فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)}.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: قالت الكهنة لفرعون: إنه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكك. فجعل فرعون على كل ألف امرأة مائة رجل، وعلى كل مائة عشرة، وعلى كل عشر رجلًا، فقال: انظروا كل امرأة حامل في المدينة، فإذا وضعت حملها ذكرًا فاذبحوه، وإن كانت أنثى فخلوا عنها، وذلك قوله: {يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {يسومونكم سوء العذاب} الآية. قال: إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة، فقال له الكهنة: سيولد العلم بمصر غلام يكون هلاكك على يديه. فبعث في أهل مصر للنساء قوابل، فإذا ولدت امرأة غلامًا أتى به فرعون فقتله ويستحيي الجواري.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بلاء من ربكم عظيم} بقوله: نعمة.
وأخرج وكيع عن مجاهد في قوله: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم} قال: نعمة من ربكم عظيمة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{إذ} في موضع نصب عطفًا على {نعْمَتي} وكذلك الظُّروف التي عبده نحو: {وَإِذْ وَاعَدْنَا} [البقرة: 51]، {وَإِذْ قُلْتُمْ} [البقرة: 55].
وقرئ: {أَنْجَيْتُكُمْ} على التوحيد.
وهذا الخطاب للموجودين في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام ولابد من حذف مضاف، أي: أنجينا آباءكم، نحو: {حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية} [الحاقة: 11]؛ لأن إنجاء الآباء سبب في وجود الأبناء، وأصل الإنْجَاء والنَّجَاة: الإلقاء على نَجْوَةِ من الأرض، وهي المرتفع منها ليسلم من الآفات، ثم أطلق الإنْجاء على كل فَائِزٍ وخارج من ضِيْقٍ إلى سَعَةٍ، وإن لم يُلْقِ على نَجْوَةٍ.
و{من آل} متعلّق به، و{من} لابتداء الغاية.
و{آل} اختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقال سيبويه وأتباعه: إن أصله أهل فأبدلت الهاء همزة لقربها منها كما قالوا: ماء، وأصله ماه، ثم أبلدت الهمزة ألفًا، لسكونها بعد همزة مفتوحة نحو: آمن وآدم ولذلك إذا صُغِّرَ رجع إلى أصله فتقول: أُهَيْل.
قال أبو البقاء: وقال بعضهم: أويل، فأبدلت الألف واوًا.
ولم يرده إلى أصله، كما لم يردوا عُبَيْدًا إلى أصله في التصغير يعني فلم يقولوا: عُوَيْدًا لأنه من عَادَ يَعُود، قالوا: لئلا يلتبس بِعُودِ الخَشَبِ.
وفي هذا نظر؛ لأن النحاة قالوا: من اعتقد كونه من أهل صغره على أُهَيْل، من اعتقد كونه من آل يَئُول أي: رجع صَغّره على أُوَيل.
وذهب النحاس إلى أن أصله أَهْل أيضًا، إلا أنه قلب الهاء ألفًا منغير أن يقلبها أولًا همزة، وتصغيره عنده على أُهَيْلٍ.
وقال الكسَائِيٌّ: أُوَيْل وقد تقدّم ما فيه.
ومنهم من قال أصله: أَوَلَ مشتق من آل يَئُول، أي: رجع؛ لأنّ الإنسان يرجع إلى آله، فتحركت الواو، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، وتصغيره على أُوَيْل نحو: مَال ومُوَيْل وبَاب وبُوَيْب ويعزى هذا الكسَائِيِّ.
وجمعه: آلُون وآلين وهذا شاذٌّ كأَهْلِين؛ لأنه ليس بصفة ولا عَلَمٍ.
قال ابن كَيْسَان: إذا جمعتَ إلا قُلْتَ: آلُونَ، فإن جمعت إلا الذي هو السَّراب قلت: آوَال ليس إلاّ؛ مثل: مَال وأَمْوَال.
واختلف فيه فقيل: آل الرجل قرابته كأهله.
وقيل من كان من شيعته، وإن لم يكن قريبًا منه؛ قال: الطويل:
فَلاَ تَبْكِ مَيْتًا بَعْدَ مَيْتٍ أَجَنَّهُ ** عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ وَآلُ أبِي بَكْرِ

ولهذا قيل: آل النبي من آمن به إلى آخر الدَّهْرِ، ومن لمؤ يؤمن به فليس بآله، وإن كان نسيبًا له، كأبي لَهَبٍ وأبي طالب، ونقل بعضهم أن الرَّاغب ذكر في المفردات أن الآل يطلق على الرَّجل نفسه.
واختلف فيه النُّحَاة: هل يضاف إلى الضمير أم لا؟
فذهب الكسائي، وأبو بكر الزبيدي، والنحاس إلى أن ذلك لا يجوز، فلا يجوز اللَّهم صَلِّ على محمَّد وآله، بل وعلى آل محمد، وذهب جَمَاعة، منهم ابن السِّيدِ إلى جوازه؛ واستدلُّوا بقوله عليه الصلاة والسلام لما سئل فقيل: يا رسول الله من آلُكَ؟ فقال: «آلِي كُلُّ تَقِيٍّ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»؛ وأنشدوا قول عبدالمطلب: الكامل:
لاَهُمَّ إنَّ العَبْدَ يَمْنَعُ ** رَحْلَهُ فَامْنَعْ حَلاَلَكْ

وانْصُرْ عَلَى آل الصَّلِيبِ ** وَعَابِدِيهِ اليَوْمَ آلَكْ

وقول نُدْبَة: الطويل:
أَنَا الفَارِسُ الحَامِي حَقِيقَةَ وَالِدِي ** وَآلِي كَمَا تَحْمِي حَقِيقَةَ آلِكَا

واختلفوا أيضًا فيه: هل يُضَاف إلى غير العُقَلاَء فيقال: آل المدينة وآل مكة؟
فمنعه الجمهور، وقال الأخفش: قد سمعناه في البُلْدَان، قالوا: أهل المدينة وآل المدينة ولا يضاف إلاَ إلى مَنْ له قَدْرٌ وخَطرٌ، فلا يقال: آل الإسْكَاف ولا آل الحَجّام، وهو من الأسماء اللازمة للإضافة معنّى ولفظًا، وقد عرفت ما اختص به من الأحكام دون أصله الذي هو أهل هذا كلّه في آل مرادًا به لأهل، أما آل الذي هو السَّراب فليس مما نحن فيه في شيء، وتصغيره أُوَيْل نحو: مَال وَمُوَيْل وتقدم جمعه.
قوله: {فِرْعَوْنَ} خفض بالإضافة، ولكنه لا ينصرف للعُجْمَةِ والتعريف.
واختلف فيه: هل هو علم شخص، أو علم جنس؛ فإنه يقال لكلّ من ملك القِبْط ومِصْر: فرعون، مثل كِسْرَى لكل من ملك الفرس، وقَيْصَر وهرقل لكل من ملك الروم، ويقال لكل من ملك الهند: نهمز، وقيل: يَعْفُورن، ويقال لمن ملك الصَّابئة: نمْرُوذ، ولمن ملك البربر: جَالُوت، ولمن ملك اليهود فيطون، والمعروف شالخ ولمن ملك فَرْغَانَة الإخشيد، ولمن ملك العرب من قبل العَجم النُّعْمَان؛ ولمن ملك الصين يعفو، وهِرَقْل لكل من ملك الروم، والقَيْل لكل من ملك حِمْير، والنَّجاشي لكل من ملك الحبشة، وبَطْلَيْمُوس لكل من ملك اليونان، وتُبَّع لمن ملك اليمن، وخَاقَان لمن ملك التُّرك.
وقال الزمخشري: وفرعون علم لمن ملك العَمَالقة كقيصر للروم، ولعُتُوّ الفراعنة اشتقوا منه تَفَرْعَنَ فلانٌ، إذا عَتَا وتَجَبَّرَ؛ وفي مُلَحِ بعضهم: الكامل:
قد جَاءَهُ الموسَى الكَلُومُ فَزَادَ في ** أَقْصَى تَفَرْعُنِهِ وَفَرْطِ عُرَامِهِ

وقال المَسْعُودي: لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية.
وظاهر كلام الجوهري أنه مشتق من معنى العتو، فإنه قال: والعُتَاة: الفَرَاعنة، وقد تَفَرْعَنَ، وهو ذو فَرْعَنَةٍ، أي دهاء ومكر.
وفي الحديث: «أخذنا فِرْعَون هذه الأُمّة» إلا أن يريد معنى ما قاله الزمخشري المتقدم.
واسم فرعون موسى: قَابُوس في قول أهل الكتاب، نقله وهب بن منبه وقال ابن إسحاق وَوَهْب: اسمه الوليد بن مصعب بن الريان، ويكنى أبا مُرَّة.
وحكى ابن جريج أن اسمه مصعب بن رَيّان، وهو من بني عمْلِيق بن ولاد بن إرم بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام.
وذكر ابن الخطيب أن ابن وهب قال: إن فرعون يوسف عليه الصَّلاة والسَّلام هو فرعون موسى، لقول موسى عليه الصَّلاة والسلام.
{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات} [غافر: 34] وقال: هذا غير صحيح، إذ كان بين دخول يوسف مصر، وبين أن دخلها موسى أكثر من أربعمائة سنة.
وذكر النووي أن فرعون موسى عمر أكثر من أربعمائة سنة، فمشى قول ابن وهب.
وقال محمد بن إسحاق: هو غير فرعون يوسف إن فرعون يوسف كان اسمه الريان بن الوليد.
قوله: {يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب} هذه الجملة في محل نصب على الحال من آل أي: حال كونهم سَائِمِين، ويجوز أن تكون مستأنفة لمجرد الإخبار بذلك، وتكون حكاية حال ماضية، قال بمعناه ابن عطية، وليس بظاهر.
وقيل: هو خبر لمبتدأ محذوف، أي: هم يسومونكم، ولا حَاجَةَ إليه أيضًا.
وكم مفعول أول، و{سوء} مفعول ثان؛ لأن سَامَ يعتدّى لاثنين كأعْطَى، ومعناه أَوْلاَهُ كذا، وألزمه إياه؛ ومنه قول عمرو بن كُلْثُومٍ: الوافر:
إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفًا ** أَبَيْنَا أن نُقِرَّ الخَسْفَ فينا

قال الزمخشري: وأصله من سَامَ السّلعة إذا طلبها، كأنه بمعنى يبغونكم سوء العذاب، ويزيدونكم عليه.
وقيل أصل السَّوم: الدوام، ومنه سَائِمَةُ الغَنَمِ لمداومتها الرعي.
والمعنى: يديمون تعذيبكم.
وسوء العذاب: أشدّه وأقطعه، وإن كان كله سيّئًا، كأنه أقبحه بالإضافة إلى سائره.
والسوء: كل ما يعم الإنسان من أمْرٍ دنيوي وأخروي، وهو في الأصل مصدر، ويؤنث بالألف، قال تعالى: {أَسَاءُواْ السواءى} [الروم: 10].
وأجاز بعضهم أن يكون {سوء} نعتًا لمصدر محذوف تقديره: يسومونكم سومًا سيئًا، كذا قدره.
وقال أيضًا: ويجوز أن يكون بمعنى سوم العذاب، كأنه يريد بذلك أنه منصوب على نوع المصدر نحو: قعد جلوسًا؛ لأن سوء العذاب نوع من السوم.
قال أبو العباس المُقرئ: ورد لفظ السّوء على خمسة عشر وجهًا:
الأول: بمعنى الشدة كهذه الآية، أي: شدة العذاب.
الثاني: بمعنى العَقْر قال تعالى: {وَلاَ تَمَسُّوهَا بسوء} [هود: 64].
الثالث: الزِّنا قال تعالى: {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سوء} [يوسف: 51].
الرابع: المَرَض قال تعالى: {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سوء} [طه: 22].
الخامس: اللّعْنة قال تعالى: {إِنَّ الخزي اليوم والسوء عَلَى الكافرين} [النحل: 27].
السادس: العَذَاب قال تعالى: {لاَ يَمَسُّهُمُ السوء} [الزمر: 61].
السابع: الشِّرْك قال تعالى: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سوء} [النحل: 28].
الثامن: العِصْيَان قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السوء بِجَهَالَةٍ} [النحل: 119].
التاسع: الشَّتْم قال تعالى: {ويبسطوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بالسوء} [الممتحنة: 2] أي: بالشَّتم، ومثله: {لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسوء مِنَ القول} [النساء: 148] أي: الشَّتْم.
العاشر: الجُنُون قال تعالى: {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ آلِهَتِنَا بسوء} [هود: 54] أي بجنون.
الحادي عشر: اليأس قال تعالى: {وَلَهُمْ سوء الدار} [الرعد: 25] أي: يأس الدار.
الثاني عشر: المرض قال تعالى: {وَيَكْشِفُ السوء} [النمل: 62] يعني المرض.
الثالث عشر: الفَقْر قال تعالى: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير وَمَا مَسَّنِيَ السوء} [الأعراف: 188] أي: الفقر.
الرابع عشر: الهَزِيمة قال تعالى: {فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سوء} [آل عمران: 174] أي: هزيمة.
الخامس عشر: السوء: الصيد، قال تعالى: {فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء} [الأعراف: 165] أي: الصيد.
قوله: {يُذَبِّحُونَ} هذه الجملة يُحْتَمَلُ أن تكون مفسّرة للجملة قبلها، وتفسيرها لها على وجهين:
أحدهما: أن تكون مستأنفةً، فلا محلّ لها حيئنذ من الإعراب، كأنه قيل: كيف كان سومهم العذاب؟ فقيل يذبحون.
الثاني: أن تكون بدلًا منها؛ كقوله: الطويل:
مَتَى تأْتِنَا تُلْمِمْ بِنَا في دِيَارنَا

{وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ العذاب} [الفرقان: 68- 69]، ولذلك ترك العاطف، ويحتمل أن تكون حالًا ثانية، لا على أنها بدل من الأول.
وذلك على رأي من يجوز تعدد الحال وقد منع أبو البقاء هذا الوجه محتجًا بأن الحال تشبه المفعول بهن ولا يعمل العامل في مفعولين على هذا الوصف، وهذا بناء منه على أحد القولين، ويحتمل أن تكون حالًا من فاعل: {يسومونكم}.
والذّبح أصله الشَّقّ، منه المَذَابح لأَخَادِيد السُّيول في الأرض.
والذَّبح المذبوح والذُّبَاح: تشقق في أصول الأصابع.
والمَذَابح أيضًا: المحاريب.
وأما أبناء جمع ابن، رجع به إلى أصله، فَزُدَّت لامه، إما الواو أو الياء حسبما تقدم.
والأصل: أبناو أو أبناي، فأبدل حرف العلة همزة لتطرفه بعد ألف زائدة، والمراد بهم: الأطفال عند أكثر المفسرين.
وقيل: الرجال، وعبر عنهم بالأبناء باعتبار ما كانوا؛ لأنه ذكرهم في مُقَابلة النساء.
والنِّسَاء اسم للبَالِغَات، فكذا المُرَاد من الأبناء الرِّجَال البالغون.
قالوا: إنه كان يأمر بقَتْلِ الرجال الذين يخافون منهم الخُرُوج عليهم والتجمُّع لإفساد أمره.
والأول أولى لحمل لفظ الأبناء على ظاهره، ولأنه كان متعذّر قتل جميع الرِّجَال على كثرتهم، وأيضًا فكانوا مُحْتَاجين إليهم في استعمالهم في الأعمال الشَّاقة، ولو كان كذلك لم يكن لإلقاء موسى عليه الصلاة والسلام في التَّابوت حال صغره معنى.
قوله: {وَفِي ذَلِكُمْ بلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} الجار والمجرور خبر مقدم، و{بَلاَء} مبتدأ.
ولامه واو لظهورها في الفعل نحوك بَلَوْتُه {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} [البقرة: 155]، فأبدلت همزة.
والبلاء يكون في الخير والشر، قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} [الأنبياء: 35]؛ لأن الابتلاء امتحان، فيمتحن الله عباده بالخير ليشكروا، وبالشر ليصبروا.
وقال ابن كيسان: أَبْلاَه وبَلاَه في الخير والشر؛ وأَنْشَدَ: الطويل:
جَزَى الله بِالخَيْرَاتِ ما فعلاَ بِكُمْ ** وَأَبْلاَهُمَا خَيْرَ البَلاَءِ الَّذِي يَبْلُو

فجمع بين اللغتين.
وقيل: الأكثر في الخير أَبْلَيْتُهُ، وفي الشر بَلَوْتُهُ، وفي الاختبار ابْتَلَيْتُهُ وبَلَوْتُهُ.
قال النحاس: فاسم الإشارة من قوله: {وفي ذلكم} يجوز أن يكون إشارة إلى الإنْجَاءِ وهو خير محبوب، ويجوز أن يكون إشارة إلى الذّبح، وهو شر مكروه.
وقال الزمخشري: والبلاء: المِحْنة إن أشير ب {ذلكم} إلى صنيع فِرْعَونَ، والنعمة إن أشير به إلى الإنجاء، وهو حسن.
وقال ابن عطية: {ذلكم} إشارة إلى جملة الأمر، إذ هو خير فهو كفرد حاضر، كأنه يريد أن يشير به إلى مجموع الأمرين من الإنْجَاءِ، والذبحن ولهذا قال بعده: يكون البلاء في الخير والشر، وهذا غير بعدي؛ ومثله: الرمل:
إنَّ لِلْخَيْرِ ولِلشَّرِّ مَدًى

وكل ذلك وجه.
وقيل: و{من ربكم} متعلّق ب {بلاء} و{من} لابتداء الغاية مجازًا.
وقال أبو البقاء: هو في موضع رفع صفة ل {بلاء} فيتعلّق بمحذوف.
وفي هذها نظر، من حيث إنه إذا إجتمع صفتان، إحْدَاهما صريحة، والأخرى مؤولة، قُدِّمت الصريحة، حتى إن بعض الناس يجعل ما سواه ضرورةً، و{عظيم} صفة ل {بلاء} وقد تقدم معناه مستوفى في أول السورة. اهـ. باختصار.