فصل: القمر في القرآن الكريم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



من الإعجاز العلمي في القرآن: للدكتور زغلول النجار.
بحث بعنوان: من أسرار القرآن:

.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزى دلالتها العلمية: {والقمر إذا تلاها}:

بقلم: زغلول النجار.
هذه هي الآية الثانية من سورة الشمس.
وهي سورة مكية.
آياتها 15 بدون البسملة.
وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بالقسم بالشمس في الآيات الأربع الأولى منها ضمن قسم مطول بتسع من آيات الله في الكون على فلاح الإنسان في الدنيا والآخرة إذا زكي نفسه بتقوى الله، وعلى خيبته فيهما إذا لم يلزمها بتقوى الله، ولم يزكها، وتركها على هواها تغرق في ظلمات الضلال، وتهوي في دياجير الفجور ومتاهاته، وتندس في وحل الرذيلة ودنسه فلا تري النور أبدا..!!
والمحور الرئيسي لهذه السورة القصيرة يدور حول طبيعة النفس الإنسانية، واستعداداتها الفطرية لكل من الخير والشر، لأن الله تعالى قد خلق الانسان، وجعل له إرادة حرة، يختار بها بين الإيمان والكفر، وبين الإصلاح في الأرض أو الإفساد فيها. وعلي أساس من اختياره يكون فلاحه في الدنيا والآخرة أوخيبته فيهما، وهذه هي مسئولية الإنسان صاحب الإرادة الحرة عن نفسه، وتبعته عن مصيرها، فهو إما معتقها من العذاب أو موبقها فيه، وهي حقيقة يقسم عليها ربنا تبارك وتعالى (وهو الغني عن القسم)، بتسع من آياته الكونية الكبري في الآفاق والأنفس فيقول عز من قائل: {والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وماسواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} (الشمس: 1- 10).
وكنموذج للخيبة البشرية في الدنيا والآخرة تضمنت الآيات الخمس الأخيرة من تلك السورة المباركة قصة ثمود قوم نبي الله صالح على نبينا وعليه من الله السلام وعلى كل أنبياء الله أجمعين، وكيف أنهم بظلمهم وطغيانهم قد كذبوا رسول الله إليهم، وخالفوا نصحه لهم، وانبعث شقي من أشقيائهم ليتزعم إعلان المعصية على الله ورسوله، وتابعه قومه في ذلك فعقروا الناقة التي جعلها الله تعالى لهم آية فاستحقوا بذلك غضب الله عليهم، وعقابه المدمر لهم الذي نزل عليهم فأهلكهم، ولا يخشى ربنا تبارك وتعالى عاقبة ما يفعل لأنه سبحانه وتعالى رب هذا الكون ومليكه، لا شريك له في ملكه، ولا منازع له في سلطانه، وهو سبحانه {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} (الأنبياء: 23).
وقد سبق وأن ناقشنا الآية الأولى من هذه السورة المباركة، ونناقش اليوم الآية الثانية منها، والتي يقسم فيها ربنا تبارك وتعالى- وهو الغني عن القسم- بقوله العزيز: {والقمر إذا تلاها}، لنبين جانبا من جوانب القدرة الإلهية في إبداع خلق القمر، وفي قيمة هذا التابع الصغير للأرض في إنارتها بمجرد غياب الشمس، والسبق القرآني بالإشارة إلى موالاة القمر للشمس في غروبه وشروقه، وقبل الدخول في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذا القسم العظيم.
من أقول المفسرين في تفسير القسم الثاني من سورة الشمس والذي يقول فيه ربنا تبارك وتعالى:
{والقمر إذا تلاها}
ذكر ابن كثير يرحمه الله ما نصه:
قال مجاهد: تبعها، وقال ابن عباس: يتلو النهار، وقال قتادة: إذا تلاها ليلة الهلال إذا سقطت الشمس رئي الهلال، وقال ابن زيد: هو يتلوها في النصف الأول من الشهر، ثم هي تتلوه وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر..
وجاء في تفسير الجلالين (رحم الله كاتبيه) ما نصه: تبعها طالعا عند غروبها فنور القمر لا يظهر إلا إذا غربت الشمس.
وجاء في الظلال (على كاتبه من الله الرضوان) ما نصه: إذا تلا الشمس بنوره اللطيف الشفيف الرائق الصافي.. وبين القمر والقلب البشري ود قديم موغل في السرائر والأعماق، غائر في شعاب الضمير، يترقرق ويستيقظ كلما التقي به القلب في أي حال. وللقمر همسات وإيحاءات للقلب، وسبحات وتسبيحات للخالق، يكاد يسمعها القلب الشاعر في نور القمر المنساب.. وإن القلب ليشعر أحيانا أنه يسبح في فيض النور الغامر في الليلة القمراء، ويغسل أدرانه، ويرتوي، ويعانق هذا النور الحبيب ويستروح فيه روح الله.
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن (رحم الله كاتبه برحمته الواسعة) ما نصه: {والقمر إذا تلاها} أي: تبعها وخلفها في الإضاءة (والصحيح هو: في الإنارة)، بأن يطلع مضيئا (والصحيح هو: منيرا) بعد غروبها، آخذا من نورها (والصحيح: من ضوئها)، سواء كان ذلك من غير تراخ، وهو في النصف الأول من الشهر، أو بعد مدة وهو في النصف الثاني منه.
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم (جزاهم الله خيرا) ما نصه: وبالقمر إذا تبعها وخلفها في الإضاءة (والصحيح هو: في الإنارة) بعد غروبها.
وجاء في صفوة التفاسير (جزى الله كاتبه خيرا) ما نصه:
{والقمر إذا تلاها} أي وأقسم بالقمر إذا سطع مضيئا (والصواب هو: منيرا)، وتبع الشمس طالعا بعد غروبها، قال المفسرون: وذلك في النصف الأول من الشهر، إذا غربت الشمس تلاها القمر في الإضاءة (والصحيح هو: في الإنارة) وخلفها في النور (والصحيح هو: بنوره).... والشمس والقمر مخلوقان لمصالح البشر، والقسم بهما للتنبيه على مافيهما من المنافع العظيمة.

.القمر في القرآن الكريم:

جاء ذكر القمر في القرآن الكريم سبعا وعشرين مرة في ست وعشرين آية لتكرر ذكره مرتين في آية منها هي الآية رقم 37 من سورة فصلت، كما جاء ذكر القمر بالإشارة إلى مراحله تحت مسمى الأهلة مرة واحدة.
وهذه الآيات يمكن تصنيفها في ثماني مجموعات كما يلي:
(أ) آيتان تصفان القمر في رؤيتين من رؤي أثنين من رسل الله أحدهما ابراهيم والآخر يوسف على نبينا وعليهما من الله السلام، وإحدي هاتين الرؤيتين كان في حال اليقظة والأخرى في حالة المنام على النحو التالي:
(1) {فلما رأي القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين}
(الأنعام: 77).
(2) {إذ قال يوسف لأبيه ياأبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}
(يوسف: 4).
(ب) آيتان تصفان الشمس والقمر مرة بأنهما حسبانا (أي وسيلة لحساب الزمن) والأخرى بأنهما بحسبان (أي يجريان بحساب دقيق مقدر معلوم) على النحو التالي:
(1) {فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم} (الأنعام: 96).
(2) {الشمس والقمر بحسبان} (الرحمن: 5).
(جـ) إحدى عشرة آية تتحدث عن خلق كل من الشمس والقمر وسجودهما لله تعالى وتسخيرهما بأمر الله سبحانه وتعالى ليكونا في خدمة خلق الله إلى أجل مسمي واعتبارهما آيتين من آيات الله أو تنهي عن السجود لهما وتأمر بالسجود لخالقهما وحده، وذلك على النحو التالي:
(1) {... والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} [الأعراف: 54].
(2).. {وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون}(الرعد: 2).
(3) {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار} (ابراهيم: 33).
(4) {وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} (النحل: 12).
(5) {وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون} (الأنبياء: 33).
