فصل: تقسيم الفيء والخمس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الحكمة من إبقاء أهل الكتاب بين أظهرنا:

قالوا ولله تعالى حكم في إبقاء أهل الكتابين بين أظهرنا فإنهم مع كفرهم شاهدون بأصل النبوات والتوحيد واليوم الآخر والجنة والنار وفي كتبهم من البشارات بالنبي وذكر نعوته وصفاته وصفات أمته ما هو من آيات نبوته وبراهين رسالته وما يشهد بصدق الأول والآخر.
وهذه الحكمة تختص بأهل الكتاب دون عبدة الأوثان فبقاؤهم من أقوى الحجج على منكر النبوات والمعاد والتوحيد وقد قال تعالى لمنكري ذلك: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} ذكر هذا عقب قوله: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} يعني سلوا أهل الكتاب هل أرسلنا قبل محمد رجالا يوحى إليهم أم كان محمد بدعا من الرسل لم يتقدمه رسول حتى يكون إرساله أمرا منكرا لم يطرق العالم رسول قبله؟
وقال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} والمراد بسؤالهم سؤال أممهم عما جاءوهم به هل فيه أن الله شرع لهم أن يعبد من دونه إله غيره؟
قال الفراء المراد سؤال أهل التوراة والإنجيل فيخبرونه عن كتبهم وأنبيائهم.
وقال ابن قتيبة التقدير واسأل من أرسلنا إليهم رسلا من قبلك وهم أهل الكتاب.
وقال ابن الأنباري التقدير وسل من أرسلنا من قبلك.
وعلى كل تقدير فالمراد التقرير المشركي قريش وغيرهم ممن أنكر النبوات والتوحيد وأن الله أرسل رسولا أو أنزل كتابا أو حرم عبادة الأوثان فشهادة أهل الكتاب بهذا حجة عليهم وهي من أعلام صحة رسالته إذ كان قد جاء على ما جاء به إخوانه الذين تقدموه من رسل الله سبحانه ولم يكن بدعا من الرسل ولا جاء بضد ما جاءوا به بل أخبر بمثل ما أخبروا به من غير شاهد ولا اقتران في الزمان وهذه من أعظم آيات صدقه.

.شبهة وجوابها:

وقال تعالى: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} وقد أشكلت هذه الآية على كثير من الناس وأورد اليهود والنصارى على المسلمين فيها إيرادا وقالوا كان في شك فأمر أن يسألنا وليس فيها بحمد الله إشكال وإنما أتي أشباه الأنعام من سوء قصدهم وقلة فهمهم وإلا فالآية من أعلام نبوته وليس في الآية ما يدل على وقوع الشك ولا السؤال أصلا فإن الشرط لا يدل على وقوع المشروط بل ولا على إمكانه كما قال تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} وقوله: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذن لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} وقوله: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} وقوله: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك} ونظائره فرسول الله لم يشك ولم يسأل.
وفي تفسير سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله قال لا أشك ولا اسأل.
وقد ذكر ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال فإن كنت في شك أنك مكتوب عندهم فاسألهم وهذا اختيار ابن جرير.
قال يقول تعالى لنبيه فإن كنت يا محمد في شك من حقيقة ما أخبرناك وأنزلنا إليك من أن بني إسرائيل لم يختلفوا في نبوتك قبل أن أبعثك رسولا إلى خلقي لأنهم يجدونك مكتوبا عندهم ويعرفونك بالصفة التي أنت بها موصوف في كتبهم فاسأل الذين يقرأ ون الكتاب من قبلك كعبدالله بن سلام ونحوه من أهل الصدق والإيمان بك منهم دون أهل الكذب والكفر بك.
وكذلك قال ابن زيد قال هو عبدالله بن سلام كان من أهل الكتاب فآمن برسول الله.
وقال الضحاك سل أهل التقوى والإيمان من مؤمني أهل الكتاب ممن أدرك نبي الله.
ولم يقع هؤلاء ولا هؤلاء على معنى الآية ومقصدها وأين كان عبدالله بن سلام وقت نزول هذه الآية فإن السورة مكية وابن سلام إذ ذاك على دين قومه وكيف يؤمر رسول الله أن يستشهد على منكري نبوته بأتباعه؟
وقال كثير من المفسرين هذا الخطاب للنبي والمراد غيره لأن القرآن نزل عليه بلغة العرب وهم قد يخاطبون الرجل بالشيء ويريدون غيره كما يقول متمثلهم إياك أعني واسمعي يا جارة.
وكقوله تعالى: {يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين} والمراد أتباعه بهذا الخطاب.
قال أبو إسحاق إن الله تعالى يخاطب النبي والخطاب شامل للخلق والمعنى وإن كنتم في شك والدليل على ذلك قوله تعالى في آخر السورة: {قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله}
وقال ابن قتيبة كان الناس في عصر النبي أصنافا منهم كافر به مكذب وآخر مؤمن به مصدق وآخر شاك في الأمر لا يدري كيف هو فهو مقدم رجلا ويؤخر رجلا فخاطب الله تعالى هذا الصنف من الناس وقال فإن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد فسل.
قال ووحد وهو يريد الجمع كما قال يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ويا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ووإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه.
وهذا وإن كان له وجه فسياق الكلام يأباه فتأمله وتأمل قوله تعالى: {يقرأون الكتاب من قبلك} وقوله: {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون} وقوله: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} وهذا كله خطاب واحد متصل بعضه ببعض.
ولما عرف أرباب هذا القول أن الخطاب لا يتوجه إلا على النبي قالوا الخطاب له والمراد به هذا الصنف الشاك وكل هذا فرار من توهم ما ليس بموهوم وهو وقوع الشك منه والسؤال وقد بينا أنه لا يلزم إمكان ذلك فصلا عن وقوعه.
فإن قيل فإذا لم يكن واقعا ولا ممكنا فما مقصود الخطاب والمراد به؟
قيل المقصود به إقامة الحجة على منكري النبوات والتوحيد وأنهم مقرون بذلك لا يجحدونه ولا ينكرونه وأن الله سبحانه أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه بذلك وأرسل ملائكته إلى أنبيائه بوحيه وكلامه فمن شك في ذلك فليسأل أهل الكتاب فأخرج هذا المعنى في أوجز عبارة وأدلها على المقصود بأن جعل الخطاب لرسوله الذي لم يشك قط ولم يسأل قط ولا عرض له ما يقتضي ذلك وأنت إذا تأملت هذا الخطاب بدا لك على صفحاته من شك فليسأل فرسولي لم يشك ولم يسأل.
والمقصود ذكر بعض الحكمة في إبقاء أهل الكتاب بالجزية وهذه الحكمة منتفية في حق غيرهم فيجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله.

