سورة البقرة / الآية رقم 81 / تفسير تفسير الرازي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناًّ قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ

البقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}
قال صاحب الكشاف: بلى إثبات لما بعد حرف النفي وهو قوله تعالى: {لَن تَمَسَّنَا النار}، أي بلى تمسكم أبداً بدليل قوله: {هُمْ فِيهَا خالدون}.
أما السيئة فإنها تتناول جميع المعاصي.
قال تعالى: {وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى: 40]، {مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] ولما كان من الجائز أن يظن أن كل سيئة صغرت أو كبرت فحالها سواء في أن فاعلها يخلد في النار لا جرم بين تعالى أن الذي يستحق به الخلود أن يكون سيئة محيطة به، ومعلوم أن لفظ الإحاطة حقيقة في إحاطة جسم بجسم آخر كإحاطة السور بالبلد والكوز بالماء وذلك هاهنا ممتنع فنحمله على ما إذا كانت السيئة كبيرة لوجهين. أحدهما: أن المحيط يستر المحاط به والكبيرة لكونها محيطة لثواب الطاعات كالساترة لتلك الطاعات، فكانت المشابهة حاصلة من هذه الجهة، والثاني: أن الكبيرة إذا أحبطت ثواب الطاعات فكأنها استولت على تلك الطاعات وأحاطت بها كما يحيط عسكر العدو بالإنسان، بحيث لا يتمكن الإنسان من التخلص منه، فكأنه تعالى قال: بلى من كسب كبيرة وأحاطت كبيرته بطاعاته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، فإن قيل: هذه الآية وردت في حق اليهود، قلنا: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، هذا هو الوجه الذي استدلت المعتزلة به في إثبات الوعيد لأصحاب الكبائر.
واعلم أن هذه المسألة من معظمات المسائل، ولنذكرها هاهنا فنقول: اختلف أهل القبلة في وعيد أصحاب الكبائر، فمن الناس من قطع بوعيدهم وهم فريقان، منهم من أثبت الوعيد المؤبد وهو قول جمهور المعتزلة والخوارج.
ومنهم من أثبت وعيداً منقطعاً وهو قول بشر المريسي والخالد، ومن الناس من قطع بأنه لا وعيد لهم وهو قول شاذ ينسب إلى مقاتل بن سليمان المفسر، والقول الثالث: أنا نقطع بأنه سبحانه وتعالى يعفو عن بعض المعاصي ولكنا نتوقف في حق كل أحد على التعيين أنه هل يعفو عنه أم لا، ونقطع بأنه تعالى إذا عذب أحداً منهم مدة فإنه لا يعذبه أبداً، بل يقطع عذابه، وهذا قول أكثر الصحابة والتابعين وأهل السنة والجماعة وأكثر الإمامية، فيشتمل هذا البحث على مسألتين. إحداهما: في القطع بالوعيد، والأخرى: في أنه لو ثبت الوعيد فهل يكون ذلك على نعت الدوام أم لا؟
المسألة الأولى: في الوعيد ولنذكر دلائل المعتزلة أولاً. ثم دلائل المرجئة الخالصة ثم دلائل أصحابنا رحمهم الله.
أما المعتزلة فإنهم عولوا على العمومات الواردة في هذا الباب وتلك العمومات على جهتين. بعضها وردت بصيغة من في معرض الشرط وبعضها وردت بصيغة الجمع، أما النوع الأول فآيات، إحداها: قوله تعالى في آية المواريث: {تِلْكَ حُدُودُ الله} [النساء: 13] إلى قوله: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خالدا فِيهَا} [النساء: 14]، وقد علمنا أن من ترك الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وارتكب شرب الخمر والزنا وقتل النفس المحرمة فهو متعد لحدود الله، فيجب أن يكون من أهل العقاب، وذلك لأن كلمة من في معرض الشرط تفيد العموم على ما ثبت في أصول الفقه، فمتى حمل الخصم هذه الآية على الكافر دون المؤمن كان ذلك على خلاف الدليل ثم الذي يبطل قوله وجهان. أحدهما: أنه تعالى بين حدوده في المواريث ثم وعد من يطيعه في تلك الحدود وتوعد من يعصيه فيها، ومن تمسك بالإيمان والتصديق به تعالى فهو أقرب إليها إلى الطاعة فيها ممن يكون منكراً لربوبيته ومكذباً لرسله وشرائعه، فترغيبه في الطاعة فيها أخص ممن هو أقرب إلى الطاعة فيها وهو المؤمن، ومتى كان المؤمن مراداً بأول الآية فكذلك بآخرها.
الثاني: أنه قال: {تِلْكَ حُدُودُ الله} ولا شبهة في أن المراد به الحدود المذكورة، ثم علق بالطاعة فيها الوعد وبالمعصية فيها الوعيد، فاقتضى سياق الآية أن الوعيد متعلق بالمعصية في هذه الحدود فقط دون أن يضم إلى ذلك تعدي حدود أخر، ولهذا كان مزجوراً بهذا الوعيد في تعدي هذه الحدود فقط ولو لم يكن مراداً بهذا الوعيد لما كان مزجوراً به، وإذا ثبت أن المؤمن مراد بها كالكافر بطل قول من يخصها بالكافر، فإن قيل: إن قوله تعالى: {وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} [النساء: 14] جمع مضاف والجمع المضاف عندكم يفيد العموم، كما لو قيل: ضربت عبيدي، فإنه يكون ذلك شاملاً لجميع عبيده، وإذا ثبت ذلك اختصت هذه الآية بمن تعدى جميع حدود الله وذلك هو الكافر لا محالة دون المؤمن، قلنا: الأمر وإن كان كما ذكرتم نظراً إلى اللفظ لكنه وجدت قرائن تدل على أنه ليس المراد هاهنا تعدي جميع الحدود، أحدها: أنه تعالى قدم على قوله: {وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ الله} فانصرف قوله: {وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} إلى تلك الحدود.
وثانيها: أن الأمة متفقون على أن المؤمن مزجور بهذه الآية عن المعاصي، ولو صح ما ذكرتم لكان المؤمن غير مزجور بها.
وثالثها: أنا لو حملنا الآية على تعدي جميع الحدود لم يكن للوعيد بها فائدة لأن أحداً من المكلفين لا يتعدى جميع حدود الله، لأن في الحدود ما لا يمكن الجمع بينها في التعدي لتضادها، فإنه لا يتمكن أحد من أن يعتقد في حالة واحدة مذهب الثنوية والنصرانية وليس يوجد في المكلفين من يعصي الله بجميع المعاصي.
ورابعها: قوله تعالى في قاتل المؤمن عمداً: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [النساء: 93]، دلت الآية على أن ذلك جزاؤه، فوجب أن يحصل له هذا الجزاء لقوله تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123].
وخامسها: قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ} [الأنفال: 15] إلى قوله: {وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرّفاً لّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزاً إلى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مّنَ الله وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير} [الأنفال: 16].
وسادسها: قوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8].
وسابعها: قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أموالكم بَيْنَكُمْ بالباطل} [النساء: 29] إلى قوله تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك عدوانا وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً} [النساء: 30].
وثامنها: قوله تعالى: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يحيى * وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصالحات فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدرجات العلى} [طه: 74، 75] فبين تعالى أن الكافر والفاسق من أهل العقاب الدائم كما أن المؤمن من أهل الثواب.
وتاسعها: قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} [طه: 111] وهذا يوجب أن يكون الظالم من أهل الصلاة داخلاً تحت هذا الوعيد.
وعاشرها: قوله تعالى بعد تعداد المعاصي: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً * يضاعف لَهُ العذاب يَوْمَ القيامة وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان: 68، 69] بين أن الفاسق كالكافر في أنه من أهل الخلود، إلا من تاب من الفساق أو آمن من الكفار، والحادية عشرة: قوله تعالى: {مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءامِنُونَ وَمَن جَاء بالسيئة} [النمل: 89، 90] الآية، وهذا يدل على أن المعاصي كلها متوعد عليها كما أن الطاعات كلها موعود عليها، والثانية عشرة: قوله تعالى: {فَأَمَّا مَن طغى وَءاثَرَ الحياة الدنيا فَإِنَّ الجحيم هِىَ المأوى} [النازعات: 37- 39].
والثالثة عشرة: قوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: 23] الآية ولم يفصل بين الكافر والفاسق، والرابعة عشرة: قوله تعالى: {بلى مَن كَسَبَ سَيّئَةً وأحاطت بِهِ خَطِيئَتُهُ} الآية، فحكي في أول الآية قول المرجئة من اليهود فقال: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً} [البقرة: 80] ثم إن الله كذبهم فيه، ثم قال: {بلى مَن كَسَبَ سَيّئَةً وأحاطت بِهِ خَطِيئَتُهُ فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} فهذه هي الآيات التي تمسكوا بها في المسألة لاشتمالها على صيغة من في معرض الشرط واستدلوا على أن هذه اللفظة تفيد العموم بوجوه:
أحدها: أنها لو لم تكن موضوعة للعموم لكانت إما موضوعة للخصوص أو مشتركة بينهما والقسمان باطلان، فوجب كونها موضوعة للعموم، أما أنه لا يجوز أن تكون موضوعة للخصوص فلأنه لو كان كذلك لما حسن من المتكلم أن يعطي الجزاء لكل من أتى بالشرط، لأن على هذا التقدير لايكون ذلك الجزاء مرتباً على ذلك الشرط، لكنهم أجمعوا على أنه إذا قال: من دخل داري أكرمته أنه يحسن أن يكرم كل من دخل داره فعلمنا أن هذه اللفظة ليست للخصوص، وأما أنه لا يجوز أن تكون موضوعة للاشتراك، أما أولاً: فلأن الاشتراك خلاف الأصل، وأما ثانياً: فلأنه لو كان كذلك لما عرف كيفية ترتب الجزاء على الشرط إلا بعد الاستفهام عن جميع الأقسام الممكنة مثل أنه إذا قال: من دخل داري أكرمته، فيقال له: أردت الرجال أو النساء، فإذا قال: أردت الرجال يقال له: أردت العرب أو العجم، فإذا قال: أردت العرب يقال له: أردت ربيعة أو مضر وهلم جراً إلى أن يأتي على جميع التقسيمات الممكنة، ولما علمنا بالضرورة من عادة أهل اللسان قبح ذلك علمنا أن القول بالاشتراك باطل.
وثانيها: أنه إذا قال: من دخل داري أكرمته حسن استثناء كل واحد من العقلاء منه والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله فيه لأنه لا نزاع في أن المستثنى من الجنس لابد وأن يكون بحيث يصح دخوله تحت المستثنى منه، فإما أن يعتبر مع الصحة الوجوب أو لا يعتبر والأول باطل، أما أولاً: فلأنه يلزم أن لا يبقى بين الاستثناء من الجمع المنكر كقوله: جاءني الفقهاء إلا زيداً وبين الاستثناء من الجمع المعرف كقوله: جاءني الفقهاء إلا زيداً فرق لصحة دخول زيد في الكلامين، لكن الفرق بينهما معلوم بالضرورة.
وأما ثانياً: فلأن الاستثناء من العدد يخرج ما لولاه لوجب دخوله تحته فوجب أن يكون هذا فائدة الاستثناء في جميع المواضع لأن أحداً من أهل اللغة لم يفصل بين الاستثناء الداخل على العدد وبين الداخل على غيره من الألفاظ، فثبت بما ذكرنا أن الاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله فيه وذلك يدل على أن صيغة من في معرض الشرط للعموم.
وثالثها: أنه تعالى لما أنزل قوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] الآية قال ابن الزبعرى: لأخصمن محمداً ثم قال: يا محمد أليس قد عبدت الملائكة أليس قد عبد عيسى ابن مريم فتمسك بعموم اللفظ والنبي عليه الصلاة والسلام لم ينكر عليه ذلك، فدل على أن هذه الصيغة تفيد العموم.
النوع الثاني: من دلائل المعتزلة: التمسك في الوعيد بصيغة الجمع المعرفة بالألف واللام وهي في آيات. إحداها: قوله تعالى: {وَإِنَّ الفجار لَفِى جَحِيمٍ} [الإنفطار: 14] واعلم أن القاضي والجبائي وأبا الحسن يقولون: إن هذه الصيغة تفيد العموم، وأبو هاشم يقول: إنها لا تفيد العموم، فنقول: الذي يدل على أنها للعموم وجوه:
أحدها: أن الأنصار لما طلبوا الإمامة احتج عليهم أبو بكر رضي الله عنه بقوله عليه الصلاة والسلام: «الأئمة من قريش» والأنصار سلموا تلك الحجة ولو لم يدل الجمع المعرف بلام الجنس على الاستغراق لما صحت تلك الدلالة، لأن قولنا: بعض الأئمة من قريش لا ينافي وجود إمام من قوم آخرين.
أما كون كل الأئمة من قريش ينافي كون بعض الأئمة من غيرهم، وروي أن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكر لما هم بقتال مانعي الزكاة: أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم:
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله احتج على أبي بكر بعموم اللفظ ثم لم يقل أبو بكر ولا أحد من الصحابة: إن اللفظ لا يفيده بل عدل إلى الاستثناء، فقال إنه عليه الصلاة والسلام قال: إلا بحقها وإن كان الزكاة من حقها.
