فصل: صفات أهل الشورى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الشورى في الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة بالديمقراطية والنظم القانونية



.صفات أهل الشورى:

.أولاً: ما ورد في القرآن الكريم:

جاء في سورة الشورى تعدد صفات أهل الإيمان والصدق والإخلاص والتسامح وكرم الأخلاق وأهل الشورى والرأي. قال تعالى: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}.
فإذاً لا بد من أخذ هذه الآيات كمنظومة متكاملة، أي أنه ينبغي أن يكون أهل الشورى من أهل الإيمان بالله والتوكل عليه وأن يكونوا ممن يجتنب إتيان كبائر الإثم والفواحش، أي أنه لا بد أن يكون حسن السيرة والسلوك مجتنباً لما نهى الله ورسوله عنه من الكبائر، صفته التسامح والاستجابة لله عز وجل والمحافظة على الشعائر الدينية، ويلاحظ أنه قد ورد في النص القرآني: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ} أي كانوا سريعين في الاستجابة لأوامره ونواهيه، وأنها قد جاءت الصيغة في الاستجابة وإقامة الصلاة والإنفاق فِعْليَّه، ثم أتى في ثناياها بصفة الشورى بجملة اسميّة مما يفيد ثبوت هذه الصفة لهم في كل أحوالهم، وهذا إشعار رباني لطيف يشير إلى أهمية وجلالة شأن أمر الشورى. أما سورة آل عمران التي نزلت بعد غزوة أحد فإن النص القرآني جاء ليخاطب الله المؤمنين فيه خطاباً مباشراً حيث يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أو كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أو مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أو قُتِلْتُمْ لَإلى اللَّهِ تُحْشَرُونَ* فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ * إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، والنص يخاطب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمشاورة المؤمنين بعد أن أمره بالعفو عنهم والاستغفار لهم، ونقل أبو حيان والقرطبي عن ابن عطية أنه أُمر بالعفو عنهم فيما يخصه، فإذا صاروا في هذه الدرجة أمر بالاستغفار فيما لله، فإذا صاروا في هذه الدرجة صاروا أهلاً للاستشارة في الأمور، قال أبو حيان ولا يظهر هذا التدريج في اللفظ ولكن هذه حكمة تقديم هذه الأوامر بعضها على بعض، أمر أولاً بالعفو عنهم إذ عفوه عنهم مسقط لحقه ودليل على رضاه صلى الله عليه وآله وسلم عليهم وعدم مؤاخذته، ولمّا سقط حقه بعفوه استغفر لهم الله ليكمل لهم صفحه وصفح الله عنهم ويحصل لهم رضاه صلى الله عليه وآله وسلم ورضا الله تعالى. ولما زالت عنهم التبعات في الجانبين شاورهم إيذاناً بأنهم أهل للمحبة الصادقة والخلة الناصحة، إذ لا يستشير الإنسان إلا من كان معتقداً فيه المودة والعقل والتجربة.
قلت ويستفاد من الآية أنه ينبغي أن يكون من صفات المستشار أن يكون أميناً محباً صادقاً مؤمناً، إذ العدو لا يستشار، ومخالفة المشير لولي الأمر اجتهاداً أو ظناً للصواب في تلك المخالفة لا يقتضي حصول عداوة مانعة من الاستشارة ولا يقتضي الحقد على المخالف أو العزيمة على عدم مشاورته أو عدم مشاركته بالرأي في أمور الأمة إذا كان من أهل الرأي، ولهذا أمر الله رسوله بالعفو عن الصحابة فيما أخطئوا فيه من مخالفته لأوامر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد ومسارعتهم إلى الغنيمة واختلافهم في الرأي مع أمرهم بالبقاء في جبل الرماة وأمره أن يستغفر لهم، لأن مخالفة النبي ومخالفة الأمير معصية لله لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}. وقد حذر الله المؤمنين من مخالفة الله ورسوله كما أن أصحاب الرأي يجب عليهم ألا يشيروا إلا بما فيه طاعة لله ورسوله وصلاح لشئون الأمة، ألا ترى أن الحق سبحانه وتعالى يقول في سورة الأنفال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، وهي عامة في الرأي وغيره من الأمانات، وقد ورد في أسباب نزول هذه الآية أن أبا لبابة لما استشاره يهود قريظة فأشار عليهم بما فيه مصلحتهم شعر فوراً بهذه الفلتة الخاطئة ثم تاب منها وقبلت توبته. ففي ذلك ما يفيد أن الشورى أمانة، وإنما شرعت لجلب المصالح المشروعة للمسلمين وصرف الأضرار والمحرمات عنهم لا أن تستخدم آراء المسلمين في إعانة عدوهم عليهم أو في إباحة المحرمات وانتهاك الحرمات، كما أنه يجب على ولاة الأمور أن يكونوا أصحاب عفو وصفح فيما قد يحصل من خطأٍ عليهم وأن لا يقاطعوا أصحاب الرأي من أهل الإيمان حتى وإن أخطئوا، بل يجب التجاوز عنهم باعتبار أن أهل الشورى هم أهل أمانات، وقد أمر الله في سورة النساء بأداء الأمانات إلى أهلها فقال جل شأنه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا} وإذا ما عدنا إلى سورة آل عمران نجد أن الحق سبحانه بعد أن أمر رسوله بالمشاورة قال: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} فقد أمر الله جل وعلا رسوله وولي الأمر من بعده أن يتوكل على الله وأزجى إثر ذلك دعوة حارة للجميع في الدخول في محبة الله فقال: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
قال الإمام الفخر الرازي: إن القوم لما انهزموا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد ثم عادوا لم يخاطبهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالتغليظ والتشديد، وإنما خاطبهم بالكلام اللين، ثم إنه صلى الله عليه وآله وسلم لما أرشدهم إلى ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم كان من جملة ذاك أن عفا عنهم وذكر عدة فوائد في مشاورتهم فقال إن مشاورة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم توجب علو شأنهم ورفعة درجتهم وذلك يقتضي شدة محبتهم له وخلوصهم في طاعته، ولو لم يفعل ذلك لكان ذلك إهانة بهم فيحصل سوء الخلق والفضاضة.
قلت وهكذا ينبغي أن يكون ولاة الأمر حينما يشاورون أهل الرأي من المؤمنين حتى وإن أخطئوا فإن ذلك يكون سبباً لمحبتهم، وقد دل الأمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمشاورتهم أن للمؤمنين عند الله قدراً وقيمة ومكانة حتى وإن أخطئوا وكذلك عند الناس، وفيه دلالة أيضاً على أن من يحصل منه الخطأ مرة لا يمكن أن تكون القاعدة أن كل آرائه تكون خطأ.
ومع ذلك فإن الاستشارة إنما تكون بقصد تحري الصواب والوصول إليه، فقد شرعت لجلب المصالح ودفع الضرر، أما الاعتماد فإنما هو على الله وحده فهو الموفق والهادي، وقد قال الفخر الرازي في قوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} المعنى أنه إذا حصل الرأي المتأكد من المشورة فلا يجب أن يقع الاعتماد عليه بل يجب أن يكون الاعتماد على أعانه الله وتسديده وعصمته، وقد دلت الآية على أنه ليس التوكل أن يهمل الإنسان نفسه كما يقول بعض الجهال وإلا لكان الأمر بالمشاورة منافياً للأمر بالتوكل بل التوكل أن يرعى الأسباب الظاهرة ولكن لا يعول بقلبه عليها بل يعول على عصمة الحق.
وذكر العلامة الألوسي أن الله تعالى أمر نبيه وكذا ولي الأمر من بعده وكل مستشير بالتوكل عليه والانقطاع إليه، لأنه سبحانه السند الأقوم والملجأ الأعظم الذي لا تؤثر الأسباب إلا به ولا تنقضي الحاجات إلا عند بابه.
والذي يستفاد من القرآن الكريم ومن خلال ما أشرنا إليه نقلاً عن العلماء في تفسير الآيات القرآنية أنه ينبغي أن تتوافر في المشير أو أهل الشورى الصفات الآتية:
1- أن يكون بالغاً راشداً حسن السيرة والسلوك.
2- أن يكون المشير من أهل الإيمان بالله والتوكل على الله سبحانه وتعالى وتلك سجية المؤمن.
3- أن يكون من أهل الأمانة والنصيحة والرأي والخبرة في الأمر المستشار فيه.
4- أن يكون من أهل الصدق والحلم والشجاعة في الحق والأناة، وبهذا التطبيق نكون قد علمنا أن أهل الشورى هم نخبة من العلماء وأهل التقوى والصلاح، ولا يعني ذلك المفاضلة بين الناس إلا على أساس من التقوى والعلم والمعرفة.
وفي ذلك رد الأمور إلى أصحاب الخبرة والصلاح والصدق ورد إلى أهل الذكر، فالله سبحانه وتعالى يقول: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، ويقول: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً}، إذاً فهي مسألة تكاملية فلربما تتوافر صفات أهل الشورى فيمن تختارهم الأمة مجتمعين ولا تتوافر الصفات كلها في كل فرد من أفرادهم، فالبحث عن هؤلاء من بين أفراد الأمة ليكونوا أعضاء في مجلس النواب أو مجلس شورى أو هيئة استشارية لمن ينوب عن الأمة هي ضرورة لا بد منها لأن الله يقول: {وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإلى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} ولا يعني ذلك حجب الشورى عن بقية الأمة، فالنص القرآني عام في مشاورة الأمة مجتمعة ومنفردة فيمن تتوافر فيهم الأهلية والصلاحية، فالواجب الشرعي يقتضي تشكيل مجلس شورى يضم ممثلين عن الأمة يتشاورون في شئونها العامة وأمورها الهامة عملاً بالنص القرآني: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} وسواءً كان ذلك عن طريق الانتخاب كما هو جوهر النظام الشوروي أو عن طريق الاختيار وصدور القرار بتعيين هؤلاء، لأنه ينبغي في كل الأحوال أن تعتمد الأمة وولاة الأمر فيها على الشورى في تسيير أمور شئون الحكم وغيرها إذا ما أرادوا السير على منهج الله، وأن يعتمدوا أخذ الرأي من أصحاب العلم والخبرة في شئون الدولة كلها ويتشاور معهم في المسائل المعروضة، وهي بلا شك تحتاج إلى أنواع من المعرفة كما سبق أن أشرنا إلى أنه يستشار علماء الدين في شئون الدين والأحكام والحلال والحرام والمهندسون في شئون العمران والهندسة، وعلماء الصناعة وخبراؤها في شئون الصناعة، وعلماء التجارة وخبراؤها في شئون التجارة، وعلماء الزراعة وخبراؤها في شئون الزراعة، ولكن ينبغي أن يكون علماء الدين القاسم المشترك في كل هذه الفنون حتى لا يخرج المستشارون في تقرير السياسات المتنوعة عن حدود الشريعة وآدابها.

.ثانياً: ما ورد في السنن النبوية وما يستفاد منها عن صفة أهل الشورى:

إن المتتبع للهدي النبوي سيجد أن الأحاديث النبوية لا تخرج دلالتها في مجملها عن تفصيل وبيان ما أورده القرآن من الإشارة إلى صفات أهل الشورى، ولمزيد إيضاح وبيان نورد بعضاً مما ورد في السنة النبوية فنقول أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما أورده أبو داود في سننه عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المستشار مؤتمن»، فهذا الحديث يشير إلى صفة الأمانة، والأمانة ملازمة للإيمان والصدق والأخلاق الفاضلة فهو مؤتمن على ما يشير فيه أمين فيه صفته الأمانة، وجاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه» وهذا الحديث يشير إلى صفة العلم، وجاء في صحيح البخاري: وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستشيرون العلماء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان القراء أصحاب مشورة عمر رضي الله عنه كهولاً كانوا أو شباناً، وكان وقّافاً عند كتاب الله عز وجل.
وقال الحافظ ابن حجر: وأما تقييده بالأمناء فهي صفة موضحة لأن غير المؤتمن لا يستشار ولا يلتفت لقوله، وأما قوله بأسهلها فلعموم الأمر، وللأخذ بالتيسير والتسهيل والنهي عن التشديد الذي يدخل المشقة على المسلم. وسبق أن أوردنا ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن النصيحة قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها: «الدين النصيحة». قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
وهذه الأحاديث تدل على وجوب توافر صفة الأمانة والعلم والنصيحة وإرشاد الأمة إلى مصالحهم، وهي مؤكدة ومبينة لما ورد في كتاب الله عز وجل وفي ذلك إشارة إلى صفات أهل الشورى التي ينبغي أن تتوافر فيهم، ويكفي المتتبع للهدي النبوي ما أوردنا من استشارته صلى الله عليه وآله وسلم حرباً وسلماً في المباحث السابقة فلا نعيده هنا، وسيتعرف من خلال ذلك على صفة مشيريه صلوات الله وسلامه عليه وأنه طبق الشورى التي جاء بها القرآن، وسيدرك الإنسان صفات أهل الشورى وأن الحق والخير كان في اتباع منهج الله، ولا ضير من الإشارة هنا إلى صفات أهل الشورى التي ذكرها بعض علماء الأمة لأن في ذلك مزيد إيضاح وبيان وفائدة لمن يحب الاستزادة والاقتداء.

.صفة أهل الشورى عند العلماء:

لقد حرص العلماء والمحققون من الفقهاء والمفسرين استنباطاً من كتاب الله وسنة رسوله على بيان صفة المستشار، جاء في مصنف أبي داود عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المستشار مؤتمن»، قال العلماء: وصفة المستشار إن كان في الأحكام أن يكون عالماً ديناً وقل ما يكون ذلك إلا في عاقل. قال الحسن: ما كمل دين امرئ ما لم يكمُل عقله فإذا استشير مَنْ هذه صفته واجتهد في الصلاح وبذل جهده فوقعت الإشارة خطأ فلا غرامة عليه. قال الخطابي وغيره: أما صفة المستشار في أمور الدنيا عند القرطبي فهو كما يقول وصفة المستشار في أمور الدنيا أن يكون عاقلاً مجرباً واداً في المستشير. قال الشاعر:
شاور صديقك في الخفي المشكل ** واقبل نصيحة ناصح متفضل

وقال آخر:
وإن باب أمر عليك التوى ** فشاور لبيباً ولا تعصه

وقال البخاري: كانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، وقال سفيان الثوري: ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والأمانة، وقال ابن خويز منداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون وفيما أشكل عليهم من أمور الدين ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح ووجوه الكتَّاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها، وقال ابن عطية: الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب وهذا مما لا خلاف فيه.
وقال أبو حيان في معرض تفسيره لقوله تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ليكمل لهم صفحه وصفح الله عنهم ويحصل لهم رضاه صلى الله عليه وآله وسلم ورضا الله تعالى، ولما زالت التبعات من الجانبين شاورهم إيذاناً بأنهم أهل للمحبة الصادقة والخلة الناصحة إذ لا يستشير الإنسان إلا من كان معتقداً فيه المودة والعقل والتجربة.
وقال الماوردي: أنه إذا عزم على المشاورة ارتاد لها من أهلها من قد استكملت فيه خمس خصال: إحداهن عقل كامل مع تجربة سالفة؛ فإنه بكثرة التجارب تصح الروية، والخصلة الثانية: أن يكون ذا دين وتقى فإن ذلك عماد كل صلاح وباب كل نجاح؛ ومن غلب عليه الدين فهو مؤمن السريرة موفق العزيمة، والخصلة الثالثة: أن يكون ناصحاً ودوداً فالنصح والمودة يصدقان الفكرة ويمحضان الرأي؛ وقد قال بعض العلماء لا تشاور إلا الحازم غير الحسود واللبيب غير الحقود، والخصلة الرابعة: أن يكون سليم الفكر من هِمٍّ قاطع وغمٍّ شاغل فإن من عارضت فكره شوائب الهموم لا يسلم له رأي ولا يستقيم له خاطر وقد قيل في منثور الحكم كل شيء يحتاج إلى العقل والعقل يحتاج إلى التجارب، والخصلة الخامسة: أن لا يكون له في الأمر المستشار فيه غرض يتابعه ولا هوى يساعده فإن الأغراض جاذبة والهوى صاد، والرأي إذا عارضه الهوى وجاذبته الأغراض فسد، فإذا استكملت هذه الخصال الخمس في رجل كان أهلاً للمشورة ومعدناً للرأي فلا تعدل عن استشارته اعتماداً على ما تتوهمه من فضل رأيك وثقة بما تستشعره من صحة رؤيتك، فإن رأي غير ذي الحاجة أسلم وهو من الصواب أقرب لخلوص الفكر وخلو الخاطر وارتفاع الشهوة. وذكر الماوردي في الأحكام السلطانية: أن الشروط المعتبرة فيمن يصلح جعله من أهل الإختيار أحدها: العدالة الجامعة لشروطها. الثاني: العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيه، والثالث: الرأي والحكمة والمؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح وبتدبير المصالح أقوم وأعرف.
وقد ذكر الدكتور حسن ضياء الدين محمد: أنه لعل أوفى وأقدم المباحث في صفة أهل الشورى ما دبَّجه العلامة الماوردي، فإنه تحدث عن الشورى فأشاد بعظيم أهميتها لكل ذي عقل وإيمان، ثم أورد مقتبساً من كلامه في الصفات التي أوردها الماوردي في أدب الدنيا والدين، وهي إشادة في محلها.
وقد ذكر الدكتور حسن ضياء الدين: أن أصحاب الشورى دائماً هم نخبة من خيار المسلمين في كل عصر وقطر، لذا فإن من البديهي أن تتوفر فيهم صفات المؤمنين التي ذكرها القرآن العظيم والحديث الشريف، لكن العلماء الأجلاء لم يتصدوا لسرد جميع صفات المؤمنين لدى حديثهم عن صفات أهل الشورى وإنما ذكروا الصفات الأساسية الضرورية التي يلزم التنبّه إلى الأهمية العظمى لضرورتها فيهم.
قلت: وهي كافية لتقرير صفة من يصلح أن يكون موضع ثقة ومشاورة من ولي الأمر أو من خواص المسلمين وعامتهم.
وذكر الدكتور عز الدين التميمي: صفات لأهل الشورى فقال: ينبغي أن يختار لأهل المشورة أناس يتحلون بخصال وأوصاف معينة حتى تؤتي أكلها وتعطي ثمارها نلخصها بإيجاز:
أولاً: مرتبة العقل الكامل والفطنة والذكاء مع طول التجربة مستدلاً بقوله عليه الصلاة والسلام: «استرشدوا العقل ترشدوا ولا تعصوه تندموا»، وبقوله عليه الصلاة والسلام: «ولا حكيم إلا ذو تجربة».
ثانياً: الاستقلال في الرأي، فمن المفضل أن يكون المستشار من ذوي الاستقلال في الرأي وقد استدل على ذلك بما ورد في السنة النبوية: «لا يكون أحدكم إمعة يقول: أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت».
ثالثاً: الشجاعة في إبداء الرأي، فالشجاعة في إبداء الرأي والتصريح به من الأمور المهمة مستدلاً على ذلك بما جاء في حديث عبادة بن الصامت الذي يقول فيه: بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان وعلى أن نقول الحق أينما كان لا نخاف في الله لومة لائم.
رابعاً: الدين والاستقامة قال وهذه من الصفات الرئيسية في المستشار لئلا يغش فيما يستنصح فيه مستدلاً على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «المستشار مؤتمن».
ويرى فريق من العلماء أن من صفات المستشارين أن يكونوا شيوخاً كباراً في السن ولا يستشار الأحداث من الشباب، والصحيح أن لكل من الشيوخ والشباب مزايا فالشيوخ قد حنكتهم التجارب وعركتهم الأيام وصقلتهم الأحداث والسنون وشهدوا من الأحداث ما يسعف عقولهم باقتناص الآراء الصائبة، وقد كانت العرب تقول المشائخ أشجار الوقار ومنابع الأخبار لا يطيش بهم فهم ولا يسقط بهم وهم. وقال بعض العلماء الآراء هي قياس أمور مستقبلة على أمور ماضية ولها أمثال وأشباه، ومادة الرأي التجارب مباشرة أو سماعاً فلكثرة التجارب ندب إلى استشارة المشائخ، أما الشباب فإنهم إذا تمتعوا بأمزجة صحيحة وقرائح سليمة وعلوم غزيرة فربما فاقوا في إدراك الصواب الكهول والشيوخ، وكان يقال عليكم بآراء الأحداث ومشاورة الشباب فإن لهم أذهاناً تغل الفواصل وتحطم الذوابل، وكان مجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه يغص بالقراء والعلماء شيوخاً كانوا أو شباناً وربما استشارهم، وكان يقول: لا يمنع أحدكم حداثة سنه أن يشير برأي فإن الرأي ليس على حداثة السن ولا على قدمه ولكن على أمر يضعه الله حيث يشاء.
أما أبو الفتح البوستي فهو يقول:
خصائص من تشاوره ثلاثٌ ** فخذ منها جميعاً بالوثيقه

ودادٌ خالصٌ ووفور عقلٍ ** ومعرفة بحالك بالحقيقه

فمن حصلت له هذي المعاني ** فتابع رأيه والزم طريقه

ولصلاح بن عبدالقدوس:
ولا مشير كذي نصحٍ ومقدرةٍ ** في مشكل الأمر فاختر ذاك منتصحا

ولا مانع من أخذ رأي المرأة ومشاورتها في الأمور العامة كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة مشاورته لأم سلمة رضي الله عنها في الحديبية، وذهب البعض من العلماء إلى القول بجواز عضوية المرأة لمجلس الشورى، وفي ذلك يقول الدكتور محمود الخالدي: إنه كما كان مجلس الشورى وكيلاً عن الناس في الرأي والمرأة يجوز لها شرعاً أن تبدي رأيها للخليفة، لذلك يجوز للمرأة أن تكون عضواً في مجلس الشورى والدليل على ذلك ما يلي:
أولاً: لم يرد في الشرع أي دليل على تحريم انتخاب المرأة عضواً في مجلس الشورى، فدل على أنه مباح، أما ما ورد في السنة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» فإنه لا علاقة له بمجلس الشورى لأن الحديث وارد في الحكم ومجلس الشورى ليس من قبيل الحكم، فلا يكون دليلاً على ذلك.
ثانياً: في السنة الثالثة عشر للبعثة أي السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم عليه خمسة وسبعون مسلماً من المدينة منهم ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان وبايعوه جميعاً بيعة العقبة الثانية وهي بيعة حرب وقتال وبيعة سياسة، وبعد أن فرغوا من بيعته قال لهم جميعاً: «أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم كفلاء» وهذا أمر فيه توجيه للجميع بأن ينتخبوا من الجميع ولم يخصص الرجال ولم يستثن النساء، لا فيمن يُنتخب ولا فيمن يَنتخب، والمطلق يجري على إطلاقه ما لم يرد دليل للتخصيص والتقييد فيدل على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر المرأتين أن تنتخبا النقباء، وجعل للمرأتين حق انتخابهما من المسلمين نقيبتين.
ثالثاً: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صلح الحديبية ولقي مقاومة عنيفة من المسلمين لشروطها أمرهم أن ينحروا ويحلقوا فرفض المسلمون جميعاً ذلك، فدخل على زوجته أم سلمة رضي الله عنها، وأخبرها بما صنعه المسلمون فأشارت عليه أن يخرج وينحر ويحلق فأخذ برأيها وفعل كما قالت له، فهبَّ المسلمون ينحرون ويحلقون حتى كادوا يتذابحون لسرعتهم في التقيد بفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يدل على حق المرأة في الشورى وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يشاور النساء ويأخذ برأيهن فيجوز للمرأة أن تكون عضواً في مجلس الشورى لتعطي رأيها كما فعلت أم سلمة رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وورد في الشورى في الإسلام الإصدار المقدم له من الدكتور/ صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام رئيس مجلس الشورى السعودي عرضاَ مفصلاً عن شروط عضوية مجلس الشورى السعودي، وبعد ذلك وتحت عنوان عضوية المرأة، هناك أمراً في غاية الأهمية كثيراً ما تطرح حوله الأسئلة ويثار في مناسبات عدة ولاسيما عند الحديث عن قضايا المرأة في المملكة العربية السعودية هذا الأمر لم يرد له ذكر في شروط العضوية ألا وهو: (عضوية المرأة في مجلس الشورى).
ففي ديننا الحنيف ليس هناك ما يمنع من إسهام المرأة في شئون المجتمع، إذا ما كانت وفق الضوابط الشرعية التي تحافظ عليها. وقد أسهمت المرأة السعودية بجهد وافر في العملية التنموية للبلاد، من خلال ما تحمل من مؤهلات عالية، وتخصصات متنوعة.
ومجلس الشورى كثيراً ما يستعين بالنساء ويستشيرهن في الأمور التي تخصهن، وليس هناك ما يمنع حضورهن للمجلس سواءً لتقديم استشارة أو لحضور جلسة من جلسات المجلس.
أما النظم القانونية والدساتير فإنها لا تشترط الذكورة فيمن يعين عضواً في مجلس الشورى، وبالنسبة للأعمار فاشترطت فيمن ينتخب في عضوية مجلس النواب أن لا يقل سنه عن خمسة وعشرين عاماً، وهذه مرحلة النضج، وقد نص على ذلك في دستور الجمهورية اليمنية بالمادة (64)، كما يشترط فيمن يُنتخب أن يكون مستقيم الخلق والسلوك مؤدياً للفرائض الدينية وأن لا يكون قد صدر ضده حكم قضائي بات في قضية مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره، أما نظام مجلس الشورى السعودي الصادر سنة 1412هـ فإنه يشترط فيمن يقوم الملك باختياره لعضوية مجلس الشورى أن يكون سعودي الجنسية وأن يكون من المشهود لهم بالصلاح والكفاءة وأن لا يقل عمره عن ثلاثين سنة.
أما الناخب فإن الدستور اليمني لا يشترط فيه إلا أن يكون يمنياً وأن لا يقل سنه عن ثمانية عشر عاماً وهو حسن لأن في ذلك إعطاء كل مواطن بالغ عاقل حق المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومن ذلك حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي.
إن اعتبار تكافؤ الفرص لجميع المواطنين على السواء ميزة ينبغي أن يحافظ عليها الكافة فهي لا تختلف مع أحكام الشريعة في شيء ولكن شرط العلم والأمانة أُغفِل في بعض التشريعات وربما عولج موضوعه عن طريق اختيار هيئة استشارية من بين كبار العلماء في مختلف التخصصات لأنها ضرورة لا بد منها، فإشراك الأمة في مزاولة السلطة والتفكير بقضاياها العامة وتوسيع دائرة المسئولية بقصد تجنب الخطأ في اتخاذ القرارات لا يتأتى إلا عن طريق استشارة أهل الاختصاص، ومما لا شك فيه أن محاربة اعتقال الإرادة الإنسانية التي تمارسها الأنظمة الدكتاتورية وتحقيق ذاتية الأمة يقتضي إشراك الناس كافة ووضعهم في دائرة المسئولية لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إن أمتي لا تجتمع على ضلالة»، فالشورى هي يسيرة المنال عظيمة الفائدة ويتحقق بها النفع العظيم للأمة ولهذا جاءت بصورة مختلفة في العهد النبوي، فالخير ممارستها في أي صورة من الصور التي لا تختلف مع منهج الله وشرعه، كما سنزيد الأمر بياناً عند الحديث عن نتائج الشورى والكيفية التي كانت تمارس بها، والذي يهمنا هنا هو القول بأن الدعوة لمشاركة الكافة لا يعني عدم التركيز على ذوي الاختصاص ولا يجيز تهميشهم لأن الله سبحانه يقول: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
ولا تكاد النظم القانونية في مختلف البلدان تختلف على وجوب إشراك الأمة في معظم شئونها وعلى إعطاء الإنسان كافة حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مختلف المجالات كما هو مصرح بذلك في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/ 12/1994م المادة (21) من الإعلان العالمي تقول: لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشئون العامة لبلاده إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً، وكذلك ما نص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية بالمادة (25) التي جاء فيها أن لكل مواطن أن يشارك في سير الحياة في بلاده مباشرة أو عن طريق ممثل له وأن ينتخب ويُنتخب وأن جميع الأفراد متساوون أمام القانون بدون تمييز.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية يعتبر الدستور أعلى قاعدة قانونية ويتألف من مقدمة وسبع مواد وستة وعشرين تعديلاً ويقيم نظاماً فدرالياً تتوزع فيه السلطات بين حكومات الولايات المتحدة والحكومة القومية، كما ينشأ حكومة قومية متوازنة كذلك تتوزع السلطة على ثلاثة فروع مستقلة هي الفرع التنفيذي والفرع التشريعي والفرع القضائي، ويتولى الفرع التنفيذي تنفيذ القوانين بينما يقوم الفرع التشريعي بسن القوانين ويقوم الفرع القضائي بتفسير القوانين، ويمثل رئيس الجمهورية الفرع التنفيذي بينما يمثل الكونجرس الفرع التشريعي وتمثل المحكمة العليا الفرع القضائي، ويتم اختيار الرئيس مباشرة عن طريق الانتخابات المباشرة.
أما السلطة التشريعية فإنها تناط بالكونجرس كما هو مقر في دستور الولايات المتحدة، إلا أن السلطة التشريعية بالكونجرس تتألف من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، ويتألف مجلس النواب من أعضاء يختارون كل سنتين من قبل الشعب في مختلف الولايات، ويجب أن يتوفر من الناخبين في كل ولاية نفس المؤهلات التي يتوجب توافرها في ناخبي مجلس الهيئة التشريعية في تلك الولاية، وينتخب أعضاء مجلس النواب لدورات مدة الواحدة منها سنتان وإذا كان شخصاً مؤهلاً لانتخاب أعضاء الكونجرس والفرع الأكثر عدداً هو المجلس الذي يضم العدد الأكبر من الأعضاء ولدى جميع الولايات باستثناء (نبراساكا) هيئات تشريعية مكونة من مجلسين.
ومسألة أهلية انتخاب أعضاء الهيئة التشريعية لولاية ما متروكة كلياً لتلك الولاية وإنما خاضعة لقيود الدستور والقانون الفدرالي كقانون حقوق الاقتراع لعام 1965م ويمنع الدستور الأمريكي في تعديلاته رقم 15، 19، 24، 26 الولايات من حرمان المواطن من حق الاقتراع أو تقييد هذا الحق بسبب العرق أو الجنس أو التقصير عن دفع ضريبة ما أو السن إذا كان سنه ثمان عشر سنة على الأقل، ولا يصبح أي شخص نائباً ما لم يكن قد بلغ سن الخامسة والعشرين ولم تكن مضت عليه سبع سنوات وهو من مواطني الولايات المتحدة.
أما مجلس الشيوخ فإنه يتألف من شيخين عن كل ولاية تختارها الهيئة التشريعية في كل ولاية لمدة ست سنوات ويكون لكل شيخ صوت واحد ولا يصبح أي شخص عضواً في مجلس الشيوخ ما لم يكن قد بلغ الثلاثين من العمر وما لم تكن مضت عليه تسع سنوات وهو من مواطني الولايات المتحدة وما لم يكن لدى انتخابه من سكان الولاية التي يتم اختياره عنها، وتحدد في كل ولاية مواعيد وأماكن وطريق انتخاب الشيوخ والنواب، تحددها هيئاتها التشريعية، ولكن يمكن للكونجرس في أي وقت أن يسن قانوناً يحدد فيه مثل هذه الأنظمة أو يعدلها إلا فيما يتعلق بدوائر اختيار الشيوخ، وعلى كل حال فإن الدستور الأمريكي الفدرالي هو الذي يحدد القوانين الأساسية للبلاد ويرسم شكل نظام الحكم القومي، كما يحدد حقوق الشعب الأمريكي وحرياته، ويحدد الدستور أيضاً أهداف الحكومة وسبل تحقيقها، وقد جاء في التعديل السادس والعشرين لدستور الولايات المتحدة الأمريكية الذي تم المصادقة عليه في 1 يوليو 1971م أنه لا يجوز للولايات المتحدة ولا لأي ولاية فيها أن تحرم مواطني الولايات المتحدة ممن بلغوا سن الثامنة عشرة وما فوق من حق الانتخاب أو تنتقص لهم منه بسبب السن.
ونجد أن هذه القوانين الوضعية لا تبعد كثيراً عن المنهاج الإسلامي إلا في جزئيات يسيرة سبق الإشارة إليها عند حديثنا عن الشورى في التشريع فلا نعيد هنا تحاشياً للتطويل والتكرار، ونخلص مما سلف أن اختيار ممثلي الأمة في مجلس الشورى أو المجلس النيابي أو الاستشاري لا بد من توافر شروط يضعها العلماء للدولة، ويصدرون النظام والقانون المستجمع للشروط على ضوء ما ذكره العلماء، وأن كل طريق يمكن به تبيين من يحوز ثقة جمهور الأمة ويرجى منه ضبط شئونها فهو جائز شرعاً إذ الأصل في الأشياء الإباحة سواءً كان ذلك عن طريق الانتخاب وهو الأمثل أو عن طريق إصدار قرار بالتعيين من قبل ولي الأمر.