فصل: فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب سبب نزول السورة:

فلا يصح هذا أن يكون سببا لنزولها، لأن هذه الآية لم تنزل بعد ولا يصح أن يكون المؤخر سببا للمقدم كما لا يصح أن يكون المقدم ناسخا للمؤخر.
على أن هذا لا يقدح في صحة الحديث لأنه صحيح لا غبار عليه وواقع عند نزول هذه الآية حقا إلا أنه لم يكن سببا لنزول السورة هذه، ولا يبعد أن يكون قول أبي لهب لحضرة الرسول (تبّا لك سائر اليوم) ردا على ما جاء في هذه السورة المتقدمة على هذه الحادثة، والأجدر أن يكون كذلك، لأن العرب قد ترد على كلمة قيلت لهم ولو بعد حين، ألم تر أن المعرّي حين قال للشاعر مهيار الديلمي لما سمع شعره بالعراق بعد أن سمعه في الشام (و أشعر من في العراق) عطفا على قوله قبل عشرين سنة وهو في الشام (أنت أشعر من في الشام) وهذا الشاعر له ديوان يحتوي على ثمانية عشر الف بيت، وهو مطبوع وموجود في مكاتب مصر وغيرها وهذا من بعض ذكاء المعرّي.
وحين سقط في يدي أبي لهب يقول اللّه تعالى: {ما أَغْنى عَنْهُ} أي لم ينجه من عذاب اللّه {مالُهُ وَما كَسَبَ 2} في دنياه وولد الرجل من كسبه أي ولا ولده.
أخرج أبو داود عن عائشة قالت إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه أي من ربحه.
وأخرجه الترمذي بلفظ الجمع أي إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم وكان لأبي لهب ثلاثة أولاد عتبة ومتعب أسلما، وعتيبة أهان حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأساء الأدب معه بأمر أبيه وطلق ابنته أم كلثوم، فقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك». فقتله السبع على طريق الشام ومن أسماء السبع الكلب، ثم هلك أبو لهب بالعدسة أي مرض الطاعون بعد وقعة بدر، وهذا المرض يجتنب مخافة العدوى فاستأجروا له بعض السودان، فدفنوه مخافة العار وإلا لتركوه وهذه العادة توجد حتى الآن عند بعض البدو، فأنهم إذا مات أحدهم بمرض يزعمون أنه يعدي فإنهم يتباعدون عنه ويتركونه، وقد يهجرونه إبّان مرضه مخافة العدوى كالجدري والطاعون وغيره، هذا وقد صدق اللّه فلم يغن عنه ماله ولا كسبه، ولم يحل بينه وبين ما حل به، وكان صاحب مواشي.
قال ابن مسعود: ولما دعا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أقرباءه إلى اللّه، قال أبو لهب: إن كان ما تقول يا ابن أخي حقا فأنا افتدي نفسي بمالي وولدي، فأنزل اللّه هذه السورة وهذا يصح إذا وقع منه نزولها لا عند نزول آية الشعراء الآنفة الذكر.
وبعد أن حقق اللّه وعده فيه بهلاكه في الدنيا علي الصورة المذكورة أوعده بانه في الآخره أيضا {سَيَصْلى نارًا ذاتَ لَهَبٍ} تتوقد وتنلهب في قلبه لشدة حسده له في الدنيا وفي الآخرة تحرقه {وَامْرَأَتُهُ} أم جميل المتقدم ذكرها في بحث فترة الوحي في المقدمة وصفها بقوله: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ 4} في جهنم، ذمها مع ما هي عليه من الشرف وكريم المحتد، لأنها كانت تحمل الشوك والحسك وتطرحه في طريق رسول اللّه وأصحابه وتنم عليهم لشدة عداوتها لهم.

.مطلب ما قالت أم جميل وما قيل فيها:

ولما نزلت هذه الآية جاءت حاملة فهرا (حجرا صغيرا) وقالت لأبي بكر والنبي بجانبه: لأفعلن كذا وكذا بصاحبك لأنه هجاني وأنا أماثله بالشعر وأنشدت:
مذمما أبينا

ودينه قلينا

وأمره عصينا

وقد أعمى اللّه بصرها عن رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ولما سأله أبو بكر قال: حجبتني عنها الملائكة {فِي جِيدِها} عنقها {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ 5} ليف كانت تنقل فيه الحطب، فأبدلها اللّه سلسلة من حديد محماة في عنقها تعذب فيها في نار جهنم.
هذا وقد عيّر بعض الناس الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بحمالة الحطب فرد عليه بقوله:
ماذا أردت بشتمي أو بمنقصي ** أم ما تعيّر من حمالة الحطب

