق الشريف في شرح المفتاح وغيره: إن لفظ النفس لا يطلق عليه تعالى وإن أريد به الذات إلا مشاكلة وليس بشيء لما علمت من الآيات والأحاديث، وادعاء أن ما فيها مشاكلة تقديرية كما قيل ذلك في قوله تعالى: {صِبْغَةَ الله ومَنْ أَحْسَنَ مِنَ الله صِبْغَةً} [البقرة: 138] لا يخفى أنه من سقط المتاع فالصحيح المعول عليه جواز إطلاقها عنى الذات على الله تعالى من غير مشاكلة، نعم قيل: إن لفظ النفس في هذه الآية وإن كان عنى الذات لابد معه من اعتبار المشاكلة لأن لا أعلم ما في ذاتك ليس بكلام مرضي فيحتاج إلى حمله على المشاكلة بأن يكون المراد لا أعلم معلوماتك فعبر عنه بلا أعلم ما في نفسك لوقوع التعبير عن تعلم معلومي بتعلم ما في نفسي.
وعلى ذلك حمل العلامة الثاني كلام صاحب الكشاف ولا يخفى ما فيه، والتحقيق أن الآية من المشاكلة إلا أنها ليست في إطلاق النفس بل في لفظ {فِى} فإن مفادها بالنظر إلى ما في نفس عيسى عليه السلام الارتسام والانتقاش ولا يمكن ذلك نظرًا إلى الله تعالى. وإلى هذا يشير كلام بعض المحققين ومنه يعلم ما في كتب الأصول من الخبط في هذا المقام، وقال الراغب: يجوز أن يكون القصد إلى نفي النفس عنه تعالى فكأنه قال: تعلم ما في نفسي ولا نفس لك فأعلم ما فيها كقول الشاعر:
ولا ترى الضب بها ينجحر ***
وهو على بعده مما لا يحتاج إليه. ومثله ما ذكره بعض الفضلاء من أن النفس الثانية هي نفس عيسى عليه السلام أيضًا، وإنما أضافها إلى ضمير الله تعالى باعتبار كونها مخلوقة له سبحانه كأنه قال: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما فيها.
{إِنَّكَ أَنتَ علام الغيوب} تقرير لمضمون الجملتين منطوقًا ومفهومًا لما فيه من الحصر ومدلوله الإثبات فيقرر {تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى} لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب ويلزمه النفي فيقرر لا أعلم ما في نفسك لأنه غيب أيضًا، ومدلول النفي أنه لا يعلم الغيب غيره تعالى شأنه.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال