فصل: الحكم الثالث: ما هي عدة الحامل؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الحكم الثاني: ما المراد من قوله تعالى: {إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر}؟

قال الجصاص: غير جائز أن يكون المراد به الارتياب في الإياس؛ لأنا إذا شككنا هل بلغت سن اليأس لم نقل عدتها ثلاثة أشهر.
واختلف أهل العلم في (الريبة) المذكورة في الآية على أقوال:
اختار الطبري: أن يكون المعنى إن شككتم فلم تدروا ما الحكم فيهن؟ فالحكم أن عدتهن ثلاثة أشهر. وهو قول الجصاص فقد قال: وذكر الارتياب في الآية إنما هو على وجه ذكر السبب الذي نزل عليه الحكم فكان بمعنى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر... ونقل عن مجاهد.
وقال مجاهد: الآية واردة في المستحاضة أطبق بها الدم لا تدري أهو دم حيض أو دم علة.
وقال عكرمة وقتادة: من الريبة المرأة المستحاضة التي لم يستقيم لها الحيض، تحيض في أول الشهر مرارا وفي الأشهر مرة.
وقيل: إنه متصل بأول السورة والمعنى لا تخرجوهن من بيوتهن إن ارتبتم في انقضاء العدة.
قال القرطبي: وهو أصح ما قيل فيه.
وقال الزجاج: المعنى إن ارتبتم في حيضهن، وقد انقطع عنهن الدم وكن ممن يحيض مثلهن.
وقيل: إن ارتبتم أي تيقنتم وهو من الأضداد.

.الحكم الثالث: ما هي عدة الحامل؟

نصت الآية على أن الحامل تنتهي عدتها بولادتها، ودل قوله تعالى في سورة البقرة: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} [البقرة: 234] على أن عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا، فإذا كانت المتوفى عنها زوجها حاملا فبأي الأجلين تأخذ؟ ولم يختلف السلف والخلف أن عدة المطلقة الحامل أن تضع حملها، واختلفوا في المتوفى عنها زوجها.
قال الجمهور: عدة المتوفى عنها زوجها الحامل أن تضع حملها.
وقال علي وابن عباس: {وأولات الأحمال} في المطلقات، وأما المتوفى عنها فعدتها أبعد الأجلين، فلو وضعت قبل أربعة أشهر وعشر صبرت إلى آخرها.
حجة الجمهور:
استدل الجمهور بحديث سبيعة الأسلمية أنها كانت تحت (سعد بن خوله) وهو ممن شهد بدرا فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها رجل من بني عبد الدار فقال لها: مالي أراك متجملة، لعلك ترتجين النكاح؟ إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرا.
قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي.
وعن ابن مسعود أنه بلغه أن عليا يقول: تعتد آخر الأجلين فقال: ما شاء لاعنته، ما نزلت: {وأولات الأحمال} إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها.
قال أبو بكر الجصاص: أفاد قول ابن مسعود أن الآية مكتفية بنفسها في إفادة الحكم على عمومها، غير مضمنة بما قبلها من ذكر المطلقة فوجب اعتبار الحمل في الجميع، من المطلقات، والمتوفى عنهن أزواجهن.

.الحكم الرابع: هل للمطلقة ثلاثا سكنى ونفقة؟

لا خلاف بين العلماء في إسكان المطلقات الرجعيات، واختلفوا في المطلقة ثلاثا على أقوال:
ذهب مالك والشافعي: ورواية عن أحمد إلى أن لها السكنى ولا نفقة لها.
وذهب أبو حنيفة وأصحابه أن لها السكنى والنفقة ما دامت في العدة.
وذهب أحمد وغيره إلى أنها لا نفقة لها ولا سكنى.
دليل المذهب الأول:
قوله تعالى: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}. وذلك أن الله سبحانه لما ذكر السكنى أطلقها لكن مطلقة، فلما ذكر النفقة قيدها بالحمل، فدل على أن المطلقة البائن لا نفقة لها.
دليل المذهب الثاني:
1- قوله تعالى: {ولا تضآروهن لتضيقوا عليهن} وترك النفقة من أكبر الإضرار وفي إنكار عمر على فاطمة قولها ما يبين هذا.
2- ولأنها معتدة تستحق السكنى عن طلاق فكانت لها النفقة كالرجعية.
3- ولأنها محبوسة عليه لحقه فاستحق النفقة كالزوجة.
4- أن السكنى لا كانت حقا في مال، وقد أوجبها الله لها بنص الكتاب إذ كانت الآية قد تناولت المبتوتة والرجعية، فقد اقتضى ذلك وجوب النفقة إذا كانت السكنى حقا في مال وهي بعض النفقة.
دليل المذهب الثالث:
1- حديث فاطمة بنت قيس: أنه طلقها زوجها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان أنفق عليها نفقة دون، فلما رأت ذلك قالت: والله لأعلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان لي نفقة أخذت الذي يصلحني، وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ شيئا.
قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا نفقة لك ولا سكنى».
وفي رواية «إنما السكنى والنفقة على من له عليها رجعة».
2- إن النفقة إنما تجب لأجل التمكين من الاستمتاع بدليل أن الناشز لا نفقة لها.
وللعلماء في مناقشة الأدلة كلام طويل ينظر في كتب الفروع.

.الحكم الخامس: على من يجب الرضاع؟

قال المالكية: رضاع الولد على الزوجة ما دامت الزوجية إلا لشرف الزوجة وموضعها فعلى الأب رضاعة يومئذ في ماله، فإن طلقها فلا يلزمها رضاعة إلا أن يكون غير قابل ثدي غيرها فيلزمها رضاعه.
وقال الحنفية: لا يجب الرضاع على الأم بحال.
وقيل: يجب الرضاع على الأم في كل حال.

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

أولا: المرأة اليائسة من الحيض، والصغيرة التي لم تحض، إذا طلقتا فعدتهما ثلاثة أشهر.
ثانيا: المرأة الحامل تنقضي عدتها بوضع الحمل.
ثالثا: تقوى الله تعالى تيسر أمور المؤمن في الدنيا، وتكفر السيئات، وتعظم الأجر في الآخرة.
رابعا: المرأة المعتدة تسكن في منزل زوجها حتى تنقضي عدتها.
خامسا: على الرجل أن لا يضيق على المعتدة في النفقة أو السكنى ليجبرها على الخروج من منزله.
سادسا: نفقة الحامل تستمر حتى تضع الحمل، وإن طالت المدة.
سابعا: للمرأة الحق الكامل في أن تأخذ أجرة على إرضاع ولدها من الرجل.
ثامنا: الإنفاق يكون بحسب مال الرجل غنى وفقرا.
تاسعا: التكليف منوط بالقدرة التي مكن الله بها عبده.

.حكمة التشريع:

الزواج هو الأساس في بناء المجتمع الإسلامي، والطلاق هو السبيل لقطع علاقات الزوجين بعضهما من بعض، ولكن للزوجية آثارا قد يتأخر ظهورها وقتا، فجعل الله جل ثناؤه العدة تمكث المرأة فيها مدة من الزمن ينفق عليها مطلقها، ويسكنها في بيته، ليكون في أمان واطمئنان، وهي تحت نظره، إن ظهر حملها، فالولد ولده، وإن لم يظهر الحمل في مدة العدة، فلم يعد بين الرجل وزوجه أية علاقة تربطهما، هو بالنسبة إليها كسائر الرجال، وهي بالنسبة إليه كسائر النساء، لا تستطيع أن تطالبه بنسب، ولا نفقة، ولا غير ذلك.
وبهذا لم يظلم الإسلام المرأة حيث فرض لها النفقة، والسكنى ما دامت محبوسة لصالح الرجل، وأمن الرجل من جهة زوجه حيث كمثت مدة يتبين معها شغل رحمها أو فراغه.
وأما الحوامل فقد جعل الله تعالى عدتهن الوضع طال أمد الحمل بعد الطلاق أم قصر، وذلك لأن براءة الرحم بعد الوضع مؤكدة، فلا حاجة إلى الانتظار.
وأمر الله عز وجل الرجال أن يسكنوا النساء مما يجدون هم من سكن، وما يستطيعونه حسب مقدرتهم وغناهم، لا أقل مما هم عليه في سكناهم، ونهاهم أن يعمدوا إلى الإضرار بهن بالتضييق عليهن في فسحة المسكن، أو في المعاملة أثناء إقامتهن.
وخصت ذوات الأحمال بذكر النفقة مع وجوب النفقة لكل معتدة، لتوهم أن طول مدة الحمل يحدد زمن الإنفاق ببعضه دون بقيته، أو بزيادة المدة إذا قصرت مدة الحمل، فأوجب النفقة حتى الوضع، وهو موعد انتهاء العدة لزيادة الإيضاح التشريعي.
وأما الرضاع، فلم يجعله الله سبحانه واجبا على الأم دون مقابل، وما دامت ترضع الطفل المشترك بينهما، فمن حقها أن تنال أجرا على رضاعة تستعين به على حياتها، وعلى إدرار اللبن للطفل، وهذا منتهى المراعاة للأم في هذه الشريعة.
وفي الوقت ذاته أمر الأب والأم أن يأتمرا بينهما بالمعروف في شأن هذا الوليد، ويتشاورا في أمره، ورائدهما مصلحته- وهو أمانة بينهما- فلا يكون فشلهما هما في حياتهما نكبة على الصغير البريء.
والأمر منوط بالله في الفرج بعد الضيق، واليسر بعد العسر، فأولى لهما أن يعقدا به الأمر كله، ويتجها إليه، ويراقباه في كل أمرهما، وهو المانح المانع، القابض الباسط.
والزوجان يتفارقان- في ظل هذه التوجيهات القرآنية- وفي قلب كل منهما بذور للود لم تمت، وربما جاءها ما ينعشها في يوم من الأيام، إلى أدب رفيع يريد الإسلام أن يصبغ به حياة الجماعة المسلمة ويشيع فيها أرجه وشذاه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في وجد:

وجد مطلوبهُ يجِدهُ وُجودا، ويجْده بالضمّ لغة عامريّة لا نظير لها في باب المِثال.
ووجِد بكسر الجيم لغةٌ، قال جرير:
لمْ أر مِثْلكِ يا أُمام خلِيلا ** أنْأى بحاجتِنا وأحْسن قِيلا

لو شِئْتِ قدْ نقع الفؤادُ بشْربة ** تدعُ الصّوادِى لا يجِدْن غلِيلا

بالعذْبِ من وصْفِ القِلاتِ مقِيلة ** قضّ الأباطحِ لا يزالُ ظلِيلا

ووجد ضالّته وِجْدانا.
ووجد عليه في الغضب يجِدُ ويجُدُ موْجِدة ووجْدانا أيضا، حكاها بعضهم: ووجد في الحُزْن وجْدا.
ووجد في المال وُجْدا ووجْدا وجِدة: استغنى.
وقرأ الأعرج ونافعٌ ويحْيى بن يعْمُر وسعِيد بنُ جُبيْرٍ وطاوُسُ وابنُ أبى عيْلة وأبو حيْوة وأبو البرهْسم {مِنْ وجْدِكم} بفتح الواو، وقرأ أبو الحسن روْحُ بنُ عبدِ المؤمِن {مِنْ وِجْدِكم} بالكسْرِ، والباقون: {مِنْ وُجْدِكم} بالضمّ. ووجد في الحُبّ وجْدا لا غير، قالت شاعرةٌ:
منْ يُهْدِ لىِ من ماءِ نقعاء شرْبة ** فإِنّ له مِنْ ماءِ لِينة أرْبعا

لقد زادنا وجْدا بنقْعاء أنّنا ** وجدْنا مطايانا بِلِينة ظُلّعا

فمن مُبْلغ تِرْبىّ بالرمءل أنّنىِ ** بكيْتُ فلم أتْرُك لِعيْنىّ مدْمعا

قال أبو القاسم الأصبهانىّ: الوُجودُ أضْرُبٌ: وُجودٌ بإِحدى الحواسِّ الخمس نحو: وجدْتُ زيدا، ووجدْت طعْمه ورائحته وصوْته وخُشونته، ووجُودٌ بقوّة الشهْوة نحو: وجدْتُ الشِبع، ووجُودٌ بقوّةِ الغضب، كوُجود الحُزْنِ والسّخط، ووجودٌ بالعقْل أو بوساطةِ العقل، كمعْرفة الله تعالى ومعْرِفة النُبّوة.
وما نُسِب إِلى الله تعالى من الوُجودِ فبمعنى العِلْم المجرّد إِذْ كان الله تعالى مُنزّها عن الوصْف بالجوارح والآلاتِ نحو قوله تعالى: {وما وجدْنا لأكْثرِهِم مِّنْ عهْدٍ وإِن وجدْنآ أكْثرهُمْ لفاسِقِين} وكذا المعدوم يُقال على ضدّ هذه الأوجه.
ويُعبّر عن التمكُّن من الشيءِ بالوُجود نحو: {فاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِين حيْثُ وجدتُّمُوهُمْ} أي حيث رأيتموهم.
وقوله: {إِنِّي وجدتُّ امْرأة تمْلِكُهُمْ}، وقوله: {وجدتُّها وقوْمها يسْجُدُون للشّمْسِ}، وقوله: {ووجد الله عِندهُ فوفّاهُ حِسابهُ} وُجودٌ بالبصِيرة، وكذا قوله: {وجدْنا ما وعدنا ربُّنا حقّا}.
وقوله: {فلمْ تجِدُواْ ماء فتيممواْ} أي إِن لم تقْدِرُوا على الماءِ وقوله: {مِنْ حيْثُ سكنتُم مِّن وُجْدِكُمْ} أي من تمكُّنِكم وقدْرِ غِناكُمْ.
وقال: بعضهم: الموجوداتُ ثلاثةُ أضْرُبٍ: موجود لامبْدأ له ولا مُنْتهى، وليس ذلك إِلاّ البارِى تعالى، وموجودٌ له مبدأُ ومُنْتهى كالجواهِر الدُّنْيوِيّة؛ وموجودٌ له مبداٌّ وليس له مُنْتهى كالنّاسِ في النّشأةِ الآخِرة.
وأوْجده الله: أغْناه، وأوْجده مطْلُوبه: أظْفره به.
وأوْجده على الأمْرِ: أكْرهه.
ووجِد عن عدمِ فهو موجُودٌ، كحُمّ فهو محْمُومٌ، ولا يُقال وجده الله، وإِنّما يقال: أوْجده الله. اهـ.