فصل: الليل والنهار في القرآن الكريم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.أقوال المفسرين في قول الحق تبارك وتعالى:

أ- صورة من سفينة الفضاء جاليليو لكل من الأرض والقمر في وسط ظلمة الكون ويرى نصف كل منهما المواجه للشمس منيرا والنصف الآخر غارقا في ظلام دامس.
ب- أحد رواد الفضاء يسبح في ظلمة الكون ويرى طبقة نور النهار على سطح الأرض خطا رفيعا أزرق 200 كم.
{ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لاتسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} (فصلت:37).
ذكر ابن كثير يرحمه الله مانصه: يقول تعالى منبها خلقه علي قدرته العظيمة، وأنه الذي لانظير له وأنه علي مايشاء قدير: {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر} أي أنه خلق الليل بظلامه، والنهار بضيائه نوره، وهما متعاقبان لايفتران، والشمس وإشراقها والقمر وضياءه ونوره وتقدير منازله في فلكه، واختلاف سيره في سمائه، ليعرف باختلاف سيره وسير الشمس مقادير الليل والنهار، والشهور والأعوام، ويتبين بذلك حلول أوقات العبادات والمعاملات، ثم لما كانت الشمس والقمر أحسن الأجرام المشاهدة...، نبه تعالى علي أنهما مخلوقان عبدان من عبيده، تحت قهره وتسخيره فقال: {لاتسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} أي: ولاتشركوا به فما تنفعكم عبادتكم له مع عبادتكم لغيره، فإنه لايغفر أن يشرك به.
وذكر صاحب الظلال رحمه الله رحمة واسعة مانصه: وهذه الآيات معروضة للأنظار، يراها العالم والجاهل، ولها في القلب البشري روعة مباشرة، ولو لم يعلم الإنسان شيئا عن حقيقتها العلمية. فبينها وبين الكائن البشري صلة أعمق من المعرفة العلمية، بينها وبينه هذا الاتصال في النشأة، وفي الفطرة، وفي التكوين، فهو منها وهي منه، تكوينه تكوينها، ومادته مادتها، وفطرته فطرتها، وناموسه ناموسها، وإلهه إلهها.. فهو من ثم يستقبلها بحسه العميق في هزة وإدراك مباشر لمنطقها العريق!!
لهذا يكتفي القرآن غالبا بتوجيه القلب إليها، وإيقاظه من غفلته عنها، هذه الغفلة التي ترد عليه من طول الألفة تارة، ومن تراكم الحواجز والموانع عليه تارة، فيجلوها القرآن عنه، لينتفض جديدا حيا يقظا يعاطف هذا الكون الصديق، ويتجاوب معه بالمعرفة القديمة العميقة الجذور.
وصورة من صور الانحراف تلك التي تشير إليها الآية هنا. فقد كان قوم يبالغون في الشعور بالشمس والقمر شعورا منحرفا ضالا فيعبدونهما باسم التقرب إلي الله بعبادة أبهي خلائقه!! فجاء القرآن ليردهم عن هذا الانحراف، ويزيل الغبش عن عقيدتهم المدخولة ويقول لهم: إن كنتم تعبدون الله حقا فلا تسجدوا للشمس ولا للقمر {واسجدوا لله الذي خلقهن} فالخالق هو وحده الذي يتوجه إليه المخلوقون أجمعون. والشمس والقمر مثلكم يتوجهان إلي خالقهما فتوجهوا معهم إلي الخالق الواحد الذي يستحق أن تعبدوه، ويعيد الضمير عليهما مؤنثا مجموعا {خلقهن} باعتبار جنسهما وأخواتهما من الكواكب والنجوم، ويتحدث عنهن بضمير المؤنث العاقل ليخلع عليهن الحياة والعقل، ويصورهن شخوصا ذات أعيان!!.
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن علي كاتبه من الله الرضوان أن في هذه الآية الكريمة ردا قاطعا علي عبدة الشمس والقمر، كالصابئة الذين يعبدون الكواكب.
وجاء في صفوة التفاسير جزي الله كاتبه خيرا مانصه:... ومن علاماته الدالة علي وحدانيته وقدرته تعاقب الليل والنهار، وتذليل الشمس والقمر، مسخرين لمصالح البشر!.

.الليل والنهار في القرآن الكريم:

جاء ذكر الليل في القرآن الكريم اثنتين وتسعين مرة، منها ثلاثة وسبعون بلفظ الليل، ومرة واحدة بلفظ ليل، وثماني مرات بلفظ ليلة، وخمس مرات بلفظ ليلا، وثلاث مرات بلفظ ليال، ومرة واحدة بكل من اللفظين ليلها وليالي.
وفي المقابل جاء ذكر النهار في القرآن الكريم سبعة وخمسين مرة منها أربع وخمسون بلفظ النهار، وثلاث مرات بلفظ نهارا، كما وردت ألفاظ الصبح والإصباح، والفلق، وبكرة ومشتقاتها بمدلول النهار في آيات أخري عديدة، كما جاءت كلمة يوم أحيانا بمعني النهار في عدد من آيات القرآن الكريم.
وفي هذه الآيات يمن علينا ربنا تبارك وتعالى بتبادل الليل والنهار ويعتبرهما من آياته الكبري لأن في ذلك استقامة للحياة علي الأرض، وعونا للإنسان علي تحديد الزمن، والتأريخ للأحداث المتتالية...، وبدون هذا التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير تتوقف الحياة علي الأرض، ويتلاشي إحساس الإنسان بمرور الزمن، وتتوقف قدرته علي متابعة الأحداث والتأريخ لها.
والليل والنهار آيتان كونيتان عظيمتان من آيات الله في الخلق تشهدان علي دقة بناء الكون، وعلي انتظام حركة الأرض حول محورها المائل بقدر محدد، وبدقة فائقة، في مدار محدد حول الشمس، وما يستتبعه ذلك من تحديد لسنة الأرض، وتبادل للفصول المناخية، ومرور للشهور، والأسابيع، والأيام، وتعاقب الليل والنهار علي نصفي الأرض.
ويحدد سنتنا دورة كاملة للأرض في مدارها حول الشمس، ويقسمها إلي إثني عشر شهرا دورة القمر حول الأرض دورة كاملة في كل شهر، كما يمكن تحديد كل شهر من تلك الشهور بواسطة البروج التي تتراءي للناظر من فوق سطح الأرض مع جريها في مدارها حول الشمس، كما تحدد منازل القمر كلا من الأسابيع، والأيام بدقة فائقة، ويحدد اليوم تعاقب كل من الليل والنهار بانتظام دقيق، وإحكام بالغ، وتحدد المزولة أوقات اليوم من طلوع الشمس إلي غروبها. علي ذلك فإن السنة الهجرية الإسلامية هي سنة شمسية قمرية، ويشير إلي ذلك قول ربنا تبارك وتعالى: {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر} [فصلت:37].

.تبادل الليل والنهار في منظور العلوم الكونية:

إن التبادل المنتظم بين الليل المظلم والنهار المنير علي نصفي الكرة الأرضية هو من الضرورات اللازمة للحياة الأرضية، ولاستمرارية وجودها بصورها المختلفة حتي يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، فبهذا التبادل بين الظلمة والنور يتم التحكم في توزيع ما يصل إلي الأرض من الطاقة الشمسية، وبالتالي يعين علي التحكم في درجات الحرارة، والرطوبة، وكميات الضوء في مختلف البيئات الأرضية، كما يعين علي التحكم في العديد من الأنشطة الحياتية وغير الحياتية من مثل التنفس والأيض في كل من الإنسان والحيوان، وعمليات النتح والتمثيل الضوئي في النباتات، كما يتم ضبط التركيب الكيميائي للغلافين الغازي والمائي المحيطين بالأرض، وضبط الكثير من دورات النشاط الأرضي من مثل دورة الماء بين الأرض والطبقات الدنيا من غلافها الغازي، وحركات الرياح والسحاب في هذا الغلاف، وتوزيع نزول المطر منه بتقدير من الله، كما تتم دورة تعرية الصخور بتفتيتها، ونقل هذا الفتات أو إبقائه في مكانه، من أجل تكوين التربة، أو الرسوبيات والصخور الرسوبية ومابها من خيرات أرضية.
وبالإضافة إلي ذلك فإن في اختلاف الليل المظلم والنهار المنير تقسيما لليوم الأرضي إلي فترة للحركة والعمل والنشاط، وفترة للراحة والاستجمام والسكون، فالإنسان- علي سبيل المثال- محتاج إلي السكينة بالليل كي يخلد فيه إلي شيء من الراحة النفسية بالعبادة والتفكر، والراحة البدنية بالاسترخاء والنوم والإغفاء حتي يستعيد كلا من نشاطه البدني والذهني، ويستجمع قواه فيتهيأ للعمل بالنهار التالي وما يتطلبه ذلك من القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض، وقد ثبت علميا أن أفضل النوم يكون بالليل، وأقله فائدة هو نوم النهار فيما عدا فترة القيلولة، كما ثبت أن كثرة النوم بالنهار تؤثر في نشاط الدورة الدموية في جسم الإنسان، وتتهدده بالتيبس في العضلات، وتؤدي إلي تراكم الدهون، وزيادة الوزن، وإلي العديد من صور التوتر العصبي والقلق النفسي، وربما كان من مبررات التوجيه الرباني بالنوم بالليل والنشاط بالنهار، أن طبقات الحماية التي أوجدها ربنا تبارك وتعالى في الغلاف الغازي للأرض، ومن أهمها النطق المتأينة Ionospheres ومابها من أحزمة الإشعاع RadiationBelts تتمدد بالنهار فتزداد قدراتها علي حماية الحياة الأرضية مما يسمح للانسان بالحركة والنشاط دون مخاطر، وهذه النطق تنكمش انكماشا ملحوظا بالليل مما يقلل من قدراتها علي الحماية فينصح الإنسان بالركون إلي النوم والراحة حماية له من تلك المخاطر، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى: {وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا} [النبأ:11،10].
وقال عز من قائل: {فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم} (الأنعام:96).
وقال تبارك اسمه: {هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} (يونس:67).
وقال سبحانه: {ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} (النمل:86).
وقال تعالى: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} (القصص:71- 73).
وقال سبحانه وتعالى: {الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل علي الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون} (غافر:61).
ثم إن التبادل بين الليل المظلم، والنهار المنير، يحدد لنا يوم الأرض، ويعيننا علي إدراك الزمن، وعلي تحديد الأوقات بدقة وانضباط ضروريين للقيام بمختلف الأعمال، ولأداء كل العبادات، وإنجاز كافة المعاملات، والوفاء بمختلف العهود والمواثيق والعقود، وغير ذلك من النشاطات الإنسانية، وإن هذه النعمة لهي بحق من نعم الله تعالى علي الإنسان في هذه الحياة، وعلي كافة الأحياء الأرضية من حوله، لأنه بدونها لاتستقيم الحياة علي الأرض، ولايستطيع الإنسان أن يميز ماضيا من حاضر أو مستقبل، وبالتالي فإنه بدونها لابد وأن تتوقف مسيرة الحياة....!!!
من هنا كان التدبر في ظاهرة تعاقب الليل والنهار دعوة إلي الخلق كافة للإيمان بالله، وإدراك شيء من بديع صنعه في هذه الحياة، ومن هنا أيضا جاءت الآية الكريمة التي نحن بصددها، وغيرها من الآيات التي تشير إلي تبادل الليل والنهار في صياغة معجزة- شأنها في ذلك شأن كل آيات القرآن الكريم- ومن جوانب ذلك الإعجاز إشارتها إلي أعداد من الحقائق الكونية التي لم تكن معروفة وقت تنزل القرآن الكريم، ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك مما يجزم بأنه لايمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة الحقة، والرسالة الخاتمة.

