فصل: عدد المصاحف العثمانية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.عدد المصاحف العثمانية:

وقد اختلف في عدد المصاحف التي كتبت في عهد عثمان، ووجّه بها إلى الأمصار فقيل ستة، وقيل أكثر من ذلك، وقال القرطبي في تفسيره: قيل سبعة، وقيل أربعة، وهو الأكثر ووجه بها إلى الآفاق فوجه للعراق والشام ومصر بأمهات فاتخذها قراء الأمصار معتمد اختياراتهم ولم يخالف أحد منهم في مصحفه على النحو الذي بلغه وما وجد بين هؤلاء القراء السبعة من الاختلاف في حروف يزيدها بعضهم وينقصها بعضهم فذلك لأن كلا منهم اعتمد على ما بلغه في مصحفه ورواه إذ كان عثمان كتب هذه المواضع في بعض النسخ ولم يكتبها في بعض إشعارا بأن كل ذلك صحيح وأن القراءة بكل منها جائزة، والذي ذكره الشاطبي أنها ثمانية؛ خمسة متفق عليها وثلاثة مختلف فيها، ومراده بالخمسة: الكوفي والبصري والشامي، والمدني العام والمدني الخاص الذي حبسه لنفسه وهو المسمى بالإمام، وبالثلاثة: المكي ومصحف البحرين واليمن، وقيل إن مصر سيّر إليها بمصحف أيضا، والذي تميل إليه النفس أن يكون عثمان أرسل بمصحف إلى كل مصر من الأمصار الإسلامية المشهورة، لتكون مرجعا يرجع إليه عند الاختلاف.

.الاعتماد في القرآن على التلقي الشفاهي لا على المكتوب:

ولما كان المعول عليه في تلقي القرآن هو الأخذ بالرواية والمشافهة لا على المكتوب في المصاحف، فقد أمر أو أرسل سيدنا عثمان مع هذه المصاحف من يقرئ المسلمين بما فيها، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب المخزومي مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري وهكذا، وقد أجمع أهل كل مصر على ما في مصحفهم، وترك ما عداه، وبذلك زال الخلاف بين القراء، وتوحدت كلمة الأمة.

.السبب في تعدد المصاحف:

والسبب في تعدد المصاحف أن عثمان والصحابة قصدوا كتابة المصاحف على ما وقع عليه الإجماع، ونقل متواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم من القراءات فعدّدوا المصاحف لتكون مشتملة على جميع القراءات المتواترة؛ واختلاف المصاحف له حالتان:
1- أن تحتمل صورة اللفظ خطا للقراءتين المختلفتين أو القراءات وفي هذه الحالة يكتب اللفظ في جميع المصاحف بصورة واحدة، تحتملها، ذلك مثل {نُنْشِزُها} بالزاي و{ننشرها} بالراء، ومثل {فتثبتوا} بالثاء والباء و{فَتَبَيَّنُوا} بالتاء والباء، {وهَيْتَ لَكَ} فإنها كانت تكتب بصورة واحدة تحتمل القراءات ومن المعروف أن المصاحف كانت مجردة من الشكل والنقط.
2- أن لا تكون صورة اللفظ خطا محتملة للقراءات المختلفة وحينئذ تكتب في بعض المصاحف بصورة وفي بعضها بصورة أخرى، وذلك مثل: {وَوَصَّى}، {وأوصى} من قوله تعالى: {وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرة: 132]، فإنها في مصحف أهل المدينة {وأوصى} وفي مصحف أهل العراق {وَوَصَّى}، ومثل: {تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ} و{تجري من تحتها الأنهار} [التوبة: 100] في سورة التوبة، ومثل: {وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} [يس: 35] {وما عملت أيديهم} إلى غير ذلك فإنها كتبت في بعض المصاحف بلفظ وفي بعضها بلفظ آخر.
وإنما لم تكتب مكررة في مصحف واحد لئلا يتوهم أنها نزلت هكذا مكررة، ولم تكتب إحداهما في الأصل والأخرى في الحاشية لئلا يتوهم أنها تصحيح لها.
وإنما جردت المصاحف من النقط والشكل:
1- لما روي عن ابن مسعود جردوا مصاحفكم، يعني من كل شيء إلا القرآن.
2- لتحتمل الكلمة التي تكتب بصورة واحدة أكثر من وجه مما صح نقله وثبتت تلاوته عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه القراءات كما بينا آنفا.

.أين المصاحف العثمانية الآن؟:

قال صاحب مناهل العرفان رحمه الله: ليس بين أيدينا دليل قاطع على وجود المصاحف العثمانية الآن فضلا عن تعيين أمكنتها، قصارى ما علمناه عنها أخيرا أن ابن الجزري رأى في زمانه مصحف أهل الشام ورأى في مصر مصحفا أيضا.
أما المصاحف الأثرية التي تحتويها خزائن الكتب والآثار في مصر ويقال عنها إنها مصاحف عثمانية فإنا نشك كثيرا في صحة هذه النسبة إلى عثمان رضي الله عنه، لأن بها زركشة ونقوشا موضوعة كعلامات للفصل بين السور ولبيان أعشار القرآن، ومعلوم أن المصاحف العثمانية كانت خالية من كل هذا ومن النقط والشكل أيضا كما علمت.
نعم إن المصحف المحفوظ في خزانة الآثار بالمسجد الحسيني والمنسوب إلى عثمان رضي الله عنه مكتوب بالخط الكوفي القديم مع تجويف حروفه وسعة حجمه جدّا، ورسمه يوافق رسم المصحف المدني أو الشامي حيث رسم فيه كلمة {مَنْ يَرْتَدِدْ} من سورة المائدة بدالين اثنين، مع فك الإدغام، وهي فيهما بهذا الرسم، فأكبر الظن أن هذا المصحف منقول من المصاحف العثمانية على رسم بعضها، وكذلك المصحف المحفوظ بتلك الخزانة، ويقال إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كتبه بخطه، يلاحظ فيه أنه مكتوب بذلك الخط الكوفي القديم بيد أنه أصغر حجما وخطه أقل تجويفا من سابقه ورسمه يوافق غير المدني والشامي من المصاحف العثمانية، حيث رسمت فيه الكلمة السابقة {مَنْ يَرْتَدَّ} بدال واحدة مع الإدغام وهي في غيرهما كذلك فمن الجائز أن يكون كاتبه عليّا، أو يكون قد أمر بكتابته في الكوفة.
ثم إن عدم بقاء المصاحف العثمانية قاطبة لا يضرنا شيئا ما دام المعول عليه هو النقل والتلقي ثقة عن ثقة، وإماما عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك متواتر مستفيض على أكمل وجه في القرآن الآن.
وقال ابن كثير في الفضائل: وأما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرق المقصورة والمعمورة بذكر الله، وقد كان قديما بمدينة طبرية ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثماني عشرة وخمسمائة وقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيما ضخما بخط حسن مبين قوي محكم في رقّ أظنه من جلود الإبل والله أعلم.
وذكر السيد محمد رشيد رضا رحمه الله في تعليقاته على كتاب فضائل القرآن: إن صحف الأخبار العامة نقلت أن أحد المصاحف الأئمة العثمانية وهو الذي كان محفوظا عند قياصرة الروسية وهبه خلفهم الشيوعيون لأمير بخارى بعد أن أخذوا صورة منه بالآلة الشمسية الفوتوغرافية ويقال: إن الأصل فقد ولم يصل إلى الأمير.

.الشبه التي أوردت على جمع القرآن:

لا ينفك أعداء الإسلام عن تلمس المطاعن في القرآن الكريم؛ لأنهم يعلمون أنه أصل الدين، ومنبع الصراط المستقيم، فالتشكيك فيه إضعاف للدين وصرف للمسلمين عن الطريق الذي لا عوج فيه ولا أمت.
ومعظم هذه المطاعن مبنية على روايات واهية ومختلفة، اشتملت عليها بعض الكتب الإسلامية، وعلى شبه أوردها بعض الكاتبين في علوم القرآن وفي أصول الفقه، وأجابوا عنها، ولم يدر بخلدهم أنها ذريعة للطعن في القرآن الكريم.
وبعضها مبني على روايات صحيحة ولكن لها محامل صحيحة، ومخارج مقبولة، كما اعتمدوا على روايات باطلة أوردها الشيعة في كتبهم وسيأتي بعض منها وردّها وإبطالها.
ولكن أعداء الإسلام تعاموا عنها، وصرفوها إلى المحامل التي ترضي أحقادهم وتشفي نفوسهم المريضة.
وقد تلقف هذه الشبه، وتلك الروايات، ولاسيما الواهية الباطلة منها، المستشرقون والقسس، فأضافوا إليها ما شاءت لهم نفوسهم الحاقدة على الإسلام والمسلمين أن يضيفوه مما هو من بنات الخيال والأوهام، ومن صنع الأحقاد، فزعموا أنه قد ضاع من القرآن بعضه، ونسي بعضه، بل عنون نولدكه المستشرق الألماني في كتابه تاريخ القرآن فصلا بعنوان الوحي الذي أنزل على محمد ولم يحفظ في القرآن.
وذكر كاتب مادة، قرآن في دائرة المعارف الإسلامية أنه مما لا شك فيه أن هناك فقرات من القرآن ضاعت.
وفي دائرة المعارف البريطانية في مادة قرآن يذكر كاتب المادة أن القرآن غير كامل الأجزاء، والذي سهل لهم هذا التجني بعض علمائنا غفر الله لهم بما ذكروه في كتبهم بحسن نية، وأوردوه في رواياتهم مع إمكان تأويلها تأويلا قريبا صحيحا، ولكن المستشرقين يأخذون الضعيف، ويتركون القوي، وينقلون المشكوك فيه، ويسكتون عن الصحيح الصريح، لأنها الخطة التي تلائم أغراضهم، وتتفق ومراميهم.
وها هي الشبه التي أوردت قديما وحديثا والرد عليها بما يقنع العقل ويطمئن القلب فأقول وبالله التوفيق: