فصل: الكنايات في القرآن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المعجزة الكبرى القرآن



.الكنايات في القرآن:

117 - قد تكلما في التشبيه والاستعارات، وسائر أوجه المجاز بكلام مجمل، واقتبسنا شواهد من القرآن وإن لم تكن كثيرة فإنها منيرة، وإن لم يكن فيها استقراء ففيها غناء.
ولكن لم نتعرض للكنايات في القرآن بقدر كافٍ إذا كانت الكنايات كما تدل عبارات اللغويين وعلماء البلاغة هي الدلالة على اللازم، وعادة أو عقلًا بذكر الملزوم، فكثرة الرماد كما مثلوا يلزمها كثيرة الضيفان، وطول النجاد يلزمه طول القامة، فإن الكنايات في القرآن كثيرة، ولكنها تمتاز بإرادة اللازم والملزوم، وفي ذلك كثرة المعاني مع إيجاز الألفاظ، ولنضرب على ذلك بعض الأمثال نقتبسها من كتاب الله سبحانه وتعالى، يقول الله تعالى في وصف المتقين:
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63].
هذا وصف حسي لمشيتهم ولقائهم، يمشون غير مسرعين، ولا متباهين، بل يمشون مشيًا هينًا لا سرعة فيه ولا إبطاء، وإذا خاطبهم الحمقى لا يمارونهم ولا يجادلون، فإن المراء يخل بالوقار، وملاحاة السفهاء ليست من دأب العقلاء. هذا هو الظاهر وهو المراد، ولكن المقصود مع هذا هو وصفهم بتقوى الله وخوفه، والاطمئنان إلى عفوه، فيلتقي الخوف بتكبير الذنوب، مع الرجاء في العفو والغفران.
والمعاني الثانية ملازمة للأولى، فكان المراد ابتداء هو اللازم والملزوم في ذاته، ولكن السياق كان للثاني.
ومن الإشارات الكنائية التي أريد فيها اللازم، وذكر الملزوم كان للدلالة عليه قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62] فإن ذلك الكلام السامي فيه حكم على أولياء الله المخلصين له سبحانه بأنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وذلك مراد لا ريب فيه، وذلك يلازمه أن يكونوا قريبين من ربهم، قد أخلصوا له، واستحقوا رضوانه، ومن يكون قريبًا من حبيبه، لا يخافه في مستقبل ولا يحزن فيه على ماض وقع منه، لأن المحبة تجعله قريب الرجاء في الغفران، والطمع في الرحمة، وقد بيِّنَ سبحانه الطريق لمحبة الله تعالى ونيل رضوانه، وهو التقوى، فقال تعالت كلماته: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} [يونس: 63، 64].
ومن كلام الله تعالى في التنزيل ما جاء عن وصية لقمان لابنه إذا قال تعالت كلماته:
{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ، يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 16 - 19].
وإن هنا عبارتين ساميتين فيهما كناية واضحة، وقد علمت أنَّ كنايات القرآن تدل على اللازم والملزوم، ويقصد بالعبارة الأولى قوله تعالى: {إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} إنَّه يراد بها ما تحويه الألفاظ الظاهرة من معانٍ عالية، وفيها إثبات قدرة الله تعالى بإخراج حبة الخردل من صخرة، أو في السماوات أو في الأرض، هذا هو ما تدل عليه الألفاظ، وهناك اللازم لهذا، وهو إثبات علم الله الذي لا يخفى عليه خافية، وإثبات قدرة الله تعالى الذي لا يعجز عن شيء في السماء ولا في اللأرض، ولازم لهذا اللازم، وهو البعث والنشور؛ لأنه إذا كان سبحانه وتعالى - قادرًا على أن يأتي بالحبة من الصخرة أو من أيِّ جزء في السماء أو الأرض، فهو قادر على إعادة ما خلق، ويتلاقى ذلك القول الحكيم مع قوله تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا، يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 50 - 52].
العبارة السامية الثانية حكايته تعالى لقول لقمان: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ}... إلى قوله تعالى: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 18، 19] فإن هذه الأوامر يراد منها ما يدل عليه ظاهر الألفاظ من أنه لا يصعِّر خدَّه للناس، بأن يميله عن شكله، فلا يقبل عليه بكل وجهه، ومن أنه يقصد في مشيه فلا يتباطأ ولا يسرع، بل يسير بتؤدة واطمئنان، ومن أنه يغضض من صوته، فلا يتعالى ويتكلم صياحًا، ويراد أيضًا معنى لازم لها وهو التضامن والاتصال بالناس برفق ومودة من غير كبرياء، وألَّا يغمط الناس حقوقهم، وألَّا يبطر نعمة الله تعالى، وألا يدلي نفسه بغرور؛ لأن الغرور مطية الشيطان، والسبيل إلى العصيان.
118 - هذا، وإن الكنايات فيها الإشارة البيانية التي تكون لوازم للعبارات، ولقد قسَّم علماء الأصول دلالة الألفاظ القرآنية إلى دلالة العبارات، سواء أكانت هذه العبارات تدل بالدلالة الحقيقية من غير تشبيه أو دلالة فيها تشبيه أو فيها مجاز، بالاستعارة، أو غيرها من أنواع المجاز، وبجوار ذلك دلالة الإشارات، وهي دلالة اللوازم، وإنه كلما كانت دلالة اللوازم كانت البلاغة.
ولنقبض قبضة من الآيات التي قال الفقهاء: إن فيها دلالة على الأحكام بالإشارة، أي بالكناية أو بدلالة الملزوم على اللازم، وهي تفهم كنتيجة لازمة للعبارة، وقد قالوا في تعريفها: إنَّ الدلالة بالإشارة هي ما يدل عليه اللفظ بغير العبارة التي تدل عليها الألفاظ، ولكنه يكون نتيجة لازمة لما تدل عليه ألفاظ العبارة، ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3].
وإن عبارة النص تفيد طلب العدالة مع اليتامى، وإفادة إباحة تعدد الزوجات مثنى وثلاث ورباع، وإباحة الدخول بملك اليمين، هذه أحكام علمت من العبارة نفسها.
وهناك أحكام أخرى فهمت من لوازم العبارة، وهي الدلالة بالإشارة التي هي ضرب من ضروب الكناية: الأوّل وجوب العدل مع الزوجة، وأن الرجل لا يحل له أن يتزوج إذا لم يعدل مع الزوجة ولو واحدة، إذا تأكد أنه لا يعدل، والثاني الذي يدل عليه لازم الآيات أنَّ المساواة بين الأزواج في الأمور الظاهرة كالطعام والمسكن، والكسوة والمبيت إذا عدَّد الأزواج واجبة، وتدل بالَّلازم أن عليه نفقة زوجته، وأنه لا يتزوَّج إلَّا إذا كان قادرًا على إعالة زوجته.
وذكروا من الآيات التي تدل بلازم المعنى فيها آية المداينة، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282].
وإن الأحكام التي وردت بهذا النص كثيرة لا نريد أن نحصيها، ولكن ورد فيها أحكام ليست من النص، ولكنها لازمة للنص، منها: أنَّ المكتوب يكون حجة على من أملاه وخصوصًا أنه موثق بالشهادة، وهو حجة لمن أثبت الاستدلال بالكتابة في المرافعات، ويفيد باللزوم بأن السفيه أو الضعيف الذي له ولي مال تكون عبارة الولي المالي عبارته، ويلتزم بما تثبته.
ويفيد ثالثًا بأن شهادة المرأة لا تسمع وحدها، بل تسمع مع أختها التي تشهد معها؛ لأن الله تعالى يقول: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} وذلك يقتضي أن تحضرا معًا لتسترشد كل واحدة بالأخرى إن ضلَّت، وذلك فهم من مقتضى أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى؛ لأنه لا يمكن أن يكون ذلك إلَّا إذا اجتمعتا في الأداء، وسمعت كل واحدة كلام الأخرى، وذلك بخلاف شهادة الرجل، فإنه لا بُدَّ أن يسمع كل واحد منهما منفردًا، لكيلا يومئ أحدهما إلى الآخر.
ومن النصوص التي تدل بإشارتها وعبارتها قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 233].
قد فهمت الأحكام التي ذكرتها الآية الكريمة بالنص، وفهم بالإشارة معانٍ أخرى تلازم ما نص عليه كنتيجة له، وما نص عليه في العبارة هو ملزوم، والثاني لازم له.
ومن ذلك أولًا: أنَّ المولود ينسب إلى أبيه لا إلى أمه؛ لأنَّه المولود له، فاللام تفيد ذلك الاختصاص.
وتفيد ثانيًا: أن المولود لأبيه له عليه شبه ملكية، فمال الولد لأبيه عليه نوع ملك، فالولد كسب أبيه، ولقد صرَّح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أنت ومالك لأبيك».
ويفيد ثالثًا: أنَّ الأب لا يشاركه في نفقة ولده أحد، وأن الولد لا يشاركه في نفقة أبيه أحد.
ويفيد رابعًا: أنَّ الأصل في الإرضاع أن يكون على الأم، ويجوز الاسترضاع باتفاقهما، وأن أجرة الرضاعة تكون على الأب.
وتفيد خامسًا: أن فصل الولد الذي لا إرادة له على الأم في رضاعته يكون عن تراضٍ منهما وتشاور.
وهكذا نجد أسرار البيان القرآني تتكشف عن طريق هذه اللوازم التي تجيء تبعًا للمنطوق، وتتفاوت فيها الأحكام من غير أن تكلف الألفاظ من المعاني اللازمة ما لا تطيق بتكليف التأويل، وتجيء الأسرار القرآنية العالية التي لا تكون إلّا لكلام الله سبحانه وتعالى.
ومن الآيات القرآنية التي تدل فيها العبارات على معانٍ من الألفاظ ثم تجيء لازمًا لها عن طريق الإشارة كما يعتبر الأصوليون، أو الكنايات كما يعتبر علماء البلاغة، قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] فإنَّ هذا النص الكريم أفاد بالعبارة أن الحكم الإسلامي وإدارة الدولة الإسلامية في اقتصادها ونظمها وإدارتها تقوم على الشورى، وهذا ما تفيد الآية بالنص، وتفيد مع ذلك بطريق الإشارة، والنتائج التي تكون ثمرة لهذا النص أو طريقًا لتنفيذها:
أولًا: إنه لا بُدَّ أن يكون اختيار الحاكم أو الخليفة برضا المسلمين، فلا تصح الخلافة إلا باختيار المسلمين ورضاهم، ولذلك كانت البيعة في الإسلام.
وتفيد ثانيًا: أنه لا ينفذ حكم أو قانون إلَّا إذا أقرَّته جماعة المسلمين، أو الصفة المختارة منهم.
وتفيد ثالثًا: أنه لا بُدَّ من وجود جماعة مختارة من الشعب اختيارًا أساسه الحرية والرضا، يكون عملها مراقبة الحكام، والنظر بعين فاحصة في أعمالهم، وألَّا يسن قانون إلّا برأيهم، فكل هذه لوازم لتحقيق معنى الشورى وتنفيذه.
وتفيد رابعًا: أنَّ الأعمال الفنية كقيادة الحرب والصناعة تكون تحت رقابة على القائمين بها من صفوة مختارة منهم، يكون عملها التوجيه.
وهكذا تثبت هذه الأمور كنتائج لتنفيذ الأمر بالشورى.
وإنَّ دلالة العبارات التي يمكن معرفتها بالسنة واللغة هي المفاتيح لما تومئ إليه، فلا يمكن أن تعرف أسرار القرآن الكريم إلا إذا عرفت المعاني الأولى، وإن معرفة ما تومئ إليه ألفاظ القرآن من إشارات لا يكون إلّا بعد الدخول إلى الساحة العليا، والارتفاع بالعقل إلى المدركات الإنسانية، ولذلك يقول الغزالي رضي الله عنه: إن معرفة السنة واللغة هي المفتاح الذي يدخل منه العالم إلى علوم القرآن، وفيه علم كل شيء يتعلّق بالشرائع والنفس الإنسانية وعلاج أدوائها، واليوم الآخر، وما أخبرنا به العزيز الحكيم علام الغيوب.