فصل: (سورة النمل الآيات: 20- 26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

اشتملت هذه الآيات على فنون شتى ندرجها فيما يلي:
1- التنكير وأسراره:
ففي قوله: {وقد آتينا داود وسليمان علما} التنكير وفائدته إفادة التبعيض والتقليل أو إفادة التعظيم والتكثير، والثاني هو المراد هنا فظاهر قوله في ولقد آتينا داود وسليمان علما في سياق الامتنان تعظيم العلم الذي أوتياه كأنه قال علما أي علم وهو كذلك فإن علمهما كان مما يستغرب ويستعظم ومن ذلك علم منطق الطير وسائر الحيوانات، على أن كل علم بالإضافة إلى علم اللّه قليل ضئيل.
قصة رائعة:
ونورد هنا قصة مروية جريا على عادتنا في إدراج القصص المروية لتكون مصدر إلهام للكتاب ومعالم صبح لهم، قال مقاتل: كان سليمان جالسا في معسكره، وكانت مساحته مائة فرسخ في مائة، خمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للإنس وخمسة وعشرون للطير وخمسة وعشرون للوحش، وقد نسجت له الجن بساطا من ذهب وإبريسم فرسخا في فرسخ، فمر به طائر يطوف وفي رواية رأى بلبلا على شجرة فقال لجلسائه: أتدرون ما يقول هذا الطائر؟ قالوا: اللّه ونبيه أعلم قال: يقول: أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء، ومر بهدهد فوق شجرة فقال: استغفروا اللّه يا مذنبون، وصاحت فاختة فأخبر أنها تقول: ليت ذا الخلق لم يخلقوا، وصاح طاوس فقال يقول:
كما تدين تدان، وصاح طيطوى فقال يقول: كل حي ميت وكل جديد بال، وصاح خطاف فقال يقول: قدموا خيرا تجدوه، وصاح قمري فأخبر أنه يقول: سبحان ربي الأعلى، وقال الحدأ يقول: كل شيء هالك إلا وجهه، والقطاة تقول: من سكت سلم، والببغاء تقول: ويل لمن الدنيا همه، والديك يقول: اذكروا اللّه يا غافلون، والنسر يقول: يا ابن آدم عش ما شئت آخرك الموت، والعقاب يقول في البعد من الناس أنس، والضفدع يقول: سبحان ربي الأعلى.
2- استعمال حرف الجر:
وقال: {حتى إذا أتوا على وادي النمل} فعدّى أتوا بعلى لأن الإتيان كان من فوق فأتى بحرف الاستعلاء وقد رمق أبو الطيب المتنبي هذه السماء العالية فقال:
فلشد ما جاوزت قدرك صاعد ** ولشدّ ما قربت عليك الأنجم

فقد عنى بالأنجم أبيات شعره ويقول: ما أشد ما تجاوزت قدرك حتى بعثت تسألني المديح ومسألتك إياي مدحك تجاوز منك لقدرك حين طلبت أن تهبط الأنجم من سمواتها لتكون قريبة منك، وهذا البيت من أمض الهجاء وأقذعه وهو من قصيدة لأبي الطيب المتبني فقد سافر من الرملة يريد أنطاكية فنزل بطرابلس وبها اسحق بن ابراهيم الأعور بن كيغلغ وكان جاهلا يجالسه ثلاثة نفر من بني حيدرة، وكان بينه وبين أبي الطيب عداوة قديمة فقالوا له أتحب أن يتجاوزك ولا يمدحك، وجعلوا يغرونه فراسله أن يمدحه فاحتج عليه بيمين لحقته لا يمدح أحدا إلى مدة، فعاقه عن طريقه ينتظر المدة، وأخذ عليه الطريق وضبطها، ومات النفر الثلاثة الذين كانوا يغرونه في مدة أربعين يوما فهجاه أبو الطيب المتنبي وأملاها على من يثق به، فلما ذاب الثلج خرج كأنه يسير فرسه وسار إلى دمشق فأتبعه ابن كيغلغ خيلا ورجلا فأعجزهم وظهرت القصيدة وأولها:
لهوى النفوس سريرة لا تعلم ** عرضا نظرت وخلت أني أسلم