وثانيها: أن هذا الجمع يؤكد بما يقتضي الاستغراق، فوجب أن يفيد الاستغراق، أما أنه يؤكد فلقوله تعالى: {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [ص: 73] وأما أنه بعد التأكيد يقتضي الاستغراق، فبالاجماع، وأما أنه متى كان كذلك وجب كون المؤكد في أصله للاستغراق لأن هذه الألفاظ مسماة بالتأكيد إجماعاً، والتأكيد هو تقوية الحكم الذي كان ثابتاً في الأصل، فلو لم يكن الاستغراق حاصلاً في الأصل، وإنما حصل بهذه الألفاظ ابتداء لم يكن تأثير هذه الألفاظ في تقوية الحكم، بل في إعطاء حكم جديد، وكانت مبينة للمجمل لا مؤكدة، وحيث أجمعوا على أنها مؤكدة علمنا أن اقتضاء الاستغراق كان حاصلاً في الأصل.
وثالثها: أن الألف واللام إذا دخلا في الاسم صار الاسم معرفة، كذا نقل عن أهل اللغة فيجب صرفه إلى ما به تحصل المعرفة، وإنما تحصل المعرفة عند إطلاقه بصرفه إلى الكل، لأنه معلوم للمخاطب، وأما صرفه إلى ما دون الكل فإنه لا يفيد المعرفة، لأنه ليس بعض الجمع أولى من بعض، فكان يبقى مجهولاً. فإن قلت: إذا أفاد جمعاً مخصوصاً من ذلك الجنس فقد أفاد تعريف ذلك الجنس، قلت: هذه الفائدة كانت حاصلة بدون الألف واللام، لأنه لو قال: رأيت رجالاً، أفاد تعريف ذلك الجنس وتميزه عن غيره، فدل على أن للألف واللام فائدة زائدة وما هي إلا الاستغراق.
ورابعها: أنه يصح استثناء أي واحد كان منه وذلك يفيد العموم.
وخامسها: الجمع المعرف في اقتضاء الكثرة فوق المنكر، لأنه يصح انتزاع المنكر من المعرف ولا ينعكس فإنه يجوز أن يقال: رأيت رجالاً من الرجال، ولا يقال رأيت الرجال من رجال، ومعلوم بالضرورة أن المنتزع منه أكثر من المنتزع، إذا ثبت هذا، فنقول: إن المفهوم من الجمع المعرف، إما الكل أو ما دونه، والثاني: باطل لأنه ما من عدد دون الكل إلا ويصح انتزاعه من الجمع المعرف، وقد علمت أن المنتزع منه أكثر فوجب أن يكون الجمع المعرف مفيداً للكل والله أعلم.
أما على طريقة أبي هاشم، وهي أن الجمع المعرف لا يفيد العموم فيمكن التمسك بالآية من وجهين آخرين.
الأول: أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية فقوله: {وَإِنَّ الفجار لَفِى جَحِيمٍ} يقتضي أن الفجور هي العلة، وإذا ثبت ذلك لزم عموم الحكم لعموم علته وهو المطلوب، وفي هذا الباب طريقة ثالثة يذكرها النحويون وهي أن اللام في قوله: {وَإِنَّ الفجار} ليست لام تعريف، بل هي بمعنى الذي، ويدل عليه وجهان.
أحدهما: أنها تجاب بالفاء كقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، وكما تقول الذي يلقاني فله درهم.
الثاني: أنه يصح عطف الفعل على الشيء الذي دخلت هذه اللام عليه قال تعالى: {إِنَّ المصدقين والمصدقات وَأَقْرَضُواْ الله قَرْضاً حَسَناً} [الحديد: 18] فلولا أن قوله: {إِنَّ المصدقين} بمعنى: إن الذين أصدقوا لما صح أن يعطف عليه قوله: {وَأَقْرِضُواُ الله} وإذا ثبت ذلك كان قوله: {وَإِنَّ الفجار لَفِى جَحِيمٍ} معناه: إن الذين فجروا فهم في الجحيم، وذلك يفيد العموم. الآية الثانية في هذا الباب: قوله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْداً وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْداً} [مريم: 85، 86] ولفظ المجرمين صيغة جمع معرفة بالألف واللام.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال