فصل: أكل لحم الكلب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


ما يجب في إذهاب الكلام

32 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لا قصاص في إذهاب الكلام إن بقي اللّسان وذهبت الجناية بالكلام وحده‏,‏ لعدم إمكان المماثلة في القصاص‏,‏ وتجب الدّية كاملةً بإذهاب الكلام‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏ديات ف 57 وجناية على ما دون النّفس ف 22‏)‏‏.‏

كلام القاضي مع أحد الخصمين سراً

33 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يحرم على القاضي الكلام مع أحد الخصمين سراً دون الآخر لما فيه من كسر قلب صاحبه وربّما أضعفه ذلك عن إقامة حجّته‏,‏ ولا يجوز له أن يلقّنه حجّته‏,‏ لأنّ عليه أن يعدل بينهما ولما فيه من الضّرر على صاحبه‏,‏ وعلى القاضي العدل بين الخصمين في كلّ شيءٍ من الكلام‏,‏ واللّحظ‏,‏ واللّفظ‏,‏ والإشارة والإقبال‏,‏ والدخول عليه‏,‏ والإنصات إليهما والاستماع منهما‏,‏ والقيام لهما‏,‏ وردّ التّحيّة عليهما‏,‏ وطلاقة الوجه لهما‏,‏ قال ابن قدامة‏:‏ ولا أعلم فيه مخالفاً‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تسوية ف 9 وقضاء ف 41‏)‏‏.‏

كَلْب

التّعريف

1 - الكلب في اللغة‏:‏ كل سبعٍ عقورٍ‏,‏ وهو معروف‏,‏ وجمعه أكلب وكلاب‏,‏ وجمع الجمع‏:‏ أكالب‏,‏ والأنثى كلبة وجمعها كلاب أيضاً وكلبات‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو ذلك الحيوان النّبّاح‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ – الخنزير‏:‏

2 - الخنزير حيوان خبيث ، ويشترك الخنزير مع الكلب في نجاسة العين‏,‏ ونجاسة كلّ ما نتج عنهما وحرمة أكل لحمهما والانتفاع بألبانهما وأشعارهما وجلودهما ولو بعد الدّبغ عند الجمهور‏.‏

ويفترقان في جواز اقتناء الكلب للصّيد والحراسة أمّا الخنزير فلا يجوز اقتناؤُه بحالٍ‏.‏

ب – السّبع‏:‏

3 - السّبُْع بضمّ الباء وسكونها‏,‏ وقرئ بهما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ‏}‏ أي وما أكل منه السّبع‏.‏

ويجمع على سباعٍ‏,‏ مثل رجلٍ ورجالٍ ولا جمع له غير ذلك‏.‏

والسّبع‏:‏ كل ما له ناب يعدو به ويفترس‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو كل منتهبٍ جارحٍ قاتلٍ عادةً‏.‏

والسّبع أعم من الكلب فكل كلبٍ سبع وليس كل سبعٍ كلباً‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالكلب

هناك أحكام تتعلّق بالكلب من حيث اقتناؤُه وتعليمه وحل صيده‏,‏ والتّصرف فيه وغير ذلك ممّا سيرد تفصيله فيما يلي‏:‏

اقتناء الكلب

4 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز اقتناء الكلب إلا لحاجةٍ‏:‏ كالصّيد والحراسة‏,‏ وغيرهما من وجوه الانتفاع الّتي لم ينه الشّارع عنها‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يكره اتّخاذه لغير زرعٍ أو ماشيةٍ أو صيدٍ‏,‏ وقال بعضهم بجوازه‏.‏

وقد ورد عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «من اتّخذ كلباً إلا كلب ماشيةٍ أو صيدٍ أو زرعٍ أنتقص من أجره كلّ يومٍ قيراط»‏.‏

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من اقتنى كلباً إلا كلب صيدٍ أو ماشيةٍ نقص من أجره كلّ يومٍ قيراطان»‏.‏

وأمّا اقتناؤُه لحفظ البيوت فقد قال ابن قدامة‏:‏ لا يجوز على الأصحّ للخبر المتقدّم‏,‏ ويحتمل الإباحة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا زالت الحاجة الّتي يجوز اقتناء الكلب لها فإنّه يجب زوال اليد عن الكلب بفراغها‏,‏ وقالوا يجوز تربية الجرو الّذي يتوقّع تعليمه لذلك‏.‏

وعند الحنابلة - كما في المغني - أنّ من اقتنى كلباً لصيدٍ‏,‏ ثمّ ترك الصّيد مدّةً‏,‏ وهو يريد العود إليه‏,‏ لم يحرم اقتناؤُه في مدّة تركه‏,‏ لأنّ ذلك لا يمكن التّحرز منه‏,‏ وكذلك صاحب الزّرع‏.‏

ولو هلكت ماشيته‏,‏ فأراد شراء غيرها فله إمساك كلبها لينتفع به في الّتي يشتريها‏.‏

وإن اقتنى كلباً لصيدٍ من لا يصيد به‏,‏ احتمل الجواز‏,‏ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم استثنى كلب الصّيد مطلقاً‏,‏ واحتمل المنع‏,‏ لأنّه اقتناه لغير حاجةٍ‏,‏ أشبه غيره من الكلاب‏.‏ وقال الرّحيباني‏:‏ يحرم اقتناؤُه لأمره عليه الصلاة والسلام بقتله‏,‏ وإذا لم يجز اقتناؤُه لم يجز تعليمه‏,‏ لأنّ التّعليم إنّما يجوز مع جواز الإمساك‏,‏ فيكون التّعليم حراماً‏,‏ والحل لا يستفاد من المحرّم‏,‏ ولأنّه علّل بكونه شيطاناً‏,‏ وما قتله الشّيطان لا يباح أكله كالمنخنقة‏.‏ وتجوز تربية الجرو الصّغير لأحد الأمور الثّلاثة - في أقوى الوجهين - عند الحنابلة‏,‏ لأنّه قصده لذلك‏,‏ فيأخذ حكمه‏,‏ كما يجوز بيع الجحش الصّغير الّذي لا نفع فيه في الحال لمآله إلى الانتفاع‏,‏ ولأنّه لو لم يتّخذ الصّغير ما أمكن جعل الكلب كذلك‏,‏ إذ لا يصير معلّماً إلا بالتّعليم‏,‏ ولا يمكن تعليمه إلا بتربيته واقتنائه مدّةً يعلّمه فيها‏.‏

التقاط الكلب

5 - يباح التقاط كلّ حيوانٍ لا يمتنع بنفسه من صغار السّباع‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ يجوز التقاط الكلب المأذون فيه وعلى ملتقطه أن يعرّفه لمدّة سنةٍ‏,‏ فإن لم يوجد صاحبه صار ملكاً لملتقطه‏.‏

وعند الشّافعيّة‏:‏ ما ليس بمالٍ ككلبٍ يقتنى‏,‏ فميل الإمام والآخذين عنه إلى أنّه لا يؤخذ إلا على قصد الحفظ أبداً‏,‏ لأنّ الاختصاص به بعوضٍ ممتنع‏,‏ وبلا عوضٍ يخالف وضع اللقطة‏,‏ وقال الأكثرون‏:‏ يعرّفه سنةً‏,‏ ثمّ يختص وينتفع به‏,‏ فإن ظهر صاحبه بعد ذلك وقد تلف فلا ضمان‏.‏

وعند الحنابلة‏:‏ لا يجوز التقاط ما يقوى على الامتناع بنفسه‏:‏ لكبر جثّته كالإبل‏,‏ أو لطيرانه أو لسرعته كالظّباء‏,‏ أو بنابه كالكلاب والفهود‏.‏

الوصيّة بالكلب

6 - قال الشّافعيّة‏:‏ تصح الوصيّة بنجاسةٍ يحل الانتفاع بها لثبوت الاختصاص فيها‏,‏ ككلبٍ معلّمٍ أي قابلٍ للتّعليم بخلاف الكلب العقور‏.‏

ولو أوصى بكلبٍ من كلابه المنتفع بها في صيدٍ أو ماشيةٍ أو زرعٍ أعطى للموصى له أحدها بتعيين الوارث أي حسب اختياره‏,‏ فإن لم يكن للموصي كلب منتفع به لغت وصيّته‏.‏

ولو كان له مال وكلاب منتفع بها‏,‏ ووصّى بها أو ببعضها‏,‏ فالأصح نفوذها وإن كثرت الكلاب الموصى بها وقلّ المال‏,‏ لأنّه خير منها‏,‏ إذ لا قيمة لها‏.‏

والثّاني وهو مقابل الأصحّ‏,‏ لا تنفذ إلا في ثلثها‏,‏ كما لو لم يكن معها مال‏,‏ لأنّها ليست من جنسه حتّى تضمّ إليه‏.‏

والثّالث‏:‏ تقوّم بتقدير الماليّة فيها‏,‏ وتضم إلى المال‏,‏ وتنفذ الوصيّة في ثلث الجميع‏,‏ أي في قدره من الكلاب‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ تصح الوصيّة بالكلب الّذي يباح اقتناؤُه‏,‏ لأنّها نقل لليد فيه من غير عوضٍ‏,‏ وتصح هبته لذلك‏,‏ وقال القاضي‏:‏ لا تصح‏,‏ لأنّها تمليك في الحياة‏,‏ أشبه البيع‏,‏ والأوّل أصح‏,‏ ويفارق البيع لأنّه يؤخذ عوضه‏,‏ وهو محرّم‏.‏

وقال الرّحيباني‏:‏ وإن وصّى بكلبٍ وله كلاب‏,‏ فللورثة إعطاؤُه أيّ كلبٍ شاءوا‏.‏

وإن وصّى لزيدٍ بكلابه‏,‏ ووصّى لآخر بثلث ماله‏,‏ فللموصى له بالثلث ثلث المال‏,‏ وللموصى له بالكلاب ثلثها‏,‏ إن لم تجز الورثة‏,‏ لأنّ ما حصل للورثة من ثلثي المال قد جازت الوصيّة فيما يقابله من حقّ الموصى له وهو ثلث المال‏,‏ ولم يحتسب على الورثة بالكلاب‏.‏

سرقة الكلب

7 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا قطع في سرقة الكلب مطلقاً‏,‏ ولو كان معلّماً أو لحراسةٍ‏,‏ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «نهى عن بيعه» ، بخلاف غيره من الجوارح المعلّمة‏,‏ ولو كانت قيمته نصاباً‏.‏

وعلّله الحنفيّة بأنّه يوجد من جنسه مباح الأصل وباختلاف العلماء في ماليّته فأورث شبهةً‏.‏ وعلّل الشّافعيّة عدم القطع بأنّه ليس بمالٍ كالخنزير والخمر - ولو من ذمّيٍّ‏,‏ لأنّ القطع جعل لصيانة الأموال‏,‏ وهذه الأشياء ليست بمالٍ‏.‏

وهذا خلافاً لأشهب من المالكيّة القائل بالقطع في المأذون في اتّخاذه‏.‏

غصب الكلب

8 - مذهب الجمهور أنّ غصب الكلب المأذون فيه مضمون بقيمته ويجب رده‏,‏ بخلاف غير المأذون فيه‏,‏ فإنّه لا يغرم إذ لا قيمة له‏,‏ وعند الحنابلة يجب رد المأذون فيه وإذا أتلفه لم يغرمه‏.‏

‏(‏ر‏:‏ مصطلح غصب ف 13‏)‏‏.‏

ما يشترط لحلّ صيد الكلب

9 - يشترط لحلّ الصّيد أن يكون كلب الصّيد معلّماً باتّفاق الفقهاء‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ‏}‏‏.‏

ولحديث عديّ بن حاتمٍ رضي الله عنه قال‏:‏ «قلت يا رسول اللّه‏,‏ إنّي أرسل الكلاب المعلّمة فيمسكن عليّ‏,‏ وأذكر اسم اللّه عليه ، فقال‏:‏ إذا أرسلت كلبك المعلّم وذكرت اسم اللّه عليه فكل ، قلت‏:‏ وإن قتلن ‏؟‏ قال‏:‏ وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس معها»‏.‏

ويعتبر في تعليم الكلب شروط إذا أرسله صاحبه استرسل‏,‏ وإذا زجره انزجر وإذا أمسك لم يأكل‏.‏

‏(‏والتّفصيل‏:‏ في مصطلح صيد ف 38 وما بعدها‏)‏‏.‏

الانتفاع بالكلب

10 - تقدّم جواز اقتناء الكلب لحاجةٍ كالصّيد والحراسة وغيرهما من وجوه الانتفاع به الّتي لم ينه الشّارع عنها

استئجار الكلب

11 - منع الحنفيّة إجارة الكلب لأنّه لا يمكن حمله على منفعة الحراسة بضربٍ أو غيره‏,‏ نصّ عليه في الهنديّة‏,‏ وفي بعض الرّوايات أنّه يجوز إذا بيّن لذلك وقتًا معلوماً‏.‏

وقال النّووي‏:‏ استئجار الكلب المعلّم للصّيد والحراسة باطل على الأصحّ‏,‏ وقيل يجوز‏,‏ كالفهد والبازي‏,‏ والشّبكة للاصطياد‏,‏ والهرّة لدفع الفأر‏,‏ وقال ابن قدامة‏:‏ لا تجوز إجارته نصّ عليه أحمد لأنّه حيوان محرّم بيعه لخبثه‏,‏ فحرمت إجارته كالخنزير‏.‏

والتّفصيل ينظر في‏:‏ ‏(‏مصطلح إجارة ف 101‏)‏‏.‏

بيع الكلب

12 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى عدم جواز بيع الكلب مطلقاً ، «لنهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب‏,‏ ومهر البغيّ‏,‏ وحلوان الكاهن»‏.‏

وذهب الحنفيّة وسحنون من المالكيّة إلى جواز بيع الكلب مطلقاً لأنّه مال منتفع به حقيقةً‏,‏ إلا في روايةٍ عن أبي حنيفة رواها أبو يوسف عنه في الكلب العقور فإنّه لا يجوز بيعه‏.‏ وحكى في الفواكه الدّواني أنّ عند المالكيّة تفصيلاً بين الكلب المأذون فيه‏,‏ وبين غيره‏,‏ فمنعوا باتّفاقٍ بيع غير المأذون فيه‏,‏ للحديث المرويّ سابقاً‏.‏

وأمّا المأذون فيه‏,‏ ففيه ثلاثة أقوالٍ عندهم‏:‏ المنع‏,‏ والكراهة‏,‏ والجواز‏.‏

والمشهور منها عن مالكٍ المنع‏.‏

بيع جلد الكلب

13 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة وهو المشهور عند المالكيّة إلى أنّ جلد الكلب لا يطهر بالدّباغة لأنّه نجس العين فلا يباع ولو دبغ‏.‏

وفي روايةٍ عن سحنونٍ وابن عبد الحكم أنّ جلود جميع الحيوانات تطهر بالدّباغة حتّى الخنزير‏,‏ لحديث‏:‏ «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» فيجوز بيع جلد الكلب بعد الدّباغة‏.‏ والحنفيّة يقولون بطهارة جلد جميع الحيوانات غير مأكولة اللّحم بالدّبغ ما عدا الخنزير لأنّه نجس العين‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ بيع منهي عنه ف 12‏,‏ دباغة ف 8‏,‏ جلد ف 10 وما بعدها‏)‏‏.‏

الاستصباح بدهنه وودكه

14 - جمهور الفقهاء على عدم جواز الاستصباح بما كان نجساً بعينه‏,‏ في المسجد وغيره‏.‏

أمّا ما كان متنجّساً فالجمهور على عدم جواز الاستصباح به في المسجد دون غيره‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يجوز - مع الكراهة - في غير المسجد الاستصباح بالدهن النّجس وكذلك دهن الدّوابّ‏,‏ كما يجوز له ذلك بالمتنجّس على المشهور‏,‏ لما روي من أنّه صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرةٍ وقعت في سمنٍ فقال‏:‏ «إن كان جامداً فألقوها وما حولها وإن كان مائعاً فاستصبحوا به»‏.‏

أمّا في المسجد فلا‏,‏ لما فيه من تنجيسه‏,‏ كذا جزم به ابن المقري تبعاً للأذرعيّ والزّركشيّ‏,‏ وصرّح بذلك الإمام ، وهو المعتمد‏.‏

قال الرّملي‏:‏ ومحل ذلك في غير ودك نحو الكلب‏,‏ فلا يجوز الاستصباح به لغلظ نجاسته‏.‏ وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ مصطلح استصباح ف 4‏)‏‏.‏

نجاسة الكلب

15 - يرى الحنفيّة أنّ الكلب ليس بنجس العين‏,‏ ولكن سؤره ورطوباته نجسة‏.‏

ويرى المالكيّة‏:‏ أنّ الكلب طاهر العين لقولهم‏:‏ الأصل في الأشياء الطّهارة‏.‏

فكل حيٍّ - ولو كلباً وخنزيراً - طاهر‏,‏ وكذا عرقه ودمعه ومخاطه ولعابه‏,‏ وإلا ما خرج من الحيوان من بيضٍ أو مخاطٍ أو دمعٍ أو لعابٍ بعد موته بلا ذكاةٍ شرعيّةٍ ، فإنّه يكون نجساً‏,‏ فهذا في الحيوان الّذي ميتته نجسة‏.‏

ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّ الكلب نجس العين‏.‏

حكم شعر الكلب من حيث الطّهارة والنّجاسة

16 - اختلف الفقهاء في نجاسة شعر الكلب أو طهارته سواء أخذ منه في حال حياته أو بعد موته‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو رواية عن أحمد إلى طهارته‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة على المذهب إلى نجاسته‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏مصطلح شعر وصوف ووبر ف 19‏)‏‏.‏

حكم معضّ كلب الصّيد من حيث النّجاسة والطّهارة

17 - اختلف الفقهاء في نجاسة معضّ كلب الصّيد‏,‏ ممّا يصيده فذهب بعضهم إلى طهارة معضّ الكلب‏.‏

وذهب آخرون إلى نجاسته‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏صيد ف 44‏)‏‏.‏

تطهير الإناء من ولوغ الكلب

18 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجب غسل الإناء سبعاً إحداهنّ بالتراب إذا ولغ الكلب فيه‏,‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرّاتٍ أولاهنّ بالتراب»‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه يندب غسل الإناء سبعاً ولا تتريب مع الغسل‏.‏

ومذهب الحنفيّة وجوب غسل الإناء ثلاثاً‏,‏ ولهم قول بغسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً‏.‏

ويرى بعض الفقهاء أنّ تعدد الغسل تعبد‏,‏ وهذا هو المشهور من مذهب المالكيّة‏,‏ لطهارة الكلب‏.‏

وقيل‏:‏ لقذارته‏,‏ وقيل‏:‏ لنجاسته‏,‏ وعليهما فكونه سبعاً‏,‏ تعبداً‏,‏ وقيل‏:‏ لتشديد المنع‏.‏ واختار ابن رشدٍ كون المنع مخافة أن يكون الكلب كلباً‏,‏ فيكون قد داخل من لعابه الماء ما يشبه السمّ‏,‏ قال‏:‏ ويدل على صحّة هذا التّأويل تحديده بالسّبع‏,‏ لأنّ السّبع من العدد مستحب فيما كان طريقه التّداوي‏,‏ لا سيّما فيما يتوقّى منه السم‏,‏ كقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من تصبّح بسبع تمراتٍ عجوةٍ لم يضرّه ذلك اليوم سم ولا سحر»‏.‏

قال ابن عرفة‏:‏ وردّ عليه بنقل الأطبّاء أنّ الكلب الكلِب يمتنع عن ولوغ الماء‏.‏

وأجاب حفيد ابن رشدٍ‏,‏ أنّه يمتنع إذا تمكّن منه الكلب‏,‏ أمّا في أوائله‏,‏ فلا‏.‏

‏(‏ر‏:‏ مصطلح تتريب ف 2‏)‏‏.‏

تعدد الولوغ

19 - قال المالكيّة‏:‏ لا يتعدّد الغسل سبعاً بسبب ولوغ كلبٍ واحدٍ مرّاتٍ في إناءٍ واحدٍ أو ولوغ كلابٍ في إناءٍ واحدٍ قبل غسله‏,‏ لتداخل مسبّبات الأسباب المتّفقة في المسبّب كنواقض الوضوء وموجبات الحدود والقصاص‏.‏

وذكر النّووي أنّه لو ولغ كلبان‏,‏ أو كلب واحد مرّاتٍ في إناءٍ ففيه ثلاثة أوجهٍ‏:‏

الصّحيح‏,‏ أنّه يكفيه للجميع سبع مرّاتٍ إحداهنّ بالتراب‏,‏ والثّاني‏:‏ يجب لكلّ ولغةٍ سبع‏,‏ والثّالث‏:‏ يكفي لولغات الكلب الواحد سبع‏,‏ ويجب لكلّ كلبٍ سبع‏.‏

ولا تقوم الغسلة الثّامنة‏,‏ ولا غمس الإناء في ماءٍ كثيرٍ ومكثه فيه قدر سبع غسلاتٍ مقام التراب على الأصحّ‏.‏

قال الشّيخ زكريّا الأنصاري‏:‏ وكفت السّبع مع التّتريب في إحداها وإن تعدّدت الكلاب‏.‏ وقال النّووي‏:‏ ولو كانت نجاسة الكلب دمه أو روثه‏,‏ فلم يزل عنه إلا بستّ غسلاتٍ‏,‏ فهل يحسب ذلك ستّة غسلاتٍ‏,‏ أم غسلة واحدة‏,‏ أم لا يحسب من السّبع ‏؟‏ ثلاثة أوجهٍ‏,‏ أصحها واحدة‏.‏

مرور الكلب الأسود بين يدي المصلّي

20 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الصّلاة لا تبطل بمرور شيءٍ بين المصلّي والسترة وقالوا‏:‏ إنّ المراد بقطع الصّلاة بمرور شيءٍ إنّما هو نقص الصّلاة لشغل قلب المصلّي بما يمر بين يديه وليس المراد إبطال الصّلاة‏.‏

ونقل الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله أنّ الصّلاة لا يقطعها إلا الكلب الأسود البهيم‏,‏ قال الأثرم‏:‏ سئل أبو عبد اللّه‏,‏ ما يقطع الصّلاة ‏؟‏ قال‏:‏ لا يقطعها عندي شيء إلا الكلب الأسود البهيم‏.‏

والبهيم الّذي ليس في لونه شيء سوى السّواد‏,‏ وإن كان بين عينيه نكتتان تخالفان لونه لم يخرج بهذا عن كونه بهيماً تتعلّق به أحكام الأسود البهيم‏,‏ من قطع الصّلاة‏,‏ وتحريم صيده وإباحة قتله‏,‏ فإنّه قد ورد في حديث‏:‏ «عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنّه شيطان»‏.‏ وقطعه للصّلاة قول عائشة رضي الله عنها‏,‏ وهو محكي عن طاووسٍ ومجاهدٍ‏,‏ ومروي عن أنسٍ وعكرمة والحسن وأبي الأحوص‏.‏

ووجه هذا القول ما روى أبو هريرة‏,‏ قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «يقطع الصّلاة المرأة والحمار والكلب ويقي ذلك مثل مؤخّرة الرّحل»‏.‏

وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا قام أحدكم يصلّي فإنّه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرّحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرّحل فإنّه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود»‏.‏

قال عبد اللّه بن الصّامت‏:‏ يا أبا ذرٍّ‏,‏ ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ‏؟‏ قال‏:‏ يا ابن أخي‏,‏ سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال‏:‏ «الكلب الأسود شيطان»‏.‏

أكل لحم الكلب

21 - يرى جمهور الفقهاء حرمة أكل لحم كلّ ذي نابٍ يفترس به‏,‏ سواء أكانت أهليّةً كالكلب والسّنّور الأهليّ‏,‏ أم وحشيّةً كالأسد والذّئب‏.‏

استدلوا لذلك بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «كل ذي نابٍ من السّباع فأكله حرام»‏.‏

وللمالكيّة في أكل لحم الكلب قولان‏:‏ الحرمة‏,‏ والكراهة‏,‏ وصحّح ابن عبد البرّ التّحريم‏,‏ قال الحطّاب ولم أر في المذهب من نقل إباحة أكل الكلاب‏.‏

وللتّفصيل ر‏:‏ ‏(‏أطعمة ف 24‏)‏‏.‏

هبة الكلب

22 - ذهب المالكيّة والحنابلة وهو مقابل الأصحّ من الوجهين عند الشّافعيّة - كما قال النّووي - إلى صحّة هبة الكلب لأنّها تبرع وأخف من البيع‏.‏

والأصح من الوجهين عند الشّافعيّة - كما قال النّووي - بطلان هبة الكلب قياساً على بطلان بيعه‏.‏

وقف الكلب

23 - يرى الحنفيّة والحنابلة عدم جواز وقف الكلب‏.‏

وعند المالكيّة يجوز وقف الكلب المأذون في اتّخاذه‏.‏

والأصح عند الشّافعيّة أنّه لا يصح وقف الكلب المعلّم أو الّذي يقبل التّعليم لأنّه غير مملوكٍ‏,‏ والثّاني يصح على رأيٍ‏,‏ أمّا غير المعلّم أو القابل للتّعليم فلا يصح عندهم وقفه جزماً‏.‏

رهن الكلب

24 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يصح رهن الكلب لأنّ ما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه‏,‏ وما يجوز بيعه يجوز رهنه‏.‏

ومذهب الحنفيّة جواز رهنه باعتباره مالاً‏.‏

‏(‏ر‏:‏ رهن ف 9‏)‏‏.‏

ضمان عقر الكلب

2 - للفقهاء خلاف وتفصيل في ضمان جناية الكلب العقور وكلّ حيوانٍ خطرٍ‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏ضمان ف 109‏)‏‏.‏

قتل الكلب

26 - قال المالكيّة‏:‏ يجب قتل كلّ كلبٍ أضرّ وما عداه جائز قتله لأنّه لا منفعة فيه‏,‏ ولا اختلاف في أنّه لا يجوز قتل كلاب الماشية والصّيد والزّرع‏.‏

قال الحطّاب‏:‏ ذهب كثير من علماء المالكيّة‏:‏ إلى أنّه لا يقتل من الكلاب أسود ولا غيره‏,‏ إلا أن يكون عقوراً‏,‏ مؤذياً‏,‏ وقالوا‏:‏ الأمر بقتل الكلاب منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تتّخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً» فعمّ ولم يخصّ كلباً من غيره‏.‏

واحتجوا - كذلك - بالحديث الصّحيح في الكلب الّذي كان يلهث عطشاً‏,‏ فسقاه الرّجل‏,‏ فشكر اللّه له وغفر له‏,‏ وقال‏:‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «في كلّ كبدٍ رطبةٍ أجر»‏.‏

قالوا‏:‏ فإذا كان الأجر في الإحسان إليه‏,‏ فالوزر في الإساءة إليه‏,‏ ولا إساءة إليه أعظم من قتله‏.‏

وليس في قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «الكلب الأسود شيطان» ما يدل على قتله‏,‏ لأنّ شياطين الإنس والجنّ كثير‏,‏ ولا يجب قتلهم‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ ما لا يظهر فيه منفعة ولا ضرر - كالكلب الّذي ليس بعقورٍ - يكره قتله كراهة تنزيهٍ‏,‏ ومقتضى كلام بعضهم التّحريم‏.‏

والمراد الكلب الّذي لا منفعة فيه مباحةً‏,‏ فأمّا ما فيه منفعة مباحة‏,‏ فلا يجوز قتله بلا شكٍّ‏,‏ سواء في ذلك الأسود وغيره‏.‏ والأمر بقتل الكلاب منسوخ‏.‏

ومذهب الحنابلة أنّه‏:‏ يحرم قتل الكلب المعلّم ، وقاتله مسيء ظالم‏,‏ وكذلك كل كلبٍ مباح إمساكه‏,‏ لأنّه محل منتفع به‏,‏ يباح اقتناؤُه‏,‏ فحرم إتلافه‏,‏ كالشّاة‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ ولا نعلم في هذا خلافاً‏,‏ ولا غرم على قاتله‏.‏

قال الرّحيباني‏:‏ لا يباح قتل شيءٍ من الكلاب سوى الأسود والعقور للنّهي عنه في حديث عبد اللّه بن مغفّلٍ قال‏:‏ «أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثمّ قال‏:‏ ما بالهم وبال الكلاب ‏؟‏» ويباح قتل الكلب العقور‏.‏

فكل ما آذى النّاس وضرّهم في أنفسهم وأموالهم يباح قتله‏,‏ لأنّه يؤذي بلا نفعٍ‏,‏ أشبه الذّئب‏,‏ وما لا مضرّة فيه لا يباح قتله‏,‏ وقال الرّحيباني‏:‏ يجب قتله‏.‏

27 - والفقهاء متّفقون على جواز قتل الكلب العقور في الحرم للحديث‏:‏ «خمس من الدّوابّ كلهنّ فاسق يقتلن في الحرم‏:‏ الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور»‏.‏ ونصّ الحنابلة على وجوب قتله‏,‏ عملاً بنصّ الحديث الشّريف‏.‏

دفع الضّرر عن الكلب

28 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب دفع الضّرر عن الكلب غير العقور وحفظ حياته لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «بينا رجل يمشي ، فاشتدّ عليه العطش ، فنزل بئراً فشرب منها ثمّ خرج ، فإذا هو بكلبٍ يلهث يأكل الثّرى من العطش ، فقال‏:‏ لقد بلغ هذا مثل الّذي بلغ بي ، فملأ خفّه ثمّ أمسكه بفيه ، ثمّ رقا فسقى الكلب ، فشكر اللّه له فغفر له ، قالوا‏:‏ يا رسول اللّه إنّ لنا في البهائم أجراً ‏؟‏ قال‏:‏ في كلّ كبدٍ رطبةٍ أجر»‏.‏

وقال جمهور الفقهاء‏:‏ يجب التّيمم على من معه ماء وخاف - باستعماله - مرضاً‏,‏ أو زيادته‏,‏ أو تأخر برءٍ‏,‏ أو عطش محترمٍ معه أي محرّم قتله‏,‏ آدمياً كان أو بهيمياً‏,‏ ومنه كلب الصّيد والحراسة‏,‏ أي فيجب سقيه‏,‏ ولو دعاه ذلك إلى التّيمم‏.‏

وقال النّووي‏:‏ كما يجب بذل المال لإبقاء الآدميّ المعصوم يجب بذله لإبقاء البهيمة المحترمة‏,‏ وإن كانت ملكاً للغير‏,‏ ولا يجب البذل للحربيّ‏,‏ والمرتدّ‏,‏ والكلب العقور‏.‏

ولو كان لرجلٍ كلب - غير عقورٍ - جائع‏,‏ وشاة‏,‏ لزمه ذبح الشّاة لإطعام الكلب‏.‏

كلب الماء

انظر‏:‏ أطعمة‏.‏

كُلِّيّات

انظر‏:‏ ضروريّات‏.‏

كِنَايَة

التّعريف

1 - الكناية في اللغة‏:‏ أن يتكلّم بشيءٍ يستدل به على المكنيّ عنه كالرّفث والغائط‏,‏ وهي اسم مأخوذ من كنيت بكذا عن كذا من باب رمى‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو كلام استتر المراد منه بالاستعمال‏,‏ وإن كان معناه ظاهراً في اللغة‏,‏ سواء أكان المراد به الحقيقة أم المجاز‏,‏ فيكون تردد فيما أريد به‏,‏ فلا بدّ من النّيّة أو ما يقوم مقامها من دلالة الحال‏.‏

وذكر صاحب فتح القدير‏:‏ أنّ الكناية ما خفي المراد به لتوارد الاحتمالات عليه بخلاف الصّريح‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الصّريح‏:‏

2 - الصّريح في اللغة من صرح الشّيء - بالضّمّ - خلص من تعلقات غيره فهو صريح‏,‏ وكل خالصٍ صريح‏,‏ ومنه القول الصّريح‏,‏ وهو الّذي لا يفتقر إلى إضمارٍ أو تأويلٍ‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ الصّريح هو اللّفظ الموضوع لمعنىً لا يفهم منه غيره عند الإطلاق‏.‏ والصّلة بينهما المقابلة‏.‏

فالصّريح يدرك المراد منه بمجرّد النطق به لا يحتاج إلى النّيّة‏,‏ بخلاف الكناية فتحتاج إلى النّيّة‏.‏

ب - المجاز‏:‏

2 - المجاز اسم لما أريد به غير ما وضع له مناسبةً بينهما‏,‏ كتسمية الشجاع أسداً‏,‏ وسمّي مجازاً لأنّه جاوز وتعدّى محلّه ومعناه الموضوع له إلى غيره‏.‏

والصّلة أنّ الكناية قد يراد بها المجاز‏.‏

ج - التّعريض‏:‏

4 - التّعريض هو‏:‏ ما يفهم به السّامع مراد المتكلّم من غير تصريحٍ‏.‏

والصّلة بين الكناية والتّعريض‏:‏ أنّ التّعريض هو تضمين الكلام دلالةً ليس فيها ذكر‏,‏ كقول المحتاج‏:‏ جئتك لأسلّم عليك‏,‏ فيقصد من اللّفظ السّلام ومن السّياق طلب الحاجة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالكناية

5 - التّعبير المعتبر شرعاً قد يكون بالصّريح من القول أو بالكناية‏.‏

واختلف الفقهاء في تمييز الكناية من الصّريح وفي بعض أحكام الكناية‏,‏ وما يلزم فيها‏.‏

التّمييز بين الكناية والصّريح

6 - للشّافعيّة ضابط في التّمييز بين الكناية والصّريح من ألفاظ العقد والفسوخ وما جرى مجراها‏.‏

قالوا‏:‏ إنّ ما ورد في الشّرع من الألفاظ إمّا أن يتكرّر أو لا‏,‏ فإن تكرّر حتّى اشتهر - كالبيع والطّلاق - فهو صريح إذا استعمل في هذه التّصرفات وإن لم يشع في العادة‏,‏ لأنّ عرف الشّرع هو المتّبع‏,‏ وعلى هذا قالوا‏:‏ يحمل الدّراهم في الأقارير على النّقرة الخالصة قطعاً وإن غلب العرف بخلافها‏,‏ وألحقوا الفراق والسّراح بصريح الطّلاق‏.‏

وإن لم يتكرّر‏,‏ بل ذكر في لسان الشّرع مرّةً فقط ولم يشع على لسان الفقهاء كالمفاداة في الخلع في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏‏,‏ والإمساك في الرّجعة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏‏,‏ فوجهان‏:‏ والأصح الالتحاق بالصّريح في الكلّ‏.‏

أمّا ما لم يرد في الكتاب ولا في السنّة‏,‏ وشاع في العرف كقوله لزوجته‏:‏ أنت عليّ حرام فإنّه شاع في العرف في الطّلاق‏,‏ ولكنّه لم يرد شرعاً في الطّلاق فوجهان‏,‏ والأصح عندهم‏:‏ التحاقه بالكناية‏.‏

وما لم يرد على لسان الشّارع‏,‏ ولكن شاع على ألسنة حملة الشّرع وكان هو المقصود من العقد كلفظ التّمليك في البيع‏,‏ ولفظ الفسخ في الخلع ففي كونه كناية وجهان‏,‏ والأصح عندهم‏:‏ صراحته‏.‏

وقال جمهور الفقهاء لا يكون اللّفظ صريحاً إلا فيما لا يستعمل إلا في ما وضع له‏.‏

وفي ذلك تفصيل ينظر في الملحق الأصوليّ‏.‏

ما يقع فيه الكناية من التّصرفات

7 - ذهب الشّافعيّة إلى أنّ كلّ تصرفٍ يستقل به الشّخص كالطّلاق والعتاق والإبراء ينعقد بالكناية مع النّيّة بلا خلافٍ كما ينعقد بالصّريح‏,‏ وأمّا ما لا يستقل به الشّخص بل يفتقر إلى إيجابٍ وقبولٍ فضربان‏:‏

أحدهما‏:‏ ما يشترط فيه الإشهاد كالنّكاح‏,‏ فهذا لا ينعقد بالكناية مع النّيّة‏,‏ لأنّ الشّاهد لا يعلم النّيّة‏.‏

ثانيهما‏:‏ ما لا يشترط فيه الإشهاد وهو نوعان‏:‏

الأوّل‏:‏ ما يقبل مقصوده التّعليق بالغرر كالكتابة والخلع‏,‏ فينعقد بالكناية مع النّيّة‏,‏ لأنّ مقصود الكتابة العتق‏,‏ ومقصود الخلع الطّلاق‏,‏ وهما يصحّان بالكناية مع النّيّة‏.‏

والثّاني‏:‏ ما لا يقبله كالبيع والإجارة والمساقاة وغيرها‏,‏ وفي انعقاد هذه العقود بالكناية مع النّيّة وجهان أصحهما الانعقاد‏.‏

ونقل ابن رجبٍ اختلاف الحنابلة في انعقاد العقود بالكنايات‏.‏

قال القاضي‏:‏ لا كناية إلا في الطّلاق والعتاق‏,‏ وذكر أبو الخطّاب في الانتصار نحوه‏,‏ وزاد‏:‏ ولا تحل العقود بالكنايات غير النّكاح والرّقّ‏,‏ وقال في موضعٍ آخر منه‏:‏ تدخل الكنايات في سائر العقود سوى النّكاح لاشتراط الشّهادة عليه وهي لا تقع على النّيّة‏,‏ وأشار إليه صاحب المغني أيضاً‏,‏ وكلام كثيرٍ من الأصحاب يدل عليه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏عقد ف 6‏)‏ والملحق الأصولي‏.‏

ألفاظ الكناية

تختلف ألفاظ الكناية باختلاف التّصرفات المتعلّقة بها على الوجه الآتي‏:‏

أ - كنايات الطّلاق‏:‏

8 - كنايات الطّلاق كثيرة‏,‏ بل لا تكاد تنحصر‏,‏ وذكر الفقهاء أمثلةً لها‏,‏ اتّفقوا في أكثرها مثل‏:‏ أنت بائن‏,‏ أنت عليّ حرام‏,‏ خليّة‏,‏ بريّة‏,‏ بريئة‏,‏ بتّة‏,‏ أمرك بيدك‏,‏ اختاري‏,‏ اعتدّي‏,‏ استبرئي رحمك‏,‏ خلّيت سبيلك‏,‏ حبلك على غاربك‏,‏ خالعتك - بدون ذكر العوض - لا سبيل لي عليك‏,‏ أنت حرّة‏,‏ قومي‏,‏ أخرجي‏,‏ أغربي‏,‏ أعزبي‏,‏ انطلقي‏,‏ انتقلي‏,‏ تقنّعي‏,‏ استتري‏,‏ تزوّجي‏,‏ ونحو ذلك‏.‏

واختلفوا في لفظين هما‏:‏ سرّحتك‏,‏ وفارقتك‏,‏ فقال الجمهور‏:‏ إنّهما كنايتان في الطّلاق‏,‏ لأنّهما لم يشتهرا فيه اشتهار الطّلاق‏,‏ ويستعملان فيه وفي غيره‏,‏ وهو مقابل المشهور عند الشّافعيّة‏.‏

وقال الشّافعيّة في القول المشهور والخرقي من الحنابلة‏:‏ إنّهما صريحان في الطّلاق‏,‏ لاشتهارهما فيه وورودهما في القرآن في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ‏}‏ مرادان بالطّلاق مع تكرر الفراق فيه‏,‏ وإلحاق ما لم يتكرّر فيه منهما بما تكرّر‏,‏ وإلحاق ما لم يرد من مشتقّاتهما في القرآن بما ورد فيه لأنّه بمعناه‏.‏

9 - وألفاظ الكناية هذه ونحوها تحتمل الطّلاق‏,‏ وتحتمل غيره‏,‏ فاستتر المراد منها عند السّامع‏,‏ فافتقرت إلى النّيّة لتعيين المراد منها فقوله‏:‏ أنت بائن‏:‏ يحتمل البينونة عن الشّرّ أو الخير أو النّكاح‏,‏ وخليّة‏:‏ يحتمل الخلوّ عن الزّوج‏,‏ والنّكاح‏,‏ ويحتمل الخلوّ عن الأمراض أو العيب‏,‏ وفارقتك‏:‏ يحتمل المفارقة عن النّكاح‏,‏ ويحتمل المفارقة عن المضجع والمكان‏,‏ وقوله‏:‏ أنت بريئة من البراءة‏,‏ يحتمل البراءة من النّكاح‏,‏ ويحتمل البراءة عن الشّرّ أو الخير‏,‏ وقوله‏:‏ بتّة من البتّ وهو القطع‏,‏ فيحتمل القطع عن النّكاح ويحتمل القطع عن الشّرّ وقوله‏:‏ أمرك بيدك‏,‏ يحتمل الطّلاق‏,‏ ويحتمل أمراً آخر‏,‏ وهكذا‏.‏

ولا خلاف بين جمهور الفقهاء في أنّ الطّلاق يقع بالكناية مع النّيّة‏.‏

واختلفوا في بعض مسائل الكناية‏:‏

10 - فذهب الحنفيّة إلى أنّ الكناية كل لفظٍ يستعمل في الطّلاق وغيره نحو قوله‏:‏ أنت بائن‏,‏ وأنت عليّ حرام‏,‏ وخليّة‏,‏ وبريّة ، ونحو ذلك فإنّه يحتمل الطّلاق وغيره‏,‏ وإذا احتملت هذه الألفاظ الطّلاق وغيره فقد استتر المراد منها عند السّامع فافتقرت إلى النّيّة لتعيين المراد‏.‏

ولا يقع الطّلاق بشيءٍ من هذه الألفاظ إلا بالنّيّة‏,‏ فإن نوى الطّلاق وقع فيما بينه وبين اللّه تعالى‏,‏ وإن لم ينو لم يقع فيما بينه وبين اللّه تعالى‏.‏

وإن ذكر شيئًا من ذلك ثمّ قال‏:‏ ما أردت به الطّلاق يدين فيما بينه وبين اللّه تعالى‏,‏ وهل يدين في القضاء ‏؟‏ هناك تفصيل‏:‏

فإن كانت الحال حال الرّضا وابتدأ الزّوج بالطّلاق يدين في القضاء‏.‏

وإن كانت الحال حال مذاكرة الطّلاق وسؤاله أو حالة الغضب والخصومة فالكنايات أقسام ثلاثة‏:‏

الأوّل‏:‏ ما كان بأحد هذه الألفاظ الخمسة وهي‏:‏ أمرك بيدك‏,‏ واختاري‏,‏ واعتدّي‏,‏ واستبرئي رحمك‏,‏ وأنت واحدة‏,‏ فهذه لا يدين فيها‏,‏ ويقع الطّلاق في حالتي المذاكرة والغضب‏,‏ ولا يعتد قضاءً بإنكاره النّيّة‏.‏

والثّاني‏:‏ ما كان بأحد هذه الألفاظ الخمسة‏:‏ وهي‏:‏ خليّة‏,‏ وبريئة‏,‏ وبتّة‏,‏ وبائن‏,‏ وحرام‏,‏ فهذه يدين فيها في حالة الخصومة والغضب‏,‏ ولا يدين في حالة ذكر الطّلاق‏,‏ ويلزمه الطّلاق قضاءً‏.‏

والثّالث‏:‏ وهو بقيّة ألفاظ الكناية‏,‏ ويدين فيها جميعاً في كلّ الأحوال‏.‏

11 - وقسّم المالكيّة الكناية في الطّلاق إلى نوعين‏:‏ كناية ظاهرة‏,‏ وكناية خفيّة‏.‏

وألفاظ الكناية الظّاهرة عندهم هي‏:‏ بتّة‏,‏ وحبلك على غاربك‏,‏ وواحدة بائنة‏.‏

ويلزم بهما أو بأحدهما الثّلاث مطلقاً‏,‏ دخل بها أم لا‏,‏ لأنّ البتّ القطع‏,‏ وقطع العصمة شامل للثّلاث ولو لم يدخل‏,‏ والحبل عبارة عن العصمة وهو إذا رمى العصمة على كتفها لم يبق له فيها شيء مطلقاً‏.‏

والبينونة بعد الدخول بغير عوضٍ إنّما تكون ثلاثاً‏,‏ فاعتبر لفظ بائنة‏,‏ وألغي لفظ واحدة‏.‏ ومن الكناية الظّاهرة‏:‏ خلّيت سبيلك‏.‏

ويلزمه في قوله‏:‏ خلّيت سبيلك الثّلاث مطلقاً‏,‏ دخل بها أم لم يدخل ما لم ينو أقلّ من الثّلاث‏,‏ فإن نوى الأقلّ لزمه ما نواه‏.‏

وهناك عندهم ألفاظ تشبه الواحدة البائنة ، وهي‏:‏ أنت عليّ كالميتة والدّم ولحم الخنزير‏,‏ ووهبتك لأهلك‏,‏ أو رددتك‏,‏ أو لا عصمة لي عليك‏,‏ وأنت حرام‏,‏ أو خليّة لأهلك‏,‏ أو بريّة‏,‏ أو خالصة‏,‏ أو بائنة‏,‏ أو أنا بائن منك‏,‏ أو خلي‏,‏ أو بريء‏,‏ أو خالص‏,‏ فيلزمه الثّلاث في المدخول بها‏,‏ وفي غير المدخول بها إن لم ينو أقلّ‏,‏ فإن نوى الأقلّ لزمه ما نواه وحلف إن أراد نكاحها‏:‏ أنّه ما أراد إلا الأقلّ‏,‏ لا إن لم يرده‏.‏

أمّا الألفاظ التّالية‏:‏ وجهي من وجهك حرام‏,‏ أو وجهي على وجهك حرام - ولا فرق بين من وعلى - وقوله‏:‏ لا نكاح بيني وبينك‏,‏ أو لا ملك لي عليك‏,‏ أو لا سبيل لي عليك‏,‏ فيلزمه الثّلاث في المدخول بها فقط‏.‏

وقيّد المالكيّة الصّيغ الثّلاث الأخيرة بأن لم يقصد بها العتاب‏,‏ فإن قصد العتاب فلا شيء عليه‏,‏ فالعتاب قرينة وبساط دال على عدم إرادته الطّلاق‏.‏

أمّا لفظ‏:‏ فارقتك فيلزمه واحدة مطلقاً دخل أو لم يدخل‏,‏ إلا لنيّةٍ أكثر وهي رجعيّة في المدخول بها‏.‏

أمّا ألفاظ الكناية الخفيّة عند المالكيّة فهي‏:‏ ادخلي واذهبي وانطلقي إن نوى واحدةً بائنةً لزمه الثّلاث في المدخول بها‏,‏ وواحدة فقط في غيرها ما لم ينو أكثر‏.‏

12 - وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الكناية يقع بها الطّلاق مع النّيّة ولا يقع بلا نيّةٍ‏.‏

وهي ألفاظ كثيرة‏,‏ بل لا تنحصر‏:‏ كأنت خليّة‏,‏ وبريّة‏,‏ وبتّة‏,‏ وبتلة‏,‏ وبائن‏,‏ واعتدّي‏,‏ واستبرئي رحمك‏,‏ وألحقي بأهلك‏,‏ وحبلك على غاربك‏,‏ واعزبي‏,‏ واغربي‏,‏ ودعيني‏,‏ وودّعيني‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّ الكناية هي ما احتمل الطّلاق وغيره‏,‏ ولكن بنيّةٍ لإيقاعه‏,‏ ومع قصد حروفه‏.‏ وأمّا الألفاظ الّتي لا تحتمل الطّلاق إلا على تقديرٍ متعسّفٍ فلا أثر لها‏,‏ فلا يقع بها طلاق وإن نوى‏,‏ وذلك كقوله‏:‏ بارك اللّه فيك‏,‏ وأحسن اللّه جزاءك‏.‏

وأضاف الشّافعيّة قولهم‏:‏ إنّ شرط نيّة الكناية اقترانها بكلّ اللّفظ‏,‏ وقيل‏:‏ يكفي بأوّله‏.‏ ويقع الطّلاق - عندهم - بالكناية حسب ما نواه عدداً‏,‏ كأنت بائن إذا نوى فيها عدداً وقع ما نواه لاحتمال اللّفظ له‏,‏ فإن نوى واحدةً أو لم ينو شيئاً وقعت واحدة لأنّه المتيقّن‏.‏

13 - والكنايات في الطّلاق عند الحنابلة نوعان‏:‏ ظاهرة‏,‏ وخفيّة‏.‏

فالظّاهرة‏:‏ هي الألفاظ الموضوعة للبينونة‏,‏ لأنّ معنى الطّلاق فيها أظهر‏,‏ وهي ست عشرة كنايةً‏:‏ أنت خليّة‏,‏ وبريئة‏,‏ وبائن‏,‏ وبتّة‏,‏ وبتلة‏,‏ أنت حرّة‏,‏ وأنت الحرج‏,‏ وحبلك على غاربك‏,‏ وتزوّجي من شئت‏,‏ وحللت للأزواج‏,‏ ولا سبيل لي عليك‏,‏ ولا سلطان لي عليك‏,‏ وأعتقتك‏,‏ وغطّي شعرك‏,‏ وتقنّعي‏,‏ وأمرك بيدك‏.‏