ومن أبياته الحكيمة فيها:
ولقد رأيت الحادثات فلا أرى ** يققا يميت ولا سوادا يعصم

والهم يخترم الجسيم نحافة ** ويشيب ناصية الصبيّ ويهرم

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

والناس قد نبذوا الحفاظ فمطلق ** ينسى الذي يولى وعاف يندم

لا يخدعنّك من عدوّ دمعه ** وارحم شبابك من عدوّ ترحم

لا يسلم الشرف الرفيع من ** الأذى حتّى يراق على جوانبه الدّم

والظلم من شيم النفوس فإن ** تجد داعفة فلعلّة لا يظلم

ثم تطرق إلى هجاء ابن كيغلغ فقال وأقذع:
يحمي ابن كيغلغ الطريق وعرسه ** ما بين رجليها الطريق الأعظم

أقم المسالح وق شفر سكينة ** إن المنيّ بحلقتيها خضرم

وارفق بنفسك إنّ خلقك ناقص ** واستر أباك فإنّ أصلك مظلم

واحذر مناوأة الرجال فإنما ** تقوى على كسر العبيد وتقدم

وغناك مسألة وطيشك نفخة ** ورضاك فيشلة وربك درهم

ثم يعود إلى الحكمة الملائمة فيقول:
ومن البلية عذل من لا يرعوي ** عن غيّه وخطاب من لا يفهم

يمشي بأربعة على أعقابه ** تحت العلوج ومن وراء يلجم

وجفونه ما تستقر كأنها ** مطروفة أو فتّ فيها حصرم

وإذا أشار محدثا فكأنه ** قرد يقهقه أو عجوز تلطم

يقلى مفارقة الأكفّ قذاله ** حتى يكاد على يد يت عمّم

وتراه أصغر ما تراه ناطقا ** ويكون أكذب ما يكون ويقسم

والذل يظهر في الذليل مودة ** وأودّ منه لمن يودّ الأرقم

ومن العداوة ما ينالك نفعه ** ومن الصداقة ما يضر ويؤلم

والقصيدة كلها من هذا النمط البديع فحسبنا ما أوردناه منها، ونعود إلى ما نحن بصدده فنقول: ويجوز أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره من قولهم أتى على الشيء إذا بلغ آخره.
3- التوليد:
وقد اشتملت الآية: {قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون} على أحد عشر نوعا من البلاغة يتولد بعضها من بعض وقد ذكرها السيوطي في كتابه الإتقان أي قالت قولا مشتملا على حروف وأصوات والمراد قالته على وجه النصيحة وقد اشتمل هذا القول منها على أحد عشر نوعا من البلاغة:
أولها: النداء بيا.
وثانيها: كنّت بأي.
وثالثها: نبّهت بها التنبيه.
ورابعها: سمّت بقولها النمل.
وخامسها: أمرت بقولها ادخلوا.
وسادسها: نصّت بقولها مساكنهم.
وسابعها: حذرت بقولها لا يحطمنكم.
وثامنها: خصّصت بقولها سليمان.
وتاسعها: عمّمت بقولها وجنوده.
وعاشرها: أشارت بقولها وهم.
وحادي عشرها: عذرت بقولها لا يشعرون.
هذا وقد أنشدوا ملغزين في نملة سليمان وبقرة بني إسرائيل:
فما ميت أحيا له الله ميتا ** ليخبر قوما أنذروا ببيان

وعجفاء قد قامت لتنذر قومها ** وأهل قراها رهبة الحدثان

.الفوائد:

1- ما الذي أضحك سليمان؟ وإنما ضحك سليمان من قول النملة لشيئين:
أولهما: ما دل على ظهور رحمته ورحمة جنوده وشفقتهم وذلك قولها وهم لا يشعرون يعني أنهم لو شعروا لم يفعلوا.
وثانيهما: سروره بما آتاه اللّه مما لم يؤت أحدا من إدراك سمعه ما قالته النملة وهي مثل في الضآلة والقماءة، والإنسان إذا رأى أو سمع ما لا عهد له به ضحك.
2- الحال المبنية والمؤكدة:
الحال ضربان مؤسسة وتسمى أيضا مبينة وهي التي لا يستفاد معناها بدونها كجاء زيد راكبا فلا يستفاد معنى الركوب إلا بذكر راكبا، ومؤكدة وهي التي يستفاد معناها بدون ذكرها، وهذه تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
آ- مؤكدة لعاملها لفظا ومعنى نحو: {وأرسلناك للناس رسولا} فرسولا حال من الكاف وهي مؤكدة لعاملها وهو أرسلنا لفظا ومعنى.
ب- مؤكدة لعاملها معنى فقط واللفظ مختلف نحو: {فتبسم ضاحكا} فضاحكا حال من فاعل تبسم وهي مؤكدة لعاملها معنى فقط لأن التبسم نوع من الضحك واللفظ مختلف.
ح- مؤكدة لصاحبها نحو: {لآمن من في الأرض كلهم جميعا} فجميعا حال من فاعل آمن وهو من الموصولة مؤكدة لها. وهناك أقسام أخرى للحال المؤكدة يرجع إليها في المطولات.

.[سورة النمل الآيات: 20- 26]:

{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شيء وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)}.

.اللغة:

{الْهُدْهُدَ} والهدهد والهدهد طائر ذو خطوط وألوان كثيرة الواحدة هدهدة وهدهدة وهداهدة والجمع هداهد وهداهيد، ويقولون أبصر من هدهد لأنهم يزعمون أنه يرى الماء تحت الأرض، والهدهد أيضا كل ما يقرقر من الطير والحمام الكثير وستأتي قصته مع سليمان في باب الفوائد.
{فَمَكَثَ} بضم الكاف وفتحها والأول من باب قرب والثاني من باب نصر وفي القاموس وغيره: مكث يمكث من باب نصر مكثا ومكثا ومكوثا ومكثانا ومكّيثى ومكّيثاء بالمكان أقام ولبث فهو ماكث والاسم المكث والمكث ومكث يمكث من باب قرب مكاثة:
لبث ورزن.
{سَبَإٍ} بلاد واقعة جنوب غربي الجزيرة العربية في اليمن ذكرت في كتب العهد القديم وفي مؤلفات العرب واليونان والرومان كانت على جانب عظيم من الحضارة، كان يتعاطى سكانها تجارة الذهب والفضة والأحجار الكريمة.
وقال الزمخشري في الكشاف: {سبأ} قرئ بالصرف ومنعه وقد روي بسكون الباء، وعن ابن كثير في رواية سبأ بالألف كقولهم ذهبوا أيدي سبا وهو سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان، فمن جعله اسما للقبيلة لم يصرف، ومن جعله اسما للحي أو الأدب الأكبر صرف قال:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ ** يبنون من دون سيله العرما

وقال:
الواردون وتيم في ذرا سبأ ** قد عض أعناقهم جلد الجواميس

ثم سميت مدينة مأرب بسبأ وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث كما سميت معافر بمعافر بن أد ويحتمل أن يراد المدينة والقوم.
معنى ذهبوا أيدي سبا:
هذا ويقال ذهبوا أيدي سبا وفيه لغتان أيدي سبا وأيادي سبا وله حالتان: إما أن تركب الاسمين اسما واحدا وتبنيهما لتضمن حرف العطف كما فعلوا بخمسة عشر والثانية أن تضيف الأول إلى الثاني وموضعهما النصب على الحال والمراد ذهبوا متفرقين ومتبددين ونحوهما، وإذا اعترض بأن سبا معرفة قيل بأن تركيبهما طاح بمعنى العلمية وصارا اسما واحدا، وأصل هذا المثل أن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان لما أنذروا بسيل العرم خرجوا من اليمن متفرقين في البلاد فقيل لكل جماعة تفرقت ذهبوا أيدي سبا، والمراد بالأيدي الأبناء والأسرة لا نفس الجارحة لأن التفرق وقع بهم واستعير اسم الأيدي لأنهم في التقوى والبطش بهم بمنزلة الأيدي.
{الْخَبْ ءَ} مصدر بمعنى المخبوء يقال خبأت الشيء أخبؤه خبئا من باب نفع أي سترته، والخبء في السموات المطر وفي الأرض النبات.

.الإعراب:

{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ} كلام مستأنف للشروع في سرد أمر آخر حدث لسليمان أثناء مسيره الذي كانت فيه قصة النمل. وتفقد فعل ماض وفاعله ضمير مستتر تقديره هو أي سليمان والطير مفعول به فقال عطف على تفقد وما اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ولي خبره وجملة لا أرى الهدهد حال وأم منقطعة وكان فعل ماض ناقص واسمها ضمير مستتر يعود على الهدهد ومن الغائبين خبر كان.
{لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ} اللام موطئة للقسم وأعذبنه فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا والهاء مفعول به وعذابا مفعول مطلق وشديدا صفة أو لأذبحنه عطف على لأعذبنه أو ليأتيني عطف عليه أيضا وبسلطان متعلقان بيأتيني ومبين صفة.
{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} الفاء استئنافية ومكث فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الهدهد أو على سليمان وغير بعيد ظرف زمان متعلق بمكث أو على الأصح صفة لظرف محذوف نابت عنه أي وقت غير بعيد أو مكانا غير بعيد فهو ظرف مكان، فقال عطف على مكث وهذا يؤيد عودة الضمير إلى الهدهد وجملة أحطت مقول القول وبما متعلقان بأحطت وجملة لم نحط صلة وبه متعلقان بتحط وجئتك عطف على أحطت ومن سبأ متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لنبأ وبنبإ متعلقان بجئتك ويقين صفة لنبأ.
{إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شيء وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ} ان واسمها وجملة وجدت امرأة خبر إني وجملة تملكهم صفة لامرأة وأوتيت الواو عاطفة أو حالية وجملة أوتيت إما معطوفة على جملة تملكهم وساغ عطف الماضي على المضارع لأن المضارع بمعنى الماضي أي ملكتهم وإما حالية من فاعل تملكهم وقد مقدرة ومن كل شيء متعلقان بأوتيت أو بمحذوف هو مفعول أوتيت الثاني والتقدير أيضا من كل شيء ولها خبر مقدم وعرش مبتدأ مؤخر وعظيم صفة.
{وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} جملة وجدتها بدل من وجدت امرأة فهي داخلة في حيز الخبر ووجدتها هنا تتعدى لواحد لأنها بمعنى لقيتها والهاء مفعول به وقومها عطف على الهاء أو مفعول معه وجملة يسجدون حال من مفعولها وما عطف عليه وللشمس متعلقان بيسجدون ومن دون اللّه حال.
{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ} الواو حرف عطف وزين فعل ماض ولهم متعلقان به والشيطان فاعله وأعمالهم مفعوله فصدهم عطف على زين وعن السبيل متعلقان بصدهم، فهم الفاء عاطفة وهم مبتدأ وجملة لا يهتدون خبر.
{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} يجب حذف النون في الرسم اتباعا لسنة المصحف وأن هي حرف مصدري ونصب ولا زائدة والمعنى أن يسجدوا، وهذا المصدر المؤول معمول لقوله لا يهتدون لكن بنزع الخافض وهو إلى والمعنى فهم لا يهتدون إلى السجود وعلى هذا الاعراب لا يصح الوقوف على يهتدون، ويجوز أن يكون المصدر بدلا من أعمالهم والتقدير وزين لهم الشيطان أعمالهم عدم السجود، ويجوز أن يكون بدلا من السبيل، وقرئ بتخفيف ألا فهي حرف تنبيه واستفتاح ويا حرف نداء والمنادى محذوف واسجدوا فعل أمر فكان حق الخط على هذه القراءة أن يكون يا اسجدوا ولكن الصحابة أسقطوا ألف يا وهمزة الوصل من اسجدوا خطا لما سقطت لفظا ووصلوا يا بسين اسجدوا فصارت صورته يسجدوا كما ترى فاتحدت القراءتان لفظا وخطا واختلفتا تقديرا وسيأتي بحث اختلاف النحويين في يا الداخلة على فعل أو حرف في باب الفوائد.
وللّه متعلقان بيسجدوا والذي موصول نعت للّه وجملة يخرج الخبء صلة وفي السموات والأرض متعلقان بالخبء أي المخبوء في السموات أو بيخرج على أن في بمعنى من أي يخرجه من السموات والأرض.
{وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ} ويعلم عطف على يخرج فهو داخل في حيز الصلة وفاعل يعلم ضمير مستتر يعود على اللّه وما موصول مفعول به وجملة تخفون صلة وما تعلنون عطف على ما تخفون.
{اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} كلام مستأنف مسوق للثناء على عرش اللّه العظيم بعد الالماع إلى عرش بلقيس وبينهما بون عظيم.