فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (9- 13):

{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}

.شرح الكلمات:

{وإن طائفتان من المؤمنين}: أي جماعاتان قلَّ أفرادهما أو كثروا من المسلمين.
{اقتتلوا فأصحلو بينهما}: أي همموا بالاقتتال أو باشروه فعلا فأصلحوا ما فسد بينهما.
{فإن بغت إحداهما على الأخرى}: أي تعدت بعد المصالحة بأن رفضت ذلك ولم ترض بحكم الله.
{فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}: أي قاتلوا أيها المؤمنون مجتمعين الطائفة التي بغت حتى ترجع إلى الحق.
{فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل}: أي رجعت إلى الحق بعد مقاتلتها فأصلحوا بينهما بالعدل أي بالحق.
{وأقسطوا إن الله يحب المقسطين}: أي وأعدلوا في حكمكم إن الله يحب أهل العدل.
{إنما المؤمنون إخوة}: أي في الدين الإسلامي.
{فأصلحوا بين أخويكم}: أي إذا تنازعا شيئا وتخاصما فيه.
{واتقوا الله لعلكم ترحمون}: أي خافوا عقابه رجاء أن ترحموا إن أنتم اتقيتموه.
{لا يسخر قوم من قوم}: أي لا يزدر قوم منكم قوما آخرين ويحتقرونهم.
{عسى أن يكونوا خيرا منهم}: أي عند الله تعالى والعبرة بما عند الله لا ما عند الناس.
{ولا تلمزوا أنفسكم}: أي لا تعيبوا بعضكم بعضا فإنكم كفرد واحد.
{ولا تنابزوا بالألقاب}: أي لا يدعو بعكم بعضا بلقب يكرهه نحو يا فاسق يا جاهل.
{بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان}: أي قبح اسم الفسوق يكون للمرء بعد إيمانه وإسلامه.
{ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}: أي من لمز ونبز المؤمنين فأولئك البُعداء هم الظالمون.
{اجتنبوا كثيرا من الظن}: أي التهم التي ليس لها ما يوجبها من الأسباب والقرائن.
{إن بعض الظن إثم}: أي كظن السوء بأهل الخير من المؤمنين.
{ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا}: أي لا تتبعوا عورات المسلمين وما بهم بالبحث عنها.
{أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا}: أي لا يحسن به حب أكل لحم أخيه ميتا ولا حيا معا.
{فكرهتموه}: أي وقد عرض عليك الأول فكرهتموه فاكرهوا أي كما كرهتم أكل لحمه ميتا فاكرهوه حيا وهو الغيبة.
{وجعلناكم شعوبا وقبائل}: أي جمع شعب والقبيلة دون الشعب.
{لتعارفوا}: أي ليعرف بعضكم بعضا فتعارفوا لا للتفاخر بعلو الأنساب.
{إن أكرمكم عند الله أتقاكم}: أي عليم بكم وبأحوالكم خبير بما تكونون عليه من كمال ونقص لا يخفى عليه شيء من أشياء العباد.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} الآيات ما زال الكريم في طلب تأديب المسلمين وتربيتهم واعدادهم للكمال الدنيوي والأخروي ففي الآيتين (9) و(10) من هذا السياق يرشد الله تعالى المسلمين إلى كيفة علاج مشكلة النزاع المسلح بين المسلمين الذي قد يحدث في المجتمع الإِسلامي بحكم الضعف الإِنساني من الوقت إلى الوقت وهو مما يكاد يكون من ضروريات الحياة البشرية وعوامله كثيرة لا حاجة إلى ذكرها فقال تعالى: {وإن طائفتان} أي جماعتان {من المؤمنين اقتتلوا} ولو كان ذلك بين اثنين فقط {فأصلحوا} أيها المسلمون {بينهما} بالقضاء على أسباب الخلاف وترضيه الطرفين بما هو حق وخير وليس هذا بصعب مع وجود قلوب مؤمنة وهداية ربانية وقوله: {فإِن بغت احداهما} أي اعتدت إحدى الطائفتين بعد الصلح {على الأخرى} بأن رفضت حكم الله الذي قامت المصاحلة بموجبه {فقاتلوا} مجتمعين {التي تبغي} أي تعتدي {حتى تفيء إلى أمر الله} أي إلى الحق {فإِن فاءت} أي أذعنت للحق ورضيت به {فأصحلوا بينهما بالعدل وأقسطوا} في حكمكم دائما وأبدا {إن الله يحب المقسطين}.
وقوله تعالى في الآية (10): {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون} يقرر تعالى الأخوة الإسلامية ويقصر المؤمنين عليها بين أفرادهم وعدم التساهل في ذلك {واتقوا الله} في ذلك فلا تتوانوا أو تتساهلوا حتى تسفك الدماء المؤمنة ويتصدع بنيان الإِيمان والإِسلام في دياره وقوله: {لعلكم ترحمون} فلا يتصدع بنيانكم ولا تتشتت أمتكم وتصبح جماعات وطوائف متعادية يقتل بعضها بعضا. ولما لم يتق المؤمنون الله في الإِصلاح الفوري بين الطوائف الإسلامية المتنازعة حصل من الفساد والشر ما الله به عليم في الغرب الإِسلامي والشرق. وقوله في الآية (11): {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن} إذ من عوامل النزاع والتقاتل وأسبابهما سخرية المؤمن بأخيه واحتقاره لضعف حاله ورثاثة ثيابه وقلة ذات يده فحرم تعالى بهذه الآية على المسلم أن يحتقر أخاه المسلم ويزدريه منبهاً إلى أن من احتقر وازدرى به وسخر منه قد يكون غالبا غير خيرا عند الله من المحتقر له والعبرة بما عند الله لا بما عند الناس والرجال في هذا والنساء سواء فلا يحل لمؤمنة أن تزدري وتحتقر أختها المؤمنة عسى أن تكون عند الله خيرا منها والعبرة بالمنزلة عند الله لا عند الناس وكما حرم السخرية بالمؤمنين والمؤمنات لإِفضائها إلى العداوة والشحناء ثم التقاتل حرم كذلك اللمز والتنابز بالألقاب فقال تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} ومعنى لا تلمزوا أنفسكم أي لا يعب بعضكم بعضا بأي عيب من العيوب فإِنكم كشخص واحد فمن عاب أخاه المسلم وأنما عاب نفسه كما أن المعاب قد يرد العيب بعيب من عابه وهذا معنى ولا تلمزوا أنفسكم وقوله ولا تنابزوا بالألقاب أي يلقب المسلم أخاه بلقب يكرهه فإِن ذلك يفضي إلى العداوة والمقاتلة وقوله: {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} أي قبح أشدَّ القبح أن يلقب المسلم بلقب الفسق بعد أن اصبح مؤمنا عدلا كاملا في أخلاقه وآدابه فلا يحل لمؤمن أن يقول لأخيه يا فاسق أو يا كافر أو يا عاهر أو يا فاسد، إذ بئس الاسم اسم الفسوق كما أن الملقب للمسلم بألقاب السوء يعد فاسقا وبئس الاسم له أن يكون فاسقاً بعد إيمانه بالله ولقائه والرسول وما جاء به، وقوله تعالى: {ومن لم يتب} أي من احتقار المسلمين وازدرائهم وتلقيبهم بألقاب يكرهونها {فأولئك هم الظالمون} المتعرضون لغضب الله وعقابه.
وقوله في الآية (12): {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا} ينادي الله تعالى المسلمين بعنوان الإِيمان إذ به أصبحوا أحياء يسمعون ويبصرون ويقدرون على الفعل والترك إذ الإِيمان بمثابة الروح إذ احلت الجسم تحرك فأبصرت العين وسمعت الأذن ونطق اللسان وفهم القلب.
فيقول {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن} وهو كل ظن ليس له ما يوجبه من القرائن والأحوال والملابسات المقتضية له، ويعلل هذا النهي المقتضى للتحريم فيقول {إن بعض الظن إثم} وذلك كظن السوء بأهل الخير والصلاح في الأمة فإِن ظن السوء فيهم قد يترتب عليه قول باطل أو فعل سوء أو تعطيل معروف، فيكون إثما كبيراً، وقوله: {ولا تجسسوا} أي لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم بالبحث عنها والاطلاع عليها لما في ذلك من الضرر الكبير، وقوله: {ولا يغتب بعضكم بعضا} أي لا يذكر أحدكم أخاه في غيبته بما يكره وهنا يروى في الصحيح من الأحاديث ما معناه أن رجلا سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال له: «ذكرك أخاك بما يكره» فقال الرجل فإِن كان فيه ما يكره قال: «فإِن كان فيه ما يكره فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما يكره فقد بهته والبهتان أسوأ الغيبة». وقوله: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا} والجواب لا قطعاً إذاً فكما عرض عليكم لَحْمُ أخيكم ميتا فكرهتموه فاكرهوا إذاً أكل لحمه حيّاً وهو عرضه والعرض أعز وأغلى من الجسم وقوله: {واتقوا الله} في غيبة بعضكم بعضا فإِن الغيبة من عوامل الدمار والفساد بين المسلمين، وقوله: {إن الله تواب رحيم} جملة تعليلية للأمر بالتوبة فأخبر تعالى انه يقبل توبة التائبين وأنه رحيم بالمؤمنين ومن مظاهر ذلك انه حرم الغيبة للمؤمن لما يحصل له بها من ضرر وأذى. وقوله تعالى في الآية (13): {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعبوبا وقبائل لتعارفوا} هذا نداء هو آخر نداءات الله تعالى عباده في هذه السورة وهو أعم من النداء بعنوان الإِيمان فقال: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} من آدم وحواء باعتبار الأصل كما أن كل آدمي مخلوق من أبوين أحدهما ذكر والآخر أنثى {وجعلناكم شعوبا وقبائل} وبطوناً وأفخاذاً وفصاسل كل هذا لحكمة التعارف فلم يجعلكم كجنس الحيوان لا يعرف الحيوان الآخر ولكن جعلكم شعوباً وقبائل وعلائلات وأسر لحكمة التعارف المقتضي للتعاون إذا التعاون بين الأفراد ضروري لقيام مجتمع صالح سعيد فتعارفوا وتعاونوا ولا تتفرقوا لأجل التفاخر بالأنساب فإِنه لا قيمة للحسب ولا للنسب إذا كان المرء هابطا في نفسه وخلقه وفاسدا في سلوكه إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
إن الشرف والكمال فيما عليه الإنسان من زكاة روحه وسلامة خلقه وإصابة رأيه وكثرة معارفه وقوله تعالى: {إن الله عليم خبير} جملة تعليلية يبين فيها تعالى أنه عليم بالناس عليم بظواهرهم وبواطنهم وبما يكملهم ويسعدهم خيبر بكل شيء في حياتهم فليسلم له التشريع بالتحليل والتحريم والأمر والنهي فإِنه على علم بالحال والمآل وبما يسعد الإِنسان وبما يشقيه فآمنوا به وأطيعوه تكملوا وتسعدوا.

.من هداية الآيات:

1- وجوب مبادرة المسلمين إلى إصلاح ذات البين بينهم كلما حصل فساد أو خلل فيها.
2- وجوب تعاون المسلمين على تأديب أية جماعة تبغي وتعتدي حتى تفيء إلى الحق.
3- وجوب الحكم بالعدل في قضية من قضايا المسلمين وغيرهم.
4- تقرير الأخوة الإِسلامية ووجوب تحقيقها بالقول والعمل.
5- حرمة السخرية واللمز والتنابز بين المسلمين.
6- وجوب اجتناب كل ظن لا قرينة ولا حال قوية تدعو إلى ذلك.
7- حرمة التجسس أي تتبع عوارات المسلمين وكشفها وإطلاع الناس عليها.
8- حرمة الغيبة والنميمة هي نقل الحديث على وجه الإِفساد ولذا يجوز ذكر الشخص وهو غائب في مواطن هي التظلم بأن يذكر المسلم من ظلمه لازالة ظلمه، الاستعانة على تغيير المنكر بذكر صاحب المنكر. الاستفتاء نحو قول المستفتي ظلمني فلان بكذا فهل يجوز له ذلك، تحذير المسلمين من الشر بذكر فاعله قصد أن يحذروه، المجاهر بالفسق ولا غيبة له، التعريف بلقب لا يعرف الرجل إلا به.
9- حرمة التفاخر بالأنساب ووجوب التعارب للتعاون.
10- لا شرف ولا كرم إلا بشرف التقوى وكرامتها {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وفي الحديث: «لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلى بالتقوى». رواه الطبراني.