فصل: أقوال العلماء في الأحرف السبعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل إلى علوم القرآن الكريم



.القرآن ولغة العرب:

نزل القرآن بلغة العرب، ولا تجوز قراءة القرآن بغير لغة العرب لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا (1)}، وذهب معظم العلماء إلى أن القرآن ليس فيه ما هو خارج عن لغة العرب، لأنه تحدى العرب بأسلوبه وكلماته وصياغته، وبلاغته وفصاحته، ولو اشتمل على غير لغة العرب لما تحقق ذلك الإعجاز الأسلوبي، وقال أبو عبيد: من زعم أن في القرآن لسانا سوى العربية فقد أعظم على الله القول، وقال ابن عطية في مقدمة كتابه في التفسير: بأن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم كانت لهم مخالطة لسائر الألسن، بسبب تجاراتهم ورحلاتهم، فدخلت بعض الكلمات الأعجمية في العربية، واستعملها العرب بعد إدخال تغييرات فيها تخفف من ثقل العجمة، حتى جرت مجرى العربي الفصيح، ووقع بها البيان، وأصبحت عربية.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: (والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعا، وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، إلا أنها سقطت إلى العرب فعرّبتها بألسنتها، وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية، ثم نزل القرآن، وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال إنها عربية فهو صادق، ومن قال أعجمية فصادق).
ونزل القرآن بلغة قريش، وحكي عن أبي الأسود الدؤلي أنه نزل بلسان الكعبين كعب بن لؤي جد قريش، وكعب بن عمرو، جد خزاعة، وقال أبو عبيد في كتابه: فضائل القرآن عن ابن عباس رضي الله عنهما: نزل بلغة الكعبين، كعب قريش وكعب خزاعة، قيل: وكيف ذاك؟ قال: لأن الدار واحدة، وفضل الفراء لغة قريش على سائر لغات العرب، لأنهم كانوا يسمعون كلام العرب فيختارون من كل لغة أحسنها، فصفا كلامهم.
وثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أقرأني جبريل على حرف فراجعته، ثم لم أزل أستزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف».
وروى أبو هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب، ولا ذكر عذاب برحمة».

.أقوال العلماء في الأحرف السبعة:

اختلف العلماء القائلون بأن القرآن نزل على سبعة أحرف على أقوال:
القول الأول: يعتبر الأمر من المشكل الذي لا يعرف معناه، لأن العرب تسمي الكلمة المنظومة حرفا والقصيدة كلمة.
القول الثاني: المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع، وحكي هذا القول عن الخليل بن أحمد، وحكى ابن عبد البر القرطبي عن بعض العلماء المتأخرين من أهل العلم بالقرآن أنه قال: تدبرت وجوه الاختلاف في القرآن، فوجدتها سبعة، منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته، ومنها ما يتغير معناه ويزول بالإعراب ولا تتغير صورته، ومنها ما يتغير معناه بالحروف ولا تتغير صورته، ومنها ما تتغير صورته ولا يتغير معناه، ومنها ما تتغير صورته ومعناه، ومنها بالتقديم والتأخير، ومنها الزيادة والنقصان.
القول الثالث: المراد سبعة أنواع، كل نوع منها جزء من أجزاء القرآن، فبعضها أمر ونهي، ووعد وعيد، وقصص، وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه وأمثال، وردّ ابن عبد البر هذا القول، ونقل عن العلماء القول بفساد هذا التفسير، وقال ابن عطية: هذا القول ضعيف، وقال الماوردي: هذا القول خطأ.
القول الرابع: المراد سبع لغات لسبع قبائل من العرب، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، فبعضه نزل بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة تميم، وبعضه بلغة ربيعة، وهكذا، وإلى هذا ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام، وقال الأزهري صاحب التهذيب في اللغة: إنه المختار، واحتج بقول عثمان حين أمرهم بكتب المصاحف: وما اختلفتم فيه أنتم وزيد فاكتبوه بلغة قريش، فإنه أكثر ما نزل بلسانهم. وقال البيهقي في شعب الإيمان: إنه الصحيح أي: المراد اللغات السبع، وأنكر ابن قتيبة هذا القول، قال: لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش، وقال ابن عبد البر: قد أنكر أهل العلم أن يكون معنى سبعة أحرف سبع لغات، لأنه لو كان كذلك لم ينكر القوم بعضهم على بعض في أول الأمر، لأن ذلك من لغته التي طبع عليها.
القول الخامس: المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة، نحو أقبل وهلم وتعال وعجل وأسرع وانظر وأخر.. قال ابن عبد البر: وعلى هذا القول أكثر أهل العلم، وأنكروا على من قال: إنها لغات.
القول السادس: الأمر راجع إلى بعض الآيات، مثل قوله تعالى: أُفٍّ لَكُمْ وتقرأ على سبعة أوجه: بالنصب والجر والرفع، وكل وجه بالتنوين وغيره، وسابع الأوجه الجزم.
القول السابع: الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وضبطها عنه الأئمة وأثبتها عثمان في المصحف.
القول الثامن: كانت الحاجة ماسة إلى تعدد الأحرف واللغات، لصعوبة أن يتحول الإنسان عن لغته، ولما كثر الناس والكتاب ارتفعت تلك الضرورة، وارتفع حكم الأحرف السبعة.
القول التاسع: المراد أن علم القرآن يشتمل على سبعة أشياء، علم الإثبات والإيجاد، وعلم التوحيد وعلم التنزيه، وعلم صفات الذات، وعلم العفو والعذاب، وعلم النبوات، وعلم الإمامات.
القول العاشر: المراد بذلك علم المطلق والمقيد والعام والخاص والنص والمؤول والناسخ والمنسوخ والمجمل والمفسر.
القول الحادي عشر: المراد الحذف والصلة، والتقديم والتأخير والقلب والاستعارة، والتكرار والكناية، والحقيقة والمجاز، والمجمل والمفسر.
القول الثاني عشر: المراد التذكير والتأنيث، والشرط والجزاء، والجمع والتفريق، والتصغير والتعظيم.
القول الثالث عشر: المراد كيفية النطق بالتلاوة من إظهار وإدغام، وتفخيم وترقيق، وإمالة وإشباع، ومد وقصر، وتخفيف وتليين وتشديد.
ونلاحظ من الأقوال السابقة أن العلماء مختلفون في تفسير معنى الأحرف السبعة، وآراؤهم متباعدة متباينة، وجميع الاحتمالات ممكنة، ويبدو أن المتأخرين حاولوا تقريب الأمر، ورجحوا أن يكون المراد بتعدد الأحرف تيسير الأداء القرآني وتيسير التلاوة على العرب، بحيث تتمكن القبائل العربية المختلفة من القراءة باللغة التي تستطيع النطق بها، من حيث التفخيم والإمالة والإظهار والإدغام، والمهم في ذلك كله التيسير على الأمة بحيث لا يكلف المسلم بما لا يطيق، بشرط ألا يؤدي ذلك إلى تغيير في المعاني، فالأداء اللفظي تحكمه استعدادات موروثة، وقابليات فطرية، ولا يؤثر ذلك في سلامة النص القرآني، ولا في المعاني المستنبطة منه، ويؤكد هذا المعنى ما رواه الترمذي عن أبيّ بن كعب أنه لقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جبريل فقال: «يا جبريل، إني بعثت إلى أمة أميين، منهم العجوز والشيخ الكبير، والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط، فقال: يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف».
والحكمة من ذلك احترام اللهجات العربية، وإشعار مختلف القبائل العربية أنها قادرة على أن تقرأ القرآن بلهجتها، وأن العربية تتسع لكل العرب، وتعترف بخصوصيات اللهجات العربية، وفي هذا تأكيد على وحدة اللغة العربية، ودعوة للعرب جميعا لكي يلتفوا حول القرآن كتابهم الخالد، ورمز وحدتهم اللغوية، وحافظ هذه اللغة من أي عبث أو تحريف.

.كيفية إنزال القرآن:

اختلف العلماء في كيفية إنزال القرآن على ثلاثة أقوال:
القول الأول: نزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجما على النبي صلّى الله عليه وسلّم في مكة قبل الهجرة والمدينة بعد الهجرة، في مدة عشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين سنة، حسب الاختلاف في مدة إقامته في مكة بعد البعثة، وقال السيوطي في معرض بيان هذا القول: (وهو الأصح الأشهر). ويؤيد هذا القول ما أخرجه الحاكم والبيهقي وغيرهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا، وكان بمواقع النجوم، وكان الله ينزله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم بعضه في أثر بعض، وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: أنزل القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى سماء الدنيا جملة واحدة ثم أنزل نجوما، كما أخرج الطبراني والبزار من وجه آخر عنه قال: أنزل القرآن جملة واحدة حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا ونزله جبريل على محمد صلى الله عليه وسلّم بجواب كلام العباد وأعمالهم.
القول الثاني: نزل القرآن إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة قدر من عشرين سنة، وقيل: في ثلاث وعشرين ليلة قدر، وقيل: خمس وعشرين ليلة قدر، ينزل في ليلة القدر في كل سنة ما يقدر الله إنزاله في تلك السنة، ثم ينزل بعد ذلك منجما في جميع السنة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهذا القول ذكره الإمام فخر الدين الرازي، نقلا عن بعض العلماء.
القول الثالث: ابتدأ نزول القرآن في ليلة القدر، ثم أخذ ينزل منجما بعد ذلك في أوقات مختلفة، وهذا قول الشعبي.
قال ابن حجر في شرح البخاري: والأول هو الصحيح المعتمد، وهناك رواية رابعة حكاها الماوردي، وهي أن القرآن نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة، ثم تولى الحفظة تنجيمه على جبريل، ثم تولى جبريل تنجيمه على الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
والحكمة من نزول القرآن منجما تفخيم أمره، وأمر من نزل عليه، وإعلام الملائكة بأهمية آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل، لكي يكون له تميز عن سائر الكتب السماوية.
وقد تولى الله أمر الإجابة عن تساؤل الكفار الذين قالوا: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة بأن الإنزال المفرق للقرآن لتثبيت فؤاد النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتقوية قلبه، وتجديد عهده مع جبريل لكي يكون القرآن بالنسبة له نافذة أمل وبسمة رجاء، يمده بالقوة، ويعده بالنصر، ويفسر له المواقف، ويجيبه عن بعض ما يحتاجه من بيان وتوضيح.
ولا أعتقد أننا بحاجة لتأكيد أهمية نزول القرآن منجما من حيث التدرج في مواكبة مراحل الدعوة، في المرحلة المكية أولا، والمرحلة المدنية ثانيا، ومواكبة الأحداث الجسام، في تاريخ الدعوة، وكان القرآن هو المدد الإلهي المتجدد الذي يبعث الحياة في المجتمع الإسلامي الوليد، ويواكب مسيرة الدعوة، مؤيدا وملهما وناصحا ومسددا.
ولا يمكن تصور حياة المسلمين الأوائل بغير ذلك التواصل الإيماني العميق بين السماء والأرض، عن طريق الوحي المتجدد الملهم، الذي كان يغذي مشاعر الإيمان، وينير الطريق لمواكب المؤمنين.
قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}.
وقال أيضا: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ}.
ونستطيع أن نحدد أسباب النزول المتدرج للقرآن بما يلي:
أولا: تثبيت فؤاد الرسول الكريم:
والآية واضحة وصريحة في إقرار هذا المعنى، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم بصفته الإنسانية كان محتاجا لمن يقوي عزمه، ويثبت فؤاده، ويعزيه عما يلاقيه من عقبات، ويفتح أمامه أبواب الأمل، لكيلا يستبد اليأس بنفسه ويستولي الحزن عليه.
ثانيا: تيسير حفظه وفهمه:
وهذه غاية في منتهى الأهمية، فالقرآن كتاب تشريع وتوجيه، ويهدف إلى إقامة وتكوين مجتمع إسلامي متكامل، عقيدة وسلوكا وتشريعا، ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق النزول المتدرج للأحكام، لكي ينتقل المجتمع الإسلامي من جاهلية إلى إسلام، ومن فوضى إلى نظام، ولكي يتمكن المسلمون من حفظ القرآن الكريم وفهم أحكامه وحكمه، واستيعاب هديه وتعاليمه، وبفضل ذلك استطاع المسلمون- كما تحدثنا كتب السيرة- أن يحفظوا القرآن، وأن يستوعبوا ما جاء فيه من توجيه وتعليم.
ثالثا: مسايرة الحوادث والتدرج في التشريع:
وهذا واضح كل الوضوح، وربما كان هذا السبب من أكثر الأسباب التي ذكرناها أثرا، فقد كانت الآيات القرآنية تتنزل بحسب الحاجة، وتختلف موضوعاتها بحسب ما يحتاج إليه المجتمع الإسلامي، ومن السهل علينا أن نفهم تطور المجتمع الإسلامي اليوم، ومشاكله وأحداثه من خلال متابعتنا للقرآن، لأن القرآن كان يعايش الأحداث ويمد المسلمين بالرأي الأمثل لكل مشكلة من مشاكلهم، ولهذا كانت الأنظار تتطلع دائما إلى الوحي لكي يرسم للمسلمين الطريق، ويقوّم ما اعوج من شئونهم وما التبس عليهم من أمورهم.