فصل: تقسيم السور باعتبار الطول والقصر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.تقسيم السور باعتبار الطول والقصر:

قد قسم العلماء السور إلى أربعة أقسام:
1- الطوال: وهي سبع: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام والأعراف، والسابعة قيل: الأنفال وبراءة لعدم الفصل بينهما بالبسملة، وقيل يونس.
2- المئون: ما ولي الطوال وهي ما تزيد آياتها عن مائة أو تقاربها.
3- المثاني: ما ولي المئين؛ وهي السور التي آياتها تقارب مائة، وسميت مثاني لأنها تثنى أكثر مما يثنى الطوال والمئون.
4- المفصل: ما ولي المثاني من قصار السور سمي بذلك لكثرة الفواصل التي بين السور بالبسملة، وقيل لقلة المنسوخ فيه، وقد اختلف في أوله على أقوال، فقيل: أوله (ق)، وقيل الحجرات، وهو الذي صححه النووي، وللمفصل طوال وأوساط وقصار، فالطوال من الحجرات إلى سورة البروج والأوساط من سورة الطارق إلى سورة لم يكن والقصار من سورة الزلزلة إلى آخر القرآن.
تقسيم السورة من حيث عدد الآيات اتفاقا واختلافا تنقسم سور القرآن من هذه الحيثية إلى ثلاثة أقسام:
1- قسم لم يختلف فيه، لا في إجمال ولا تفصيل.
2- قسم اختلف فيه، تفصيلا لا إجمالا.
3- قسم اختلف فيه، إجمالا وتفصيلا.
فالأول: أربعون سورة: يوسف، الحجر، النحل، الفرقان، الأحزاب، الفتح، الحجرات، ق، الذاريات، القمر، الحشر، الممتحنة، الصف، الجمعة، المنافقون، التغابن، التحريم، ن، الإنسان، المرسلات، التكوير، الانفطار، التطفيف، البروج، سبح، الغاشية، البلد، الليل، والضحى، ألم نشرح، التين، العاديات، ألهاكم، الهمزة، الفيل، الكوثر، الكافرون، النصر، تبت، الفلق.
والثاني أربع سور:
1- القصص ثمان وثمانون، عد أهل الكوفة {طسم} آية والباقون بدلها {وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} [القصص: 22].
2- والعنكبوت تسع وتسعون، عد أهل الكوفة {الم} والبصرة بدلها {فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} والشام {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} [العنكبوت: 28، 65].
3- والجن ثمان وعشرون عد المكي {لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} والباقون بدلها {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً}.
4- والعصر ثلاث: عد المدني الأخير {وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ} دون {وَالْعَصْرِ} وعكس الباقون فعدوا {وَالْعَصْرِ} وجعلوا {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا...} إلى آخر السورة آية، وأما الأولون فقد جعلوها آيتين.
والقسم الثالث سبعون سورة، وهي ما عدا ما سبق من السورة منها البقرة وهي مائتان وخمس وثمانون في عدد المكي والمدني والشامي، وست وثمانون في عدد الكوفي، وسبع وثمانون في عدد البصري، وقد اختلفوا في أحد عشر موضعا منها {الم} عده الكوفي، {وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} عده الشامي {إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ} عده غير الشامي {أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ} عده البصري... إلخ.
ومن أراد استيعابا في هذا فليرجع إلى كتاب التبيان فقد فصل ما أجمله السيوطي في الإتقان.

.ترتيب سور القرآن:

اختلف في ترتيب السور على أقوال ثلاثة:
الأول: ما ذهب إليه جماعة من العلماء، وهو أن ترتيب السور بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، فلم توضع سورة في موضعها من المصحف إلا بناء على أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتعليمه، أو برمزه وإشارته، على حسب ما فهموه من تلاوته صلى الله عليه وسلم، وممن ذهب إلى هذا أبو جعفر بن النحاس والكرماني، وابن الحصار وأبو بكر الأنباري، قال أبو بكر الأنباري، أنزل الله القرآن كله إلى سماء الدنيا، ثم فرقه في بضع وعشرين سنة فكانت السورة تنزل لأمر يحدث والآية جوابا لمستخبر، ويوقف جبريل النبي صلى الله عليه وسلم على موضع الآية والسورة، فاتساق السورة كاتساق الآيات والحروف، كله عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن.
وقال الكرماني في البرهان: ترتيب السور هكذا هو عند الله في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب، وعليه كان صلى الله عليه وسلم يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه، وعرض عليه في السنة التي توفي فيها مرتين، وكان آخر الآيات نزولا {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} فأمره جبريل أن يضعها بين آيتي الربا، والدين.
