فصل: ذكر شيث بن آدم عليه السلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر إخراج ذريّة آدم من ظهره وأخذ الميثاق:

روى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: أخذ الله الميثاق على ذرية آدم بنعمان من عرفة فأخرج من ظهره كل ذرية ذرأها إلى أن تقوم الساعة فنثرهم بين يديه كالذّرّ ثم كلمهم قبلاً وقال: {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة}- إلى قوله-: {بما فعل المبطلون} الأعراف: 7: 172- 173.
نعمان بفتح النون الأولى.
وقيل عن ابن عباس أيضاً: إنه أخذ عليهم الميثاق بدحنا، موضع، وقال السدي: أخرج الله آدم من الجنة ولم يهبطه إلى الأرض من السماء ثم مسح صفحة ظهره اليمنى فأخرج ذرية كهيئة الذّرّ بيضاء مثل اللؤلؤ، فقال لهم: ادخلوا الجنّة برحمتي، ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منها كهيئة الذرّ سوداء، فقال: ادخلوا النار ولا أبالي، فذلك حين يقول: أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، ثم أخذ منهم الميثاق فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، فأعطوه الميثاق، طائفة طائعين وطائفة على وجه التقيّة؟

.ذكر الأحداث التي كانت في عهد آدم في الدنيا:

