فصل: كعب بن لؤي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **
العودة لنتائج البحث


 كعب بن لؤي

روى أبو نعيم من طريق محمد بن الحسن بن زبالة، عن محمد بن طلحة التيمي، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة قال‏:‏ كان كعب بن لؤي يجمع قومه يوم الجمعة، وكانت قريش تسميه العروبة، فيخطبهم فيقول‏:‏

أما بعد فاسمعوا، وتعلموا، وافهموا، واعلموا، ليل ساج، ونهار ضاح، والأرض مهاد، والسماء بناء، والجبال أوتاد، والنجوم أعلام، والأولون كالآخرين، والأنثى والذكر والروح، وما يهيج إلى بلى، فصلوا أرحامكم، واحفظوا أصهاركم، وثمروا أموالكم، فهل رأيتم من هالك رجع، أو ميت نشر، الدار أمامكم، والظن غير ما تقولون، حرمكم زينوه وعظموه وتمسكوا به، فسيأتي له نبأ عظيم، وسيخرج منه نبي كريم‏.‏

ثم يقول‏:‏

نهار وليل كل يوم بحادث * سواء علينا ليلها ونهارها

يؤوبان بالأحداث حتى تأوبا * وبالنعم الضافي علينا ستورها

على غفلة يأتي النبي محمد * فيخبر أخباراً صدوق خبيرها

ثم يقول‏:‏ والله لو كنت فيها ذا سمع وبصر ويد ورجل، لتنصبت فيها تنصب الجمل، ولأرقلت بها إرقال العجل، ثم يقول‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 303‏)‏

يا ليتني شاهدا نجواء دعوته * حين العشيرة تبغي الحق خذلانا

قال‏:‏ وكان بين موت كعب بن لؤي ومبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة عام وستون سنة‏.‏

 تجديد حفر زمزم

على يدي عبد المطلب بن هاشم، التي كان قد درس رسمها بعد طم جرهم لها إلى زمانه‏.‏

قال محمد بن إسحاق‏:‏ ثم إن عبد المطلب بينما هو نائم في الحجر، وكان أول ما ابتدأ به عبد المطلب من حفرها، كما حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري، عن مرثد بن عبد الله المزني، عن عبد الله بن رزين الغافقي أنه سمع علي بن أبي طالب يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها‏.‏

قال‏:‏ قال عبد المطلب‏:‏ إني لنائم في الحجر، إذ أتاني آت فقال لي‏:‏ احفر طيبة‏.‏ قال‏:‏ قلت وما طيبة‏؟‏ قال ثم ذهب عني‏.‏ قال فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فجاءني فقال‏:‏ احفر برة‏.‏ قال‏:‏ قلت وما برة‏؟‏ قال ثم ذهب عني‏.‏

فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت، فجاءني فقال‏:‏ احفر المضنونة‏.‏ قال‏:‏ قلت وما المضنونة‏؟‏ قال ثم ذهب عني‏.‏ فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني قال‏:‏ احفر زمزم‏.‏ قال‏:‏ قلت وما زمزم‏؟‏

قال‏:‏ لا تنزف أبداً ولا تزم، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النمل‏.‏ قال‏:‏ فلما بين لي شأنها، ودل على موضعها، وعرف أنه قد صدق، غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب، وليس له يومئذ ولد غيره، فحفر، فلما بدا لعبد المطلب الطمي كبَّر، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته‏.‏

فقاموا إليه فقالوا‏:‏ يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل وإن لنا فيها حقا، فأشركنا معك فيها‏.‏ قال‏:‏ ما أنا بفاعل إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم، وأعطيته من بينكم‏.‏ قالوا له‏:‏ فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها‏.‏ قال‏:‏ فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه‏.‏ قالوا‏:‏ كاهنة بني سعد بن هذيم‏.‏ قال‏:‏ نعم وكانت بأشراف الشام‏.‏

فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أمية، وركب من كل قبيلة من قريش نفر، فخرجوا والأرض إذ ذاك مفاوز، حتى إذا كانوا ببعضها نفد ماء عبد المطلب وأصحابه فعطشوا حتى استيقنوا بالهلكة، فاستسقوا من معهم فأبوا عليهم وقالوا‏:‏ إنا بمفازة وإنا نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم‏.‏

فقال عبد المطلب‏:‏ إني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما لكم الآن من القوة، فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته، ثم واروه حتى يكون آخرهم رجلاً واحداً، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعه‏.‏

فقالوا‏:‏ نعما أمرت به‏.‏ فحفر كل رجل لنفسه حفرة، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشى، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه‏:‏ ألقينا بأيدينا هكذا للموت، لا نضرب في الأرض، لا نبتغي لأنفسنا لعجز، فعسى أن يرزقنا ماء ببعض البلاد‏.‏

فارتحلوا حتى إذا بعث عبد المطلب راحلته، انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب، فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستسقوا حتى ملئوا أسقيتهم‏.‏ ثم دعا قبائل قريش وهم ينظرون إليهم في جميع هذه الأحوال، فقال‏:‏ هلموا إلى الماء فقد سقانا الله، فجاؤوا فشربوا واستقوا كلهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 304‏)‏

ثم قالوا‏:‏ قد والله قضى لك علينا والله ما نخاصمك في زمزم أبداً، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى سقايتك راشداً، فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا إلى الكاهنة، وخلوا بينه وبين زمزم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فهذا ما بلغني عن علي بن أبي طالب في زمزم‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ وقد سمعت من يحدث عن عبد المطلب أنه قيل له حين أمر بحفر زمزم‏:‏

ثم ادع بالماء الروي غير الكدر * يسقي حجيج الله في كل مبر

ليس يخاف منه شيء ما عمر

قال‏:‏ فخرج عبد المطلب حين قيل له ذلك إلى قريش، فقال‏:‏ تعلموا أني قد أمرت أن أحفر زمزم، قالوا‏:‏ فهل بين لك أين هي‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالوا‏:‏ فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت، فإن يك حقا من الله يبين لك، وإن يك من الشيطان فلن يعود إليك‏.‏

فرجع ونام فأتى فقيل له‏:‏ احفر زمزم إنك إن حفرتها لن تندم، وهي تراث من أبيك الأعظم لا تنزف أبداً ولا تزم، تسقي الحجيج الأعظم مثل نعام جافل لم يقسم، وينذر فيها نادر بمنعم تكون ميراثاً وعقداً محكم، ليست لبعض ما قد تعلم، وهي بين الفرث والدم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فزعموا أن عبد المطلب حين قيل له ذلك قال‏:‏ وأين هي‏؟‏ قيل له‏:‏ عند قرية النمل حيث ينقر الغراب غدا، فالله أعلم أي ذلك كان‏.‏

قال‏:‏ فغدا عبد المطلب ومعه ابنه الحارث، وليس له يومئذ ولد غيره‏.‏ زاد الأموي‏:‏ ومولاه أصرم، فوجد قرية النمل، ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين أساف ونائلة اللذين كانت قريش تنحر عندهما، فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر، فقامت إليه قريش وقالت‏:‏ والله لا نتركنك تحفر بين وثنينا اللذين ننحر عندهما‏.‏

فقال عبد المطلب لابنه الحارث‏:‏ زد عنى حتى احفر فوالله لأمضين لما أمرت به‏.‏ فلما عرفوا أنه غير نازع خلوا بينه وبين الحفر، وكفوا عنه، فلم يحفر إلا يسيراً حتى بدا له الطمي، فكبر وعرف أنه قد صدق، فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالتين من ذهب اللتين كانت جرهم قد دفنتهم، ووجد فيها أسيافاً قلعية وأدرعاً‏.‏

فقالت له قريش‏:‏ يا عبد المطلب لنا معك في هذا شرك وحق‏.‏ قال‏:‏ لا، ولكن هلم إلى أمر نصف بيني وبينكم، نضرب عليها بالقداح‏.‏ قالوا‏:‏ وكيف نصنع‏؟‏ قال‏:‏ أجعل للكعبة قدحين، ولي قدحين، ولكم قدحين، فمن خرج قدحاه على شيء كان له ومن تخلف قدحاه فلا شيء له‏.‏

قالوا‏:‏ أنصفت‏.‏ فجعل للكعبة قدحين أصفرين، وله أسودين، ولهم أبيضين، ثم أعطوا القداح للذي يضرب عند هبل، وهبل أكبر أصنامهم، ولهذا قال أبو سفيان يوم أحد‏:‏ أعل هبل، يعني هذا الصنم‏.‏ وقام عبد المطلب يدعو الله‏.‏

وذكر يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق أن عبد المطلب جعل يقول‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 305‏)‏

اللهم أنت الملك المحمود * ربي أنت المبدئ المعيد

وممسك الراسية الجلمود * من عندك الطارف والتليد

إن شئت ألهمت كما تريد * لموضع الحلية والحديد

فبين اليوم لما تريد * إني نذرت العاهد المعهودا

أجعله رب لي فلا أعود

قال‏:‏ وضرب صاحب القداح، فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة، وخرج الأسودان على الأسياف والأدراع لعبد المطلب، وتخلف قدحا قريش، فضرب عبد المطلب الأسياف باباً للكعبة، وضرب في الباب الغزالين من ذهب، فكان أول ذهب حلية للكعبة فيما يزعمون‏.‏

ثم إن عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحاج‏.‏ وذكر ابن إسحاق وغيره أن مكة كان فيها أبيار كثيرة قبل ظهور زمزم في زمن عبد المطلب‏.‏ ثم عددها ابن إسحاق وسماها، وذكر أماكنها من مكة وحافريها إلى أن قال‏:‏ فعفت زمزم على البئار كلها‏.‏

وانصرف الناس كلهم إليها، لمكانها من المسجد الحرام ولفضلها على ما سواها من المياه، ولأنها بئر إسماعيل بن إبراهيم، وافتخرت بها بنو عبد مناف على قريش كلها وعلى سائر العرب‏.‏

وقد ثبت في صحيح مسلم في حديث إسلام أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في زمزم‏:‏

‏(‏‏(‏إنها لطعام طعم وشفاء سقم‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الله بن الوليد، عن عبد الله بن المؤمل، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏ماء زمزم لما شرب منه‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه ابن ماجه من حديث عبد الله بن المؤمل، وقد تكلموا فيه ولفظه‏:‏ ‏(‏‏(‏ماء زمزم لما شرب له‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه سويد بن سعيد عن عبد الله بن المبارك، عن عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ماء زمزم لما شرب له‏)‏‏)‏‏.‏

ولكن سويد بن سعيد ضعيف، والمحفوظ عن ابن المبارك، عن عبد الله بن المؤمل، كما تقدم‏.‏

وقد رواه الحاكم عن ابن عباس مرفوعاً‏:‏ ‏(‏‏(‏ماء زمزم لما شرب له‏)‏‏)‏‏.‏

وفيه نظر، والله أعلم‏.‏

وهكذا روى ابن ماجه أيضاً، والحاكم عن ابن عباس أنه قال لرجل‏:‏ إذا شربت من زمزم فاستقبل الكعبة، واذكر اسم الله، وتنفس ثلاثاً، وتضلع منها، فإذا فرغت فاحمد الله، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏إن آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلعون من ماء زمزم‏)‏‏)‏‏.‏

وقد ذُكر عن عبد المطلب أنه قال‏:‏ اللهم إني لا أحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبل‏.‏ وقد ذكره بعض الفقهاء عن العباس بن عبد المطلب، والصحيح أنه عن عبد المطلب نفسه، فإنه هو الذي جدد حفر زمزم كما قدمنا، والله أعلم‏.‏

وقد قال الأموي في مغازيه‏:‏ حدثنا أبو عبيد، أخبرني يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن حرملة سمعت سعيد بن المسيب يحدث أن عبد المطلب بن هاشم حين احتفر زمزم قال‏:‏ لا أحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبل‏.‏ وذلك أنه جعل لها حوضين‏:‏ حوضاً للشرب، وحوضاً للوضوء، فعند ذلك قال‏:‏ لا أحلها لمغتسل لينزه المسجد عن أن يغتسل فيه‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ قال الأصمعي قوله‏:‏ وبل اتباع، قال أبو عبيد‏:‏ والإتباع لا يكون بواو العطف، وإنما هو كما قال معتمر بن سليمان‏:‏ أن بل بلغة حمير مباح‏.‏

ثم قال أبو عبيد‏:‏ حدثنا أبو بكر ابن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، أنه سمع ردا، أنه سمع العباس يقول‏:‏ لا أحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبل‏.‏

وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن علقمة، أنه سمع ابن عباس يقول ذلك، وهذا صحيح إليهما، وكأنهما يقولان ذلك في أيامهما على سبيل التبليغ والإعلام بما اشترطه عبد المطلب عند حفره لها، فلا ينافي ما تقدم، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 306‏)‏

وقد كانت السقاية إلى عبد المطلب أيام حياته، ثم صارت إلى ابنه أبي طالب مدة، ثم اتفق أنه أملق في بعض السنين فاستدان من أخيه العباس عشرة آلاف إلى الموسم الآخر، وصرفها أبو طالب في الحجيج في عامه فيما يتعلق بالسقاية، فلما كان العام المقبل لم يكن مع أبي طالب شيء، فقال لأخيه العباس‏:‏ أسلفني أربعة عشر ألفاً أيضاً إلى العام المقبل، أعطيك جميع مالك‏.‏

فقال له العباس‏:‏ بشرط إن لم تعطني تترك السقاية لي أكفكها، فقال‏:‏ نعم‏.‏ فلما جاء العام الآخر لم يكن مع أبي طالب ما يعطي العباس، فترك له السقاية فصارت إليه، ثم من بعده صارت إلى عبد الله ولده، ثم إلى علي بن عبد الله بن عباس، ثم إلى داود بن علي، ثم إلى سليمان بن علي، ثم إلى عيسى بن علي، ثم أخذها المنصور، واستناب عليها مولاه أبا رزين، ذكره الأموي‏.‏

 نذر عبد المطلب ذبح ولده

قال ابن إسحاق‏:‏ وكان عبد المطلب فيما يزعمون نذر حين لقي من قريش ما لقي عند حفر زمزم، لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه ليذبحن أحدهم لله عند الكعبة، فلما تكامل بنوه عشرة، وعرف أنهم سيمنعونه‏:‏ وهم الحارث، والزبير، وحجل، وضرار، والمقوم، وأبو لهب، والعباس، وحمزة، وأبو طالب، وعبد الله، جمعهم ثم أخبرهم بنذره، ودعاهم إلى الوفاء لله عز وجل بذلك، فأطاعوه وقالوا‏:‏ كيف نصنع‏؟‏