(6) {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس...} (الحج: 18).
(7) {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأني يؤفكون}. (العنكبوت: 61).
(8) {ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمي وأن الله بما تعملون خبير} (لقمان: 29).
(9) {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه مايملكون من قطمير} (فاطر: 13).
(10) {... وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ألا هو العزيز الغفار} (الزمر: 5).
(11) {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} (فصلت: 37).
(د) آيتان تؤكدان طبيعة كل من الشمس والقمر وتفرق بينهما بأن الشمس ضياء أو سراج، والقمر نور، وهو سبق علمي لم يدركه الإنسان إلا بعد تنزل القرآن الكريم بقرون طويلة، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
(1) {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ماخلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون} (يونس: 5).
(2) {ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا} (نوح: 16، 15).
(هـ) ثلاث آيات تتحدث عن منازل القمر وأطواره (أي مراحله المتتالية من الهلال، إلى التربيع الأول، إلى الأحدب الأول، إلى البدر الكامل، إلى الأحدب الثاني، إلى التربيع الثاني، ثم الهلال الثاني، ثم المحاق) أو عن أحد هذه الأطوار وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
(1) {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم} (يس: 39).
(2) {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج..} (البقرة: 189).
(3) {والقمر إذا اتسق} (الانشقاق: 18).
(و) آية واحدة تشير إلى دوران كل من الشمس والقمر في مدار محدد له وفيها يقول ربنا تبارك وتعالى:
{لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} (يس: 40).
(ز) آية واحدة تثبت معجزة حدثت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وهي معجزة انشقاق القمر وفيها يقول الحق تبارك اسمه:
{اقتربت الساعة وانشق القمر} (القمر: 1).
(جـ) آيتان كريمتان يقسم فيهما ربنا تبارك وتعالى بالقمر، وربنا غني عن القسم لعباده، ولكن تعظيما لشأن القمر جاء القسم به على النحو التالي:
(1) {كلا والقمر} (المدثر: 32).
(2) {والقمر إذا تلاها} (الشمس: 2).
(ط) آيتان تتحدثان عن نهاية القمر في يوم القيامة يقول فيهما ربنا تبارك اسمه: (1)، (2) {فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر} (القيامة: 7- 9).

.القمر في علوم الفلك:

القمر تابع صغير للأرض يبعد عنها بمسافة تقدر في المتوسط بحوالي 384، 400 كيلومتر، وهو على هيئة شبه كرة من الصخر غير كاملة الاستدارة إذ لها شكل البيضة التي تتجه بنهايتها الصغيرة تجاه الأرض، وتقدر كتلة القمر بحوالي 735 مليون مليون مليون طن (أي حوالي 81/1 من كتلة الأرض)، ويقدر حجمه بحوالي 22 مليون مليون كيلو متر مكعب (أي حوالي 50/1) من حجم الأرض، ويقدر متوسط كثافته بحوالي 3، 34 جرام للسنتيمتر المكعب (أي حوالي ثلثي متوسط كثافة الأرض)، ويقدر قطره بحوالي 3474 كيلو مترا (أي حوالي ربع قطر الأرض تقريبا) وتقدر مساحة سطحه بحوالي 38 مليون كيلو متر مربع (أي حوالي 13، 42 من مساحة سطح الأرض) وتقدر جاذبيته بحوالي سدس جاذبية الأرض.
ويدور القمر حول الأرض في مدار شبه دائري يقدر بحوالي 2، 4 مليون كيلو متر بسرعة متوسطة تقدر بحوالي كيلومتر واحد في الثانية، ويدور حول محوره الذي يميل على مستوي مداره بزاوية تتراوح بين (18، 3 و28، 6) درجة بنفس السرعة ليتم دورته الاقترانية حول الأرض في حوالي 29، 5 يوم من أيام الأرض، ولا يظهر لسكان الأرض من القمر إلا وجه واحد (ولكن نظرا لترنح القمر فإننا نستطيع رؤية حوالي 59 من مساحة سطحه تقريبا) لأنه يدور حول الأرض في نفس الزمن الذي يكمل فيه دورته حول محوره، وبذلك يطول كل من الليل والنهار على سطح القمر إلى حوالي 14، 5 يوم من أيام الأرض: ويصعب إدراك الغلاف الغازي للقمر لقلة كثافته.. حيث تقدر كثافة غلافه الغازي بحوالي الواحد من ألف (0، 001) من كثافة الغلاف الغازي للأرض. وتتراوح درجة حرارة سطح القمر في نصفه المواجه للشمس بين 110 درجات مئوية نهارا و120 درجة مئوية تحت الصفر ليلا.
وسطح القمر معتم بصفة عامة، وعلي الرغم من ذلك فإن الله تعالى قد جعل له القدرة على عكس ما قيمته 7، 3
من أشعة الشمس الساقطة عليه، وبذلك ينير القمر سماء الأرض بمجرد غياب الشمس بمراحله المتتالية من الهلال إلى التربيع الأول، إلى الأحدب الأول، إلى البدر الكامل، إلى الأحدب الثاني، إلى التربيع الثاني ثم إلى الهلال الثاني، ومن بعده إلى الاختفاء الكامل في فترة المحاق.
ونظرا إلى قلة كثافة الغلاف الغازي للقمر فقد أصبح عرضة للرجم المستمر بواسطة كل من النيازك والتيارات الترابية وموجات الطاقة التي تصاحب الانفجارات الشمسية، ولذلك أصبح سطح القمر مليئا بالحفر الدائرية العميقة والتي يصل قطر الواحدة منها إلى خمسة كيلو مترات والناتجة عن اصطدام النيازك الضخمة بسطحه كان يظن قديما أنها فوهات براكين، ولكن ثبت بعد ذلك أنها نشأت بواسطة تكرار اصطدام النيازك بنفس النقاط على سطح القمر مما أدي إلى تعميق بعضها إلى ما يقرب من عشرين كيلو مترا. ولا ينفي ذلك وجود فوهات بركانية على سطح القمر يعتقد أن بعضها لا يزال نشيطا نظرا لاكتشاف عدة نقاط ساخنة في بعض ما يعتقد بأنه فوهات بركانية على سطح القمر.
منازل القمر:
لوحظ من القدم أن القمر في دورته حول الأرض يتحرك في كل ليلة من ليالي الشهر القمري بين ثوابت من النجوم التي يسمي كل منها منزلا من منازل القمر، وعلى ذلك فإن عدد منازل القمر هو 28 بعدد الليالي التي يري فيها القمر، ولما كان القمر في جريه مع الأرض حول الشمس يمر عبر البروج السماوية الاثني عشر التي تمر بها الأرض: فإن كل منزل من منازل القمر يحتل مكانا معينا في كل برج من هذه البروج، والقمر يقطع في كل ليلة 13 درجة تقريبا من دائرة البروج تلك (360 درجة /28 يوما من أيام الأرض =12.86 درجة) وعلى ذلك فإن البرج الواحد يقع فيه أكثر من منزل من منازل القمر، ويعتمد ذلك على مساحة البرج في السماء.
وقد تعرف العرب على منازل القمر من قبل البعثة المحمدية المباركة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وعرفوا أهميتها في تحديد الزمن، وفي إعداد التقاويم الزراعية، وسموا الشمالية منها باسم المنازل الشامية، والجنوبية منها باسم المنازل اليمانية.
ويشير القرآن الكريم إلى منازل القمر بقول الحق تبارك وتعالى: {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم} (يس: 39).
ويتضح من تلك الآية الكريمة مدى تداخل مراحل نمو مساحة الإنارة على وجه القمر المقابل للأرض (مراحل تطور شكل القمر بالنسبة لأهل الأرض) مع منازل القمر حتى ليمكن التعبير بأحدها عن الآخر.
مراحل شكل القمر بالنسبة للأرض:
يدور القمر حول الأرض في مدار شبه دائري يبلغ متوسط نصف قطره 384.400 كيلو متر، وفي أثناء هذه الدورة يقع القمر على خط واحد بين الأرض والشمس فيواجه الأرض بوجه مظلم تماما، وتسمي هذه المرحلة مرحلة المحاق (Wane)، وتستغرق ليلة واحدة إلى ليلتين تقريبا، ثم يبدأ القمر في التحرك ليخرج من هذا الوضع الواصل بين مراكز تلك الأجرام الثلاثة فيولد الهلال الأول أو الهلال الوليد (The Nascent Crescent) الذي يحدد بمولده بدء الشهر القمري، ويقع هذا الهلال في أول منازل القمر، وتمكن رؤيته بعد ميلاده إذا أمكن مكثه لمدة لا تقل عن عشر دقائق بعد غروب الشمس، وكان الجو على قدر من الصفاء يسمح بتلك الرؤية، وباستمرار تحرك القمر في دورته حول الأرض تزداد مساحة الجزء المنير من وجهه المقابل للأرض بالتدريج حتى يصل إلى التربيع الأول (the first Quarter) في ليلة السابع من الشهر القمري، ثم الأحدب الأول (The First Gibbous). في ليلة الحادي عشر، ثم البدر الكامل (The Full Moonor The wax). في حدود ليلة الرابع عشر من الشهر القمري وفيه تكون الأرض بين الشمس من جهة والقمر من الجهة الأخرى على استقامة واحدة، وبخروج القمر عن هذا الخط المستقيم في دورته حول الأرض تبدأ مساحة الجزيء المنير من وجهه المقابل للأرض في التناقص بالتدريج فيمر بمرحلة الأحدب الثاني (The Second Gibbous). في حدود ليلة الثامن عشر من الشهر القمري، ثم التربيع الثاني (The Second Quarter). في ليلة الثالث والعشرين، ثم الهلال الثاني (The Second Crescent) في ليلة السادس والعشرين من الشهر القمري والذي يستمر لمدة يومين أو ثلاثة حتى المحاق في آخر ليلة من الشهر القمري حين يعود القمر إلى وضع الاقتران بين الأرض والشمس.
من الظواهر المصاحبة لحركة القمر:
من الظواهر المصاحبة لدوران القمر في مداره حول الأرض ظاهرتان فلكيتان مهمتان هما ظاهرة كسوف الشمس، وظاهرة خسوف القمر، وينتج كسوف الشمس من توسط القمر بين الأرض والشمس مما يحجب الشمس لفترة زمنية محددة، أما خسوف القمر فينتج من توسط الأرض بين القمر والشمس مما ينتج عنه إظلام القمر لوقوعه في منطقة ظل الأرض. وكسوف الشمس يتكرر في السنة من مرتين إلى ثلاث مرات، بينما يتكرر خسوف القمر لأكثر من أربع مرات في السنة نظرا لكبر حجم منطقتي ظل وشبه ظل الأرض بالنسبة لحجم القمر، وصغر حجم هاتين المنطقتين للقمر بالنسبة إلى حجم الأرض، ولذلك يري خسوف القمر من جميع بقاع الأرض التي يكون فيها فوق الأفق، ويبتدئ على الجانب الشرقي من القمر لأن القمر يدور حول الأرض من الغرب إلى الشرق، بينما يري كسوف الشمس من نقاط محددة على سطح الأرض.
وقد يكون خسوف القمر كليا إذا دخل في منطقة ظل الأرض، وقد يكون خسوفا جزئيا إذا دخل في منطقة شبه الظل للأرض ويسمي هذا الخسوف الجزئي باسم الاحتراق، لأن القمر يبدو فيه أحمر نحاسي اللون.
كذلك فإن كسوف الشمس قد يكون كسوفا كليا إذا غطي ظل القمر كل قرص الشمس بالكامل، وقد يكون كسوفا جزئيا حين يغطي ظل القمر جزءا من قرص الشمس، وقد يكون كسوفا حلقيا عندما يكون القمر في أبعد مواضعه عن الأرض فلا يستطيع ظله أن يغطي قرص الشمس بالكامل، بل يغطي جزءا من وسطها ويترك الجزء الباقي من الشمس ظاهرا على هيئة حلقة مضيئة.
ويبتدئ الكسوف على جانب الشمس الغربي وذلك بسبب دوران القمر حول الأرض من الغرب إلى الشرق.
ولا تتجاوز مدة الكسوف الكلي للشمس فترة (7 دقائق، 48 ثانية) بينما قد يصل الكسوف الحلقي إلى (12 دقيقة، 24 ثانية)، والكسوف الكلي نادر الحدوث، وعند وقوعه تصطبغ السماء باللون القرمزي قبل بدئها في الإظلام الذي قد يصاحبه شيء من الانخفاض في درجة الحرارة.
البناء الداخلي للقمر:
يغطي سطح القمر بطبقة من الفتات الصخري يتراوح سمكها بين المتر والعشرين مترا، وتعرف هذه الطبقة باسم (التربة القمرية)، ويعتقد بأنها قد تكونت نتيجة لارتطام النيازك وجسيمات التراب الكوني القادمة مع الرياح الشمسية على سطح القمر، والعمر المطلق لهذه التربة القمرية يقدر بنحو 4.6 بليون سنة.
ويمتلئ سطح القمر بمناطق منخفضة عديدة تعرف باسم (بحار القمر) وإن كانت خالية تماما من وجود الماء، وهذه المنخفضات عبارة عن أعداد لا حصر لها من الفوهات الدائرية العميقة التي يصل قطر الواحدة منها إلى أكثر من خمسة كيلو مترات، وتصل أعماقها إلى عدة كيلو مترات. وكان يعتقد قديما بأنها فوهات بركانية، ولكن دراسة الصخور التي أحضرت من عدد منها أثبتت أنها نشأت عن اصطدام النيازك بنفس النقطة من سطح القمر لمرات متتالية حتى وصل عمق بعضها إلى عشرين كيلو مترا. وبجوار هذه الحفر العميقة توجد سلاسل جبلية تتراوح ارتفاعاتها بين ثلاثة وخمسة كيلو مترات.
وتمتلئ بحار القمر بطفوح من الحمم البازلتية.
وتتكون الصخور القمرية وهي صخور قاعدية في غالبيتها من مثل (الجايرو- النورايت) من العناصر نفسها التي تتكون منها صخور الأرض باستثناء أن صخور القمر خالية تماما من الماء، بينما تتراوح نسبة الماء في صخور الأرض بين 1و 2 على الأقل، وأن صخور القمر تتميز بتركيز أكثر في عدد من العناصر من مثل التيتانيوم والحديد والألومنيوم والكالسيوم، وبفقر في عدد آخر من العناصر من مثل الصوديوم والكربون والأوكسجين، ويقدر عمر صخور القمر بنحو 3.7 بليون سنة.
وبتشابه كبير مع البناء الداخلي للأرض تشير الدراسات القمرية إلى تكون القمر من عدة نطق من الصخور متمركزة حول نواة غنية في عنصر الحديد على النحو التالي:
(ا) الغلاف الصخري للقمر: وهو نطاق خارجي يتكون من الصخور القاعدية من مثل البازلت والجابرو، ويبلغ سمكه حوالي 68 كيلو متر وينقسم إلى قسمين مما يزين على النحو التالي:
(1) قشرة القمر المهشمة: ويبلغ سمكها نحو 28 كيلو مترا وهي مهشمة بفعل الارتطامات المتكررة بالنيازك، وتيارات التراب الكوني المصاحبة للرياح الشمسية.
(2) ماتحت القشرة القمرية وهي قشرة قاعدية يبلغ سمكها نحو 40 كيلو مترا، ويغلب على تكوينها معادن الأنورثوزايت.
(ب) وشاح القمر: ويمتد من عمق 68 كيلو مترا تحت سطح القمر إلى عمق 1238 كيلو متر، وعلى ذلك يقدرسمكه بنحو 1170 كيلو مترا، ويتكون من صخور قاعدية غنية بمعادن البيروكسين.