والخفيّة‏:‏ هي الألفاظ الموضوعة للطّلقة الواحدة ما لم ينو أكثر نحو‏:‏ اخرجي‏,‏ واذهبي‏,‏ وتجرّعي‏,‏ والحقي بأهلك‏,‏ ولا حاجة لي فيك‏.‏

والكناية - ولو ظاهرةً - لا يقع بها طلاق إلا أن ينويه‏,‏ لأنّ الكناية لمّا قصرت رتبتها عن الصّريح وقف عملها على نيّة الطّلاق تقويةً لها‏,‏ ولأنّها لفظ يحتمل غير معنى الطّلاق‏,‏ فلا يتعيّن له بدون النّيّة‏,‏ ويشترط أن تكون النّيّة مقارنةً للّفظ الكناية‏,‏ فلو تلفّظ بالكناية غير ناوٍ للطّلاق ثمّ نوى بها الطّلاق بعد ذلك لم يقع‏,‏ أو يأتي مع الكناية بما يقوم مقام نيّة الطّلاق كحال خصومةٍ وغضبٍ وجواب سؤالها الطّلاق‏,‏ فيقع الطّلاق ممّن أتى بكنايةٍ إذن ولو بلا نيّةٍ‏,‏ لأنّ دلالة الحال كالنّيّة‏,‏ فلو ادّعى في هذه الأحوال - أي حال الغضب والخصومة وسؤالها الطّلاق - أنّه ما أراد الطّلاق‏,‏ أو ادّعى أنّه أراد غيره دين لاحتمال صدقه‏,‏ ولم يقبل في الحكم لأنّه خلاف ما دلّت عليه الحال‏.‏

ويقع مع النّيّة بالكناية الظّاهرة ثلاث وإن نوى واحدةً‏,‏ روي ذلك عن عليٍّ وابن عمر وزيد بن ثابتٍ وابن عبّاسٍ وأبي هريرة رضي الله عنهم في وقائع مختلفةٍ‏.‏

ب - ألفاظ الكناية في الإيلاء‏:‏

14 - الكناية في الإيلاء كل ما يحتمل الجماع وغيره ولم يغلب استعماله في الجماع عرفاً‏,‏ كأن يقول‏:‏ واللّه لا يجتمع رأسك ورأسي بشيءٍ‏,‏ ولا قربت فراشك‏,‏ ولأسوءنك‏,‏ ولأغيظنك‏,‏ ولتطولن غيبتي عنك‏,‏ ولا يمس جلدي جلدك‏,‏ ولا أويت معك‏,‏ ولا أنام معك‏,‏ لأنّ هذه الألفاظ تستعمل في الجماع وفي غيره‏,‏ فلا بدّ من النّيّة‏,‏ ليكون إيلاءً‏.‏

وللتّفصيل ر‏:‏ ‏(‏إيلاء ف 5‏)‏‏.‏

ج - كنايات الظّهار‏:‏

15 - كنايات الظّهار كثيرة‏:‏ كأنت أمّي‏:‏ أنت عليّ كعين أمّي‏,‏ أو رأسها أو روحها‏,‏ وكل لفظٍ يحتمل التّحريم ويحتمل الكرامة فهو كناية فيه‏.‏

ر‏:‏ ‏(‏ظهار ف 13‏)‏‏.‏

د - كنايات القذف‏:‏

كنايات القذف كقوله يا فاجر‏,‏ يا فاسق‏,‏ يا خبيث‏,‏ أو أنت تحبّين الخلوة‏,‏ لا تردّين يد لامسٍ‏,‏ لم أجدك عذراء‏,‏ ونحو ذلك‏.‏

وللتّفصيل ر‏:‏ ‏(‏قذف ف 7 وما بعدها‏)‏‏.‏

هـ - كنايات الوقف‏:‏

11 - كنايات الوقف كقوله‏:‏ تصدّقت‏,‏ وحرّمت‏,‏ وأبّدت‏,‏ فإن قصد الوقف صار موقوفاً‏,‏ وإلا فلا يكون‏,‏ لتردد اللّفظ بين الوقف وغيره‏.‏

وللتّفصيل ر‏:‏ ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

و - كنايات الخلع‏:‏

18 - كنايات الخلع كقوله‏:‏ بارأتك‏,‏ وأبرأتك‏,‏ وأبنتك‏,‏ ولا يقع الخلع بالكناية إلا بنيّة من تلفّظ به‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏خلع ف 30‏)‏‏.‏

كَنْز

التّعريف

1 - يطلق الكنز في اللغة على عدّةٍ معانٍ أوّلها‏:‏ الجمع والادّخار‏,‏ ومن ذلك قولهم‏:‏ ناقة كنّاز اللّحم أي مجتمعة‏,‏ وكنزت التّمر في وعائه أكنزه‏,‏ وزمن الكناز هو أوان كنز التّمر وجمعه‏.‏

الثّاني‏:‏ المال المدفون تحت الأرض تسميةً بالمصدر‏,‏ وجمعه كنوز‏,‏ مثل فلسٍ وفلوسٍ‏.‏ الثّالث‏:‏ كل كثيرٍ مجموعٍ يتنافس فيه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الرّكاز‏:‏

2 - الرّكاز لغةً بمعنى المركوز وهو من الرّكز أي الإثبات‏,‏ وهو المدفون في الأرض إذا خفي‏,‏ والرِّكز بكسر الرّاء هو الصّوت الخفي‏.‏

وفي الاصطلاح عند الجمهور‏:‏ ما دفنه أهل الجاهليّة‏,‏ كما يطلق على كلّ ما كان مالاً على اختلاف أنواعه‏.‏

وخصّه الشّافعيّة بالذّهب والفضّة‏.‏

وعرّفه الحنفيّة بأنّه مال مركوز تحت أرضٍ أعم من كون راكزه الخالق أو المخلوق‏.‏ والعلاقة بين الكنز والرّكاز أنّ الكنز أعم من الرّكاز‏.‏

‏(‏ر‏:‏ ركاز ف 1 - 3‏)‏‏.‏

ب - المعدن‏:‏

3 - المعدن لغةً‏:‏ مكان كلّ شيءٍ فيه أصله ومركزه‏,‏ وموضع استخراج الجوهر من ذهبٍ ونحوه‏.‏

وهو في الاصطلاح قال الكمال‏:‏ أصل المعدن المكان بقيد الاستقرار فيه‏,‏ ثمّ اشتهر في نفس الأجزاء المستقرّة الّتي ركّبها اللّه تعالى في الأرض يوم خلق الأرض حتّى صار الانتقال من اللّفظ إليه ابتداءً بلا قرينةٍ‏.‏

أنواع الكنز

يقسّم الفقهاء الكنز تقسيماتٍ متنوّعةً بالنّظر إلى عديدٍ من الاعتبارات الّتي تؤثّر في الحكم‏.‏ وفيما يلي تفصيل ما يتعلّق بهذه التّقسيمات‏.‏

أوّلاً‏:‏ تقسيم الكنز بالنّظر لنسبته التّاريخيّة

أ - الكنوز الإسلاميّة‏:‏

أ - الكنوز الإسلاميّة هي الّتي يغلب في الظّنّ نسبتها إلى أحدٍ من المسلمين‏,‏ وذلك إذا كان عليها نقش من النقوش الإسلاميّة‏,‏ ككلمة التّوحيد أو الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏,‏ أو اسم ملكٍ من ملوك الإسلام أو أيّة علامةٍ أخرى من العلامات الدّالّة على نسبة الكنز إلى أحدٍ من المسلمين‏.‏

وفي الحكم على هذا النّوع اتّجاهان‏:‏

أوّلهما‏:‏ أنّه لا يأخذ حكم اللقطة ويلزم واجده أن يحفظه أبداً‏,‏ قال النّووي‏:‏ فعلى هذا يمسكه الواجد أبداً وللسلطان حفظه في بيت المال كسائر الأموال الضّائعة‏,‏ فإن رأى الإمام حفظه أبداً فعل‏,‏ وإن رأى اقتراضه لمصلحةٍ فعل‏,‏ وعلى هذا الوجه لا يملكه الواجد بحالٍ‏,‏ قال أبو عليٍّ‏:‏ والفرق بينه وبين اللقطة أنّ اللقطة تسقط من مالكها في مضيعةٍ‏,‏ فجوّز الشّارع لواجدها تملكها بعد التّعريف ترغيباً للنّاس في أخذها وحفظها‏,‏ وأمّا الكنز المذكور فمحرز بالدّفن غير مضيّعٍ‏,‏ فأشبه الإبل الممتنعة من السّباع إذا وجدها في الصّحراء‏,‏ فإنّه لا يجوز أخذها للتّمليك‏.‏

أمّا الاتّجاه الآخر‏:‏ فهو إلحاق ما يعد من هذه الكنوز باللقطة في الرّدّ على المالك إن عرف‏,‏ وفي التّعريف‏,‏ وفي التّصرف فيها التّصرف الواجب في اللقطة‏,‏ ويوضّح إلحاق الكنز باللقطة عند أكثر الفقهاء إغفالهم للرّأي السّابق وعدم إشارتهم إليه في أكثر الكتب الفقهيّة‏,‏ جاء في المغني أنّ هذا الكنز بمنزلة اللقطة‏,‏ فعليه - أي على واجده - أن يعرّف ما يجده منه‏.‏

أمّا وجوب التّعريف بها وعدم كتمانها أو إخفائها فلا خلاف فيه بين الفقهاء‏,‏ إلا أن يضرّ به هذا التّعريف فيعذر عنه فيما نصّ عليه الشبراملسي وأوضحه بقوله‏:‏ اطّردت العادة في زماننا بأنّ من نسب له شيء من ذلك تسلّطت عليه الظلمة بالأذى واتّهامه أنّ هذا بعض ما وجده‏,‏ فهل يكون ذلك عذراً في عدم الإعلام‏,‏ ويكون في يده كالوديعة‏,‏ فيجب حفظه ومراعاته أبداً‏,‏ أو يجوز له صرفه مصرف بيت المال كمن وجد مالاً أيس من مالكه‏,‏ وخاف من دفعه لأمين بيت المال أنّ أمين بيت المال لا يصرفه مصرفه ‏؟‏ فيه نظر‏,‏ ولا يبعد الثّاني للعذر المذكور‏,‏ وينبغي له إن أمكن دفعه لمن ملك منه تقديمه على غيره إن كان مستحقاً لبيت المال‏.‏

ومدّة التّعريف عند الحنفيّة سنة فيما تزيد قيمته على عشرة دراهم‏,‏ وما قلّت قيمته عن ذلك يعرّف أيّاماً عندهم‏.‏

ولا خلاف بين أحدٍ من الفقهاء في وجوب دفع الكنز لصاحبه إن وجد أمّا إن لم يوجد صاحبه فقد اختلفوا في حكمه بناءً على اختلافهم فيما يجب في اللقطة الّتي لا يدرى صاحبها بعد تعريفها التّعريف الواجب‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏لقطة ف 14‏)‏‏.‏

ب - كنوز الجاهليّة‏:‏

5 - يطلق اصطلاح كنوز الجاهليّة على ما ينتسب إلى ما قبل ظهور الإسلام‏,‏ سواء انتسب إلى قومٍ أهل جهلٍ لا يعرفون شيئاً عن الدّين ممّن عاشوا في فترات الرسل‏,‏ أو انتسب إلى قومٍ من اليهود أو النّصارى‏,‏ ويتقيّد هذا النّوع من الكنوز بمقتضى هذا الوصف بكونه دفين غير مسلمٍ ولا ذمّيٍّ‏.‏

وعلى الرّغم من إشارة أكثر الفقهاء إلى هذا النّوع من الكنوز بأنّه دفين الجاهليّة فإنّ هذا لا يعني اشتراط كونه مدفوناً في باطن الأرض لترتب الأحكام الفقهيّة الخاصّة به‏,‏ إذ يذكر أكثر الشرّاح فيما نصّ عليه الدسوقي أنّ ما وجد فوق الأرض من أموالهم فهو ركاز‏,‏ وأنّ التّقييد بالدّفن لأنّه شأن الجاهليّة في الغالب‏,‏ ومع ذلك فقد ذكر بعض العلماء اشتراط الدّفن لاعتباره من الرّكاز حقيقةً‏,‏ ولكن غير المدفون من الأموال يلتحق بالمدفون قياساً عليه‏,‏ يدل على هذا الرّأي ما جاء في حاشية الدسوقيّ‏:‏ أنّ غير المدفون ليس بركازٍ وإن كان فيه الخمس قياساً عليه‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لا بدّ أن يكون الموجود مدفوناً‏,‏ فلو وجده ظاهراً وعلم أنّ السّيل أو السّبع أو نحو ذلك أظهره فركاز‏,‏ أو علم أنّه كان ظاهراً فلقطة‏,‏ فإن شكّ كان لقطةً كما لو تردّد في كونه ضرب الجاهليّة أو الإسلام‏,‏ قاله الماورديّ‏.‏

وقد ورد في سنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم الإشارة إلى هذا النّوع من الكنوز بهذا الاصطلاح الّذي اتّبعه الفقهاء فيما بعد‏,‏ فعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص‏:‏ «أنّ رجلاً من مزينة سأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه الكنز نجده في الخرب وفي الآرام ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ فيه وفي الرّكاز الخمس»‏.‏

والضّابط في التحاق ما يكتشف من الأموال بكنوز الجاهليّة أن يعلم أنّها من دفنهم‏,‏ ولم تدخل في ملك أحدٍ من المسلمين ولا من أهل الذّمّة‏,‏ وإنّما يظن ذلك ظناً غالباً بأن تكون عليه علاماتهم أو نقوشهم أو أي شيءٍ آخر يدل عليهم‏,‏ جاء في المغني اعتبار الكنز دفناً جاهلياً بأن ترى عليه علاماتهم كأسماء ملوكهم وصورهم وصلبهم وصور أصنامهم ونحو ذلك‏.‏

ومن هذه العلامات فيما نصّ عليه البعض أن يوجد في قبورهم‏,‏ أو أن يوجد في قلاعهم وخرائبهم‏.‏

وحكم هذا الكنز وجوب الخمس فيه باتّفاق الفقهاء إذا توافرت شروطه للنّصّ على هذا الوجوب‏.‏

ج - الكنز المشتبه الأصل‏:‏

6 - وهو النّوع الثّالث من الكنوز فهي الّتي لا نعرف حقيقتها‏,‏ بأن لا يوجد عليها أثر مطلقاً كتبرٍ وآنيةٍ وحليٍّ‏,‏ أو كان عليها أثر لا يكشف عن أصلها‏,‏ كما إذا كانت نقداً يضرب مثله في الجاهليّة والإسلام‏.‏

وإنّما يصدق هذا إذا لم يمكن معرفة حقيقة الكنز من المكان الّذي وجد فيه‏,‏ كما إذا وجد في قريةٍ لم يسكنها مسلم فإنّه يعد جاهلياً‏,‏ وإذا كان المسلمون هم الّذين اختطوها ولم يسكنها جاهلي فإنّ الموجود يعد كنزًا إسلامياً‏.‏

واختلف الفقهاء في حكم هذا الكنز‏,‏ فألحقه الحنفيّة في ظاهر المذهب والمالكيّة والحنابلة وهو قول عند الشّافعيّة بكنوز الجاهليّة فيعطى حكم الرّكاز‏.‏

وألحقه بعض الحنفيّة والشّافعيّة في الأصحّ بالكنوز الإسلاميّة فيعطى حكم اللقطة‏.‏

ثانياً‏:‏ تقسيم الكنز الجاهليّ بالنّظر إلى الدّار الّتي وجد فيها

يفرّق الفقهاء بين الكنز الّذي يجده الواجد في دار الإسلام‏,‏ وبين ذلك الّذي يوجد في دار الحرب‏,‏ وفيما يلي بيان هذا التّقسيم‏.‏

النّوع الأوّل‏:‏ الكنز الّذي يوجد في دار الإسلام

7 - تختلف أحكام الكنوز الّتي توجد في دار الإسلام تبعاً لاختلاف ملكيّة الأرض الّتي وجدت فيها وسبيل هذه الملكيّة‏,‏ ويختلف النّظر الفقهي إلى ما يوجد من هذه الكنوز في أرضٍ لا مالك لها‏,‏ أو في طريقٍ غير مسلوكٍ‏,‏ أو في أرضٍ ملكها صاحبها بشراءٍ أو بميراثٍ‏,‏ أو في أرضٍ ملكها صاحبها بالإحياء‏,‏ على التّفصيل التّالي بين هذه الأنواع‏:‏

أ - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الكنز الجاهليّ الّذي يوجد في مواتٍ أو في أرضٍ لا يعلم لها مالك مثل الأرض الّتي توجد فيها آثار الملك كالأبنية القديمة والتلول وجدران الجاهليّة وقبورهم ، فهذا فيه الخمس ولو وجده في هذه الأرض على وجهها أو في طريقٍ غير مسلوكٍ أو في قريةٍ خرابٍ فهو كذلك في الحكم‏,‏ لما روى عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه قال‏:‏ «سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال‏:‏ ما كان في طريقٍ مأتيٍّ أو في قريةٍ عامرةٍ فعرّفها سنةً ، فإن جاء صاحبها وإلا فلك ، وما لم يكن في طريقٍ مأتيٍّ ولا في قريةٍ عامرةٍ ففيه وفي الرّكاز الخمس»‏.‏

ومنه كذلك ما يوجد في بلاد الإسلام في أرضٍ غير مملوكةٍ لأحدٍ كالجبال والمفاوز‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يملك الواجد الرّكاز وتلزمه الزّكاة فيه إذا وجده في مواتٍ أو في خرائب أهل الجاهليّة أو قلاعهم أو قبورهم‏.‏

ب - وأمّا ما يوجد من الكنوز في أرضٍ أو دارٍ يملكها الواجد نفسه بشراءٍ أو ميراثٍ أو هبةٍ فالاتّفاق على وجوب الخمس باعتباره كان مال الكفرة استولى عليه على طريق القهر فيخمّس‏.‏

وأمّا الأربعة الأخماس الباقية فهي لصاحب الخطّة عند أبي حنيفة ومحمّدٍ إن كان حياً‏,‏ وإن كان ميّتًا فلورثته إن عرفوا‏,‏ وإن كان لا يعرف صاحب الخطّة ولا ورثته تكون لأقصى مالكٍ للأرض أو لورثته‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ أربعة أخماسه للواجد‏.‏

وذهب أبو حنيفة ومحمّد إلى أنّ ملكيّة الأخماس الأربعة في الكنز الموجود في أرضٍ مملوكةٍ للواجد أو غيره ليست للواجد ولا لمالك الأرض‏,‏ وإنّما يرجع هذا الملك إلى المختطّ له الأوّل الّذي انتقلت إليه ملكيّة الأرض بما فيها بعد تقسيم الإمام لها عقب فتحها على أيدي الجيش المسلم‏,‏ ويعرّف المرغيناني المختطّ له بأنّه هو الّذي ملّكه الإمام هذه البقعة أوّل الفتح‏,‏ ويعقّب الكمال على هذا بقوله‏:‏ لا نقول إنّ الإمام يملّك المختطّ له الكنز بالقسمة‏,‏ بل يملّكه البقعة ويقرّر يده فيها ويقطع مزاحمة سائر الغانمين فيها‏,‏ وإذا صار مستولياً عليها أقوى الاستيلاءات‏,‏ وهو بيد خصوص الملك السّابقة فيملك بها ما في الباطن من المال المباح‏,‏ للاتّفاق على أنّ الغانمين لم يعتبر لهم ملك في هذا الكنز بعد الاختطاط‏,‏ وإلا لوجب صرفه إليهم أو إلى ذراريّهم‏,‏ فإن لم يعرفوا وضع في بيت المال واللازم منتفٍ‏,‏ ثمّ إذا ملكه - أي الكنز - لم يصر مباحاً فلا يدخل في بيع الأرض‏,‏ فلا يملكه مشتري الأرض كالدرّة في بطن السّمكة يملكها الصّائد لسبق يد الخصوص إلى السّمكة حال إباحتها‏,‏ ثمّ لا يملكها مشتري السّمكة لانتفاء الإباحة‏,‏ وما ذكر في السّمكة من الإطلاق ظاهر الرّواية‏.‏

أمّا إن لم يعرف هذا المختط له ولا ورثته فإنّما يستحق الكنز أقصى مالكٍ يعرف في الإسلام‏,‏ وهو اختيار السّرخسيّ‏,‏ خلافاً لأبي اليسر البزدويّ الّذي اختار استحقاق بيت المال للكنز‏,‏ يقول السّرخسي‏:‏ إن كان المختط له باقياً أو وارثه دفع إليه‏,‏ وإلا فهو لأقصى مالكٍ يعرف لهذه البقعة في الإسلام‏,‏ وهذا قول أبي حنيفة ومحمّدٍ‏,‏ ولعلّ أبا اليسر قد نظر إلى تعذر التّعرف على المختطّ له في عصره فأوجب ملك الأربعة الأخماس لبيت المال‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن ملّكت الأرض بإرثٍ فأربعة الأخماس الباقية لمالكها‏,‏ وإن ملّكت بشراءٍ أو هبةٍ فهي للبائع الأصليّ أو الواهب إن علم وإلا فلقطة‏,‏ وقيل لمالكها في الحال‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّ ملك ما يوجد من الكنوز في أرضٍ مملوكةٍ بشراءٍ أو ما يشبهه يختص بمالك تلك الأرض حكماً وهو الجيش الّذي فتحها عنه‏,‏ فيدفع الباقي لمن وجد منهم‏,‏ فإن لم يوجد الجيش فلوارثه إن وجد‏,‏ فإن انقرض الوارث فقال سحنون‏:‏ إنّه لقطة فيجوز التّصدق به عن أربابه ويُعمل فيه ما يعمل في اللقطة‏,‏ وقال بعضهم‏:‏ إذا انقرض الوارث حلّ محلّه بيت المال من أوّل الأمر‏,‏ لأنّه مال جهلت أربابه‏,‏ وهذا هو المعتمد وهو ما مشى عليه الشّارح‏,‏ وكان مالك يقول‏:‏ كل كنزٍ وجد من دفن الجاهليّة في بلاد قومٍ صالحوا عليها فأراه لأهل تلك الدّار الّذين صالحوا عليها‏,‏ وليس هو لمن أصابه‏,‏ وما أصيب في أرض العتق فأراه لجماعة مسلمي أهل تلك البلاد الّذين افتتحوها‏,‏ وليس هو لمن أصابه دونهم‏,‏ لأنّ ما في داخلها بمنزلة ما في خارجها فهو لجميع أهل تلك البلاد‏,‏ ويخمّس‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا كان الرّكاز في أرضٍ انتقلت إلى واجده من غيره لم يحلّ للواجد أخذه‏,‏ بل يلزمه عرضه على من ملك الأرض عنه‏,‏ ثمّ الّذي قبله إن لم يدعه‏,‏ ثمّ هكذا حتّى ينتهي إلى المحيي‏.‏

وذهب الحنابلة في الأصحّ إلى أنّ الأربعة الأخماس لواجدها لأنّها مال كافرٍ مظهورٍ عليه في الإسلام‏,‏ فكان لمن ظهر عليه كالغنائم‏,‏ وهذا قد ظهر عليه فوجب أن يملكه‏,‏ وفي روايةٍ ثانيةٍ للحنابلة هي للمالك قبله إن اعترف به‏,‏ وإن لم يعترف به فهي للّذي قبله كذلك إلى أوّل مالكٍ‏,‏ فإن لم يعرف له أوّل مالكٍ فهو كالمال الضّائع الّذي لا يعرف له مالك‏.‏

ج - ما يوجد من الكنز في بلاد الإسلام في أرضٍ ملكها صاحبها بالإحياء فيخمّس ما يوجد‏,‏ ويستحق المحيي الأخماس الأربعة الباقية‏.‏

ونصّ الحنابلة على أنّ الكنز للواجد إن وجده في أرضٍ ملكها بالإحياء أو انتقلت إليه بميراثٍ أو بيعٍ أو غير ذلك‏.‏

د - ما يوجد من الكنز في بلاد الإسلام في أرضٍ موقوفةٍ فالكنز لمن في يده الأرض‏,‏ كذا ذكره البغوي‏.‏

النّوع الثّاني‏:‏ الكنوز الّتي يجدها المسلم أو الذّمّي في دار الحرب

8 - فصّل الفقهاء أنواع ما يجده المسلم أو الذّمّي من كنوزٍ في دار الحرب على النّحو التّالي‏:‏