.الشواهد العلمية المستقاة من تبادل الليل والنهار:

(1) التأكيد علي كروية الأرض: فإن تبادل الليل والنهار علي نصفي الارض وتعاقبهما وإيلاج كل منهما في الآخر، واختلافهما، وتقليبهما، وإدبار أحدهما وسفور الآخر، واغشاء نور النهار بحلكة الليل، وتجلية حلكة الليل بنور النهار، وتكوير الليل علي النهار، وتكوير النهار علي الليل، كل ذلك إشارات ضمنية رقيقة إلي كروية الأرض، فلو لم تكن الأرض كرة ما أمكن حدوث شيء من ذلك أبدا، وأبسطه تبادل الليل والنهار علي نصفي الأرض.
هذه الحقيقة العلمية جاء بها القرآن الكريم من قبل ألف وأربعمائة من السنين في وقت ساد فيه الاعتقاد باستواء الأرض كل الناس، علي الرغم من اثبات عدد من قدامي المفكرين غير ذلك.
ونزول الآيات القرآنية العديدة بهذه الحقيقة الكونية الثابتة في الجزيرة العربية التي كانت- في ذلك الوقت القديم- بيئة بدوية بسيطة، ليس لها أدني حظ من المعرفة العلمية ومناهجها ولا بالكون ومكوناته لمما يقطع بأن القرآن الكريم لايمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته، والذي هو أدري بصنعته من كل من هم سواه، وأن سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض.
(2) التأكيد علي دوران الأرض حول محورها أمام الشمس:
فلو لم تكن الأرض كروية، ولو لم تكن تلك الكرة تدور حول محورها أمام الشمس ما تبادل الليل والنهار، وهذا الدوران عبرت عنه الآيات القرآنية في أكثر من عشرين آية صريحة، بتعبيرات ضمنية رقيقة، ولكنها مصاغة صياغة علمية دقيقة، تبلغ من الدقة والشمول والكمال مالم يبلغه العلم الحديث منها:
إيلاج الليل في النهار، وإيلاج النهار في الليل، واختلافهما، وتعاقبهما، وتقليبهما، وإدبار أحدهما وإقبال الآخر، وإغشاء النهار بالليل، وتجلية الليل بالنهار، وتكوير الليل علي النهار، وتكوير النهار علي الليل، وجعل كل منهما خلفة للآخر، وسريان الليل وعسعسته، بعد إظلامه وسجوه، وإسفار الصبح وتنفسه وطلوع ضحاه وتجليه بعد إغشاء الليل وإظلامه (آل عمران:27، الرعد:3، الحج:61، المؤمنون:80، النور:44، الفرقان:62، لقمان:29، الجاثية:3- 5، الحديد:6، المدثر:33- 35، التكوير:17- 19، الفجر:4، الليل:2،1، الضحي:2،1).