فصل: ذكر خراج مصر في الإسلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 ذكر خراج مصر في الإسلام

أوّل من جبى خراج مصر في الإسلام عمرو بن العاص رضي اللّه عنه فكانت جبايته اثني عشر ألف ألف دينار بفريضة دينارين دينارين من كل رجل ثم جبى عبد الله بن سعد ابن أبي سرح مصر أربعة عشر ألف ألف دينار فقال عثمان بن عفان رضي اللّه عنه لعمرو بن العاص‏:‏ يا أبا عبد اللّه درت اللقحة بأكثر من درها الأوّل فقال‏:‏ أضررتم بولدها وهذا الذي جباه عمرو ثم عبد اللّه إنما هو من الجماجم خاصة دون الخراج وانحط خراج مصر بعدهما لنموّ الفساد مع الزمان وسريان الخراب في أكثر الأرض ووقوع الحروب فلم يجبها بنو أمية وخلفاء بني العباس إلا دون الثلاثة آلاف ألف ما خلا أيام هشام بن عبد الملك فإنه وصى عبيد اللّه بن الحبحاب عامل مصر بالعمارة فيقال‏:‏ إنه لم يظهر من خراج مصر بعد تناقصه كثرة إلا في وقتين أحدهما في خلافة هشام بن عبد الملك عندما ولي الخراج عبيد اللّه بن الحبحاب فخرج بنفسه ومسح العامر من أراضي مصر والغامر مما يركبه ماء النيل فوجد قانون ذلك ثلاثين ألف ألف فدّان سوى ارتفاع الجرف ووسخ الأرض فراكها كلها وعدّ لها غاية التعديل فعقدت معه أربعة آلاف ألف دينار هذا والسعر راخ والبلد بغير مكس ولا ضريبة‏.‏

وفي سنة سبع ومائة لأوّل أيام هشام بن عبد الملك وظف ابن الحبحاب بمصر طبقات معلومة منسوبة في الدواوين ولم تزل إلى ما بعد ذهاب بني أمية ومبلغها ألف ألف دينار وسبعمائة ألف دينار وثمانمائة وسبعة وثلاثون دينارًا منها على كور الصعيد‏:‏ ألف ألف وأربعمائة دينار وعشرون دينارًا‏.‏ونصف والباقي على كور أسفل الأرض‏.‏

ويقال‏:‏ إن أسامة بن زيد جباها في خلافة سليمان بن عبد الملك مبلغ اثني عشر ألف ألف دينار‏.‏

والوقت الثاني في إمارة أحمد بن طولون لما تسلم أرض مصر من أحمد بن محمد بن مدبر وقد خربت أرض مصر حتى بقي خراجها ثمانمائة ألف ألف دينار فاستقصى أحمد بن طولون في العمارة وبالغ فيها فعقدت معه أربعة آلاف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار وجباها ابنه الأمير أبو الجيش خمارويه بن أحمد أربعة آلاف ألف دينار مع رخاء الأسعار أيامئذ فإنه ربما بيع في الأيام الطولونية القمح كل عشرة أرادب بدينار‏.‏

وذكر ابن خرداذبه أن خراج مصر في أيام فرعون كان ستة وتسعين ألف ألف دينار وأن ابن الحبحاب جباها الذي ألف وسبعمائة ألف وثلاثة وعشرين ألفًا وثمانمائة وتسعة وثلاثين دينارًا وهذا وهم منه فإن هذا القدر هو ما حمله إلى بيت المال بدمشق بعد أعطية أهل مصر وكلفها قال‏:‏ وحمل منها موسى بن عيسى الهاشميّ الذي ألف ومائة ألف وثمانين ألف دينار يعني بعد العطاء والمؤن وسائر الكلف قال‏:‏ وكان خراج مصر إذا بلغ النيل سبع عشرة ذراعًا وعشر أصابع أربعة آلاف ألف دينار ومائتي ألف وسبعة وخمسين ألف دينار والمقبوض عن الفدّان دينارين في خلافة المأمون وغيره‏.‏

وبلغ خراج مصر في أيام الأمير أبي بكر محمد بن طغج الإخشيد ألفي ألف دينار سوى ضياعه التي كانت ملكًا له والإخشيد أوّل من عمر الرواتب بمصر وكان كاتبه ابن كلا قد عمل تقديرًا عجز فيه المرتب عن الارتفاع مائتي ألف دينار فقال له الإخشيد‏:‏ كيف نعمل‏.‏

قال‏:‏ حط من الجرايات والأرزاق فليس هؤلاء أولى من الواجب فقال‏:‏ غدًا تجيئني وتدبر هذا فلما أتاه من الغد قال له الإخشيد‏:‏ قد فكرت فيما قلت فإذا أصحاب الرواتب الضعفاء وفيهم المستورون وأبناء النعم ولست آخذ هذا النقص إلا منك فقال ابن كلا‏:‏ سبحان الله فقال‏:‏ تسبيحًا وما زال به الإخشيد حتى أخذ خطه بالقيام بذلك فعوتب على ما صنعه فقال‏:‏ يا قوم اسمعوا إيش كان يعمل جاءه أحمد بن محمد بن المارداني فقال له‏:‏ ما بيني وبين السلطان معاملة ولا للإخشيد عليّ طريق وهذه هدية عشرة آلاف دينار للإخشيد وألف دينار لك فجاءني وقال لك قبل ابن المارداني مطالبة فقلت‏:‏ لا فقال‏:‏ هذه ألف دينار قد جاءتك على وجه الماء فأعطاني ألفًا وأخذ عشرة آلاف دينار وأهدى إلي محمد بن علي المارداني في وقت عشرين ألف دينار على يده فاستقللتها فلما اجتمعنا عاتبته فقال لي‏:‏ أرسلت إليك مائة ألف دينار ولابن كلا كاتبك عشرين ألف دينار فأخذ المائة وأعطاني العشرين ألفًا فذكرت قول محمد بن عليّ له فقال‏:‏ ما أبرد هذا حفظت لك المائة ألف لوقت حاجتك تريدها خذها وأنا أعلم أنك تتلفها‏.‏

وبلغت الرواتب في أيام كافور الإخشيدي خمسمائة ألف دينار في السنة لأرباب النعم والمستورين وأجناس الناس ليس فيهم أحد من الجيش ولا من الحاشية ولا من المتصرّفين في الأعمال فحسن له عليّ بن صالح الروذبادي الكاتب أن يوفر من مال الرواتب شيئًا ينتقصه من أرزاق الناس فساعة جلس يعمل حكه جبينه فحكه بقلمه والحكاك يزيد به إلى أن قطع العمل وقام لما به فعولج حينئذٍ بالحديد حتى مات في رمضان سنة سبع وأربعين وثلثمائة وهذه موعظة من الله لمن توسط للناس بالسوء قال تعالى‏:‏ ‏"‏ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ‏"‏ فاطر 43‏.‏

ولما مات كافور نزلت محن شديدة كثيرة بمصر من الغلاء والفناء والفتن فاتضع خراجها إلى أن قدم جوهر القائد من بلاد المغرب بعساكر مولاه المعز لدين اللّه أبي تميم معدّ فجبى الخراج لسنة ثمان وخمسين وثلثمائة ثلاثة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار ونيفًا وأمر الوزير الناصر للدين أبو الحسين عبد الرحمن اليازوري وزير مصر في خلافة المستنصر باللّه بن الظاهر أن يعمل قدر ارتفاع الدولة وما عليها من النفقات فعمل أرباب كل ديوان ارتفاعه وما عليه وسلم الجميع لمتولي ديوان المجلس وهو زمام الدواوين فنظم عليه عملًا جامعًا وأتاه به فوجد ارتفاع الدولة الذي ألف دينار منها الشام ألف ألف دينار ونفقاته بإزاء ارتفاعه والريف وباقي الدولة ألف ألف دينار‏.‏

قال القاضي أبو الحسن في كتاب المنهاج في علم الخراج‏:‏ وقفت على مقايسة عملت لأمير الجيوش بدر الجمالي حين قدم مصر في أيام الخليفة المستنصر وغلب على أمرها وقهر من كان بها من المفسدين شرح فيها أن الذي اشتمل عليه الارتفاع في الهلاليّ لسنة ثلاث وثمانين وأربعمائة وفي الخراجيّ على ما يقتضيه الديوان فيه مما كان جاريًا في الأعمال المصرية من الخراج وما يجري معه والمضمون والمقطع والمورد بغيره والمحلول بالقاهرة ومصر وضواحيهما وناحيتي الشرقية والغربية من أسفل الأرض وأعمالها وتنيس ودمياط وأعمالهما والإسكندرية والبحيرة والأعمال الصعيدية العالية والدانية وواحات وعيذاب لسنة ثمانين وأربعمائة الخراجية على الرسوم المصرية وما كان من الأعمال الشامية التي أوّلها من حدّ الشجرتين وهو أوّل الأعمال الفلسطينية والأعمال الطرابلسية ولسنة ثمان وسبعين وأربعمائة الخراجية على ما استقرّت عليه الجملة عينًا ثلاثة آلاف ألف ومائة ألف دينار وإن الذي استقرّ عليه جملة ما كان يتأسّ في سنة ست وستين وأربعمائة الهلالية قبل نظر أمير الجيوش الموافقة لسنة ثلاث وستين وأربعمائة الخراجية فكان مبلغها الذي ألف وثمانمائة ألف دينار وكان الزائد للسنة الجيوشية عما قبلها ثلثمائة ألف دينار مما أعرب عنه حسن العمارة وشمول العدل وكان نظم هذه المقايسة سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة‏.‏

وذكر ابن ميسر‏:‏ أن الأفضل بن أمير الجيوش أمر بعمل تقدير ارتفاع ديار مصر فجاء خمسة آلاف ألف دينار‏.‏

وذكر القاضي الفاضل في مياوماته‏:‏ أنه عبر البلاد من إسكندرية إلى عيذاب لسنة خمس وثمانين وخمسمائة خارجًا عن الثغور وأرباب الأموال الديوانية وعدة نواح أربعة آلاف ألف وستمائة ألف وثلاثة وخمسين ألفًا وتسعة وعشرين دينارًا ثم تقاصرت إلى أن جباها القاضي الموفق أبو الكرم بن معصوم العاصميّ التنيسيّ عينًا خالصًا إلى بيت المال بعد المؤن والكلف ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار إلى آخر سنة أربعين وخمسمائة ثم بعده لم يجبها هذه الجباية أحد حتى انقرضت الدولة الفاطمية‏.‏

وسبب اتضاع خراج مصر بعدما بلغ مع الروم في آخر سنة ملكوا قبل فتح مصر عشرين ألف ألف دينار أن الملوك لم تسمح نفوسهم بما كان ينفق في كلف عمارة الأرض فإنها تحتاج أن ينفق عليها ما بين ربع متحصلها إلى ثلثه وآخر ما اعتبر حال أرض مصر فوجد مدّة حرثها ستين يومًا ومساحة أرضها مائة ألف ألف وثمانين ألف ألف فدّان يزرع منها في مباشرة ابن مدبر أربعة وعشرون ألف ألف فدان وإنه لا يتم خراجها حتى يكون فيها أربعمائة ألف وثمانون ألف حَراث يلزمون العمل فيها دائمًا فإذا أقيم بها هذا القدر من العمال في الأرض تمت عمارتها وكمل خراجها وآخر ما كان بها مائة ألف وعشرون ألف مزارع في الصعيد سبعون ألفًا وفي أسفل الأرض خمسون ألفًا وقد تغير الآن جميع ما كان بها من الأوضاع القديمة واختلت اختلالًا فاضحًا‏.‏

ذكر أصناف أراضي مصر وأقسام زراعتها اعلم أن أراضي مصر عدة أصناف‏:‏ أعلاها قيمة وأوفاها سعرًا وأعلاها قطيعة الباق وهو‏:‏ أثر القرط والمقاثي فإنه يصلح لزراعة القمح وبعد الباق ري الشراقي وهو الأرض التي ظمئت في الخالية فلما رويت في الآتية وصارت مستريحة من الزرع وزرعت أنجب زرعها والبرايب وهو أثر القمح والشعير وسعرها دون الباق لضعف الأرض بزراعة هذين الصنفين فمتى زرعت على أثر أحدهما لم ينجب كنجابة الباق والبوايب صالح لزراعة القرط والقطاني والمقاثي فإن الأرض تستريح بزراعة هذه الأصناف وتصير في القابل أرض باق والسقماهية أثر الكتان فإن زرعت قمحًا خسر والشتونية أثر ما روي وبارَ في السنة الماضية وهو دون الشراقي والسلايح ما روي وبار فحرث وتعطل وهو مثل ريّ الشراقي فإن زرعه يكون ناجبًا والنقا‏:‏ كل أرض خلت من أثر ما زرع فيها ولم يبق بها شاغل عن قبول ما يزرع فيها من أصناف الزراعات والوسخ‏:‏ كل أرض استحكم وسخها ولم يقدر الزارعون على إزاحته كله منها بل حرثوا وزرعوا فيها فجاء زرعها مختلطًا بالحلفاء ونحوها والغالب كل أرض حصل فيها نبات شغلها عن قبول الزراعة ومنع كثرته من زراعتها وصارت مراعي والخرس‏:‏ كل أرض فسدت بما استحكم فيها من موانع قبول الزرع وكانت بها مراع وهو أشدّ من الوسخ الغالب وإذا أدمن على إزالة ما فيها من الموانع تهيأ صلاحها والشراقي‏:‏ كل أرض لم يصل إليها الماء إما لقصور ماء النيل أو علوّ الأرض أو سدّ طريق الماء عنها أو غير ذلك والمستبحر‏:‏ كل أرض وطيئة حصل بها الماء ولم يجد مصرفًا حتى فات أوان الزرع وهو باق في الأرض والسباخ‏:‏ كل أرض غلب عليها الملح حتى ملحت ولم ينتفع بها في زراعة الحبوب وربما زرعت ما لم يستحكم السباخ فيها غير الحبوب كالهليون والباذنجان ويزرع فيها القصب الفارسي‏.‏

ومما لا غنى لأراضي مصر عنه الجسور وهي على قسمين‏:‏ سلطانية وبلدية‏.‏

فالجسور السلطانية‏:‏ هي العامة النفع في حفظ النيل على البلاد كافة إلى حين يستغني عنه ولها رسوم موظفة على الأعمال الشرقية والأعمال الغربية وكانت في القديم تعمل من أموال النواحي ويتولى عملها مستقبلو الأراضي ويعتدّ لهم بما صرف عليها مما عليهم من قبالات الأراضي ثم صار بعد ذلك يستخرج برسم عملها من هذين العملين مال بأيدي المستخدمين من الديوان ويصرف عليها ويفضل من المال بقية تحمل إلى بيت المال ثم صار يتولى ذلك أعيان أمراء الدولة إلى أن حدثت الحوادث في أيام الناصر فرج فصار يجبي من البلاد مال عظيم ولا يصرف منه شيء البتة بل يرفع إلى السلطان ويتفرق كثير منه بأيدي الأعوان ويسخر أهل البلاد في عمل الجسور فيجيء الخلل كما ستقف عليه إن شاء اللّه تعالى عند ذكر أسباب الخراب‏.‏

وأما الجسور البلدية‏:‏ فإنها عبارة عما يخص نفعها ناحية دون ناحية ويتولى إقامتها المقطعون والفلاحون من أصل مال الناحية‏.‏

ومحل الجسور السلطانية من القرى محل سور المدينة الذي يتعين على السلطان الاهتمام بعمارته وكفاية الرعية أمره‏.‏

ومحل الجسور البلدية محل الدوز التي من داخل السور فيلزم صاحب كل دار أن يصلحها ويزيل ضررها ومن العادة أن المقطع إذا انفصل وكان قد أنفق شيئًا من مال إقطاعه في إقامة جسر لأجل عمارة السنة التي انتقل الإقطاع عنه فيها فإن له أن يستعيد من المقطع الثاني نظير ما أنفقه من مال سنته في عمارة سنة غيره‏.‏

وأصلح ما زرع القمح في أثر الباق والشراقي وكان يزرع بالصعيد القمح على أثر القمح لكثرة الطرح وربما زرع هناك على أثر الكتان والشعير ويزرع القمح من نصف شهر بابه إلى آخر هتور وهذا في العوالي من الأرض التي تخرج بدريًا‏.‏

وأما البحائر المتأخرة‏:‏ فيمتدّ وقت الزرع فيها إلى آخر كيهك ومقدار ما يحتاج إليه الفذان الواحد من بذر القمح يختلف بحسب قوّة الأرض وضعفها ورقتها وتوسطها وما يزرع في اللوق وما يزرع في الحرث وأكثر البذر من أردب إلى خمس ريبات وأربع ويبات أيضًا‏.‏

ويوجد في الصعيد أراض تحتمل دون هذا وفي حوف رمسيس أراض يكفي الفدّان منها نحو الويبتين ويدرك الزرع بمصر في بشنس وهو نيسان ويختلف ما يخرج من فدّان القمح بحسب الأراضي فيرمي من أردبين إلى عشرين أردبًا‏.‏

وقال أبو بكر بن وحشية في كتاب الفلاحة‏:‏ وذكر أن في مصر إذا زرعوا يخرج من المدّ ثلثمائة مدّ والعلة في ذلك حرارة هواء بلادهم مع سمن أرضهم وكثرة كدورة ماء النيل‏.‏

ولما كان في سنة ست وثمانمائة انحسر الماء عن قطعة أرض من بركة الفيوم التي يقال لها اليوم‏:‏ بحر يوسف فزرعت وجاء زرعها عجيبًا رمى الفدّان منها أحدًا وسبعين أردبًا من شعير بكيل الفيوم وأردبها تسع ويبات وكانت قطيعة فدّان القمح ببلاد الصعيد في أيام الفاطمية‏:‏‏:‏ ثلاثة أرادب فلما مسحت البلاد في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة تقرّر على كل فدّان أردبان ونصف ثم صار يؤخذ أردبان عن الفدّان‏.‏

وأما أراضي أسفل الأرض فيأخذ عنها لا غلة ويزرع الشعير في أثر القمح وغيره في الأرض التي غرقت وهي رطبة ويتقدّم زراعته على زراعة القمح بأيام وكذلك حصاده فإنه يحصد قبل القمح ويحتاج الفدّان منه أن يبذر فيه بحسب الأرض ويخرج أكثر من القمح ويكون إدراكه في برموده وهو آذار‏.‏

ويزرع الفول في الحرث إثر البرايب من أوّل شهر بابه ويؤكل وهو أخضر في شهر كيهك ويحتاج الفدّان من البذر منه إلى ثلاث ويبات ونحوها ويدرك في برموده ويتحصل من فدّانه ما بين عشرين أردبًا إلى ما دون ذلك‏.‏

ويزرع العدس والحمص من هتور إلى كيهك والجلبان لا يزرع إلا في أرق الأراضي حرثًا من الأرض العالية ويزرع تلويقًا في الأراضي الخرس ويبذر في كل فدّان من الحمص من أردب إلى ثمان ويبات ومن الجلبان‏:‏ من أردب إلى أربع ويبات ومن العدس من ويبتين إلى ما دونهما وتدرك هذه الأصناف في برموده ويتحصل من فدّان الحمص من أربعة أرادب إلى عشرة ومن الجلبان من عشرة أرادب إلى ما دونها والعدس من عشرين أردبًا فما دونها‏.‏

وأنجب ما يكون الكتان ذا زرع في البرش ويحتاج أن يسبخ بتراب سباخ وهو إذا طال رقد ويقلع قضبانًا ويسمى حينئذِ‏:‏ أسلافًا وينشر في موضعه حتى يجف فإذا جف حمل وهدر وعزل جوزه فيخرج منه بزر الكتان ويستخرج منه الزيت الحار ويزرع الكتان في شهر هتور ويحتاج الفدّان أن يبذر فيه من البزر ما بين أردب وثلث إلى ما دون ذلك ويدرك في شهر برموده ويخرج من الفدّان ما بين ثلاثين شدة إلى ما دون ذلك ومن البزر من ستة أرادب إلى ما دونها وكانت قطيعة الفدّان منه في القديم بأرض الصعيد من خمسة دنانير إلى ثلاثة وفي دلاص ثلاثة عشر دينارًا وفيما عدا ذلك ثلاثة دنانير‏.‏

ويزرع القرط عند أخذ ماء النيل في النقصان ولا ينبغي تأخير زرعه إلى أوان هبوب الريح الجنوبية التي يقال لها‏:‏ المريسية وأول ما يبذر في شهر بابه وربما زرع بعد النوروز والحراثي منه يزرع في كيهك وطوبة ويزرع أحيانًا في هتور ويبذر في كل فدان من ويبتين ونصف إلى ما حولها ويدرك الأخضر منه في آخر شهر كيهك ويدرك الحراثي في طوبة وأمشير ويتحصل من الفدّان الحراثيّ ما بين أردبين إلى أربع ويبات‏.‏

ويزرع البصل والثوم من شهر هتور إلى نصف كيهك ويبذر في فدّان البصل من نصف وربع ويبة إلى ويبة والثوم من مائة حزمة إلى مائة وخمسين حزمة ويدرك ذلك في برموده والبصل الذي يخرج ليزرع زريعة فإنه يزرع من أوّل كيهك إلى العاشر من طوبة ويخرج من زريعته عشرة أرادب من الفدّان ويحرك في بشنس‏.‏

ويزرع الترمس في طوبة وزريعته بكل فدّان أردب ويدرك في برموده ويتحصل من الفدان ما بين عشرين أردبًا إلى ما دونها وهذه هي الأصناف الشتوية‏.‏وأما الأصناف الصيفية‏:‏ فإن البطيخ واللوبيا يزرعان من نصف برمهات إلى نصف برموده ويزرع في الفدّان قدحان ويدرك في بشنس ويزرع السمسم في برموده وزريعته ربع ويبة للفدّان ويدرك في أبيب ومسري ويتحصل من الفدّان ما بين أردب إلى ستة أرادب‏.‏

ويزرع القطن في برموده وزريعته أربع ويبات حب للفدّان ويحرك في توت فيخرج من الفدّان من ثمانية قناطير بالجرويّ إلى ما دونها‏.‏

ويزرع قصب السكر من نصف برمهات في أثر الباق والبرش وتبرش أرضه سبع سكك وأنجبه ما تكامل له ثلاث غرقات قبل انقضاء شهر بشنس ومقدار زريعته ثمن فدّان وما حوله لكل فدّان ويحتاج القصب إلى أرض جيدة دمثة قد شملها الريّ وعلاها ماء النيل وقلع ما بها من الحلفاء ونظفت ثم برشت بالمقلقلات وهي محاريث كبار ستة وجوه وتجرّف حتى تتمهد ثم تبرش ستة وجوه أخرى وتجرف ومعنى البرش‏:‏ الحرث‏.‏

فإذا صلحت الأرض وطابت ونعمت وصارت ترابًا ناعمًا وتساوت بالتحريف شقت حينئذِ بالمقلقلات ويرمي فيها القصب قطعتين قطعة مثناة وقطعة مفردة بعد أن تجعل الأرض أحواضًا وتفرز لها جداول يصل الماء إلى الأحواض ويكون طول‏.‏

كل قطعة من القصب ثلاثة أنابيب كوامل وبعض أنبوبة من أعلى القطعة وبعض أخرى من أسفلها ويختار ما قصرت أنابيبه وكثرت كعوبه من القصب ويقال لهذا الفعل‏:‏ النصب فإذا كمل نصب القصب أعيد التراب عليه ولا بدّ في النصب أن تكون القطعة ملقاة لا قائمة ثم يسقي من حين نصبه في أوّل فصل الربيع لكل سبعة أيام مرة فإذا أنبت القصب وصار أوراقًا ظاهرة نبتت معه الحلفاء والبقلة الحمقاء التي يسميها أهل مصر الرجلة فعند ذلك تعزق أرضه ومعنى العزاق‏:‏ أن تنكش أرض القصب وينظف ما نبت مع القصب ولا يزال يتعاهد ذلك حتى يغزر القصب ويقوى ويتكاثف فيقال عند ذلك‏:‏ طرد القصب غزاقه فإنه لا يمكن عزاق الأرض ولا يكون هذا حتى يبرز الأنبوب منه ومجموع ما يسقي بالقادوس ثمانية وعشرون ماء والعادة أن الذي ينصب من الأقصاب على كل مجال بحراني أي مجاور للبحر إذا كانت مزاحة الغلة بالأبقار الجياد مع قرب رشا الآبار ثمانية أفدنة ويحتاج إلى ثمانية أرؤس بقر فإن كانت الآبار بعيدة عن مجرى النيل لا يمكن حينئذ أن يقوم المجال بأكثر من ستة أفدنة إلى أربعة فإذا طلع النيل وارتفع سقى القصب عند ذلك ماء الراحة‏.‏

وصفة ذلك أن يقطع عليه من جانب جسر يكون قد أدير عليه ليقيه من الغرق عند ارتفاع النيل بالزيادة فيدخل الماء من ثلمه في ذلك الجسر حتى يعلو على أرض القصب نحو شبر ثم يسد عنه الماء حتى لا يصل إليه ويترك الماء فوق الأرض قدر ساعتين أو ثلاث إلى أن يسجن ثم يصرف من جانب آخر حتى ينضب كله ويجدّد عليه ماء آخر كذلك فيتعاهد ما ذكرنا مرارًا في أيام متفرّقة بقدر معلوم ثم يفطم بعد ذلك فإذا عمل ما قلناه وفي القصب حقه فإن نقص عن ذلك حصل فيه الخلل ولا بد للقصب من القطران قبل أن يحلو حتى لا يسوّس ويكسر القصب في كيهك ولا بدّ من حرق آثار القصب بالنار ثم سقيه وعزقه كما تقدم فينبت قصبًا يقال له‏:‏ الخلفة ويسمى الأوّل‏:‏ الرأس وقنود الخلفة أجود غالبًا من قنود الرأس ووقت إدراك الرأس في طوبة والخلفة في نصف هتور وغاية إدارة معاصر القصب إلى النوروز ويحصل من الفدّان ما بين أربعين أبلوجة قند إلى ثمانين أبلوجة والأبلوجة تَسَعُ قنطارًا فما حوله‏.‏

ويزرع القلقاس مع القصب ولكل فدان عشرة قناطير قلقاس جروية ويدرك في هتور‏.‏

ويزرع الباذنجان في برمهات وبرموده وبشنس وبؤونة ويدرك من بؤونة إلى مسرى‏.‏

وتزرع النيلة من بشنس والزريعة للفدّان ويبة ويدرك من أبيب‏.‏

ويزرع الفجل طول السنة وزريعة الفدّان من قدح واحد إلى قدحين‏.‏

ويزرع اللفت في أبيب وزريعة الفدّان قدح واحد ويدرك بعد أربعين يومًا‏.‏

ويزرع الخس في طوبة شتلًا ويؤكل بعد شهرين‏.‏

ويغرس الكرم في أمشير نقلًا وتحويلًا‏.‏

ويغرس التين والتفاح في أمشير‏.‏

ويقلم التوت في برمهات‏.‏

ويغرس ويبلّ اللوز والخوخ والمشمش في ماء طوبة ثلاثة أيام وهي قضبان ثم يغرس ويحوّل شجرها في طوبة‏.‏

ويزرع نوى التمر ثم يتحوّل وديًا فينقل‏.‏

ويدفن بصل النرجس في مسرى‏.‏

ويزرع الياسمين في أيام النسيء وفي أمشير‏.‏

ويزرع المرسين في طوبة وأمشير غرسًا‏.‏

ويزرع الريحان في برموده‏.‏

ويزرع حب المنثور في أيام النيل‏.‏

ويزرع الموز الشتويّ في طوبة والصيفيّ في أمشير‏.‏

ويحوّل الخيار شنبر في برمهات‏.‏

وتقلم الكروم على ريح الشمال إلى ليال من برمهات حتى تخرج العين منها‏.‏

وتقلم الأشجار في طوبة وأمشير إلا السدر وهو شجر النبق فإنه يقلم في برمودة‏.‏

وتسقي الأشجار في طوبة ماء واحدًا ويسمونه ماء الحياة وتسقي في أمشير ثانيًا عند خروج الزهر وتسقي في برمهات ماءين آخرين إلى أن ينعقد التمر وتسقي في بشنس ثلاث مياه وتسقي في بؤونة وأبيب ومسرى ماء في كل سبعة أيام وتسقي في توت وبابة مرّة واحدة تغريقًا من ماء النيل وتسقي في هتور من ماء النيل بتغريق المساطب ويسقي البعل من الكروم في هتور من ماء النيل مرّة واحدة تغريقًا‏.‏

وجميع أراضي مصر تقاس بالفدّان وهو عبارة عن أربعمائة قصبة حاكمية طولًا في عرض قصبة واحدة والقصبة ستة أذرع وثلثا ذراع بذراع القماش وخمسة أذرع بذراع النجار تقريبًا‏.‏

وقال القاضي أبو الحسن في كتاب المنهاج‏:‏ خراج مصر قد ضرب على قصبة في المساحة اصطلح عليها زرع المزارع على حكمها وتكسير الفدّان أربعمائة قصبة لأنه عشرون قصبة طولًا في عشرين قصبة عرضًا وقصبة المساحة تعرف بالحاكمية وهي تقارب خمسة أذرع بالنجاري‏.‏