الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال الشاعر يذكر سفينة كان فيها:
وقال أبو عبيدة: هذا على طريق المثل، ولم يكن هناك غل، إنما أراد: منعناهم عن الإيمان وعما أرادوا بموانع، فجعل الأغلال مثلًا لذلك، وفي الخبر أنّ أبا ذؤيب كان يهوى امرأة في الجاهلية، فلما أسلم أتته المرأة واسمها أمُ مالك فراودته عن نفسه، فأبى وأنشد يقول: أراد منعنا: بموانع الإسلام عن تعاطي الزنا والفسق، وقال عكرمة: {إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلًا} يعني ظلمات وضلالات كانوا فيها.{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأغْشَيْنَاهُمْ} فأعميناهم، العامة بالغين.أخبرني الحسن بن محمد الثقفي قال: حدّثنا البغوي ببغداد قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن أبي شنبه البغدادي قال: حدّثنا أبو القاسم عثمان بن صالح الحناط قال: حدّثنا عثمان بن عمر عن شعبة عن علي بن نديمة قال: سمعت عكرمة يقول: بالعين غير معجمة وروى ذلك عن ابن عباس.{فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ وَسَوَاءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ} أخبرنا ابن فنجويه الدينوري عن عبد الله بن محمد بن شنبه قال: حدّثنا عمير بن مرداس قال: حدّثنا سلمة بن شبيب قال: حدّثنا الحسين بن الوليد قال: حدّثنا حنان بن زهير العدوي عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز، وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه عن الفربابي قال: حدّثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا محمد بن عمرو الليثي أنّ الزهري حدثه قال: دعا عمر بن عبد العزيز غيلان القدري فقال: يا غيلان بلغني أنك تكلم في القدر؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنهم يكذبون عليّ. قال: يا غيلان اقرأ أول سورة يس فقرأ: {يس والقرآن الحكيم} إلى قوله: {وَسَوَاءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُون}. فقال غيلان: يا أمير المؤمنين والله لكأني لم أقرأها قط قبل اليوم، أُشهدك يا أمير المؤمنين أني تائب مما كنت أقول في القدر. فقال عمر بن عبد العزيز: اللهم إن كان صادقًا فتب عليه، وإن كان كاذبًا فسلط عليه من لا يرحمه واجعله آية للمؤمنين.قال: فأخذه هشام فقطع يديه ورجليه.وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه عن الفربابي قال: حدّثنا عبد الله بن معاذ قال: حدّثنا أبي عن بعض أصحابه قال: حدث محمد بن عمير بهذا الحديث ابن عون، فقال ابن عون: أنا رأيته مصلوبًا على باب دمشق.{إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر} يعني إنما ينفع إنذارك لأنه كان ينذر الكل {مَنِ اتبع الذكر} القرآن فعمل به {وَخشِيَ الرحمن بالغيب فَبَشِّرْهُ} أخبره {بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى} عند البعث {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ} من الأعمال {وَآثَارَهُمْ} ما استُن به بعدهم، نظيره قوله: {يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: 13]، وقوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الإنفطار: 5].وقال المغيرة بن شعبة والضحاك: نزلت في بني عذرة، وكانت منازلهم بعيدة عن المسجد فشق عليهم حضور الصلوات، فأنزل الله عز وجل: {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ} يعني خُطاهم إلى المسجد.أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا جعفر بن محمد الفربابي قال: حدّثنا حنان بن موسى قال: حدّثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد الحريري عن أبي نضرة عن جابر عن عبد الله قال: أردنا النقلة إلى المسجد والبقاع حول المسجد خالية فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتانا في ديارنا فقال: «يا بني سلمة، بلغني أنكم تريدون النقلة إلى المسجد؟» فقالوا: يا رسول الله، بعد علينا المسجد، والبقاع حول المسجد خالية. فقال: «يا بني سلمة، دياركم فإنما تكتب آثاركم» قال: فما وددنا بحضرة المسجد لمّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الذي قا.أخبرنا أبو علي الروزباري قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن مهرويه الرازي قال: حدّثنا أبو حاتم الرازي قال: حدّثنا قرة بن حبيب قال: حدّثنا عتبة بن عبد الله عن ثابت عن أنس في قوله سبحانه: {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ} قال: الخُطى يوم الجمعة.{وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ} علمناه وعدّدناه وبيناه {في إِمَامٍ مُّبِينٍ} وهو اللوح المحفوظ.{واضرب لَهُمْ مَّثَلًا أَصْحَابَ القرية} وهي أنطاطية {إِذْ جَاءَهَا المرسلون} يعني رُسل عيسى: قالت العلماء بأخبار الأنبياء: بعث عيسى عليه السلام رسولين من الحواريين إلى أنطاكية، فلما قربا من المدينة رأيا شيخًا يرعى غنيمات وهو حبيب صاحب ياس، فسلما عليه، فقال الشيخ: من أنتما؟ قالا: رسولا عيسى يدعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرَّحْمن. فقال: أمعكما آية؟ قالا: نعم، نشفي المرضى ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله. فقال الشيخ: إنّ لي ابنًا مريضًا صاحب فراش منذ سنين. قالا: فانطلق بنا إلى منزلك نتطلع حاله.فأتى بهما إلى منزله، فمسحها ابنه فقام في الوقت بإذن الله صحيحًا، ففشا الخبر في المدينة وشفى الله على يديهما كثيرًا من المرضى، وكان لهم ملك يقال له سلاحين، وقال: وهب اسمه ابطيحيس، وكان من ملوك الروم يعبد الأصنام، قالوا: فانتهى الخبر إليه فدعاهما، فقال لهما: من أنتما؟ قالا: رسولا عيسى. قال: وما آيتكما؟ قالا: نبرئ الأكمه والأبرص، ونُشفي المرضى بإذن الله. قال: وفيم جئتما؟ قالا: جئناك ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يُبصر إلى عبادة من يسمع ويُبصر. فقال الملك: أو لنا إله سوى آلهتنا؟ قالا: نعم من أوجدك وآلهتك. قال: قوما حتى أنظر في أمركما. فتتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما في السوق.وقال وهب بن منبه: بعث عيسى عليه السلام هذين الرسولين إلى أنطاكية فأتياها ولم يصلا إلى ملكها فطالت مدة مقامهما، فخرج الملك ذات يوم: فكبرا وذكرا الله، فغضب الملك وأمر بهما فأُخذا وحُبسا وجلد كل واحد منهما مئة جلدة. قالوا: فلما كُذب الرسولان وضُربا، بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفا على أثرهما لينصرهما.فدخل شمعون البلدة متنكرًا وجعل يُعاشر حاشية الملك حتى أنَسوا به فرُفع خبره إلى الملك فدعاه فرضى عشرته، وآنس به وأكرمه. ثم قال له ذات يوم: أيها الملك بلغني أنك حبست رجلين في السجن ضربتهما حين دعواك إلى غير دينك، فهل كلمتهما وسمعت قولهما؟ فقال الملك: حال الغضب بيني وبين ذلك. قال: فإذا رأى الملك دعاهما حتى نتطلع ما عندهما.فدعاهما الملك فقال لهما شمعون: من أرسلكما إلى ها هنا؟ قالا: الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك. فقال لهما شمعون: فصِفاهُ وأوجزا. فقالا: إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يُريد. قال شمعون: وما آيتكما؟ قالا له: ما تتمناه. فأمر الملك حتى جاءوا بغلام مطموس العينين موضع عينيه كالجبهة. فما زالا يدعوان ربّهما حتى انشق موضع البصر، فأخذا بندقتين من الطين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين فبصر بهما، فتعجب الملك، فقال شمعون للملك: أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع صنيعًا مثل هذا فيكون لك الشرف ولإلهك.فقال له الملك: ليس عندي سر إنّ إلهنا الذي نعبده لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع، وكان شمعون إذا دخل الملك على الصنم يدخل بدخوله ويُصلّي كثيرًا ويتضرع، حتى ظنوا أنه على ملتهم.وقال الملك للرسولين: إن قدر إلهكما الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما. قالا: إلهنا قادر على كل شيء. فقال الملك: إنّ ها هنا ميتًا مات منذ سبعة أيام ابنًا لدهقان وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه وكان غائبًا.فجاءوا بالميت وقد تغيّر وأروح، فجعلا يدعوان ربهما علانية، وجعل شمعون يدعو ربه سرًا. فقام الميت وقال: إني قد مُتُ منذ سبعة أيام، ووُجدت مشركًا فأُدخلت في تسعة أودية من النار، وأنا أُحذركم ما أنتم فيه، فآمنوا بالله.ثم قال: فتحت أبواب السماء فنظرت فرأيت شابًا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة. قال الملك: ومن الثلاثة؟ قال: شمعون وهذان، وأشار إلى صاحبيه. فتعجب الملك، فلما علم شمعون أنّ قوله أثر في الملك أخبره بالحال ودعاه، فآمن قوم وكان الملك فيمن آمن، وكفر آخرون.وقال ابن إسحاق عن كعب ووهب: بل كفر الملك، وأجمع هو وقومه على قتل الرسل، فبلغ ذلك حبيبًا وهو على باب المدينة الأقصى فجاء يسعى إليهم ويذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين فذلك قوله سبحانه: {إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثنين}.واختلفوا في اسميهما، فقال ابن عباس: تاروص وماروص، وقال وهب: يحيى ويونس، ومقاتل: تومان ومانوص.{فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أي فقوّينا برسول ثالث. قرأ طلحة بن مصرف وعاصم عن حفص: {فَعَزَّزْنَا} مخففًا، أي فغلبناهم، من عزيز برسول ثالث وهو شمعون.وقال مقاتل: شمعان، وقال كعب: الرسولان صادق وصدوق والثالث شلوم وإنما أضاف الإرسال إليه لأن عيسى عليه السلام إنما بعثهم بأمره عزّ وجل، وكانوا في جملة الرُسل، فقالوا جميعًا لأهل أنطاكية: {إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ الرحمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} ما أنتم إلاّ كاذبون.{قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ البلاغ المبين قالوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا} تشاءمنا.{بِكُمْ} قال مقاتل: حبس عنهم المطر فقالوا: هذا بشؤمكم {لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ} قال قتادة: بالحجارة، وقال آخرون: لنقتلنكم، {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُواْ طَائِرُكُم} شؤمكم {مَّعَكُمْ} بكفركم، وقال ابن عباس والضحاك: حظّكم من الخير والشر. قال قتادة: أعمالكم، وقرأ الحسن والأعرج: {طيركم} .{أَإِن ذُكِّرْتُم} وعظتم، وقرأ أبو جعفر بالتخفيف، يعني من حيث ذكرتم، وجوابه محذوف مجازه: أئن ذكرتم قلتم هذا القول، {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} مشركون مجاوزون الحد.قوله: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى المدينة رَجُلٌ يسعى} وهو حبيب بن مري، وقال ابن عباس ومقاتل: حبيب بن إسرائيل النجار، وقال وهب: وكان رجلًا سقيمًا قد أسرع فيه الجذام، وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة، وكان مؤمنًا ذا صدقة يجمع كسبه إذا أمسى فيقسمه نصفين: فيطعم نصفًا عياله ويتصدق بنصفه، فلما بلغه أنّ قومه قصدوا قتل الرسل جاءهم فقال: {ياقوم اتبعوا المرسلين اتبعوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} قال قتادة: لما انتهى حبيب إلى الرسل قال لهم: تسألون على هذا من أجر؟ قالوا: لا.فقال ذلك. قال: وكان حبيب في غار يعبد ربه، فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وما هو عليه من التوحيد وعبادة الله، فقيل له: وأنت مخالف لديننا وتابع دين هؤلاء الرسل ومؤمن بإلههم؟ فقال: {وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونَ إني} إن فعلت ذلك {إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ إني آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فاسمعون} فلما قال لهم ذلك وثبوا إليه وثبة رجل واحد فقتلوه ولم يكن أحد يدفع عنه.قال عبد الله بن مسعود: وطئوه بأرجلهم حتى خرج قضيبه من دبره، وقال السدّي: كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهدِ قومي حتى قطعوه وقتلوه، وقال الحسن: خرقوا خرقًا في حلقة فعلقوه من سوق المدينة، وقبره في سور أنطاكية فأوجب الله له الجنة، فذلك قوله: {قِيلَ ادخل الجنة}.فلما أفضى إلى جنة الله وكرامته، {قَالَ يا ليت قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المكرمين}. اهـ.
|