وقال الطيبي: أنزل القرآن أولا جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفرقا على حسب المصالح، ثم أثبت في المصاحف على التأليف والنظم المثبت في اللوح المحفوظ.
وأخرج ابن أشتة في كتاب المصاحف عن سليمان بن بلال قال: سمعت ربيعة يسأل، لم قدمت سورة البقرة وآل عمران، وقد نزلت قبلهما بضع وثمانون سورة بمكة، وإنما أنزلتا بالمدينة فقال: قدمتا وألف القرآن على علم ممن ألفه به، ومن كان معه فيه، واجتماعهم على علمهم بذلك، فهذا مما ينتهي إليه، ولا يسأل عنه.
استدل هؤلاء:
1- بأن الصحابة أجمعوا على ترتيب المصحف الذي كتب في عهد عثمان ولم يخالف في ذلك أحد، حتى من كان عنده مصاحف مكتوبة على ترتيب آخر، فلو لم يكن الأمر توقيفيا لحصل من أصحاب المصاحف الأخرى المخالفة في الترتيب والتمسك بترتيب مصاحفهم، لكن عدولهم عنها وعن ترتيبها بل وإحراقها دليل على أن الأمر ليس للرأي فيه مجال، ولا يشترط أن يكون التوقيف بنص صريح، بل قد يكفي فيه الفعل أو الرمز والإشارة.
2- بالآثار الواردة التي تدل على التوقيف منها؛ ما أخرجه أحمد وأبو داود عن حذيفة الثقفي قال: كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف...
الحديث، وفيه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طرأ عليّ حزبي فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه»، فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن قالوا: نحزبه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور، وحزب المفصل من {ق} حتى نختم، فهذا يدل على أن ترتيب سور المفصل على ما هو في المصحف الآن كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ويمكن أن يناقش هذا الدليل بأن غاية ما يدل عليه هو ترتيب المفصل أما ما عداه فلا؛ لأنه عرض للتحزيب لا للترتيب.
3- مما يدل على التوقيف كون الحواميم رتبت ولاء أي متتابعة، ولم ترتب المسبحات ولاء؛ بل فصل بين سورها بالمجادلة والممتحنة والمنافقون، كما فصل بين طسم الشعراء، وطسم القصص بطس النمل، مع أنها أقصر منها، فلو كان الترتيب اجتهاديا لما حصل الفرق بين المتماثلات من السور في الفواتح مع التناسب في الطول والقصر.
الرأي الثاني: أن الترتيب كان باجتهاد من الصحابة رضوان الله عليهم ونسب هذا القول السيوطي إلى الجمهور وممن قال بهذا الإمام مالك وأبو بكر الطيب في أرجح قوليه، واستدل القائلون بهذا باختلاف ترتيب مصاحف الصحابة قبل الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه، فلو كان الترتيب توقيفيا لما اختلفت مصاحفهم في ترتيب السور؛ لكنها اختلفت؛ فمنهم من رتب على النزول كمصحف عليّ رضي الله عنه، كان أوله اقرأ، ثم المدثر، ثم ن، ثم المزمل، ثم تبت، ثم التكوير، ثم سبح وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني.
وأما مصحف ابن مسعود فكان مبدوءا بالبقرة، ثم النساء، ثم ال عمران، ثم الأعراف، ثم الأنعام، ثم المائدة، ثم يونس...، إلخ.
ومصحف أبي كان مبدوءا بالحمد، ثم بالبقرة، ثم النساء، ثم ال عمران، ثم الأنعام، ثم الأعراف، ثم المائدة.. إلخ، وأجيب عن هذا بأن الاختلاف لا يصلح أن يكون دليلا على أنه ليس توقيفيا؛ وذلك لأن مصاحفهم لم تكن مصاحف عامة، بل كانت مصاحف خاصة جمعت إلى القرآن بعض مسائل العلم والتأويل، وبعض المأثورات، فهي إلى كتب العلم والتأويل أقرب منها إلى المصاحف المجردة، لذلك لم يعتمد عليها عند جمع المصاحف في عهد عثمان، في زيادة أو نقص، وكذلك لم يعول عليها في الترتيب، أو يقال: إن اختلافهم كان قبل العلم بالتوقيف، فلما علموا تركوا ترتيب مصاحفهم واتبعوا ترتيب المصاحف العثمانية.
محاولة التوفيق بين الرأيين: وقد حاول الزركشي في البرهان أن يجعل الخلاف بين الفريقين لفظيّا؛ لأن القائل بالثاني- الاجتهاد- يقول إنه رمز إليهم ذلك لعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته؛ ولهذا قال مالك: إنما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم، مع قوله إن ترتيب السور باجتهاد فآل الخلاف إلى أنه هل هو بتوقيف قولي أو بمجرد استناد فعلي بحيث بقي لهم فيه مجال للنظر، وقد عقب عليه أبو جعفر بن الزبير فقال: الآثار تشهد بأكثر ما نص عليه ابن عطية، ويبقى منها قليل يمكن أن يجري فيه الخلاف كقوله: «اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران» رواه مسلم، وكحديث سعيد بن خالد قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبع الطوال في ركعة» رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وفيه أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع المفصل في ركعة.
الرأي الثالث: أن الكثير من السور علم ترتيبها بالتوقيف والبعض كان ترتيبها باجتهاد من الصحابة، وإلى هذا ذهب بعض فطاحل العلماء كالقاضي أبي محمد بن عطية حيث قال: ظاهر الآثار أن السبع الطوال والحواميم والمفصل كان مرتبا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في السور ما لم يرتب فهذا هو الذي رتب وقت الكتب.
وقال البيهقي في المدخل: كان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرتبا سوره وآياته على هذا الترتيب، إلا الأنفال وبراءة، فقد حصر البعض الذي هو باجتهاد في هاتين السورتين فقط، وقال الحافظ ابن حجر: ترتيب بعض السور على بعضها أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفيا وقد اختار السيوطي ما ذهب إليه البيهقي حيث قال: والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي، وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال، ولا ينبغي أن يستدل بقراءته صلى الله عليه وسلم سورا ولاء على ترتيبها كذلك، وحينئذ فلا يرد حديث قراءته النساء قبل ال عمران: لأن ترتيب السور في القراءة ليس بواجب، ولعله فعل ذلك لبيان الجواز.
ويشهد لما ذكره البيهقي ما رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن ابن عباس قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر: بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموهما في السبع الطوال فقال عثمان رضي الله تعالى عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من يكتب فيقول: «ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا»، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من أواخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتها في السبع الطوال. وأجيب عن هذا الدليل:
1- بأن هذا الحديث غير صحيح لأن الترمذي الذي هو أحد من خرجه قال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد القاضي عن ابن عباس ويزيد هذا مجهول الحال فلا يصح الاعتماد على حديثه، الذي انفرد به في ترتيب سور القرآن.
2- على تسليم صحته فيجوز أن يكون عثمان حين إخباره لابن عباس لم يكن عنده شيء مسموع بشأن الترتيب بين السورتين، فلا ينافي أنه علم بعد ذلك.
وسواء أكان الترتيب توقيفيا أم اجتهاديا فإنه ينبغي احترامه والأخذ به في كتابة المصاحف؛ لأنه عن إجماع الصحابة؛ ولأن مخالفته تجر إلى الفتنة ودرء الفتنة. وسد ذرائع الفساد واجب.
وأما ترتيب السور في التلاوة فليس بواجب، إنما هو مندوب قال الإمام النووي في التبيان: قال العلماء الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف فيقرأ الفاتحة، ثم البقرة، ثم ال عمران، ثم ما بعدها على الترتيب سواء أقرأ في الصلاة، أم في غيرها، ثم قال: قال بعض أصحابنا ويستحب إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها التي تليها، ودليل ذلك أن ترتيب المصحف إنما جعل لحكمة، فينبغي أن يحافظ عليه، إلا فيما ورد الشرع باستثنائه كصلاة الصبح يوم الجمعة يقرأ في الأولى الم السجدة وفي الثانية: {هَلْ أَتى}، ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلي الأولى، أو خالف الترتيب فقرأ سورة قبلها جاز فقد جاءت بذلك آثار كثيرة، وقد قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الركعة الأولى من الصبح بالكهف، وفي الثانية بيوسف. وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف، روي عن الحسن أنه كان يكره أن يقرأ القرآن إلا على تأليفه في المصحف، قال: وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فممنوع منعا مؤكدا لأنه يذهب ببعض الإعجاز، ويزيل حكمة ترتيب الآي، وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قيل له: إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا فقال: ذلك منكوس القلب، وأما تعليم الصبيان القرآن من آخر المصحف إلى أوله فحسن، وليس هذا من هذا الباب، فإن ذلك قراءة منفصلة في أيام متعددة على ما فيه من تسهيل الحفظ عليهم.