قال‏:‏ ليأخذ كل رجل منكم قدحاً، ثم يكتب فيه اسمه، ثم ائتوني ففعلوا، ثم أتوه فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة، وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة، وكان عند هبل قداح سبعة، وهي الأزلام التي يتحاكمون إليها إذا أعضل عليهم أمر من عقل، أو نسب، أو أمر من الأمور جاؤوه فاستقسموا بها، فما أمرتهم به أو نهتهم عنه امتثلوه‏.‏

والمقصود أن عبد المطلب لما جاء يستقسم بالقداح عند هبل، خرج القدح على ابنه عبد الله وكان أصغر ولده وأحبهم إليه، فأخذ عبد المطلب بيد ابنه عبد الله وأخذ الشفرة، ثم أقبل به إلى إساف ونائلة ليذبحه، فقامت إليه قريش من أنديتها فقالوا‏:‏ ما تريد يا عبد المطلب‏؟‏

قال‏:‏ أذبحه‏.‏ فقالت له قريش، وبنوه أخوة عبد الله‏:‏ والله لا تذبحه أبداً حتى تعذر فيه، لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يجيء بابنه حتى يذبحه، فما بقاء الناس على هذا‏.‏

وذكر يونس بن بكير، عن ابن إسحاق‏:‏ أن العباس هو الذي اجتذب عبد الله من تحت رجل أبيه حين وضعها عليه ليذبحه، فيقال‏:‏ إنه شج وجهه شجاً لم يزل في وجهه إلى أن مات‏.‏

ثم أشارت قريش على عبد المطلب أن يذهب إلى الحجاز فإن بها عرافة لها تابع، فيسألها عن ذلك، ثم أنت على رأس أمرك إن أمرتك بذبحه فاذبحه، وإن أمرتك بأمر لك وله فيه مخرج قبلته، فانطلقوا حتى أتوا المدينة فوجدوا العرافة - وهي سجاح - فيما ذكره يونس بن بكير عن ابن إسحاق بخيبر، فركبوا حتى جاؤها فسألوها وقص عليها عبد المطلب خبره وخبر ابنه‏.‏

فقالت لهم‏:‏ ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله، فرجعوا من عندها، فلما خرجوا قام عبد المطلب يدعو الله، ثم غدوا عليها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 307‏)‏

فقالت لهم‏:‏ قد جاءني الخبر، كم الدية فيكم‏؟‏ قالوا‏:‏ عشر من الإبل، وكانت كذلك‏.‏

قالت‏:‏ فارجعوا إلى بلادكم، ثم قربوا صاحبكم، وقربوا عشراً من الإبل، ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح، فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم، وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه فقد رضي ربكم، ونجا صاحبكم، فخرجوا حتى قدموا مكة، فلما أجمعوا على ذلك الأمر قام عبد المطلب يدعو الله، ثم قربوا عبد الله وعشراً من الإبل‏.‏

ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشراً، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشراً، فلم يزالوا يزيدون عشراً عشراً، ويخرج القدح على عبد الله حتى بلغت الإبل مائة، ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل، فقالت عند ذلك قريش لعبد المطلب وهو قائم عند هبل يدعو الله‏:‏ قد انتهى رضي ربك يا عبد المطلب‏.‏

فعندها زعموا أنه قال‏:‏ لا، حتى أضرب عليها بالقداح ثلاث مرات، فضربوا ثلاثاً، ويقع القدح فيها على الإبل فنحرت، ثم تركت لا يصد عنها إنسان ولا يمنع‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ ويقال‏:‏ ولا سبع‏.‏

وقد روي أنه لما بلغت الإبل مائة، خرج على عبد الله أيضاً فزادوا مائة أخرى حتى بلغت مائتين، فخرج القدح على عبد الله فزادوا مائة أخرى، فصارت الإبل ثلاثمائة، ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل فنحرها عند ذلك عبد المطلب، والصحيح الأول والله أعلم‏.‏

وقد روى ابن جرير، عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب‏:‏ أن ابن عباس سألته امرأة أنها نذرت ذبح ولدها عند الكعبة فأمرها بذبح مائة من الإبل، وذكر لها هذه القصة عن عبد المطلب، وسألت عبد الله بن عمر فلم يفتها بشيء بل توقف‏.‏

فبلغ ذلك مروان بن الحكم وهو أمير على المدينة فقال‏:‏ إنهما لم يصيبا الفتيا، ثم أمر المرأة أن تعمل ما استطاعت من خير، ونهاها عن ذبح ولدها، ولم يأمرها بذبح الإبل، وأخذ الناس بقول مروان بذلك، والله أعلم‏.‏

 تزويج عبد المطلب ابنه عبد الله من آمنة بنت وهب الزهرية

قال ابن إسحاق‏:‏ ثم انصرف عبد المطلب آخذاً بيد ابنه عبد الله، فمر به فيما يزعمون على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي وهي أم قنال أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وهي عند الكعبة، فنظرت إلى وجهه فقالت‏:‏ أين تذهب يا عبد الله‏؟‏ قال‏:‏ مع أبي‏.‏ قالت‏:‏ لك مثل الإبل التي نحرت عنك وقع علي الآن‏.‏

قال‏:‏ أنا مع أبي ولا أستطيع خلافه ولا فراقه، فخرج به عبد المطلب حتى أتى وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، وهو يومئذ سيد بني زهرة سناً وشرفاً، فزوجه ابنته آمنة بنت وهب وهي يومئذ سيدة نساء قومها، فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه، فوقع عليها فحملت منه برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج من عندها فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت فقال لها‏:‏ ما لك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت بالأمس‏.‏

قالت له‏:‏ فارقك النور الذي كان معك بالأمس فليس لي بك حاجة، وكانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل - وكان قد تنصر واتبع الكتب - أنه كائن في هذه الأمة نبي فطمعت أن يكون منها، فجعله الله تعالى في أشرف عنصر، وأكرم محتد، وأطيب أصل كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ‏}‏‏[‏الأنعام‏:‏ 124‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 308‏)‏

وسنذكر المولد مفصلاً، ومما قالت أم قتال بنت نوفل من الشعر تتأسف على ما فاتها من الأمر الذي رامته، وذلك فيما رواه البيهقي من طريق يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق رحمه الله‏:‏

عليك بآل زهرة حيث كانوا * وآمنة التي حملت غلاما

ترى المهدي حين نزا عليها * ونورا قد تقدمه أماما

إلى أن قالت‏:‏

فكل الخلق يرجوه جميعا * يسود الناس مهتدياً إماما

يراه الله من نور صفاه * فأذهب نوره عنا الظلاما

وذلك صنع ربك إذ حباه * إذا ما سار يوماً أو أقاما

فيهدي أهل مكة بعد كفر * ويفرض بعد ذلكم الصياما

وقال أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي‏:‏ حدثنا علي بن حرب، حدثنا محمد بن عمارة القرشي، حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، حدثنا ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال‏:‏ لما انطلق عبد المطلب بابنه عبد الله ليزوجه مر به على كاهنة من أهل تبالة متهودة قد قرأت الكتب، يقال لها فاطمة بنت مر الخثعمية، فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت‏:‏ يا فتى هل لك أن تقع علي الآن وأعطيك مائة من الإبل‏؟‏

فقال عبد الله‏:‏

أما الحرام فالممات دونه * والحل لا حل فأستبينه

فكيف بالأمر الذي تبغينه * يحمي الكريم عرضه ودينه

ثم مضى مع أبيه فزوجه آمنة نبت وهب بن عبد مناف بن زهرة فأقام عندها ثلاثاً، ثم إن نفسه دعته إلى ما دعته إليه الكاهنة فأتاها فقالت‏:‏ ما صنعت بعدي فأخبرها، فقالت‏:‏ والله ما أنا بصاحبة ريبة، ولكني رأيت في وجهك نوراً فأردت أن يكون في، وأبى الله إلا أن يجعله حيث أراد، ثم أنشأت فاطمة تقول‏:‏

إني رأيت مخيلة لمعت * فتلألأت بحناتم القطر

فلمأتها نوراً يضيء له * ما حوله كإضاءة البدر

ورجوتها فخراً أبوء به * ما كل قادح زنده يوري

لله ما زهرية سلبت * ثوبيك ما استلبت وما تدري

وقالت فاطمة أيضاً‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 309‏)‏

بني هاشم قد غادرت من أخيكم * أمينة إذ للباه يعتركان

كما غادر المصباح عند خموده * فتائل قد ميثت له بدهان

وما كل ما يحوي الفتى من تلاده * بحزم ولا ما فاته لتواني

فأجمل إذا طالبت أمراً فإنه *سيكفيكه جدان يعتلجان

سيكفيكه إما يد مقفللة * وإما يد مبسوطة ببنان

ولما حوت منه أمينة ما حوت * حوت منه فخراً ما لذلك ثان

وروى الإمام أبو نعيم الحافظ في كتاب ‏(‏دلائل النبوة‏)‏ من طريق يعقوب بن محمد الزهري، عن عبد العزيز بن عمران، عن عبد الله بن جعفر، عن ابن عون، عن المسور بن مخرمة، عن ابن عباس قال‏:‏ إن عبد المطلب قدم اليمن في رحلة الشتاء فنزل على حبر من اليهود، قال‏:‏ فقال لي رجل من أهل الديور - يعني أهل الكتاب - يا عبد المطلب‏:‏ أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك‏.‏

قال‏:‏ نعم إذا لم يكن عورة‏.‏

قال‏:‏ ففتح إحدى منخري فنظر فيه، ثم نظر في الآخر فقال‏:‏ أشهد أن في إحدى يديك ملكاً، وفي الأخرى نبوة، وإنا نجد ذلك في بني زهرة فكيف ذلك‏؟‏

قلت‏:‏ لا أدري‏.‏

قال‏:‏ هل لك من شاغة‏؟‏

قلت‏:‏ وما الشاغة‏؟‏

قال‏:‏ زوجة‏.‏

قلت‏:‏ أما اليوم فلا‏.‏

قال‏:‏ فإذا رجعت فتزوج فيهم‏.‏

فرجع عبد المطلب فتزوج هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فولدت حمزة، وصفية‏.‏ ثم تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب فولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش حين تزوج عبد الله بآمنة‏:‏ فلج أي‏:‏ فاز وغلب عبد الله على أبيه عبد المطلب‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏:‏  كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ‏}‏ ولما سأل هرقل ملك الروم لأبي سفيان تلك الأسئلة عن صفاته عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ كيف نسبه فيكم‏؟‏

قال‏:‏ هو فينا ذو نسب‏.‏

قال‏:‏ كذلك الرسل تبعث في أنساب قومها - يعني في أكرمها أحساباً، وأكثرها قبيلة - صلوات الله عليهم أجمعين‏.‏

فهو سيد ولد آدم وفخرهم في الدنيا والآخرة أبو القاسم، وأبو إبراهيم، محمد، وأحمد، والماحي‏:‏ الذي يمحى به الكفر، والعاقب‏:‏ الذي ما بعده نبي، والحاشر‏:‏ الذي يحشر الناس على قدميه، والمقفى، ونبي الرحمة، ونبي التوبة، ونبي الملحمة، وخاتم النبيين، والفاتح، وطه، ويس، وعبد الله‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وزاد بعض العلماء فقال‏:‏ سماه الله في القرآن رسولاً نبياً أميناً شاهداً مبشراً نذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، ورؤوفاً رحيماً، ومذكراً، وجعله رحمة ونعمة، وهادياً‏.‏

وسنورد الأحاديث المروية في أسمائه عليه الصلاة والسلام في باب نعقده بعد فراغ السيرة، فإنه قد وردت أحاديث كثيرة في ذلك، اعتنى بجمعها الحافظان الكبيران أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم ابن عساكر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 310‏)‏

وأفرد الناس في ذلك مؤلفات، حتى رام بعضهم أن يجمع له عليه الصلاة والسلام ألف اسم، وأما الفقيه الكبير أبو بكر ابن العربي المالكي، شارح الترمذي بكتابه الذي سماه ‏(‏الأحوذي‏)‏ فإنه ذكر من ذلك أربعة وستين اسماً، والله أعلم‏.‏

وهو ابن عبد الله، وكان أصغر ولد أبيه عبد المطلب، وهو الذبيح الثاني المفدى بمائة من الإبل كما تقدم‏.‏

قال الزهري‏:‏ وكان أجمل رجال قريش، وهو أخو الحارث، والزبير، وحمزة، وضرار، وأبي طالب، واسمه‏:‏ عبد مناف، وأبي لهب‏:‏ واسمه عبد العزى، والمقوم‏:‏ واسمه عبد الكعبة، وقيل‏:‏ هما اثنان، وحجل‏:‏ واسمه المغيرة، والغيداق‏:‏ وهو كبير الجود، واسمه‏:‏ نوفل، ويقال‏:‏ إنه حجل‏.‏ فهؤلاء أعمامه عليه الصلاة والسلام‏.‏

وعماته ست وهن‏:‏ أروى، وبرة، وأميمة، وصفية، وعاتكة وأم حكيم - وهي البيضاء - وسنتكلم على كل منهم فيما بعد إن شاء الله تعالى‏.‏

كلهم أولاد عبد المطلب واسمه‏:‏ شيبة‏.‏ يقال‏:‏ لشيبة كانت في رأسه، ويقال‏:‏ له شيبة الحمد لجوده، وإنما قيل له عبد المطلب لأن أباه هاشماً لما مر بالمدينة في تجارته إلى الشام، نزل على عمرو بن زيد بن لبيد بن حرام بن خداش بن خندف بن عدي بن النجار الخزرجي النجاري، وكان سيد قومه فأعجبته ابنته سلمى فخطبها إلى أبيها فزوجها منه، واشترط عليه مقامها عنده‏.‏

وقيل‏:‏ بل اشترط عليه أن لا تلد إلا عنده بالمدينة، فلما رجع من الشام بنى بها، وأخذها معه إلى مكة، فلما خرج في تجارة أخذها معه وهي حبلى، فتركها بالمدينة ودخل الشام، فمات بغزة ووضعت سلمى ولدها فسمته شيبة، فأقام عند أخواله بني عدي بن النجار سبع سنين، ثم جاء عمه المطلب بن عبد مناف فأخذه خفية من أمه فذهب به إلى مكة، فلما رآه الناس ورأوه على الراحلة قالوا من هذا معك‏؟‏

فقال‏:‏ عبدي‏.‏ ثم جاؤا فهنؤه به، وجعلوا يقولون له‏:‏ عبد المطلب لذلك، فغلب عليه وساد في قريش سيادة عظيمة، وذهب بشرفهم ورآستهم، فكان جماع أمرهم عليه، وكانت إليه السقاية والرفادة بعد المطلب، وهو الذي جدد حفر زمزم بعد ما كانت مطمومة من عهد جرهم، وهو أول من طلى الكعبة بذهب في أبوابها من تينك الغزالتين اللتين من ذهب، وجدهما في زمزم مع تلك الأسياف القلعية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 311‏)‏

قال ابن هشام‏:‏ وعبد المطلب أخو أسد، وفضلة، وأبي صيفي، وحية، وخالدة، ورقية، والشفاء، وضعيفة، كلهم أولاد هاشم واسمه‏:‏ عمرو، وإنما سمي هاشماً‏:‏ لهشمه الثريد مع اللحم لقومه في سني المحل، كما قال‏:‏ مطرود بن كعب الخزاعي في قصيدته، وقيل‏:‏ للزبعري والد عبد الله‏:‏

عمرو الذي هشم الثريد لقومه * ورجال مكة مسنتون عجاف

سنت إليه الرحلتان كلاهما * سفر الشتاء ورحلة الأصياف

وذلك لأنه أول من سن رحلتي الشتاء والصيف، وكان أكبر ولد أبيه‏.‏

وحكى ابن جرير‏:‏ أنه كان تؤام أخيه عبد شمس، وأن هاشماً خرج ورجله ملتصقة برأس عبد شمس، فما تخلصت حتى سال بينهما دم، فقال الناس‏:‏ بذلك يكون بين أولادهما حروب، فكانت وقعة بني العباس مع بني أمية بن عبد شمس سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة‏.‏

وشقيقهم الثالث‏:‏ المطلب، وكان المطلب أصغر ولد أبيه، وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال‏.‏

ورابعهم‏:‏ نوفل من أم أخرى وهي‏:‏ واقدة بنت عمرو المازنية، وكانوا قد سادوا قومهم بعد أبيهم، وصارت إليهم الرياسة، وكان يقال لهم المجيرون، وذلك لأنهم أخذوا لقومهم قريش الأمان من ملوك الأقاليم ليدخلوا في التجارات إلى بلادهم، فكان هاشم قد أخذ أماناً من ملوك الشام والروم وغسان، وأخذ لهم عبد شمس من النجاشي الأكبر ملك الحبشة، وأخذ لهم نوفل من الأكاسرة، وأخذ لهم المطلب أماناً من ملوك حمير، ولهم يقول الشاعر‏:‏

يا أيها الرجل المحول رحله * ألا نزلت بآل عبد مناف

وكان إلى هاشم السقاية والرفادة بعد أبيه، وإليه وإلى أخيه المطلب نسب ذوي القربى، وقد كانوا شيئاً واحداً في حالتي الجاهلية والإسلام لم يفترقوا، ودخلوا معهم في الشعب وانخذل عنهم بنو عبد شمس ونوفل، ولهذا يقول أبو طالب في قصيدته‏:‏

جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا * عقوبة شر عاجلا غير آجل

ولا يعرف بنو أب تباينوا في الوفاة مثلهم، فإن هاشماً مات بغزة من أرض الشام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 312‏)‏

وعبد شمس مات بمكة، ونوفل مات بسلامان من أرض العراق، ومات المطلب وكان يقال له القمر لحسنه بريمان من طريق اليمن، فهؤلاء الأخوة الأربعة المشاهير وهم‏:‏ هاشم، وعبد شمس، ونوفل، والمطلب، ولهم أخ خامس ليس بمشهور - وهو أبو عمرو واسمه‏:‏ عبد، وأصل اسمه‏:‏ عبد قصي‏.‏

فقال الناس‏:‏ عبد بن قصي درج ولا عقب له، قاله الزبير بن بكار وغيره‏.‏

وأخوات ست وهن‏:‏ تماضر، وحية، وريطة، وقلابة، وأم الأخثم، وأم سفيان، كل هؤلاء أولاد عبد مناف، ومناف اسم صنم، وأصل اسم عبد مناف المغيرة، وكان قد رأس في زمن والده، وذهب به الشرف كل مذهب، وهو أخو عبد الدار الذي كان أكبر ولد أبيه، وإليه أوصى بالمناصب كما تقدم‏.‏

وعبد العزى، وعبد، وبرة، وتخمر، وأمهم كلهم‏:‏ حبى بنت حليل بن حبشي بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي، وأبوها آخر ملوك خزاعة، وولاة البيت منهم، وكلهم أولاد قصي واسمه‏:‏ زيد‏.‏ وإنما سمي بذلك لأن أمه تزوجت بعد أبيه بربيعة بن حزام بن عذرة فسافر بها إلى بلاده وابنها صغير فسمى قصيا لذلك‏.‏

ثم عاد إلى مكة وهو كبير، ولم شعث قريش وجمعها من متفرقات البلاد، وأزاح يد خزاعة عن البيت وأجلاهم عن مكة، ورجع الحق إلى نصابه، وصار رئيس قريش على الإطلاق، وكانت إليه الوفادة والسقاية، وهو سنها، والسدانة، والحجابة، واللواء، وداره دار الندوة كما تقدم بسط ذلك كله، ولهذا قال الشاعر‏:‏

قصي لعمري كان يدعى مجمعا * به جمع الله القبائل من فهر

وهو أخو زهرة كلاهما ابنا كلاب أخي تيم، ويقظة أبي مخزوم ثلاثتهم أبناء مرة أخي عدي وهصيص، وهم أبناء كعب وهو الذي كان يخطب قومه كل جمعة، ويبشرهم بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد في ذلك أشعاراً كما قدمنا، وهو أخو عامر، وسامة، وخزيمة، وسعد، والحارث، وعوف، سبعتهم أبناء لؤي أخي تيم الأدرم، وهما ابنا غالب أخي الحارث، ومحارب ثلاثتهم أبناء فهر، وهو أخو الحارث، وكلاهما ابن مالك، وهو أخو الصلت ويخلد، وهم بنو النضر الذي إليه جماع قريش على الصحيح كما قدمنا الدليل عليه‏.‏

وهو أخو مالك، وملكان، وعبد مناة وغيرهم، كلهم أولاد كنانة أخي أسد، وأسدة، والهون، أولاد خزيمة - وهو أخو هذيل - وهما‏:‏ ابنا مدركة، واسمه‏:‏ عمرو أخو طابخة، واسمه‏:‏ عامر وقمعة، ثلاثتهم أبناء إلياس‏.‏

وأخي إلياس هو غيلان والد قيس كلها، وهما ولدا مضر أخي ربيعة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 313‏)‏

ويقال لهما‏:‏ الصريحان من ولد إسماعيل وأخواهما أنمار وإياد تيامناً، أربعتهم أبناء نزار أخي قضاعة في قول طائفة ممن ذهب إلى أن قضاعة حجازية عدنانية، وقد تقدم بيانه كلاهما أبناء معد بن عدنان‏.‏

وهذا النسب بهذه الصفة لا خلاف فيه بين العلماء، فجميع قبائل عرب الحجاز ينتهون إلى هذا النسب‏.‏ ولهذا قال ابن عباس وغيره في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 23‏]‏ لم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم نسب يتصل بهم، وصدق ابن عباس رضي الله عنه فيما قال وأزيد مما قال‏.‏

