فصل: مسائل في آداب تلاوة القرآن وحفظته:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.مسائل في آداب تلاوة القرآن وحفظته:

لقد أفرد هذه الآداب بعض العلماء منهم الإمام النووي في كتابه التبيان وقد ذكر فيه وفي شرح المهذب وفي كتابه الأذكار جملة كبيرة منها:
وقد لخصها، وفصلها، وزاد عليها أضعافا مضاعفة الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه الإتقان في علوم القرآن.
وسأذكر في هذا الفصل خلاصة ما ذكره السيوطي، وربما زدت عليها زيادات وتعقبات وتوضيحات لما أجمل وإزالة إشكال ما يشكل، فأقول وبالله التوفيق:

.1- قراءة القرآن من أفضل القربات إلى الله:

وأعظمها بركة، وأجلها نفعا، والقرآن الكريم هو الكتاب المتعبد بتلاوته، ويستحب الإكثار من قراءته، لأنه يرقق القلوب، ويشرح الصدور، ويزيل الهموم، ويكشف الغموم، وقد روي في الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنتين؛ رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار...»
وروى الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، «يقول الرب سبحانه وتعالى من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» إلى غير ذلك من الأحاديث التي سقناها في الدواعي والأسباب الحاملة على حفظ القرآن.
وقد كان للسلف في قدر القراءة عادات، فأكثر ما ورد في كثرة القراءة من كان يختم في اليوم والليلة ثمان ختمات أربعا في الليل وأربعا في النهار ويليه من كان يختم في اليوم والليلة أربعا، ويليه ثلاثا، ويليه ختمتين، ويليه ختمة، وقد ذمت السيدة عائشة ذلك؛ فأخرج ابن أبي داود، عن مسلم بن مخراق قال: قلت لعائشة إن رجالا يقرأ أحدهم القرآن في ليلة مرتين أو ثلاثة، فقالت: قرءوا أو لم يقرءوا، كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة التمام فيقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء، فلا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا ورغب، ولا بآية فيها تخويف إلا دعا، واستعاذ.
ويلى ذلك من كان يختم في ليلتين، ويليه من كان يختم في كل ثلاث وهو حسن، وكره جماعات الختم في أقل من ذلك لما روى أبو داود والترمذي وصححه من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا: «لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث» وأخرج ابن أبي داود، وسعيد بن منصور، عن ابن مسعود موقوفا عليه قال: «اقرءوا القرآن في سبع ولا تقرءوه في أقل من ثلاث».
وأخرج أبو عبيد، عن معاذ بن جبل أنه كان يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث.
ويليه من ختم في أربع، ثم في خمس، ثم في ست، ثم في سبع، وهذا أوسط الأمور وأحسنها؛ وهو فعل الأكثرين من الصحابة وغيرهم، وأخرج الشيخان عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ القرآن في شهر»، قلت: إني أجد قوة، قال: «اقرأه في عشر» قلت: إني أجد قوة قال: «اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك» وفي بعض الروايات مراجعات منه للنبي فيما كان يشير به عليه حتى انتهى الأمر إلى السبع، قال الحافظ في الفتح: وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم كما أن الأمر ليس على الوجوب.
وفي الصحيح أيضا أنه ندم على ذلك لما كبر وقال: فليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أني كبرت، وضعفت.
ويلي ذلك من ختم في ثمان، ثم في عشر، ثم في شهر، ثم في شهرين أخرج ابن أبي داود، عن مكحول قال: كان أقوياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرءون القرآن في سبع، وبعضهم في شهر، وبعضهم في شهرين، وبعضهم في أكثر من ذلك وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال: من قرأ القرآن في كل سنة مرتين فقد أدى حقه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرض القرآن على جبريل في السنة التي قبض فيها مرتين، أقول: ولكن عرض القرآن على جبريل لا ينافي أنه كان يقرأه وحده من غير عرض.
وكره بعض العلماء تأخير ختمه أكثر من أربعين يوما بلا عذر، نص على ذلك الإمام أحمد؛ لأن عبد الله بن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كم تختم القرآن قال: «في أربعين يوما» رواه أبو داود.
أقول: وليس في الحديث ما يدل على كراهة الختم في أكثر من أربعين والعبارة ليست حاصرة حتى يكون ما عداها ليس من سنته، وغاية ما يدل عليه أن ذلك كان حالة من حالاته، أو أنه كان الغالب منها.
ويعجبني في هذا ما قاله الإمام النووي في الأذكار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له معه كمال فهم ما يقرأ، وكذلك من كان مشغولا بنشر العلم، أو فصل الحكومات، أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، ولا فوات كماله وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل أو الهذرمة في القراءة، وهو تفصيل حسن.

.2- نسيانه كبيرة:

نسيانه كما قلنا سابقا كبيرة صرح بذلك الإمام النووي في الروضة وغيرها للحديث الذي رواه أبو داود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: «عرضت علي ذنوب أمتي، فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن، أو آية أوتيها رجل ثم نسيها» وروي أيضا: «من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة أجذم» وفي الصحيحين مرفوعا: «تعاهدوا القرآن، فو الذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها».

.3- استحباب الوضوء لقراءته:

يستحب الوضوء لقراءة القرآن؛ لأنه أفضل الأذكار؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يذكر الله إلا على طهر، كما ثبت في الحديث.
قال إمام الحرمين: ولا تكره القراءة للمحدث؛ لأنه صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ مع الحدث، قال في شرح المهذب: وإذا كان يقرأ فعرضت له ريح أمسك عن القراءة حتى يستتم خروجها.
وأما الجنب، والحائض والنفساء فتحرم عليهم القراءة نعم يجوز لهم النظر وإمراره على القلب، وأما متنجس الفم فتكره له القراءة، وقيل:
تحرم كمس المصحف باليد النجسة، وأما مس المصحف بغير حائل فيحرم على الجنب، والحائض والنفساء، وأما حملهم له في حقيبة أو كيس من غير ملامسة فجوزه الجمهور سلفا وخلفا، وشذ بعض العلماء فأجاز مسه للجنب والحائض، وطعن في الأحاديث الواردة في ذلك بأنها لم يصح منها شيء وقد رد عليه بعض الأئمة بأن أكثرها صحاح: فمن ذلك ما رواه الدارقطني بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يمس القرآن إلا طاهر» ومنها قصة فاطمة بنت الخطاب مع أخيها عمر في طلبه منها الصحيفة التي فيها قرآن، فأبت وقالت له: إنك نجس ولا يمسه إلا المطهرون... رواها الدارقطني وأصحاب السير.

.4- مسنونية قراءته في مكان طاهر:

تسن القراءة في مكان نظيف، وأفضله المسجد، وكره قوم القراءة في الحمام والطريق، قال النووي: ومذهبنا لا تكره فيهما، قال: وكرهها الشعبي في الحش، وبيت الرحا وهي تدور قال: وهو مقتضى مذهبنا.
ولعل مراد الشعبي بالكراهة، الكراهة التحريمية، وأحر بها أن تكون في الحش محرمة.

.5- استحباب استقبال القبلة حين قراءته:

يستحب لقارئ القرآن أن يجلس مستقبلا القبلة، متخشعا، متحليا بالسكينة والوقار، مطرقا رأسه كما هو شأن الخاشع المتذلل بين يدي ربه.
كما يسن أن يستاك تعظيما للقرآن الكريم وتطهيرا لفمه؛ لأنه وسيلة النطق به، والمعبر الذي تخرج منه، وقد روى ابن ماجه عن عليّ موقوفا، والبزار بسند جيد عنه، مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أفواهكم طرق القرآن فطيبوها بالسواك» قال السيوطي: لو قطع القراءة، وعاد من قرب فمقتضى استحباب التعوذ، إعادة السواك أيضا.

.6- سنية التعوذ قبل القراءة:

يسن التعوذ قبل القراءة، قال تعالى: {فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ} أي: أردت قراءته، وشذ البعض فذهب إلى أنه يتعوذ بعدها لظاهر الآية وذهب، قوم إلى وجوبها لظاهر الأمر، قال الإمام النووي: فلو مر على قوم سلم عليهم، وعاد إلى القراءة، فإن أعاد التعوذ كان حسنا.
وصفته المختارة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وكان جماعة من السلف يزيدون السميع العليم، وعن حمزة القارئ: أستعيذ ونستعيذ واستعذت، واختاره صاحب الهداية من الحنفية لمطابقة لفظ القرآن.
وعن حميد بن قيس: أعوذ بالله القادر من الشيطان الغادر، وعن أبي السمال: أعوذ بالله القوي، من الشيطان الغوي، وعن قوم أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، وعن آخرين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم، وفيها ألفاظ أخر... قال الحلواني في جامعه: ليس للاستعاذة حد ينتهى إليه، من شاء زاد، ومن شاء نقص.
وفي النشر لابن الجزري: المختار عند أئمة القراءة، الجهر بها، وقيل يسر مطلقا، وقيل: فيما عدا الفاتحة، قال: وقد أطلقوا اختيار الجهر بها، وقيده أبو شامة بقيد لابد منه، وهو أن يكون بحضرة من يسمعه؛ قال: لأن الجهر بالتعوذ إظهار شعار القراءة كالجهر بالتلبية، وتكبيرات العيدين أقول: والشيء إذا صار شعارا من شعارات الإسلام، فالأفضل إعلانه ومن فوائد الجهر أن السامع ينصت للقراءة من أولها لا يفوته منها شيء، وإذا أخفى التعوذ لم يعلم السامع بها إلا بعد أن فاته من المقروء شيء، وهذا هو الفارق بين القراءة في الصلاة وخارجها.
واختلف المتأخرون في المراد بإخفائها، فالجمهور على أن المراد به الإسرار فلابد من التلفظ، وإسماع نفسه، وقيل: الكتمان بأن يذكرها بقلبه بلا تلفظ.
وإذا قطع القراءة إعراضا: أو لكلام أجنبي، ولو برد السلام، استأنفها، فإن كان يتعلق بالقراءة فلا، قال ابن الجزري: وهل هي سنة كفاية أو عين حتى لو قرأ جماعة جملة فهل يكفي استعاذة واحد منهم كالتسمية على الأكل أو لا؛ لم أر فيه نصا، والظاهر الثاني، لأن المقصود اعتصام القارئ، والتجاؤه إلى الله واعتصامه به من شر الشيطان، فلا يكون تعوذ واحد كافيا عن آخر.
أقول: إن ظاهر الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أن التسمية على الأكل سنة عين، وإنما ذهب إلى أنها سنّة كفاية الإمام الشافعي. قال الإمام النووي في الأذكار: وينبغي أن يسمي كل واحد من الآكلين، فلو سمى واحد منهم أجزأ عن الباقين، نص عليه الشافعي رضي الله عنه وقد ذكرته عن جماعة في كتاب الطبقات في ترجمة الإمام الشافعي، وهو شبيه برد السلام، وتشميت العاطس فإنه يجزي فيه قول أحد الجماعة.
والذي يظهر لي أن تشبيهه بالسلام والتشميت غير ظاهر، ولا مسلم؛ لأن المقصود يحصل بدعاء واحد، أما التسمية ففائدتها تعوذ على المسمي لله، فلا يكتفي بتسمية غيره عنه، وكذلك ينبغي أن يكون الشأن في الاستعاذة، فلا يكفي فيها استعاذة غيره.