فقال المالكيّة والحنابلة‏:‏ هو كموات دار الإسلام فيه الخمس لعموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «وفي الرّكاز الخمس»‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إذا وجد الكنز في أرضٍ ليست بمملوكةٍ لأحدٍ في دار الحرب فهو للواجد‏,‏ ولا يخمّس‏,‏ لأنّه مال أخذه لا عن طريق القهر والغلبة لانعدام غلبة أهل الإسلام على ذلك الموضع فلم يكن غنيمةً‏,‏ ولا خمس فيه‏,‏ ويكون الكل له‏,‏ لأنّه مباح استولى عليه بنفسه فيملكه كالحطب والحشيش‏,‏ وسواء دخل بأمانٍ أو بغير أمانٍ‏,‏ لأنّ حكم الأمان يظهر في المملوك لا في المباح‏.‏

وفصّل الشّافعيّة فقالوا‏:‏ إذا وجده في دار الحرب في مواتٍ لا يذبون عنه فهو كموات دار الإسلام فيه الخمس‏,‏ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «وفي الرّكاز الخمس»‏.‏

وإن وجده في مواتٍ في دار الحرب يذبون عنه ذبّهم عن العمران فالصّحيح أنّه ركاز كالّذي لا يذبون عنه لعموم الحديث‏.‏

9 - أمّا إن وجد الكنز في أرضٍ مملوكةٍ لأهل هذه الدّار فيفرّق الفقهاء بين حالين‏:‏

أوّلهما‏:‏ أن يدخل بأمانٍ فلا يحل له أخذ الكنز لا بقتالٍ ولا غيره‏,‏ وليس له خيانتهم في أمتعتهم‏,‏ فإن أخذه لزمه رده‏,‏ قال الحنفيّة‏:‏ ويرده إلى صاحب الأرض‏,‏ وإلا ملكه ملكاً خبيثاً‏,‏ لتمكن خبث الخيانة فيه فسبيله التّصدق به‏,‏ ولو باعه يجوز بيعه لكن لا يطيب للمشتري‏,‏ بخلاف بيع المشترى شراءً فاسداً‏,‏ ويعد سارقاً إن أخذه خفيةً‏,‏ ومختلساً إن أخذه جهاراً‏.‏

والثّاني‏:‏ أن يكون قد دخل بغير أمانٍ فيحل للواجد أن يأخذ ما يظفر به من كنوزهم ولا شيء فيه عند الحنفيّة إن كان أخذه بغير قتالٍ‏,‏ أمّا إن كان أخذه على سبيل القهر والغلبة بقتالٍ وحربٍ كما لو دخل جماعة ممتنعون في دار الحرب فظفروا بشيءٍ من كنوزهم يجب فيه الخمس ، لكونه غنيمةً لحصول الأخذ عن طريق القهر والغلبة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن وجد في موضعٍ مملوكٍ لهم نظر‏:‏ إن أخذ بقهرٍ وقتالٍ فهو غنيمة كأخذ أموالهم ونقودهم من بيوتهم فيكون خمسه لأهل خمس الغنيمة وأربعة أخماسه لواجده‏,‏ وإذا أخذ بغير قتالٍ ولا قهرٍ فهو فيء ومستحقه أهل الفيء‏,‏ كذا ذكره إمام الحرمين‏.‏

ملكيّة الكنز‏:‏

تناول الفقهاء أحكام ملكيّة الكنز من حيث طبيعة ملكيّة الخمس وسبب ملكيّة الأربعة أخماس الباقية والعلاقة بين ملكيّة الأرض وملكيّة الكنوز الّتي توجد فيها‏.‏

أ - ملكيّة الخمس‏:‏

10 - يميّز فقهاء الحنفيّة بين نوعين من الحقوق‏:‏

أوّلهما‏:‏ الحقوق المتعلّقة بذمّة أحدٍ من العباد‏,‏ كدين القرض في ذمّة المقترض‏,‏ والثّمن في ذمّة المشتري‏,‏ والأجرة في ذمّة المستأجر‏,‏ وقيمة المغصوب أو مثله في ذمّة الغاصب‏,‏ والمهر والنّفقة في ذمّة الزّوج‏.‏

الثّاني‏:‏ الحقوق القائمة بنفسها المتعلّقة بالأشياء ذاتها لا في ذمّة أحدٍ‏,‏ وهي الّتي عرّفها صدر الشّريعة بأنّها حقوق قائمة بنفسها لا تجب في ذمّة أحدٍ كخمس الغنائم والمعادن‏,‏ فالخمس فيهما مفروض على عين الغنائم والمعادن قبل الاستيلاء أو الكشف‏,‏ دون نظرٍ إلى شخص الغانم أو الواجد للمعدن‏.‏ وقد نصّ الحنفيّة على أنّ الخمس للفقراء‏,‏ والواجد منهم‏,‏ والأربعة الأخماس للواجد إذا لم تبلغ مائتي درهمٍ‏,‏ فإن بلغت لم يجز له الأخذ من الخمس‏.‏

قال السّرخسي‏:‏ من أصاب كنزاً أو معدناً وسعه أن يتصدّق بخمسه على المساكين‏,‏ فإذا اطلع الإمام على ذلك أمضى له ما صنع‏,‏ لأنّ الخمس حق الفقراء وقد أوصله إلى مستحقّه‏.‏

وقال الكاساني‏:‏ يجوز دفع الخمس إلى الوالدين والمولودين إذا كانوا فقراء بخلاف الزّكاة والعشر‏,‏ ويجوز للواجد أن يصرفه في مصالحه إذا كان محتاجاً ولا تغنيه الأربعة الأخماس الباقية بأن كانت تقل عن المائتين‏,‏ أمّا إذا بلغت الأخماس الأربعة المائتين فليس للواجد الأخذ من الخمس لغناه‏,‏ ولا يقال ينبغي ألا يجب الخمس مع الفقر كاللقطة‏,‏ لأنّا نقول إنّ النّصّ عام فيتناوله‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ خمس الرّكاز مصرفه ليس كمصرف الزّكاة وإنّما هو كخمس الغنائم يحل للأغنياء وغيرهم‏,‏ ويجب الخمس في الرّكاز ولو كان الواجد عبداً أو كافراً أو صبياً أو مديناً‏,‏ وإن احتاج إلى كبير عملٍ في تخليصه وإخراجه من الأرض ففيه الزّكاة ربع العشر‏,‏ ولا يشترط لوجوب الزّكاة بلوغ النّصاب ولا غيره من شروط الزّكاة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ في الرّكاز الخمس يصرف مصرف الزّكاة على المشهور‏,‏ لأنّه حق واجب في المستفاد من الأرض‏,‏ فأشبه الواجب في الزّرع والثّمار‏,‏ ولا بدّ أن يكون الواجد أهلاً للزّكاة‏.‏

والثّاني‏:‏ أنّه يصرف لأهل الخمس‏,‏ لأنّه مال جاهلي حصل الظّفر به من غير إيجاف خيلٍ ولا ركابٍ‏,‏ فكان كالفيء‏,‏ وعليه فيجب على المكاتب والكافر من غير احتياجٍ لنيّةٍ‏.‏ وشرطه النّصاب - ولو بالضّمّ - والنّقد أي الذّهب والفضّة وإن لم يكن مضروباً على المذهب‏,‏ لأنّه مال مستفاد من الأرض فاختصّ بما تجب فيه الزّكاة قدراً ونوعاً كالمعدن‏.‏ والثّاني‏:‏ لا يشترطان للخبر المارّ‏,‏ ولا يشترط الحول بلا خلافٍ‏.‏

والمذهب عند الحنابلة‏:‏ أنّ الخمس يكون مصرفه مصرف الفيء‏,‏ اختاره ابن أبي موسى والقاضي وابن عقيلٍ‏,‏ ويجب الخمس على كلّ من وجده من مسلمٍ وذمّيٍّ وحرٍّ وعبدٍ ومكاتبٍ وكبيرٍ وصغيرٍ وعاقلٍ ومجنونٍ‏,‏ إلا أنّ الواجد له إذا كان عبداً فهو لسيّده‏,‏ وإن كان صبياً أو مجنوناً فهو لهما ويخرج عنهما وليهما‏.‏

وفي روايةٍ عن أحمد‏:‏ أنّه زكاة‏,‏ جزم به الخرقي‏,‏ وإن تصدّق به على المساكين أجزأه لأنّ عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أمر صاحب الكنز أن يتصدّق به على المساكين‏.‏ وإذا كان الخمس زكاةً فلا تجب على من ليس من أهلها‏.‏

ب - ملكيّة الأخماس الأربعة‏:‏

11 - يملك واجد الكنز ما يبقى منه بعد صرف الخمس بالشروط التّالية‏:‏

أوّلاً‏:‏ أن يكون الواجد مسلماً أو ذمّياً‏,‏ فإن كان حربياً اشترط سبق إذن الإمام له بالعمل في التّنقيب عن الكنوز‏,‏ ويتقيّد حقه في الكنز باتّفاقه مع الإمام‏,‏ وقد نصّ فقهاء المذهب الحنفيّ على أنّ الحربيّ إذا عمل في المفاوز بإذن الإمام على شرطٍ فله المشروط‏.‏

ثانياً‏:‏ أن يكون الكنز من دفين الجاهليّة لم يدخل في ملك مسلمٍ ولا ذمّيٍّ وإلا أخذ الكنز حكم اللقطة‏.‏

ثالثاً‏:‏ أن يوجد الكنز في أرضٍ غير مملوكةٍ لأحدٍ كالجبال والمفاوز والطرق المهجورة الّتي لا يأتيها المسلمون ولا أهل الذّمّة‏.‏

ونصّ الشّافعيّة على أنّ الواجد يملك الرّكاز‏,‏ لأنّه كسب له فيملكه بالاكتساب‏,‏ وإذا ملكه وجبت الزّكاة فيه وهي الخمس لأنّه من أهلها‏.‏

ج - ملكيّة الكنز الموجود في أرضٍ مملوكةٍ لغير معيّنٍ‏:‏

12 - قال الحنفيّة‏:‏ إذا وجد الكنز في أرضٍ مملوكةٍ فإمّا أن تكون مملوكةً لغير معيّنٍ أو مملوكةً لمعيّنٍ‏,‏ والأراضي المملوكة لغير معيّنٍ هي الّتي آلت إلى المسلمين بلا قتالٍ ولا إيجاف خيلٍ ولا ركابٍ‏,‏ وكذا الّتي آلت إلى بيت المال لموت المالك من غير وارثٍ‏,‏ كما صرّح به بعض الفقهاء فيما يتعلّق بأراضي مصر‏,‏ وتنتقل ملكيّة هذا النّوع من الأرضين إلى بيت المال وتصير أملاك دولةٍ‏,‏ فيملكها جميع المسلمين‏,‏ واعتبرها بعض الفقهاء وقفاً‏,‏ وحكم ما يوجد من كنزٍ في هذا النّوع من الأراضي أن يذهب خمسه لبيت المال أمّا الباقي وهو الأربعة الأخماس فالقياس أن يذهب إلى الواجد على مذهب أبي يوسف والحنابلة‏,‏ أو إلى المختطّ له الأوّل إن عرف‏,‏ وإلا فلبيت المال أو للجيش وورثته عند القائلين به حسبما يأتي تفصيله‏,‏ وفي هذا يذكر ابن عابدين أنّه لم ير حكم ما وجد في أرضٍ مملوكةٍ لغير معيّنٍ‏,‏ ثمّ يقول‏:‏ والّذي يظهر لي أنّ الكلّ لبيت المال‏,‏ أمّا الخمس فظاهر‏,‏ وأمّا الباقي فلوجود المالك - وهو جميع المسلمين - فيأخذه وكيلهم وهو السلطان‏.‏ وهو مذهب المالكيّة بناءً على أصلهم في صرف الباقي بعد الخمس أو دفع نسبة الزّكاة إلى مالك الأرض‏,‏ ويفسّر الخرشي هذا الأصل بقوله‏:‏ باقي الرّكاز سواء وجب فيه الخمس أو الزّكاة‏,‏ وهو الأربعة الأخماس في الأوّل والباقي بعد ربع العشر في الثّاني لمالك الأرض‏,‏ وأراد بالمالك حقيقةً أو حكماً‏,‏ بدليل قوله‏:‏ ولو جيشًا‏,‏ فإنّ الأرض لا تملّك للجيش‏,‏ لأنّها بمجرّد الاستيلاء تصير وقفاً‏,‏ فإن لم يوجد فهو مال جهلت أربابه‏,‏ قال مطرّف وابن الماجشون وابن نافعٍ‏:‏ لواجده‏,‏ وحكى ابن شاسٍ عن سحنونٍ أنّه كاللقطة‏,‏ ومفاده أنّ الأربعة الأخماس تذهب إلى مالك الأرض‏,‏ سواء كان معيّناً أو غير معيّنٍ‏.‏

ملكيّة الكنوز الإسلاميّة

13 - تأخذ هذه الكنوز حكم اللقطة في المذاهب المختلفة‏,‏ لأنّها مال مسلمٍ لا يعرف على التّعيين‏,‏ من حيث وجوب الالتقاط‏,‏ والتّعريف ومدّته والتّملك والانتفاع بها‏,‏ وضمانها بعد التّصدق‏,‏ وما إلى ذلك‏.‏

‏(‏ر‏:‏ لقطة‏)‏‏.‏

مسائل فقهيّة خاصّة بالكنز

أ - حكم التّنقيب عن الكنوز‏:‏

14 - بحث الفقهاء المسلمون حكم التّنقيب عن الكنوز ولم يروا حرمته فيما نصوا عليه‏,‏ لإيجاب الشّريعة الخمس فيما خرج منها‏,‏ ممّا يدل بوجه الاقتضاء على حلّ استخراجه وجواز البحث عنه‏,‏ وما روي عنهم من الكراهة أو الحرمة فإنّما هو لمعنىً آخر‏,‏ من ذلك أنّ مالكاً قد كره الحفر في القبور ولو كانت لموتى الجاهليّة تعظيماً لحرمة الموت‏,‏ ففي المدوّنة‏:‏ قال مالك‏:‏ أكره حفر قبور الجاهليّة والطّلب فيها ولست أراه حراماً‏,‏ فما نيل فيها من أموال الجاهليّة ففيه الخمس‏,‏ وذلك - كما جاء في حاشية الدسوقيّ - لإخلاله بالمروءة‏,‏ وخوف مصادفة قبر صالحٍ من نبيٍّ أو وليٍّ‏,‏ واعلم أنّ مثل قبر الجاهليّ في كراهة الحفر لأجل أخذ ما فيه من المال قبر من لا يعرف هل هو من المسلمين أو الكفّار‏,‏ وكذا قبور أهل الذّمّة‏,‏ أي الكفّار تحقيقاً‏,‏ وأمّا نبش قبور المسلمين فحرام‏,‏ وحكم ما وجد فيها حكم اللقطة‏,‏ وقد خالف أشهب في هذا‏,‏ ورأى جواز نبش قبر الجاهليّ وأخذ ما فيه من مالٍ وعرضٍ‏,‏ وفيه الخمس‏,‏ وهو مذهب الأحناف‏,‏ فعندهم أنّه لا بأس بنبش قبور الكفّار طلباً للمال‏.‏

ولا يشترط إذن الإمام في التّنقيب عن الكنوز والمعادن ليأخذ الواجد حقّه عند الأحناف‏,‏ ففي السّير‏:‏ أنّه إن أصاب الذّمّي أو العبد أو المكاتب أو الصّبي أو المرأة معدناً في دار الإسلام أو ركازاً خمّس ما أصاب‏,‏ وكانت البقيّة لمن أصابه‏,‏ إن كان ذلك بغير إذن الإمام‏,‏ لأنّ هؤلاء يثبت لهم في الغنيمة حق وإن أصابوها بغير إذن الإمام‏,‏ فإنّهم لو غزوا مع عسكرٍ من المسلمين بغير إذن الإمام رضخ لهم من الغنيمة‏,‏ فكذلك ثبت لهم حق فيما أصابوا في دار الإسلام‏.‏

ولو أذن الإمام لأحدٍ في استخراج المعادن أو الكنوز على شرطٍ لزم هذا الشّرط‏,‏ فكل شيءٍ قدّره الإمام صار كالّذي ظهر تقديره بالشّريعة‏,‏ فيما لا يصادم نصاً ولا أصلاً من الأصول الشّرعيّة‏,‏ ولذا لا يجوز للإمام الاتّفاق على إسقاط شيءٍ من الخمس الّذي أوجبه الشّارع لحظّ الفقراء‏,‏ فلو أنّ مسلماً حراً أو عبداً أو مكاتباً أو امرأةً أذن له الإمام في طلب الكنوز والمعادن من الذّهب والفضّة وغير ذلك على أنّ ما أصاب من ذلك فهو له لا خمس فيه فأصاب مالاً كثيراً من المعادن فليس ينبغي للإمام أن يسلّم ذلك له إن كان موسراً‏,‏ لأنّ ما يصاب من الرّكاز والمعدن هو غنيمة‏,‏ والخمس حق الفقراء في الغنيمة‏,‏ ولا يجوز له أن يبطل حقّ الفقراء‏,‏ فإن كان الّذي أصابه محتاجاً عليه دين كثير لا يصير غنياً بالأربعة الأخماس فرأى الإمام أن يسلّم ذلك الخمس له جاز‏,‏ لأنّ الخمس حق الفقراء‏,‏ هذا الّذي أصابه فقير‏,‏ فقد صرف الحقّ إلى مستحقّه فيجوز‏,‏ والدّليل عليه ما روي عن عليٍّ رضي الله عنه أنّه قال لذلك الرّجل الّذي أصاب الرّكاز‏:‏ إن وجدتها في أرضٍ خربةٍ فالخمس لنا وأربعة أخماسه لك ، ثمّ قال‏:‏ وسنتمها لك‏,‏ وإنّما قال ذلك لأنّه رآه أهلاً للصّدقة‏,‏ ولو اشترط الزّيادة على الخمس لم يجز هذا الشّرط‏,‏ ففي السّير الكبير أنّ الإمام إذا أذن لمسلمٍ أو ذمّيٍّ في طلب الكنوز والمعادن على أنّ له النّصف وللمسلمين النّصف فأصاب كنزاً أو أموالاً من المعادن‏,‏ فإنّ الإمام يأخذ منه الخمس وما بقي فهو لمن أصابه‏,‏ وهذا لأنّ استحقاقه بالإصابة لا بالشّرط‏,‏ ولذا لا يعتبر الشّرط‏.‏

احتفار الذّمّيّ والمستأمن للكنوز

15 - الذّمّي كالمسلم في إيجاب الخمس وفي عدم اشتراط إذن الإمام لاستحقاق الملك‏.‏ يقول الشّيباني‏:‏ وما أصاب الذّمّي من ركازٍ في دار الإسلام أو معدنٍ ذهبٍ أو فضّةٍ أو رصاصٍ أو زئبقٍ فهو والمسلم فيه سواء‏,‏ يخمّس ما أصاب وما بقي فهو له‏,‏ سواء كان بإذن الإمام أو بغير إذن الإمام‏,‏ لأنّه من أهل دارنا ويجري عليه حكمنا فكان بمنزلة المسلم أمّا الحربي المستأمن فقال الشّيباني‏:‏ إذا دخل الحربي دار الإسلام بأمانٍ فأصاب ركازاً أو معدناً‏,‏ فاستخرج منه ذهباً أو ورقاً أو حديداً فإنّ إمام المسلمين يأخذه منه كلّه‏,‏ ولا يكون له شيء‏,‏ لأنّ هذا غنيمة‏,‏ فإنّ المسلمين أوجفوا عليها الخيل‏,‏ ألا ترى أنّ المسلم لو كان هو الّذي أصاب يخمّس والباقي له‏,‏ ولو لم يكن غنيمةً لكان لا خمس فيه‏,‏ والحربي لا حقّ له في غنائم المسلمين‏,‏ فإن كان الحربي المستأمن استأذن إمام المسلمين في طلب ذلك والعمل فيه حتّى يستخرجه فأذن له في ذلك‏,‏ فعمل فأصاب شيئاً خمّس ما أصاب وكان ما بقي للحربيّ المستأمن‏,‏ لأنّ الحربيّ المستأمن لو قاتل المشركين بإذن الإمام صار له في الغنيمة نصيب‏,‏ حتّى أنّه يرضخ له كما يرضخ للذّمّيّ‏.‏

وقال‏:‏ لو أنّ الحربيّ المستأمن استأذن الإمام في طلب الكنوز والمعادن‏,‏ فأذن له الإمام على أنّ للمسلمين ممّا يصيب النّصف وله النّصف‏,‏ فعمل على هذا فأصاب ركازاً معدناً فإنّ الإمام يأخذ نصف ما أصاب والحربي نصفه‏,‏ وذلك لأنّ الحربيّ المستأمن إنّما يستحق من الرّكاز الّذي أصابه في دار الإسلام ما استحقه بشرط إذن الإمام‏,‏ فإنّه لو أصابه بعد إذن الإمام أخذ منه‏,‏ وإذا كان استحقاقه بالشّرط ، والإمام شرط له النّصف فلا يستحق أكثر من النّصف‏.‏

ثمّ الإمام يأخذ خمس ما أصاب الحربي من النّصف الّذي أخذه من الحربيّ فيجعله للفقراء‏,‏ ويجعل النّصف للمقاتلة‏,‏ وذلك لأنّ إذن الإمام يصيّر ما أصابه الحربي غنيمةً يجب فيها الخمس‏.‏

ب - الاستئجار على العمل في استخراج الكنوز‏:‏

1 - أجاز جمهور الفقهاء الاستئجار على العمل في استخراج الكنوز شريطة استجماع شروط صحّة الإجارة‏,‏ وهي أن تكون الأجرة معلومةً وأن يكون العمل مضبوطاً بزمنٍ أو غيره ممّا يحصل به الضّبط‏,‏ كحفر كذا وإزالة جدارٍ أو نقل قدرٍ معيّنٍ من التراب‏,‏ ويستحق العامل الأجر ويذهب ما يخرج من الكنوز إلى المستأجر‏,‏ جاء في البحر الرّائق‏:‏ أنّه إذا استأجر أجراء للعمل في المعدن فالمصاب للمستأجر لأنّهم يعملون له‏.‏

وفي حاشية الدسوقيّ أنّه يجوز دفعه أي المعدن لمن يعمل فيه بأجرةٍ معلومةٍ يأخذها من العامل في نظير أخذه ما يخرجه من المعدن بشرط كون العمل مضبوطاً بزمنٍ أو عملٍ خاصٍّ كحفر قامةٍ أو قامتين نفياً للجهالة في الإجارة‏,‏ وسمّي العوض المدفوع أجرةً لأنّه ليس في مقابلة ذاتٍ‏,‏ بل في مقابلة إسقاط الاستحقاق‏,‏ ويرى المالكيّة أنّه إذا استأجره على أنّ ما يخرج لربّه والأجرة يدفعها ربه للعامل فيجوز ولو بأجرة نقدٍ‏.‏

وفي جواز دفع المعدن بجزءٍ للعامل ممّا يخرج منه كنصفٍ أو ربعٍ كالقراض ومنعه‏.‏‏.‏ قولان رجّح كل منهما‏.‏

وإنّما جازت الإجارة في استخراج الكنوز لجواز المعاوضة على هذه المنفعة‏,‏ يقول السّرخسي‏:‏ وإذا تقبّل الرّجل من السلطان معدناً ثمّ استأجر فيه أجراء‏,‏ واستخرجوا منه مالاً قال يخمّس‏,‏ وما بقي فهو للمتقبّل‏,‏ لأنّ عمل أجرائه كعمله بنفسه‏,‏ ولأنّ عملهم صار مسلّماً إليه حكماً بدليل وجوب الأجرة لهم عليه‏,‏ وإن كان عملوا فيه بغير أمره فالأربعة الأخماس لهم دونه‏,‏ لأنّهم وجدوا المال‏,‏ والأربعة الأخماس للواجد‏,‏ والتّقبل من السلطان لم يكن صحيحاً‏,‏ لأنّ المقصود منه ما هو عين‏,‏ والتّقبل في مثله لا يصح‏,‏ كمن تقبّل أجمةً فاصطاد فيها السّمك غيره كان للّذي اصطاده‏,‏ وكذلك من تقبّل بعض المقانص من السلطان فاصطاد فيها غيره كان الصّيد لمن أخذه‏,‏ ولا يصح ذلك التّقبل منه‏,‏ فهذا مثله‏.‏