(جـ) لب القمر: ويمتد من عمق 1238 كيلو مترا تحت مستوى سطح القمر تقريبا إلى مركز القمر الموجود على عمق 1738 كيلو مترا، وعلى ذلك يقدر سمكه بنحو 500 كيلو متر، وتشير الدراسات إلى إمكانية أن تكون المائة كيلو متر العليا منه في حالة منصهرة أو شبه منصهرة مما يعين على تقسيمه إلى:
(1) لب القمر الخارجي المنصهر: وهو في حالة مائعة (سائلة أو شبه سائلة) ويغلب على تركيبه مركبات السيليكون (السيليكات) ويبلغ سمكه نحو المائة كيلو متر (من عمق 1238 كيلو مترا إلى عمق 1338 كيلو مترا).
(2) لب القمر الداخلي الصلب:
ويقدر نصف قطره بحوالي 400 كيلو متر (من عمق 1338 كيلو مترا إلى مركز القمر على عمق 1738 كيلو مترا) ويغلب على تركيبه عنصر الحديد.
ويعتقد غالبية الفلكيين بأن القمر قد تكون كجزء منفصل من النظام الشمسي، وإن كان بعضهم يقترح فكرة انفصاله عن الأرض بسبب تباعده الحالي عنها بمعدل ثلاثة سنتيمترات في السنة، ويري البعض الآخر احتمال تكونه بعيدا عن الأرض ثم أسره إلى موضعه الحالي بفعل جاذبية الأرض له.
القسم بالقمر إذ يتلو الشمس:
نتيجة لدوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق دورة كاملة كل 24 ساعة فإن الشمس تبدو طالعة في كل يوم من جهة الشرق، وغائبة في جهة الغرب.
ونتيجة لميل مستوي مدار القمر حول الأرض على مستوي مدار الأرض حول الشمس بمقدار (5 درجات، و8 دقائق) فإن المسار الظاهري لكل من الشمس والقمر على صفحة السماء من نقطة الشروق إلى نقطة الغروب يبدو متقاربا.
وبصرف النظر عن دوران الأرض حول محورها فإننا نجد أن القمر يسير في اتجاه الشرق درجة واحدة كل ساعتين تقريبا (360 درجة /30 يوما =12 درجة في اليوم /24 ساعة = نصف درجة في الساعة) وأن الشمس تسير درجة واحدة تقريبا كل يوم (أي كل 24 ساعة) (360 درجة /365.25 يوما تقريبا)، ولذلك يبقي القمر في سباق دائم مع الشمس، ويلحق بها مرة كل شهر، فيولد الهلال الجديد في الأفق الغربي بعد غروب الشمس بقليل وبالقرب من المكان الذي تغرب فيه الشمس، وبعد ذلك يأخذ ظهور القمر في التأخر عن وقت غروب الشمس فيري في طور التربيع الأول في وسط السماء بعد غروب الشمس، ويتأخر ظهوره لفترة أطول بعد الغروب في مرحلة الأحدب الأول ويري وهو أقرب للأفق الشرقي، وفي مرحلة البدر يتفق شروق القمر من الأفق الشرقي مع غروب الشمس في الأفق الغربي لوجودهما على استقامة واحدة، وبعد ذلك يتأخر القمر في الشروق يوميا بمعدل خمسين دقيقة في المتوسط حتى يصل مجموع هذا التأخير إلى حوالي خمسة ساعات بعد غروب الشمس في طور التربيع الثاني، ويستمر هذا التأخير في ظهور القمر حتى يري الهلال الثاني في وضح النهار؛ وفي طور المحاق يغيب القمر مع غروب الشمس تماما لوقوعهما على استقامة واحدة.
ولعل هذا هو المقصود من قول الحق تبارك وتعالى: {والقمر إذا تلاها}.
ويتم القمر دورته حول الأرض في (27 يوم، 7 ساعات، 43 دقيقة، 11.6 ثانية)، ولكن نظرا لدوران الأرض حول محورها، ولجريها في مدارها حول الشمس، فإن القمر يحتاج إلى نحو يومين آخرين زيادة على هذه الفترة ليعود إلى نفس النقطة التي بدأ منها ولذلك فإن الشهر الاقتراني يطول إلى (29 يوما، 12 ساعة، 44 دقيقة، 2.9 ثانية في المتوسط)، وحيث إن الشهر القمري يعد بالأيام الكاملة بدءا من غروب الشمس اليوم الذي يري فيه الهلال بعد غروب شمس، فإن الشهر القمري إما أن يكون 29 يوما أو 30 يوما، ولأن حركة القمر هي من الغرب إلى الشرق فإنه يتأخر كل يوم في غروبه من 40 إلى 50 دقيقة عن اليوم السابق تبعا لاختلاف كل من خطوط الطول والعرض. وفي اليوم التاسع والعشرين قد يأتي غروبه قبل غروب الشمس ولذا تستحيل رؤيته، وقد يأتي غروبه بعد غروب الشمس فيمكن رؤيته تبعا لمدة مكثه وللظروف الجوية المصاحبة لمكان التماس رؤية الهلال.
وللقمر عدد من الحركات الحقيقية والظاهرية والتي يمكن إيجازها فيما يلي:
أولا: الحركات الحقيقية للقمر:
1- دورة القمر حول محوره وتتم في كل شهر عربي دورة واحدة ينتصفه ليل لمدة أسبوعين ونهار لمدة أسبوعين.
2- دورة القمر حول الأرض وتتم في 29.5 يوم بالنسبة للأرض (وفي 27.3 يوم بالنسبة للنجوم).
3- دورة القمرمع الأرض حول الشمس بسرعة تقدر بنحو 30 كيلو مترا في الثانية وتتم في سنة شمسية مدتها اثنا عشر شهرا ينزل القمر فيها منازل الشمس الاثني عشر (شهرا بعد شهر).
4- دورة القمر مع المجموعة الشمسية حول مركز مجرتنا (سكة التباتة أو درب اللبانة) وتتم في حدود 250 مليون سنة أرضية.
5- دورة القمر مع المجرة ومع التجمعات الأكبر من ذلك بالتدريج حول مراكز متدرجة في الكون الفسيح إلى نهاية لا يعلمها الا الله.
ثانيا: الحركات الظاهرية للقمر:
1- دورة القمر الظاهرية حول الأرض مرة في كل يوم، نتيجة، لدوران الأرض حول محورها.
2- دورة القمر الظاهرية في منازله التي بالسماء مرة كل شهر.
3- دورة القمر السنوية ووقوعه في برج من بروج السماء واحدًا بعد الآخر.
وقد شاءت أرادة الله وحكمته البالغة ألا تظلم سماء الأرض إظلاما تاما بمجرد غياب الشمس الظاهري عن الأرض فأبقي لنا القمر والنجوم تنير ظلمة ليل الأرض، فبمجرد غياب الشمس عنا يصلنا ضؤوها المنعكس من فوق سطح القمر نورا لا حرارة فيه ويري نور القمر في مراحله المتتالية، من الميلاد إلى المحاق، ونظرا لقربه من الأرض فإن أثره في إنارة ظلمة ليل الأرض أبلغ من أثر النجوم حتى وهو مغطي بأقل مساحة من النور وتصف هذه الآية الكريمة متابعة القمر للشمس في حركاتهما الظاهرية حول الأرض وهي حقيقة لم تدرك إلا بعد نزول القرآن الكريم بقرون عديدة فسبحان الذي خلق القمر، وأنزل في محكم كتابه هذا القسم الإلهي بموالاة القمر لغروب الشمس فقال عز من قائل: والقمر إذا تلاها وهي موالاة في أمور عديدة وليس فقط في حركاته الحقيقية والظاهرية، وورد ذلك في القرآن الكريم في زمن لم يكن لأحد من الخلق إدراك أن مصدر النور المنبعث من القمر هو من آيات الاعجاز العلمي في كتاب الله، فسبحان الذي أنزل القرآن بعلمه، على خاتم أنبيائه ورسله، وحفظه لنا في صفائه الرباني وإشراقاته النورانية بنفس لغة وحيه (اللغة العربية) على مدى أربعة عشر قرنا أو يزيد وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، فالحمد لله على نعمة القرآن والحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله في الآخرة والأولى، وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين. اهـ..