فصل: سورة الحجر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم




.سورة الحجر:

.فصول مهمة تتعلق بالسورة الكريمة:

.فصل في فضل السّورة:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
زمرة لأَحاديث واهية:
منها: «مَن قرأَ سورة الحِجْر كان له من الأَجْر عشرُ حسنات بعدد المهاجرين، والأَنصار، والمستهزئين، بمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم».
وعن جعفر أَنَّه قال: من قرأ سورة الحِجْر لا يصيبه عطش يوم القيامة ومَنْ قرأها في ركعتي كلِّ جمعة لم يصبه فقر أَبدًا، ولا جنون، ولا بَلْوَى.
وحديثُ علي: «يا علي مَن قرأَ سورة الحِجْر لا يُنصبِ له ميزان، ولا يُنشَر له دِيوان، وقيل له: ادخل الجنَّة بغير حساب وله بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب أَصحاب البلاءِ». اهـ.

.فصل في مقصود السورة الكريمة:

.قال البقاعي:

سورة الحجر مقصودها وصف الكتاب بأنه في الذروة من الجمع للمعاني الواضحة للحق من غير اختلاف أصلا، وأشكل ما فيها وأمثلة في هذا المعنى قصة أصحاب الحجر، فإن وضوح آيتهم عندهم وعند كل من شاهدها أو سمع بها كوضوح ما دل عليه مقصود هذه السورة في أمر الكتاب عند جميع العرب لاسيما قريش، وأيضا آيتهم في غاية الإيضاح للحق والجمع لمعانيه الدائرة على التوحيد المقتضي للاجتماع على الداعي، ومن يتضح ويتأيد ما اخترته من الإعراب لقوله تعالى: {كما أنزلنا على المقتسمين}، ومن هنا تعليقي له ب {كانوا عنها معرضين} المقتضي لشدة الملابسة بين شأنهم في كفرهم وشأن قريش في مثل ذلك- كما ستراه، على أن لفظ الحجر يدل على مادل عليه مقصود السورة من الجمع والاستدارة التي روحها الإحاطة المميزة للمحاط به من غيره بلا لبس أصلا- والله أعلم. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في: {الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين}:

السّورة مكِّيَة إِجماعًا.
وعدد آياتها تسع وتسعون بلا خلاف، وكلماتها ستّمائة وأَربع وخمسون، وحروفها أَلفان وسبعمائة وستون.
ومجموع فواصل آياتها {مِلْن} على اللاَّم منها آيتان: {حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ}، {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}.
وتسمّى سورة الحِجْر؛ لاشتمالها على قصّتهم، وقوله: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ}.

.مقصود السّورة إِجمالًا:

بيان حقيقة القرآن، وحفظ الحقِّ وبرهان النبوّة وحفظ الحقِّ كتابَه العزيز من التغيير والتبديل، وتزيين السّموات بمواكب الكواكب وحفظهما برُجوم النجوم من استراق الشَّيَاطين السّمع، وتقديره تعالى الماء والسّحاب من خزائن برّه، ولُطْفه، وعلمه تعالى بأَحوال المتقدّمين في الطَّاعة والمتأَخِّرين عنها، وبيان الحكمة في تخليق آدم، وأَمر الملائكة المقرّبين بسجوده، وتعيير إِبليس، وملامته على تأبِّيه واستكباره وجحوده، واستحقاقه اللَّعننة من الله بعصيانه وطغيانه، وجراءَته بالمناظرة لخالقه ومعبوده، وبيان قَسْم الدّركات {على أَهل اللذات} والضَّلالات، وذكر المستوجبى الجنَّة من المؤمنين، وإِخبار الله تعالى عبادَه بالرحمة والغفران، وتهديدهم بالعذاب والعقاب، والإِشارة إِلى ذكر أَضياف الخليل علَيه السّلام، والنَّهى عن القُنُوط من الرّحمة، وذكر آل لوط، وسكرتهم في طريق العَماية والضَّلالة، وتسلية النَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم عن جفاءِ الكفَّار، وبذىءِ أَقوالهم، والمَنِّ عليه صَلَّى الله عليه وسلَّم بنزول السّبع المثانى، ومشون القرآن العظيم، والشكوى عن الطَّاعنين في القرآن، وذكر القَسَم بوقوع السّؤال في القيامة، وأَمر الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم بإِظهار الدّعوة، والمنّ عليه بإِهلاك أَعداءِ دينه، ووصيّته بالعبادة إِلى يوم الحقِّ واليقين في قوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}.

.النَّاسخ والمنسوخ:

فيها من المنسوخ أَربع آيات:
{ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} م آية السّيف ن {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} م آية السّيف ن {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} م آية السّيف ن {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} آية السّيف ن. اهـ.

.فصل في التعريف بالسورة الكريمة:

.قال الألوسي:

سورة الحجر:
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم أنها نزلت بمكة وروي ذلك عن قتادة ومجاهد وفي مجمع البيان عن الحسن أنها مكية إلا قوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} وقوله سبحانه: {كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين} وذكر الجلال السيوطي في الإتقان عن بعضهم استثناء الآية الأولى فقط ثم قال قلت: وينبغي استثناء قوله تعالى: {ولقد علمنا المستقدمين} الآية لما أخرجه الترمذي وغيره في سبب نزولها وإنها في صفوف الصلاة وعلى هذا فقول أبي حيان ومثله في تفسير الخازن أنها مكية بلا خلاف الظاهر في عدم الاستثناء ظاهر في قلة التتبع وهي تسع وتسعون آية.
قال الداني: وكذا الطبرسي بالإجماع وتحتوي على ما قيل على خمس آيات نسختها آية السيف ووجه مناسبتها لما قبلها أنها مفتتحة بنحو ما افتتح به السورة السابقة ومشتملة أيضا على شرح أحوال الكفرة يوم القيامة وودادتهم لو كانوا مسلمين وقد اشتملت الأولى على نحو ذلك وأيضا ذكر في الأولى طرف من أحوال المجرمين في الآخرة وذكر هنا طرف مما نال بعضا منهم في الدنيا وأيضا قد ذكر سبحانه في كل مما يتعلق بأمر السماوات والأرض ما ذكر وأيضا فعل سبحانه نحو ذلك فيما يتعلق بإبراهيم عليه السلام وأيضا في كل من تسلية نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ما فيه إلى غير ذلك مما لا يحصى. اهـ.

.قال محمد أبو زهرة:

سورة الحجر أول الجزء الرابع عشر، وأوله سورة الحجر، وهي سورة مكية إلا ما قيل: إنه يستثنى مكيته وهى الآية السابعة والثمانين، وعدد آياتها (99)، وقد ابتدئت بالحروف المفردة {الر}، وذكر بعدها القرآن الكريم: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ}.
وقد أخبر سبحانه أنه: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} ولكن غلب عليهم الهوى، {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}، وإن بين أيديهم العبر {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم} ومن لهوهم وعبثهم قولهم لنبيهم: {وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7)}. وإن الملائكة لا تنزل، وإذا نزلوا لا يؤجلهم {مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ (8)}، وذلك شأن الكافرين يتوارثون ذلك الفكر السقيم جيلا بعد جيل، وإن القرآن باق {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (13)}.
وإن الآيات لا تخزيهم، لأن قلوبهم أغلقت عن الحق {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ (15)}. بعد ذلك أخذ ينبههم سبحانه إلى خلق السموات والأرض وما فيها من عجيب التكوين {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (17) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ (18) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)}.
وبعد هذا الخلق، وذاك التكوين كان كل شيء في السموات والأرض بامر الله وفى قبضة يده {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}.
وإن الله تعالى ترى آثاره في خلقه من إماتة وإحياء {وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)}.
وإذا كنتم ترون بالعيان الإحياء والإماتة فقد كان ذلك فيمن تقدم، وفيمن تأخر، {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)}. بعد ذلك أخذ سبحانه يذكر في هذه السورة خلق الإنسان من طين فقال: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم}.
بعد ذلك أشار سبحانه إلى خلق آدم وسجود الملائكة له، وامتناع إبليس أن يكون من الساجدين، وغروره بأنه من نار وادم من طين، وقد طرده الله سبحانه من جنته وقال له: {وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين}، وأنظره الله إلى يوم يبعثون {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (37) إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)}.
بعد ذلك ذكر تعالت كلماته جزاء الذين يغويهم إبليس: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ (44) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ (50)}
بعد ذلك جاءت العبر في القرآن الكريم، وابتدأت العبر بمن هو أقرب إلى العرب نسبا، ويعيشون في رحاب بيت الله الذي بناه إبراهيم، فقال في قصة إبراهيم: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما}.
ولأنهم ملائكة، لم يعهد في الأرض لقاء مثلهم- وجل منهم، وقال: {قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ (56)}
هذا تذكير بالخلق والتكوين، وأنه يجرى على حكم إرادة الله تعالى الفاعل المختار، لا بالأسباب والمسببات، كما يقول الجاهلون، وإن الأسباب لا تسيطر على فعل الله تعالى، فالأسباب تجعل الرجل لا ينجب وهو كبير فلم ينجب وهو شاب، ولكن بإرادة الله ينجب إبراهيم، وامرأته عجوز عاقر.
بعد هذا ذكر القرآن الكريم ما يكون تهديدا للفاسقين الخارجين عن أمر الله تعالى، وهم قوم لوط، قالت رسل الله تعالى لإبراهيم: {قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (58) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) فَلَمَّا جَاء آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (60) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (62) قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بَالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ (66) وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (71)}.
أنزل بهم العذاب الأليم في الدنيا، أخذتهم الصيحة في الصباح فجعل الله تعالى عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ}.
بعد هذا يرينا الله تعالى من عجائب قدرته ليعتبر العرب في قصة أصحاب الأيكة وأصحاب الحجر، وتكذيبهم الرسل، {فأخذتهم الصيحة مصبحين فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون}.
ولقد أخذ سبحانه وتعالى يشير إلى العبر في تكوين هذا الوجود، {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل}
وإذا كان خلق الله السموات والأرض وما فيه من نعم للكافة، فقد أعطاك الله نعمة القرآن: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقران العظيم} ولا تلتفت إلى ما عند غيرك، فما عندك هو الأعظم وهو الجليل: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)}. ولقد أمر الله نبيه بأن يصدع بما يؤمر به فقال: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