غراء شادخة في المجد غرتها ** كانت سليلة شيخ ثاقب الحسب

أي وقد وقع منها ما وقع من قومها فذمها اللّه لا غير، أي لم تنتقد في شيء تعاب به عند العرب إذ ذاك ولا بعد هذا واللّه أعلم.
أستغفر اللّه العظيم ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة تبت:
مكية.
{وتب} تام وكذا {وما كسب}.
{وامرأته} كاف لمن رفعها بالعطف على الضمير في {سيصلى} ورفع {حمالة الحطب} خبر المبتدأ محذوف أو نصبها بأعنى مقدر أو ليست بوقف لمن رفعها مبتدأ خبره {حمالة الحطب} أو رفع {حمالة} بدلا من {امرأته} بل الوقف على {ذات لهب} وهو كاف.
آخر السورة تام. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة تبت:
مكية.
ولا وقف من أولها إلى {وتب}.
و{لهب} قرئ بفتح الهاء وسكونها.
ولم يقرأ {نارًا ذات لهب} إلاَّ بالفتح فقط لمراعاة الفاصلة.
{وتب} كاف ومثله {وما كسب} للابتداء بالتهديد وكذا {وامرأته} لمن رفعها عطفًا على الضمير في {سيصلي} أي سيصلي هو وامرأته وعلى هذا لا يوقف على {ذات لهب} لأنَّ الكلام قد انتهى إلى {وامرأته} فيكون الوقف عليها حسنًا وحسن ذلك الفصل بينهما وقام مقام التوكيد فجاز عطف الصريح على الضمير المرفوع بلا توكيد وعلى هذا تكون {حمالة} خبر مبتدأ محذوف تقديره هي حمالة أو نصبها على الذم وبها قرأ عاصم وليس بوقف إن جعل {وامرأته} مبتدأ و{حمالة} خبر أو رفع {حمالة} بدلًا من {امرأته} وكان الوقف على قوله: {ذات لهب} كافيًا وكذا {الحطب} إن جعل ما بعده مبتدأ وخبرا وقرئ شاذا {ومريأته} مصغرًا.
آخر السورة تام. اهـ.

.فصل في ذكر قراءات السورة كاملة:

.قال ابن جني:

سورة تبت:
بسم الله الرحمن الرحيم
ابن مسعود: {ومريئته حَمَّالَةَ للْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ2}.
قال أبو الفتح: {حمالة} خبر عن {مريئته}، و{حبل}: غليظ، ومنه قولهم: رجل حبل الوجه، أي: الغليظ بشرته. وحبل الرأس: أي قوى غليظ. وكذلك قوله: {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}، أي: غليظ من ذلك.
وقيل: المسد: سلسلة في النار.
وقيل: المسد: ليف المقل. اهـ.

.قال الدمياطي:

سورة تبت:
مكية.
وآيها خمس.
واختلف في {لهب} الآية 1 الأول فابن كثير بإسكان الهاء وافقه ابن محيصن والباقون بفتحها لغتان كالنهر والنهر والفتح أكثر استعمالا وخرج بالأول الثاني المتفق على الفتح.
وأمال {ما أغنى} و{سيصلى} الآية 3 حمزة والكسائي وخلف وبالفتح والصغرى الأزرق وحيث فتح {سيصلى} غلظ لامها وحيث قلل رققها حتما فيهما لما مر أن التغليظ والإمالة ضدان.
واختلف في {حمالة} الآية 4 فعاصم بالنصب على الذم وقيل على الحال من {وامرأته} لأنها فاعل لعطفها عليه و{حمالة} حينئذ نكرة حيث أريد بها الاستقبال أي حالها في النار كذلك وافقه ابن محيصن والباقون بالرفع خبر محذوف أو خبر {امرأته} و{في جيدها} خبر ثان ومن جعله صفة لـ: {امرأته} قدر المضي فيه لأنه قد وقع على الحقيقة فتتعرف حينئذ بالإضافة وجعلها بعضم بدل كل منها. اهـ.

.قال عبد الفتاح القاضي:

سورة المسد:
{أبي لهب} أسكن الهاء المكي وفتحها غيره ولا خلاف بين العشرة في فتح ها {ذات لهب}.
{سيصلى} غلظ ورش اللام إن فتح ورققها إن قلل.
{حمالة} قرأ عاصم بنصب التاء وغيره برفعها. اهـ.

