فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات}.
لما أمرهن ونهاهن وبين ما يكون لهن وذكر لهن عشر مراتب الأولى: الإسلام والانقياد لأمر الله والثانية: الإيمان بما يرد به أمر الله، فإن المكلف أولًا يقول كل ما يقوله أقبله فهذا إسلام، فإذا قال الله شيئًا وقبله صدق مقالته وصحح اعتقاده فهو إيمان ثم اعتقاده يدعوه إلى الفعل الحسن والعمل الصالح فيقنت ويعبد وهو المرتبة الثالثة: المذكورة بقوله: {والقانتين والقانتات} ثم إذا آمن وعمل صالحًا كمل فيكمل غيره ويأمر بالمعروف وينصح أخاه فيصدق في كلامه عند النصيحة وهو المراد بقوله: {والصادقين والصادقات} ثم إن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يصيبه أذى فيصبر عليه كما قال تعالى: {والصابرين والصابرات} ثم إنه إذا كمل وكمل قد يفتخر بنفسه ويعجب بعبادته فمنعه منه بقوله: {والخاشعين والخاشعات} أو نقول لما ذكر هذه الحسنات أشار إلى ما يمنع منها وهو إما حب الجاه أو حب المال من الأمور الخارجية أو الشهوة من الأمور الداخلة، والغضب منهما يكون لأنه يكون بسبب نقص جاه أو فوت مال أو منع من أمر مشتى فقوله: {والخاشعين والخاشعات} أي المتواضعين الذين لا يميلهم الجاه عن العبادة، ثم قال تعالى: {والمتصدقين والمتصدقات} أي الباذلين الأموال الذين لا يكنزونها لشدة محبتهم إياها.
ثم قال تعالى: {والصائمين والصائمات} إشارة إلى الذين لا تمنعهم الشهوة البطنية من عبادة الله.
ثم قال تعالى: {والحافظين فُرُوجَهُمْ والحافظات} أي الذين لا تمنعهم الشهوة الفرجية.
ثم قال تعالى: {والذاكرين الله كَثِيرًا والذاكرات} يعني هم في جميع هذه الأحوال يذكرون الله ويكون إسلامهم وإيمانهم وقنوتهم وصدقهم وصبرهم وخشوعهم وصدقتهم وصومهم بنية صادقة لله، واعلم أن الله تعالى في أكثر المواضع حيث ذكر الذكر قرنه بالكثرة ههنا، وفي قوله بعد هذا {يا أيها الذين ءامَنُواْ اذكروا الله ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] وقال من قبل: {لّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر وَذَكَرَ الله كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] لأن الإكثار من الأفعال البدنية غير ممكن أو عسر فإن الإنسان أكله وشربه وتحصيل مأكوله ومشروبه يمنعه من أن يشتغل دائمًا بالصلاة ولكن لا مانع له من أن يذكر الله تعالى وهو آكل ويذكره وهو شارب أو ماش أو بائع أو شار، وإلى هذا أشار بقوله تعالى: {الذين يَذْكُرُونَ الله قياما وَقُعُودًا وعلى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] ولأن جميع الأعمال صحتها بذكر الله تعالى وهي النية.
ثم قال تعالى: {أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً} تمحو ذنوبهم وقوله: {وَأَجْرًا عَظِيمًا} ذكرناه فيما تقدم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.
سبب نزول هذه الآية:
ما رواه يحيى بن عبد الرحمن عن أم سلمة قالت: يا رسول الله ما للرجال يذكرون في القرآن ولا تذكر النساء؛ فنزلت {إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ}- الآية وفيها قولان:
أحدهما: يعني بالمسلمين والمسلمات المتذللين والمتذللات. وبالمؤمنين والمؤمنات المصدقين والمصدقات.
الثاني: أنهما في الدين، فعلى هذا في الإسلام والإيمان قولان:
أحدهما: أنهما واحد في المعنى وإن اختلفا في الأسماء.
الثاني: أنهما مختلفان على قولين:
أحدهما: أن الإسلام الإقرار باللسان، والإيمان التصديق به، قاله الكلبي.
الثاني: أن الإسلام هو اسم الدين والإيمان هو التصديق به والعمل عليه.
{وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتاتِ} فيه وجهان:
أحدهما: المطيعين والمطيعات، قاله ابن جبير.
الثاني: الداعين والداعيات.
{وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} فيه وجهان:
أحدهما: الصادقين في إيمانهم والصادقات، قاله ابن جبير.
الثاني: في عهودهم.
{وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} فيه وجهان:
أحدهما: على أمر الله ونهيه، قاله ابن جبير.
الثاني: في البأساء والضراء.
{والْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: المتواضعين والمتواضعات، قاله ابن جبير.
الثاني: الخائفين والخائفات: قاله يحيى بن سلام وقتادة.
الثالث: المصلين والمصليات، قاله الكلبي.
{وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} فيه وجهان:
أحدهما: المتصدقين والمتصدقات بأنفسهم في طاعة الله.
الثاني: بأموالهم. ثم فيه وجهان:
أحدهما: المؤدين الزكوات المفروضات.
الثاني: المتطوعين بأداء النوافل بعد المفروضات، قاله ابن شجرة.
{وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} فيه وجهان:
أحدهما: الإمساك عن المعاصي والقبائح.
الثاني: عن الطعام والشراب وهو الصوم الشرعي. وفيه وجهان:
أحدهما: صوم الفرض.
الثاني: شهر رمضان وثلاثة أيامٍ من كل شهر، قاله ابن جبير. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صَومُ الشَّهْرِ وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ يُذْهِبْنَ وَغْرَ الصَّدْرِ».
{وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} فيه وجهان:
أحدهما: عن الفواحش.
الثاني: أنه أراد منافذ الجسد كلها فيحفظون أسماعهم عن اللغو والخنا، وأفواههم عن قول الزور وأكل الحرام. وفروجهم عن الفواحش.
{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} فيهم ثلاثة أوجه:
أحدها: باللسان قاله يحيى بن سلام.
الثاني: التالون لكتابه، قاله ابن شجرة.
الثالث: المصلين والمصليات، حكاه النقاش.
{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجَرًْا عَظِيمًا} لعلمهم، قاله ابن جبير، قال قتادة: وكانت هذه الآية أول آية نزلت في النساء فذكرن بخير. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات} الآية:
روي عن أم سلمة أنها قالت: إن سبب هذه الآية أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله يذكر الله تعالى الرجال في كتابه في كل شيء ولا يذكرنا، فنزلت الآية في ذلك، وروى قتادة أن نساء من الأنصار دخلن على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقلن لهن: ذكركن الله في القرآن ولم يذكر سائر النساء بشيء فنزلت الآية في ذلك، وروي عن ابن عباس أن نساء النبي قلن ما له تعالى يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات، فنزلت الآية في ذلك، وبدأ تعالى بذكر الإسلام الذي يعم الإيمان وعمل الجوارح، ثم ذكر الإيمان تخصيصًا وتنبيهًا على أنه عظم الإسلام ودعامته، والقانت: العابد المطيع، والصادق معناه: فيما عوهد عليه أن يفي به ويكمله، والصابر: عن الشهوات وعلى الطاعات في المكره والمنشط، والخاشع: الخائف لله المستكين لربوبيته الوقور، والمتصدق: بالفرض والنفل، وقيل هي في الفرض خاصة، والأول أمدح، والصائم كذلك: في الفرض والنفل، وحفظ الفرج هو: من الزنا وشبهه وتدخل مع ذلك الصيانة من جميع ما يؤدي إلى الزنا أو هو في طريقه، وفي قوله: {الحافظات} حذف ضمير يدل عليه المتقدم والحافظاتها، وفي {الذاكرات} أيضًا مثله، والمغفرة هي ستر الله ذنوبهم والصفح عنها، والأجر العظيم الجنة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إِنَّ المسلمين والمسلمات} في سبب نزولها خمسة أقوال:
أحدها: أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم قُلْنَ: ما له ليس يُذْكَر إِلاَّ المؤمنون، ولا تُذْكَر المؤمنات بشيء؟! فنزلت هذه الآية، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس.
والثاني: أن أُمَّ سَلَمَة قالت: يا رسول الله يُذْكَرُ الرجال ولا نُذْكَر! فنزلت هذه الآية، ونزل قوله: {لا أُضِيعُ عمل عامل منكم} [آل عمران: 195]، قاله مجاهد.
والثالث: أن أُمَّ عُمَارة الأنصارية قالت: قلت: يا رسول الله بأبي وأُمِّي ما بالُ الرجال يُذْكَرون، ولا تُذْكرَ النساء؟! فنزلت هذه الآية، قاله عكرمة.
وذكر مقاتل بن سليمان أن أُمُّ سَلَمة وأُمُّ عُمَارة قالتا ذلك، فنزلت هذه الآية في قولهما.
والرابع: أن الله تعالى لمَّا ذكر أزواج رسوله دخل النساءُ المُسْلمات عليهنَّ فقُلْنَ: ذُكِرْتُنَّ ولم نُذْكَر، ولو كان فينا خيرٌ ذُكِرنا، فنزلت هذه الآية قاله قتادة.
والخامس: أن أسماء بنت عُمَيس لما رجعت من الحبشة دخلت على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قُلْنَ: لا، فأتت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إِن النساء لفي خَيْبة وخسار، قال: «ومم ذاك»؟ قالت: لأنهنَّ لا يُذْكَرْنَ بخير كما يُذْكَر الرجال، فنزلت هذه الآية، ذكره مقاتل بن حيَّان.
وقد سبق تفسير ألفاظ الآية في مواضع [البقرة: 129، 109، الاحزاب: 31، آل عمران: 17، البقرة: 45، يوسف: 88، البقرة: 184، الانبياء: 91، آل عمران: 191]. اهـ.

.قال القرطبي:

{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} فيه مسألتان:
الأولى: روى الترمذي عن أمّ عُمارة الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء! فنزلت هذه الآية: {إِنَّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} الآية.
هذا حديث حسن غريب.
و{الْمُسْلِمِينَ} اسم {إنّ}.
{وَالْمُسْلِمَاتِ} عطف عليه.
ويجوز رفعهن عند البصريين، فأما الفرّاء فلا يجوز عنده إلا فيما لا يتبين فيه الإعراب.
الثانية: بدأ تعالى في هذه الآية بذكر الإسلام الذي يعمّ الإيمان وعمل الجوارح، ثم ذكر الإيمان تخصيصًا له وتنبيهًا على أنه عُظْم الإسلام ودِعامته.
والقانت: العابد المطيع.
والصادق: معناه فيما عُوهِدَ عليه أن يفي به.
والصابر عن الشهوات وعلى الطاعات في المَكْره والمَنْشَط.
والخاشع: الخائف لله.
والمتصدّق بالفرض والنفل.
وقيل: بالفرض خاصّة؛ والأوّل أمدح.
والصائم كذلك.
{والحافظين فُرُوجَهُمْ والحافظات} أي عما لا يحلّ من الزنى وغيره.
وفي قوله: {والحافظات} حذف يدل عليه المتقدّم، تقديره: والحافظاتها، فاكتفى بما تقدّم.
وفي {والذاكرات} أيضًا مثله، ونظيره قول الشاعر:
وكُمْتًا مُدَمّاة كأن متونها ** جرى فوقها واستشعرتْ لَوْنُ مُذْهَبِ

وروى سيبويه: لَوْنَ مُذْهَبِ بالنصب.
وإنما يجوز الرفع على حذف الهاء، كأنه قال: واستشعرته؛ فيمن رفع لونًا.
والذاكر قيل في أدبار الصلوات وغُدُوًّا وعَشِيًّا، وفي المضاجع وعند الانتباه من النوم.
وقد تقدّم هذا كله مفصلًا في مواضعه، وما يترتب عليه من الفوائد والأحكام، فأغنى عن الإعادة.
والحمد للَّهِ رب العالمين.
قال مجاهد: لا يكون ذاكرًا للَّهِ تعالى كثيرًا حتى يذكره قائمًا وجالسًا ومضطجعًا.
وقال أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه: من أيقظ أهله بالليل وصلّيَا أربع ركعات كُتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات. اهـ.

.قال ابن كثير:

{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}.
قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عثمان بن حكيم، حدثنا عبد الرحمن بن شيبة، سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما لنا لا نُذْكَرُ في القرآن كما يذكر الرجال؟ قالت: فلم يَرعني منه ذات يوم إلا ونداؤه على المنبر، قالت، وأنا أسَرّح شعري، فلففت شعري، ثم خرجت إلى حُجْرة من حُجَر بيتي، فجعلت سمعي عند الجريد، فإذا هو يقول عند المنبر: «يا أيها الناس، إن الله يقول: إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات» إلى آخر الآية. وهكذا رواه النسائي وابن جرير، من حديث عبد الواحد بن زياد، به مثله.
طريق أخرى عنها: قال النسائي أيضا: حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا سُوَيْد، أخبرنا عبد الله بن شَريك، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أم سلمة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله، ما لي أسمع الرجال يذكرون في القرآن، والنساء لا يذكرن؟ فأنزل الله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.
وقد رواه ابن جرير، عن أبي كُرَيْب، عن أبي معاوية، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة: أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، حدثه عن أم سلمة، رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، أيذكر الرجال في كل شيء ولا نذكر؟ فأنزل الله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الآية.
طريق أخرى: قال سفيان الثوري، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، يذكر الرجال ولا نذكر؟ فأنزل الله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الآية.
حديث آخر: قال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب قال: حدثنا سَيَّار بن مظاهر العَنزي حدثنا أبو كُدَيْنة يحيى بن المهلَّب، عن قابوس بن أبي ظِبْيَان، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: ما له يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات؟ فأنزل الله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الآية.