فصل: البحث الأول: المراد بالخطاب في بني إسرائيل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

بقي هاهنا أبحاث:

.البحث الأول: المراد بالخطاب في بني إسرائيل:

قال ابن زيد: أراد به المؤمنين منهم لأن عصاتهم مسخوا قردة وخنازير على ما قال تعالى: {وجعل منهم القردة والخنازير} [المائدة: 60] وقال: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل} [المائدة: 78].

.البحث الثاني: الحكمة من إيراد خطاب بني إسرائيل:

أن جميع ما خاطب الله تعالى به بني إسرائيل تنبيه للعرب لأن الفضيلة بالنبي قد لحقتهم، وجميع أقاصيص الأنبياء تنبيه وإرشاد.
قال الله تعالى: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} [الزمر: 18]، وقال: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم} [الزمر: 55].
وقال: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولِي الألباب} [يوسف: 111].
ولذلك روى قتادة قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول: قد مضى الله بنو إسرائيل وما يغني ما تسمعون عن غيركم.

.البحث الثالث: معنى النعمة:

قال القفال: النعمة بكسر النون المنة وما ينعم به الرجل على صاحبه.
قال تعالى: {وتلك نعمة تمنها عليَّ} [الشعراء: 22] وأما النعمة بفتح النون فهو ما يتنعم به في العيش، قال تعالى: {ونعمة كانوا فيها فاكهين} [الدخان: 27].

.البحث الرابع: مسألة الصلاح والأصلح في حق الله تعالى:

قوله تعالى: {وأني فضلتكم على العالمين} يدل على أن رعاية الأصلح لا تجب على الله تعالى لا في الدنيا ولا في الدين لأن قوله: {وأني فضلتكم على العالمين} يتناول جميع نعم الدنيا والدين، فذلك التفضيل إما أن يكون واجبًا أو لا يكون واجبًا، فإن كان واجبًا لم يجز جعله منة عليهم لأن من أدى واجبًا فلا منة له على أحد وإن كان غير واجب مع أنه تعالى خصص البعض بذلك دون البعض، فهذا يدل على أن رعاية الأصلح غير واجبة لا في الدنيا ولا في الدين.
فإن قيل: لما خصهم بالنعم العظيمة في الدنيا، فهذا يناسب أن يخصهم أيضًا بالنعم العظيمة في الآخرة كما قيل: إتمام المعروف خير من ابتدائه، فلم أردف ذلك التخويف الشديد في قوله: {واتقوا يومًا}؟
والجواب: لأن المعصية مع عظم النعمة تكون أقبح وأفحش فلهذا حذرهم عنها.

.البحث الخامس: بَيَانُ أَيِّ فِرَقِ العَالَمِ أَفْضَلُ:

في بيان أن أي فرق العالم أفضل يعني أن أيهم أكثر استجماعًا لخصال الخير؟ اعلم أن هذا مما وقع فيه النزاع الشديد بين سكان النواحي فكل طائفة تدعي أنها أفضل وأكثر استجماعًا لصفات الكمال ونحن نشير إلى معاقد الكلام في هذا الباب بتوفيق الله تعالى وعونه. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى لبني إسرائيل {وأني فضلتكم على العالمين} لا يعارض قوله تعالى في تفضيل هذه الأمة {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110]، لأن المراد بالعالمين عالم زمانهم بدليل الآيات والأحاديث المصرحة، بأن هذه الأمة أفضل منهم كحديث معاوية بن حيدة القشيري في المسانيد والسنة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- «أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها، وأكرمها على الله».
ألا ترى أن الله جعل المقتصد منهم هو أعلاهم منزلة حيث قال: {منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون} [المائدة: 66] وجعل في هذه الأمة درجة أعلى من درجة المقتصدة وهي درجة السابق بالخيرات حيث قال تعالى: {ومنهم سابق بالخيرات} [فاطر: 32]. اهـ.

.قال ابن كثير:

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)}.
يذكرهم تعالى سَالفَ نعمه على آبائهم وأسلافهم، وما كان فَضَّلهم به من إرسال الرسل منهم وإنزال الكتب عليهم وعلى سائر الأمم من أهل زمانهم، كما قال تعالى: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الدخان: 32]، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 20].
وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله تعالى: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال: بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان؛ فإن لكل زمان عالما.
ورُوي عن مجاهد، والربيع بن أنس، وقتادة، وإسماعيل بن أبي خالد نحوُ ذلك، ويجب الحمل على هذا؛ لأن هذه الأمة أفضل منهم؛ لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [آل عمران: 110] وفي المسانيد والسنن عن معاوية بن حَيْدَة القُشَيري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم تُوفُونَ سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله».
والأحاديث في هذا كثيرة تذكر عند قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وقيل: المراد تفضيل بنوع ما من الفضل على سائر الناس، ولا يلزم تفضيلهم مطلقًا، حكاه فخر الدين الرازي وفيه نظر. وقيل: إنهم فضلوا على سائر الأمم لاشتمال أمتهم على الأنبياء منهم، حكاه القرطبي في تفسيره، وفيه نظر؛ لأن {الْعَالَمِينَ} عام يشتمل من قبلهم ومن بعدهم من الأنبياء، فإبراهيم الخليل قبلهم وهو أفضل من سائر أنبيائهم، ومحمد بعدهم وهو أفضل من جميع الخلق وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)}.
أشْهَدَ بني إسرائيل فضل أنفسهم فقال: {وَأَنِّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العَالَمِينَ}.
وأشهد المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فضل نفسه فقال: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فِبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58].
فشتّان بين مَنْ مشهودُه فضلُ نفسه، وبين مَنْ مشهودُه فضل ربه؛ فشهود العبد فضل نفسه يوجب له الشكر وهو خطر الإعجاب، وشهود العبد فضل الحق- الذي هو جلاله في وصفه وجماله في استحقاق نعته- يقتضي الثناء وهو يوجب الإيجاب. اهـ.

.من فوائد الشوكاني في الآية:

قال رحمه الله:
قوله: {يا بنى إسراءيل اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} قد تقدم تفسيره، وإنما كرر ذلك سبحانه توكيدًا للحجة عليهم، وتحذيرًا لهم من ترك اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرنه بالوعيد، وهو قوله: {واتقوا يَوْمًا} وقوله: {وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ} معطوف على مفعول اذكروا أي: اذكروا نعمتي، وتفضيلي لكم على العالمين، قيل المراد بالعالمين عالم زمانهم، وقيل على جميع العالمين بما جعل، فيهم من الأنبياء.
وقال في الكشاف: على الجمّ الغفير من الناس كقوله: {بَارَكْنَا فِيهَا للعالمين} [الأنبياء: 71] يقال رأيت عالمًا من الناس: يراد الكثرة. انتهى.
قال الرازي في تفسيره: وهذا ضعيف؛ لأن لفظ العالم مشتق من العلم، وهو الدليل، وكل ما كان دليلًا على الله كان علمًا، وكان من العالم، وهذا تحقيق قول المتكلمين: العالم كل موجود سوى الله، وعلى هذا لا يمكن تخصيص لفظ العالم ببعض المحدثات. انتهى.
وأقول: هذا الاعتراض ساقط، أما أوّلا، فدعوى اشتقاقه من العلم لا برهان عليه، وأما ثانيًا: فلو سلمنا صحة هذا الاشتقاق كان المعنى موجودًا بما يتحصل معه مفهوم الدليل على الله الذي يصح إطلاق اسم العلم عليه، وهو كائن في كل فرد من أفراد المخلوقات التي يستدل بها على الخالق، وغايته أن جميع العالم يستلزم أن يكونوا مفضلين على أفراد كثيرة من المحدثات؛ وأما أنهم مفضلون على كل المحدثات في كل زمان، فليس في اللفظ ما يفيد هذا، ولا في اشتقاقه ما يدل عليه، وأما من جعل العالم أهل العصر، فغايته أن يكونوا مفضلين على أهل عصور، لا على أهل كل عصر، فلا يستلزم ذلك تفضيلهم على أهل العصر الذين، فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا على ما بعده من العصور، ومثل هذا الكلام ينبغي استحضاره عند تفسير قوله تعالى: {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكًا وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن العالمين} [المائدة: 20] وعند قوله تعالى: {وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين} [الدخان: 32] وعند قوله تعالى: {إِنَّ الله اصطفى آدَمَ وَنُوحًا وَءالَ إبراهيم وَءالَ عمران عَلَى العالمين} [آل عمران: 33] فإن قيل: إن التعريف في العالمين يدل على شموله لكل عالم.
قلت: لو كان الأمر هكذا لم يكن ذلك مستلزمًا لكونهم أفضل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم: لقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] فإن هذه الآية ونحوها تكون مخصصة لتلك الآيات. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِي التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}.
الذكر باللسان والقلب:
واختلفوا في الذكر باللسان فقط هل هو معتبر أم لا؟ ووجه مناسبتها لما قبلها أن الله تعالى كلفهم بالصلاة وأعلمهم بمشقتها وكان ذلك سببا في قنوطهم وإياسهم، وقلة طمعهم في الوفاء بها والخروج من عهدتها، وعقب ذلك ببيان أن الله تعالى منّ عليهم نعما في الماضي فليتذكروها لتذهب عنهم الأمور العادية، ويكونوا على بصيرة من الطمع والرجاء في فضل الله تعالى وإنعامه عليهم في المستقبل بالإعانة على تحصيل تلك العبادة من غير مشقة وجهد.
قال: وإنما نسبهم إلى يعقوب إن كان لهم أجداد غيره أنبياء لأنه أقرب جدّ إليهم.
لأن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام وعليهم.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بالبشرى} ثم قال: {وامرأته قَائمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} فإن قلت: ما الفائدة في قوله: {التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} ولو أسقطت لقيل: اذكروا نعمتي عليكم لما اختل المعنى؟
فالجواب: أنه أفاد اختصاص تلك النعمة بهم، وأنهم مقصودون بها، أي اذكروا نعمتي التي جعلتها خاصة لكم، لأنه أنعم عليهم نعما كثيرة، وذكرهم بما اختصهم به منها دون ما شاركهم الغير فيه، وأيضا فالإنعام على الشخص يطلق على ما ناله مباشرة وبواسطة كالإنعام على قريبه وصديقه فذكّروا بما أنالهم من النعمة مباشرة.
قوله تعالى: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين}.
قال ابن عطية: أي على عالمي زمانهم.
قال الزمخشري: أي على الجمّ الغفير.
قال ابن عرفة: جعله ابن عطية عاما في الأشخاص، خاصا في الأزمان وجعله الزمخشري بالعكس، والتخصيص في الزمان أولى لأن العام في الأشخاص مطلق في الأزمنة والأحوال، وفرق المنطقيون بين الكلية الدائمة والكلية المطلقة.
قرره ابن عرفة مرة أخرى فقال: الألف واللام عند ابن عطية للعهد، وعند الزمخشري للجنس، ونظيره كقولك: كل إنسان أبيض، إن أردت اعتبار الأمر الذهني فهو كاذب، وإن كان باعتبار الوجود الخارجي فهو صادق إذا كان أهل زمانك كلهم بيضا.
زاد الفخر الرازي: أنه عام في الأشخاص والأزمان مطلق في أنواع التفضيل.
فلعلّهم فضّلوا عليهم لفرع واحد إما بالتنصيص على أن منهم الأنبياء والملوك قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِياءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا} فقال ابن عرفة: هذه دلالة ظاهرة وليست نصا ولا ينبغي أن يصرح بكونهم أفضل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا في خصلة واحدة.
قال ابن عرفة: والنعمة تحتمل أن يراد بها أمر حسي والتفضيل معنوي فيكون الكلام تأسيسا، أو أن يكون عاما في جميع النصح فيكون وأنّي فضلتكم من عطف الخاص على العام أو مطلقة تصدق على واحدة غير معينة فيكون من عطف الأخص على الأعم وهو المقيد على المطلق. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)}.
يدّعي بعض الناس أن هناك تكرارًا. للآيات السبع التي سبق فيها تذكير بني إسرائيل. نقول: لا. لم تتكرر هذه الآيات.. وهي قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 40- 46].
هذه الآيات السبع كلها تذكر بني إسرائيل. برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذي جاء وصف صفاته وزمنه في التوراة ولتذكيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هو نعمة إليهم وإلى الناس جميعا. وإذا كان الله قد فضل بني إسرائيل بأن أرسل رسلا. فليس معنى ذلك أن ينكروا نعمة الله عليهم بالرسول الخاتم. وبما أن أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرت في التوراة وطلب منهم أن يؤمنوا به وينصروه فإن عدم إيمانهم به هو كفر بالتوراة. كما أن الإنجيل بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم وطلب منهم أن يؤمنوا به. فعدم إيمانهم به كفر بالإنجيل.
وقوله تعالى: {اذْكُرُواْ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} أي اذكروا أنني جعلت في كتابكم ما يثبت صدق محمد صلى الله عليه وسلم في نبوته. والمعنى اذكروا نعمتي بأني فضلتكم على العالمين ممن عاصروكم وقت نزول رسالة موسى. وجعلت منكم الأنبياء.
وما دام الحق سبحانه وتعالى قد فضلهم على العالمين، فكيف يمّن عليهم؟ نقول الّمن هنا لشدة النكاية بهم. فالله سبحانه وتعالى. لشدة معصيتهم وكفرهم جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت.
واقرأ قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65].
وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذالِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَائِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 60].
فالله سبحانه وتعالى يبين لنا كيف كفر بنو إسرائيل بأنبيائهم وقتلوهم. رغم أن الله تعالى أعطاهم خيرا كثيرا.. ولكنهم نكثوا العهد.. فاستحقوا العذاب. فهم لم يجعلوا نعمة الله عليهم سببا في إخلاصهم والإيمان به سبحانه وتصديق منهجه. وتصديق الرسول الخاتم الذي ذكر عندهم في التوراة. كان يجب أن يؤمنوا بالله وأن يذكروا نعمه الكثيرة التي تفضل بها عليهم.
والحق يريد أن يلفتنا إلى أنه ما دام قد أنعم عليهم.
فلا يظنون أنهم غير مطالبين بالإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام. إنما كان لابد أن يفهموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليصحح لهم كتابهم. ويوضح لهم الطريق الصحيح.. فكان يجب عليهم أن ينصروه. والنعمة لا يمكن أن تستمر مع الكفر بها. وحتى لا نظن أن الله سبحانه وتعالى قد قسا عليهم بأن جعلهم أمما متفرقة في الأرض كلها. ثم بعد ذلك يجمعون في وطن واحد ليقتلوا.. واقرأ قوله تعالى: {وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ} [الإسراء: 104].
أي أرض تلك التي طلب الله سبحانه وتعالى من بني إسرائيل أن يسكنوها؟ مادام الحق سبحانه وتعالى قال: {اسْكُنُواْ الأَرْضَ} فهي الأرض كل الأرض. وهل تكون الأرض كلها وطنا لليهود. طبعًا لا. ولكن الحق سبحانه كتب عليهم أن يتفرقوا في الأرض. فلا تكون لهم دولة إلا عندما يشاء الله أن يجمعهم في مكان واحد. ثم يسلط عليهم عباده المؤمنين. والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء: 4- 6].
هذه هي المرة الأولى التي انتصر فيها المسلمون على اليهود. يقول الحق سبحانه وتعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} وما دام الحق سبحانه وتعالى قال عليهم فهي على المسلمين. لأنهم هم الذين انتصروا على اليهود. وقوله تعالى: {وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} معناها أنهم ينتصرون على المسلمين وهذا ما هو حادث الآن، وما شاهدناه وما نشاهده في الفترة الأخيرة. أي أن المدد والقوة تأتيهم من الخارج وليس من ذاتهم.
ونحن نرى أن إسرائيل قائمة على جلب المهاجرين اليهود من الدول الأخرى وجلب الأموال والمساعدات من الدول الأخرى أيضا. أي أن كل هذا يأتيهم بمدد من الخارج. وإسرائيل لا تستطيع أن تعيش إلا بالمهاجرين إليها. وبالمعونات التي تأتيها. فالمدد لابد أن يأتي من الخارج. إذا كانت هناك معركة وطلب قائد المدد.. فمعناه أنه يريد رجالا يأتونه من خارج أرض المعركة ليصبحوا مددا وقوة لهذا الجيش. وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} النفير هو الصوت العالي الذي يجذب الانتباه. ونحن نرى الآن أن إسرائيل تسيطر على وسائل الإعلام والدعاية في العالم. وأن صوتها عال ومسموع.. ويقول الحق سبحانه وتعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ}. ومعنى هذا أن المسجد الأقصى سيضيع من المسلمين ويصبح تحت حكم اليهود فيأتي المسلمون ويحاربونهم ويدخلون المسجد كما دخلوه أول مرة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ويقول الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} واللفيف هو الجمع غير المتجانس.
الذي يتنافر مع نفسه ومع من حوله. وبما أن الله سبحانه وتعالى قد قضى أن يحدث قتال بين اليهود وبين المسلمين.. يستعيد فيه المسلمون المسجد الأقصى. فكان لابد أن يجمعهم في مكان واحد. لأنهم لو بقوا كجاليات متفرقة في كل دول العالم ومعزولة عن المجتمعات التي يعيشون فيها لاقتضى ذلك أن يحارب المسلمون العالم كله. ولكن الله سبحانه وتعالى سيأتي بهم من كل دولة إلى المكان الذي فيه بيت المقدس حتى يمكن أن يحاربهم المسلمون، وأن يدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة.
فالحق سبحانه وتعالى يذكر بني إسرائيل بنعمه عليهم. وبمعاصيهم وكفرهم حتى لا يقول أحد إن الله سبحانه كان قاسيا عليهم لأنهم هم الذين كفروا. وهم الذين عصوا وأفسدوا في الأرض. فاستحقوا هذا العقاب من الله سبحانه وتعالى. اهـ.