فصل: الشّرط الفاسد أو الباطل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الموسوعة الفقهية / الجزء السادس والعشرون

شرط

التّعريف

1 - الشّرط بسكون الرّاء لغةً‏:‏ إلزام الشّيء والتزامه، ويجمع على شروط، وبمعنى الشّرط الشّريطة وجمعها الشّرائط‏.‏ والشّرَط بفتح الرّاء معناه العلامة ويجمع على أشراط ومنه أشراط السّاعة أي علاماتها‏.‏

وهو في الاصطلاح‏:‏ ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته‏.‏ وعرّفه البيضاويّ في المنهاج بأنّه‏:‏ ما يتوقّف عليه تأثير المؤثّر لا وجوده، ومثّل له بالإحصان، فإنّ تأثير الزّنا في الرّجم متوقّف عليه كما ذكر الإسنويّ، وأمّا نفس الزّنا فلا، لأنّ البكر قد تزني‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الرّكن‏:‏

2 - ركن الشّيء في الاصطلاح‏:‏ ما لا وجود لذلك الشّيء إلاّ به، وهو الجزء الذّاتيّ الّذي تتركّب الماهيّة منه ومن غيره بحيث يتوقّف قيامها عليه‏.‏

والفرق بينه وبين الشّرط‏:‏ هو أنّ الشّرط يكون خارجاً عن الماهيّة، والرّكن يكون داخلاً فيها فهما متباينان‏.‏

ب - السّبب‏:‏

3 - السّبب في الاصطلاح‏:‏ ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته‏.‏

فالسّبب والشّرط يلزم من عدمهما العدم‏.‏ ولكنّ السّبب يلزم من وجوده الوجود ولا يلزم من وجود الشّرط الوجود، كصلاة الظّهر سببها زوال الشّمس وشرطها الطّهارة‏.‏

ج - المانع‏:‏

4 - ومعناه في الاصطلاح كما ذكر القرافيّ في الفروق‏:‏ هو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته، فهو بهذا المعنى عكس الشّرط لأنّ الشّرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته‏.‏

وقال ابن السّبكيّ‏:‏ المانع‏:‏ هو الوصف الوجوديّ الظّاهر المنضبط المعرّف نقيض الحكم كالأبوّة في القصاص‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏مانع‏)‏‏.‏

تقسيمات الشّرط

ينقسم الشّرط إلى ما يلي‏:‏

الأوّل‏:‏ الشّرط المحض

5 - وهو ما يمتنع بتخلّفه وجود العلّة فإذا وجد وجدت العلّة فيصير الوجود مضافاً إلى الشّرط دون الوجوب، مثاله اشتراط الطّهارة للصّلاة واشتراط الرّهن في البيع‏.‏

ثمّ ينقسم الشّرط المحض إلى قسمين‏:‏ شروط شرعيّة، وشروط جعليّة‏.‏

فالشّروط الشّرعيّة هي الّتي اشترطها الشّارع إمّا للوجوب كالبلوغ لوجوب الصّلاة وغيرها من الأمور التّكليفيّة، وإمّا للصّحّة كاشتراط الطّهارة للصّلاة‏.‏ وإمّا للانعقاد كاشتراط الأهليّة لانعقاد التّصرّف وصلاحيّة المحلّ ولورود العقد عليه‏.‏ وإمّا للّزوم كاشتراط عدم الخيار في لزوم البيع، وإمّا لنفاذ اشتراط الولاية وما في معناها لنفاذ التّصرّف‏.‏

ويلزم من عدم أيّ شرط من هذه الشّروط عدم الحكم المشروط له فإذا فقد شرط من شروط الوجوب لزم عدم وجوب الفعل على المكلّف ويلزم من عدم شرط من شروط الصّحّة عدم صحّة الفعل وهكذا، ويلزم من عدم شرط من شروط الانعقاد بطلان التّصرّف بحيث لا يترتّب عليه أي حكم‏.‏

6- وأمّا الشّروط الجعليّة فهي الشّروط الّتي يشترطها المكلّف في العقود وغيرها كالطّلاق والعتاق والوصيّة وهو نوعان شرط تعليقيّ مثل إن دخلت الدّار فأنت طالق، وينظر تفصيله في ‏(‏تعليق‏)‏، وشرط تقييديّ مثل وقفت على أولادي من كان منهم طالباً للعلم‏.‏

وهذه الشّروط الجعليّة تنقسم من حيث اعتبارها إلى ثلاثة أنواع‏:‏

أ - شرط لا ينافي الشّرع‏:‏ بل هو مكمّل للشّروط وذلك كما لو اشترط المقرض على المقترض رهناً أو كفيلاً‏.‏

ب - شرط غير ملائم للمشروط‏:‏ بل هو مناف لمقتضاه، كما لو اشترط الزّوج في عقد الزّواج أن لا ينفق على الزّوجة‏.‏

ج - شرط لا ينافي الشّرع ما شرط فيه وفيه مصلحة لأحد العاقدين أو كليهما أو لغيرهما ولكنّ العقد لا يقتضيه فلا تعرف ملاءمته أو عدم ملاءمته للعقد وذلك كما لو باع منزلاً على أن يسكنه البائع مثلاً فترةً معلومةً أو يسكنه فلان الأجنبيّ‏.‏

وهذا الشّرط محلّ خلاف‏.‏ وتفصيله في الملحق الأصوليّ‏.‏

القسم الثّاني‏:‏ شرط هو في حكم العلل

7 - وهو شرط لا تعارضه علّة تصلح أن يضاف الحكم إليها فيضاف الحكم إليه، لأنّ الشّرط يتعلّق به الوجود دون الوجوب فصار شبيهاً بالعلل، والعلل أصول لكنّها لمّا لم تكن عللاً بذواتها استقام أن تخلفها الشّروط، ومثاله حفر البئر، فعلّة السّقوط هي الثّقل لكنّ الأرض مانع من السّقوط فإزالة المانع بالحفر صار شرطاً وهذه العلّة لا تصلح لإضافة الحكم إليها ‏"‏ وهو الضّمان‏"‏ لأنّ الثّقل أمر طبيعيّ والمشي مباح فلا يصلحان لإضافة الضّمان إليهما، فيضاف إلى الشّرط لأنّ صاحبه متعدّ لأنّ الضّمان فيما إذا حفر في غير ملكه بخلاف ما إذا أوقع نفسه‏.‏

القسم الثّالث‏:‏ شرط له حكم الأسباب

8 - وهو شرط حصل بعد حصوله فعل فاعل مختار غير منسوب ذلك الفعل إلى الشّرط كما إذا حلّ قيد صيد حتّى نفر لا يضمن عند الحنفيّة خلافاً لمحمّد، فإنّ الحلّ لمّا سبق النّفور الّذي هو علّة التّلف صار كالسّبب فإنّه يتقدّم على صورة العلّة والشّرط يتأخّر عنها‏.‏

القسم الرّابع‏:‏ شرط اسماً لا حكماً

9 - وهو ما يفتقر الحكم إلى وجوده ولا يوجد عند وجوده، فمن حيث التّوقّف عليه سمّي شرطاً، ومن حيث عدم وجود الحكم عنده لا يكون شرطاً حكماً‏.‏

ويفهم ممّا ذكره فخر الإسلام أنّه عبارة عن أوّل الشّرطين اللّذين يضاف إلى آخرهما الحكم فإنّ كلّ حكم تعلّق بشرطين فإنّ أوّلهما شرط اسماً لا حكماً، لأنّ حكم الشّرط أن يضاف الوجود إليه وذلك مضاف إلى آخرهما فلم يكن الأوّل شرطاً حكماً بل اسماً‏.‏

القسم الخامس‏:‏ شرط هو بمعنى العلامة الخالصة

10 - وذلك كالإحصان في باب الزّنا وإنّما كان الإحصان علامةً لأنّ حكم الشّرط أن يمنع انعقاد العلّة إلى أن يوجد الشّرط وهذا لا يكون في الزّنا بحال‏.‏

لأنّ الزّنا إذا وجد لم يتوقّف حكمه على إحصان يحدث بعده، لكنّ الإحصان إذا ثبت كان معرّفاً لحكم الزّنا فأمّا أن يوجد الزّنا بصورته فيتوقّف انعقاد علّة على وجود الإحصان فلا يثبت أنّه علامة وليس بشرط فلم يصلح علّةً للوجود ولا للوجوب ولذلك لم يجعل له حكم العلل بحال‏.‏