سورة الحجر:
سميت هذه السورة الحجر، ولا يعرف لها اسم غيره، ووجه التسمية أن اسم الحجر لم يذكر في غيرها.
والحجر اسم البلاد المعروفة به وهو حجر ثمود، وثمود هم أصحاب الحجر، وسيأتي الكلام عليه عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ} والمكتبون في كتاتيب تونس يدعونها سورة {رُبَمَا} لأن كلمة {ربما} لم تقع في القرآن كله إلا في أول هذه السورة.
وهي مكية كلها وحكي الاتفاق عليه. وعن الحسن استثناء قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} بناء على أن سبعا من المثاني هي سورة الفاتحة وعلى أنها مدنية. وهذا لا يصح لأن الأصح أن الفاتحة مكية.
واستثناء قوله تعالى: {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} بناء على تفسيرهم {الْمُقْتَسِمِينَ} بأهل الكتاب وهو صحيح، وتفسير {جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} أنهم قالوا: ما وافق منه كتابنا فهو صدق وما خالف كتابنا فهو كذب.
ولم يقل ذلك إلا يهود المدينة، وهذا لا نصححه كما نبينه عند الكلام على تلك الآية.
ولو سلم هذا التفسير من جهتيه فقد يكون لأن اليهود سمعوا القرآن قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل فقالوا ذلك حينئذ، على أنه قد روي أن قريشا لما أهمهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم استشاروا في أمره يهود المدينة.
وقال في الإتقان ينبغي استثناء قوله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} لما أخرجه الترمذي وغيره في سبب نزولها وأنها في صفوف الصلاة اهـ.
وهو يشير بذلك إلى ما رواه الترمذي من طريق نوح بن قيس الجذامي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر. أي: من صفوف الرجال فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ}. قال الترمذي ورواه جعفر بن سليمان ولم يذكر ابن عباس.
وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح اهـ. وهذا توهين لطريق نوح.
قال ابن كثير في تفسيره: وهذا الحديث فيه نكارة شديدة.
والظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط ليس فيه لابن عباس ذكر، فلا اعتماد إلا على حديث جعفر بن سليمان وهو مقطوع.
وعلى تصحيح أنها مكية فقد عدت الرابعة والخمسين في عدد نزول السور؛ نزلت بعد سورة يوسف وقبل سورة الأنعام.
ومن العجيب اختلافهم في وقت نزول هذه السورة وهي مشتملة على آية {فاصدع بما تؤمر} وقد نزلت عند خروج النبي صلى الله عليه وسلم من دار الأرقم في آخر السنة الرابعة من بعثته.
وعدد آيها تسع وتسعون باتفاق العادين.

.مقاصد هذه السورة:

افتتحت بالحروف المقطعة التي فيها تعريض بالتحدي بأعجاز القرآن.
وعلى التنويه بفضل القرآن وهديه.
وإنذار المشركين بندم يندمونه على عدم إسلامهم.
وتوبيخهم بأنهم شغلهم عن الهدى انغماسهم في شهواتهم.
وإنذارهم بالهلاك عند حلول إبان الوعيد الذي عينه الله في علمه.
وتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم إيمان من لم يؤمنوا، وما يقولونه في شأنه وما يتوركون بطلبه منه، وأن تلك عادة المكذبين مع رسلهم.
وأنهم لا تجدي فيهم الآيات والنذر لو أسعفوا بمجيء آيات حسب اقتراحهم به وأن الله حافظ كتابه من كيدهم.
ثم إقامة الحجة عليهم بعظيم صنع الله وما فيه من نعم عليهم، وذكر البعث ودلائل إمكانه، وانتقل إلى خلق نوع الإنسان وما شرف الله به هذا النوع، وقصة كفر الشيطان، ثم ذكر قصة إبراهيم ولوط- عليهما السلام- وأصحاب الأيكة وأصحاب الحجر، وختمت بتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم وانتظار ساعة النصر، وأن يصفح عن الذين يؤذونه، ويكل أمرهم إلى الله، ويشتغل بالمؤمنين، وأن الله كافيه أعداءه.
مع ما تخلل ذلك من الاعتراض والإدماج من ذكر خلق الجن، واستراقهم السمع، ووصف أحوال المتقين، والترغيب في المغفرة، والترهيب من العذاب. اهـ.