.سبب وضع الجزية:

والمسألة مبنية على حرف وهو أن الجزية هل وضعت عاصمة للدم أو مظهرا لصغار الكفر وإذلال أهله فهي عقوبة؟
فمن راعى فيها المعنى الأول قال لا يلزم من عصمها لدم من خف كفره بالنسبة إلى غيره وهم أهل الكتاب أن تكون عاصمة لدم من يغلظ كفره ومن راعى فيها المعنى الثاني قال المقصود إظهار صغار الكفر وأهله وقهرهم وهذا أمر لا يختص أهل الكتاب بل يعم كل كافر قالوا وقد أشار النص إلى هذا المعنى بعينه في قوله حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فالجزية صغار وإذلال ولهذا كانت بمنزلة ضرب الرق.
قالوا وإذا جاز إقرارهم بالرق على كفرهم جاز إقرارهم عليه بالجزية بالأولى لأن عقوبة الجزية أعظم من عقوبة الرق ولهذا يسترق من لا تجب عليه الجزية من النساء والصبيان وغيرهم.
فإن قلتم لا يسترق عين الكتابي كما هي إحدى الروايتين عن أحمد كنتم محجوجين بالسنة واتفاق الصحابة فإن النبي كان يسترق سبايا عبدة الأوثان ويجوز لساداتهن وطأهن بعد انقضاء عدتهن كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة سبايا أوطاس وكانت في آخر غزوات العرب بعد فتح مكة أنه قال لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة.
فجوز وطأهن بعد الاستبراء ولم يشترط الإسلام وأكثر ما كانت سبايا الصحابة في عصر النبي من عبدة الأوثان ورسول الله يقرهم على تملك السبي.
وقد دفع أبو بكر الصديق إلى سلمة بن الأكوع رضي الله عنهما امرأة من السبي نفلها إياه وكانت من عباد الأصنام.
وأخذ عمر وابنه رضي الله عنهما من سبي هوازن وكذلك غيرهما من الصحابة.
وهذه الحنفية أم محمد بن علي من سبي بني حنيفة.
وفي الحديث من قال كذا وكذا فكأنما أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل ولم يكونوا أهل كتاب بل أكثرهم من عبدة الأوثان.
قالوا وإذا جاز المن على الأسير وإطلاقه بغير مال ولا استرقاق فلأن يجوز إطلاقه بجزية توضع على رقبته تكون قوة للمسلمين أولى وأحرى.
فضرب الجزية عليه إن كان عقوبة فهو أولى بالجواز من عقوبة الاسترقاق وإن كان عصمة فهو أولى بالجواز من عصمته بالمن عليه مجانا فإذا جاز إقامته بين المسلمين بغير جزية فإقامته بينهم بالجزية أجوز وأحوز وإلا فيكون أحسن حالا من الكتابي الذي لا يقيم بين أظهر المسلمين إلا بالجزية.
فإن قلتم إذا مننا عليه ألحقناه بمأمنه ولم نمكنه من الإقامة بين المسلمين.
قيل إذا جاز إلحاقه بمأمنه حيث يكون قوة للكفار وعونا لهم وبصدد المحاربة لنا مجانا فلأن يجوز هذا في مقابلة مال يؤخذ منه يكون قوة للمسلمين وإذلالا وصغارا للكفر أولى وأولى.
يوضحه أنه إذا جازت مهادنتهم للمصلحة بغير مال ولا منفعة تحصل للمسلمين فلأن يجوز أخذ المال منهم على وجه الذل والصغار وقوة المسلمين أولى وهذا لا خفاء به يوضحه أن عبدة الأوثان إذا كانوا أمة كبيرة لا تحصى كأهل الهند وغيرهم حيث لا يمكن استئصالهم بالسيف فإذلالهم وقهرهم بالجزية أقرب إلى عز الإسلام وأهله وقوته من إبقائهم بغير جزية فيكونون أحسن حالا من أهل الكتاب.
وسر المسألة أن الجزية من باب العقوبات لا أنها كرامة لأهل الكتاب فلا يستحقها سواهم وأما من قال إن الجزية عوض عن سكني الدار كما يقوله أصحاب الشافعي فهذا القول ضعيف من وجوه كثيرة سيأتي التعرض إليها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
قالوا ولأن القتل إنما وجب في مقابلة الحراب لا في مقابلة الكفر ولذلك لا يقتل النساء ولا الصبيان ولا الزمني والعميان ولا الرهبان الذين لا يقاتلون بل نقاتل من حاربنا.
وهذه كانت سيرة رسول الله في أهل الأرض كان يقاتل من حاربه إلى أن يدخل في دينه أو يهادنه أو يدخل تحت قهره بالجزية وبهذا كان يأمر سراياه وجيوشه إذا حاربوا أعداءهم كما تقدم من حديث بريدة فإذا ترك الكفار محاربة أهل الإسلام وسالموهم وبذلوا لهم الجزية عن يد وهم صاغرون كان في ذلك مصلحة لأهل الإسلام وللمشركين.
أما مصلحة أهل الإسلام فما يأخذونه من المال الذي يكون قوة للإسلام مع صغار الكفر وإذلاله وذلك أنفع لهم من ترك الكفار بلا جزية.
وأما مصلحة أهل الشرك فما في بقائهم من رجاء إسلامهم إذا شاهدوا أعلام الإسلام وبراهينه أو بلغتهم أخباره فلابد أن يدخل في الإسلام بعضهم وهذا أحب إلى الله من قتلهم.
والمقصود إنما هو أن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله وليس في إبقائهم بالجزية ما يناقض هذا المعنى كما أن إبقاء أهل الكتاب بالجزية بين ظهور المسلمين لا ينافي كون كلمة الله هي العليا وكون الدين كله لله فإن من كون الدين كله لله إذلال الكفر وأهله وصغاره وضرب الجزية على رءوس أهله والرق على رقابهم فهذا من دين الله ولا يناقض هذا إلا ترك الكفار على عزهم وإقامة دينهم كما يحبون بحيث تكون لهم الشوكة والكلمة والله أعلم.

.تقسيم الفيء والخمس:

وقد احتج بحديث بريدة هذا من يرى أن قسمة الفيء والخمس موكولة إلى اجتهاد الإمام يضعه حيث يراه أصلح وأهم والناس إليه أحوج كما يقول مالك ومن وافقه رحمهم الله تعالى قالوا والمهاجرون كانوا في ذلك الوقت أولى بذلك من غيرهم ولذلك لم يجعل فيه للأعراب شيء فإن المهاجرين خرجوا من ديارهم وأموالهم لله ووصلوا إلى المدينة فقراء وكان أحق الناس بالفيء هم ومن واساهم وآواهم قال القاضي عياض ولذلك كان النبي يؤثرهم بالخمس على الأنصار غالبا إلا أن يحتاج أحد من الأنصار.
وأما الشافعي رحمه الله تعالى فإنه أخذ بحديث بريدة رضي الله عنه في الأعراب فلم ير لهم شيئا من الفيء وإنما لهم الصدقة المأخوذة من أغنيائهم المردودة في فقرائهم كما أن أهل الجهاد وأجناد المسلمين أحق بالفيء والصدقة.
وذهب أبو عبيد إلى أن هذا الحديث منسوخ وأن هذا كان حكم من لم يهاجر أولا في أنه لا حق له في الفيء ولا في الموالاة للمهاجرين.
ولا في التوارث بينهم وبين المهاجرين قال تعالى: {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} ثم نسخ ذلك بقوله: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} وبقوله: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية». فلم يكن للأعراب إذ ذاك في الفيء نصيب فلما اتسعت رقعة الإسلام وسقط فرض الهجرة صار للمسلمين كلهم حق في الفيء حتى رعاة الشاء.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لئن سلمني الله ليأتين الراعي نصيبه من هذا المال لم يعرق فيه جبينه.