ولذلك لا يضمن شهود الإحصان إذا رجعوا على حال أي سواء رجعوا وحدهم أم رجعوا مع شهود الزّنا‏.‏

ما يختصّ به الشّرط الجعليّ بقسميه المعلّق والمقيّد

11 - يشترط لصحّة التّعليق أمور منها‏:‏

أن يكون المعلّق عليه أمراً معدوماً على خطر الوجود أي متردّداً بين أن يكون وأن لا يكون، وأن يكون أمراً يرجى الوقوف على وجوده، وأن لا يوجد فاصل أجنبيّ بين الشّرط والجزاء‏.‏ وأن يكون المعلّق عليه أمراً مستقبلاً بخلاف الماضي فإنّه لا مدخل له في التّعليق‏.‏ وأن لا يقصد بالتّعليق المجازاة فلو سبّته بما يؤذيه فقال إن كنت كما قلت فأنت طالق تنجّز الطّلاق سواء كان الزّوج كما قالت أو لم يكن لأنّ الزّوج في الغالب لا يريد إلاّ إيذاءها بالطّلاق، وأن يوجد رابط حيث كان الجزاء مؤخّراً وإلاّ تنجّز، وأن يكون الّذي يصدر منه التّعليق مالكاً للتّنجيز أي قادراً على التّنجيز وهذا الأمر فيه خلاف‏.‏

ينظر في ‏(‏تعليق ف /28 - 29 ج /12‏)‏‏.‏

ما يختصّ به الشّرط المقيّد

يختصّ الشّرط المقيّد بأمرين‏:‏

12 - الأوّل‏:‏ كونه أمراً زائداً على أصل التّصرّف‏.‏ فقد صرّح الزّركشيّ في قواعده بأنّ الشّرط ما جزم فيه بالأصل - أي أصل الفعل - وشرط فيه أمراً آخر‏.‏

الثّاني‏:‏ كونه أمراً مستقبلاً ويظهر ذلك ممّا قاله الحمويّ في حاشيته على ابن نجيم‏:‏ أنّ الشّرط التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة‏.‏

هذا والفرق بين شرط التّعليق وشرط التّقييد كما ذكر الزّركشيّ أنّ التّعليق ما دخل على أصل الفعل بأداته كإن وإذا، والشّرط ما جزم فيه بالأصل وشرط فيه أمراً آخر‏.‏

وقال الحمويّ‏:‏ وإن شئت فقل في الفرق إنّ التّعليق ترتيب أمر لم يوجد على أمر يوجد بإن أوإحدى أخواتها والشّرط التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة‏.‏

ما يعرف به الشّرط

13 - يعرف الشّرط بصيغته بأن دخل في الكلام حرف من حروف الشّرط فكان الفعل الّذي دخل عليه شرطاً، وصيغه كما ذكر الآمديّ في الإحكام كثيرة وهي إن الخفيفة، وإذا، ومن، وما، ومهما، وحيثما، وأينما، وإذ ما، وأمّ هذه الصّيغ ‏"‏ إن ‏"‏ الشّرطيّة‏.‏

ويعرف الشّرط أيضاً بدلالته أي بالمعنى بأن يكون الأوّل أي من الكلام سبباً للثّاني كقوله‏:‏ المرأة الّتي أتزوّج طالق ثلاثاً، فإنّه مبتدأ متضمّن لمعنى الشّرط‏.‏ والأوّل يستلزم الثّاني ألبتّة دون العكس، لوقوع الوصف - وهو وصف التّزوّج - في النّكرة فيعمّ‏.‏

ولو وقع الوصف في المعيّن كما في قوله‏:‏ هذه المرأة الّتي أتزوّجها طالق لما صلح دلالةً على الشّرط، لأنّ الوصف في المعيّن لغو فبقي قوله‏:‏ هذه المرأة طالق فيلغو في الأجنبيّة، ونصّ الشّرط يجمع المعيّن وغيره حتّى لو قال إن تزوّجت هذه المرأة أو امرأةً طلقت إذا تزوّج بها‏.‏

وتفصيل ذلك محلّه كتب الأصول‏.‏

الأثر المترتّب على تعليق الحكم بالشّرط

14 - يذكر الأصوليّون مسألةً هامةً وهي أنّ تعليق الحكم بالشّرط هل يمنع السّبب عن السّببيّة أو يمنع الحكم عن الثّبوت فقط لا السّبب عن الانعقاد‏.‏

وينظر الخلاف في هذه المسألة في مصطلح ‏(‏تعليق ف /30‏)‏‏.‏

ولا يقع شيء عند وجود الشّرط‏.‏ وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏

التّخصيص بالشّرط

15 - الشّرط من المخصّصات المتّصلة ومن أحكامه أنّه يخرج من الكلام، ما لولاه لدخل فيه، وتفصيله في الملحق الأصوليّ‏.‏

الاستدلال بمفهوم الشّرط

16 - تعليق الحكم على الشّرط بكلمة ‏"‏ إن ‏"‏ أو غيرها من الشّروط اللّغويّة كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏‏.‏

فيه أربعة أمور‏:‏

الأوّل‏:‏ ثبوت المشروط عند ثبوت الشّرط‏.‏

الثّاني‏:‏ دلالة ‏"‏ إن ‏"‏ عليه‏.‏

الثّالث‏:‏ عدم المشروط عند عدم الشّرط‏.‏

الرّابع‏:‏ دلالة ‏"‏ إن ‏"‏ عليه‏.‏

فالثّلاثة الأول لا خلاف فيها، وأمّا الأمر الرّابع وهو دلالة ‏"‏ إن ‏"‏ على عدم المشروط عند عدم الشّرط فهو محلّ الخلاف وتفصيله في الملحق الأصوليّ‏.‏

والأمر المعلّق بالشّرط يقتضي التّكرار كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ‏}‏ يقتضي تكرّر المأمور به عند تكرّر شرطه بناءً على القول بأنّ الأمر المطلق يقتضي التّكرار‏.‏

وأمّا على القول بأنّ الأمر المطلق لا يقتضي التّكرار ولا يدفعه ففي كونه يقتضي التّكرار هنا من جهة اللّفظ لا من جهة القياس أو لا يقتضيه لا من جهة اللّفظ ولا من جهة القياس أو لا يقتضيه من جهة اللّفظ ويقتضيه من جهة القياس خلاف وينظر في الملحق الأصوليّ‏.‏

أثر الشّرط الجعليّ التّعليقيّ على التّصرّفات

17 - يظهر أثر الشّرط الجعليّ التّعليقيّ في التّصرّفات مثل الإجارة والبيع والخلع والصّلح والقسمة والمزارعة والمساقاة، والمضاربة والنّكاح، والإبراء والوقف، والحجر والرّجعة وغير ذلك كما هو مبيّن في مصطلح ‏(‏تعليق‏)‏‏.‏

أثر الشّرط التّقييديّ على التّصرّفات

18 - إذا قيّد التّصرّف بشرط فلا يخلو هذا الشّرط إمّا أن يكون صحيحا وإمّا أن يكون فاسداً أو باطلاً‏.‏

فإن كان الشّرط صحيحًا كما لو اشترط في البقرة كونها حلوباً فالعقد جائز لأنّ المشروط صفة للمعقود عليه أو الثّمن، وهي صفة محضة لا يتصوّر انقلابها أصلاً ولا يكون لها حصّة من الثّمن بحال‏.‏ وإن كان الشّرط باطلاً أو فاسداً كما لو اشترى ناقةً على أن تضع حملها بعد شهرين كان البيع فاسداً‏.‏

قال في الفتاوى الهنديّة‏:‏ وجملة ما لا يصحّ تعليقه بالشّرط ويبطل بالشّروط الفاسدة ثلاثة عشر‏:‏ البيع والقسمة والإجارة والرّجعة والصّلح عن مال والإبراء عن الدّين والحجر عن المأذون وعزل الوكيل في رواية شرح الطّحاويّ وتعليق إيجاب الاعتكاف بالشّروط والمزارعة والمعاملة والإقرار والوقف في رواية‏.‏

هذا وقد ذهب الحنفيّة وهم الّذين يفرّقون بين الفساد والبطلان إلى أنّ الشّرط التّقييديّ ثلاثة أقسام‏:‏ صحيح وفاسد وباطل‏.‏

وذهب غيرهم من الفقهاء وهم الّذين لا يفرّقون بين الفساد والبطلان ويقولون‏:‏ إنّهما واحد إلى أنّه قسمان‏:‏ صحيح وباطل أو صحيح وفاسد‏.‏

الشّرط الصّحيح

أ - ضابطه‏:‏

19 - ضابطه عند الحنفيّة‏:‏ اشتراط صفة قائمة بمحلّ العقد وقت صدوره أو اشتراط ما يقتضيه العقد أو ما يلائم مقتضاه أو اشتراط ما ورد في الشّرع دليل بجواز اشتراطه أو اشتراط ما جرى عليه التّعامل‏.‏

وضابطه عند المالكيّة‏:‏ اشتراط صفة قائمة بمحلّ العقد وقت صدوره أو اشتراط ما يقتضيه العقد أو اشتراط ما لا يقتضيه العقد ولا ينافيه‏.‏

وضابطه عند الشّافعيّة‏:‏ اشتراط صفة قائمة بمحلّ العقد وقت صدوره أو اشتراط ما يقتضيه العقد أو اشتراط ما يحقّق مصلحةً مشروعةً للعاقد أو اشتراط العتق لتشوّف الشّارع إليه‏.‏ وضابطه عند الحنابلة‏:‏ اشتراط صفة قائمة بمحلّ العقد وقت صدوره أو اشتراط ما يقتضيه العقد أو يؤكّد مقتضاه أو اشتراط ما أجاز الشّارع اشتراطه أو اشتراط ما يحقّق مصلحةً للعاقد، وفيما يلي تفصيل ذلك‏:‏

ب - أنواعه‏:‏

20 - النّوع الأوّل‏:‏ اشتراط صفة قائمة بمحلّ التّصرّف وقت صدوره وهذا النّوع متّفق على جوازه عند الفقهاء، فإن فات هذا الشّرط يكون للمشتري الخيار لفوات وصف مرغوب فيه كاشتراط كون البقرة المشتراة حلوباً‏.‏

النّوع الثّاني‏:‏ اشتراط ما يقتضيه العقد وجوازه أيضاً محلّ اتّفاق عند الفقهاء لأنّه بمثابة تأكيد، ومن أمثلته ما لو اشترط في الشّراء التّسليم إلى المشتري فإنّ البيع يصحّ لأنّ هذا الشّرط من مقتضيات العقد، ومنها أيضاً اشتراط الرّدّ بالعيب وردّ العوض فإنّها أمور لازمة لا تنافي العقد بل هي من مقتضياته‏.‏

النّوع الثّالث‏:‏ اشتراط ما يلائم مقتضى العقد وهذه عبارة الحنفيّة‏.‏

قال صاحب البدائع فهذا لا يقتضيه العقد ولكنّه يلائم مقتضاه فهو لا يفسد العقد وإنّما هو مقرّر لحكم العقد من حيث المعنى مؤكّد إيّاه فيلحق بالشّرط الّذي هو من مقتضيات العقد‏.‏

وعبارة المالكيّة اشتراط ما يلائم مقتضى العقد ولا ينافيه‏.‏

وعبارة الشّافعيّة والحنابلة اشتراط ما لا يقتضيه إطلاق العقد لكنّه يلائمه ومحقّق مصلحةً للعاقد ومثاله ما لو باع على أن يعطيه المشتري بالثّمن رهناً أو كفيلاً والرّهن معلوم والكفيل حاضر جاز ذلك استحساناً عند الحنفيّة وهو جائز أيضاً عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

النّوع الرّابع‏:‏ اشتراط ما ورد في الشّرع دليل بجوازه‏.‏

النّوع الخامس‏:‏ اشتراط ما جرى عليه التّعامل بين النّاس وقد ذكر هذا النّوع الحنفيّة سوى زفر، وهو ممّا لا يقتضيه العقد ولا يلائم مقتضاه لكن للنّاس فيه تعامل‏.‏

ومثاله إذا اشترى نعلاً على أن يحذوها البائع أو جراباً على أن يخرزه له خفّاً فإنّ هذا الشّرط جائز لأنّ النّاس تعاملوا به في البيع كما تعاملوا بالاستصناع فسقط القياس بعدم الجواز بتعامل النّاس‏.‏