وكان أول ذلك قتل قابيل بن آدم أخاه هابيل، وأهل العلم مختلفون في اسم قابيل، فبعضهم يقول: قين، وبعضهم يقول: قائين، وبعضهم يقول: قاين، وبعضهم يقول: قابيل.
واختلفوا أيضاً في سبب قتله، فقيل: كان سببه أن آدم كان يغشى حوّاء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت له فيها بقابيل بن آدم وتوأمته فلم تجد عليهما وحماً ولا وصباً ولم تجد عليهما طلقاً حين ولدتهما ولم تر معهما دماً لطهر الجنّة، فلما أكلا من الشجرة وهبطا إلى الأرض فاطمأنا بها تغشاها فحملت بهابيل وتوأمته فودجت عليهما الوحم والوصب والطلق حين ولدتهما ورأت معهما الدم، وكانت حواء فيما يذكرون لا تحمل إلا توأماً ذكراً وأنثى، فولدت حواء لآدم أربعين ولداً لصلبه من ذكر وأنثى في عشرين بطناً، وكان الولد منهم أي أخواته شاء تزوج إلا توأمته التي تولد معه، فإنها لا تحل له، وذلك أنه لم يكن يومئذ نساء إلا أخواتهم وأمهم حوّاء، فأمر آدم ابنه قابيل أن ينكح توأمة هابيل، وأمر هابيل أن ينكح توأمة أخيه قابيل.
وقيل: بل كان آدم غائباً وكان لما أراد السير قال للسماء: احفظي ولدي بالأمانة، فأبت، وقال للأرض فأبت، وللجبال فأبت، وقال لقابيل، فقال: نعم تذهب وترجع وستجد كما يسرك، فانطلق ادم فكان ما نذكره، وفيه قال الله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً} الأحزاب 33: 73 فلما قال آدم لقابيل وهابيل في معنى نكاح أختيهما ما قال لهما سلم هابيل لذلك ورضي به، وأبى ذلك قابيل وكرهه تكرّهاً عن أخت هابيل ورغب بأخته عن هابيل وقال: نحن من ولادة الجنّة وهما من ولادة الأرض فأنا أحقّ بأختي.
وقال بعض أهل العلم: إن أخت قابيل كانت من أحسن الناس فضنّ بها على أخيه وأرادها لنفسه، وإنهما لم يكونا من ولادة الجنّة إنما كانا من ولادة الأرض، والله أعلم، فقال له أبوه آدم: يا بنيّ إنها لا تحلّ لك، فأبى أن يقبل ذلك من أبيه، فقال له أبوه: يا بني فقرّب قرباناً ويقرب أخوك هابيل قرباناً فأيّكما قبل الله قربانه فهو أحقّ بها، وكان قابيل على بذر الأرض وهابيل على رعاية الماشية، فقرّب قابيل قمحاً وقرب هابيل أبكاراً من أبكار غنمه، وقيل: قرب بقرةً، فأرسل الله ناراً بيضاء فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، وبذلك كان يُقبل القربان إذا قبله الله، فلمّا قبل الله قربان هابيل وتركت قربان قابيل، وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله الله، فلمّا قبل الله قربان هابيل، وكان في ذلك القضاء له بأخت قابيل، غضب قابيل وغلب عليه الكبر واستحوذ عليه الشيطان وقال: لأقتلنّك حتى لا تنكح أختي، قال هابيل: {إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك} إلى قوله: {فطوعت له نفسه قتل أخيه} المائدة 5: 27- 31، فاتبعه وهو في ماشيته فقتله، فهما اللذان قص الله خبرهما في القرآن فقال: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قرباناً قتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر} إلى آخر القصة.
قال: فلمّا قتله سقط في يده ولم يدر كيف يواريه، وذلك أنّه كان فيما يزعمون أوّل قتيل من بني آدم، {فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليُريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين} إلى قوله: {لمسرفون} المائدة: 5: 32، فلمّا قتل أخاه قال الله تعالى: يا قابيل أين أخوك هابيل؟ قال: لا أدري، ما كنت عليه رقيباً فقال الله تعالى: إن صوت دم أخيك يناديني من الأرض الآن، أنت ملعون من الأرض التي فتحت فاها فبلعت دم أخيك، فإذا أنت عملت في الأرض فإنها لا تعود تعطيك حرثها حتى تكون فزعاً تائهاً في الأرض، فقال قابيل: عظمت خطيئتي إن لم تغفرها.
قيل: كان قتله عند عقبة حراء، ثم نزل من الجبل آخذاً بيد أخته فهرب بها إلى عدن من اليمن.
قال ابن عباس: لما قتل أخاه أخذ بيد أخته ثم هبط بها من جبل نود إلى الحضيض، فقال له آدم: اذهب فلا تزال مرعوباً لا تأمن من تراه، فكان لا يمرّ به أحد من ولده إلاّ رماه، فأقبل ابن لقابيل أعمى ومعه ابن له، فقال للأعمى ابنه: هذا أبوك قابيل فارمه، فرمى الأعمى أباه قابيل فقتله، فقال ابن الأعمى لأبيه: قتلت أباك فرفع الأعمى يده فلطم ابنه فمات، فقال: يا ويلتي قتلت أبي برميتي وابني بلطمتي.
ولما قتل هابيل كان عمره عشرين سنة، وكان لقابيل يوم قتله خمس وعشرون سنة.
وقال الحسن: كان الرجلان اللذان ذكرهما الله تعالى في القرآن بقوله: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق} من بني إسرائيل، ولم يكونا من بني آدم لصلبه، وكان آدم أوّل من مات.
وقال أبو جعفر: الصحيح عندنا أنهما ابنا آدم لصلبه للحديث الصحيح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «ما من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ منها، وذلك لأنه أوّل من سنّ القتل» فبان بهذا أنهما لصلب آدم، فإن القتل مازال بين بني آدم قبل بني إسرائيل، وفي هذا الحديث أنه أول من سنّ القتل، ومن الدليل على أنه مات من ذريّة آدم قبله ما ورد في تفسير قوله تعالى: {هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} إلى قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} الأعراف: 7: 189.
عن ابن عبّاس وابن جبير والسّدّيّ وغيرهم قالوا: كانت حواء تلد لآدم فتعبّدهم، أي تسميهم عبد الله وعبد الرحمن ونحو ذلك، فيصيبهم الموت، فأتاهما إبليس فقال: لو سميتما بغير هذه الأسماء لعاش ولدكما، فولدت ولداً فسمته عبد الحارث، وهو اسم إبليس، فنزلت: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة} الآيات، وقد روى هذا المعنى مرفوعاً.
قلت: إنما كان الله تعالى يميت أولادهم أولاً، وأحيا هذا المسمى بعبد الحارث امتحاناً واختباراً وإن كان الله تعالى يعلم الأشياء بغير امتحان، لكن علماً لا يتعلّق به الثواب والعقاب.
ومن الدليل على أن القاتل والمقتول ابنا آدم لصلبه ما رواه العلماء عن علي بن أبي طالب أنّ آدم قال لما قتل هابيل.
تغيرت البلاد ومن عليها ** فوجه الأرض مغبرّ قبيح

تغيّر كلّ ذي طعم ولون ** وقلّ بشاشة الوجه المليح

في أبيات غيرها.
وقد زعم أكثر علماء الفرس أن جيومرث هو آدم، وزعم بعضهم أنه ابن آدم لصلبه من حواء، وقالوا فيه أقوالاً كثيرة يطول بذكرها الكتاب إذ كان قصدنا ذكر الملوك وأيامهم، ولم يكن ذكر الاختلاف في نسب ملك من جنس ما أنشأنا له الكتاب، فإن ذكرنا من ذلك شيئاً فلتعريف من ذكرنا ليعرفه من لم يكن عارفاً به، وقد خالف علماء الفرس فيما قالوا من ذلك آخرون من غيرهم ممن زعم أنّه آدم، ووافق علماء الفرس على اسمه، وخالفهم في عينه وصفته فزعم أن جيومرث الذي زعمت الفرس أنه آدم إنما هو حام بن يافث بن نوح، وأنه كان معمّراً سيّداً نزل جبل دنباوند من جبال طبرستان من أرض المشرق وتملك بها وبفارس وعظم أمره وأمر ولده حتى ملكوا بابل وملكوا في بعض الأوقات الأقاليم كلها، وابتنى جيومرث المدن والحصون وأعدّ السّلاح وأتخذ الخيل وتجبّر في آخر أمره وتسمى بآدم، وقال: من سمّاني بغيره قتلته، وتزوج ثلاثين امرأة، فكثر منهنّ نسله، وان ماري ابنه وماريانة أخته ممن كانا ولداً في آخر عمره، فأعجب بهما وقدّمهما، فصار الملوك من نسلهما.
قال أبو جعفر: وإنما ذكرت من أمر جيومرث في هذا الموضع ما ذكرتُ لأنّه لا تدافع بين علماء الأمم أنّه أبو الفرس من العجم، وإنما اختلفوا فيه هل هو آدم أبو البشر أم غيره على ما ذكرنا، ومع ذلك فلأنّ ملكه وملك أولاده لم يزل منتظماً على سياق متّصل بأرض المشرق وجبالها إلى أن قتل يزدجرد بن شهريار بمرور أيّام عثمان بن عفان، والتاريخ على أسماء ملوكهم أسهل بياناً وأقرب إلى التحقيق منه على أعمار ملوك غيرهم من الأمم، إذ لا يُعلم أمّة من الأمم الذين ينتسبون إلى آدم دامت لهم المملكة واتصل الملك لملوكهم يأخذه آخرهم عن أولهم وغابرهم عن سالفهم سواهم.
وأنا ذاكر ما انتهى إلينا من القول في عمر آدم وأعمار من بعده من ولده من الملوك والأنبياء وجيومرث أبي الفرس فأذكر ما اختلفوا فيه من أمرهم إلى الحال التي اجتمعوا عليها واتفقوا على ملك منهم في زمان بعينه أنه هو امللك في ذلك الزمان إن شاء الله.
وكان آدم مع ما أعطاه الله تعالى من ملك الأرض نبيّاً رسولاً إلى ولده، وأنزل الله عليه إحدى وعشرين صحيفة كتبها آدم بيده علمّه إيّاها جبرائيل.
روى أبو ذرّ عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، قال: قلت: يا رسول الله كم الرسل من ذلك؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر جمّاً غفيراً، يعني كثيراً، طيّباً، قال: قلت: من أولهم؟ قال: آدم، قال: قلت: يا رسول الله وهو نبي مرسل؟ قال: نعم، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه ثم سواه قبلاً» وكان ممن انزل عليه تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وحروف المعجم في إحدى وعشرين ورقة.

.ذكر ولادة شيث:

ومن الأحداث في أيامه ولادة شيث، وكانت ولادته بعد مضيّ مائة وعشرين سنة لآدم، وبعد قتل هابيل بخمس سنين، وقيل: ولد فرداً بغير توأم، وتفسير شيث هبة الله، ومعناه أنه خلف من هابيل، وهو وصيّ آدم، وقال ابن عباس: كان معه توأم، ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلى شيث وعلّمه ساعات الليل والنهار وعبادة الخلوة في كل ساعة منها وأعلمه بالطوفان، وصارت الرياسة بعد آدم إليه، وأنزل الله عليه خمسين صحيفة، وإليه أنساب بني آدم كلّهم اليوم. وأما الفرس الذين قالوا إن جيومرث هو آدم، فإنهم قالوا: ولد لجيومرث ابنته ميشان أخت ميشى، وتزوج ميشى أخته ميشان فولدت له سيامك وسيامي، وفولد لسيامك بن جيومرث افروال ودقس وبواسب واجرب واوراش، وأمهم جيمعاً سيامي ابنه ميشي، وهي أخت أبيهم؟، وذكروا أن الأرض كلها سبعة أقاليم، فأرض باب وما يوصل إليه مما يأتيه الناس براً وبحراً فهو من إقليم واحد وسكانُه ولد افروال بن سيامك وأعقابهم، فولد لافروال ابن سيامك من افرى ابنة سيامك أو شهنج بيشداد الملك، وهو الذي خلف جدّه جيومرث في الملك، وهو أول من جميع ملك الأقاليم السبعة، وسنذكر أخباره.
وكان بعضهم يزعم أن اوشهنج هذا هو ابن آدم لصلبه من حواء. وأما ابن الكلبي فإنه زعم أن أول من ملك الأرض أو شهنق بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، قال: والفرس تزعم أنه كان بعد آدم بمائتي سنة، وإنما كان بعد نوح بمائتي سنة، ولم تعرف الفرس ما كان قبل نوح. والذي ذكره هشام بن الكلبيّ لا وجه له، لا أن أوشهنج مشهور عند الفرس، وكل قوم أعلم بأنسابهم وأيامهم من غيرهم، قال: وقد زعم بعض نسّابة الفرس أن أوشهنج هذا هو مهلائيل، وأنّ أباه أفروال هو قينان، وأنّ سيامك هو أنوش أبو قينان، وأن ميشي هو شيث أبو أنوش، وأنّ جيومرث هو آدم، فإن كان الأمر كما زعم فلا شكّ أن أوشهنج كان في زمن آدم رجلاً، وذلك لأنّ مهلائيل فيما ذكر في الكتب الأولى كانت ولادة أمّه دينة ابنة براكيل بن محويل بن حنوخ بن قين بن آدم وأتاه بعدما مضى من عمر آدم ثلاثمائة سنة وخمس وتسعون سنة، وقد كان له حين وفاة أبيه آدم ستمائة سنة وخمس وستون سنة على حساب أن عمر آدم كان ألف سنة، وقد زعمت الفرس أن ملك أوشهنج كان أربعين سنة، فإن كان الأمر على ما ذكره النسّابة الذي ذكرت عنه ما ذكرت فيما يبعد من قال: إن ملكه كان بعد وفاة آدم بمائتي سنة.

.ذكر وفاة آدم عليه السلام:

ذكر أن آدم مرض أحد عشر يوماً وأوصي إلى ابنه شيث وأمره أن يخفي علمه عن قابيل وولده لأنه قتل هابيل حسداً منه له حين خصّه آدم بالعلم، فأخفى شيث وولده ما عندهم من العلم، ولم يكن عند قابيل وولده علم ينتفعون به.
وقد روى أبو هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: قال الله تعالى لآدم حين خلقه: إئتِ أولئك النفر من الملائكة قل السلام عليكم، فأتاهم فسلّم عليهم، وقالوا له: عليك السلام ورحمة الله، ثم رجع إلى ربّه فقال له: هذه تحيّتك وتحية ذريتك بينهم، ثم قبض له يديه فقال له: خذ واختر، فقال: أحببت يمين ربي وكلتا يديه يمين، ففتحها له فإذا فيها صورة آدم وذريته كلهم، وإذا كل رجل منهم مكتوب عنده أجله، وإذا آدم قد كتب له عمر ألف سنة، وإذا كل رجل منهم مكتوب عنده أجله، وإذا آدم قد كتب له عمر ألف سنة، وإذا قوم عليهم النور، فقال: يا رب من هؤلاء الذين عليهم النور؟ فقال: هؤلاء الأنبياء والرسل الذين أرسلهم إلى عبادي، وإذا فيهم رجل هو من أضوئهم نوراً ولم يكتب له من العمر إلا أربعون سنة، فقال آدم: يا ربّ هذا من أضوئهم نوراً ولم تكتب له إلا أربعين سنة، بعد أن أعلمه أنه داود، عليه السلام، فقال: ذلك ما كتبت له، فقال: يا ربّ انقص له من عمري ستين سنة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلما أهبط إلى الأرض كان يعدّ أيّامه، فلما أتاه ملك الموت لقبضه قال له آدم: عجلت يا ملك الموت قد بقي من عمري ستون سنة، فقال له ملك الموت: ما بقي شيء، سألت ربّك أن يكتبه لابنك داود، فقال: ما فعلت فقال النبيّ، صلى الله عليه وسلم: فنسي آدم فنسيت ذرّيته وجحد فجحدت ذرّيّته فحينئذٍ وضع الله الكتاب وأمر بالشهود.
وروي عن ابن عباس قال: لما نزلت آية الدين قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنّ أول من جحد آدم ثلاث مرار، وإن الله لما خلقه مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذار إلى يوم القيامة فجعل يعرضهم على آدم فرأى منهم رجلاً يزهر، قال: أي ربّ أيّ بنيّ هذا؟ قال: ابنك داود، قال: كم عمره؟ قال: ستون سنة، قال: زده من العمر، قال الله تعالى: لا، إلا أن تزيده أنت، وكان عمر آدم ألف سنة، فوهب له أربعين سنة، فكتب عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة، فلما احتضر آدم أتته الملائكة لتقبض روحه فقال: قد بقي من عمري أربعون سنة، قالوا: إنك قد وهبتها لابنك داود، قال: ما فعلتُ ولا وهبتُ له شيئاً، فأنزل الله عليه الكتاب وأقام الملائكة شهوداً، فأكمل لآدم ألف سنة وأكمل لداود مائة سنة.
وروي مثل هذا عن جماعة، منهم سعيد بن جبير، وقال ابن عباس: كان عمر آدم تسعمائة سنة وستّاً وثلاثين سنة، وأهل التوراة يزعمون أن عمر آدم تسعمائة سنة وثلاثون سنة، والأخبار عن رسول الله والعلماء ما ذكرنا، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، أعلم الخلق.
وعلى رواية أبي هريرة التي فيها أنّ آدم وهب داود من عمره ستين سنة لم يكن كثير اختلاف بين الحديثين وما في التوراة سوى ما وهبه لداود.
قال ابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه قال: بلغني أن آدم حين مات بعث الله بكفنه وحنوطه من الجنّة ثمّ وليت الملائكة قبره ودفنه حتى غيّبوه.
وروى أبي بن كعب عن النبي، صلى الله عليه وسلم: «أن آدم حين حضرته الوفاة بعث الله إليه بحنوطه وكفنه من الجنّة، فلما رأت حواء الملائكة ذهبت لتدخل دونهم، فقال: خلّي عني وعن رسل ربي، فما لقيت ما لقيت إلا منك، ولا أصابني ما أصابني إلا فيك، فلما قبض غسلوه بالسدر والماء وتراً وكفنوه في وتر من الثياب ثم لحدوا له ودفنوه، ثم قالوا: هذه سنّة ولد آدم من بعده».
قال ابن عباس: لما مات آدم قال شيث لجبرائيل: صلّ عليه، فقال: تقدّمْ أنت فصلّ على أبيك، فكبّر عليه ثلاثين تكبيرة، فأمّا خمس فهي الصلاة، وأما خمس وعشرون فتفضيلاً لآدم.
وقيل: دفن في غار في جبل أبي قبيس يقال له غار الكنز، وقال ابن عباس: لما خرج نوح من السفينة دفن آدم ببيت المقدس.
وكانت وفاته يوم الجمعة، كما تقدّم، وذكر أن حوّاء عشات بعده سنة ثمّ ماتت فدفنت مع زوجها في الغار الذي ذكرت إلى وقت الطوفان، واستخرجهما نوح وجعلهما في تابوت ثم حملهما معه في السفينة، فلما غاضت الأرض الماء ردّهما إلى مكانهما الذي أنا فيه قبل الطوفان، قال: وكانت حواء فيما ذكر قد غزلت ونسجت وعجنت وخبزت وعملت أعمال النساء كلها.
وإذ قد فرغنا من ذكر آدم وعدوّه إبليس وذكر أخبارهما وما صنع الله بعدوّه إبليس حين تجبّر وتكبر من تعجيل العقوبة وطغى وبغى من الطرد والإبعاد والنظرة إلى يوم الدين، وما صنع بآدمٍ إذ أخطأ ونسي من تعجيل العقوبة له ثم تغمّده إيّاه بالرحمة إذ تاب من زلّته، فأرجع إلى ذكر قابيل وشيث ابني آدم وأولادهما، إن شاء الله.

.ذكر شيث بن آدم عليه السلام:

قد ذكرنا بعض أمره وأنه كان وصي آدم في مخلفيه بعد مضيّه لسبيله، وما أنزل الله عليه من الصحف، وقيل: إنه لم يزل مقيماً بمكّة يحج ويعتمر إلى أن مات، وإنه كان جمع ما أنزل عليه وعلى أبيه آدم من الصحف وعمل بما فيها؛ وإنه بنى الكعبة بالحجارة والطين.
وأما السلف من علمائنا فإنهم قالوا: لم تزل القبة التي جعل الله لآدم مكان البيت إلى أيام الطوفان فرفعها الله حين أرسل الطوفان، وقيل: إن شيثاً لما مرض أوصى إلى ابنه أنوش ومات فدفن مع أبويه بغار أي قبيس؛ وكانت وفاته وقد أتت عليه تسعمائة سنة واثنتا عشرة سنة، وقام أنوش بن شيث بعد موت أبيه بسياسة الملك وتدبير من تحت يديه من رعيّته مقام أبيه لا يوقف منه على تغيير ولا تبديل، فكان جميع عمر أنوش سبعمائة وخمس سنين، وكان مولده بعد أن مضى من عمر أبيه شيث ستمائة سنة وخمس سنين، وهذا قول أهل التوراة.
وقال ابن عباس: ولد لشيث أنوش وولد معه نفر كثير، وإليه أوصى شيث، ثم ولد لأنوش بن شيث ابنه قينان من أخته نعمة بنت شيث بعد مضيّ تسعين سنة من عمر أنوش وولد معه نفر كثير، وإليه الوصيّة، وولد قينان مهلائيل ونفراً كثيراً عنه، وإليه الوصيّة، وولد مهلائيل يرد، وهو اليارد، ونفراً معه، وإليه الوصيّة، فولد يرد حنوخ، وهو إدريس النبيّ، ونفراً معه، وإليه الوصية، وولد حنوخ متوشلخ ونفراً معه، وإليه الوصية.
وأما التوراة ففيها أن مهلائيل ولد بعد أن مضى من عمر آدم، عليه السلام، ثلاثمائة وخمس وتسعون سنة، ومن عمر قينان سبعون، وولد يرد لمهلائيل بعدما مضى من عمر آدم أربعمائة سنة وستون سنة، فكان على منهاج أبيه، غير أن الأحداث بدأت في زمانه.

.ذكر الأحداث التي كانت من لدن ملك شيث إلى أن ملك يرد:

ذكر أن قابيل لما قتل هابيل وهرب من أبيه آدم إلى اليمن أتاه إبليس فقال له: إنّ هابيل إنما قبل قربانه وأكلته النار لأنه كان يخدم النار ويعبدها، فانصب أنت أيضاً ناراً تكون لك ولعقبك، فبنى بيت نار، فهو أول من نصب النار وعبدها.
وقال ابن اسحاق: إن قيناً، وهو قابيل، نكح أخته أشوت بنت آدم فولدت له رجلاً وامرأة: خنوخ بن قين وعذب بنت قين، فنكح خوخ أخته عذب فولدت ثلاثة بنين وامرأة: غيرد ومحويل وزنوشيل وموليث ابنة خنوخ، فنكح أنوشيل بن خنوخ أخته موليث وولدت له رجلاً اسمه لامك، فنكح لامك امرأتين اسم إحداهما عدّى والأخرى صلّى، فولدت عدّى بولس بن لامك، فكان أول من سكن القباب واقتنى المال، وتوبلين فكان أول من ضرب بالونج والصنج، وولدت رجلاً اسمه توبلقين، وكان أول من عمل النحاس والحديد، وكان أولادهم فراعنة وجبابرة، وكانوا قد أعطوا بسطة في الخلق، قال: ثم انقرض ولد قين ولم يتركوا عقباً إلا قليلاً، وذرية آدم كلها جهلت أنسابهم وانقطع نسلهم إلا ما كان من شيث، فمنه كان النسل، وأنساب الناس اليوم كلهم إليه دون أبيه آدم، ولم يذكر ابن اسحاق من أمر قابيل وولده إلا ما حكيت.
وقال غيره من أهل التوراة: إن أول من اتخذ الملاهي من ولد قابيل رجل يقال له ثوبان بن قابيل، اتخذها في زمان مهلائيل بن قينان، اتخذ المزامير والطنابير والطبول والعيدان والمعازف، فانهمك ولد قابيل في اللهو، وتناهى خبرهم إلى من بالجبل من ولد شيث، فهم منهم مائة رجل بالنزول إليهم وبمخالفة ما أوصاهم به آباؤهم، وبلغ ذلك يارد فوعظهم ونهاهم فلم يقبلوا، ونزلوا إلى ولد قابيل فأعجبوا بما رأوا منهم، فلمّا أرادوا الرجوع حيل بينهم وبين ذلك لدعوة سبقت من آبائهم، فلمّا أرادوا الرجوع حيل بينهم وبين ذلك لدعوةٍ سبقت من آبائهم، فلما أبطأوا ظنّ من بالجبل ممن كان في نفسه زيغ أنهم أقاموا اغتباطاً، فتسلّلوا ينزلون من الجبل ورأوا اللهو فأعجبهم ووافقوا نساءً من ولد قابيل متشرّعات إليهم وصرن معهم وانهمكوا في الطغيان وفشت الفحشاء وشرب الخمر فيهم، وهذا القول غير بعيد من الحق، وذلك أنه قد روي عن جماعة من سلف علمائنا المسلمين نحو منه، وإن لم يكونوا بينوا زمان من حدث- ذلك في ملكه، إلا أنهم ذكروا أن ذلك كان فيما بين آدم ونوح؛ منهم ابن عباس أو مثله، ومثله روى الحكم بن عتيبة عن أبيه مع اختلاف قريب من القولين، والله أعلم.
وأما نسّابو الفرس فقد ذكرت ما قالوا في مهلائيل بن قينان وأنه هو أوشهنج الذي ملك الأقاليم السبعة، وبينت قول من خالفهم، وقال هشام بن الكلبيّ: إنه أول من بني البناء واستخرج المعادن وأمر أهل زمانه باتخاذ المساجد، وبني مدينتين كانتا أول ما بني على ظهر الأرض من المدائن، وهما مدينة بابل، وهي بالعراق، ومدينة السوس بخوزستان، وكان ملكه أربعين سنة. وقال غيره: هو أوّل من استنبط الحديد وعمل منه الأدوات للصناعات وقدّر المياه في مواضع المنافع وحضّ الناس على الزراعة واعتماد الأعمال، وأمر بقتل السباع الضارية واتخاذ الملابس من جلودها والمفارش، وبذبح البقر والغنم والوحش وأكل لحومها، وإنه بنى مدينة الريّ، قالوا: وهي أول مدينة بنيت بعد مدينة جيومرث التي كان يسكنها بدنباوند، وقالوا: إنه أول من وضع الأحكام والحدود، وكان ملقبّاً بذلك يدعى بيشداد، ومعناه بالفارسية أول من حكم بالعدل، وذلك أن بيش معناه أول، وداد معناه عدل وقضى، وهو أول من استخدم الجواري وأوّل من قطع الشجر وجعله في البناء، وذكروا أنه نذل الهند وتنقل في البلاد وعقد على رأسه تاجاً، وذكروا أنه قهر إبليس وجنوده ومنعهم الاختلاط بالناس وتوعدهم على ذلك وقتل مردتهم، فهربوا من خوفه إلى المفاوز والجبال، فلما مات عادوا.
وقيل: إنه سمى شرار الناس شياطين واستخدمهم، وملك الأقاليم كلّها، وإنه كان بين مولد أوشهنج وموت جيومرث مائتا سنة وثلاث وعشرون سنة.
عتيبة بالعين، وبعدها تاء فوقها نقطتان، وياد تحتها نقطتان، وباء موحدة.