فصل: شروط الحذف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.شروط الحذف:

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: فِي شُرُوطِهِ.
فَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ فِي الْمَذْكُورِ دَلَالَةٌ عَلَى الْمَحْذُوفِ إِمَّا مِنْ لَفْظِهِ أَوْ مِنْ سِيَاقِهِ وَإِلَّا لَمْ يُتَمَكَّنْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَيَصِيرُ اللَّفْظُ مُخِلًّا بِالْفَهْمِ وَلِئَلَّا يصير الكلام لغزا فيهج فِي الْفَصَاحَةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيمَا أُبْقِيَ دَلِيلٌ عَلَى مَا أُلْقِيَ.
وَتِلْكَ الدَّلَالَةُ مَقَالِيَّةٌ وَحَالِيَّةٌ.
فَالْمَقَالِيَّةُ قَدْ تَحْصُلُ مِنْ إِعْرَابِ اللَّفْظِ وَذَلِكَ كَمَا إِذَا كَانَ مَنْصُوبًا فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَاصِبٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا نَحْوَ: أَهْلًا وَسَهْلًا وَمَرْحَبًا أَيْ وُجِدْتَ أَهْلًا وَسَلَكْتَ سَهْلًا وَصَادَفْتَ رَحْبًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لله} عَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الذي تساءلون به والأرحام} وَالتَّقْدِيرُ: احْمِدُوا الْحَمْدَ وَاحْفَظُوا الْأَرْحَامَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {ومن أحسن من الله صبغة}. {ملة أبيكم إبراهيم}.
وَالْحَالِيَّةُ قَدْ تَحْصُلُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْمَعْنَى والنظر وَالْعِلْمِ، فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِمَحْذُوفٍ وَهَذَا يَكُونُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ النَّظْمِ الْأَوَّلِ لِزِيَادَةِ عمومه كما في قوله فُلَانٌ يَحُلُّ وَيَرْبِطُ أَيْ يَحُلُّ الْأُمُورَ وَيَرْبِطُهَا أَيْ ذُو تَصَرُّفٍ.
وَقَدْ تَدُلُّ الصِّنَاعَةُ النَّحْوِيَّةُ عَلَى التَّقْدِيرِ، كَقَوْلِهِمْ فِي: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}:إِنَّ التَّقْدِيرَ لَأَنَا أُقْسِمُ لِأَنَّ فِعْلَ الحال لا يقسم عليه. وقوله تعالى: {تفتأ تذكر يُوسُفَ} التَّقْدِيرُ لَا تَفْتَأُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَوَابُ مُثْبَتًا لَدَخَلَتِ اللَّامُ وَالنُّونُ كَقَوْلِهِ: {بَلَى وربي لتبعثن}.
وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ قِيَامِ دَلِيلٍ وَاحِدٍ وَقَدْ يَكُونُ هُنَا أَدِلَّةٌ يَتَعَدَّدُ التَّقْدِيرُ بِحَسَبِهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حسنا} فإنه يحتمل ثَلَاثَةِ أُمُورٍ أَحَدُهَا كَمَنْ لَمْ يُزَيَّنْ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَالْمَعْنَى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حسنا} مِنَ الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا كَمَنْ لَمْ يُزَيَّنْ لَهُ!! ثُمَّ كَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ: لَا، فَقِيلَ: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات} ثَانِيهَا: تَقْدِيرُ: ذَهَبَتْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٌ فَحُذِفَ الْخَبَرُ لِدَلَالَةِ {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}.
ثَالِثُهَا: تَقْدِيرُ: (كَمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ)، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يشاء} وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ الْمَحْذُوفُ الْجُمْلَةَ بِأَسْرِهَا نَحْوَ: {قَالُوا سلاما} أَيْ سَلَّمْنَا سَلَامًا أَوْ أَحَدَ رُكْنَيْهَا نَحْوَ: {قال سلام قوم منكرون} أَيْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَحُذِفَ خبر الأولى ومتبدأ الثَّانِيَةِ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَحْذُوفَ فَضْلَةً فَلَا يُشْتَرَطُ لِحَذْفِهِ دَلِيلٌ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَلَّا يَكُونَ فِي حَذْفِهِ إِخْلَالٌ بِالْمَعْنَى أَوِ اللَّفْظِ كَمَا فِي حَذْفِ الْعَائِدِ الْمَنْصُوبِ وَنَحْوِهِ.
وَشَرَطَ ابْنُ مَالِكٍ فِي حَذْفِ الْجَارِّ أَيْضًا أَمْنَ اللَّبْسِ ومنع الحذف في نحو: رغبت أَنْ تَفْعَلَ أَوْ عَنْ أَنْ تَفْعَلَ لِإِشْكَالِ المراد يعد الحذف.
وأورد عليه {وترغبون أن تنكحوهن}، فَحَذَفَ الْحَرْفَ.
وَجَوَابُهُ أَنَّ النِّسَاءَ يَشْتَمِلْنَ عَلَى وَصْفَيْنِ وَصْفُ الرَّغْبَةِ فِيهِنَّ وَعَنْهُنَّ فَحُذِفَ لِلتَّعْمِيمِ.
وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ فِي الدَّلِيلِ اللَّفْظِيِّ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَفْقِ الْمَحْذُوفِ. وَأُنْكِرَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بلى قادرين على أن نسوي بنانه} أَنَّ التَّقْدِيرَ: بَلَى حَسِبَنَا قَادِرِينَ وَالْحِسَابُ الْمَذْكُورُ بِمَعْنَى الظَّنِّ وَالْمَحْذُوفُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ إِذِ التَّرَدُّدُ فِي الْإِعَادَةِ كُفْرٌ فَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحِسَابَ الْمُقَدَّرَ بِمَعْنَى الْجَزْمِ وَالِاعْتِقَادِ لَا بِمَعْنَى الظَّنِّ وَتَقْدِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ الْمَلْفُوظَ.
وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى الْمَحْذُوفِ ذِكْرُهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ:
مِنْهَا: وَهُوَ أَقْوَاهَا، كَقَوْلِهِ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ ربك} أَيْ أَمْرُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ}.
وَقَوْلُهُ فِي آلِ عِمْرَانَ: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ والأرض}، أَيْ كَعَرْضِ بِدَلِيلِ التَّصْرِيحِ بِهِ فِي آيَةِ الْحَدِيدِ.
وَفِيهِ إِيجَازٌ بَلِيغٌ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْعَرْضُ كَذَلِكَ فَمَا ظَنُّكَ بِالطُّولِ! كَقَوْلِهِ: {بَطَائِنُهَا من إستبرق}.
وَقِيلَ: إِنَّمَا أَرَادَ التَّعْظِيمَ وَالسِّعَةَ لِأَحَقِّيَّةِ الْعَرْضِ، كَقَوْلِهِ:
كَأَنَّ بِلَادَ اللَّهِ وَهْيَ عَرِيضَةٌ ** عَلَى الْخَائِفِ الْمَظْلُومِ كِفَّةُ حَابِلِ

وَمِنْهَا: أَلَّا يَكُونَ الْفِعْلُ طَالِبًا لَهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ امْتَنَعَ حَذْفُهُ كَالْفَاعِلِ وَمَفْعُولِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَاسْمِ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يُحْذَفْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ نَقْضِ الْغَرَضِ.
وَمِنْهَا: قَالَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي وَمِنْ حَقِّ الْحَذْفِ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَطْرَافِ لَا فِي الْوَسَطِ لِأَنَّ طَرَفَ الشَّيْءِ أَضْعَفُ مِنْ قَلْبِهِ وَوَسَطِهِ، قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} وَقَالَ الطَّائِيُّ الْكَبِيرُ:
كَانَتْ هِيَ الْوَسَطَ الْمَمْنُوعَ فَاسْتَلَبَتْ ** مَا حَوْلَهَا الْخَيْلُ حَتَّى أَصْبَحَتْ طَرَفَا

فكأن الطرفين سياج للوسط ومبذولان للعوراض دُونَهُ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ الْإِعْلَالَ عِنْدَ التَّصْرِيفِيِّينَ بِالْحَذْفِ مِنْهَا فَحَذَفُوا الْفَاءَ فِي الْمَصَادِرِ مِنْ بَابِ وَعَدَ نَحْوَ الْعِدَةِ وَالزِّنَةِ وَالْهِبَةِ وَاللَّامَ فِي نحواليد وَالدَّمِ وَالْفَمِ وَالْأَبِ وَالْأَخِ وَقَلَّمَا تَجِدُ الْحَذْفَ فِي الْعَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِهَذَا يَظْهَرُ لُطْفُ هَذِهِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ.

.تَنْبِيهَاتٌ:

الْأَوَّلُ: قَدْ تُوجِبُ صِنَاعَةُ النَّحْوِ التَّقْدِيرَ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) فَإِنَّ الْخَبَرَ مَحْذُوفٌ وَقَدَّرَهُ النُّحَاةُ: (مَوْجُودٌ) أَوْ (لَنَا).
وَأَنْكَرَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَقَالَ: هَذَا كَلَامٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ وَتَقْدِيرُهُمْ فَاسِدٌ لِأَنَّ نَفْيَ الْحَقِيقَةِ مُطْلَقَةً أَعَمُّ مِنْ نَفْيِهَا مُقَيَّدَةً فَإِنَّهَا إِذَا انْتَفَتْ مُطْلَقَةً كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى سَلْبِ الْمَاهِيَّةِ مَعَ الْقَيْدِ وَإِذَا انْتَفَتْ مُقَيَّدَةً بِقَيْدٍ مَخْصُوصٍ لَمْ يَلْزَمْ نَفْيُهَا مَعَ قَيْدٍ آخَرَ.
وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْإِنْكَارِ فَإِنَّ تَقْدِيرَ (فِي الْوُجُودِ) يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ كُلِّ إِلَهٍ غَيْرَ اللَّهِ قَطْعًا فَإِنَّ الْعَدَمَ لَا كَلَامَ فِيهِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْيٌ لِلْحَقِيقَةِ مُطْلَقَةً لَا مُقَيَّدَةً. ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ خَبَرٍ لِاسْتِحَالَةِ مُبْتَدَأٍ بِلَا خَبَرٍ ظَاهِرًا أَوْ مُقَدَّرًا وَإِنَّمَا يُقَدِّرُ النَّحْوِيُّ الْقَوَاعِدَ حَقَّهَا وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى مَفْهُومًا وَتَقْدِيرُهُمْ هُنَا أَوْ غَيْرُهُ لِيَرَوْا صُورَةَ التَّرْكِيبِ مِنْ حيث اللَّفْظِ مِثَالًا، لَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلَهُمْ تَقْدِيرَانِ إِعْرَابِيٌّ وَهُوَ الَّذِي خَفِيَ عَلَى الْمُعْتَرِضِ وَمَعْنَوِيٌّ وَهُوَ الَّذِي أَلْزَمَهُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ.
وَمِنَ الْمُنْكَرِ فِي هَذَا أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ الطِّرَاوَةِ: إِنَّ الْخَبَرَ فِي هَذَا (إِلَّا اللَّهُ) وَكَيْفَ يَكُونُ الْمُبْتَدَأُ نَكِرَةً وَالْخَبَرُ مَعْرِفَةً!.
الثَّانِي: اعْتَبَرَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْحَذْفِ التَّدْرِيجَ حَيْثُ أَمْكَنَ وَلِهَذَا قَالَ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} إِنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ: (يَوْمَ لَا تَجْزِي فِيهِ) فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ فَصَارَ (تَجْزِيهِ) ثُمَّ حُذِفَ الضَّمِيرِ فَصَارَ (تَجْزِي).
وَهَذَا مُلَاطَفَةٌ فِي الصِّنَاعَةِ، وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ حُذِفَ فِيهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً.
وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ فِي (الْمُحْتَسَبِ): وَقَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ أَوَثَقُ فِي النَّفْسِ وَآنَسُ مِنْ أَنْ يُحْذَفَ الْحَرْفَانِ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
الثَّالِثُ: المشهور في قوله تعالى: {فانفجرت منه}، أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ التَّقْدِيرُ: (فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ) وَدَلَّ (انْفَجَرَتْ) عَلَى الْمَحْذُوفِ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنَ الِانْفِجَارِ أَنَّهُ قَدْ ضُرِبَ.
وَكَذَا: {أَنِ اضرب بعصاك البحر فانفلق}، إِذْ لَا جَائِزَ أَنْ يَحْصُلَ الِانْفِجَارُ وَالِانْفِلَاقُ دُونَ ضَرْبٍ.
وَابْنُ عُصْفُورٍ يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا: إِنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ الْمَذْكُورَ مَعَ الْمَعْطُوفِ هُوَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَإِنَّ الْمَحْذُوفَ هُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ وَحُذِفَ حَرْفُ الْعَطْفِ من المعطوف فَالْفَاءُ فِي (انْفَلَقَ) هُوَ فَاءُ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ وَهُوَ (ضَرْبٌ) فَذُكِرَتْ فَاؤُهُ وَحُذِفَ فِعْلُهَا وَذُكِرَ فِعْلُ (انْفَلَقَ) وَحُذِفَتْ فَاؤُهُ لِيَدُلَّ الْمَذْكُورُ عَلَى المحذوف وهو تحيل غريب.
أقسام الحذف.

.الْخَامِسُ: فِي أَقْسَامِهِ:

.الْأَوَّلُ: الِاقْتِطَاعُ:

وَهُوَ ذِكْرُ حَرْفٍ مِنَ الْكَلِمَةِ وَإِسْقَاطُ الْبَاقِي، كَقَوْلِهِ:
دَرَسَ الْمُنَا بِمَتَالِعٍ فَأَبَانِ

أَيِ الْمَنَازِلُ وَأَنْكَرَ صَاحِبُ (الْمَثَلِ السَّائِرِ) وُرُودَ هَذَا النَّوْعِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ.
وَقَدْ جَعَلَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ فَوَاتِحَ السُّوَرِ لِأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: (الم) مَعْنَاهُ: (أَنَا الله أعلم وأرى) و: (المص) أنا لله أَعْلَمُ وَأُفَصِّلُ وَكَذَا الْبَاقِي.
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: {وامسحوا برؤوسكم}:إِنَّ الْبَاءَ هُنَا أَوَّلُ كَلِمَةِ (بَعْضَ) ثُمَّ حُذِفَ الْبَاقِي كَقَوْلِهِ:
قُلْتُ لَهَا قِفِي لَنَا قَالَتْ قَافْ

أَيْ وَقَفْتُ، وَفِي الْحَدِيثِ: (كَفَى بِالسَّيْفِ شَا) أَيْ شَاهِدًا.
وقال الزمخشري في قوله: {من اللَّهُ} فِي الْقَسَمِ: إِنَّهَا (ايْمَنُ) الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي الْقَسَمِ حُذِفَتْ نُونُهَا.
وَمِنْ هَذَا التَّرْخِيمُ ومنه قراءة بعضهم: (يا مال) عَلَى لُغَةِ مَنْ يَنْتَظِرُ وَلَمَّا سَمِعَهَا بَعْضُ السَّلَفِ قَالَ مَا أَشْغَلَ أَهْلَ النَّارِ عَنِ التَّرْخِيمِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُمْ لِشِدَّةِ مَا هُمْ فِيهِ عَجَزُوا عَنْ إِتْمَامِ الْكَلِمَةِ.

.الثَّانِي: الِاكْتِفَاءُ:

وَهُوَ أَنْ يَقْتَضِيَ الْمَقَامُ ذِكْرَ شَيْئَيْنِ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ وَارْتِبَاطٌ فَيُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ وَيُخَصُّ بِالِارْتِبَاطِ الْعَطْفِيِّ غَالِبًا فَإِنَّ الِارْتِبَاطَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ وُجُودِيٌّ وَلُزُومِيٌّ وَخَبَرِيٌّ وَجَوَابِيٌّ وَعَطْفِيٌّ.
ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ الِاكْتِفَاءَ بِأَحَدِهِمَا كَيْفَ اتُّفِقَ بَلْ لِأَنَّ فِيهِ نُكْتَةً تَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ.
وَالْمَشْهُورُ فِي مِثَالِ هَذَا النَّوْعِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} أَيْ وَالْبَرْدَ هَكَذَا قَدَّرُوهُ. وَأَوْرَدُوا عَلَيْهِ سُؤَالَ الْحِكْمَةِ مِنْ تَخْصِيصِ الْحَرِّ بِالذِّكْرِ وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْعَرَبِ وَبِلَادُهُمْ حَارَّةٌ وَالْوِقَايَةُ عِنْدَهُمْ مِنَ الْحَرِّ أَهَمُّ لِأَنَّهُ أَشَدُّ مِنَ الْبَرْدِ عِنْدَهُمْ.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَإِنَّ الْبَرْدَ ذُكِرَ الِامْتِنَانُ بِوِقَايَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} وقوله: {وجعل لكم من الجبال أكنانا} وَقَوْلِهِ فِي صَدْرِ السُّورَةِ: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فيها دفء}.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ الْوِقَايَتَيْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظلالا}، فَإِنَّ هَذِهِ وِقَايَةُ الْحَرِّ، ثُمَّ قَالَ: {وَجَعَلَ لكم من الجبال أكنانا}، فَهَذِهِ وِقَايَةُ الْبَرْدِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ؟.
قِيلَ: لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَسَاكِنِ وَهَذِهِ إلى الملابس، وقوله: {وجعل لكم من الجبال أكنانا} لم يذكره السهيلي، وَفِيهِ الْجَوَابَانِ السَّابِقَانِ.
وَأَمْثِلَةُ هَذَا الْقِسْمِ كَثِيرَةٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ والنهار}.
فَإِنَّهُ قِيلَ: الْمُرَادُ: (وَمَا تَحَرَّكَ) وَإِنَّمَا آثَرَ ذِكْرَ السُّكُونِ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ الْحَالَيْنِ عَلَى الْمَخْلُوقِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْجَمَادِ وَلِأَنَّ السَّاكِنَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنَ الْمُتَحَرِّكِ أَوْ لِأَنَّ كُلَّ مُتَحَرِّكٍ يَصِيرُ إِلَى السُّكُونِ وَلِأَنَّ السُّكُونَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْحَرَكَةُ طارئة.
وقوله: {بيدك الخير} تقدير: (وَالشَّرُّ) إِذْ مَصَادِرُ الْأُمُورِ كُلِّهَا بِيَدِهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَإِنَّمَا آثَرَ ذِكْرَ الْخَيْرِ لِأَنَّهُ مَطْلُوبُ الْعِبَادِ وَمَرْغُوبُهُمْ إِلَيْهِ أَوْ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ وُجُودًا فِي الْعَالَمِ مِنَ الشَّرِّ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ فِي بَابِ الْأَدَبِ أَلَّا يُضَافَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ».
وَقِيلَ: إِنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا وَرَدَ رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِيمَا أَنْكَرُوهُ مِمَّا وَعَدَهُ اللَّهُ بِهِ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ مِنْ فَتْحِ بِلَادِ الرُّومِ وَفَارِسَ وَوَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ الْكَلَامُ فِي الْخَيْرِ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ.
وقوله: {الذين يؤمنون بالغيب}، أَيْ وَالشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَاجِبٌ وآثر الغيب لأنه أبدع ولأنه يستلزمالإيمان بِالشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ.
وَمِثْلُهُ: {أَمْ يَجْعَلُ له ربي أمدا عالم الغيب}، أَيْ وَالشَّهَادَةُ بِدَلِيلِ التَّصْرِيحِ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخر.
وقوله: {يكاد البرق يخطف أبصارهم}، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ أَوَّلًا الظُّلُمَاتِ وَالرَّعْدَ وَالْبَرْقَ وَطَوَى الْبَاقِي.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ} أَيْ وَالْبَرِّ، وَإِنَّمَا آثَرَ ذِكْرَ الْبَحْرِ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ.
وَقَوْلِهِ: {وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ}، أَيْ وَالْمَغَارِبِ.
وَقَوْلُهُ: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} أَيْ وَلَا غَيْرَ إِلْحَافٍ.
وَقَوْلُهُ: {مِنْ أَهْلِ الكتاب أمة قائمة}، أَيْ وَأُخْرَى غَيْرُ قَائِمَةٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين}، أي والمؤمنين.
وقوله: {هدى للمتقين}، أَيْ وَالْكَافِرِينَ. قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: {هدى للناس}.
