فصل: (فرع: يكره الذبح ليلا)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة:ذبح النذر بيد غيرالمهدي]

وإذا نذر هديا معينا فقد ذكرنا: أن المستحب للإنسان أن يذبح هديه بنفسه، فلو ذبحه غيره بغير أمره أجزأ المهدي؛ لأنه مستحق الذبح، فإذا ذبحه غيره وقع الموقع، كرد الوديعة والغصب وإزالة النجاسة. ووجب على الذابح ما بين قيمته حيا ومذبوحا، كما لو ذبح شاة لغيره، فإن أمكن أن يشتري بذلك هديا آخر مثله
اشترى به، وإن لم يمكن كان فيه ثلاثة أوجه مضى ذكرها، هذا نقل البغداديين من أصحابنا، وحكى الخراسانيون فيها قولين آخرين:
أحدهما: لا شيء عليه - وبه قال أبو حنيفة - لأن الذبح قد وقع الموقع.
والثاني: إن شاء جعلها عن الذابح وأخذ قيمتها وإن شاء أخذها وما نقص من قيمتها.
وقال مالك: (لا يجزئ عن المهدي) وقد مضى الدليل عليه.

.[مسألة:تعيين ذبح بدلا عما وجب عليه في ذمته]

وإن كان في ذمته هدي، بأن كان قد تمتع أو قرن أو تطيب، فوجبت عليه شاة، فقال: علي لله أن أنحر هذه الشاة عما في ذمتي تعين عليه أن يذبح هذه الشاة عما في ذمته؛ لأنه لو نذر أن يهديها ابتداء لتعين عليه ذبحها، فإذا نذر أن يذبحها عما في ذمته فالأولى أن يلزمه ذبحها ويزول ملكه عنها، فلا يملك بيعها ولا إبدالها بغيرها، كما لو نذر ذبحها ابتداء. فإن هلكت قبل أن تصل إلى الحرم بتفريط أو غير تفريط، أو حدث بها عيب يمنع الإجزاء رجع الواجب إلى ما في ذمته، ويلزمه أن يذبح شاة صحيحة، كما نقول فيمن عليه دين في ذمته، فأعطى صاحب الدين بدينه عينا، ثم هلكت العين أو أصابها عيب قبل القبض وردها فإن صاحب الدين يرجع إلى دينه في ذمته، ويبطل التعيين في هذه العين. وإن أصاب هذه الشاة المعينة عيب أو هلكت بعدما وصلت إلى الحرم ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول ابن الحداد -: أنها تجزئه، فيذبح المعيبة ويفرقها، ولا يلزمه إبدالها؛ لأنها بلغت محلها.
والثاني: لا تجزئه هذه المعيبة، ويلزمه إخراج شاة صحيحة، وهو اختيار القاضي أبي الطيب وابن الصباغ؛ لأن العيب والهلاك أصابها قبل وصولها إلى المساكين، فهو كما لو أصابها ذلك قبل أن تبلغ الحرم.
إذا ثبث هذا: فإن قلنا: يجزئه إخراج المعيبة فلا كلام.
وإن قلنا: لا يجزئه فهل تعود المعيبة إلى ملكه، أو يلزمه إخراجها مع السليمة؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: يلزمه - وهو قول أحمد - لأن الفقراء ملكوها بالتعيين.
والثاني: تعود إلى ملكه، وهو الصحيح.
فعلى هذا: له أن يأكلها ويبيعها ويطعمها من شاء؛ لأنهم إنما ملكوها في مقابلة ما في ذمته، فإذا أصابها العيب قبل التسليم رجعت إلى ملكه، كما لو قضى عينا بدين في ذمته، ثم أصابها عيب قبل القبض، فردها صاحب الدين فإنها ترجع إلى ملك من عليه الدين.
وإن عطب هذا الهدي المعين قبل أن يصل إلى الحرم فنحره عاد الواجب إلى ما في ذمته، وهل يملك المهدي هذا الهدي المنحور؟ على هذين الوجهين: وإن ضل هذا الهدي المعين وجب عليه إخراج ما في ذمته، فإن عاد الضال بعد تفرقة الأول لزمه إخراج الضال، وهل يجب ذلك أو يستحب؟ فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: يستحب؛ لأن ما في ذمته قد سقط بإخراج الأول.
والثاني: يجب: لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها أهدت هديين، فأضلتهما، فبعث إليها ابن الزبير بهديين، فنحرتهما، ثم عاد الضالان، فنحرتهما، وقالت: (هذه سنة الهدي). ولأنه لم يزل عن صفته الأولى وقد كانوا ملكوه بالتعيين، فلم يزل ملكهم عنه بضلاله.
وإن رجع الضال قبل تفرقة لحم الأول قال ابن الصباغ: لم يلزمه قال ويحتمل أن يقال أيضا: إنه واجب، كما إذا لم يجد ما يتطهر به فصلى، ثم وجد الماء للطهارة.
هذا إذا كان الذي عينه مثل الذي في ذمته، فإن كان الذي عينه دون الذي في ذمته، بأن عين شاة معيبة، قال ابن الحداد: لزمه ذبح ما عينه ولم يجزه عما في ذمته، كما إذا كانت عليه كفارة فأعتق عنها عبدا معيبا فإنه يعتق ولا يجزئه عن الكفارة.
وإن عين أعلى مما في ذمته، بأن عين بدنة أو بقرة عن شاة في ذمته لزمه نحرها، فإن هلكت قبل وصولها رجع الواجب إلى ما في ذمته، وهل يلزمه إخراج ما كان في ذمته قبل التعيين أو مثل الذي عين؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يلزمه إلا مثل الذي كان في ذمته؛ لأن المعين قد بطل بالهلاك، فرجع إلى ما في ذمته.
والثاني: يلزمه مثل المعين؛ لأنه أوجب الفضل بتعيينه.
وذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق": إن فرط فيه لزمه مثل الذي عين، وإن لم يفرط ففيه وجهان:
أحدهما: يلزمه مثل ما في ذمته.
والثاني: مثل الذي عين.
قال ابن الصباغ: والأول أصح.
وإن نتجت هذه الشاة المعينة فهل يتبعها ولدها؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يتبعها، ويكون ملكا للمهدي لأن ملك الفقراء لم يستقر فيها لأنه قد يصيبها عيب، فيعود الملك فيها إلى المهدي.
والثاني: يتبعها، وهو الصحيح؛ لأنها تعينت بالنذر، فصار كولد التي نذر ذبحها ابتداء، وعدم الاستقرار فيها لا يمنع من استتباع الولد، كالأمة المبيعة إذا ولدت في يد البائع، ثم هلكت.
فإذا قلنا بهذا: فهلكت الأم، أو أصابها عيب وقلنا: تعود إلى ملك المهدي فما حكم الولد؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: وهو الأظهر -: أنه يكون ملكا للفقراء، كما نقول في الأمة المبيعة إذا ولدت في يد البائع ثم هلكت.
والثاني: أنه يعود إلى ملك المهدي تبعا لأمه.

.[مسألة:لا يشترط خروج الهدي إلى عرفة]

ليس من شرط الهدي إيقافه بعرفات، وروي: (أن ابن عمر كان لا يرى الهدي إلا ما عرف به، ووقف مع الناس، ولا يدفع به حتى يدفع الناس).
وقال سعيد بن جبير: البدن والبقر لا يصلح ما لم يعرف.
وقال مالك: (أحب للقارن أن يسوق هديه من حيث يحرم، فإن ابتاعه دون ذلك مما يلي مكة فلا بأس بذلك بعد أن يقفه بعرفات).
وقال في هدي المجامع: (إن لم يكن ساقه، فليشتره بمكة، ثم ليخرجه إلى الحل وليسقه منه إلى مكة، ولينحره بها). دليلنا: ما روي عن عائشة: أنها قالت: (إن شئت فعرف، وإن شئت فلا تعرف) ولأنه لا يشترط أن يطاف به، فلم يشترط أن يقف به بعرفة.

.[مسألة:الأيام المعدودات والمعلومات]

لا يختلف أهل العلم أن الأيام المعدودات هي: أيام التشريق، وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة.
وأما الأيام المعلومات: فهي عندنا: العشر الأول من ذي الحجة، وآخرها يوم النحر.
وقال مالك: (المعلومات ثلاثة أيام: يوم النحر، ويومان بعده). فالحادي عشر والثاني عشر عنده من المعلومات ومن المعدودات.
وقال أبو حنيفة: (المعلومات ثلاثة أيام: يوم عرفة، ويوم النحر، والحادي عشر).
وقال علي وابن عباس: (المعلومات أربعة أيام: يوم عرفة، ويوم النحر، ويومان بعده).
وفائدة الخلاف: أنه - عندنا - يجوز ذبح الهدايا والضحايا في أيام التشريق كلها.
وعند مالك: لا يجوز في اليوم الثالث.
دليلنا: أن الله تعالى ذكر الأيام المعلومات والمعدودات وخالف بينهما في التسمية، واختلاف التسمية يقتضي اختلاف المسميات. ولأن أيام التشريق كلها محل للذبح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنها أيام أكل وشرب وذبح»، يعني: أيام التشريق.
ونقول - في اليومين الأولين من أيام التشريق -: لأنه شرع فيهما رمي الجمار الثلاث، فلم تكن من المعلومات كاليوم الثالث، ونقول في الثالث؛ لأنه شرع فيه الرمي، فكان محلا للذبح، كيوم النحر.
فأما قول الله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28].
فلأن المتمتع والقارن لهما الذبح في العشر كلها، ولأنه يجوز سوق الهدي في العشر كلها، وذكر اسم الله تعالى عليها. ولأنه يجوز أن يضاف الشيء إلى جملة، ثم يقع على بعض تلك الجملة، ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [نوح: 15] {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 16].
فأضاف القمر إليهن وهو في واحدة منهن، كذلك يجوز أن يضيف الذبح إلى العشر، وهو في العاشر منها لا غيره. والله أعلم، وبالله التوفيق.

.[باب الأضحية]

الأصل في ثبوتها قَوْله تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2].
قيل في التفسير: هو النحر بعد صلاة العيد يوم النحر.
وقيل: هو وضع اليمين على اليسار تحت النحر في الصلاة.
وروى أنس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما».
فـ: (الأقرن): ما كان له قرنان.
وأما (الأملح): فقال الكسائي وأبو زيد: هو الذي فيه بياض وسواد، والبياض أغلب.
وقال ابن الأعرابي: (الأملح): الأبيض النقي البياض.
وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد، ويبرك في سواد، فأتي به ليضحي به، فقال لها: «يا عائشة هلمي المدية» ثم قال: «اشحذيها بحجر» ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه، وذبحه وقال: «بسم الله، اللهم تقبل من محمد، وآل محمد ومن أمة محمد».
قال أصحاب الحديث: معنى قولها: «يطأ في سواد، وينظر في سواد، ويبرك في سواد»: لكثرة شحمه ولحمه.
وقال أهل اللغة: كانت هذه المواضع منه سودا.
إذا ثبت هذا: فالأضحية سنة مؤكدة وليست بواجبة، وروي ذلك: عن أبي بكر وعمر وأبي مسعود البدري وابن مسعود وابن عباس، وابن عمر وبلال وإليه ذهب سعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود وأحمد وإسحاق.
وقال ربيعة والثوري ومالك وأبو حنيفة: (هي واجبة).
دليلنا: ما روى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أمرت بالنحر، وهي سنة لكم» وروى ابن عباس أيضا: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم: النحر، والوتر، وركعتا الفجر».
وقوله: «ولم تكتب عليكم " يشتمل على أنها ما فرضت ولا أوجبت، ولأنها إراقة دم لا تجب على المسافر، فلم تجب على الحاضر، كالعقيقة.

.[مسألة:وقت الأضحية]

ويدخل أول وقت الأضحية، إذا مضى بعد دخول وقت صلاة العيد قدر ركعتين وخطبتين، سواء صلى أو لم يصل، واختلف أصحابنا في قدر الصلاة والخطبتين:
فمنهم من قال: يعتبر أن يذهب قدر صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بـ: (قاف) و(اقتربت)، وقدر خطبتين كاملتين.
ومنهم من قال: الاعتبار بأن يذهب قدر ركعتين خفيفتين، وخطبتين خفيفتين.
وقال أبو حنيفة: (يدخل وقتها بالفعل، وهو: أن يفعل الإمام الصلاة والخطبة فإن تأخرت صلاة الإمام لم يجز الذبح قبلها، هذا في أهل المصر. فأما أهل السواد: فوقت الذبح في حقهم طلوع الشمس أو الفجر الثاني من يوم النحر؛ لأنه لا عيد على أهل السواد).
وقال مالك: (يدخل وقتها بصلاة الإمام وخطبته وذبحه، فإن تقدم على هذا لم يصح في أهل الأمصار، وأما أهل السواد: فوقت أهل كل موضع يعتبر بأقرب البلاد إليه).
وقال عطاء: يدخل وقتها من طلوع الشمس من يوم النحر.
دليلنا: ما روى البراء بن عازب قال: «خطب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم النحر بعد الصلاة فقال: «من صلى صلاتنا هذه، ونسك نسكنا فقد أصاب سنتنا، ومن نسك قبل صلاتنا فذلك شاة لحم، فليذبح مكانها». وأراد: من صلى مثل صلاتنا؛ لأن أحدا لا يصلي صلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما يصلي مثلها، ولأن كل ما كان وقتا للذبح في أهل المصر كان وقتا للذبح في حق أهل السواد، كما بعد الصلاة. وعكسها دلالة عليهم في أهل السواد، وهو: أن كل ما لم يكن وقتا لذبح أهل الأمصار لم يكن وقتا لأهل السواد، كما قبل طلوع الفجر.
ويبقى وقت الذبح إلى أن يذهب أيام التشريق، وقد مضى خلاف مالك فيها.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل أيام التشريق ذبح».
فإن ذهبت أيام التشريق ولم يذبح، فإن كانت الأضحية تطوعا لم تقع موقعها وتكون شاة لحم، وإن كانت نذرا لزمه أن يضحي، وكانت قضاء لا أداء، وقد مضى ذكرها.

.[فرع: يكره الذبح ليلا]

وإن ذبح ليلا كره أضحية كانت أو غير أضحية؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الذبح ليلا». ولأن الأضحية يتعذر تفريقها ليلا. فإن ذبحها ليلا أجزأه.
وقال مالك: (لا يجزئه، بل تكون شاة لحم).
دليلنا: أن الليل زمان يصح فيه الرمي، فصح فيه ذبح الأضحية، كالنهار.

.[مسألة:كراهة حلق شعر المضحي وتقليم أظفاره]

ومن دخل عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي كره له أن يحلق شعره أو يقلم ظفره حتى يضحي.
وقال أبو حنيفة ومالك: (لا يكره).
دليلنا: ما روت أم سلمة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس شيئا من شعره، ولا من بشره». فإن فعل ذلك لم يحرم.
وقال أحمد وإسحاق: (يحرم).
دليلنا: ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يقلدها هو بيده، ثم يبعث بها مع ابن الزبير، ولا يحرم عليه شيئا أحله الله له حتى ينحر الهدي». فأخبرت: أنه لم يحرم عليه شيء أحله الله تعالى له حتى نحر الهدي. والأضحية كانت واجبة عليه، فإذا دخلت العشر فلا بد أن يريد أن يضحي. ولأنه لا يحرم عليه الطيب واللباس، فلا يحرم عليه حلق الشعر وتقليم الظفر، كما قبل العشر، وأما الخبر: فحمله على الاستحباب.

.[مسألة:جواز الأضحية في كل مكان]

قال الشافعي: (وإذا ضحى الرجل في بيته وقع الموقع).
وهذا كما قال: تجوز الأضحية في الحل والحرم، بخلاف الهدي، فإنه لا يجوز إلا في الحرم: لـ: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بالمدينة)، وهو إجماع المسلمين لم يزل الناس يضحون في منازلهم وحيث كانوا من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى وقتنا هذا، من غير أن ينكره منكر، أو يرده راد. وليس كذلك الهدي: لـ: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبعث بهداياه إلى مكة) ولأن القصد بالهدي سد خلة مساكين الحرم، والقصد بالأضحية سد خلة المساكين حيث كانوا.

.[مسألة:ما يجزئ في الأضحية وسنه]

ولا يجوز في الأضحية إلا الأنعام، وهي: الإبل، والبقر، والغنم.
فإن ضحى بغيرها من الحيوان المأكول لم يقع موقع الأضحية؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28].
قال أهل التفسير: و(الأنعام): هي الإبل، والبقر، والغنم.
وأما سن ما يضحى به منها: فلا يجزئ إلا الثني من الإبل، والبقر، والمعز والجذع من الضأن.
فـ (الثني من الإبل) ما استكمل خمس سنين، و(الثني من البقر والمعز) ما استكمل سنتين، و(الجذع من الضأن) ما استكمل سنة. هكذا ذكره الشيخ أبو حامد في "التعليق"، وذكر ابن الصباغ: أنها تجذع لثمانية أشهر، إذا كان بين هرمين، ولستة أشهر أو سبعة، إذا كان بين شابين.
وقال ابن عمر والزهري: (لا يجزئ إلا الثني من الكل) مخالفا في الجذع من الضأن.
وقال عطاء والأوزاعي: (يجزئ الجذع من جميع الأجناس).
دليلنا - على ابن عمر والزهري -: ما «روى زيد بن خالد قال: قسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أصحابه ضحايا، فأعطاني عتودا جذعا، فرجعت به إليه، فقلت له: يا رسول الله إنه جذع، فقال: «ضح به» فضحيت به».
وروى عقبة بن عامر قال: «كنا نضحي مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجذع من الضأن».
«وروى ابن عباس قال: جلبت غنما جذعانا إلى المدينة فكسدت علي، فلقيت أبا هريرة فسألته، فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «نعم الأضحية الجذع من الضأن»، قال: فانتهبها الناس».
وأما الدليل - على الأوزاعي وعطاء -: ما روى جابر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» وروي عن البراء بن عازب قال: «ضحى أبو بردة بن نيار قبل الصلاة، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شاتك شاة لحم» قال: فإن عندي جذعة من المعز، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ضح بها، فإنها تجزيك، ولا تجزي أحدا بعدك» هكذا روي بفتح التاء، وهو مأخوذ من قولهم جزى عني الأمر يجزي، ولا همزة فيه، ومعناه: «لا تقضي عن أحد بعدك».
قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 123].
ويجوز الذكر والأنثى، وقد مضى ذلك في الهدي.

.[مسألة:الأفضل من النعم وما يستحب في صفتها]

والثني من الإبل أفضل من الثني من البقر، والثني من البقر أفضل من الجذع من الضأن ومن الثني من المعز، والجذع من الضأن أفضل من الثني من المعز، والشاة أفضل من مشاركة سبعة في بدنة أو بقرة. وبه قال أبو حنيفة وأحمد.
وقال مالك: (الجذع من الضأن أفضل من الثني من الإبل والبقر لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أفضل الذبح الجذع من الضأن ولو علم الله خيرا منها لفدى به إسماعيل)
دليلنا: ما روى جابر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن».
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في الجمعة: «من راح من الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة»، فجعل البدنة أفضل مما عداها، وجعل البقرة أفضل من الكبش، فدل على ما قلناه.
وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفضل الذبح الجذع من الضأن» فأراد من الغنم.
كما روي عن أم سلمة: أنها قالت: (لأن أضحي بالجذع من الضان أحب إلي من أن أضحي بالمسنة من المعز).
وأما لون الأضحية: فالمستحب أن يكون أبيض، فإن لم يكن فالأعفر. وهو: الأغبر - فإن لم يكن فالأبلق - وهو: الذي بعضه بياض وبعضه سواد - فإن لم يكن فالأسود؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بكبشين أملحين».
وقد قال ثعلب: (الأملح): هو الأبيض الشديد البياض.
وقال ابن عباس: (البيض أحسن). ولان الأبيض أطيب لحما.
ويستحب أن يكون ما يضحى به سمينا؛ لما روي عن ابن عباس في قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]
والعيوب في الأضحية ضربان: ضرب: يمنع الإجزاء، وضرب: يكره ولا يمنع الإجزاء
فأما (العيوب التي تمنع الإجزاء): فنص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها على أربعة، وقيس عليها ما كان في معناها، وذلك أن البراء بن عازب روى: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام خطيبا وقال: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها - وروي: البين ظلعها -، والكسير التي لا ينقى»، وروي: «العجفاء التي لا تنقي».
فنص على العوراء؛ لأن عينها قد ذهبت، وهي عضو مستطاب، وقد قيل: إنها إذا كانت عوراء لا تستوفي المرعى؛ لأنها لا تشاهد المرعى من ناحية عينها العوراء. وإذا لم تجز العوراء فالعمياء أولى أن لا تجوز. ونص على المريضة، قال أصحابنا: وأراد الجرباء؛ لأنه يفسد لحمها، سواء قل أو كثر، والنفس تعاف أكله.
ونص على العرجاء، وهي: التي إحدى رجليها ناقصة عن الأخرى، فإن كان عرجا بينا، وهو الذي يمنعها السير مع الغنم والمشاركة في طيب العلف، فتهزل لذلك فلا تجزئ للخبر، وإن كان عرجا يسيرا لا يمنعها ذلك أجزأت.
ونص على العجفاء، وهي: المهزولة الشديدة الهزال، والكسير كذلك؛ لأن المقصود بالأضحية اللحم، ولا لحم بها، وإنما هي عظام مجتمعة، وقوله: «لا تنقي " يعني: لا نقي فيها، وهو المخ، يقال: بالخاء والحاء، قال الشاعر:
لا يشتكين عملا ما أنقين ** ما دام مخ في سلامى أو عين

وروى عقبة بن عتبة قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المصفرة، والمستأصلة والبخقاء، والمشيعة، والكسراء».
فأما (المصفرة): فهي التي قطعت أذنها حتى يرى صماخها، فلا تجزئ للخبر ولأن الأذن عضو مستطاب.
وأما (المستأصلة): فهي التي كسر قرنها وعضب من أصله، فتكره للخبر، وتجزئ؛ لأنه لا يقدح في لحمها.
وأما (البخقاء): فهي العوراء، وقد مضى ذكرها.
وأما (المشيعة): فهي التي تتأخر عن الغنم، فإن كان ذلك لهزال أو علة لم تجز؛ لأنها عجفاء، وإن كان ذلك عادة وكسلا أجزأه.
وفي التي قطع ضرعها أو أليتها وجهان، حكاهما الطبري في "العدة":
أحدهما: لا يجوز، كالتي قطعت أذنها.
والثاني: يجوز؛ لأن الذكر من المعز لا ألية له ولا ضرع.
وأما (العيوب التي لا تمنع الإجزاء وتكره): فهي أن يضحي بـ (الجلحاء): وهي التي لم يخلق لها قرن.
وبـ (العصماء): وهي التي انكسر ظاهر قرنها - وهو غلافه - وبقي باطنه، وهو المشاش الأحمر.
وبـ (العضباء): وهي التي انكسر ظاهر القرن وباطنه، فهؤلاء تكره الأضحية بهن وتجزئ.
وقال النخعي: لا تجزئ الجلحاء.
وقال مالك: (ينظر في العضباء: فإن دمي القرن لم تجزه، وإن لم يدم جاز)
دليلنا: حديث البراء بن عازب: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أربع لا تجوز في الأضاحي» فدل على: أن ما عداها مما ليس بمعناها يجوز. ولأن عدم القرن لا يؤثر في اللحم، فلم يمنع الإجزاء، كما لو كانت مجزوزة الصوف.
ومن العيوب التي لا تمنع الإجزاء وتكره: ما روي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال: «أمرنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نستشرف العين والأذن، ولا نضحي بعوراء، ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا خرقاء، ولا شرقاء».
فقوله: (نستشرف العين والأذن) أي: نشرف عليهما ونتأملهما.
فأما (العوراء): فقد مضى ذكرها.
وأما (المقابلة): فهي التي قطع من مقدم أذنها شيء وبقي معلقا بها، كالزنمة.
وأما (المدابرة): فهي ما قطع من مؤخر أذنها كذلك.
وأما (الخرقاء): فهي التي تكون أذنها مثقوبة من الكي.
وأما (الشرقاء): فهي المشقوقة الأذن باثنتين، هكذا حكاه أبو عبيد عن الأصمعي، ولم يذكر في "التعليق" و "الشامل" غيره وذكر في "المهذب": أن (الشرقاء) هي: التي تثقب من الكي أذنها، و(الخرقاء): هي التي تشق أذنها بالطول عكس ما ذكروه.
والبغداديون من أصحابنا قالوا: إن هذه العيوب في الأذن لا تمنع الإجزاء وتكره؛ لأنه لا يؤثر في لحمها ولا ينقصه.
وذكر المسعودي في "الإبانة"هل يجزئه؟ فيه وجهان. وإن أبين من أذنها شيء لم تجز وجها واحدا. قال: وكذلك الوجهان في الموسومة التي لم يبن من بدنها شيء.