فصل: قصة القادسية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الأخنس بن شريق

واسمه أبي بن شريق بن عمرو بن وهب وكان اسمه أبي فلما أشار على بني زهرة بالرجوع إلى مكة حين توجهوا في النفير إلى بدر يمنعوا العير فقبلوا منه قيل‏:‏ خنس بهم فسمي الأخنس يومئذ‏.‏

أسلم يوم فتح مكة وشهد مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حنينا فأعطاه مع المؤلفة قلوبهم‏.‏

وتوفي في أول خلافة عمر رضي اللّه عنه‏.‏

خولي بن أبي خولي واسم أبي خولي عمرو بن زهير بن خيثمة‏:‏ شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وتوفي في هذه السنة‏.‏

شيرين بن أردشير‏:‏ مات في هذه السنة‏.‏

سليم أبو كبشة

مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ من مولدي أرض دوس شهد بدرًا والمشاهد كلها وتوفي يوم استخلف عمر وذلك يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة من هذه السنة‏.‏

عمرو بن الطفيل

ابن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم‏:‏ كان أبوه ورد على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بمكة‏.‏

أنبأنا أبو بكر محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ أخبرنا ابن الفهم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدَّثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون الدوسي قال‏:‏ كان الطفيل الدوسي رجلًا شريفًا شاعرًا كثير الضيافة فقدم مكة فلقيه رجال من قريش فقالوا‏:‏ إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا وفرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين أخيه وبين الرجل وزوجته وإنا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا منه فلا تكلمه ولا تسمع منه‏.‏

قال‏:‏ فواللّه ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلمه فغدوت إلى المسجد وقد حشوت أذني قطنًا فرقًا من أن يبلغني شيء من قوله فكان يقال لي‏:‏ ذو القطنتين‏.‏

قال‏:‏ فغدوت يومًا إلى المسجد فإذا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة فقمت قريبًا منه فسمعت بعض قوله فقلصَ في نفسي‏:‏ واثكل أمي والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحسن من القبِيح فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل فإن كان حسنًا قبلته وإن كان قبيحاَ تركته‏.‏

فمكثت حتى انصرف إلى بيته فدخلت معه فقلت‏:‏ إن قومك قالوا لي كذا وكذا فاعرض عليَّ أمرك فعرض عليَ الإسلام وتلا القران فقلت‏:‏ لا واللّه ما سمعت قولًا قط أحسن من هذا ولا أعدل منه فأسلمت فقلت‏:‏ يا نبي اللهّ إني امرؤ مطاع في قومي وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام فادع اللّه أن يكون لي عونًا عليهم فقال‏:‏ ‏"‏ اللهم اجعل له آية ‏"‏‏.‏

فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح فقلت‏:‏ اللهم في غير وجهي فإني أخشى أن يظنوا بي مُثْلًةَ وقعتَ في وجهي لفراق دينهم فتحول النور فوقع في رأس سوطي فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق فأتاني أبي فقلت له‏:‏ إليك عني فإنك لست من ديني ولست منك قال‏:‏ ولم يا بني قلت‏:‏ إني أسلمت واتبعت دين محمد قال‏:‏ يا بني ديني دينك‏.‏

قال‏:‏ فقلت‏:‏ فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ففعل فجاء فعرضت عليه الإسلام ثم أتتني صاحبتي فقلت‏:‏ إليك عني فلست منك ولست مني قالت‏:‏ ولم بأبي أنت‏.‏

قلت‏:‏ فرق بيني وبينك الإسلام إني أسلمت واتبعت دين محمد فقالت‏:‏ ديني دينك فأسلمت ثم دعوت دوسًا إلى الإسلام فأبطأوا عليَّ ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ قد غلبتني دوس فادع الله عليهم فقال‏:‏ ‏"‏ اللهم اهد دوسًا ‏"‏‏.‏

وقال لي‏:‏ ‏"‏ أخرج إلى قومك فادعهم وارفق بهم ‏"‏‏.‏

فخرجت أدعوهم حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومضت بدر وأحد والخندق ثم قدمت بمن أسلم من قومي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتًا من دوس ولحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين وقلنا‏:‏ يا رسول اللّه اجعلنا في ميمنتك واجعل شعارنا مبرور ففعل‏.‏

فلم أزل مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى فتح مكة فقلت‏:‏ ابعثني يا رسول اللّه إلى في الكفين صنم عمرو بن حممة أحرقه فبعثه إليه فحرقه ة فلما أحرقه بان لمن تمسك به أنه ليس على شيء فأسلموا جميعًا ورجع الطفيل فكان مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات‏.‏

فلما ارتدت العرب خرج مع المسلمين فجاهد ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ومعه ابنه عمرو فقتل الطفيل باليمامة وقطعت يد ابنه ثم استبل وصحت يده‏.‏

فبينا هو عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ أتي بطعام فتنحى عنه فقال عمر‏:‏ مالك لعلك تنحيت لمكان يدك قال‏:‏ أجل قال‏:‏ واللّه لا أذوقه حتى تسوطه بيدك فواللّه ما في القوم أحد بعضه في الجنة غيرك‏.‏

ثم خرج عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقتل شهيدًا‏.‏

عبد اللّه

خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه‏:‏ وقد سبق ذكر موته توفي في هذه السنة‏.‏

عكرمة بن أبي جهل

واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم‏:‏ أخبرنا ابن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدَثني أبو بكر بن عبد اللّه بن أبيِ سبرة عن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة مولى الزبير عن عبد اللّه بن الزبير قال‏:‏ لما كان يوم فتح مكة هرب عكرمة بن أبي جهل إلى اليمن وخاف أن يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت زوجته إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكانت امرأته أم حليم بنت الحارث بن هشام امرأة لها عقل وكانتَ قد اتبعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالت له‏:‏ إن ابن عمي عكرمة قد هرب منك إلى اليمن أ وخاف أن تقتله فأمنه قال‏:‏ ‏"‏ قد أمنته بأمان الله فمن لقيه فلا يعرض له ‏"‏ فخرجت في طلبه فأدركته في ساحل من سواحل تهامة وقد ركب البحر فجعلت تلوح إليه وتقول‏:‏ يا بن عم جئتك من عند أوصل الناس وأبر الناس وخير الناس لا تهلك نفسك وقد استأمنت لك فأمنك فقال‏:‏ أنت فعلت ذلك‏.‏

قالت‏:‏ نعم أنا كلمته لأمنك فرجع معها فلما دنا من مكة قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه‏:‏ ‏"‏ يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فقدم عكرمة فانتهى إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته معه متنقبة قال‏:‏ فاستأذنت على رسول الله فدخلت فأخبرت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقدوم عكرمة فاستبشر ووثب قائمًا على رجليه وما على رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم رداء فرحًا بعكرمة وقال‏:‏ أدخليه فدخل فقال‏:‏ يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ صدقت وأنت آمن ‏"‏ قال عكرمة‏:‏ فقلت أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله وقلت‏:‏ أنت أبر الناس وأصدق الناس وأوفى الناس أقول ذلك وأني لمطأطىء الرأس استحياء منه ثم قلت‏:‏ يا رسول اللّه استغفر لي كل عداوة عاديتكها أو مركب أو ضعت فيه أريد به إظهار الشرك فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ اللهم اغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها أو نطق بها أو مركب أوضع فيه يريد أن يصد عن سبيلك ‏"‏ فقلت‏:‏ يا رسول اللّه مرني بخير ما تعلم فأعمله قال‏:‏ ‏"‏ قل أشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدًا عبده ورسوله وجاهد في سبيله ‏"‏ ثم قال عكرمة‏:‏ أما واللهّ يا رسول اللهّ لا أدع نفقة كنت أنفقتها في صد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل اللّه ولا قتالًا كنت أقاتل في صدٍ عن سبيل اللهّ إِلّاَ أبليت ضعفه في سبيل اللّه ثم اجتهد في القتال حتى قتل شهيدًا يوم أجنادين في خلافة أبي بكر الصديق وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم استعمله عام حج على هوازن بصدقتها‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا عارم بن الفضل قال‏:‏ حدَّثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال‏:‏ لما كان يوم الفتح ركب عكرمة بن أبي جهل البحر هاربًا يَجُب بهم البحر فجعلت الصواري يدعون اللّه عز وجل ويوحدونه فقال‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ هذا مكان لا ينفع فيه إلا اللّه عز وجل قال‏:‏ فهذا إله محمد الذي يدعونا إليه فارجعوا بنا فرجع فأسلم‏.‏

وكانت امرأته أسلمت قبله وكانا على نكاحهما‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا موسى بن مسعود أبو حذيفة النهدي قال‏:‏ حدًثنا سفيان عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد عن عكرمة بن أبي جهل قال‏:‏ قال لي النبي صلى الله عليه وسلم يوم جئته‏:‏ ‏"‏ مرحبًا بالراكب المهاجر مرحبًا بالراكب المهاجر ‏"‏ قلت‏:‏ يا رسول الله لا أدع نفقة أنفقتها عليك إلا أنفقت مثلها في سبيل الله‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا أبو سهل قال‏:‏ حدَّثنا داود عن هشام بن يحيى المخزومي قال‏:‏ قال شيخ لنا‏:‏ لما قدم عكرمة المدينة جعل الناس يتنادون‏:‏ هذا ابن أبي جهل هذا ابن أبي جهل فانطلق موايلا حتى دخل على أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له‏:‏ ما شأنك قال‏:‏ ما شأني لا أخرج إلى طريق ولا سوق إلا ينادى بي‏:‏ هذا ابن أبي جهل فدخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في خلال ذلك فذكرت له أم سلمة ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته‏:‏ ‏"‏ ما بال أقوام يؤذون الأحياء بشتم الأموات ألا لا تؤذوا الأحياء بشتم الأموات ‏"‏‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا سليمان قال‏:‏ حدَّثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة‏:‏ أن عكرمة بن أبي جهل كان إذا أجهد اليمين قال‏:‏ لا والذي نجاني يوم بدر وكان يضع المصحف على وجهه ويقول‏:‏ كتاب ربي كتاب ربي‏.‏

عتاب بن أسيد‏:‏ ولاه رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم مكة وهو ابن خمس وعشرين سنة وتوفي بها يوم مات أبو بكر بالمدينة وكانا قد سُمَّا جميعًا‏.‏

نعيم النحام بن عبد اللّه بن أسيد بن عبد عوف‏:‏ أسلم بعد عشرة وكان يكتم إسلامه وإنما سمي النحام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ دخلت الجنة فسمعت نَحْمَة من نعيم ‏"‏‏.‏

ولم يزل بمكة يحوطه قومه لشرفه فيهم‏.‏

فلما هاجر المسلمون إلى المدينة أراد لهجرة فتعلق به قومه فقالوا‏:‏ دِنْ بأي دين شئت وأقم عندنا‏.‏

فأقام بمكة إلى سنة ست فقدم مهاجرًا إلى المدينة ومعه أربعون من أهله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقه وقبّله‏.‏

وشهد مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما بعد الحديبية وقتل يوم اليرموك شهيدًا في هذه السنة‏.‏

هشام بن العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم‏:‏ أسلم بمكة قديمًا وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية ثم قدم مكة حين بلغه مهاجرة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يريد اللحاق به فحبسه أبوه وقومه بمكة حتى قدم المدينة بعد الخندق على النبي صلى الله عليه وسلم فشهد ما بعد ذلك من المشاهد وكان أصغر سنًا من أخيه عمرو بن العاص وكان عمرو يقول‏:‏ عرضنا أنفسنا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقبله وتركني‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر أنبأنا أبو إسحاق البرمكي أخبرنا ابن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحسين بن الفهم حدَثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدَّثني مخرمة بن بكير عن أم بكر بنتَ المسور بين مخرمة قالت‏:‏ كان هشام بن العاص رجلًا صالحًا لما كان يوم أجنادين رأى من المسلمين بعض النكوص عن عدوهم فألقى المغفر عن وجهه وجعل يتقدم في نحر العدو وهو يصيح‏:‏ ‏(‏يا معشر المسلمين إليَ إليَ أنا هشام بن العاص أمن الجنة تفرون‏)‏ حتى قتل‏.‏

روى محمد بن عمر‏:‏ وحدَثني ثور بن يزيد عن خلف بن معدان قال‏:‏ لما انهزمت الروم يوم أجنادين انتهوا إلى موضع لا يعبره إلا إنسان إنسان فجعلت الروم تقاتل عليه وقد تقدموه وعبروه وتقدم هشام بن العاص بن وائل فقاتلهم عليه حتى قتل ووقع على تلك الثلمة فسدها فلما انتهى المسلمون إليها هابوا أن يوطئوه الخيل فقال عمرو بن العاص‏:‏ أيها الناس إن اللّه قد استشهده ورفع روحه وإنما هو جثة فأوطئوه الخيل ثم أوطأه هو وتبعه الناس حتى قطعوه فلما انتهت الهزيمة ورجع المسلمون إلى العسكر كرّ إليه عمرو بن العاص فجعل يجمع لحمه وأعضاءه وعظامه ثم حمله في نطع فواراه‏.‏

وكانت وقعة أجنادين أول وقعة بين المسلمين والروم وكانت في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وكان على الناس يومئذ عمرو بن العاص‏.‏

أسلم قبل دخول رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وشهد مع عبد الله بن جحش سريته إلى نخلة وقتل يومئذ عمرو بن الحضرمي‏.‏

وشهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له عقب‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع عشرة

فمن الحوادث فيها

 قصة القادسية

وذلك أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه خرج في أول يوم من المحرم من سنة أربع عشرة فنزل على ماء يدعى صراراَ فعسكر به ولا يدري الناس ما يريد أيسير أم يقيم وكانوا إذا أرادوا أن يسألوه عن شيء رموه بعثمان أو بعبد الرحمن بن عوف وكان عثمان يدعى في زمان عمر رديفًا وكانوا إذا لم يقدر هذان على شيء مما يريدون ثلثوا بالعباس قال‏:‏ فقال عثمان لعمر‏:‏ ما بلغك‏.‏

ما الذي تريد‏.‏

فنادى‏:‏ الصلاة جامعة فاجتمع الناس فأخبرهم الخبر الذي اقتصصناه في ذكر ما هيج أمر القادسية من اجتماع الناس على يزدجرد وقصد فارس إهلاك العرب فقال عامة الناس‏:‏ سر وسر بنا فقال‏:‏ استعدوا فإني سائر إلا أن يجيء رأي هو أمثل من هذا‏.‏

ثم بعث إلى أهل الرأي فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلام العرب فقال‏:‏ أحضروني الرأي فاجتمع ملؤهم على أن يبعث رجلًا من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويقيم ويرميه بالجنود فإن كان الذي يشتهي من الفتح فهو الذي يريد وإلا أعاد رجلًا وندب جندًا آخر‏.‏

فأرسل إلى عليّ رضي الله عنه وكان قد استخلفه على المدينة وإلى طلحة وكان قد بعثه على المقدمة وجعل على المجنبتين الزبير وعبد الرحمن بن عوف فقال له عبد الرحمن‏:‏ أقم وابعث جندًا فليس انهزام جندك كهزيمتك فقال‏:‏ إني كنت عزمت على الخروج فقد رأيت أني أقيم وأبعث رجلًا فمن تَرونه فقالوا‏:‏ سعد بن مالك وكان سعد على صدقات هوازن فكتب إليه عمر أن ينتخب ذوي الرأي والنجدة فانتخب ألف فارس ثم أرسل إليه فقدم‏.‏

وكتب عمر إلى المثنى‏:‏ تنح إلى البر وأقم من الأعاجم قريبًا على حدود أرضك وأرضهم حتى يأتيك أمري‏.‏

وعاجلتهم الأعاجم فخرج المثنى بالناس حتى نزل العراق ففرق الناس في مسالحه وكانوا كالأسد ينازعون فرائسهم وكانت فارس منزعجة‏.‏

ولما قدم سعد ولاه عمر حرب العراق وقال‏:‏ يا سعد لا يغرنك إن قيِل‏:‏ خال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وصاحبه فإنه ليس بين أحد وبين الله نسب إلا الطاعة وإنك تقدم على أمر شديد فالصبر الصبر على ما أصابك‏.‏

ثم سرحه فيمن اجتمع معه فخرج قاصدًا إلى العراق في أربعة آلاف ثم أمده عمر بثلاثة آلاف‏.‏

وكتب إلى جرير بن عبد اللهّ والمثنى أن يجتمعا إلى سعد وأمره عليهما فمات المثنى من جراحة كان قد جرحها‏.‏

وبعض الناس يقول‏:‏ كان أهل القادسية ثمانية آلاف وبعضهم يقول‏:‏ تسعة آلاف وبعضهم يقول‏:‏ اثني عشر ألفًا‏.‏

وخرج سعد في ثمانية آلاف ثم أضيف إليه خلق فشهد القادسية مع سعد بضعة وثلاثون ألفَاَ‏.‏

وكتب عمر إلى سعد‏:‏ إذا جاءك كتابي هذا فعشر الناس وأمر على أجنادهم وواعد الناس القادسية واكتب إليَّ بما يستقر أمر الناس عليه‏.‏

فجاءه الكتاب وهو بشراف ثم كتب إليه‏:‏ أما بعد فسر من شراف نحو فارس بمن معك من المسلمين وتوكل على الله واستعن به على أمرك كله واعلم أنَّك تقدم على قوم علاهم كثير وبأسهم شديد فبادروهم بالضرب ولا يخدعنكم فإنهم خدعة مكرة وإذا انتهيت إلى القادسية والقادسية باب فارس في الجاهلية وهو منزل حصين دونه قناطر وأنهار ممتنعة فلتكن مسالحك على انقابها فإنهم إذا أحسوك رموك بجمعهم فإن أنتم صبرتم لعدوكم ونويتم الأمانة رجوت أن تنصروا عليهم وإن تكن الأخرى انصرفتم من أدنى مدرة من أرضهم حتى يرد الله لكم الكرة‏.‏

ثم قدم عليه كتاب جواب عمر‏:‏ أما بعد فتعاهد قلبك وحادث جندك بالموعظة والصبر الصبر فإن المعونة تأتَي من الله على قدر النية والأجر على قدر الحِسْبَة وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله وصف لي منازل المسلمين كأني أنظر إليها وقد ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموهم فإن منحك اللّه أكتافهم فلا تنزع عنهم حتى تقتحم عليهم المدائن فإنها خرابها إن شاء الله‏.‏

ومضى سعد حتى نزل القادسية وأصاب المسلمون في طريقهم غنائم من أهل فارس عارضوها في طريقهم وجاء الخبر إلى سعد أن الملك قد ولى رستم الأرمَنّي حربه فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر‏:‏ لا يكربنَّك ما يأتيك عنهم واستعن بالله وتوكل عليه‏.‏

فعسكر رستم بساباط دون المدائن وزحف بالخيول والفيول وبعثوا إلى سعد أنه لا بد لكم منا ولا سلاح معكم فما جاء بكم وكانوا يضحكون منهم ومن نبلهم ويقولون هذه مغازل‏.‏

فلما أبوا أن يرجعوا عن حربهم قالوا لهم‏:‏ ابعثوا لنا رجا منكم عاقلًا يبين لنا ما جاء بكم فقال المغيرة بن شعبة‏:‏ أنا فعبر إليهم فقعد مع رستم على السرير فصاحوا عليه فقال‏:‏ إن هذا لم يزدني رفعة ولم ينقص صاحبكم فقال رستم‏:‏ صدق ثم قال‏:‏ ما جاء بكم‏.‏

فقال‏:‏ إنا كنا قومًا في ضلالة فبعث اللهّ فينا نبي فهدانا اللهّ به فإن قتلتمونا دخلنا الجنة وإن قتلتم دخلتم النار فقال‏:‏ أو ماذا قال‏:‏ أو تؤدون الجزيِة فلما سمعوا نخروا وصاحوا وقالوا‏:‏ لا صلح بيننا وبينكم فقال المغيرة‏:‏ تعبرون إلينا أو نعبر إليكم‏.‏

فقال رستم‏:‏ بل نعبر إليكم فاستأخر المسلمون حتى عبر منهم من عبر فحملوا عليهم فهزموهم فأصاب المسلمون فيما أصابوا جرابًا و من كافور فحسبوه ملحًا فألقوا منه في الطبيخ فلما ذاقوه قالوا‏:‏ لا خير في هذا‏.‏

وانهزم القوم حتى انتهوا إلى الصَّراةَ فطلبوهم فانهزموا حتى انتهوا إلى المدائن ثم انهزموا حتى أتوا شاطىء دجلة فمنهم من عبر من كَلْواذىَ ومنهم من عبر من أسفل المدائن فحاصروهم حتى ما يجدون طعامًا يأكلونه إلا كلابهم وسنانيرهم فخرجوا ليلًا فلحقوا بجلولاء فأتاهم المسلمون وعلى مقدمة سعد هاشم بن عتبة وهي الوقعة التي كانت فهزم المشركون حتى ألحقهم سعد بنهاوند‏.‏

وبعث سعد بجماعة من المسلمين إلى يزدجرد يدعونه إلى الإسلام فلما دخلوا عليه قال‏:‏ ما الذي دعاكمِ إلى غزونا والولوع ببلادنا فقال له النعمان بن مقرن‏:‏ إن الله تعالى أرسل إلينا رسولاَ يدلنا على الخير فأمرنا أن ندعو الناس إلى الإنصاف ونحن ندعوكم إلى ديننا فإن أبيتم فالمناجزة فقال يزدجرد‏:‏ إني لا أعلم في الأرض أمة أشقى منكم فقال المغيرة بن زرارة الأسير‏:‏ اختر إن شئت الجزية عن يدٍ وأنت صاغر وإن شئت السيف أو تسلم فقال‏:‏ أتستقبلني بمثل هذا فقال‏:‏ ما استقبلتَ إِلا من كلمني فقال‏:‏ لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك لا شيء لكم عندي ثم قال‏:‏ ائتوني بوقر من تراب واحملوه على أشرف هؤلاء ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن ارجعوا إلى صاحبكم فاعلموه أني مرسل إليهم رستم حتى يدفنه وجنده في خندق القادسية ثم أورده بلادكم حتى أشغلكم في أنفسكم بأشد مما ثم قال‏:‏ من أشرفكم‏.‏

فسكت القوم فقال عاصم بن عمرو‏:‏ أنا فحملنيه فحمله على عنقه فأتى به سعدًا فقال‏:‏ ملكنا اللّه أرضهم تفاؤلًا بأخذ التراب‏.‏

وأقام سعد بالقادسية شهرين وشيئًا حتى ظفر وعج أهل السواد إلى يزدجرد وقالوا‏:‏ العرب قد نزلوا القادسية فلم يبقوا على شيء وأخربوا ما بينهم وبين الفرات ولم يبق إلا أن يستنزلونا فإن أبطأ عنا الغياث أعطيناهم بأيدينا‏.‏

فبعث إليهم رستم وجاء الخبر إلى سعد فكتب بذلك إلى عمر وكان من رأي رستم المدافعة والمناهلة فأبى عليه الملك إلا الخروج وقال له‏:‏ إن لم تسر أنت سرت بنفسي فخرج حتى نزل بساباط وجمعِ أداة الحرب وبعث على مقدمته الجالنوس في أربعين ألفًا وخرج في ستين ألفاَ واستعمل على ميمنته الهرمزان‏.‏

وعلى ميسرته مهران بن بهرام وعلى ساقته النبدوان في عشرين ألفًا ولهم أتباع فكانوا بأتباعهم أكثر من مائتي ألف‏.‏

فلما فصل رستم من ساباط أخذ له رجل من أصحاب سعد فقال له‏:‏ ما جئتم تطلبون قال‏:‏ جئنا نطلب موعود اللهّ قال‏:‏ وما هو قال‏:‏ أرضكم وأبناؤكم ودماؤكم إذ أبيتم أن تَسلموا قال‏:‏ فإن قتلتم قبل ذلك قال‏:‏ في موعود اللهّ أن من قتل منا قبل ذلك دخل الجنة وينجز لمن بقي منا ما قلت لك فقتله‏.‏

ثم خرج حتى نزل ببُرس فغصب أصحابه الناس أموالهم ووقعوا على النساء وشربوا الخمور فقام إلى الناس فقال‏:‏ إن اللهّ كان ينصركم على عدوكم لحسن السيرة وكف الظلم والوفاء بالعهد فأما إذا تحولتم عن هذه الأعمال فلا أرى اللّه إلا مغيرًا ما بكم‏.‏

ثم نزل مما يلي الفرات ودعا أهل الحيرة فقال‏:‏ فرحتم بدخول العرب علينا بلادنا وكنتم عونًا لهم علينا وقويتموهم بالأموال فقالوا‏:‏ واللهّ ما فرحنا بمجيئهم وما هم على ديننا وأما قولك‏:‏ كنتم عونًا لهم فما يحوجهم إلى ذلك وقد هرب أصحابكم منهم وخلّوا لهم القرى وقولك‏:‏ ‏"‏ قويناهم بالأموال ‏"‏ فإنا صانعنا هم بالأموال عن أنفسنا‏.‏

فارتحل رستم فنزل النجف وكان بين خروجه من المدائن إلى أن لقي سعدًا أربعة أشهر لا يُقدِم ولا يقاتل رجاء أن يضجروا بمكانهم وأن يجهدوا فينصرفوا وكره قتالهم فطاولهم والملك يستعجله وعهد عمر إلى سعد والمسلمين أن ينزلوا على حدود أرضهم وأن يطاولهم فنزلوا القادسية وقد وطنوا أنفسهم على الصبر والمطاولة فكانوا يغيرون على السواد فانتسفوا ما حولهم وأعدوه للمطاولة‏.‏

وكان عمر يمدهم وقال بعض الناس لسعد‏:‏ قد ضاف بنا المكان فأقدم فزبره وقال‏:‏ إذا كفيتم الرأي فلا تكلفوه وخرج سواد وحُمْيضة في مائة مائة فأغاروا على النهرين وقد كان سعد نهاهما أن يًمعِنا وبلغ ذلك رستم فبعث خيلًا فبعث سعد إليهم قومًا فغنموا وسلموا‏.‏

ومضى طليحة حتى دخل عسكر رستم وبات فيه يحرسه وينتظر‏.‏

فلما أدبر الليل أتى أفضل من توسم في ناحية العسكر فإذا فرس لهم لم ير في خيل القوم مثله فانتضى سيفه فقطع مقود الفرس ثم ضمه إلى مقود فرسه ثم حرك فرسه فخرج يعدو ونذر به الرجل والقوم فركبوا الصعب والذلول وخرجوا في طلبه فلحقه فارس فعدل إليه طليحة فقصم ظهره بالرمح ثم لحق به آخر ففعل به مثل ذلك ثم لحق به آخر فكر عليه طليحة ودعاه إلى الأسار فاستأسر فجاء به إلى سعد فأخبره الخبر فقال للأسير‏:‏ تكلم فقال‏:‏ قد باشرت الحروب وغشيتها وسمعت بالأبطال ولقيتها ما رأيت ولا سمعت بمثل هذا أن رجلًا قطع عسكرين لا يجترىء عليهما الأبطال إلى عسكر فيه سبعون ألفًا فلم يرض أن يخرج حتى سلب فارس الجند وهتك أطناب بيته فطلبناه فأدركه الأول وهو فارس الناس يعدل بألف فارس فقتله ثم أدركه الثاني وهو نظيره فقتله ثم أدركته ولا أظنني خلفت بعدي من يعدلني فرأيت الموت فاستأسرت‏.‏

ثم أخبرهم بأن الجند عشرون ومائة ألف وأن الأتباع مثلهم خدام لهم وأسلم الرجل وسماه سعد مسلمًا وعاد إلى طليحة وقال‏:‏ واللّه لا يهزمون على ما أرى من الوفاء والصدق والإصلاح لا حاجة لي في صحبة فارس فكان من أهل البلاء يومئذ‏.‏

وقال سعد لقيس بن هبيرة‏:‏ أخرج حتى تأتيني بخبر القوم فخرج وسرح عمرو بن معدي كرب وطليحة فإذا خيل القوم فأنشب قيسٌ القتال وطاردهم فكانت هزيمتهم وأصاب منهم اثني عشر رجلاَ وثلاثة أسراء وأسلابًا فأتوا بالغنيمة سعدًا‏.‏

فلما أصبح رستم تقدم حتى انتهى إلى العتيق فتباسر حتى إذا كان بحيال قديس خندق خندقًا بحيال عسكر سعد وكان رستم منجمًا فكان يبكي مما يرى من أسباب تدل على غلبة المسلمين إياهم ومما رأى أن عمر دخل عسكر فارس ومعه ملك فختم على سلاحهم ثم حزمه ودفعه إلى عمر‏.‏

وكان مع رستم ثلاثة وثلاثون فيلَاَ في القلب ثمانية عشر وفي المجنبتين خمسة عشر فيلًا منها فيل سابور الأبيض وكان أعظم الفيلة‏.‏

فلما أصبح رستم من ليلته التي بات بها في العتيق ركب في خيله فنظر إلى المسلمين ثم صعد نحو القنطرة وحرز الناس وراسل زُهرة فخرج إليه وأراد أن يصالحهم وجعل يقول‏:‏ إنكم جيراننا وقد كانت طائفة منكم في سلطاننا فكنا نحسن جوارهم ونكف الأذى عنهم ونوليهم المرافق الكثيرة فنرعيهم مراعينا ونميرهم من بلادنا وإنما يريد بذلك الصلح ولا يصرح فقال زهرة‏:‏ ليس أمرنا أمر أولئك إنا لم نأتكم لطلب الدنيا إنما طلبنا الآخرة كنا نضرع إليكم فنطلب ما في أيديكم فبعث الله إلينا رسولًا فأجبناه إلى دين الحق‏.‏

فدعا رستم رجال أهل فارس فذكر لهم ذلك فأنفوا فقال‏:‏ أبعدكم اللّه فمال الرُّفَيل إلى زهرة فأسلم وأسلم‏.‏

وأرسل سعد إلى المغيرة بن شعبة وبسر بن أبي رهم وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن وربعي بن عامر وقرفة بن زاهر التيمي ومذعور بن عدي العجلي والمضارب بن يزيد العجلي ومعبد بن مرة العجلي وكان من دهاة العرب فقال‏:‏ إني مرسلكم إلى هؤلاء القوم فما عندكم‏.‏

قالوا جميعًا‏:‏ نتبع ما تأمرنا به وننتهي إليه فإذا جاء أمر لم يكن منك فيه شيء نظرنا أمثل ما ينبغي وأنفعه للناس فكلمناهم به‏.‏

فقال سعد‏:‏ هذا فعل الحَزَمة إذهبوا فتهيَّئوا‏.‏

فقال ربعي بن عامر‏:‏ إن الأعاجم لهم آراء وآداب متى ما نأتهم جميعًا يروا أنا قد احتفلنا لهم فلا تزيد على رجل فسرحوني‏.‏

فخرج ربعي ليدخل على رستم عسكره فاحتبسه الذين على القنطرة وأرسل إلى رستم بمجيئه فاستشار عظماء أهل فارس فقال‏:‏ ما ترون أنتهاون أم نباهي‏.‏

قالوا‏:‏ نباهي فأظهروا الزبرجد وبسطوا البسط والنمارق ووضع لرستم سرير ذهب عليه الوسائد المنسوجة بالذهب‏.‏

وأقبل ربعي وغمد سيفه لفافة ثوب خلق ورمحه معلوب بقِدّ معه حَجَفة من جلود البقر فجاء حتى جلس على الأرض وقال‏:‏ إنا لا نستحب القعود على زينتكم فكلمه وقال‏:‏ ما جاء بكم‏.‏

قال‏:‏ اللّه جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة اللّه من جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام فمن قبل ذلك قبلنا منه ومن أبى قاتلناه حتى نُفْضِيَ إلى موعود اللّه‏.‏

قال‏:‏ وما هو موعود اللهّ‏.‏

قال‏:‏ الجنة لمن مات على قتال من أبى والظَفَر لمن بقي‏.‏

فقال رستم‏:‏ هل لكم أن تؤخروا هذا الأمر لننظر فيه وتنظروا قال‏:‏ إنا لا نؤجل أكثر من ثلاث‏.‏

فخلص رستم برؤساء أهل فارس وقال‏:‏ ما ترون هل رأيتم قط كلامًا أوضح أما ترى إلى ثيابه فقال‏:‏ ويحكم لا تنظرون إلى الثياب ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة إن العرب تستخف باللباس والمأكل ويصونون الأحساب‏.‏

فرجع ربعي إلى أن ينظروا في الأجل فلما كان في الغد بعثوا أن ابعث إلينا ذلك الرجل فبعث إليهم سعد حذيفة بن محصن فلما جاء إلى البساط قالوا‏:‏ انزل قال‏:‏ ذاك لو جئتكم في حاجتي الحاجة لكم لا لي فجاء حتى وقف ورستم على سريره فقال له‏:‏ انزل قال‏:‏ لا أفعل فقال‏:‏ ما بالك ولم يجيء صاحبنا بالأمس‏.‏

قال‏:‏ أميرنا يحب أن يعدل بيننا في الشدة والرخاء وهذه نوبتي فتكلم بنحو ما تكلم به ربعي ورجع‏.‏

فلما كان من الغد أرسلوا‏:‏ ابعث لنا رجلًا فبعث إليهم المغيرة بن شعبة فجاء حتى جلس مع رستم على سريره فترتروه وأنزلوه ومغثوه فقال‏:‏ كانت تبلغنا عنكمِ الأحلام ولا أرى قومًا أسفه منكم إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضاَ فظننت أنكَم تواسون قومكم كما نتواسى وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض فقال رستم‏:‏ لم نزل متمكنين من الأرض والبلاد ظاهرين على الأعداء ننصر على الناس ولا ينصرون علينا ولم يكن في الناس أمة أصغر عندنا أمرًا منكم ولا نراكم شيئًا ولا نعدكم وكنتم إذا قحطت أرضكم استعنتم بأرضنا فنأمر لكم بالشيء من التمر والشعير ثم نردكم وقد علمت أنه لم يحملكم على ما صنعتم إلا ما أصابكم من الجهد في بلادكم فأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم وآمر لكل رجل منكم بوقرتي تمر وثوبين وتنصرفون عنا فإني لست أشتهي أن أقتلكم ولا آسركم‏.‏

فتكلم المغيرة فحمد اللهّ وأثنى عليه وقال‏:‏ لسنا ننكر ما وصفت به نفسك وأهل بلادك من التمكن في البلاد وسوء حالنا غير أن الأمر غير ما تذهبون إليه إن اللّه تعالى بعث فينا رسولًا فذكر نحو كلام ربعي إلى أن قال‏:‏ فكن لنا عبدًا تؤدي الجزية وأنت صاغر وإلا السيف إن أبيت فنخر نخرة واستشاط غضبًا ثم حلف بالشمس‏:‏ لا يِّرتفع الضحى غدًا حتى أقتلكم أجمعين‏.‏

فانصرف المغيرة وخلص رستم بأشراف فارس فقال‏:‏ إني أرى للّه فيكم نقمة لا تستطيعون ردها عن أنفسكم ثم قال رستم للمسلمين‏:‏ أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم‏.‏

فقالوا‏:‏ لا بل أعبر إلينا فأرسل سعد إلى الناس أن يقفوا مواقفهم فأراد المشركون العبور على القنطرة فأرسل إليهم سعد ولا كرامة متى قد غلبناكم عليها لن نردها عليكم تكلفوا معبرًا غير القناطر فباتوا يسكرون العتيق والقصب حتى الصباح بأمتعتهم فجعلوه طريقًا‏.‏

 يوم أرماث

أخبرنا محمد بن الحسين الحاجي وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور أخبرنا المخلص أخبرنا أحمد بن سيف قال‏:‏ أخبرنا السري بن يحيى قال‏:‏ أخبرنا شعيب بن إبراهيم قال‏:‏ حدَّثنا سيف عن الأعمش قال‏:‏ لما كان يوم السَّكْر لبس رستم درعين ومغفرًا وأخذ سلاحه وأتى بفرسه فوثب فإذا هو عليه ولم يضع رجله في الركاب ثم قال‏:‏ غدًا ندقّهم دقًا فقال له رجل‏:‏ إن شاء اللّه فقال‏:‏ وإن لم يشأ‏.‏

قالوا‏:‏ ولما عبر أهل فارس أخذوا مصافهم وجلس رستم على سريره وعبَّى في القلب ثمانية عشر فيلَاَ عليها الصناديق والرجال وفي المجنبتين ثمانية وسبعة عليها الصناديق والرجال‏.‏

وكان يَزْدَجِرْد قد أقام رجلًا على باب إيوانه يبلغه أخبار رستم وآخر في الدار وآخر خارج الدار وكذلك إلى عند رستم فكلما حدث أمر تكلم به الأول فيبلغه الثاني إلى الثالث كذلك إلى يزدجرد‏.‏

أخذ المسلمون مصافهم وكان سعد يومئذ به دماميل لا يستطيع أن يركب ولا يجلس إنما هو على وجهه في صدره وسادة وهو مكب عليها مشرف على الناس يرمي بالرقاع فيها أمره ونهيه إلى خالد بن عُرْفُطة‏.‏

وأن سعدًا خطب من يليه يوم الاثنين في المحرم سنة أربع عشرة فحمد الله وأثنى عليه وقال‏:‏ إن اللّه عز وجل يقول‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثَهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون‏}‏ الأنبياء 105‏.‏

هذا ميراثكم وموعود ربكم فأنتم منذ ثلاث حجج تطعمون منه وتقتلون أهله فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة يجمع الله لكم الدنيا والآخرة ولا يقرب ذلك أحد إلى أجله وإن تفشلوا وتضعفوا تذهب ريحكم وتوبقوا آخرتكم‏.‏

وقام عاصم بن عمرو في المجردة فقال‏:‏ هذه بلاد قد أحل اللّه لكم أهلها وأنتم تنالون منهم منذ ثلاث سنين ما لا ينالون منكم وأنتم الأعلون واللّه معكم إن صبرتم فالضرب والطعن ولكم أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم وبلادهم ولئن فشلتم لم يبق هذا الجمع منكم باقية مخافة أن تعودوا عليهم بعائدة هلاك اللهّ الله اجعلوا همكم الآخرة‏.‏

وخطب كل أمير أصحابه وتحاضوا على الطاعة‏.‏

وأذن مؤذن سعد لصلاة الظهر وقال رستم‏:‏ أكل عمر كبدي أحرق الله كبده علَّم هؤلاء حتى علموا‏.‏

وأرسل سعد الذين انتهى إليهم رأي الناس ونجدتهم مثل‏:‏ المغيرة وحذيفة وعاصم بن عمرو‏.‏

ومن أهل النجدة‏:‏ طليحة وقيس الأسدي وغالب وعمرو بن معدي كرب‏.‏

ومن الشعراء الشَّمَاخ والحُطَيْئَة وأوس بن مَغْراء وعبدة بن الطبيب وقال‏:‏ انطلقوا فقوموا في الناس فذكروهم وحرضوهم على القتال‏.‏

فقال عاصم‏:‏ يا معشر العرب إنكم أعيان العرب وقد صمدتم لأعيان العجم وإنما تخاطرون بالجنة ويخاطرون بالدنيا فلا يكونن على دنياهم أحوط منكم على آخرتكم لا تحدثن اليوم أمرًا يكون شيئأ على العرب غدًا‏.‏

وقام كل واحد بنحو هذا الكلام وتواثق الناس وتعاهدوا وفعل أهل فارس مثل ذلك واقترنوا بالسلاسل وكان المقترنون ثلاثين ألفًا‏.‏

وقال سعد‏:‏ الزموا مواقفكم لا تحركوا شيئًا حتى تصلوا الظهر فإذا صليتم الظهر فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا واعلموا أن التكبير لم يعطه أحد قبلكم وإنما أعطيتموه تأييدًا لكم‏.‏

ثم إذا سمعتم الثانية فكبروا ولتُسْتَتم عُدّتكم ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا ولينشط فرسانكم الناس ليبرزوا وليطارعوا فإذا كبرت الرابعة فارجفوا جميعًا حتى تخالطوا عدوكم وقولوا‏:‏ لا حول ولا قوة إلا باللّه‏.‏

فلما كبر ثلاث مرات خرج غالب بن عبد اللّه الأسدي فبرز إليه هرمز فأسره غالب وجاء به إلى سعد وخرج طليحة إلى عظيم منهم فقتله وقام بنو أسد فبالغوا في جهاد الفيلة ودفعها فكبر سعد الرابعة فزحف إليهم المسلمون وحملت الفيلة على الميمنة والميسرة على الخيول‏.‏

وأقبل أصحاب عاصم على الفيلة فقطعوا خراطيمها فارتفع عواؤها واقتتلوا حتى غربت الشمس وحتى ذهب هدة من الليل ثم تراجعوا وأصيب في تلك العشية خمسمائة رجل وهذا يومها الأول وهو يوم أرماث‏.‏

 يوم أغواث

ثم أصبح القوم من الغد على تعبية وقد وكل سعد رجالًا بنقل الشهداء إلى العُذيْب وأسلم الرثيث إلى النساء يقمن عليهم ودفن الشهداء فبينا هم كذلك إذ طلعت نواصي الخيل من قبل الشام وكان فتح دمشق قبل القادسية بشهر وذلك أنه قدم كتاب عمر إلى أبي عبيدة بصرف أهل العراق أصحاب خالد فصرفهم فلما جاءوا سمي هذا اليوم يوم أغواث وأكثر المسلمون القتل في الأعاجم ولم تقاتل الأعاجم يومئذ على فيل لأن أنيابها كانت قد تكسرت وحمل المسلمون رجالًا على إبل قد ألبسوها فهي مجللة مبرقعة يتشبهون بالفيلة فلقي أهل فارس يوم أغواث أعظم مما لقي المسلمون من الفيلة يوم أرماث وجعل رجل من المسلمين يقال له‏:‏ سواد يتعرض بالشهادة فأبطأت عليه فتعرض لرستم يريده فقتل دونه وحمل القعقاع بن عمر يومئذ ثلاثين حملة قتل في كل حملة رجل وكان آخر من قتل بُزُر ْجُمهر الهَمذانيّ‏.‏

وروى مجالد عن الشعبي قال‏:‏ كانت امرأة من النخع لها بنون أربعة شهدوا القادسية فقالت لبنيها‏:‏ إنكم أسلمتم فلم تبدلوا وهاجرتم فلم تثوبوا ولم تًنْبُ بكم البلاد ولم تقحمكم السنة ثم جئتم بأمكم عجوز كبيرة فوضعتموها بين يدي أهل فارس ث واللّه إنكم لبنوا رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم انطلقوا فاشهدوا أول القتال وآخره فاقبلوا يشتدون فلما غابوا عنها رفعت يديها قِبَل السماء وقالت‏:‏ اللهم ادفع عن بني فرجعوا إليها وقد أحسنوا القتال ما كُلِم منهم رجل كَلْمًا فرأيتهم بعد ذلك يأخذون ألفًا ألفًا من العطاء ثم يأتون أمهم فيلقونه في حجرها فترده عليهم وتقسمه فيهم على ما يرضيهم‏.‏

وقد رويتَ لنا هذه الحكاية أتم من هذا‏.‏

أخبرنا المحمدان ابن أبي منصور وابن عبد الباقي قالا‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علِى الثوري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد اللّه الدقاق قال‏:‏ أخبرنا ابن صفوان قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن عبيد قال‏:‏ حدَثني أحمد بن حميد الأنصاري أنه حدث عن عبد الرحمن بن مغراء الدوسي عن رجل من خزاعة قال‏:‏ لما اجتمع الناس بالقادسية دعت خنساء بنت عمرو النخعية بنيها الأربعة فقالت‏:‏ يا بنيّ إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم واللّه ما نبت بكم الدار ولا أقحمتكم السنة ولا أرداكم الطمع واللّه الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا عموت نسبكم ولا أوطأت حريمكم ولا أبحت حماكم فإذا كان غدًا إن شاء اللّه فاغدوا لقتال عدوكم مستنصرين اللّه مستبصرين فإذا رأيتم الحرب قد أبدت ساقها وقد ضربتَ رواقها فتيمموا وطيسها وجالدوا خميسها تظفروا بالمغنم والسلامة والفوز والكرامة في دار الخلد والمقامة‏.‏

فانصرف الفتية من عندها وهم لأمرها طائعون وبنصحها عارفون فلما لقوا العدو شد أولهم وهو يرتجز يقول‏:‏ يا إخوتا إن العجوز الناصحه قد أشربتنا إذ دعتنا البارحه # نصيحة ذات بيان فإنما تلقون عند الصائحه من آل ساسان كلابًا نابحه قد أيقنوا منكم بوقع الجائحه فأنتم بين حياة صالحه أو منية تورث غنمأ رابحا ثم شد الذي يليه وهو يقول‏:‏ والله لا نعصي العجوز حرفا قد أمرتنا حدبًا وعطفا منها وبرًا صادقًا ولطفا فباكروا الحرب الضروس زحفا حتى تلفوا آل كسرى لفا وتكشفوهم عن حماكم كشفا إنا نرى التقصير عنهم ضعفا والقتل فيهم نجدة وعرفا ثم شد الذي يليه وهو يقول‏:‏ لست لخنساء ولا للأخرم ولا لعمرو ذي السناء الأقدم إن لم نذر في آل جمع الأعجم جمع أبي ساسان جمع رستم بكل محمود اللقاء ضيغم ماض على الهول خصيم خضرم أما لقهر عاجل أو مغنم أو لحياة في السبيل الأكرم إن العجوز ذات حزم وجلد والنظر الأوفق والرأي السدد قد أمرتنا بالصواب والرشد نصيحة منها وبرًا بالولد فباكروا الحرب نماء في العدد أما لقهر واختيار للبلد أو منية تورث خلدًا للأبد في جنة الفردوس في عيش رغد فقاتلوا جميعًا حتى فتح الله للمسلمين وكانوا يأخذون أعطيتهم ألفين ألفين فيجيئون بها فيصبون في حجرها فتقسم ذلك بينهم حفنة بحفنة فما يغادر واحد عن عطائه درهمأ‏.‏

 يوم عِماس

وأصبح القوم في اليوم الثالث ويسمى يوم عماس وقد قتل من المسلمين ألفان من ميت ورثيث ومن المشركين عشرة آلاف من ميت ورثيث وكان النساء والصبيان يحفرون القبور في اليومين الأولين فأما اليوم الثالث فكان شديدًا على العرب والعجم وقدم هاشم بن عتبة من الشام في سبعمائة بعد فتح دمشق وكان القعقاع وكان عامّةُ جُنَن الناس البراذع براذع الرحال‏.‏

فلما أمسى الناس في يومهم ذلك وطعنوا في الليل اشتد القتال وصبر الفريقان وقامت فيها الحرب إلى الصباح لا ينطقون كلامهم الهرير فسميت ليلة الهرير‏.‏

وانقطعت الأخبار والأصوات عن سعد ورستم وأقبل سعد على الدعاء فلما كان وجه الصبح انتهى الناس واستدل بذلك على أنهم الأعلون وأن الغلبة لهم‏.‏

ليلة القادسية فأصبحوا صبيحة ليلة الهرير وهي تسمى ليلة القادسية والناس حَسْرَى لم يغمضوا ليلتهم كلها ثم اقتتلوا حتى قام قائم الظهيرة وهبت ريح عاصف الغبار على المشركين فانتهى القعقاع وأصحابه إلى سرير رستم وقد قام عنه فاستظل في ظل بغل عليه مال فضرب هلال بن عُلَّفة الحِمْل الذي رستم تحته فقطع حباله ووقع عليه احدى العِدْلين فأزال من ظهره فقارًا ومضى رستم نحو العتيق فرمى نفسه فيه واقتحمه هلال فأخذ برجله ثم خرج به فقتله ثم جاء به حتى رمى به بين أرجل البغال وصعد السرير ثم ناس‏:‏ قتلت رستم ورب الكعبة إليّ إليّ فأطافوا به فانهزم المشركون وتهافتوا في العتيق فقتل المسلمون منهم ثلاثين ألفًا وقتلوا في المعركة عشرة آلاف سوى من قتل قبل ذلك وكان المسلم يدعو الكافر فيأتي إليه فيقتله وثبت جماعة من المشركين استحياء من الفرار فقتل المسلمون‏.‏

وقتل ليلة الهرير ويوم القادسية من المسلمين ستة آلاف‏.‏

ولما انهزموا أمر سعد زُهرة بن الحوِيةِ باتباعهم فتبعهم والجالنوس يحميهم فقتله زهرة وقتل خلقًا كثيرًا منهم ثم رجع بأصحابه فبات بالقادسية واستكثر سعد سلب الجالنوس فكتب إلى عمر فكف إليه‏:‏ إني قد نفَّلت مَنْ قتل رجلًا سلبه فأعطاه إياه فباعه بسبعين ألفًا وجمع من الأسلاب والأموال ما لم يجمع مثله‏.‏

وكان أهل فارس قد خرجوا بأموالهم ليردوا بها إلى المدينة ليغزوا عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقضى اللّه بها للمسلمين‏.‏

وكان مع رستم ستمائة ألف ألف وأصاب صاحب الفرسين يومئذ سبعًا وعشرين ألفًا ولم يعبأوا بالكافور لأنهم ما عرفوه فباعوه من قوم مروا بهم كيلًا من الكافور بكيل من الملح الطيب وقالوا‏:‏ ذاك ملح مرّ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الواحد قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن إبراهيم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع اللخمي قال‏:‏ حدَّثني جدي قال‏:‏ حدثنا ابراهيم بن إسماعيل قال‏:‏ حدَّثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن حبيب بن صهبان قال‏:‏ شهدت القادسية قال‏:‏ فانهزموا حتى أتوا المدائن قال‏:‏ وسبقناهم فانتهيا إليها هي تطفح فأقحم رجل منا فرسه وقرأ‏:‏ ‏{‏وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن اللّه كتابًا مؤجلًا‏}‏ آل عمران 145‏.‏

قال‏:‏ فعبر ثم تبعوه الناس أجمعون فعبروا فما فقدوا عقالًا ما خلا رجلًا منهم انقطع منه قدح كان معلقًا بسرجه فرأيته يدور في الماء‏.‏

قال‏:‏ فلما رأونا انهزموا من غير قتال‏.‏

قال‏:‏ فبلغ سهم الرجل ثلاث عشرة دابة وأصابوا من الجامات الذهب والفضة‏.‏

قال‏:‏ فكان الرجل منا يعرض الصحفة الذهب يبدلها بصحفة من فضة يعجبه بياضها فيقول‏:‏ من يأخذ صفراء ببيضاء‏.‏

قال علماء السير‏:‏ وخرج صبيان العسكر في القتلى ومعهم الأداوي يسقون من به رمق من المسلمين ويقتلون من به رمق من المشركين ثم إن الفرس قصدوا المدائن يريدون نهاوند فاحتملوا معهم الذهب والفضة والديباج والسلاح وبنات كسرى وخلوا ما سوى ذلك واتبعهم سعد بالطلب فبعث خالد بن عرفطة وعياض بن غنم في آخرين فلما صلح مرض سعد اتبعهم بمن بقي معه من المسلمين حتى أدركهم دون دجلة على بَهُرَسِير فطلبوا المخاضة فلم يهتدوا لها فدلهم رجل من أهل المدائن على مخاضة بقَطْرَبًّلَ فخاضوا ثم ساروا حتى أتوا جلولاء فكانت بها وقعة هزم اللّه فيها الفرس وأصاب المسلمون بها من الفيء أفضل ما أصابوا بالقادسية ثم كتب سعد إلى عمر بالفتح فكتب إليه عمر‏:‏ قف مكانك ولا تتبعهم واتخذ للمسلمين دار هجرة ومنزل جهاد ولا تجعلن بيني وبين المسلمين بحرًا فنزل الأنبار فاجتواها فنزل موضع الكوفة اليوم وخط مسجدها وخط فيه الخِطَط للناس‏.‏

وقيل‏:‏ إن بقيلة قال له‏:‏ ألا أدلك على أرض ارتفعت عن البر وانحدرت عن الفلاة فدله على موضع الكوفة اليوم‏.‏

وقيل‏:‏ أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد السمرقندي قالا‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن النقور أخبرنا أبو طاهر المخلص أخبرنا أحمد بن سيف أخبرنا السري بن يحيى أخبرنا شعيب بن إبراهيم حدَثنا سيف بن عمر عن مجالد بن سعيد قال‏:‏ لما أتى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الخبر بنزول رستم القادسية كان يستخبر الركبان عن أهل القادسية من حين يصبح إلى انتصاف النهار ثم يرجع إلى أهله فلما لقيه البشير سأله‏:‏ من أين جاء فأخبره قال‏:‏ يا عبد اللّه أخبرني قال‏:‏ هزم اللّه العدو وعمر يحث معه ويستخبره والبشير يسير يحث ناقته لا يعرفه حتى دخل المدينة فإذا الناس يسلمون عليه بإمرة المؤمنين فقال الرجل‏:‏ فهلا أخبرتني رحمك الله أنك أمير المؤمنين فجعل عمر رضي الله عنه يقول‏:‏ لا عليك يا أخي‏.‏

وهذه وقعة القادسية قد ذكرنا أنها كانت سنة أربع عشرة‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ كانت سنة خمس عشرة وقال الواقدي‏:‏ سنة ست عشرة‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وهو الثبت عندنا‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة أربع عشرة‏.‏

 أمر عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بالقيام في المساجد في شهر رمضان

وكتب إلى الأمصار يأمر المسلمين بذلك

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن الصلت أخبرنا محمد بن مخلد حدَّثنا الحسين بن السميدع حدَثنا عبيد بن جناد حدّثنا عبد اللّه بن عمر عن إسماعيل بن أبي خالد عن الزهري أن عروة بن الزبير حدثه أن عبد الرحمن بن عبد القاري أخبره‏:‏ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج ذات ليلة في رمضان ومعه عبد الرحمن بن عبد القاري فرأى الناس يصلون متفرقين أوزاعًا في المسجد فقال عمر‏:‏ لو جمعناهم على رجل واحد كان أمثل فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرج وهم يصلون خلف أبي بن كعب جميعًا فقال‏:‏ نعمت البدعة والتي ينامون عنها أفضل وهي آخر الليل وكتب بها إلى الأمصار‏.‏

أخبرنا المبارك بن علي أخبرنا أحمد بن الحسين بن طاهر أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فضالة حدَّثنا الفضل بن العباس الهروي أخبرنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة حدَّثنا عبد اللّه بن أبي زياد القطواني حدَثنا سنان بن جاثمة حدَّثنا جعفر بن سليمان حدًثنا قطر يعني ابن كعب القطيعي عن أبي إسحاق الهمذاني قال‏:‏ خرج علي بن أبي طالب في أول ليلة من شهر رمضان فسمع القراءة في المساجد ورأى القناديل تزهر فقال‏:‏ نور اللّه لعمر بن الخطاب قبره كما نور مساجد اللّه تعالى بالقرآن‏.‏

وفي هذه السنة

 اختط البصرة

وجه عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان إلى البصرة وأمره بنزولها بمن معه وقيل‏:‏ كان ذلك في سنة خمس عشرة وكذلك دخول سعد الكوفة‏.‏

وقد زعم سيف أن البصرة مصرت في سنة ست عشرة وأن عتبة بن غزوان خرج إلى البصرة من المدائن بعد فراغ سعد من جلولاء وتكريت وجهه أيليها سعد بأمر عمر‏.‏

والأول أثبت وعليه الجمهور‏.‏

وقال عمر لعتبة‏:‏ إني أريد أن أوجهك إلى أرض الهند - وكانت البصرة تدعى أرض الهند فيها حجارة بيض خشنة لتمنع أهلها أن يمدوا إخوان فارس فنزلها في ربيع الأول سنة أربع عشرة وفيها سبع دساكر فكتب إليه عمر‏:‏ اجمع الناس موضعًا واحدًا وقد كتبت إلى العلاء بن الحضرمي أن يمدك بعرفجة بن هرثمة وهو ذو مكايدة للعدو فإذا قدم عليك فاستشره وادع إلى اللّه فمن أجابك فاقبل منه ومن أبى فالجزية وإلا السيف واتق مصارع الظالمين‏.‏

وفي رواية‏:‏ أن عمر قال له‏:‏ انطلق أنت ومن معك حتى إذا كنتم في أقصى أرض العرب وأدنى أرض العجم فأقيموا‏.‏

فنزلوا موضع البصرة‏.‏

فأقام شهرًا ثم خرج إليه أهل الأبلَّة فناهضهم عتبة فمنحه اللّه أكتافهم وانهزموا فأصاب المسلمون رحلًا كثيرًا وفتح اللّه الفتح على يد أبي بكرة في خمسة أنفس وشهد فتح الأبلة مائتان وسبعون‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن أحمد القادر بن يوسف قال‏:‏ أخبرنا القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن صخر قال‏:‏ أخبرنا أبو غياث أحمد بن الحسن بن أيوب قال‏:‏ أخبرنا أبو روق أحمد بن محمد قال‏:‏ حدَّثنا القاسم بن محمد بن عباد المهلبي شهدت فتح الأبلة وأميرنا قطبة بن قتادة السدوسي فاقتسمت الغنائم فدفعت إلي قدر من نحاس فلما صارت في يدي تبين لي أنها ذهب وعرف ذلك المسلمون فنازعوني إلى أميرنا فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يخبره بذلك فكتب إليه عمر‏:‏ صر إلى يمينه أنه لم يعلم أنها ذهب إلا بعدما صارت إليه فإن حلف فادفعها إليه وإن أبى فاقسمها بين المسلمين فحلف فدفعها إليه وكان فيها أربعون ألف مثقال‏.‏

قال جدي‏:‏ فمنها أموالنا التي نتوارثها إلى اليوم‏.‏

قال علماء السير‏:‏ ولما فرغ عتبة من الأبلة جمع له المرزبان دَسْت مَيْسان فسار إليه عتبة وقيل لصاحب الفرات‏:‏ إن ها هنا قومًا يريدونك فأقبل في أربعة آلاف أسوار‏.‏

قال المدائني‏:‏ كتب قطبة بن قتادة وهو أول من أغار على السواد من ناحية البصرة إلى عمر أنه لو كان معه عدد ظفر بمن في ناحيته من العجم فبعث عمر عتبة بن غزوان أحد بني مازن بن منصور في ثلاثمائة وانضاف إليه في طريقه نحو من مائتي رجل فنزل أقصى البر حيث سمع نقيق الضفادع وكان عمر قد تقدم إليه أن ينزل في أقصى أرض العرب وأدنى أرض العجم فكتب إلى عمر‏:‏ إنا نزلنا في أرض فيها حجارة خشن بيض فقال عمر‏:‏ إلزموها فإنها أرض بصرة فسميت بذلك ثم سار إلى الأبلة فخرج إليه مرزبانها في خمسمائة أسوار فهزمهم عتبة ودخل الأبلة في شعبان سنة أربع عشرة وأصاب المسلمون سلاحًا ومتاعًا وطعامًا وكانوا يأكلون الخبز وينظرون إلى أبدانهم عل سمنوا‏.‏

وأصابوا براني فيها جوز فظنوه حجارة فلما ذاقوه استطابوه ووجدوا صحناة فقالوا‏:‏ ما كنا نظن أن العجم يدخرون العذرة وأصاب رجل سراويل فلم يحسن لبسها فرمى بها وقال‏:‏ أخزاك اللّه من ثوب فما تركك أهلك لخير فجرى ذلك مثلًا ثم قيل‏:‏ من شرما ألقاك أهلك‏.‏

وأصابوا أرزًا في قشره فلم يمكنهم أكله وظنوه سمًا فقالت بنت الحارث بن كلدة‏:‏ إن أبي كان يقول إن النار إذا أصابت السم ذهبت غائلته فطبخوه فتعلق فلم يمكنهم أكله فجاء من نقاه لهم فجعلوا يأكلونه ويقدرون أعناقهم ويقولون‏:‏ قد سمنًا وبعث عتبة إلى عمر بالخمس مع رافع بن الحارث ثم قاتل عتبة أهل دست ميسان فظفر بهم واستأذن عمر في الحج فأذن له‏.‏

فلما حج ردًه إلى البصرة حتى إذا كان بالفرع رفسته ناقته فمات وقيل وقصته فولى عمر البصرة المغيرة بن شعبة فرمي بالزنا فعزله وولى أبا موسى‏.‏

وقال علماء السير‏:‏ إن عمر كتب إلى العلاء بن الحضرمي وهو بالبحرين‏:‏ أن سر إلى عتبة فقد وليتك عمله واعلم أنك تقدم على رجل من المهاجرين الأولين الذين سبقت لهم من اللّه الحسنى لم أعزله إلا لظني أنك أعنى عن المسلمين في تلك الناحية منه فاعرف له حقه ووفد عتبة إلى عمر وأمر المغيرة أن يصلي بالناس حتى قدم مجاشع من الفرات فإذا قدم فهو الأمير فظفر مجاشع بأهل الفرات ورجع إلى البصرة‏.‏

وجمع بعض عظماء فارس للمسلمين فخرج إليه المغيرة بن شعبة فظفر به وأمر عتبة أن يرجع إلى عمله فمات عتبة في الطريق وكانت ولايته ستة أشهر‏.‏

قال الواقدي‏:‏ ورأيت من عندنا يقول‏:‏ إنما كان عتبة مع سعد بن أبي وقاص فوجه به إلى البصرة بكتاب عمر وما زالت البصرة تعظم وتذكر فضائلها وأهل البصرة يقولون لنا‏:‏ الثلاثة عن الثلاثة الرياشي والسجستاني والأخفش عن أبي زيد وأبي عبيدة والأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر ويونس بن حبيب‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة أربع عشرة

 حج بالناس عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه

وكان على مكة عتاب بن أسيد وعلى اليمن يعلى بن منبه وعلى الكوفة سعد وعلى الشام أبو عبيدة بن الجراح وعلى البحرين عثمان بن أبي العاص وقيل‏:‏ بل العلاء بن الحضرمي وعلى عمان حذيفة بن محصن‏.‏

وفي هذه السنة

 ضرب عمر أبا محجن الثقفي

سبع مرات في الخمر وضرب معه ربيعة بن أمية بن خلف في شراب شربوه في ذلك وضرب ابنه عبد الرحمن في ذلك‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أحمد بن محمد بن رزق والحسن بن أبي بكر قالا‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد اللّه أبو عبد اللّه الهروي حدَّثنا علي بن محمد بن عيسى الحكاني حدَّثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال‏:‏ أخبرني سالم بن عبد اللّه أن عبد اللّه بن عمر قال‏:‏ شرب عبد الرحمن بن عمر وشرب معه أبو سروعة عقبة بن الحارث ونحن بمصر في خلافة عمر بن الخطاب فسكرا فلما أصبحوا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر فقالا‏:‏ أطهرنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه‏.‏

قال عبد اللّه بن عمر‏:‏ ولم أشعر أنهما أتيا عمرو بن العاص‏.‏

قال‏:‏ فذكروا أخي أنه قد سكر فقلت له‏:‏ ادخل الدار أطهرك فآذنني أنه حدثَ الأمير‏.‏

فقال عبد اللّه بن عمر‏:‏ فقلت‏:‏ واللهّ لا يحلق اليوم على رؤوس الناس ادخل أحلقك وكانوا إذ ذاك يحلقون مع الحد فدخل معي الدار فحلقت أخي بيدي ثم جلدهما عمرو بن العاص فسمع عمر بن الخطاب بذلك فكتب إلى عمرو‏:‏ أن ابعث إليّ بعبد الرحمن بن عمر على قتب ففعل ذلك عمرو فلما قدم عبد الرحمن على عمر جلده وعاقبه من أجل مكانه منه ثم أرسله فلبث شهرًا صحيحًا ثم أصابه قدره فتحسب عامة الناس أنه مات من جلد عمر ولم يمت من جلده‏.‏

قال المؤلف ولا ينبغي أن يظن بعبد الرحمن أنه شرب الخمر إنما شرب النبيذ متأولًا فظن أن ما شرب منه لا يسكر وكذلك أبو سروعة فلما خرج الأمر بهما إلى السكر طلبا التطهير بالحد وقد كان يكفيهما مجرد الندم غير أنهما غضبا للّه تعالى على أنفسهما المفرطة فأسلماها إلى إقامة الحد، وأما إعادة عمر الضرب فإنما ضربه تأديبا لا حدا‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحارث بن قيس

ابن خالد بن مخلد بن عامر أبو خالد‏:‏ شهد العقبة مع السبعين وبدرًا والمشاهد كلها مع رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم وشهد اليمامة مع خالد بن الوليد فجرح يومئذ واندمل ثم انتقض به فمات فهو يعد من شهداء اليمامة‏.‏

زياد بن لبيد

ابن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي‏:‏ شهد العقبة مع السبعين وكان لما أسلم يكسر أصنام بني بياضة‏.‏

وخرج زياد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقام معه بمكة وهاجر معه إلى المدينة فهو مهاجري أنصاري وشهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وتوفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو عامله على حضرموت ووليِ قتال أهل الردة باليمن حين ارتد أهل البحرين مع الأشعث بن قيس فظفر بهم فقتل من قتل وأسر من أسر وبعث بالأشعث بن قيس إلى أبي بكر في وثاق‏.‏

سلمة بن أسلم

شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقتل بالعراق يوم جسر أبي عبيد الثقفي وهو ابن ثلاث وستين سنة‏.‏

سلمة بن هشام بن المغيرة

أسلم بمكة قديمًا وهاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة فحبسه أبو هل وضربه وأجاعه وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم و له في صلاته يقول‏:‏ ‏"‏ للهم انج سلمة بن هشام وعياش بن ربيعة والوليد بن الوليد وضعَفَة المسلمين‏.‏

أفلت سلمة فلحق برسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فلما بعث أبو بكر رضي اللّه عنه الجنود لجهاد الروم قتل سلمة بمَرْج الصُفَر شهيدأ في محرم هذه السنة‏.‏

سليط بن قيس بن عمرو بن عبيد

شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقتل يوم جسر أبي عبيد‏.‏

عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب أبو قحافة

أبو أبي بكر الصديق رضي الله عنه أسلم يوم الفتح‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف حدَثنا الحسين بن الفهم وحدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن محمد بن إسحاق قال‏:‏ حدَّثني يحيى بن عباد بن عبد اللّه بن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت‏:‏ لما دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكة واطمأن وجلس في المسجد أتاه أبو بكر بأبي قحافة فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ يا أبا بكر ألا تركت الشيخ حتى أكون أنا الذي أمشي إليه‏"‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه‏.‏

فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ووضع يده على قلبه ثم قال‏:‏ ‏"‏ يا أبا قحافة أسلم تسلم ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فأسلم وشهد شهادة الحق‏.‏

قال‏:‏ وأدخل عليه ورأسه ولحيته كأنها ثغامة فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد ‏"‏‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا الأزهري أخبرنا حمد بن العباس الخزاز أخبرنا إبراهيم بن محمد العبدي حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال‏:‏ مات أبو قحافة بمكة سنة أربع عشرة‏.‏

قال علماء السير‏:‏ توفي أبو قحافة بمكة في محرم سنة أربع عشرة وهو ابن سبع وتسعين سنة بعد موت أبي بكر رضي اللهّ عنه بستة أشهر وأيام‏.‏

عفراء بنت عبيد بن ثعلبة

أسلمت وبايعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ورزقها اللّه سبع بنين شهدوا كلهم بدرًا مسلمين وذلك أنها تزوجت الحارث بن رفاعة فولدت له معاذًا ومعوذا ثم طلقها فقدمت مكة فتزوجها بكر بن عبد ياليل فولدت له خالدًا وإياسًا وعاقلًا وعامرًا ثم رجعت إلى المدينة فراجعها الحارث بن رفاعة فولدت له عوفًا فشهدوا كلهم بدرًا مسلمين‏.‏

واستشهد معاذ ومعوذ وعاقل ببدر وخالد يوم الرجيع وعامر يوم بئر معونة وإياس يوم اليمامة والبقية منهم لعوف‏.‏

وتوفيت عفراء في هذه السنة‏.‏

فروة بن عمرو بن وذَفَة بن عبيد

شهد العقبة مع السبعين وشهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم واستعمله على المغانم يوم خيبر وكان يبعثه خارصًا بالمدينة نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم‏:‏ وكان له ولد اسمه عبد اللّه يشبه برسول اللهّ صلى الله عليه وسلم وهو أول من ولي قضاء المدينة في خلافة معاوية وولد آخر اسمه سعد وكان فقيهًا‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار أنبأنا أبو إسحاق البرمكي أخبرنا ابن حيوية أخبرنا ابن معروف أخبرنا ابن الفهم حدَّثنا محمد بن سعد أخبرنا هشام ابن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه قال‏:‏ لما أخرج المشركون من كان بمكة من بني هاشم إلى بدر كرهًا كان فيهم نوفل فأنشأ يقول‏:‏ حَرَام علَيَّ حَرْبُ أحْمَدَ إِنَّنِي أرَى أحْمَدًا مِنِّي قَرِيبًا أوَاصِرُه فإِنْ تَكُ فِهْر ألَّبَتْ وَتَجمعَتْ عَلَيْه فَإِنَ اللَّهَ لا شَكَّ ناصِرُه قال المصنف‏:‏ ثم أسر نوفل ببدر فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ افد نفسك برماحك التي بجدة ‏"‏ قال‏:‏ أشهد أنك رسول اللّه ففدى نفسه بها وكانت ألف رمح وكان أسن من حمزة والعباس‏.‏

ورجع إلى مكة ثم هاجر هو والعباس إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أيام الخندق وشهد فتح مكة والطائف وثبت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوم حنين وأعان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يومئذ بثلاثة آلاف رمح وتوفي بعد أن استخلف عمر بسنة وثلاثة أشهر فصلى عليه عمر وتبعه إلى البقيع حتى دفن هناك‏.‏

أسلمت وحضرت العقبة وبايعت وشهدت أحدًا والحديبية وخيبر وحنينًا وعمرة القضاء ويوم اليمامة‏.‏

وروى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ ما التفت يوم أحد يمينًا وشمالَاَ إلا وأراها تقاتل دوني ‏"‏‏.‏

قال الواقدي‏:‏ قاتلت يوم أحد وجرحت اثنتي عشرة جراحة وداوت جرحًا في عنقها سنة ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إلى حمر الأسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم وخرجت مع المسلمين في قتال أهل الردة فباشرت الحرب بنفسها حتى قتل اللّه مسيلمة ورجعتَ وبها عشر جراحات من طعنة وضربة‏.‏

أم سليط بنت عبيد بن زياد الأنصارية

أسلمت وبايعتَ وشهدت أحدًا وخيبر وحنينًا وتوفيت في هذه السنة‏.‏

أخبرنا عبد الأول أخبرنا ابن المظفر أخبرنا ابن أعين حدَّثنا الفربري حدَّثنا البخاري حدَّثنا يحيى بن بكير حدَّثنا الليث عن ابن شهاب قال‏:‏ قال ثعلبة بن أبي مالك‏:‏ أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قسم مروطًا بين نساء أهل المدينة فبقي منها مرط جيد فقال له بعض من عنده‏:‏ يا أمير المؤمنين اعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك يريدون أم كلثوم فقال‏:‏ أم سليط أحق به فإنها ممن بايعت رسول اللّه صلى الله عليه

 ثم دخلت سنة خمس عشرة

فمن الحوادث فيها

 وقعة مرج راهط

وذلك أن أبا عبيدة بن الجراح خرج بجنوده ومعه خالد بن الوليد فنزل بمرج الروم فبلغ الخبر هرقل فبعث توذرا البطريق ثم أمده بشنس مددًا له فنزل في جبل على جدة ثم رحل فتبعه خالد فاستقبله يزيد بن أبي سفيان فاقتتلوا ولحق بهم خالد فأخذهم من خلفهم فأبادهم فلم يفلت إلا الشريد وقسموا غنائمهم بين أصحاب يزيد وخالد وقتل توذرا وانصرف يزيد إلى دمشق وخالد إلى أبي عبيدة بعد خروج خالد في أثر توذرا وشنس فاقتتلوا بمرج الروم فقتل شنس وخلق عظيم من أصحابه حتى امتلأ المرج من قتلاهم فأنتنت الأرض وهرب من هرب منهم فركب أكتافهم إلى حمص‏.‏

وفيها كانت

 وقعة حمص الأولى

أقبل أبو عبيدة فنزل على حمص وأقبل بعده خالد فنزل عليها فلقوا من الحصار أمرأ عظيمًا وكان البرد شديدًا ولقي المسلمون شدة وكان أهل حمص يقولون عن المسلمين إنهم حفاة فصابروهم ليقطع البرد أقدامهم وأن المسلمين كبروا تكبيرة فاتفق معها زلزلة فصدعت المدينة والحيطان ثم كبروا الثانية فتهافتت منها دور كثيرة فأشرفوا على وفيها وقعة قنسرين بعث أبو عبيدة خالدًا إلى قنسرين فزحف لهم الروم وعليهم مِيناس وهو أعظم الروم بعد هرقل فالتقوا فاقتتلوا فقتل ميناس ومن معه ولم يبق منهم أحد وتحصن أهل قنسرين ثم ذكروا ما جرى لأهل حمص فصالحوه على صلح حمص فأبى إلا على إخراب المدينة فأخربها ثم إن هرقل خرج نحو القسطنطينية في هذه السنة على قول ابن إسحاق‏.‏

وقال سيف‏:‏ إنما كان خروجه سنة ست عشرة‏.‏

وقد سبق أن هرقل سأل عن المسلمين فقال له رجل‏:‏ هم فرسان بالنهار ورهبان بالليل فقال‏:‏ إن كنت صدقتني فليرثن ما تحت قدمي هاتين‏.‏

وقال هرقل‏:‏ عليك السلام أيها البلاد سلامًا لا اجتماع بعده‏.‏

ومضى حتى نزل قسطنطينية‏.‏

وفي هذه السنة ولي معاوية قيسارية وحرب أهلها‏.‏

وفيها‏:‏

 أمر عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عمرو بن العاص مناجزة صاحب إيليا

وقال علماء السير‏:‏ لما انصرف أبو عبيدة وخالد بن الوليد إلى حمص نزل عمرو وشرحبيل على أهل بيسان فافتتحاها وصالحه أهل الأردن فاجتمع عسكر الروم بأجنادين وبيسان وغزة وكتبوا إلى عمر بتفرقهم فكتب إلى يزيد‏:‏ كن في ظهورهم وسرح معاوية إلى قيسارية وكتب إلى عمرو يصدم الأرطبون وإلى علقمة يصدم الفيقار‏.‏

فسار معاوية إلى قيسارية فهزم أهلها وحصرهم فيها فجعلوا كلما خرجوا إليه هزمهم وردهم إلى حصنهم ثم قاتلوا فبلغت قتلاهم ثمانين ألفًا وكملت في هزيمتهم بمائة ألف‏.‏

وانطلق علقمة فحصر الفيقار بغزة وصمد عمرو إلى الأرطبون ومن بإزائه وخرج معه شرحبيل بن حسنة على مقدمته فنزل على الروم بأجنادين والروم في حصونهم وعليهم الأرطبون وكان أدهى الروم وأبعدهم غورًا وكان قد وضع بالرملة جندًا عظيمًا وبإيلياء جندًا عظيمًا فأقام عمرو على أجنادين لا يقد من الأرطبون على شيء فوليه بنفسه ودخل عليه كأنه رسول فأبلغه ما يريد وسمع كلامه وتأمل حصنه فقال الأرطبون في نفسه‏:‏ هذا عمرو ثم دعا حَرسِيا فقال‏:‏ أخرج فأقم مكان كذا وكذا فإذا مرّ بك فاقتله وفطن له عمرو فقال‏:‏ قد سمعت مني وسمعت منك وأنا واحد من عشرة بعثنا عمر مع هذا الوالي فأرجع فآتيك بهم فإن رأوا في الذي عرضت مثل الذي أرى وإلا رددتم إلى مأمنهم‏.‏

فقال‏:‏ نعم ثم قال لرجل كان هناك‏:‏ إذهب إلى فلان فرده إلي ثم بان له أن عمر وقد خدعه فبلغ الخبر إلى عمر فقال‏:‏ للّه در عمرو ثم التقوا بأجنادين فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كثرت القتلى بينهم وانهزم أرطبون فأوى إلى إيلياء ونزل عمرو بأجنادين فكتب إليه أرطبون‏:‏ واللّه لا تفتح من فلسطين شيئًا بعد أجنادين فارجع لا تَغْن وإنما صاحب الفتح رجل إسمه على ثلاثة أحرف فعلم عمرو أنه عمر فكتب إلى عمر يعلمه أن الفتح مدخر له فنادى له الناس واستخلف علي بن أبي طالب فقال له علي‏:‏ أين تخرج بنفسك فقال‏:‏ أبادر لجهاد العدو موت العباس إنكم لو قد فقدتم العباس لانتقض بكم الشر ّكما ينتقض أول الحبل‏.‏

فمات العباس لست خلون من إمارة عثمان وانتقض بالناس الشر‏.‏

وخرج حتى نزل بالجابية وكتب إلى أمراء الأجناد أن يستخلفوا على أعمالهم ويوافوه بالجابية فكان أول من لقيه يزيد ثم أبو عبيدة ثم خالد‏.‏

ودخل الجابية فقال رجل من يهود دمشق‏:‏ السلام عليك يا فاروق أنت والله صاحب أيلة لا والله لا ترجع حتى تفتح إيلياء فجاء أهل السير فصالحوه على الجزية وفتحوها له‏.‏

وقد ذكر قوم أن ذلك كان سنة أربع عشرة وجميع خرجات عمر أربع فأما الأولى فإنه خرج على فرس والثانية على بعير وفي الثالثة قصر عنها لأجل الطاعون دخلها فاستخلف عليها وخرج في الرابعة على حمار‏.‏

فلما كتب لأهل إيلياء كتاب أمان فرق فلسطين بين رجلين فجعل علقمة بن حكيم على نصفها وأنزله الرملة وجعل علقمة بن محمد على نصفها وأنزله إيلياء‏.‏

وقيل‏:‏ كان فتح فلسطين في سنة ست عشرة‏.‏

 فتح بيت المقدس

ثم شخص عمر من الجابية إلى بيت المقدس فرأى فرسه يتوجى فنزل عنه وأتى ببرذون فركبه فهزه فنزل فضرب وجهه بردائه ثم قال‏:‏ فتح اللّه من علمك هذا ثم دعا بفرسه فركبه فانتهى إلى بيت المقدس ولحق أرطبون والتذارق بمصر حينئذ فقدم عمر الجابية ثم قتل أرطبون بعد ذلك وأقام عمر بإيلياء ودخل المسجد ومضى نحو محراب داود وقرأ سجدة داود فسجد‏.‏

وبعث عمرو بن العاص إلى مصر وبعث في أثره الزبير مددًا وبعث أبا عبيدة إلى الرمادة‏.‏

 ومن الحوادث في سنة خمس عشرة فرض العطاء

وعمل الدواوين أن عمر فرض الفروض ودون الدواوين وأعطى العطاء على مقدار السابقة في الإسلام فكلمه صفوان بن أمية وسهيل والحارث بن هشام في تقليل عطائهم فقال‏:‏ إنما أعطيكم على السابقة في الإسلام لا على الأحساب فقالوا‏:‏ فنعم إذًا وأخذوا ثم أعطى سهيل بن عمرو والحارث بن هشام أربعة آلاف معونة على جهادهما فلم يزالا مجاهدين حتى أصيبا في بعض تلك الحروب‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ إنما ماتا في طاعون عمواس‏.‏

وقيل‏:‏ بل دون الدواوين في سنة عشرين‏.‏

ولما كتب عمر الدواوين قال له عبد الرحمن وعثمان وعلي‏:‏ إبدأ بنفسك فقال‏:‏ لا بل أبدأ بعم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم الأقرب فالأقرب من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فبدأ بالعباس ففرض له خمسة وعشرين ألفًا وقيل‏:‏ اثني عشر ألفَاَ ثم فرض لأهل بدر خمسة آلاف وأدخل في أهل بدر من غير أهلها الحسن والحسين فأبا ذر وسلمان‏.‏

ثم فرض لمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة آلاف أربعة آلاف ثم فرض لمن بعد الحديبية إلى الردة ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف ولمن ولي الأيام قبل القادسية وأصحاب اليرموك ألفين ألفين ثم فرض لأهل البلاء البارع ألف وخمسمائة ألف وخمسمائة وللروادف الذين ردفوا بعد افتتاح القادسية واليرموك ألفأ ألفَاَ ثم لمن ردف الروادف خمسمائة خمسمائة ثم لمن ردف أولئك ثلاثمائة ثلاثمائة وسوى كل طبقة في العطاء ليس بينهم تفاضل قويهم وضعيفهم عربهم وعجمهم ثم فرض لمن ردف أولئك خمسين ومائتين ولمن ردفهم مائتين وكان آخر من فرض له أهل هجر على مائتين‏.‏

وفرض لأزواج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف عشرة آلاف ووصل عائشة بألفين فأبت فقال‏:‏ هذا بفضل منزلتك عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإذا أخذتيها فشأنك‏.‏

وجعل نساء أهل بدر على خمسمائة خمسمائة ونساء ما بعد بدر إلى الحديبية على أربعمائة ونساء ما بعد ذلك على ثلاثمائة ونساء أهل القادسية مائتين‏.‏

والصبيان من أهل بدر وغيرهم مائة‏.‏

وقال قائل‏:‏ يا أمير المؤمنين لو تركت في بيوت الأموال عدة تكون لحادث فقال‏:‏ كلمة ألقاها الشيطان على فيك وقاني اللّه عز وجل شرها وهي فتنة لمن بعدي بل أعد لهم طاعة اللّه عز وجل وطاعة رسوله فهما عدتنا التي أفضينا بها إلى ما ترون فإذا كان هذا المال ثمن دين أحدكم هلكتم‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ حدَّثنا طراد بن محمد قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن بشران قال‏:‏ أخبرنا ابن صفوان قال‏:‏ حدَّثنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدَّثنا أبو خيثمة قال‏:‏ حدَّثنا يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة‏:‏ أنه قدم على عمر رضي اللّه عنه من البحرين قال‏:‏ فغدوت عليه فصليت العشاء معه فلما رآني سلمت عليه فقال‏:‏ ما قدمت به قلت‏:‏ قدمت بخمسمائة ألف قال‏:‏ أتدري ما تقول قلت‏:‏ مائة ألف ومائة ألف ومائة ألف حتى عددت له خمسًا قال‏:‏ إنك ناعس ارجع إلى بيتك فنم ثم اغد عليَ قال‏:‏ فغدوت عليه فقال‏:‏ بماذا جئت قلت‏:‏ خمسمائة ألف قال‏:‏ أطيب قلت‏:‏ نعم لا أعلم إلا ذلك فقال للناس‏:‏ إنه قد قدم علي مال كثير فإن شئتم أن نعده لكم عددًا وإن شئتم أن نكيله لكم كيلًا فقال له رجلًا‏:‏ يا أمير المؤمنين إني قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدونون ديوانًا لم فدون الدواوين ففرض للمهاجرين في خمسة آلاف والأنصار في أربعة آلاف وفرض لأزواج رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم في إثني عشر ألفًا‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن حيوية حدَّثنا أحمد بن معروف حدَّثنا ابن الفهم حدَّثنا محمد بن سعد حدَّثنا الحسن بن موسى حدَّثنا زهير حدَّثنا أبو إسحاق عن مصعب بن سعد‏:‏ أن عمر رضي اللهّ عنه فرض لأهل بدر والمهاجرين والأنصار ستة آلاف ستة آلاف وفرض لأزواج رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم ففضل عليهن عائشة ففرض لها في اثني عشر أ ألفًا ولسائرهن في عشرة آلاف غير جويرية وصفية فرض لهما في ستة آلاف وفرض للمهاجرات الأول أسماء بنت عميس وأسماء بنت أبي بكر وأم عبد أم ابن مسعود ألفَاَ ألفًا‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين الحاجي وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور أخبرنا المخلص أخبرنا أحمد بن عبد اللهّ بن سيف حدَّثنا السري بن يحيى حدَثنا شعيب عن سيف عن محمد والمهلب وعمرو وطلحة وسعيد قالوا‏:‏ لما فتح اللّه على المسلمين وقتل رستم وقدمت على عمر رضي اللهّ عنه فتوح من الشبام جمع المسلمين وقال‏:‏ ما يحل للوالي من هذا المال فقالوا‏:‏ أما لخاصته فقوته وقوت عياله لا وكس ولا شطط وكسوته وكَسوتهم للشتاء والصيف ودابتان لجهاده وحوائجه وحملانه إلى حجه وعمرته والقسم بالسوية وأن يعطي أهل البلاء على قدر بلائهم ويرم أمور المسلمين بعده ويتعاهدهم في الشدائد والنوازل حتى تنكشف ويبدأ بأهل الفيء‏.‏

وعن سيف عن محمد بن عبد وعبد اللّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ جمعِ عمر الناس بالمدينة حتى انتهى إليه فتح القادسية ودمشق فقال‏:‏ إني كنت امرًا تاجراَ يغني اللّه عز وجل عيالي بتجارتي وقد شغلتموني بأمركم هذا فماذا ترون أنه يحل لي من هذا المال‏.‏

فأكثر القوم وعلي رضي اللهّ عنه ساكت فقال‏:‏ يا علي ما تقول فقال‏:‏ ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف ليس لك من الأمر غيره فقال‏:‏ القول ما قال علي بن أبي طالب‏.‏

وعن سيف عن مبشر بن الفضيل عن سالم بن عبد الله قال‏:‏ لما ولي عمر رضي اللّه عنه قعد على رزق أبي بكر رضي اللّه عنه الذي كانوا فرضوا له فكان بذلك فاشتدت حاجته فاجتمع نفر من المهاجرين فيهم عثمان وعلي وطلحة والزبير فقال الزبير‏:‏ لو قلنا لعمر في زيادة نزيدها إياه في رزقه فقال علي‏:‏ وددنا أنه فعل ذلك فانطلقوا بنا فقال عثمان‏:‏ إنه عمر فهلموا فلنسترىء ما عنده من ورائه نأتي حفصة فنكلمها ونستكتمها أسماءنا فدخلوا عليها وسألوها أن تخبر و بالخبر عن نفر لا تسمي له أحدًا إلا أن يقبل وخرجوا من عندها فلقيت عمر في ذلك فعرفت الغضب في وجهه فقال‏:‏ من هؤلاء قال‏:‏ لا سبيل إلى علمهم حتى أعلم ما رأيك فقال‏:‏ لو علمت من هم لسؤت وجوههم أنت بيني وبينهم أناشدك باللّه ما أفضل ما اقتنى رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم في بيتك من الملبس قالت‏:‏ ثوبين ممشقين كان يلبسهما للوفد ويخطب فيهما الجمع قال‏:‏ وأي طعام ناله من عندك أرفع قالت‏:‏ خبزنا خبزة شعير فصببت عليها وهي حارة أسفل عُكَّة فجعلناها دسمًا حلوة فأكل منها‏.‏

قال‏:‏ وأي مبسط كان يبسطه عندك كان أوطأ قالت‏:‏ كساء لنا ثخين كنا نربعه في الصيف فنجعله تحتنا فإذا كان الشتاء ابتسطنا نصفه وتدثرنا نصفه قال‏:‏ يا حفصة فأبلغيهم عني أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قدر فوضع الفضول مواضعها وتبلغ بالتَّزجية وإني قدرت فوالله لأضعن الفضول مواضعها ولأتبلغن بالتزجية وإنما مثلي ومثل صاحبي كثلاثة نفر سلكوا طريقًا فمضى الأول وقد تزود زادًا فبلغ ثم اتبعه الآخر فسلك طريقه فأفضى إليه ثم اتبعهما الثالث فإن لزم طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما وكان معهما وإن سلك غير طريقهما لم يجامعهما أبدًا‏.‏