وقوله: {ولا تكونوا أول كافر به}، قِيلَ: الْمَعْنَى وَآخِرَ كَافِرٍ بِهِ فَحُذِفَ الْمَعْطُوفُ لِدَلَالَةِ قُوَّةِ الْكَلَامِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَوَّلَ الْكُفْرِ وَآخِرَهُ سَوَاءٌ وَخُصَّتِ الْأَوْلَوِيَّةُ بِالذِّكْرِ لِقُبْحِهَا بِالِابْتِدَاءِ.
وَقَوْلُهُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافات ويقبضن ما يمسكهن}، أَيْ وَيَبْسُطْنَ قَالَهُ الْفَارِسِيُّ.
وَحَكَى فِي (التَّذْكِرَةِ) عَنْ بَعْضِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أكاد أخفيها لتجزى} أَنَّ الْمَعْنَى: (أَكَادُ أُظْهِرُهَا أُخْفِيهَا لِتُجْزَى)، فَحَذَفَ (أُظْهِرُهَا) لِدَلَالَةِ (أُخْفِيهَا عَلَيْهِ).
قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ الْمَعْنَى: (أُزِيلُ خَفَاءَهَا)، فَلَا حَذْفَ.
وَقَوْلِهِ: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}، أَيْ بَيْنَ أَحَدٍ وَأَحَدٍ.
وَقَوْلُهُ: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}، أَيْ وَمَنْ أَنْفَقَ بَعْدَهُ وَقَاتَلَ لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ يَطْلُبُ اثْنَيْنِ وَحُذِفَ الْمَعْطُوفُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ أَلَا تَرَاهُ قَالَ بَعْدَهُ: {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا}.
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إليه جميعا}، أَيْ وَمَنْ لَا يَسْتَنْكِفُ وَلَا يَسْتَكْبِرُ بِدَلِيلِ التقسيم بعده بقوله: {فأما الذين آمنوا} {وأما الذين استنكفوا}.
وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}، فَاكْتَفَى هُنَا بِذِكْرِ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ عَنِ الْجِهَتَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ومن خلفهم}، الِاكْتِفَاءُ بِجِهَتَيْنِ عَنْ سَائِرِهَا.
وَقَوْلُهُ: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل}، أَيْ وَلَمْ تُعْبِدْنِي.
وَقَوْلُهُ: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ليس له ولد}، أَيْ وَلَا وَالِدَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَوْجَبَ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ فَقْدِ الْأَبِ فَإِنَّ الْأَبَ يُسْقِطُهَا.
وَقَوْلُهُ: {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ المفلحين} وَلَمْ يَذْكُرِ الْقِسْمَ الْآخَرَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ (أَمَّا) إِذْ وَضْعُهَا لِتَفْصِيلِ كَلَامٍ مُجْمَلٍ وَأَقَلُّ أَقْسَامِهَا قِسْمَانِ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ هَذَا أَحَدُهُمَا وَالتَّقْدِيرُ: وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتُبْ وَلَا يُؤْمِنُ وَلَمْ يَعْمَلْ صَالِحًا فَلَا يَكُونُ مِنَ الْمُفْلِحِينَ. وَالثَّانِي فِي آلِ عِمْرَانَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} إلى قوله: {إلا الله} هَذَا أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا بَعْدَهُ، وَتَقْدِيرُهُ: وَأَمَّا الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فَيَقُولُونَ.
وَقَوْلُهُ: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لهم}، أَيْ وَفِعْلًا غَيْرَ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ لِأَنَّهُمْ أُمِرُوا بِشَيْئَيْنِ: بِأَنْ يَدْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَبِأَنْ يَقُولُوا حِطَّةٌ فَبَدَّلُوا الْقَوْلَ فِي (حِنْطَةٍ) (حِطَّةٌ) وَبَدَّلُوا الْفِعْلَ بِأَنْ دَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا سَاجِدِينَ وَالْمَعْنَى إِرَادَتُنَا حِطَّةٌ أَيْ حُطَّ عَنَّا ذُنُوبَنَا.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ ولا الحرور}، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: دُخُولُ (لَا) عَلَى نِيَّةِ التَّكْرَارِ كَأَنَّهُ قَالَ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا النُّورُ وَالظُّلُمَاتُ وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْأَوَائِلِ عَنِ الثَّوَانِي وَدَلَّ بِمَذْكُورِ الْكَلَامِ عَلَى مَتْرُوكِهِ.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسود من الفجر}.
فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ لِلْفَجْرِ خَيْطٌ أَسْوَدُ إِنَّمَا الْأَسْوَدُ مِنَ اللَّيْلِ.
فَأُجِيبَ: إِنَّ {مِنَ الْفَجْرِ} متصل بقوله: {الخيط الأبيض} وَالْمَعْنَى حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْفَجْرِ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ اللَّيْلِ لَكِنْ حذف (من الليل) لدلالة الكلام ثم عليه ولوقوع الْفَجْرِ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ (مِنَ الْفَجْرِ) مُتَعَلِّقًا بِالْخَيْطِ الْأَسْوَدِ وَلَوْ وَقَعَ (مِنَ الْفَجْرِ) فِي مَوْضِعِهِ مُتَّصِلًا بِالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ لَضَعُفَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَحْذُوفِ وَهُوَ (مِنَ اللَّيْلِ) فَحُذِفَ (مِنَ اللَّيْلِ) لِلِاخْتِصَارِ وَأُخِّرَ (مِنَ الْفَجْرَ) لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ.