فصل: سبب النزول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لكن، هل شكر الله أولًا دُرْبة على أنْ تشكر الوالدين، وهما السبب المباشر في وجودك؟ أم أن شكرَ الوالدين دربةٌ على أن تشكر الله الذي خلقك وأوجدك؟ نقول: هما معًا، فشُكْر الله يستلزم شكْر الوالدين، وشكر الوالدين ينتهي إلى شُكْر الله.
وقوله: {إلَيَّ المصير} [لقمان: 14] أي: المرجع، والمعنى: أنني أوصيك بأهم شيء فاحذر أنْ تخالف وصيتي؛ لأنني أقدر على أنْ أعاقب مَنْ خالف.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَإن جَاهَدَاكَ على أَن}.
يؤكد الحق سبحانه على أمر الوالدين، وكأنه سبحانه استدرك غير مُستدَرك، فليس لأحد أنْ يستدرك على الله، وكأن واحدًا كان يناقش رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الوالدين وما نزل في شأنهما، فسأل: كيف لو أمراني بالكفر، أأكفر طاعة لهما؟ لذلك جاء الحكم من الله في هذه المسألة.
وفي آية العنكبوت: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بوَالدَيْه حُسْنًا وَإن جَاهَدَاكَ لتُشْركَ بي مَا لَيْسَ لَكَ به علْمٌ فَلاَ تُطعْهُمَآ إلَيَّ مَرْجعُكُمْ فَأُنَبّئُكُم بمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8].
فذكر فيها {حُسنًْا} ولم يقل فيها {وَصَاحبْهُمَا في الدنيا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] فكأن كلمة الحُسْن، وهي الوصف الجامع لكلّ مدلولات الحُسْن أغنتْ عن المصاحبة بالمعروف.
ومعنى {جَاهَدَاكَ} [لقمان: 15] نقول: جاهد وجهد، جهد أي في نفسه، أما جهاد ففيها مفاعلة مع الغير، نقول: جاهد فلان فلانًا مثل قاتل، فهي تدل على المشاركة في الفعل، كما لو قلت: شارك عمرو زيدًا، فكل منهما فاعل، وكل منهما مفعول، لكن تغلب الفاعلية في واحد، والمفعولية في الآخر.
فمعنى {وَإن جَاهَدَاكَ} [لقمان: 15] لا تعني مجرد كلمة عَرَضَا فيها عليك أن تشرك بالله، إنما حدث منهما مجهود ومحاولات لجذبك إلى مجاراتها في الشرك بالله، فإن حدث منهما ذلك فنصيحتي لك {فَلاَ تُطعْهُمَا} [لقمان: 15].
ثم إياك أنْ تتخذ من كفرهما ودعوتهما لك إلى الكفر سببًا في اللدد معهما، أو قطع الرحم، فحتى مع الكفر يكون لهما حق عليك {وَصَاحبْهُمَا في الدنيا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] ثم إنهما كفرا بي أنا، وأنا الذي أوصيك بهما معروفًا.
وقوله تعالى: {واتبع سَبيلَ مَنْ أَنَابَ إلَيَّ} [لقمان: 15] أي: لن تكون وحدك، إنما سبقك أُنَاسٌ قبلك تابوا وأنابوا فكُنْ معهم {ثُمَّ إلَيَّ مَرْجعُكُمْ} [لقمان: 15] أي: مأواكم جميعًا.
قالوا: إن هذه الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خالي سعد، فليُرني امرؤ خاله» ولما أسلم سعد غضبت أمه- وكانت شديدة الحب له فكادت تُجَنُّ وحلفتْ لا تأكل ولا تشرب ولا تغتسل، وأنْ تتعرَّى في حَرَّ الشمس حتى يرجع دينه، فلما علم سعد بذلك قال: دعوها والله لو عضَّها الجوع لأكلتْ، ولو عضَّها العطش لشربتْ، ولو أذاها القمل لاغتسلتْ، أما أنا فلن أحيد عن الدين الذي أنا عليه، فنزلا: {وَإن جَاهَدَاكَ} [لقمان: 15].
ولو أن الذي يكفر بالله ويريد لغير من المؤمنين أنْ يكفر معه كابن أو غيره، ثم يرى وصية الله به رغم كفره لعلم إن الله تعالى رب رحيم لا يستحق منه هذا الجحود.
وسبق أن ذكرنا الحديث القدسي الذي قالت فيه الأرض: «رب ائذن لي أن أخسف بابن آدم، فقد طعم خيرك ومنع شكرك وقالت السماء: رب ائذن لي أن أسقط كسَفًا على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك، وقالت البحار: يا رب ائذن لي أن أُغرق ابن آدم فقد طعم خيرك، ومنع شكرك. الخ، فقال الحق تبارك وتعالى: لو خلقتموهم لرحمتموهم».
ذلك لأنهم عباد الله وصَنْعته، وهل رأيتم صاحب صنعة يُحطّم صنعته، وجاء في الحديث النبوي: «الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة» إذن: فنعْمَ الرب هو.
ويُروى أن سيدنا إبراهيم- عليه السلام- جاءه ضيف، فرأى أن سَمْته غير سَمْت المؤمنين، فسأله عن دينه فقال: إنه من عُبَّاد النار، فردَّ إبراهيم الباب في وجهه، فانصرف الرجل، فعاتب الله نبيه إبراهيم في شأن هذا الرجل فقال: يا إبراهيم، تريد أن تصرفه عن دينه لضيافة ليلة، وقد وَسعْتُه طوال عمره، وهو كافر بي؟ فأسرع إبراهيم خلف الرجل حتى لحق به، وأخبره بما كان من عتاب الله له، فقال الرجل: نعْم الرب ربٌّ يعاتب أحبابه في أعدائه، ثم شهد ألاَّ إله إلا الله.
فلو أن الكافر الذي يريد الكفر لغيره يعرف أن الله يوصي به وهو كافر، ويُرقّق له القلوب لَعاد إلى ساحة الإيمان بالله؛ لذلك كثيرًا ما نقابل أصحاب ديانات أخرى يعشقون الإسلام فيختارونه، فيغضب عليهم أهلهم فنقول للواحد منهم: كُنْ في دينك الجديد أبرَّ بهم من دينك القديم، ليعلموا محاسن دينك، فضاعف لهم البر، وضاعف لهم المعروف، لعل ذلك يُرقّق قلوبهم ويعطفهم نحو دينك.
وتأمل عظمة الأسلوب في {وَصَاحبْهُمَا في الدنيا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] فلم يقل مثلًا أعطهم معروفًا، إنما جعل المعروف مصاحبة تقتضي متابعتهما وتفقُّد شأنهما، بحيث يعرف الابن حاجة أبويْه، ويعطيهما قبل أنْ يسألا، فلا يلجئهما إلى ذُلّ السؤال، وهذا في ذاته إحسان آخر.
كالرجل الذي طرق بابه صديق له، فلما فتح له الباب أسرَّ له الصديق بشيء فدخل الرجل وأعطى صديقه ما طلب، ثم دخل بيته يبكي فسألته زوجته: لم تبكي وقد وصلْته؟ فقال: أبكي لأنني لم أتفقد حاله فأعطيه قبل أن يذَّل نفسه بالسؤال.
والحق- تبارك وتعالى- حين يقول بعد الوصية بالوالدين: {إلَيَّ مَرْجعُكُمْ فَأُنَبّئُكُمْ بمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15] إنما لينبهنا أن البرَّ بالوالدين ومصاحبتهما بالمعروف لم يُنسى لك ذلك، إنما سيُكتب لك، وسيكون في ميزانك؛ لأنك أطعتَ تكليفي وأمري، وأدَّيْتَ، فلك الجزاء لأنك عملتَ عملًا إيمانيًا لابد أن تُثاب عليه. اهـ.

.قال الصابوني:

{ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله}.
سورة لقمان:
(1) طاعة الوالدين أو بر الوالدين:

.التحليل اللفظي:

{الحكمة} الإصابة في القول والعمل. وأصل الحكمة: وضع الشيء في موضعه قال تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269].
قال الرازي: الحكمة عبارة عن التوفيق بين العلم والعمل، فكل من أوتي توفيق العلم بالعمل فقد أوتي الحكمة.
وفي اللسان: أحكم الأمر: أتقنه، ويقال للرجل إذا كان حكيما: قد أحكمته التجارب، والحكيم: المتقن للأمور. وقد كان لقمان حكيما على الرأي الراجح ولم يكن نبيا.
{غني} مستغن عن الخلق ليس بحاجة إلى أحد، والعباد محتاجون إليه جل وعلا {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} [فاطر: 15].
{حميد} فعيل بمعنى مفعول أي محمود يحمده أهل السماء وأهل الأرض.
قال أبو السعود: {حميد} أي حقيق بالحمد وإن لم يحمده أحد، والمعنى أنه تعالى مستحق للحمد سواء شكره الناس أو لم يشكروه.
{يعظه} العظة والموعظة بمعنى النصيحة والإرشاد بالأسلوب الحكيم {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} [النحل: 125]. وفي حديث العرباض بن ساريه خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب.
{وهنا} مصدر وهن بمعنى ضعف، والوهن الضعف، وفي التنزيل {رب إني وهن العظم مني} [مريم: 4].
قال الزجاج: {وهنا على وهن} أي ضعفا على ضعف، والمعنى: لزمها بحملها إياه أن تضعف مرة بعد مرة، فلا يزل ضعفها يتزايد من حين الحمل إلى الولادة، لأن الحمل كلما عظم ازدادت به ثقلا وضعفا. ثم هي في أصل خلقتها ضعيفة البنية والحمل يزيدها ضعفا.
{وفصاله} فطامه، والفصال: يراد منه ترك الإرضاع، وهو لفظ يستعمل في الرضاع خاصة، وأما الفصل فهو أعم منه، لأنه يستعمل في الرضاع وغيره، وقيل: هما بمعنى واحد.
قال في اللسان: والفصال: الفطام، قال تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} [الأحقاف: 15].
وفصلت المرأة ولدها أي فطمته، وفي الحديث: «لا رضاع بعد فصال» قال ابن الأثير: أي بعد أن يفصل الولد عن أمه، وبه سمي الفصيل من أولاد الإبل، فعيل بمعنى مفعول.
ومعنى الآية: أي فطامه يتم في انقضاء عامين.
{المصير} المرجع والمآب قال تعالى: {وإليه المصير} [المائدة: 18] أي الرجوع والمآب، وصرت إلى فلان مصيرا، قال الجوهري: وهو شاذ والقياس مصار مثل معاش، وفي كلام الفزاري لعمه ابن عنقاء: ما الذي أصارك إلى ما أرى يا عم؟ قال: بخلك بمالك، وبخل غيرك من أمثالك، وصوني أنا وجهي عن مثلهم وتسآلك!
{جاهداك} أي بذلا أقصى ما في وسعهما من أجل حملك على الإشراك بالله، يقال: جاهد أي بذل جهده قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 69] والجهاد المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة، ولهذا يسمى المحارب مجاهدا لأنه يبذل ماله ونفسه وروحه في سبيل الله. فهو قد بذل كل ما لديه قال الشاعر:
يقولون جاهد يا جميل بغزوة ** وأي جهاد غيرهن أريد

{معروفا} أي صاحبهما مصاحبة بالمعروف، والمعروف ما يستحسن من الأفعال.
{أناب} أي رجع إلى ربه وتاب إليه، والمنيب: الراجع إلى ربه، السالك طريق الاستقامة، {إن في ذلك لآية لكل عبد منيب} [سبأ: 9].
قال الطبري: وقوله: {واتبع سبيل من أناب إلي} يقول: واسلك طريق من تاب من شركه، ورجع إلى الإسلام، واتبع محمدا صلى الله عليه وسلم.

.المعنى الإجمالي:

نبه الباري جل وعلا في هذه الآيات الكريمة إلى المقام الرفيع الذي أعطيه العبد الصالح لقمان. وذكر بحق الوالدين، وحذر من الشرك، الذي هو أعظم الجرائم عند الله، فالله جل ثناؤه يخبرنا عن أمر ذلك العبد الصالح، الذي رزقه الله الحكمة، وآتاه العقل والرشد، فكان ينطق بالحكمة ويعلمها الناس.
وقد عدد سبحانه وتعالى بعض هذه النصائح، التي أوصى بها لقمان الحكيم ولده، وكان من أهمها وأخطرها، التحذير من الكفر والإشراك لأنه نهاية القبح والشناعة {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} [الحج: 31].
يقول الله جل ثناؤه ما معناه: اذكر يا محمد لقومك. موعظة لقمان لابنه، وهو أشفق الناس عليه، وأحبهم لديه، حين نبهه إلى خطر الشرك بالله، وجحود نعمائه.
وحذره من ضرره، لأنه ظلم صارخ، وعدوان مبين، لما فيه من وضع الششيء في غير موضعه. فمن سوى بين الخالق والمخلوق، وبين الإله الرازق، والصنم الذي لا يسمع ولا ينفع ولا يغني عن صاحبه شيئا. فهو- بلا شك- أحمق الناس. وأبعدهم عن منطق العقل والحكمة. وحري به أن يوصف بالظلم، ويجعل في عداد البهائم.
وبعد أن ذكر سبحانه ما أوصى به لقمان ابنه من شكر المنعم، وذكر ما في الشرك من الشناعة. أتبعها سبحانه بوصية مستقلة عن وصايا لقمان ألا وهي الوصية بالوالدين ليشير إلى قبح الشرك، ويؤكد حكمة الرجل الصالح لقمان لابنه في نهيه عن الشرك فكأنه تعالى يقول: مع أننا أوصينا الإنسان بوالديه، وأمرناه بالعطف عليهما، والإحسان إليهما، وألزمناه طاعتهما لما تحملا في سبيله من المتاعب والمصاعب، مع كل هذا فقد حذرناه من طاعتهما في حالة الشرك والعصيان، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالوضع السليم بين الأب وابنه هي الطاعة والإحسان، وامتثال كمال الأدب مع من رباه وتعب في شأن تربيته.
{وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} [الإسراء: 24] فإذا تغير الوضع، وأصبح الأب والأم مدعاة للشرك، ومصدرا للعصيان، فلا سمع ولا طاعة ولا استجابة لصوت الضلال، مهما بذلا من جهد، ومع كل ذلك فقد ختم الله جل ثناؤه الآية الكريمة بوجوب صحبتهما بالمعروف والإحسان إليهما في الدنيا حتى ولو كانا مشركين، لأن حقهما على ولدهما عظيم، وكفرهما بالله لا يستدعي ضياع المتاعب التي تحملاها في تربية الولد، فالإحسان إليهما واجب، وطاعتهما في معصية الله ممنوعة، واتباع سبيل المؤمنين الصادقين هو الطريق السوي الذي يوصل إلى رضوان الله تعالى.

.سبب النزول:

روى الحافظ ابن كثير في تفسيره عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: كنت رجلا برا بأمي، فلما أسلمت، قالت يا سعد: ما هاذ الدين الذي أراك قد أحدثت! لتدعن دينك هذا، أو لا آكل، ولا أشرب، حتى أموت فتعير بي، فيقال: يا قاتل أمه، فقلت لها: يا أمه لا تفعلي، فإني لا أدع ديني هذا لشيء أبدا!!
قال: فمكثت يوما وليلة ولم تأكل، فأصبحت وقد جهدت، فمكثت يوما وليلة أخرى لا تأكل، فأصبحت قد اشتد جهدها. فلما رأيت ذلك جئت إليها فقلت: يا أمه، تعلمين والله، فإن شئت فكلي وإن شئت فدعي. فلما رأت صلابته في دينه أكلت فأنزل الله عز وجل: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي} الآية.

.لطائف التفسير:

اللطيفة الأولى: ذكر الله سبحانه وتعالى في الوصية أمر الوالدين ثم نوه بشأن الأم خاصة، فهو من باب ذكر الخاص بعد العام لزيادة العناية والاهتمام، ولبيان أن حق الأم على الولد أعظم من حق الأب، وقوله تعالى: {حملته أمه وهنا على وهن} هذه جملة اعتراضية.
قال الزمخشري: في الكشاف: فإن قلت: قوله تعالى: {حملته أمه وهنا على وهن} كيف اعترض به بين المفسر والمفسر؟ قلت: لما وصى بالوالدين ذكر ما تكابده الأم وتعانيه من المشاق والمتاعب، في حملة وفصاله هذه المدة المتطاولة، إيجابا للتوصية بالوالدة خصوصا وتذكيرا بحقها العظيم مفردا، ومن ثم قال بعد ذلك: أباك.
وروي عن بعض العرب أنه حمل أمه إلى الحج على ظهره، وهو يقول في حدائه: أحمل أمي وهي الحمالة، ترضعني الدرة والعلالة، ولا يجازى والد فعاله.
اللطيفة الثانية: حين أمر سبحانه بشكر الوالدين قدم شكره تعالى على شكرهما فقال: {أن اشكر لي ولوالديك} وفي هذا التقديم إشارة إلى أن حق الله أعظم من حق الوالدين، وشكره أوجب وألزم، لأنه تعالى هو المنعم الحقيقي، المتفضل على عباه بالنعم، وشكر الوالدين جزء من شكر المنعم، والله جل وعلا هو السبب الحقيقي في الخلق والايجاد، والوالدان سبب ظاهري، فينبغي أن يقدم السبب الحقيقي على السبب الظاهري.
اللطيفة الثالثة: تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر فقوله تعالى: {إلي المصير} وقوله: {ثم إلي مرجعكم} تقدم الجار والمجرور على المتعلق به فأفاد معنى الحصر والمعنى: إلي المرجع والمآب لا إلى غيري، وإلي مرجع الخلائق جميعا لا إلى أحد سواي.
اللطيفة الرابعة: قوله تعالى: {في الدنيا} ذكر الدنيا في الآية الكريمة، فيه إشارة إلى تهوين أمر الصحبة، وتقليل مدتها لأنها في أيام قلائل، وشيكة الزوال والانقضاء، فلا يصعب على الإنسان تحملها.
ولقد أحسن من قال:
دقات قلب المرء قائلة له ** إن الحياة دقائق وثواني

اللطيفة الخامسة: قوله تعالى: {واتبع سبيل من أناب إلي} في الآية الكريمة إشارة إلى سلوك طريق الصالحين والاقتداء بالسلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين. وفسره بعضهم بأن المراد بقوله تعالى: {وهنا على وهن} هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه أي أتبع سبيله في الإيمان لأن إسلام سعد كان بسببه.
والصحيح كما قال الألوسي: أنها عامة تعم كل من اتصف بهذا الوصف.