وذلك أن جميع قبائل العرب العدنانية تنتهي إليه بالآباء، وكثير منهم بالأمهات أيضاً، كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره في أمهاته وأمهات آبائه وأمهاتهم، ما يطول ذكره، وقد حرره ابن إسحاق رحمه الله، والحافظ ابن عساكر‏.‏

وقد ذكرنا في ترجمة عدنان نسبه، وما قيل فيه، وأنه من ولد إسماعيل لا محالة، وإن اختلف في كم بينهما أبا على أقوال قد بسطناها فيما تقدم، والله أعلم‏.‏

وقد ذكرنا بقية النسب من عدنان إلى آدم، وأوردنا قصيدة أبي العباس الناشئ المتضمنة ذلك، كل ذلك في أخبار عرب الحجاز، ولله الحمد‏.‏

وقد تلكم الإمام أبو جعفر ابن جرير رحمه الله في أول ‏(‏تاريخه‏)‏ على ذلك كلاماً مبسوطاً جيداً محرراً نافعاً، وقد ورد حديث في انتسابه عليه السلام إلى عدنان وهو على المنبر، ولكن الله أعلم بصحته‏.‏

كما قال الحافظ أبو بكر البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن حفص المقرئ - ببغداد - حدثنا أبو عيسى بكار بن أحمد بن بكار، قال‏:‏ حدثنا أبو جعفر أحمد بن موسى بن سعد - إملاء سنة ست وتسعين ومائتين - قال‏:‏ حدثنا أبو جعفر محمد بن أبان القلانسي قال‏:‏ حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي قال‏:‏

حدثنا مالك بن أنس، عن الزهري، عن أنس بن مالك، وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 314‏)‏

بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن رجالاً من كندة يزعمون أنهم منه وأنه منهم، فقال‏:‏

‏(‏‏(‏إنما كان يقول ذلك العباس وأبو سفيان ابن حرب إذا قدما المدينة فيأمنا بذلك، وإنا لن ننتفي من آبائنا، نحن بنو النضر بن كنانة‏)‏‏)‏‏.‏

قال وخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏

‏(‏‏(‏أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نذار، وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرها، فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهر الجاهلية، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نفساً وخيركم أباً‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا حديث غريب جداً من حديث مالك، تفرد به القدامى - وهو ضعيف - ولكن سنذكر له شواهد من وجوه أخر‏.‏

فمن ذلك قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏خرجت من نكاح لا من سفاح‏)‏‏)‏‏.‏

قال عبد الرزاق‏:‏ أخبرنا ابن عيينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أبي جعفر الباقر في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لقد جاءكم رسول من أنفسكم‏}‏ قال‏:‏ لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية‏.‏

قال‏:‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إني خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا مرسل جيد‏.‏

وهكذا رواه البيهقي، عن الحاكم، عن الأصم، عن محمد بن إسحاق الصنعاني، عن يحيى بن أبي بكير، عن عبد الغفار بن القاسم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إن الله أخرجني من النكاح ولم يخرجني من السفاح‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه ابن عدي موصولاً فقال‏:‏ حدثنا أحمد بن حفص، حدثنا محمد بن أبي عمرو العدني المكي، حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين قال‏:‏ أشهد على أبي، حدثني عن أبيه عن جده، عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء‏)‏‏)‏‏.‏

هذا غريب من هذا الوجه، ولا يكاد يصح‏.‏

وقال هشيم‏:‏ حدثنا المديني، عن أبي الحويرث، عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏ما ولدني من نكاح أهل الجاهلية شيء، ما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا أيضاً غريب أورده الحافظ ابن عساكر، ثم أسنده من حديث أبي هريرة، وفي إسناده ضعف والله أعلم‏.‏

وقال محمد بن سعد‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد الله بن مسلم، عن عمه الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏ولدت من نكاح غير سفاح‏)‏‏)‏‏.‏

ثم أورد ابن عساكر من حديث أبي عاصم، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 129‏]‏ قال‏:‏ من نبي إلى نبي حتى أخرجت نبياً‏.‏

ورواه عن عطاء‏.‏

وقال محمد بن سعد‏:‏ أخبرنا هشام بن محمد الكلبي، عن أبيه قال‏:‏ كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحاً ولا شيئاً مما كان من أمر الجاهلية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 315‏)‏

وثبت في صحيح البخاري من حديث عمرو بن أبي عمرو عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه‏)‏‏)‏‏.‏

وفي صحيح مسلم من حديث الأوزاعي، عن شداد أبي عمار، عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن المطلب بن أبي وداعة قال‏:‏ قال العباس بلغه صلى الله عليه وسلم بعض ما يقول الناس، فصعد المنبر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من أنا‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ أنت رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً، فأنا خيركم بيتاً، وخيركم نفساً‏)‏‏)‏‏.‏ صلوات الله وسلامه عليه دائماً أبداً إلى يوم الدين‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن العباس بن عبد المطلب قال‏:‏ قلت يا رسول الله إن قريشاً إذا التقوا لقي بعضهم بعضاً بالبشاشة، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك غضباً شديداً، ثم قال‏:‏

‏(‏‏(‏والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله إن قريشاً جلسوا فتذاكروا أحسابهم فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كبوة من الأرض‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إن الله عز وجل يوم خلق الخلق جعلني في خيرهم، ثم لما فرقهم قبائل جعلني في خيرهم قبيلة، ثم حين جعل البيوت جعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 316‏)‏

ورواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن ربيعة بن الحارث قال‏:‏ بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بنحو ما تقدم، ولم يذكر العباس‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ حدثني يحيى بن عبد الحميد، حدثني قيس بن عبد الله، عن الأعمش، عن عليلة بن ربعي، عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إن الله قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسماً فذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ‏.‏‏.‏‏}‏ و‏{‏وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ‏.‏‏.‏‏}‏ فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين أثلاثاً فجعلني في خيرها ثلثا، فذلك قوله تعالى‏:‏ و‏{‏أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ‏}‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ‏}‏ فأنا من السابقين، وأنا خير السابقين‏.‏

ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة، فذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 13‏]‏ وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله ولا فخر‏.‏

ثم جعل القبائل بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً وذلك قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً‏}‏ فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا الحديث فيه غرابة ونكارة‏.‏

وروى الحاكم، والبيهقي من حديث محمد بن ذكوان - خال ولد حماد بن زيد - عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر قال‏:‏ إنا لقعود بفناء النبي صلى الله عليه وسلم، إذ مرت به امرأة فقال بعض القوم‏:‏ هذه ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو سفيان‏:‏ مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن، فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب فقال‏:‏

‏(‏‏(‏ما بال أقوام تبلغني عن أقوام، إن الله خلق السماوات سبعاً فاختار العلياء منها فأسكنها من شاء من خلقه، ثم خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم‏)‏‏)‏‏.‏

هذا أيضاً حديث غريب‏.‏

وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 317‏)‏

وروى الحاكم والبيهقي أيضاً‏:‏ من حديث موسى بن عبيدة‏:‏ حدثنا عمرو بن عبد الله بن نوفل، عن الزهري، عن أبي أسامة، أو أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏قال لي جبريل قلبت الأرض من مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمد، وقلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم‏)‏‏)‏‏.‏

قال الحافظ البيهقي‏:‏ وهذه الأحاديث وإن كان في رواتها من لا يحتج به، فبعضها يؤكد بعضاً، ومعنى جميعها يرجع إلى حديث واثلة بن الأسقع، والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ وفي هذا المعنى يقول أبو طالب يمتدح النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏

إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر * فعبد مناف سرها وصميمها

فإن حصلت أشراف عبد منافها * ففي هاشم أشرافها وقديمها

وإن فخرت يوماً فإن محمداً * هو المصطفى من سرها وكريمها

تداعت قريش غثها وسمينها * علينا فلم تظفر وطاشت حلومها

وكنا قديماً لا نقر ظلامة * إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها

ونحمي حماها كل يوم كريهة * ونضرب عن أجحارها من يرومها

بنا انتعش العود الذواء وإنما * بأكنافنا تندى وتنمى أرومها

وقال أبو السكن زكريا بن يحيى الطائي في الجزء المنسوب إليه المشهور‏:‏ حدثني عمر بن أبي زحر بن حصين، عن جده حميد بن منهب قال‏:‏ قال جدي خريم بن أوس هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت عليه منصرف من تبوك، فأسلمت فسمعت العباس بن عبد المطلب يقول‏:‏ يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏قل لا يفضض الله فاك‏)‏‏)‏‏.‏

فأنشأ يقول‏:‏

من قبلها طبت في الظلال وفي * مستودع حيث يخصف الورق

ثم هبطت البلاد لا بشر أنت * ولا مضغة ولا علق

بل نطفة تركب السفين وقد * ألجم نسرا وأهله الغرق

تنقل من صلب إلى رحم * إذا مضى عالم بدا طبق

حتى احتوى بيتك المهيمن من * خندف علياء تحتها النطق

وأنت لما ولدت أشرقت الأرض * وضاءت بنورك الأفق

فنحن في ذلك الضياء وفي النور * وسبل الرشاد نخترق

وقد روي هذا الشعر لحسان بن ثابت‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 318‏)‏

فروى الحافظ أبو القاسم ابن عساكر من طريق أبي الحسن ابن أبي الحديد، أخبرنا محمد بن أبي نصر، أنا عبد السلام بن محمد بن أحمد القرشي، حدثنا أبو حصين محمد بن إسماعيل بن محمد التميمي، حدثنا محمد بن عبد الله الزاهد الخراساني، حدثني إسحاق بن إبراهيم بن سنان، حدثنا سلام بن سليمان أبو العباس المكفوف المدائني، حدثنا ورقاء بن عمر، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء ومجاهد، عن ابن عباس قال‏:‏

سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ فداك أبي وأمي أين كنت وآدم في الجنة‏؟‏

قال‏:‏ فتبسم حتى بدت نواجذه، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏كنت في صلبه، وركب بي السفينة في صلب أبي نوح، وقذف بي في صلب أبي إبراهيم، لم يلتق أبواي على سفاح قط، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسيبة إلى الأرحام الطاهرة، صفتي مهدي لا ينشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما‏.‏

وقد أخذ الله بالنبوة ميثاقي، وبالإسلام عهدي، ونشر في التوراة والإنجيل ذكري، وبين كل نبي صفتي، تشرق الأرض بنوري، والغمام بوجهي، وعلمني كتابه، وزادني شرفاً في سمائه، وشق لي اسماً من أسمائه، فذو العرش محمود، وأنا محمد، وأحمد، ووعدني أن يحبوني بالحوض والكوثر، وأن يجعلني أول شافع وأول مشفع، ثم أخرجني من خير قرن لأمتي، وهم الحمادون يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ فقال حسان بن ثابت في النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏

قبلها طبت في الظلال وفي * مستودع يوم يخصف الورق

ثم سكنت البلاد لا بشر أنت * ولا نطفة ولا علق

مطهر تركب السفين وقد * ألجم نسراً وأهله الغرق

تنقل من صلب إلى رحم * إذا مضى طبق بدا طبق

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يرحم الله حسانا‏)‏‏)‏‏.‏

فقال علي بن أبي طالب‏:‏ وجبت الجنة لحسان ورب الكعبة‏.‏

ثم قال الحافظ ابن عساكر هذا حديث غريب جداً‏.‏

قلت‏:‏ بل منكر جداً، والمحفوظ أن هذه الأبيات للعباس رضي الله عنه، ثم أوردها من حديث أبي السكن زكريا بن يحيى الطائي كما تقدم‏.‏

قلت‏:‏ ومن الناس من يزعم أنها للعباس بن مرداس السلمي، فالله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ قال القاضي عياض في كتابه ‏(‏الشفاء‏)‏‏:‏ وأما أحمد الذي أتى في الكتب، وبشرت به الأنبياء فمنع الله بحكمته أن يسمى به أحد غيره، ولا يدعى به مدعو قبله، حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب، أو شك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 319‏)‏

وكذلك محمد لم يسم به أحد من العرب ولا غيرهم، إلى أن شاع قبل وجوده وميلاده أن نبياً يبعث اسمه محمد، فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك، رجاء أن يكون أحدهم هو ‏{‏اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ‏}‏‏.‏

وهم‏:‏ محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي، ومحمد بن سلمة الأنصاري، ومحمد بن البراء الكندي، ومحمد بن سفيان بن مجاشع، ومحمد بن حمران الجعفي، ومحمد بن خزاعى السلمي‏.‏ لا سابع لهم‏.‏

ويقال‏:‏ إن أول من سمي محمداً محمد بن سفيان بن مجاشع‏.‏ واليمن تقول‏:‏ بل محمد بن ليحمد من الأزد، ثم إن الله حمى كل من تسمى به أن يدعي النبوة أو يدعيها له أحد، أو يظهر عليه سبب يشكل أحداً في أمره، حتى تحققت الشيمتان له صلى الله عليه وسلم لم ينازع فيهما، هذا لفظه‏.‏

 باب مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم

ولد صلوات الله عليه وسلامه يوم الاثنين لما رواه مسلم في صحيحه من حديث غيلان بن جرير بن عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة أن أعرابياً قال‏:‏ يا رسول الله ما تقول في صوم يوم الاثنين‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ذاك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن

خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس قال‏:‏ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، واستنبئ يوم الاثنين، وخرج مهاجراً من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين، ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين‏.‏ تفرد به أحمد‏.‏

ورواه عمرو بن بكير، عن ابن لهيعة وزاد‏:‏ نزلت سورة المائدة يوم الاثنين ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 3‏]‏‏.‏

وهكذا رواه بعضهم عن موسى بن داود به‏.‏ وزاد أيضاً وكانت وقعة بدر يوم الاثنين‏.‏

وممن قال هذا يزيد بن حبيب، وهذا منكر جداً‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ والمحفوظ أن بدراً، ونزول ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏}‏ يوم الجمعة‏.‏ وصدق ابن عساكر‏.‏

وروى عبد الله بن عمر، عن كريب، عن ابن عباس‏:‏ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين‏.‏

وهكذا روي من غير هذا الوجه عن ابن عباس أنه ولد يوم الاثنين، وهذا ما لا خلاف فيه أنه ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وأبعد بل أخطأ من قال‏:‏ ولد يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من ربيع الأول‏.‏ نقله الحافظ ابن دحية فيما قرأه في كتاب ‏(‏أعلام الروي بأعلام الهدى‏)‏ لبعض الشيعة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 320‏)‏

