الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أحدهما: ما تدفعه عنهم دروع الحديد من الأذى وتوصلهم إلى الحرب والنصر.الثاني: ما يكف عنهم من المكروه بالخوف عنه.وقال قطرب: البأس السلاح، والمنفعة الآلة.{وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رأْفَةً وَرَحْمَةً} يحتمل وجهين:أحدهما: أن الرأفة اللين، والرحمة الشفقة.الثاني: أن الرأفة تخفيف الكل، والرحمة تحمل الثقل.{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} فيه قراءتان:إحداهما: بفتح الراء وهي الخوف من الرهب.الثانية: بضم الراء وهي منسوبة إلى الرهبان ومعناه أنهم ابتدعوا رهبانية ابتدؤوها.وسبب ذلك ما حكاه الضحاك: أنهم بعد عيسى ارتكبوا المحارم ثلاثمائة سنة فأنكرها عليهم من كان على منهاج عيسى فقتلوهم، فقال قوم بقوا بعدهم: نحن إذا نهيناهم قتلونا، فليس يسعنا المقام بينهم، فاعتزلوا النساء واتخذوا الصوامع، فكان هذا ما ابتدعوه من الرهبانية التي لم يفعلها من تقدمهم وإن كانوا فيها محسنين.{مَا كتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} أي لم تكتب عليهم وفيها ثلاثة أوجه:أحدها: أنها رفض النساء واتخاذ الصوامع، قاله قتادة.الثاني: أنها لحوقهم بالجبال ولزومهم البراري، وروي فيه خبر مرفوع.الثالث: أنها الانقطاع عن الناس والانفراد بالعبادة.وفي الرأفة والرحمة التي جعلها في قلوبهم وجهان:الأول: أنه جعلها في قلوبهم بالأمر بها والترغيب فيها.الثاني: جعلها بأن خلقها فيهم وقد مدحوا بالتعريض بها.{مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رَضْوَانِ اللَّهِ} أي لم تكتب عليهم قبل ابتداعها ولا كتبت بعد ذلك عليهم.الثاني: أنهم تطوعوا بها بابتداعها، ثم كتبت بعد ذلك عليهم، قاله الحسن.{فَمَا رَعَوْهَا حِقَّ رِعَايَتِهَا} فيه وجهان:أحدهما: أنهم ما رعوها لتكذيبهم بمحمد.الثاني: بتبديل دينهم وتغييرهم فيه قبل مبعث الرسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله عطية العوفي.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ} معناه يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى آمنوا بمحمد.{يُؤْتِكُم كِفْلَينِ مِن رَّحْمَتِهِ} فيه وجهان:أحدهما: أن أحد الأجرين لإيمانهم بمن تقدم من الأنبياء، والآخر لإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس.الثاني: أن أحدهما: أجر الدنيا، والآخر أجر الآخرة، قاله ابن زيد.ويحتمل ثالثًا: أن أحدهما أجر اجتناب المعاصي، والثاني أجر فعل الطاعات.ويحتمل رابعًا: أن أحدهما أجر القيام بحقوق الله والثاني أجر القيام بحقوق العباد.{وَيَجْعَلَ لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} فيه قولان:أحدهما: أنه القرآن، قاله ابن عباس.الثاني: أنه الهدى، قاله مجاهد.ويحتمل ثالثًا: أنه الدين المتبوع في مصالح الدنيا وثواب الآخرة. وقد روى أبو بريدة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَينِ: رَجُلٌ آمَنَ بِالكِتَابِ الأَوَّلِ وَالْكِتَابِ الآخِرِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَه أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا وَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لَسَيِّدِهِ».{لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} قال الأخفش: معناه ليعلم أهل الكتاب وأن (لا) صلة زائدة وقال الفراء: لأنْ لا يعلم أهل الكتاب و(لا) صلة زائدة في كلام دخل عليه جحد.{أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ} فيه وجهان:أحدهما: من دين الله وهو الإسلام قاله مقاتل.الثاني: من رزق الله، قاله الكلبي.وفيه ثالث: أن الفضل نعم الله التي لا تحصى. اهـ.
وما بعد هذا قد ذكرناه في سورة [النساء: 37] والذي قيل في البخل هناك هو الذي قيل هاهنا إلى قوله: {ومن يتول} أي: عن الإيمان {فإن الله هو الغني} عن عباده {الحميد} إلى أوليائه.وقد سبق معنى الاسمين في [البقرة: 267] وقرأ نافع وابن عامر: {فإن الله الغني الحميد} ليس فيها (هو) وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة، والشام.قوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات} أي: بالآيات والحجج {وأنزلنا معهم الكتاب} ببيان الشرائع، والأحكام.وفي {الميزان} قولان.أحدهما: أنه العدل، قاله ابن عباس، وقتادة.والثاني: أنه الذي يوزن به، قاله ابن زيد ومقاتل.فعلى القول الأول: يكون المعنى: وأمرنا بالعدل.وعلى الثاني: ووضعنا الميزان، أي: أمرنا به {ليقوم الناس بالقسط} أي: لكي يقوموا بالعدل.قوله تعالى: {وأنزلنا الحديد} فيه قولان.أحدهما: أن الله تعالى أنزل مع آدم السندان، والكلبتين، والمطرقة، قاله ابن عباس.والثاني: أن معنى {أنزلنا}: أنشأنا وخلقنا، كقوله تعالى: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} [الزمر: 6].قوله تعالى: {فيه بأس شديد} قال الزجاج: وذلك أنه يُمتَنع به، ويُحارَب به {ومنافع للناس} في أدواتهم: وما ينتفعون به من آنية وغيرها.قوله تعالى: {وليعلمَ الله} هذا معطوف على قوله تعالى: {ليقومَ الناس}، والمعنى: ليتعامل الناس بالعدل وليعلم الله من ينصره بالقتال في سبيله، ونصرة دينه، وذلك أنه أمر في الكتاب الذي أنزل بذلك.وقد سبق معنى قوله تعالى: {وليعلم الله} في مواضع.وقوله تعالى: {بالغيب} أي: ولم ير الله، ولا أحكام الآخرة، وإنما يجهد ويثاب من أطاع بالغيب.قوله تعالى: {وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب} يعني: الكتب {فمنهم} يعني: من الذرية {مهتدٍ وكثير منهم فاسقون} فيه قولان:أحدهما: كافرون، قاله ابن عباس.والثاني: عاصون، قاله مقاتل.قوله تعالى: {ثم قَفَّينا على آثارهم} أي: أَتْبَعْنا على آثار نوح، وإبراهيم، وذريتهما {بعيسى} وكان آخر أنبياء بني إِسرائيل، {وجعلنا في قلوب الذين اتَّبعوه} يعني: الحواريين وغيرهم من أتباعه على دينه {رأفةً} وقد سبق بيانها [النور: 2] متوادّين، كما وصف الله تعالى أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، فقال تعالى: {رحماء بينهم} [الفتح: 29].قوله تعالى: {ورهبانية ابتدعوها} ليس هذا معطوفًا على ما قبله، وإنما انتصب بفعل مضمر، يدل عليه ما بعده، تقديره: وابتدعوا رهبانيةً ابتدعوها، أي: جاؤوا بها من قِبل أنفسهم، وهي غلوُّهم في العبادة، وحمل المشاق على أنفسهم في الامتناعِ عن المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبُّد في الجبال {ما كتبناها عليهم} أي: ما فرضناها عليهم.
|