.فصل في حجة القراءات: في السورة الكريمة:

.قال ابن خالويه:

ومن سورة تبت:
قوله تعالى: {تبت يدا أبي لهب} يقرأ بإسكان الهاء وفتحها وهما لغتان كما قالوا وهب ووهب ونهر ونهر والاختيار الفتح لموافقة رؤوس الآي فأما {ذات لهب} فلا خلف في تحريكه.
قوله تعالى: {حمالة الحطب} يقرأ بالرفع والنصب فالحجة لمن رفع انه جعله خبر الابتداء والحجة لمن نصب انه أراد الذم والعرب تنصب بالذم والمدح والترحم بإضمار اعني ومعناه انها كانت تمشي بالنميمة فذمت بذلك. اهـ.

.قال ابن زنجلة:

111- سورة تبت المسد:
{تبت يدا أبي لهب وتب} {وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد} 5، 4، 1
قرأ ابن كثير {تبت يدا أبي لهب} ساكنة الهاء.
وقرأ الباقون بفتح الهاء وهما لغتان كالشمع والشمع والنهر والنهر واتفاقهم على الفتح يدل على أنه أجود من الإسكان.
قرأ عاصم {حمالة الحطب} بالنصب على الذم لها والمعنى.
وقرأ الباقون {حمالة} بالرفع فمن رفع على أن يجعله وصفا لقوله: {وامرأته} وعلى الخبر أي هي حمالة الحطب ويكون {حبل من مسد} خبرا بعد خبر. اهـ.

.فصل في فوائد لغوية وإعرابية وبلاغية في جميع آيات السورة:

.قال في الجدول في إعراب القرآن الكريم:

سورة اللهب:
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة المسد: الآيات 1- 5]

{تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (2) سَيَصْلى نارًا ذاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}

.الإعراب:

{ما} نافية، {عنه} متعلّق بـ: {أغنى}، {ما} حرف مصدريّ..
والمصدر المؤوّل {ما كسب..} في محلّ رفع معطوف على ماله.
جملة: {تبّت يدا...} لا محلّ لها ابتدائيّة.
وجملة: {تبّ...} لا محلّ لها معطوفة على الابتدائيّة.
وجملة: {ما أغنى عنه ماله...} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {كسب...} لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ {ما}.
3- 5 (السين) للاستقبال {ذات} نعت لـ: {نارا} منصوب (الواو) عاطفة- أو استئنافيّة- {امرأته} معطوف على الضمير الفاعل في {يصلى}، {حمّالة} مفعول به لفعل محذوف تقديره أذّم، {في جيدها} متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ {حبل} {من مسد} متعلّق بنعت لـ: {حبل}..
وجملة: {سيصلى...} لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: {في جيدها حبل...} لا محلّ لها استئناف بيانيّ آخر.

.الصرف:

{أبو لهب}، كنية عبد العزّى عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، كنّي بذلك لتلهّب وجهه بالحمرة.
{حمّالة}، مؤنّث حمّال صيغة مبالغة اسم الفاعل من الثلاثيّ حمل، وزنه فعّالة.
{جيد}، اسم جامد لمعنى العنق، وزنه فعل بكسر فسكون.
{مسد}، اسم جامد لمعنى ليف، وزنه فعل بفتحتين، وفي القاموس:
المسد بفتح السين المحور من الحديد أو حبل من ليف أو كلّ حبل محكم الفتل، والجمع مساد وأمساد.

.البلاغة:

1- الاستعارة: في قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}.
يقال لمن يمشي بالنميمية: يحمل الحطب بين الناس، أي يوقد بينهم التباعد، ويورث الشر، فالحطب مستعار للنميمة، وهي استعارة مشهورة. ومن ذلك قوله:
إن بني الادرم حمالو الحطب ** هم الوشاة في الرضاء والغضب

2- فن التهكم: في قوله تعالى: {فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}.
حيث صوّرها تصويرا في منتهى الخسّة، والمراد: أنها تحمل تلك الحزمة من الشوك، وتربطها في جيدها، كما يفعل الحطابون، تخسيسا بحالها، وتصويرا لها بصورة بعض الحطابات من المواهن، لتمتعض من ذلك، ويمتعض بعلها، وهما في بيت العز والشرف.