ثم شرع ابن دحية في تضعيفه وهو جدير بالتضعيف إذ هو خلاف النص، ثم الجمهور على أن ذلك كان في شهر ربيع الأول، فقيل‏:‏ لليلتين خلتا منه، قاله ابن عبد البر في ‏(‏الاستيعاب‏)‏ ورواه الواقدي، عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني‏.‏

وقيل‏:‏ لثمان خلون منه، حكاه الحميدي، عن ابن حزم، ورواه مالك، وعقيل، ويونس بن يزيد، وغيرهم، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي، ورجحه الحافظ أبو الخطاب ابن دحية في كتابه ‏(‏التنوير في مولد البشير النذير‏)‏

وقيل‏:‏ لعشر خلون منه، نقله ابن دحية في كتابه، ورواه ابن عساكر عن أبي جعفر الباقر، ورواه مجالد عن الشعبي كما مر‏.‏

وقيل‏:‏ لثنتي عشرة خلت منه، نص عليه ابن إسحاق، ورواه ابن أبي شيبة في ‏(‏مصنفه‏)‏ عن عفان، عن سعيد بن مينا، عن جابر وابن عباس أنهما قالا‏:‏ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثامن عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات، وهذا هو المشهور عند الجمهور والله أعلم‏.‏

وقيل‏:‏ لسبعة عشر خلت منه، كما نقله ابن دحية عن بعض الشيعة‏.‏

وقيل‏:‏ لثمان بقين منه، نقله ابن دحية من خط الوزير أبي رافع بن الحافظ أبي محمد بن حزم عن أبيه‏.‏ والصحيح عن ابن حزم الأول أنه‏:‏ لثمان مضين منه، كما نقله عنه الحميدي وهو أثبت‏.‏

والقول الثاني‏:‏ أنه ولد في رمضان، نقله ابن عبد البر عن الزبير بن بكار، وهو قول غريب جداً، وكان مستنده أنه عليه الصلاة والسلام أوحى إليه في رمضان بلا خلاف، وذلك على رأس أربعين سنة من عمره، فيكون مولده في رمضان، وهذا فيه نظر والله أعلم‏.‏

وقد روى خيثمة بن سليمان الحافظ، عن خلف بن محمد كردوس الواسطي، عن المعلى بن عبد الرحمن، عن عبد الحميد بن جعفر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال‏:‏ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين في ربيع الأول، وأنزلت عليه النبوة يوم الاثنين في أول شهر ربيع الأول، وأنزلت عليه البقرة يوم الاثنين في ربيع الأول، وهذا غريب جداً، رواه ابن عساكر‏.‏

قال الزبير بن بكار‏:‏ حملت به أمه في أيام التشريق في شعب أبي طالب، عند الجمرة الوسطى‏.‏ وولد بمكة بالدار المعروفة بمحمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان‏.‏

ورواه الحافظ ابن عساكر من طريق محمد بن عثمان بن عقبة بن مكرم، عن المسيب بن شريك، عن شعيب بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال‏:‏ حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء في المحرم، وولد يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل‏.‏

وذكر غيره أن الخيزران وهي أم هارون الرشيد لما حجت أمرت ببناء هذه الدار مسجداً، فهو يعرف بها اليوم‏.‏

وذكر السهيلي أن مولده عليه الصلاة والسلام كان في العشرين من نيسان، وهذا أعدل الزمان والفصول وذلك لسنة اثنتين وثمانين وثمانمائة لذي القرنين، فيما ذكر أصحاب الزيج‏.‏ وزعموا أن الطالع كان لعشرين درجة من الجدي، وكان المشتري وزحل مقترنين في ثلاث درج من العقرب، وهي درجة وسط السماء، وكان موافقاً من البروج الحمل، وكان ذلك عند طلوع القمر أول الليل‏.‏ نقله كله ابن دحية والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 321‏)‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وكان مولده عليه الصلاة والسلام عام الفيل، وهذا هو المشهور عن الجمهور‏.‏

قال إبراهيم بن المنذر الحزامي - وهو الذي لا يشك فيه أحد من علمائنا - أنه عليه الصلاة والسلام ولد عام الفيل، وبعث على رأس أربعين سنة من الفيل‏.‏

وقد رواه البيهقي من حديث أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل‏.‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة، عن أبيه، عن جده قيس بن مخرمة قال‏:‏ ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، كنا لدين قال‏:‏ وسأل عثمان رضي الله عنه قباث بن أشيم أخا بني يعمر بن ليث أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقال‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني، وأنا أقدم منه في الميلاد‏.‏

ورأيت خزق الفيل أخضر محيلاً‏.‏

ورواه الترمذي والحاكم من حديث محمد بن إسحاق به‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عام عكاظ ابن عشرين سنة‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ كان الفجار بعد الفيل بعشرين سنة، وكان بناء الكعبة بعد الفجار بخمسة عشر سنة، والمبعث بعد بنائها بخمس سنين‏.‏

وقال محمد بن جبير بن مطعم‏:‏ كانت عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة سنة، وبناء الكعبة بعد عكاظ بعشر سنين، والمبعث بعد بنائها بخمس عشرة سنة‏.‏

وروى الحافظ البيهقي من حديث عبد العزيز بن أبي ثابت المديني‏:‏ حدثنا الزبير بن موسى، عن أبي الحويرث قال‏:‏ سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الكناني ثم الليثي‏:‏ يا قباث أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني، وأنا أسن منه‏.‏

ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، ووقفت بي أمي على روث الفيل محيلاً أعقله، وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة‏.‏

وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال، حدثنا نعيم يعني - ابن ميسرة - عن بعضهم، عن سويد بن غفلة أنه قال‏:‏ أنا لدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدت عام الفيل‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وقد روي عن سويد بن غفلة أنه قال‏:‏ أنا أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين‏.‏

قال يعقوب‏:‏ وحدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت، حدثني عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان النوفلي، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم قال‏:‏ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وكانت بعده عكاظ بخمس عشرة سنة، وبني البيت على رأس خمس وعشرين سنة من الفيل، وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة من الفيل‏.‏

والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل على قول الجمهور، فقيل‏:‏ بعده بشهر، وقيل‏:‏ بأربعين يوماً، وقيل‏:‏ بخمسين يوماً - وهو أشهر -‏.‏

وعن أبي جعفر الباقر‏:‏ كان قدوم الفيل للنصف من المحرم، ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده بخمس وخمسين ليلة‏.‏

وقال آخرون‏:‏ بل كان عام الفيل قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنين، قاله ابن أبزى، وقيل‏:‏ بثلاث وعشرين سنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 2/ 322‏)‏

رواه شعيب بن شعيب عن أبيه، عن جده كما تقدم‏.‏

وقيل‏:‏ بعد الفيل بثلاثين سنة‏.‏ قاله موسى بن عقبة عن الزهري رحمه الله، واختاره موسى بن عقبة أيضاً رحمه الله‏.‏

وقال أبو زكريا العجلاني‏:‏ بعد الفيل بأربعين عاماً‏.‏ رواه ابن عساكر، وهذا غريب جداً‏.‏ وأغرب منه ما قال خليفة بن خياط‏:‏ حدثني شعيب بن حبان، عن عبد الواحد بن أبي عمرو، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال‏:‏ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفيل بخمس عشرة سنة‏.‏

وهذا حديث غريب ومنكر وضعيف أيضاً، قال خليفة بن خياط والمجتمع عليه أنه عليه السلام ولد عام الفيل‏.‏