ومعنى التّقبل الالتزام بالعمل بعقدٍ‏.‏

‏(‏ر‏:‏ تقبل ف 1‏)‏‏.‏

لكن لو فسدت الإجارة فالقياس ألا تجب الأجرة للأجير وأن يكون عمله في استخراج الكنوز لنفسه‏,‏ وقد نصّ ابن عابدين فيما لو لم يتّفقا على تعيين العمل بما لا يضبطه - كأن لا يذكرا وقتاً يحدّدانه لهذا العمل - أنّ الرّكاز هنا للعامل أيضاً‏,‏ إذا لم يوقّتا‏,‏ لأنّه إذا فسد الاستئجار بقي مجرّد التّوكيل‏,‏ والتّوكيل في أخذ المباح لا يصح بخلاف ما إذا حصّله أحدهما بإعانة الآخر‏,‏ فإنّ للمعين أجر مثله‏,‏ لأنّه عمل له غير متبرّعٍ‏,‏ هذا ما ظهر لي فتأمّله‏.‏

ج - الاشتراك في استخراج الكنوز‏:‏

17 - انقسم الفقهاء في حكم الاشتراك في استخراج الكنوز إلى فريقين‏:‏

الأوّل‏:‏ الحكم بفساد الشّركة في استخراج الكنوز ورجوع ما يستخرجه كل شريكٍ من الشركاء لنفسه وهو مذهب الحنفيّة‏,‏ قال الحصكفي‏:‏ لو عمل رجلان في طلب الرّكاز فهو للواجد‏,‏ قال ابن عابدين‏:‏ ظاهره أنّه لا شيء عليه للآخر وهذا ظاهر فيما إذا حفر أحدهما مثلاً‏,‏ ثمّ جاء آخر وأتمّ الحفر واستخرج الرّكاز‏,‏ أمّا لو اشتركا في طلب ذلك فسيذكر في باب الشّركة الفاسدة أنّها لا تصح في احتشاشٍ واصطيادٍ واستقاءٍ وسائر مباحاتٍ كاجتناء ثمارٍ من جبالٍ وطلب معدنٍ من كنزٍ وطبخ آجرٍّ من طينٍ مباحٍ لتضمنها الوكالة‏,‏ والتّوكيل في أخذ المباح لا يصح‏,‏ وما حصّله أحدهما فله‏,‏ وما حصّلاه معاً فلهما نصفين إن لم يعلم ما لكلٍّ‏,‏ وما حصّله أحدهما بإعانة صاحبه فله‏,‏ ولصاحبه أجر مثلٍ بالغاً ما بلغ عند محمّدٍ‏,‏ وعند أبي يوسف لا يجاوز به نصف ثمن ذلك‏,‏ وإنّما كانت شركةً في تحصيل المعادن الخلقيّة أو الكنوز الجاهليّة فاسدةً عند الحنفيّة لأنّ هذه الأموال من المباحات فلا تقبل التّوكيل في أخذها‏,‏ والشّركة إنّما تقوم على معنى الوكالة‏,‏ فكل من الشّريكين وكيل عن الآخر في التّقبل والعمل حتّى يشتركا في الرّبح الحاصل لهما‏,‏ ولا فرق في ذلك بين الاشتراك في التّحصيل بآلةٍ يستخدمها كل منهما في عمله أو بآلاتٍ مشتركةٍ‏.‏

الثّاني‏:‏ جواز الاشتراك في استخراج المعادن والكنوز‏,‏ وهو مذهب المالكيّة والحنابلة‏,‏ خلافاً لاتّجاه الحنفيّة‏,‏ ففي حاشية الدسوقيّ جواز الاشتراك في الحفر على الرّكاز والمعدن والآبار والعيون وكذا البنيان بشرط اتّحاد الموضع‏,‏ فلا يجوز أن يحفر هذا في غارٍ فيه معدن وهذا في غارٍ آخر‏,‏ وقد ذكر ابن قدامة جواز الاشتراك في المباح كالحطب والحشيش والثّمار المأخوذة من الجبال والمعادن والتّلصص على دار الحرب‏,‏ فهذا جائز‏,‏ نصّ عليه أحمد‏.‏

ويستدل الحنابلة لمذهبهم من المنقول بما روي عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال‏:‏ اشتركت أنا وعمّار وسعد يوم بدرٍ فجاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعمّار بشيءٍ‏,‏ قال ابن قدامة‏:‏ ومثل هذا لا يخفى عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد أقرّهم عليه‏.‏

أمّا من المعقول فيستدلون بأنّ العمل أحد جهتي المضاربة وصحّة الشّركة عليه كالمال‏.‏

د - الاختصاص والمزاحمة‏:‏

18 - لا يتوقّف العمل في استخراج الكنوز والمعادن على إذن الإمام إلا عند المالكيّة الّذين اشترطوا إذن الإمام للعمل في المعادن منعاً للهرج والنّزاع بين العامّة‏,‏ وذلك لأنّ المعادن قد يجدها شرار النّاس‏,‏ فلو لم يكن حكمه إلى الإمام لأدّى ذلك إلى الفتن والهرج ولا يعني عدم اشتراط إذن الإمام في العمل في الكنوز والمعادن إثبات حقّ كلّ أحدٍ في مزاحمة العامل فيها‏,‏ فلا تجوز مزاحمته فيما أختصّ به بسبق يده عليه‏,‏ جاء في الأصل للشّيبانيّ فيما لو كان الرّجل يعمل في المكان يوماً فيجئ آخر من الغد فيعمل في ذلك المكان ويصيب منه المال معتبراً أحقّيّته‏,‏ قال محمّد‏:‏ يخمّس وما بقي بعد الخمس فهو للّذي عمل فيه بعد ذلك أخيراً‏,‏ إذ فرض المسألة أنّ المستخرج الأوّل ترك مكان الحفر في الفترة الّتي عمل فيها الآخر‏.‏

أمّا إذا لم ينقطع عن العمل فيه فإنّه لا حقّ لأحدٍ في مزاحمته‏,‏ لسبق اختصاصه به ومقتضاه أنّ مجرّد العمل في مكانٍ للبحث عمّا فيه من كنوزٍ أو معادن لا يوجب ملك ما يوجد فيه‏,‏ إذ الواقع أنّ من ملك أن يملك لم يعد مالكاً‏,‏ طبقاً لما حرّره القرافي‏.‏

إقطاع المعادن

19 - اختلف الفقهاء في حكم إقطاع المعادن وهي البقاع الّتي أودعها اللّه تعالى جواهر الأرض‏,‏ بعد أن قسّموها إلى معادن ظاهرةٍ ومعادن باطنةٍ‏,‏ فأجاز ذلك بعضهم ومنعه آخرون‏,‏ وفرّق بعضهم بين المعادن الظّاهرة والمعادن الباطنة‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏إقطاع ف 17‏,‏ 18 ومعدن‏)‏‏.‏

أثر النّفقة في وجوب الخمس

20 - يرى المالكيّة في المعتمد طبقاً لما ذكره الدسوقي أنّ الرّكاز فيه الخمس إلا في حالتين وهما‏:‏ إذا ما توقّف إخراجه من الأرض على كبير نفقةٍ‏,‏ أو عملٍ‏,‏ وأمّا فيهما فالواجب إخراج ربع العشر‏,‏ ويخالف ابن يونس في هذا التّفسير ويوجب الخمس في الرّكاز مطلقاً‏,‏ سواء افتقر إخراجه من الأرض إلى كبير نفقةٍ وإلى كبير جهدٍ وعملٍ أم لم يفتقر‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ الواجب في الرّكاز الخمس‏,‏ ولا اعتبار بالنّفقة أو العمل في الحصول عليه حيث إنّه لا نفقة لتحصيله غالباً‏,‏ لأنّه يصل إلى الواجد من غير نفقةٍ ولا تعبٍ‏,‏ أو بقليلٍ من ذلك خلافاً للذّهب والفضّة المستخرجين من المعدن فاعتبرت النّفقة والعمل في مقدار ما يجب فيهما‏,‏ لأنّ الواجب يزداد بقلّة المؤنة وينقص بكثرتها كالمعشّرات‏.‏

نوع وجوب الخمس

21 - اختلف الفقهاء في تكييف الخمس الّذي يجب في الكنز‏,‏ هل هو كالزّكاة أو كخمس الغنيمة ‏؟‏

فقال بعضهم‏:‏ إنّه من قبيل الغنيمة‏,‏ وقال آخرون‏:‏ إنّه من قبيل الزّكاة‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏ركاز ف 10 - 15‏)‏‏.‏

شروط وجوب الخمس

أ - التّمول والتّقوم‏:‏

22 - ذهب الفقهاء إلى اشتراط تمول الخارج من الأرض لوجوب الخمس فيه‏,‏ أمّا ما لا يتموّلـه النّاس في العادة ولا يبذلون الأثمان للحصول عليه فلا شيء فيه‏.‏

واختلفوا في اشتراط كون الخارج من الأثمان لوجوب الخمس فيه أو في عدم اشتراط ذلك‏:‏ فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو مقابل المذهب عند الشّافعيّة إلى أنّه لا يشترط في الكنز الّذي يجب فيه الخمس كونه من الأثمان بل قالوا‏:‏ إنّ الخمس يجب في الخارج عيناً كان أو عرضاً كنحاسٍ وحديدٍ وجوهرٍ ورخامٍ وصخورٍ‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يشترط لوجوب الخمس في الخارج من الأرض أن يكون نقداً أي ذهباً وفضّةً‏,‏ سواء أكانا مضروبين أم غير مضروبين كالسّبائك على المذهب‏,‏ لأنّه مال مستفاد من الأرض‏,‏ فاختصّ بما تجب فيه الزّكاة قدراً ونوعاً كالمعدن‏.‏

ب - سبق اليد الجاهليّة على ملك الكنز‏:‏

23 - يشترط لاعتبار المال المدفون في باطن الأرض من الكنوز الّتي يجب تخميسها أن يغلب على الظّنّ أنّها كانت ملكاً لأهل الجاهليّة والمراد بالجاهليّة ما قبل مبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏,‏ وليس المقصود أن يكون المال من ضرب الجاهليّة وصناعتهم‏,‏ بل أن يكون من دفنهم‏,‏ ليعلم أنّه كان في ملكهم‏.‏

ج - استخراج الكنز من دار الإسلام لا من دار الحرب‏:‏

24 - أوجب الحنفيّة والحنابلة استخراج الكنز من دار الإسلام لوجوب الخمس فيه‏,‏ فعندهم أنّه لا يخمّس ركاز معدناً كان أو كنزاً وجد في صحراء دار الحرب‏,‏ بل كله للواجد‏,‏ ولو مستأمناً‏,‏ لأنّه كالمتلصّص‏.‏

ويخالف المالكيّة والشّافعيّة في هذا‏,‏ فيخمّس عند المالكيّة ما يوجد من الكنوز في أرضٍ غير مملوكةٍ لأحدٍ كموات أرض الإسلام وأرض الحرب‏,‏ ولواجده الباقي بعد الخمس‏,‏ وفي نهاية المحتاج أنّ الرّكاز هو الموجود الجاهلي في مواتٍ مطلقاً‏,‏ سواء كان بدار الإسلام أم بدار الحرب إن كانوا يذبونا عنه‏,‏ وسواء أحياه الواجد أم أقطعه أم لا‏.‏

د - الاستخراج من البرّ لا من البحر‏:‏

25 - اشترط بعض الفقهاء أخذ الكنز من البرّ لوجوب الخمس فيه على حين لم يشترط بعضهم هذا الشّرط‏,‏ ومبناه اختلافهم في إلحاق الكنوز بالغنيمة أو بالزروع والثّمار وفي تحقيق الاستيلاء على الكنوز‏,‏ وهي في البحر‏,‏ على النّحو الّذي يرد توضيحه فيما يلي‏:‏ يحكي الكاساني اختلاف الحنفيّة في حكم ما يستخرج من البحر بقوله‏:‏ أمّا المستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر وكلّ حليةٍ تستخرج من البحر فلا شيء فيه في قول أبي حنيفة ومحمّدٍ‏,‏ وهو للواجد‏.‏

وعند أبي يوسف فيه الخمس‏,‏ واحتجّ بما روي أنّ عامل عمر رضي الله عنه كتب إليه في لؤلؤةٍ وجدت ما فيها قال فيها الخمس‏,‏ وروي عنه أنّه أيضاً أخذ الخمس من العنبر‏.‏‏.‏ ولأنّ المعنى هو كون ذلك مالاً منتزعاً من أيدي الكفّار بالقهر‏,‏ إذ الدنيا كلها برها وبحرها كانت تحت أيديهم‏,‏ انتزعناها من بين أيديهم‏,‏ فكان ذلك غنيمةً فيجب الخمس كسائر الغنائم‏,‏ ولهما ما روي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّه سئل عن العنبر فقال هو شيء دسره البحر لا خمس فيه‏,‏ ولأنّ يد الكفرة لم تثبت على باطن البحار الّتي يستخرج منها اللؤلؤُ والعنبر‏,‏ فلم يكن المستخرج منها مأخوذاً من أيدي الكفرة على سبيل القهر‏,‏ فلا يكون غنيمةً فلا يكون فيه الخمس‏,‏ وعلى هذا قال أصحابنا‏:‏ إن استخرج من البحر ذهباً أو فضّةً فلا شيء فيه‏.‏

وما روي عن عمر رضي الله عنه في اللؤلؤ والعنبر محمول على لؤلؤٍ وعنبرٍ وجد في خزائن ملوك الكفرة‏,‏ فكان مالاً مغنوماً فأوجب فيه الخمس‏,‏ وهذا هو الرّاجح في المذهب‏,‏ ففي حاشية ابن عابدين‏:‏ والحاصل أنّ الكنز يخمّس كيف كان ، سواء كان من جنس الأرض أو لا بعد أن كان مالاً متقوّماً‏,‏ ويستثنى منه جميع ما يستخرج من البحر من حليةٍ ولو ذهباً كان كنزاً في قعر البحر ، أي ولو كان ما يستخرج من البحر ذهباً مكنوزًا بصنع العباد في قعر البحر‏,‏ فإنّه لا خمس فيه‏,‏ وكله للواجد ، لأنّه لم يرد عليه القهر‏,‏ فلم يكن غنيمةً‏.‏

والظّاهر أنّ هذا مخصوص فيما ليس عليه علامة الإسلام‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه لا زكاة في المستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان ونحوه في ظاهر قول الخرقيّ واختيار أبي بكرٍ‏,‏ وروي نحو ذلك عن ابن عبّاسٍ‏,‏ وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء والثّوري وابن أبي ليلى والحسن بن صالحٍ وأبو ثورٍ وأبو عبيدٍ‏,‏ وعن أحمد رواية أخرى أنّ فيه الزّكاة لأنّه خارج من معدنٍ فأشبه الخارج من معدن البرّ والرّاجح عندهم أنّه لا زكاة فيما يخرج من البحر لأنّه لم تأت فيه سنّة صحيحة‏,‏ والأصل عدم الوجوب‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ ما لفظه البحر كعنبرٍ ممّا لم يسبق عليه ملك لأحدٍ فلواجده بلا تخميسٍ‏,‏ فإن تقدّم ملك عليه فإن كان لجاهليٍّ أو شكّ فيه فركاز‏,‏ وإن كان لمسلمٍ أو ذمّيٍّ فلقطة‏.‏

هـ - النّصاب‏:‏

26 - لا يشترط جمهور الفقهاء النّصاب لوجوب الخمس في الكنوز فكل ما يوجد منه‏,‏ قليلاً أو كثيراً محل لوجوب الخمس فيه كالغنيمة في ذلك‏,‏ نصّ عليه الحنفيّة والحنابلة وهو مقابل المذهب عند الشّافعيّة‏,‏ وهو المشهور عند المالكيّة‏,‏ ومقابله ما قاله ابن سحنونٍ من أنّ اليسير الّذي يقل عن النّصاب لا يخمّس‏.‏

والمذهب عند الشّافعيّة اشتراط النّصاب‏,‏ ولو بالضّمّ لأنّه مال مستفاد من الأرض فاختصّ بما تجب فيه الزّكاة قدراً ونوعاً كالمعادن‏.‏

و - حولان الحول‏:‏

27 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لا يشترط لوجوب الخمس حولان الحول على الخارج لحصوله دفعةً واحدةً كالزّرع والثّمار فلم يناسبه الحول لأنّ اشتراط الحول للنّماء وهذا كله نماء‏.‏

ز - إسلام الواجد‏:‏

28 - لا يشترط جمهور الفقهاء إسلام الواجد لوجوب الخمس‏,‏ فمذهب الحنفيّة أنّه إن أصاب الذّمّي أو المسلم كنزاً خمّس ما أصاب وكانت البقيّة لمن أصابه‏,‏ ويستوي - كما قال السّرخسي - أن يكون الواجد مسلماً أو ذمّياً‏,‏ صبياً أو بالغاً‏,‏ لأنّ استحقاق هذا المال كاستحقاق الغنيمة‏,‏ ولجميع من سمّينا حق في الغنيمة إمّا سهماً وإمّا رضخاً‏.‏

وفي المدوّنة أنّه يخمّس ما يصيب الرّجل من كنوزٍ ولا يلتفت إلى دينه‏,‏ وفي الإنصاف أنّه يجب أن يخمّس كل أحدٍ وجد ذلك من مسلمٍ أو ذمّيٍّ‏.‏

واختار ابن حامدٍ أن يؤخذ الرّكاز كله من الذّمّيّ لبيت المال ولا خمس عليه‏,‏ والمذهب هو الأوّل وهو أنّه لا فرق بين المسلم والذّمّيّ في وجوب الخمس‏.‏

وقد ذكر النّووي أنّ حكم الذّمّيّ في الرّكاز حكمه في المعدن‏.‏ فلا يمكّن من أخذه في دار الإسلام‏,‏ فإن وجده ملكه على المذهب‏.‏

واشترط الشّافعيّة لوجوب الخمس في الرّكاز كون واجده مسلماً لأنّ خمس الرّكاز يصرف مصرف الزّكاة عندهم‏,‏ وليس غير المسلم كالذّمّيّ من أهل الزّكاة فلا يجب عليه‏.‏

وأوجب الخراسانيون من الشّافعيّة على الذّمّيّ الخمس بناءً على أنّ مصرفه مصرف الفيء‏,‏ فلا يشترط أن يكون من أهل الزّكاة لوجوب الخمس عليه‏.‏

ح - أهليّة الواجد‏:‏

29 - يقصد بهذه الأهليّة صلاحية الواجد للاستحقاق من الغنيمة‏,‏ وهذا هو تفسير الحنفيّة ومن وافقهم من المالكيّة والحنابلة‏,‏ ولذا يجب الخمس على الواجد وأربعة أخماسه له لتعلق الواجب بالعين‏,‏ فيستوي عندهم أن يكون الواجد حراً أو عبداً مسلماً أو ذمّياً صبياً أو بالغاً رجلاً أو امرأةً‏,‏ فإنّه يؤخذ منه الخمس‏,‏ والباقي يكون للواجد‏,‏ سواء وجده في أرض العشر أو أرض الخراج‏,‏ لأنّ استحقاق هذا المال كاستحقاق الغنيمة‏,‏ ولجميع من سمّينا حق في الغنيمة إمّا سهماً وإمّا رضخاً فإنّ الصّبيّ والعبد والذّمّيّ والمرأة يرضخ لهم‏,‏ ويستدل الجمهور على مذهبهم بعموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «وفي الرّكاز الخمس»‏,‏ ولأنّه أشبه بالغنيمة في تعلق الواجب بعينها‏,‏ ولأنّه اكتساب مالٍ فكان لمكتسبه حراً أو عبداً صغيراً أو كبيراً أو امرأةً‏.‏

موانع وجوب الخمس في الكنز

يمتنع وجوب الخمس أو بعضه لعدّة أسبابٍ أهمها‏:‏

تلف الكنز بعد خروجه تلفاً جزئياً أو كلّياً وظهور مالكه‏,‏ واشتراط الإمام على الواجد العمل في احتفار الكنوز واستخراجها لبيت المال‏,‏ وما إلى ذلك‏,‏ وفيما يلي توضيح هذه الموانع بوجه الإجمال والإيجاز‏:‏

أ - تلف الكنز جزئياً أو كلّياً‏:‏

30 - يرى المالكيّة أنّ الرّكاز يأخذ مأخذ الزّكاة إذا احتاج لكبير نفقةٍ أو عملٍ في تخليصه فإذا تلف بعضه أو كله بعد إمكان الأداء لا تسقط عنه الزّكاة‏,‏ وإن كان التّلف قبل التّمكن من الأداء فلا شيء عليه‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا تلف الرّكاز قبل التّمكن من إخراج الواجب فيه‏,‏ وكان التّلف بدون تفريطٍ في حفظه‏,‏ فلا يجب الخمس‏,‏ قياساً على المال المزكّى قبل أن يتمكّن المالك من إخراج زكاته‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ زكاة 139 - 140‏)‏‏.‏

ب - مديونيّة الواجد‏:‏

31 - لا يمنع الدّين على الواجد وجوب الخمس عند الحنفيّة والمالكيّة‏,‏ وعند الحنفيّة يجوز للواجد أن يكتم الخمس لنفسه ولا يخرجه إذا كان فقيراً أو مديناً محتاجاً‏,‏ بمعنى أنّه يتأوّل أنّ له حقاً في بيت المال ونصيباً في الفيء فأجازوا له أن يأخذ الخمس لنفسه عوضاً عن ذلك‏,‏ لا أنّهم أسقطوا الخمس عن المعادن‏.‏

أمّا الشّافعيّة فأظهر الأقوال عندهم أنّ الدّين لا يمنع وجوب الزّكاة‏,‏ والمرجوح عندهم أنّ الدّين يمنع الواجب في المال الباطن وهو النّقد‏,‏ والرّكاز والعرض‏,‏ ولا يمنع في الظّاهر‏,‏ وهو الماشية والزروع والثّمار والمعدن‏,‏ والفرق أنّ الظّاهر ينمو بنفسه‏,‏ والباطن إنّما ينمو بالتّصرف فيه‏,‏ والدّين يمنع من ذلك ويحوج إلى صرفه في قضائه‏,‏ ومحل الخلاف كما جاء في حاشية الجمل ألا يزيد المال على الدّين بمقدار النّصاب‏,‏ فإن زاد بما يبلغ النّصاب زكّى الزّائد‏,‏ وألا يكون له ما يؤدّي دينه منه غير المال المزكّى‏,‏ فإن كان لم يمنع قطعاً عند جمهورهم‏.‏

وعند الحنابلة‏:‏ الدّين يمنع وجوب الزّكاة في الأموال الباطنة روايةً واحدةً‏,‏ وهي الأثمان وعروض التّجارة‏,‏ وبه قال عطاء وسليمان بن يسارٍ والحسن والنّخعي واللّيث والثّوري والأوزاعي وإسحاق وأبو ثورٍ‏,‏ وقال ربيعة وحمّاد بن أبي سليمان لا يمنع‏,‏ لأنّه حر مسلم ملك نصاباً حولاً فوجبت عليه الزّكاة كمن لا دين عليه‏,‏ ودليل القول بمنع الدّين زكاة ما يقابله قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا صدقة إلا عن ظهر غنىً»‏.‏

أمّا الأموال الظّاهرة وهي المواشي والحبوب والثّمار ففيها روايتان‏:‏

إحداهما أنّ الدّين يمنع وجوب الزّكاة فيها لما ذكرنا‏,‏ قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم‏:‏ يبتدئ بالدّين فيقضيه ثمّ ينظر ما بقي عنده بعد إخراج النّفقة فيزكّيه‏,‏ ولا يكون على أحدٍ دينه أكثر من ماله‏,‏ صدقة في إبلٍ أو بقرٍ أو غنمٍ أو زرعٍ‏,‏ وهذا قول عطاءٍ والحسن والنّخعيّ وسليمان بن يسارٍ والثّوريّ واللّيث وإسحاق‏.‏

والرّواية الثّانية‏:‏ لا يمنع الزّكاة فيها‏,‏ وهو قول الأوزاعيّ‏.‏

والرّواية الثّالثة‏:‏ أنّه لا يمنع الدّين الزّكاة في الأموال الظّاهرة إلا في الزروع والثّمار فيما استدانه للإنفاق عليها خاصّةً‏,‏ وهذا ظاهر كلام الخرقيّ‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ زكاة ف 33 - 34‏)‏‏.‏

ج - الشّرط والاتّفاق مع الإمام‏:‏

32 - إذا لم يأذن الإمام في العمل لاستخراج الكنوز إلا بشروطٍ خاصّةٍ كأن يأخذ الواجد أجرةً معيّنةً ويكون الخارج لبيت مال المسلمين فإنّ مثل هذا الشّرط يصح ويجب الوفاء به لأنّ المسلمين على شروطهم‏.‏

يقول الكاساني‏:‏ في الرّكاز الخمس ، سواء كان الواجد حراً أو عبداً مسلماً أو ذمّياً كبيراً أو صغيراً‏.‏‏.‏ إلا إذا كان ذلك بإذن الإمام وقاطعه على شيءٍ فله أن يفي بشرطه لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «المسلمون على شروطهم»‏,‏ ولأنّه إذا قاطعه على شيءٍ فقد جعل المشروط أجرةً لعمله فيستحقه بهذا الطّريق‏,‏ ويذكر الخرشي اعتبار هذا النّوع من الاتّفاق - هبةً للثّواب - حتّى لا ينازع في صحّة الإجارة لجهالة الأجرة أو المأجور عليه‏.‏

كنز المال

33 - اتّجه الفقهاء في تحديد مفهوم كنز المال اتّجاهاتٍ ثلاثةً‏:‏

الاتّجاه الأوّل‏:‏ تعريف الكنز بأنّه هو‏:‏ ‏"‏ ما فضل عن الحاجة ‏"‏‏,‏ وأشهر من دعا إلى هذا الاتّجاه أبو ذرٍّ رضي الله عنه‏.‏

قال الرّازيّ‏:‏ المال الكثير إذا جمع فهو الكنز المذموم سواء أدّيت زكاته أو لم تؤدّ لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ‏}‏ فظاهر الآية دليل على المنع من جمع المال‏,‏ ولما روى ثوبان لمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «تباً للذّهب والفضّة ، قالوا يا رسول اللّه فأي مالٍ نكنز ‏؟‏ قال‏:‏ قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجةً صالحةً»‏.‏

الاتّجاه الثّاني‏:‏ تعريف الكنز بأنّه جمع المال الّذي لا تؤدّى زكاته‏,‏ أمّا ما تؤدّى زكاته فليس بكنزٍ‏,‏ قال ابن عمر ما أدّي زكاته فليس بكنزٍ وإن كان تحت سبع أرضين وكل ما لم تؤدّ زكاته فهو كنز وإن كان فوق الأرض‏.‏

وهو الكنز المذموم كما قال الأكثرون‏.‏

واستدلوا بما قال ابن عبّاسٍ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ‏}‏‏,‏ يريد الّذين لا يؤدون زكاة أموالهم‏,‏ وبعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ‏}‏‏,‏ فإنّ ذلك يدل على أنّ كلّ ما اكتسبه الإنسان فهو حقه‏,‏ وبقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «نعم المال الصّالح للمرء الصّالح»‏.‏

الاتّجاه الثّالث‏:‏ تعريف الكنز للمال بأنّه ما لم تؤدّ منه الحقوق العارضة كفكّ الأسير وإطعام الجائع وغير ذلك‏.‏

كَنِيسَة

انظر‏:‏ معابد‏.‏

كُنْيَة

التّعريف

1 - الكنية اسم يطلق على الشّخص للتّعظيم والتّكريم كأبي حفصٍ وأبي الحسن‏,‏ أو علامةً عليه كأبي ترابٍ‏,‏ وهو ما كنّى به النّبي صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أخذاً من حالته عندما وجده مضطجعاً إلى جدار المسجد وفي ظهره تراب‏.‏

قال ابن منظورٍ‏:‏ الكنية على ثلاثة أوجهٍ‏:‏

أحدها‏:‏ أن يكنّى عن الشّيء الّذي يستفحش ذكره‏.‏

والثّاني‏:‏ أن يكنّى الرّجل باسمٍ توقيراً وتعظيماً‏.‏

والثّالث‏:‏ أن تقوم الكنية مقام الاسم فيعرف صاحبها بها كما يعرف باسمه كأبي لهبٍ اسمه عبد العزّى عرف بكنيته فسمّاه اللّه تعالى بها‏.‏

والكنية‏:‏ ما صدّر بأبٍ أو بأمٍّ‏,‏ كأبي عبد اللّه وأمّ الخير‏,‏ وقال الجرجاني‏:‏ الكنية ما صدّر بأبٍ أو أمٍّ أو ابنٍ أو بنتٍ‏.‏

وتكون علماً غير الاسم واللّقب وتستعمل معهما أو بدونهما تفخيماً لشأن صاحبها أن يذكر اسمه مجرّداً وتكون لأشراف النّاس‏.‏

وقد اشتهرت الكنى في العرب حتّى ربّما غلبت على الأسماء كأبي طالبٍ وأبي لهبٍ وغيرهما‏,‏ وقد يكون للواحد كنية واحدة فأكثر وقد يشتهر باسمه وكنيته جميعاً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - اللّقب‏:‏

2 - اللّقب في اللغة هو ما يسمّى به الإنسان بعد اسمه العلم من لفظٍ يدل على المدح أو الذّمّ لمعنىً فيه‏.‏

ولا يخرج معناه الاصطلاحي عن معناه اللغويّ‏.‏

واللّقب والكنية مشتركان في تعريف المدعوّ بهما‏,‏ ويفترقان في أنّ اللّقب يفهم مدحاً أو ذماً‏,‏ والكنية ما صدّر بأبٍ أو أمٍّ‏.‏

ب - الاسم‏:‏

3 - الاسم في اللغة‏:‏ ما يعرف به الشّيء ويستدل به عليه‏,‏ وهو من السموّ وهو العلو‏,‏ أو من الوسم وهو العلامة على خلافٍ بين أهل اللغة‏.‏

وهو عند النحاة ما دلّ على معنىً في نفسه غير مقترنٍ بزمنٍ كرجلٍ وفرسٍ‏,‏ والاسم الأعظم الاسم الجامع لمعاني صفات اللّه عزّ وجلّ‏,‏ واسم الجلالة اسمه سبحانه وتعالى‏.‏

والفرق بين الكنية والاسم أنّ الكنية ما صدّر بأبٍ أو أمٍّ ونحوهما‏,‏ والاسم ليس كذلك‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالكنية

حكم التّكنّي بكنية النّبيّ صلى الله عليه وسلم

اختلف العلماء في هذه المسألة إلى خمسة مذاهب‏:‏

4 - الأوّل‏:‏ لا يجوز التّكنّي بكنية النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهي‏:‏ أبو القاسم وهو اسم ولده القاسم وكان أكبر أولاده صلّى اللّه عليه وعلى آله وصحبه وسلّم في زمن حياته‏,‏ ويجوز بعد وفاته سواء كان اسم صاحب الكنية محمّداً أو لم يكن‏,‏ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «سموا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي»‏,‏ حيث إنّ من أسباب ورود هذا الحديث‏:‏ «أنّ رجلاً قال في السوق والنّبي صلى الله عليه وسلم موجود فيه‏:‏ يا أبا القاسم فالتفت إليه النّبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنّما دعوت هذا ، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ سموا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي» ففهموا أنّ علّة النّهي خاصّة بزمن حياته للسّبب المذكور‏,‏ وقد زالت العلّة بوفاته صلى الله عليه وسلم‏,‏ ولحديث عليٍّ رضي الله عنه قال‏:‏ «قلت يا رسول اللّه إن وُلِد لي من بعدك ولد أسمّيه باسمك وأكنّيه بكنيتك ‏؟‏ قال‏:‏ نعم»‏,‏ ولأنّ بعض الصّحابة سمّى ابنه محمّداً‏,‏ وكنّاه أبا القاسم منهم أبو بكرٍ الصّدّيق‏,‏ وطلحة بن عبيد اللّه‏,‏ وسعد‏,‏ وجعفر بن أبي طالبٍ‏,‏ وعبد الرّحمن بن عوفٍ‏,‏ وحاطب بن أبي بلتعة‏,‏ والأشعث بن قيسٍ رضي الله عنهم ممّا يدل على أنّهم فهموا النّهي الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «سموا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي»‏,‏ مخصّص بزمن حياته صلى الله عليه وسلم لا ما بعده‏.‏

وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة‏,‏ وهو أحد الأقوال عند كلٍّ من الشّافعيّة والحنابلة رجّحه النّووي‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ ومن كان اسمه محمّداً لا بأس بأن يكنّى أبا القاسم لأنّ قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «سموا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي» قد نسخ وعلّق ابن عابدين على النّسخ بقوله‏:‏ لعلّ وجهه زوال علّة النّهي بوفاته صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال عياض من المالكيّة‏:‏ جمهور السّلف والخلف وفقهاء الأمصار على جواز التّسمية والتّكنية بأبي القاسم‏,‏ والنّهي عنه منسوخ‏.‏

5 - الثّاني‏:‏ لا يجوز التّكنّي بكنيته صلى الله عليه وسلم مطلقاً‏,‏ أي سواء كان اسم صاحب الكنية محمّداً أم لا‏,‏ وسواء أكان ذلك في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أم لا‏,‏ لحديث‏:‏ «سموا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي»‏.‏

وهو قول الشّافعيّ والمشهور في مذهبه‏,‏ وهو رواية عند الحنابلة‏.‏

6 - الثّالث‏:‏ لا يجوز التّكنّي بكنيته صلى الله عليه وسلم لمن اسمه محمّد‏,‏ ويجوز لغيره‏,‏ سواء أكان ذلك في زمن حياته صلى الله عليه وسلم أم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لحديث‏:‏ «لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي»‏,‏ ولحديث‏:‏ «سموا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي» ولما ورد من حديث أبي هريرة أنّه قال‏:‏ «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن نجمع بين اسمه وكنيته وقال‏:‏ أنا أبو القاسم واللّه يعطي وأنا أقسم»‏,‏ ولحديث‏:‏ «من تسمّى باسمي فلا يكنّى بكنيتي»‏.‏

قال الرّافعي‏:‏ يشبه أن يكون هذا هو الأصح‏,‏ لأنّ النّاس لم يزالوا يفعلونه في جميع الأعصار من غير إنكارٍ‏.‏

وهو رواية عند الحنابلة‏.‏

7 - الرّابع‏:‏ لا يجوز التّسمية بمحمّدٍ مطلقاً ولا التّكنّي بأبي القاسم مطلقاً‏,‏ حكاه الطّبريّ واحتجّ لصاحب هذا القول بما روي عن أنسٍ رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ «تسمونهم محمّداً ثمّ تلعنونهم»‏,‏ ولما روي من أنّ عمر رضي الله عنه كتب لا تسموا أحداً باسم نبيٍّ‏,‏ قال عياض‏:‏ والأشبه أنّ عمر رضي الله عنه إنّما فعل ذلك إعظاماً لاسم النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏,‏ لئلا ينتهك‏,‏ وقد سمع رجلاً يقول لمحمّد بن زيد بن الخطّاب يا محمّد فعل اللّه بك وفعل فدعاه وقال‏:‏ لا أرى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسب بك فغيّر اسمه‏,‏ وسمّاه عبد الرّحمن‏.‏

8 - الخامس‏:‏ لا يجوز التّكنّي بكنيته صلى الله عليه وسلم في حياته صلى الله عليه وسلم مطلقاً‏,‏ أي سواء أكان اسم صاحب الكنية محمّداً أم لا‏,‏ ويفصل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بين من اسمه محمّد أو أحمد فلا يجوز أن يكنّى بكنيته صلى الله عليه وسلم وبين من ليس اسمه محمّداً أو أحمد فيجوز أن يكنّى بكنيته صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن حجرٍ العسقلاني‏:‏ هو أعدل المذاهب مع غرابته‏.‏

حكم التّكنّي

9 - قال جمهور الفقهاء‏:‏ يسن أن يكنّى أهل الفضل من الرّجال والنّساء لأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم كان يكنّى وكذا كبار الصّحابة رضي الله عنهم‏.‏

كما يسن أن يكنّى الرّجل بأكبر أولاده إذا كان له أولاد وكذلك المرأة يسن أن تكنّى بأكبر أولادها إذا كان لها أولاد‏,‏ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يكنّى أبا القاسم بولده القاسم وكان أكبر أولاده‏,‏ ولما ورد عن هانئ بن يزيد‏:‏ «أنّه لمّا وفد إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم ، فدعاه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنّ اللّه هو الحكم وإليه الحكم فلم تكنّى أبا الحكم ‏؟‏ فقال‏:‏ إنّ قومي إذا اختلفوا في شيءٍ أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أحسن هذا ، فما لك من الولد ‏؟‏ قال‏:‏ لي شريح ومسلم وعبد اللّه ، قال‏:‏ فمن أكبرهم ‏؟‏ قلت‏:‏ شريح قال‏:‏ فأنت أبو شريحٍ»‏.‏

قال ابن مفلحٍ من الحنابلة بعد هذا الحديث‏:‏ وهذا يدل على أنّ الأولى أن يكنّى الإنسان بأكبر أولاده‏,‏ إلا أنّه يجوز التّكنّي بغيره من الأولاد لحديث أنسٍ رضي الله عنه‏:‏ «أنّ جبريل عليه السلام قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ السّلام عليك يا أبا إبراهيم»‏,‏ وقد ولد له إبراهيم في المدينة المنوّرة من مارية القبطيّة‏.‏

أمّا إذا لم يكن للرّجل والمرأة ولد فيجوز تكنّيهما بولد غيرهما لحديث عائشة رضي الله عنها حين وجدت على كونها لم يكن لها ولد تتكنّى به فقال لها عليه الصلاة والسلام‏:‏ «فاكتني بابنك عبد اللّه يعني ابن أختها» قال مسدّد - راوي الحديث - عبد اللّه بن الزبير رضي الله عنهما‏.‏

وكذلك تجوز الكنى بالحالة الّتي يتّصف بها الشّخص كأبي ترابٍ‏,‏ وأبي هريرة وما أشبههما‏.‏

الكنية للعاصي

10 - قال الفقهاء‏:‏ لا يكنّى كافر ولا فاسق ولا مبتدع لأنّهم ليسوا من أهل التّعظيم والتّكريم بل أمرنا بالإغلاظ عليهم إلا لخوف فتنةٍ من ذكره باسمه‏,‏ أو تعريفٍ كما قيل به في أبي لهبٍ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ‏}‏ واسمه عبد العزّى‏.‏

الكنية للصّبيّ

11 - اختلف الفقهاء في حكم كنية الصّغير وكذا كل من لا يولد له‏,‏ فذهب الجمهور إلى أنّه لا بأس بكنية الصّغير‏,‏ أو من لا يولد له لحديث أنسٍ رضي الله عنه قال‏:‏ «كان النّبي صلى الله عليه وسلم أحسن النّاس خلقاً وكان لي أخ يقال له أبو عميرٍ - قال‏:‏ أحسبه فطيماً- وكان إذا جاء قال‏:‏ يا أبا عميرٍ ما فعل النغير ‏؟‏»‏.‏

ولقول عمر رضي الله عنه عجّلوا بكنى أولادكم لا تسرع إليهم الألقاب السوء‏.‏

وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كنّاه أبا عبد الرّحمن قبل أن يولد له»‏.‏

قال العلماء‏:‏ كانوا يكنون الصّبيّ تفاؤُلاً بأنّه سيعيش حتّى يولد له وللأمن من التّلقيب‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ ولو كنّى ابنه الصّغير بأبي بكرٍ وغيره كرهه بعضهم‏,‏ وعامّتهم لا يكره‏,‏ لأنّ النّاس يريدون به التّفاؤُل‏.‏

كَهَانة

التّعريف

1 - الكهانة في اللغة‏:‏ من كهن يكهن كهانةً‏:‏ قضى له بالغيب‏,‏ والكاهن‏:‏ هو الّذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزّمان‏,‏ ويدّعي معرفة الأسرار ومطالعة الغيب‏.‏ وتطلق العرب على الّذي يقوم بأمر الرّجل ويسعى في حاجته‏:‏ كاهناً‏,‏ كما يسمون كلّ من يتعاطى علماً دقيقاً كاهناً‏.‏

ومنهم من يسمّي المنجّم والطّبيب كاهناً‏.‏

والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

التّنجيم‏:‏

1 - التّنجيم علم يعرف به الاستدلال بالتّشكلات الفلكيّة على الحوادث السفليّة‏.‏

والتّنجيم بهذا المعنى ضرب من الكهانة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالكهانة

3 - أجمع الفقهاء على أنّ التّكهن والكهانة بمعنى ادّعاء علم الغيب والاكتساب به حرام‏,‏ كما أجمعوا على أنّ إتيان الكاهن للسؤال عن عواقب الأمور حرام‏,‏ وأنّ التّصديق بما يقوله كفر‏,‏ لما ورد عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «من أتى كاهناً أو عرّافاً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمّدٍ صلى الله عليه وسلم»‏,‏ ونهى عن أكل ما اكتسبه بالكهانة‏,‏ لأنّه سحت‏,‏ جاء عن طريقٍ غير مشروعٍ‏,‏ كأجرة البغيّ‏,‏ روى أبو مسعودٍ الأنصاري رضي الله عنه‏:‏ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «نهى عن ثمن الكلب ومهر البغيّ وحلوان الكاهن»‏,‏ وهو ما يأخذه على كهانته‏,‏ وتشمل الكهانة كلّ ادّعاءٍ بعلم الغيب الّذي استأثر اللّه بعلمه‏,‏ ويشمل اسم الكاهن‏:‏ كلّ من يدّعي ذلك من منجّمٍ وعرّافٍ وضرّابٍ بالحصباء ونحو ذلك‏.‏

وكان للعرب في الجاهليّة كهانة قبل مبعث الرّسول صلى الله عليه وسلم‏,‏ وكان لهم كهنة‏,‏ فكان منهم من يزعم‏:‏ أنّ تابعاً من الجنّ ورئياً‏,‏ يلقي إليه الأخبار‏.‏

ويروى أنّ الشّياطين كانت تسترق السّمع فتلقيه إلى الكهنة فتزيد فيه ما تزيده فيقبله الكفّار منهم‏.‏

عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال‏:‏ تصعد الشّياطين أفواجاً تسترق السّمع فينفرد المارد منها فيعلو فيرمى بالشّهاب فيصيب جبهته أو جنبه حيث يشاء اللّه منه فيلتهب فيأتي أصحابه وهو يلهب فيقول‏:‏ إنّه كان من الأمر كذا وكذا فيذهب أولئك إلى إخوانهم من الكهنة فيزيدون عليه أضعافه من الكذب فيخبرونهم به ، فإذا رأوا شيئاً ممّا قالوا قد كان ، صدّقوهم بما جاءوهم من الكذب ، فلمّا بعث النّبي صلى الله عليه وسلم وحرست السّماء بطلت الكهانة بالقرآن الّذي فرّق اللّه به بين الحقّ والباطل ، وأطلع اللّه نبيّه عليه الصّلاة والسّلام بالوحي على ما يشاء من علم الغيوب الّتي عجزت الكهانة عن الإحاطة به وأغناه بالتّنزيل ، وأزهق أباطيل الكهانة‏.‏

وأبطل الإسلام الكهانة بأنواعها‏,‏ وحرّم مزاولتها وقرّر أنّ الغيب لا يعلمه إلا اللّه‏,‏ فقال عزّ من قائلٍ‏:‏ ‏{‏قُل ََلا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إََِلا اللَّهُ‏}‏‏,‏ وكذّب مزاعم الكهنة أنّ الشّياطين تأتي لهم بخبر السّماء‏,‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ، إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ‏}‏‏.‏

حكم الكاهن من حيث الرّدّة وعدمها

4 - قال الفقهاء‏:‏ الكاهن يكفر بادّعاء علم الغيب‏,‏ لأنّه يتعارض مع نصّ القرآن‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏عَالِمُ الْغَيْبِ فَََلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ، إََِلا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ‏}‏ أي عالم الغيب هو اللّه وحده فلا يطلع عليه أحداً من خلقه إلا من ارتضاه للرّسالة‏,‏ فإنّه يطلعه على ما يشاء في غيبه‏,‏ وعن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أتى كاهناً أو عرّافاً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمّدٍ»‏.‏

قال ابن عابدين نقلاً عن التتارخانية‏:‏ يكفر بقوله أنا أعلم المسروقات‏,‏ أو أنا أخبر عن إخبار الجنّ إيّاي‏,‏ وقال‏:‏ كل مسلمٍ ارتدّ فإنّه يقتل إن لم يتب ولا تقبل توبة أحد عشر‏,‏ وذكر منهم الكاهن‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ ليس المنجّم ومن ضاهاه ممّن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطّير ممّن ارتضاه اللّه تعالى من رسولٍ فيطلعه على ما يشاء من غيبه بل هو كافر باللّه مفترٍ عليه بحدسه وتخمينه وكذبه‏.‏

وقال القرافي‏:‏ وأمّا ما يخبر به المنجّم من الغيب من نزول الأمطار وغيره فقيل ذلك كفر يقتل بغير استتابةٍ لقوله عليه السّلام‏:‏ «قال اللّه عزّ وجلّ أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأمّا من قال‏:‏ مطرنا بفضل اللّه ورحمته فهو مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأمّا من قال‏:‏ مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب»‏,‏ وقيل‏:‏ يستتاب فإن تاب وإلا قتل قاله أشهب‏,‏ وقيل يزجر عن ذلك ويؤدّب وليس اختلافاً في قولٍ بل اختلاف في حالٍ‏,‏ فإن قال إنّ الكواكب مستقلّة بالتّأثير قتل ولم يستتب إن كان يسره لأنّه زنديق وإن أظهره فهو مرتد يستتاب‏,‏ وإن اعتقد أنّ اللّه تعالى هو الفاعل عندها زجر عن الاعتقاد الكاذب‏,‏ لأنّه بدعة تسقط العدالة‏.‏

وعن أحمد روايتان‏:‏ يقول في إحداهما‏:‏ يستتاب‏,‏ قيل له أيقتل ‏؟‏ قال‏:‏ لا ، يحبس لعلّه يرجع‏,‏ وفي روايةٍ عنه‏:‏ السّاحر‏,‏ والكاهن حكمهما‏:‏ القتل‏,‏ أو الحبس حتّى يتوبا‏,‏ لأنّهما يلبسان أمرهما‏,‏ وحديث عمر رضي الله عنه‏:‏‏"‏ أقتلوا كلّ ساحرٍ وكاهنٍ وليس هو من أمر الإسلام ‏"‏‏.‏

وجاء في الفروع‏:‏ الكاهن والمنجّم كالسّاحر عند أصحابنا وإنّ ابن عقيلٍ فسّقه فقط إن قال أصبت بحدسي وفراهتي‏,‏ فإن أوهم قوماً بطريقته أنّه يعلم الغيب‏,‏ فللإمام قتله لسعيه بالفساد‏.‏

كَوْسَج

انظر‏:‏ أمرد‏.‏

كُوع

التّعريف

1 - الكوع في اللغة‏:‏ طرف الزّند الّذي يلي الإبهام‏,‏ والجمع أكواع‏,‏ والكاع لغة‏,‏ قال الأزهري‏:‏ الكوع طرف العظم الّذي يلي رسغ اليد المحاذي للإبهام‏,‏ وهما عظمان متلاصقان في السّاعد‏,‏ أحدهما أدق من الآخر وطرفاهما يلتقيان عند مفصل الكفّ‏,‏ فالّذي يلي الخنصر يقال له‏:‏ الكرسوع‏,‏ والّذي يلي الإبهام يقال له‏:‏ الكوع‏,‏ وهما عظما ساعد الذّراع‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالكوع

أ - غسل الكوع في الوضوء‏:‏

2 - اتّفق الفقهاء على مشروعيّة غسل الكفّين إلى الكوعين في أوّل الوضوء لفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏كف ف 3‏)‏‏.‏

ب - مسح اليدين إلى الكوعين في التّيمم‏:‏

3 - اتّفق الفقهاء على أنّ من أركان التّيمم مسح الوجه واليدين ثمّ اختلفوا في الحدّ الّذي يبلغه بالتّيمم في اليدين‏:‏

فيرى الحنفيّة والشّافعيّة والثّوري وابن أبي سلمة واللّيث بلوغ المرفقين بالتّيمم فرضاً واجباً‏,‏ وبه قال محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم وابن نافعٍ‏,‏ وإليه ذهب إسماعيل القاضي‏.‏

وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه يبلغ به إلى الكوعين وهما الرسغان‏,‏ وروي هذا عن عليّ بن أبي طالبٍ والأوزاعيّ وعطاءٍ والشّعبيّ في روايةٍ‏,‏ وبه قال إسحاق بن راهويه والطّبري‏,‏ وقال ابن شهابٍ‏:‏ يبلغ به إلى المناكب‏.‏

وحكي عن الدّراورديّ‏:‏ أنّ الكوعين فرض والآباط فضيلة‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ تيمم ف 11‏)‏‏.‏

ج - قطع اليد من الكوع في السّرقة‏:‏

4 - يرى الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ أوّل ما يقطع من السّارق يده اليمنى من مفصل الكفّ وهو الكوع‏,‏ وروي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قطع يد سارقٍ من المفصل - الكوع -‏,‏ وقد ورد عن أبي بكرٍ الصّدّيق وعمر رضي الله عنهما أنّهما قالا‏:‏ إذا سرق سارق فاقطعوا يمينه من الكوع ولا مخالف لهما في الصّحابة‏,‏ ولأنّ كلّ من قطع من الأئمّة قطع من الرسغ فصار إجماعاً سكوتياً فلا يجوز خلافه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏سرقة ف 66‏)‏‏.‏

كَوّة

التّعريف

1 - الكوّة - بالفتح والضّمّ مع تشديد الواو - في اللغة بمعنى الثقبة في الحائط‏,‏ وجمع المفتوح على لفظه كوّاتٍ مثل حبّةٍ وحبّاتٍ‏,‏ وكِواة أيضاً بالكسر مثل ظبيةٍ وظباءٍ‏,‏ وجمع المضموم كُوىً بالضّمّ والقصر مثل مديةٍ ومدىً‏,‏ ويطلق عليها الرّوشن‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ قال ابن عابدين‏:‏ المراد بها - بالكوّة - ما يفتح في حائط البيت لأجل الضّوء أو ما يخرق فيه بلا نفاذٍ لأجل وضع متاعٍ ونحوه‏.‏

وفسّر بعض الفقهاء الكوّة بالطّاقة‏.‏

قال أبو الحسن‏:‏ كوّة بالفتح والضّمّ‏,‏ والفتح أشهر وهو عبارة عن الطّاق‏.‏

الحكم الإجمالي

2 - اختلف الفقهاء في تصرف الإنسان في ملكه بما يضر بجاره كفتح كوّةٍ نافذةٍ‏,‏ فذهب بعضهم إلى جوازه‏,‏ وذهب بعضهم إلى منعه‏,‏ وفصّل آخرون الحكم في ذلك‏,‏ وبيانه ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏جوار فقرة 5‏)‏‏,‏ ومصطلح‏:‏ ‏(‏حائط فقرة 3‏)‏‏,‏ ومصطلح‏:‏ ‏(‏ارتفاق فقرة 17‏)‏‏,‏ ومصطلح‏:‏ ‏(‏إشراف فقرة 4‏)‏‏.‏

كَيْل

التّعريف

1 - الكيل في اللغة مصدر كال يكيل‏,‏ يقال‏:‏ كلت زيداً الطّعام كيلاً من باب باع‏,‏ وكال الطّعام كيلاً‏:‏ عرف مقداره‏,‏ وكال الشّيء بالشّيء‏:‏ قاسه به‏.‏

ويطلق الكيل على ما يعرف به المقدار بالقفيز والمدّ والصّاع‏,‏ والاسم الكيلة - بالكسر -‏,‏ والمكيال ما يكال به‏,‏ قال الفيومي‏:‏ والكيل مثله‏.‏

وعلى ذلك فالكيل يطلق على المعنى المصدريّ‏,‏ كما يطلق على وعاءٍ يكال به من حديدٍ أو خشبٍ أو نحوهما‏,‏ والكيلي ما يقدّر بالكيل‏,‏ وكذلك المكيل‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ للكيل‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الوزن‏:‏

1 - الوزن في اللغة‏:‏ التّقدير‏,‏ يقال‏:‏ وزن الشّيء‏:‏ قدّره بوساطة الميزان‏,‏ وقال الأصفهاني‏:‏ الوزن معرفة قدر الشّيء‏,‏ والمتعارف في الوزن عند العامّة ما يقدّر بالقسط والقبّان‏.‏

ولا يختلف معنى الوزن في الاصطلاح عن معناه اللغويّ‏.‏

والفرق بين الكيل والوزن أنّ الكيل يعرف به مقدار الشّيء من حيث الحجم‏,‏ والوزن يعرف به مقدار الشّيء من حيث الثّقل‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالكيل الحث على إيفاء الكيل

3 - حثّ الشّارع الحكيم على إيفاء الكيل‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَوْفُوا الْكَيْلَ وَََلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ‏}‏‏.‏

وتوعّد المطفّفين بالعذاب الشّديد‏,‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ‏}‏‏.‏

قال القرطبي نقلاً عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّه قال‏:‏ هي أوّل سورةٍ نزلت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ساعة نزل المدينة ، وكان هذا فيهم ، كانوا إذا اشتروا استوفوا بكيلٍ راجحٍ ، فإذا باعوا بخسوا المكيال والميزان ، فلمّا نزلت هذه السورة انتهوا ، فهم أوفى النّاس كيلاً إلى يومهم هذا‏.‏

ونقل القرطبي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال‏:‏ ما نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع منهم الرّزق ، وعدّ بعض العلماء البخس في الكيل من الكبائر‏.‏

أجرة الكيّال

4 - اتّفق الفقهاء على أنّ أجرة كيل المبيع في بيع المكيل وأجرة وزنه في بيع الموزون على البائع لأنّ عليه تقبيض المبيع‏,‏ والقبض لا يحصل إلا بذلك‏,‏ قال القرطبي في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ‏}‏ كان يوسف - عليه السّلام - هو الّذي يكيل‏,‏ وكذلك الوزّان والعدّاد‏,‏ لأنّ الرّجل إذا باع عدةً معلومةً من طعامه وأوجب العقد عليه وجب عليه أن يبرزها ويميّز حقّ المشتري من حقّه‏,‏ ألا ترى أنّه لا يستحق البائع الثّمن إلا بعد التّوفية‏,‏ وإن تلف فهو منه قبل التّوفية‏.‏

أمّا أجرة كيل الثّمن ومؤنة إحضاره إلى محلّ العقد إذا كان غائباً فهي على المشتري لأنّه هو المكلّف بتسليم الثّمن‏.‏

وينظر التّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع ف 58‏)‏‏.‏

اعتبار الكيل في علّة تحريم الرّبا

5 - ورد النّص على تحريم الرّبا في الأشياء السّتّة الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة والبر بالبرّ والشّعير بالشّعير والتّمر بالتّمر والملح بالملح مثلاً بمثلٍ سواءً بسواءٍ»‏.‏

وقال الفقهاء‏:‏ إنّ تحريم الرّبا في الأجناس المنصوص عليها إنّما هو لعلّةٍ‏,‏ وإنّ الحكم بالتّحريم يتعدّى إلى ما تثبت فيه هذه العلّة‏.‏

واختلفوا في هذه العلّة الّتي يتعدّى الحكم بها إلى سائر الأجناس‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ العلّة هي الجنس والقدر‏,‏ وعرف الجنس بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «التّمر بالتّمر‏,‏ والحنطة بالحنطة»‏,‏ وعرف القدر بقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «مثلاً بمثلٍ»‏,‏ ويعنى بالقدر الكيل فيما يكال‏,‏ والوزن فيما يوزن‏,‏ وذلك لما ورد في آخر الحديث‏:‏ «وكذلك كل ما يكال ويوزن»‏,‏ ولحديث‏:‏ «لا صاعين بصاعٍ ولا درهمين بدرهمٍ»‏,‏ وهذا عام في كلّ مكيلٍ سواء أكان مطعوماً أم غير مطعومٍ‏,‏ فحرم الرّبا في كلّ مكيلٍ أو موزونٍ بيع بجنسه‏.‏

وقريب من هذا ما قاله الحنابلة في أشهر الرّوايات عندهم‏,‏ قال الخرقي‏:‏ وكل ما كيل أو وزن من سائر الأشياء لا يجوز فيه التّفاضل إذا كان جنساً واحداً‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ روي عن أحمد في ذلك ثلاث رواياتٍ أشهرهنّ أنّ علّة الرّبا في الذّهب والفضّة كونهما موزوني جنسٍ‏,‏ وعلّة الأعيان الأربعة مكيل جنسٍ‏.‏

فعلى هذه الرّواية يجري الرّبا في كلّ مكيلٍ أو موزونٍ بجنسه مطعوماً كان أو غير مطعومٍ‏,‏ ولا يجري في مطعومٍ لا يكال ولا يوزن‏.‏

ثمّ علّل هذا القول بأنّ قضيّة البيع المساواة‏,‏ والمؤثّر في تحقيقها الكيل والوزن والجنس‏,‏ فإنّ الوزن أو الكيل يسوّي بينهما صورةً‏,‏ والجنس يسوّي بينهما معنىً‏,‏ فكانا علّةً‏.‏ والرّواية الثّانية أنّ العلّة في الأثمان الثّمنيّة وفيما عداها كونه مطعوم جنسٍ فيختص بالمطعومات ويخرج منه ما عداها‏.‏

والرّواية الثّالثة عند الحنابلة العلّة فيما عدا الذّهب والفضّة كونه مطعوم جنسٍ مكيلاً أو موزوناً‏,‏ فلا يجري الرّبا في مطعومٍ لا يكال ولا يوزن‏.‏

وهذا قول الشّافعيّة في القديم ، وأمّا في الجديد عندهم فالعلّة في الأجناس الأربعة غير الذّهب والفضّة أنّها مطعومة‏,‏ وأمّا فيهما فالعلّة كونهما جنس الأثمان غالباً‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ العلّة في النقود غلبة الثّمنيّة‏,‏ أو مطلق الثّمنيّة‏,‏ وأمّا في الطّعام فالاقتيات والادّخار‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏رباً ف 21 - 25‏)‏‏.‏

تعيين المسلم فيه بالكيل

6 - اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط لصحّة السّلم أن يكون المسلم فيه معلوماً مبيّناً بما يرفع الجهالة ويسد باب المنازعة عند تسليمه‏,‏ كما يشترط بيان قدره‏,‏ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أسلف في شيءٍ ففي كيلٍ معلومٍ ووزنٍ معلومٍ إلى أجلٍ معلومٍ»‏.‏

وهل يشترط تعيين المقدار بالكيل في المكيلات ‏؟‏ اختلفوا في ذلك‏:‏

فقال الحنفيّة والشّافعيّة‏:‏ لا يشترط تقدير المكيل بالكيل‏,‏ وإنّما يشترط معرفة قدره سواء بالكيل أو الوزن‏,‏ قال الكاساني‏:‏ لو كان المسلم فيه مكيلاً فأعلم قدره بالوزن المعلوم‏,‏ أو كان موزوناً فأعلم قدره بالكيل المعلوم جاز‏,‏ لأنّ الشّرط كونه معلوم القدر بمعيارٍ يؤمن فقده وقد وجد‏,‏ بخلاف ما إذا باع المكيل بالمكيل وزناً بوزنٍ متساوياً في الوزن أو باع الموزون بالموزون كيلاً بكيلٍ متساوياً في الكيل أنّه لا يجوز ما لم يتساويا في الكيل أو الوزن‏,‏ لأنّ شرط السّلم كون المسلم فيه معلوم القدر‏,‏ والعلم بالقدر كما يحصل بالكيل يحصل بالوزن‏.‏

فأمّا شرط الكيل والوزن في الأشياء الّتي ورد الشّرع فيها باعتبار الكيل والوزن في بيع العين فثبت نصاً‏,‏ فكان بيعها بالكيل أو الوزن مجازفةً فلا يجوز‏.‏

ومثله ما ذكره الشّافعيّة‏,‏ لكن استثنى بعضهم بعض الأجناس‏,‏ فلا يسلم فيها إلا بالوزن‏,‏ قال الشّربيني الخطيب‏:‏ ويصح سلم المكيل وزناً‏,‏ وعكسه أي الموزون الّذي يتأتّى كيله كيلاً‏,‏ وحمل الإمام إطلاق الأصحاب جواز كيل الموزون على ما يعد الكيل في مثله ضابطاً‏,‏ بخلاف نحو فتات المسك والعنبر لأنّ للقدر اليسير منه ماليّةً كثيرةً والكيل لا يعد ضابطاً فيه‏.‏

واستثنى الجرجاني وغيره النّقدين أيضاً‏,‏ فلا يسلم فيهما إلا بالوزن‏,‏ وينبغي أن يكون الحكم كذلك في كلّ ما فيه خطر في التّفاوت بين الكيل والوزن‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ من شروط السّلم علم قدر المسلم فيه بمعياره العاديّ فلا يصح إلا أن يكون المسلم فيه مقدّراً بكيلٍ أو وزنٍ أو عددٍ ممّا جرت به عادته‏.‏

وعند الحنابلة في جواز سلم المكيل وزناً أو بالعكس روايتان‏:‏

قال ابن قدامة‏:‏ إن أسلم فيما يكال وزناً‏,‏ أو فيما يوزن كيلاً فنقل الأثرم أنّه سأل أحمد في التّمر وزناً‏,‏ فقال‏:‏ لا‏,‏ إلا كيلاً‏,‏ قلت‏:‏ إنّ النّاس هاهنا لا يعرفون الكيل‏,‏ قال‏:‏ وإن كانوا لا يعرفون الكيل‏,‏ فيحتمل هذا أنّه لا يجوز في المكيل إلا كيلاً‏,‏ ولا في الموزون إلا وزناً‏.‏ ثمّ نقل قول المروزيّ عن أحمد أنّه يجوز السّلم في اللّبن كيلاً أو وزناً‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ وهذا يدل على إباحة السّلم في المكيل وزناً‏,‏ وفي الموزون كيلاً‏,‏ لأنّ اللّبن لا يخلو من كونه مكيلاً أو موزوناً‏,‏ وقد أجاز السّلم فيه بكلّ واحدٍ منهما‏.‏

اشتراط الكيل في بيع المكيل

7 - اتّفق الفقهاء في الجملة على عدم جواز بيع المكيلات قبل القبض‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ من اشترى مكيلاً مكايلةً أو موزوناً موازنةً فاكتاله أو اتّزنه ثمّ باعه مكايلةً أو موازنةً لم يجز للمشتري منه أن يبيعه‏,‏ ولا أن يأكله حتّى يعيد الكيل والوزن‏,‏ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «نهى عن بيع الطّعام حتّى يجري فيه الصّاعان‏:‏ صاع البائع وصاع المشتري»‏.‏

واعتبر الشّافعيّة كيل المبيع من تمام القبض فقالوا‏:‏ لو بيع الشّيء تقديراً ، كحنطةٍ كيلاً اشترط في قبضه مع النّقل كيله بأن يكال‏,‏ وذلك لورود النّصّ في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتّى يكتاله»‏,‏ قال الشّربيني‏:‏ فدلّ على أنّه لا يحصل فيه القبض إلا بالكيل‏.‏ فتعيّن فيما قدّر بكيلٍ الكيل‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن أخبره البائع بكيله ثمّ باعه بذلك الكيل فالبيع صحيح‏,‏ ولو كان طعاماً وآخر يشاهده فلمن شاهد الكيل شراؤُه بغير كيلٍ ثانٍ‏,‏ لأنّه شاهد كيله أشبه ما لو كيل له‏,‏ وعن أحمد أنّه يحتاج إلى كيلٍ للخبر‏.‏

كَيْلي

انظر‏:‏ مثلي‏.‏

كَيّ

انظر‏:‏ تداوي‏.‏

لُؤْلُؤ

التّعريف

1 - اللؤلؤُ معروف وهو في اللغة جمع لؤلؤةٍ‏,‏ وهي الدرّة‏,‏ ويجمع أيضاً على لآلئ‏.‏ ويقال تلألأ النّجم والقمر والنّار والبرق‏:‏ أضاء ولمع‏.‏

وفي المعجم الوسيط‏:‏ يتكوّن اللؤلؤُ في الأصداف من رواسب أو جوامد صلبةٍ لمّاعةٍ مستديرةٍ في بعض الحيوانات المائيّة الدّنيّا من الرّخويّات‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الحكم الإجمالي

يتعلّق باللؤلؤ أحكام منها‏:‏

أ - زكاة اللؤلؤ‏:‏

2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا زكاة في لؤلؤٍ وسائر الجواهر - وإن ساوت ألوفاً كما يقول الحنفيّة - لأنّها معدّة للاستعمال فأشبهت الماشية العاملة‏,‏ إلا أن تكون للتّجارة فيجب فيها ما يجب في عروض التّجارة‏.‏

وقال النّووي‏:‏ لا زكاة فيما سوى الذّهب والفضّة من الجواهر كالياقوت والفيروزج واللؤلؤ والمرجان والزمرد والزّبرجد ، وإن حسنت صنعتها وكثرت قيمتها‏.‏

وقال الزهري‏:‏ يجب الخمس في اللؤلؤ‏.‏

وعن أحمد رواية‏:‏ أنّ فيه الزّكاة‏,‏ لأنّه خارج عن معدنٍ‏,‏ فأشبه الخارج عن معدن الأرض‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ والصّحيح أنّه لا شيء فيه‏,‏ لأنّه صيد فلم يجب فيه زكاة كصيد البرّ‏,‏ ولأنّه لا نصّ ولا إجماع على الوجوب فيه‏,‏ ولا يصح قياسه على ما فيه الزّكاة‏,‏ فلا وجه لإيجابها فيه‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏زكاة ف 120‏)‏‏.‏

ب - رمي الجمار باللؤلؤ‏:‏

3 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لا يجزئ اللؤلؤُ في رمي الجمار‏,‏ لاشتراط كون المرميّ من أجزاء الأرض‏,‏ وكون المرميّ حجراً‏,‏ ولأنّ رمي الجمار باللؤلؤ فيه إعزاز لا إهانة كما يقول الحنفيّة‏.‏

ج - السّلم في اللؤلؤ‏:‏

4 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه لا يصح السّلم فيما لو استقصى وصفه - الّذي لا بدّ منه في السّلم - عزّ وجوده كاللؤلؤ الكبار واليواقيت‏,‏ لأنّه لا بدّ فيها من التّعرض للحجم والشّكل والوزن والصّفاء‏,‏ واجتماع ما يذكر فيها من هذه الأوصاف نادر‏,‏ أمّا اللؤلؤُ الصّغار فيصح السّلم فيها كيلاً ووزناً‏,‏ ولا نظر لصغرٍ أو كبرٍ فيها‏.‏

وذهب المالكيّة إلى جواز السّلم في اللؤلؤ إلا أن يندر وجوده لكونه كبيراً كبراً خارجاً عن المعتاد فلا يصح السّلم فيه‏.‏

وذهب الحنابلة إلى عدم صحّة السّلم في اللؤلؤ مطلقاً‏,‏ لأنّه لا ينضبط كالجواهر كلّها‏,‏ لأنّه يختلف اختلافاً متبايناً بالكبر والصّغر والحسن والتّدوير وزيادة ضوئها‏.‏

د - اللؤلؤُ في بطن السّمكة المبيعة‏:‏

5 - اختلف الفقهاء في حكم اللؤلؤ في بطن السّمكة المبيعة‏:‏

فقال الحنفيّة‏:‏ لو اشترى سمكةً فوجد في بطنها لؤلؤةً فإن كانت في الصّدف تكون للمشتري‏,‏ وإن لم تكن في الصّدف‏,‏ فإن كان البائع اصطاد السّمكة يردها المشتري على البائع‏,‏ وتكون عند البائع بمنزلة اللقطة يعرّفها حولاً ثمّ يتصدّق بها‏,‏ ولو وجد لؤلؤةً في بطن السّمكة الّتي في بطن السّمكة فهي للبائع‏,‏ ولو وجد في بطنها صدفاً فيه لحم وفي اللّحم لؤلؤة كما تكون اللؤلؤُ في الأصداف فهي للمشتري‏,‏ وكذا لو اشترى أصدافاً ليأكل ما فيها من اللّحم فوجد في بعضها لؤلؤةً في اللّحم فهي له‏.‏

قالوا‏:‏ ولو اشترى دجاجةً فوجد فيها لؤلؤةً فهي للبائع‏.‏

ونصّ المالكيّة على أنّه لو اشترى سمكةً فوجد في بطنها لؤلؤةً‏,‏ فإن كانت مثقوبةً فلقطة موضعها بيت المال‏,‏ وإلا فقيل للبائع وهو الصّواب‏,‏ وقيل للمشتري‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لا تدخل في البيع لؤلؤة وجدت في بطن سمكةٍ على المعتمد‏,‏ بل هي للصّيّاد إلا إن كان فيها أثر ملكٍ كثقبٍ ولم يدّعها فتكون لقطةً له‏,‏ لأنّ يد المشتري مبنيّة على يده‏,‏ وهذا كله إن صادها في بحر الجواهر وإلا فهي لقطة مطلقاً‏.‏

ونصّ الحنابلة على أنّه إن اصطاد سمكةً في البحر فوجد في بطنها درّة غير مثقوبةٍ فهي للصّائد‏,‏ لأنّ الظّاهر ابتلاعها من معدنها لأنّ الدرّ يكون في البحر‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا‏}‏ ، وإن باع الصّائد السّمكة غير عالمٍ بالدرّة لم يزل ملكه عنها فترد إليه‏,‏ لأنّه إذا علم ما في بطنها لم يبعه ولم يرض بزوال ملكه عنه فلم يدخل في البيع‏,‏ وإن كانت الدرّة مثقوبةً أو متّصلةً بذهبٍ أو فضّةٍ أو غيرها فلقطة لا يملكها الصّيّاد بل يعرّفها‏,‏ وكذا لو وجدها في عينٍ أو نهرٍ - ولو كان النّهر متّصلاً بالبحر - فلقطة‏,‏ على الصّيّاد تعريفها‏.‏

ومثله لو اصطاد السّمكة من عينٍ أو نهرٍ غير متّصلٍ بالبحر فكالشّاة في أنّ ما وجد في بطنها من درّةٍ مثقوبةٍ لقطة‏,‏ لأنّ العين والنّهر غير المتّصل ليس معدناً للدرّ‏,‏ فإن كان النّهر متّصلاً بالبحر وكانت الدرّة غير مثقوبةٍ فهي للصّيّاد‏.‏

هـ - لبس اللؤلؤ للرّجال‏:‏

6 - اختلف الفقهاء في جواز لبس اللؤلؤ للرّجال‏:‏

فذهب الحنفيّة على المعتمد إلى حرمة لبس اللؤلؤ للرّجال لكونه من حليّ النّساء ففي لبسه تشبه بهنّ‏.‏

ونقل الرّملي عن الشّافعيّ كراهة لبس اللؤلؤ للرّجال‏,‏ وعلّله بأنّه من زيّ النّساء‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه يباح للرّجل أن يتحلّى باللؤلؤ والياقوت ونحوها من الجواهر‏.‏

لاحِق

التّعريف

1 - اللاحق في اللغة‏:‏ اسم فاعلٍ من لحق‏,‏ يقال‏:‏ لحقت به ألحق لَحاقاً‏:‏ أدركته‏,‏ وألحقت زيداً بعمرٍو‏:‏ أتبعته إيّاه‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ عرّفه الحنفيّة - وهو اصطلاح خاص بهم - بأنّه من فاتته الرّكعات كلها أو بعضها بعد اقتدائه بعذرٍ‏,‏ كغفلةٍ وزحمةٍ وسبق حدثٍ ونحوها‏,‏ أو بغير عذرٍ بأن سبق إمامه في ركوعٍ وسجودٍ‏.‏

وعرّفه بعضهم بأنّه هو الّذي أدرك أوّل الصّلاة وفاته من الآخر بسبب النّوم أو الحدث‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المسبوق‏:‏

2 - المسبوق - عند الحنفيّة - من سبقه الإمام بكلّ الرّكعات‏,‏ بأن اقتدى به بعد ركوع الرّكعة الأخيرة‏,‏ أو ببعضها بأن اقتدى به بعد ركوع الرّكعة الأولى‏.‏

والفرق بين اللاحق والمسبوق أنّ المسبوق تفوته ركعة أو أكثر من أوّل الصّلاة‏,‏ واللاحق تفوته ركعة أو أكثر من آخر الصّلاة أو وسطها‏,‏ وهذا إذا كان اقتداؤُه في أوّل الصّلاة‏,‏ وأمّا إن كان اقتداؤُه في الرّكعة الثّانية ثمّ فاته بعض الصّلاة بالنّوم أو نحوه يكون لاحقاً مسبوقاً‏,‏ كما حرّره ابن عابدين‏.‏

ب - المدرك‏:‏

3 - المدرك - عند الحنفيّة - من صلّى الصّلاة كاملةً مع الإمام‏,‏ أي أدرك جميع ركعاتها معه‏,‏ سواء أدرك معه التّحريمة‏,‏ أو أدركه في جزءٍ من ركوع الرّكعة الأولى إلى أن قعد معه القعدة الأخيرة‏.‏

فالمدرك لم يفته شيء من ركعات صلاته بخلاف اللاحق والمسبوق‏.‏

الحالات الّتي يشملها حكم اللاحق

4 - ذكر الحنفيّة أنّ اللاحق يشمل حالاتٍ مختلفةً في بعضها يكون التّخلف بعذرٍ‏,‏ كما إذا نام المؤتم بعد الاقتداء بالإمام نوماً لا ينقض به الوضوء‏,‏ أو زوحم بسبب كثرة النّاس في الجمعة فلم يقدر على أداء الرّكعة الأولى مع الإمام وقدر على الباقي‏,‏ أو سبقه حدث فخرج من الصّفّ للوضوء ففاتته ركعة أو أكثر ثمّ عاد‏,‏ أو الطّائفة الأولى في صلاة الخوف الّذين صلّى بهم الإمام أوّل الصّلاة فرجعوا إلى مكان الطّائفة الثّانية أو نحو ذلك‏.‏

ويكون التّخلف في بعض الحالات بغير عذرٍ كما إذا سبق إمامه في ركوعٍ وسجودٍ فيقضي ركعةً‏,‏ لأنّ الركوع والسجود قبل الإمام لغو فينتقل ما في الرّكعة الثّانية إلى الأولى فبقيت عليه ركعة هو لاحق فيها‏,‏ كما ذكره ابن عابدين‏.‏

الأحكام المتعلّقة باللاحق

أوّلاً‏:‏ كيفيّة إتمام صلاة اللاحق

5 - اختلف الفقهاء في كيفيّة إتمام المأموم الصّلاة إذا سبقه الإمام بركنٍ أو ركعةٍ أو أكثر وهما في الصّلاة ويسمّيه الحنفيّة لاحقاً بينما لا يصطلح سائر الفقهاء على هذه التّسمية‏,‏ وفيما يلي حكم المسألة عند الحنفيّة بوصفه لاحقاً‏,‏ وعند غيرهم بدون هذا الوصف‏.‏

6 - قال الحنفيّة‏:‏ اللاحق في حكم المصلّي خلف الإمام فيصلّي على ترتيب صلاة الإمام‏,‏ فيبدأ بقضاء ما فاته بعذرٍ بلا قراءةٍ‏,‏ ولا يسجد للسّهو إذا سها فيه‏,‏ ثمّ يتابع الإمام إن لم يكن قد فرغ عكس المسبوق‏,‏ فإنّه يتابع إمامه ثمّ يقضي ما فاته ويقرأ ويسجد للسّهو إذا سها فيه‏,‏ ولا يتغيّر فرض اللاحق بنيّة الإقامة لو كان مسافراً بخلاف المسبوق‏.‏

ووجه التّفرقة في هذه المسائل أنّ اللاحق في حكم المصلّي خلف الإمام فحكمه حكم المؤتمّ‏,‏ والمؤتم لا قراءة عليه‏,‏ وإذا سها لا يسجد للسّهو وأمّا المسبوق إذا سها فيما يقضي وجبت عليه السّجدة والقراءة لأنّه في حكم المنفرد‏.‏

وإذا كان اللاحق مسبوقاً أيضاً بأن اقتدى في أثناء صلاة الإمام وسبق بركعةٍ يصلّي ما سبق به في آخر صلاته‏,‏ قال ابن عابدين نقلاً عن شرح المنية‏:‏ لو سبق بركعةٍ من ذوات الأربع‏,‏ ونام في ركعتين يصلّي أوّلاً ما نام فيه‏,‏ ثمّ ما أدركه مع الإمام ثمّ ما سبق به فيصلّي ركعةً ممّا نام فيه مع الإمام ويقعد متابعةً له لأنّها ثانية إمامه‏,‏ ثمّ يصلّي الأخرى ممّا نام فيه ويقعد لأنّها ثانيته ثمّ يصلّي الّتي انتبه فيها‏,‏ ويقعد متابعةً لإمامه لأنّها رابعة‏,‏ وكل ذلك بغير قراءةٍ‏,‏ لأنّه مقتدٍ‏,‏ ثمّ يصلّي الرّكعة الّتي سبق بها بقراءة الفاتحة وسورةٍ‏.‏ وهذا التّرتيب في إتمام صلاة اللاحق واجب عند الحنفيّة وليس بفرضٍ - خلافاً لزفر - حتّى لو صلّى الرّكعة الّتي أدركها مع الإمام ثمّ ما نام فيه‏,‏ ثمّ ما سبق به‏,‏ أو صلّى أوّلاً ما سبق به ثمّ ما نام فيه ثمّ ما أدركه مع الإمام أو عَكَس جاز مع الكراهة ولا تفسد صلاته عندهم خلافاً لزفر‏.‏

7 - وقال المالكيّة‏:‏ إن زوحم مؤتم عن ركوعٍ مع إمامٍ حتّى رفع الإمام رأسه منه معتدلاً مطمئناً قبل إتيان المأموم بأدنى الركوع‏,‏ أو نعس أي نام المؤتم نوماً خفيفاً لا ينقض الوضوء أو حصل له نحوه كسهوٍ وإكراهٍ وحدوث مرضٍ منعه من الركوع مع إمامه اتّبع المأموم الإمام أي فعل ما فاته به إمامه ليدركه فيما هو فيه من سجودٍ أو جلوسٍ بين السّجدتين وجوباً‏,‏ وهذا إذا حصل المانع للمأموم في غير الرّكعة الأولى‏,‏ لثبوت مأموميّته بإدراك الرّكعة الأولى ما لم يرفع الإمام رأسه من سجود غير الأولى بأن اعتقد أو ظنّ أنّه يدرك الإمام في ثانية سجدتيه‏,‏ فإن اعتقد ذلك أو ظنّه فاتّبعه فرفع الإمام من السّجدة الثّانية قبل أن يلحقه فيها ألغى ما فعله وانتقل مع الإمام فيما هو فيه‏,‏ ويقضي ركعةً بعد سلام الإمام‏,‏ هذا في غير الأولى‏.‏

أمّا في الأولى فمتى رفع الإمام من الركوع معتدلاً مطمئناً ترك الركوع الّذي فاته معه فيخر ساجداً إن كان الإمام متلبّساً به‏,‏ ويقضي ركعةً بعد سلام الإمام‏,‏ فإن خالف وركع ولحقه بطلت إن اعتدّ بالرّكعة لأنّه قضاء في صلب صلاة الإمام‏,‏ وإن ألغاه لم تبطل ويحمله عنه الإمام‏.‏

وإذا زوحم عن سجدةٍ أو سجدتين من الأولى أو غيرها فلم يسجدها حتّى قام الإمام لما تليها فإن لم يطمع في سجودها قبل عقد إمامه الرّكعة الّتي تليها تمادى وجوباً على ترك السّجدة أو السّجدتين وتبع إمامه فيما هو فيه‏,‏ وقضى ركعةً بعد سلام إمامه‏,‏ وإن طمع فيها قبل عقد إمامه سجدها وتبعه في عقد ما بعدها‏,‏ فإن تخلّف ظنه فلم يدركه بطلت عليه الرّكعة الأولى لعدم الإتيان بسجودها‏,‏ والثّانية لعدم إدراك ركوعها معه‏.‏

وإن تمادى على ترك السّجدة وقضى ركعةً لا سجود عليه بعد سلامه لزيادة ركعة النّقص إذ الإمام يحملها عنه‏,‏ وذلك إن تيقّن أنّه تركه‏,‏ وأمّا إن شكّ في تركها وقضى الرّكعة فإنّه يسجد بعد السّلام لاحتمال زيادة الرّكعة الّتي أتى بها بعد سلام إمامه‏.‏

ولا فرق بين الغفلة والنعاس والمزاحمة عند أشهب وابن وهبٍ في أنّه يباح معها قضاء ما فات‏,‏ ونقل الموّاق عن عبد الملك أنّ المزاحم أعذر‏,‏ لأنّه مغلوب‏.‏

وذهب ابن القاسم إلى أنّ المزاحمة بخلاف الغفلة والنعاس‏,‏ فلا يباح معها قضاء ما فات من الركوع‏,‏ لأنّ الزّحام فعل آدميٍّ يمكن الاحتراز منه فعدّ المزاحم عن الركوع مقصّراً فتلغى تلك الرّكعة‏,‏ والنّاعس والغافل مغلوبان بفعل اللّه سبحانه وتعالى فعذرا‏.‏

8 - وقال الشّافعيّة‏:‏ إن تخلّف بركنٍ فعليٍّ عامداً بلا عذرٍ بأن فرغ الإمام منه وهو فيما قبله‏,‏ كأن رفع الإمام رفع الاعتدال والمأموم في قيام القراءة لم تبطل صلاته في الأصحّ‏,‏ لأنّه تخلف يسير‏,‏ سواء أكان طويلاً كالمثال المتقدّم أم قصيراً كأن رفع الإمام رأسه من السّجدة الأولى وهوى من الجلسة بعدها للسجود والمأموم في السّجدة الأولى‏.‏

والقول الثّاني وهو مقابل الأصحّ‏:‏ تبطل لما فيه من المخالفة من غير عذرٍ‏.‏

أمّا إذا تخلّف بدون ركنٍ‏,‏ كأن ركع الإمام دون المأموم ثمّ لحقه قبل أن يرفع رأسه من الركوع‏,‏ أو تخلّف بركنٍ بعذرٍ لم تبطل صلاته قطعاً‏.‏

وإن تخلّف بركنين فعليّين بأن فرغ الإمام منهما وهو فيما قبلهما فإن لم يكن عذر‏,‏ كأن تخلّف لقراءة السورة أو لتسبيحات الركوع والسجود بطلت صلاته‏,‏ لكثرة المخالفة‏,‏ سواء أكانا طويلين أو طويلاً وقصيراً‏.‏

وإن كان عذر بأن أسرع الإمام قراءته مثلاً‏,‏ أو كان المأموم بطيء القراءة وركع الإمام قبل إتمام المأموم الفاتحة فقيل يتبعه لتعذر الموافقة‏,‏ وتسقط البقيّة للعذر فأشبه المسبوق‏,‏ والصّحيح‏:‏ لا يتبعه بل يتمها وجوباً‏,‏ ويسعى خلف الإمام على نظم صلاة نفسه ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركانٍ بل بثلاثةٍ فما دونها - كما قال الشّربيني الخطيب - مقصودة في نفسها وهي الطّويلة أخذاً من صلاته صلى الله عليه وسلم بعسفان‏,‏ فلا يعد منهما القصير‏,‏ وهو الاعتدال والجلوس بين السّجدتين‏,‏ فإن سبق بأكثر من الثّلاثة فقيل‏:‏ يفارقه بالنّيّة لتعذر الموافقة‏.‏

والأصح‏:‏ لا تلزمه المفارقة بل يتبعه فيما هو فيه‏,‏ ثمّ يتدارك بعد سلام الإمام ما فاته كالمسبوق‏.‏

ولو لم يتمّ المأموم الفاتحة لشغله بدعاء الافتتاح أو التّعوذ وقد ركع الإمام فمعذور في التّخلف لإتمامها كبطيء القراءة فيأتي فيه ما مرّ‏.‏

9 - وصرّح الحنابلة بأنّ الإمام إذا سبق المأموم بركنٍ كاملٍ‏,‏ مثل أن يركع ويرفع قبل ركوع المأموم لعذرٍ من نعاسٍ أو غفلةٍ أو زحامٍ أو عجلة الإمام فإنّ المأموم يفعل ما سبق به ويدرك إمامه ولا شيء عليه‏,‏ نصّ عليه أحمد‏,‏ وحكى في المستوعب روايةً أنّه لا يعتد بتلك الرّكعة‏.‏

وإن سبقه بركعةٍ كاملةٍ أو أكثر فإنّه يتبع إمامه‏,‏ ويقضي ما سبقه به كالمسبوق‏,‏ قال أحمد في رجلٍ نعس خلف الإمام حتّى صلّى ركعتين‏:‏ قال كأنّه أدرك ركعتين‏,‏ فإذا سلّم الإمام صلّى ركعتين‏,‏ وعنه‏:‏ يعيد الصّلاة‏.‏

وإن سبقه بأكثر من ركنٍ وأقلّ من ركعةٍ ثمّ زال عذره فالمنصوص عن أحمد أنّه يتبع إمامه‏,‏ ولا يعتد بتلك الرّكعة‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ وظاهر هذا أنّه إن سبقه بركنين بطلت تلك الرّكعة‏,‏ وإن سبقه بأقلّ من ذلك فعله وأدرك إمامه‏,‏ ثمّ نقل عن بعض الحنابلة فيمن زحم عن السجود يوم الجمعة أنّه ينتظر زوال الزّحام ثمّ يسجد ويتبع الإمام ما لم يخف فوات الركوع في الثّانية مع الإمام‏,‏ فعلى هذا يفعل ما فاته وإن كان أكثر من ركنٍ‏.‏

حكم صلاة اللاحق بمحاذاة المرأة

10 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه إن حاذت المقتدي مشتهاة في صلاةٍ مطلقةٍ مشتركةٍ تحريمةً وأداءً في مكانٍ واحدٍ بلا حائلٍ تفسد صلاته‏,‏ والمدرك واللاحق في ذلك سواء‏,‏ لأنّ اللاحق بانٍ تحريمته على تحريمة الإمام حقيقةً لالتزامه متابعته‏,‏ كما أنّه بانٍ أداءه فيما يقضيه على أداء الإمام تقديراً بالتزامه المتابعة‏,‏ فتثبت الشّركة بينهما ما لم تنته أفعال الصّلاة فاللاحق فيما يقضي كأنّه خلف الإمام تقديراً‏,‏ ولهذا لا يقرأ ولا يلزمه السجود بسهوه‏.‏ بخلاف ما إذا كانا مسبوقين وحاذته فيما يقضيان حيث لا تفسد صلاته وإن كانا بانيين في حقّ التّحريمة‏,‏ لأنّهما منفردان فيما يقضيان‏,‏ ولهذا يقرآن‏,‏ ويلزمهما السجود بسهوهما‏.‏

استخلاف اللاحق

11 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه لو صلّى الإمام ركعةً ثمّ أحدث فاستخلف رجلاً نام عن هذه الرّكعة وقد أدرك أوّلها أو كان ذهب ليتوضّأ جاز لكن لا ينبغي للإمام أن يقدّمه‏,‏ ولا لذلك الرّجل أن يتقدّم‏,‏ وإن قدّم ينبغي أن يتأخّر‏,‏ ويقدّم هو غيره‏,‏ لأنّ غيره أقدر على إتمام صلاة الإمام‏,‏ فإنّه يحتاج إلى البداية بما فاته‏,‏ فإن لم يفعل وتقدّم جاز‏,‏ لأنّه قادر على الإتمام في الجملة‏,‏ وإذا تقدّم ينبغي أن يشير إليهم بأن ينتظروه ليصلّي ما فاته وقت نومه أو ذهابه للتّوضؤ‏,‏ ثمّ يصلّي بهم بقيّة الصّلاة‏,‏ لأنّه مدرك فينبغي أن يصلّي الأوّل فالأوّل‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ استخلاف ف 27 - 31‏)‏‏.‏

لازم

انظر‏:‏ لزوم‏.‏

لاطِية

انظر‏:‏ شجاج‏,‏ وسمحاق‏.‏

لِبَأ

التّعريف

1 - اللِّبَأ على وزن فعلٍ بكسر الفاء‏,‏ وفتح العين‏,‏ في اللغة‏:‏ أوّل ما ينزل من اللّبن بعد الولادة‏,‏ وقال أبو زيدٍ‏:‏ وأكثر ما يكون ثلاث حلباتٍ‏,‏ وأقله حلبة‏,‏ يقال‏:‏ لبأت الشّاة ولدها‏:‏ أرضعته اللّبأ‏,‏ ولبأت الشّاة حلبت لبأها‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الفصح‏:‏

2 - الفصح هو من أفصح اللّبن‏:‏ ذهب عنه اللّبأ‏,‏ يقال‏:‏ أفصحت الشّاة‏,‏ والنّاقة‏:‏ خلص لبنها‏:‏ صفا‏,‏ وأفصحت النّاقة إذا انقطع لبؤُها‏,‏ وجاء اللّبن بعده‏.‏

الحكم الإجمالي

3 - نصّ الشّافعيّة على أنّه يجب على الأمّ إرضاع ولدها اللّبأ وإن وجدت غيرها‏,‏ وقالوا‏:‏ لأنّ الولد لا يعيش أو لا يقوى غالباً بدونه‏.‏

ومدّته يسيرة‏:‏ قيل يقدّر بثلاثة أيّامٍ‏,‏ وقيل بسبعةٍ‏,‏ وقيل‏:‏ يرجع في مدّته لأهل الخبرة‏,‏ ومع وجوبه عليها‏,‏ لها طلب الأجرة إن كان لمثله أجرة‏,‏ كما يجب إطعام المضطرّ بالبدل - ثمن المثل - وهل تضمن إن امتنعت ومات ‏؟‏

جاء في حاشية الشبراملسي‏:‏ الّذي ذكره ابن أبي شريفٍ عدم الضّمان‏,‏ لأنّه لم يحصل منها فعل يحال عليه سبب الهلاك‏,‏ قياساً على ما لو أمسك الطّعام عن المضطرّ وهلك فإنّه لا يضمنه‏.‏

لِباس

انظر‏:‏ ألبسة‏.‏

لِباس المرأة

التّعريف

1 - اللّباس ما يستر الجسم ، جمعه ألبسة ولُبُس‏.‏

يقال‏:‏ لبس الثّوب لبساً استتر به‏,‏ والزّوج والزّوجة كل منهما لباس للآخر‏,‏ وفي التّنزيل العزيز‏:‏ ‏{‏هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ‏}‏ ، ولباس كلّ شيءٍ غشاؤُه‏,‏ ولباس التّقوى الإيمان أو الحياء أو العمل الصّالح‏.‏

ويقال‏:‏ رجل لباس‏:‏ كثير اللّباس وكثير اللبس‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الزّينة‏:‏

2 - الزّينة في اللغة ما يتزيّن به‏,‏ ويوم الزّينة يوم العيد‏,‏ والزّين ضد الشّين‏,‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والزّينة أعم من اللّباس‏.‏

الحكم التّكليفي

3 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجب على المرأة أن تلبس من الملابس ما يغطّي جميع عورتها لقول اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَََلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إََِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَََلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إََِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَََلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏‏.‏

قال ابن كثيرٍ‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَََلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إََِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا‏}‏ أي لا يظهرن شيئاً من الزّينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤُه‏,‏ قال ابن مسعودٍ‏:‏ كالرّداء والثّياب يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنّعة الّتي تجلّل ثيابها وما يبدو من أسافل الثّياب فلا حرج عليها فيه لأنّ هذا لا يمكن إخفاؤُه‏.‏

ولحديث عائشة رضي الله عنها‏:‏ «أنّ أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله تعالى عنهما دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق ، فأعرض عنها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وقال‏:‏ يا أسماء إنّ المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفّيه»‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في عورة المرأة الحرّة‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏ستر العورة ف 2 وما بعدها ، و عورة ف 3 وما بعدها‏)‏‏.‏

اللّباس الّذي يصف أو يشف

4 - لباس المرأة قد يكشف عن العورة‏,‏ وقد يسترها ولكنّه يصف حجمها‏,‏ وهو في كلتا الحالتين غير شرعيٍّ‏.‏

فإن كان يكشف عنها بحيث يرى لون الجلد من تحته‏,‏ فإمّا أن يكون ذلك أمام زوجها وإمّا أن يكون أمام الأجانب‏,‏ وإمّا أن يكون في الصّلاة أو خارجها‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏ألبسة ف 15 ، وستر العورة ف 2 وما بعدها‏,‏ و صلاة ف 120‏,‏ و عورة ف 3 وما بعدها‏)‏‏.‏

اللّباس المنسوج بالذّهب والفضّة

5 - يجوز للمرأة أن تلبس اللّباس المنسوج بالذّهب والفضّة سواء للحاجة أو لغيرها‏,‏ وسواء كثر أو قلّ‏,‏ وسواء زاد الطّرز على قدر أربع أصابع أو لا‏,‏ وسواء أكان المطرّز قدر العادة أم لا‏.‏

واستدلّ الفقهاء على ذلك بما ورد عن أبي موسى رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «أحلّ الذّهب والحرير لإناث أمّتي وحرّم على ذكورها»‏.‏

ففي هذا الحديث دليل على جواز استعمال الذّهب وكذلك الحرير للنّساء بسائر وجوه الاستعمال‏.‏

تشبه النّساء بالرّجال في اللّباس

6 - يحرم تشبه النّساء بالرّجال في زيّهنّ فلا يجوز للمرأة أن تلبس لباساً خاصاً بالرّجال‏,‏ لأنّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لعن المتشبّهين من الرّجال بالنّساء والمتشبهات من النّساء بالرّجال»‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ فلو اختصّت النّساء أو غلب فيهنّ زي مخصوص في إقليمٍ‏,‏ وغلب في غيره تخصيص الرّجال بذلك الزّيّ - كما قيل إنّ نساء قرى الشّام يتزيّنّ بزيّ الرّجال الّذين يتعاطون الحصاد والزّراعة ويفعلن ذلك - فهل يثبت في كلّ إقليمٍ ما جرت عادة أهله به‏,‏ أو ينظر لأكثر البلاد ‏؟‏ فيه نظر‏,‏ والأقرب الأوّل‏.‏

وقد صرّح الإسنوي بأنّ العبرة في لباس وزيّ كلٍّ من النّوعين حتّى يحرم التّشبه بهنّ فيه بعرف كلّ ناحيةٍ حسن‏.‏

لباس المرأة أمام الخاطب

7 - المخطوبة أجنبيّة عن الخاطب وعلى ذلك يجب عليها أن تلبس ما يستر جميع بدنها خلا القدر الّذي يباح للخاطب أن ينظر إليه‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في هذا القدر‏,‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏خطبة ف 29‏)‏‏.‏

لباس المرأة في الإحداد

8 - اختلف الفقهاء في لبس المرأة المحدّة لبعض الثّياب على وجه الزّينة‏,‏ وفي لبس الحليّ‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏إحداد ف 13 وما بعدها‏)‏‏.‏

لباس المرأة في الصّلاة

9 - يجب ستر العورة في الصّلاة للرّجل والمرأة في حال توفر السّاتر‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏‏,‏ قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما‏:‏ المراد بالزّينة الثّياب في الصّلاة‏,‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يقبل اللّه صلاة حائضٍ إلا بخمارٍ» أي البالغة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏عورة ف 13‏)‏‏.‏

لباس المرأة في الإحرام

10 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يحرم على المرأة المحرمة لبس ما يغطّي وجهها‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم في هذا خلافاً بين أهل العلم‏,‏ إلا ما روي عن أسماء أنّها كانت تغطّي وجهها وهي محرمة‏,‏ ويحتمل أنّها كانت تغطّيه بالسّدل عند الحاجة فلا يكون اختلافاً والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إحرام ف 66 وما بعدها‏)‏‏.‏

لَبّة

التّعريف

1 - اللّبّة في اللغة وسط الصّدر والمنحر وموضع القلادة من الصّدر‏,‏ والجمع لبّات ولباب‏.‏

واللّبّة في الاصطلاح‏:‏ هي المنحر من الصّدر‏,‏ وهي الوهدة الّتي بين أصل العنق والصّدر‏.‏

الحكم الإجمالي

2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ السنّة في التّذكية الشّرعيّة للإبل تحصل بالنّحر في اللّبّة في حال الاختيار‏,‏ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ «بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء على جملٍ أورق يصيح في فجاج منىً ألا إنّ الذّكاة في الحلق واللّبّة»‏.‏

وحقيقة النّحر عندهم قطع الأوداج في اللّبّة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يجب تذكية الإبل بالنّحر وحقيقته الطّعن في اللّبّة طعناً يفضي إلى الموت وإن لم تقطع الحلقوم والودجان‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏ذبائح ف 43‏)‏‏.‏

لَبْس

انظر‏:‏ التباس‏.‏

لُبْس

انظر‏:‏ ألبسة‏.‏

لَبَن

التّعريف

1 - اللّبن في اللغة‏:‏ سائل أبيض يكون في إناث الآدميّين والحيوان‏,‏ وهو اسم جنسٍ‏,‏ والجمع ألبان‏,‏ وواحدته لبنة‏.‏

واللّبأ‏:‏ أوّل اللّبن عند الولادة‏,‏ ولبن كلّ شجرةٍ‏:‏ ماؤُها على التّشبيه‏,‏ وشاة لبون‏:‏ ذات اللّبن غزيرةً كانت أو بكيئةً‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

ما يتعلّق باللّبن من أحكامٍ

يتعلّق باللّبن أحكام متعدّدة منها‏:‏