الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{والذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا} {من} للبيان كأنه قيل: هب لنا قرة أعين.ثم بينت القرة وفسرت بقوله من أزواجنا {وذرّيّاتنا} ومعناه أن يجعلهم الله لهم قرة أعين وهو من قولهم رأيت منك أسدًا أي أنت أسد، أو للابتداء على معنى هب لنا من جهتهم ما تقربه عيوننا من طاعة وصلاح {وذريتنا} أبو عمر وكوفي غير حفص لإرادة الجنس وغيرهم {ذرياتنا} {قرّة أعينٍ} وإنما نكر لأجل تنكير القرة لأن المضاف لا سبيل إلى تنكيره إلا بتنكير المضاف إليه كأنه قال: هب لنا منهم سرورًا وفرحًا.وإنما قيل {أعين} على القلة دون عيون لأن المراد أعين المتقين وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم قال الله تعالى: {وقليل من عبادى الشكور} [سبأ: 13] ويجوز أن يقال في تنكير {أعين} إنها أعين خاصة وهي أعين المتقين، والمعنى أنهم سألوا ربهم أن يرزقهم أزواجًا وأعقابًا عمالًا لله تعالى يسرون بمكانهم وتقر بهم عيونهم.وقيل: ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله تعالى.وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هو الولد إذا رآه يكتب الفقه {واجعلنا للمتّقين إمامًا} أي أئمة يقتدون بنا في الدين فاكتفى بالواحد لدلالته على الجنس ولعدم اللبس، أو واجعل كل واحد منا إمامًا.قيل: في الآية ما يدل على أن الرياسة في الدين يجب أن تطلب ويرغب فيها.{أولئك يجزون الغرفة} أي الغرفات وهي العلالي في الجنة فوحد اقتصارًا على الواحد الدال على الجنس دليله قوله: {وهم في الغرفات آمنون} [سبأ: 37] {بما صبروا} أي بصبرهم على الطاعات وعن الشهوات وعلى أذى الكفار ومجاهدتهم وعلى الفقر وغير ذلك {ويلقّون فيها} {ويلقون} كوفي غير حفص {تحيّةً} دعاء بالتعمير {وسلامًا} ودعاء بالسلامة يعني أن الملائكة يحيونهم ويسلمون عليهم أو يحيي بعضهم بعضًا ويسلم عليه.{خالدين فيها} حال {حسنت} أي الغرفة {مستقرّا ومقامًا} موضع قرار وإقامة وهي في مقابلة {ساءت مستقرا ومقاما} {قل ما يعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم} {ما} متضمنة لمعنى الاستفهام وهي في محل النصب ومعناه ما يصنع بكم ربي لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام أو لولا عبادتكم له أي أنه خلقكم لعبادته كقوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56] أي الاعتبار عند ربكم لعبادتكم.أو ما يصنع بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة، وهو كقوله تعالى: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم} [النساء: 147] فقد كذّبتم رسولي يا أهل مكة {فسوف يكون} العذاب {لزامًا} أي ذا لزام أو ملازمًا وضع مصدر لازم موضع اسم الفاعل، وقال الضحاك: ما يعبأ ما يبالي بمغفرتكم لولا دعاؤكم معه إلهًا آخر. اهـ.
وقرأ أبو بكر بالرفع على الاستئناف أو الحال وكذلك: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} وابن كثير ويعقوب يضعف بالجزم وابن عامر بالرفع فيهما مع التشديد وحذف الأَلف في {يضعف}، وقرئ {وَيَخْلُدْ} على بناء المفعول مخففًا، وقرئ مثقلًا وتضعيف العذاب مضاعفته لانضمام المعصية إلى الكفر ويدل عليه قوله: {إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالحا فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حسنات} بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ويثبت مكانها لواحق طاعتهم، أو يبدل ملكة المعصية في النفس بملكة الطاعة. وقيل بأن يوفقه لأضداد ما سلف منه، أو بأن يثبت له بدل كل عقاب ثوابًا. {وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} فلذلك يعفو عن السيئات ويثيب على الحسنات.{وَمَن تَابَ} عن المعاصي بتركها والندم عليها. {وَعَمِلَ صالحا} يتلافى به ما فرط، أو خرج عن المعاصي ودخل في الطاعة. {فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى الله} يرجع إلى الله بذلك. {مَتابًا} مرضيًا عند الله ماحيًا للعقاب محصلًا للثواب، أو يتوب متابًا إلى الله الذي يحب التائبين ويصطنع بهم؛ أو فإنه يرجع إلى الله وإلى ثوابه مرجعًا حسنًا وهو تعميم بعد تخصيص.
|