النّوع السّادس‏:‏ اشتراط البائع نفعاً مباحاً معلوماً، وهذا عند الحنابلة ومن أمثلته ما لو باع داراً واشترط على المشتري أن يسكنها شهراً‏.‏

الشّرط الفاسد أو الباطل

21 - هو ضربان‏:‏ أحدهما‏:‏ ما يفسد العقد ويبطله، وثانيهما‏:‏ ما يبقى التّصرّف معه صحيحاً‏.‏

الضّرب الأوّل‏:‏ ما يفسد العقد ويبطله

أ - ضابطه‏:‏

22 - ضابط هذا الضّرب عند الحنفيّة‏:‏ اشتراط أمر يؤدّي إلى غرر غير يسير أو اشتراط أمر محظور أو اشتراط ما لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين أو للمعقود عليه ولا يلائم مقتضى العقد ولا ممّا جرى عليه التّعامل بين النّاس ولا ممّا ورد في الشّرع دليل بجوازه‏.‏ وضابطه عند المالكيّة‏:‏ اشتراط أمر محظور أو أمر يؤدّي إلى غرر أو اشتراط ما ينافي مقتضى العقد‏.‏

وضابطه عند الشّافعيّة‏:‏ اشتراط أمر لم يرد في الشّرع أو اشتراط أمر يخالف مقتضى العقد أو اشتراط أمر يؤدّي إلى جهالة‏.‏

وضابطه عند الحنابلة‏:‏ اشتراط عقدين في عقد أو اشتراط شرطين في عقد واحد أو اشتراط ما يخالف المقصود من العقد‏.‏

ب - أنواعه‏:‏

23 - لهذا الضّرب سبعة أنواع تؤخذ من ضوابطه‏:‏

النّوع الأوّل‏:‏ اشتراط أمر يؤدّي إلى غرر غير يسير، وهذا النّوع ذكره الحنفيّة والمالكيّة‏.‏ ومثاله عند الحنفيّة ما لو اشترى ناقةً على أنّها حامل لأنّه يحتمل الوجود والعدم ولا يمكن الوقوف عليه للحال فكان في وجوده غرر فيوجب فساد البيع‏.‏

ومثّل له المالكيّة بعسب فحل يستأجر على إعقاق الأنثى حتّى تحمل فلا يصحّ لما فيه من الجهالة ولأنّه يؤدّي إلى غبن صاحب الأنثى إن تعجّل حملها وإلى غبن صاحب الفحل إن تأخّر الحمل‏.‏ النّوع الثّاني‏:‏ اشتراط أمر محظور‏.‏

النّوع الثّالث‏:‏ اشتراط أمر يخالف الشّرع‏.‏

النّوع الرّابع‏:‏ اشتراط ما يخالف أو يناقض مقتضى العقد أو ينافي المقصود منه ومثاله ما لو باع داراً بشرط أن يسكنها مدّةً بطل البيع، أو شرط أن لا يبيعها‏.‏ لم يصحّ، أو تزوّج امرأةً على أن لا تحلّ له لم يصحّ النّكاح لاشتراط ما ينافيه‏.‏

النّوع الخامس‏:‏ اشتراط ما يؤدّي إلى جهالة، ومن أمثلة هذا النّوع ما لو باع شيئاً بثمن إلى نتاج النّتاج فهذا البيع لا يصحّ لما فيه من الجهالة في الأجل‏.‏

النّوع السّادس‏:‏ اشتراط أحد المتعاقدين على صاحبه عقداً آخر أو اشتراط البائع شرطاً يعلّق عليه البيع ومثاله كما في كشّاف القناع ما لو اشترط عليه سلفاً أي سلماً أو قرضاً بيعاً أو إجارةً أو شركةً أو صرف الثّمن أو صرف غيره أو غير الثّمن فاشتراط هذا الشّرط يبطل البيع كما صرّح الحنابلة لكونه من قبيل بيعتين في بيعة المنهيّ عنه‏.‏

والنّهي يقتضي الفساد وكقوله بعتك إن جئتني بكذا أو بعتك إن رضي فلان فلا يصحّ البيع لأنّ مقتضى البيع نقل الملك حال التّبايع والشّرط هنا يمنعه‏.‏

النّوع السّابع‏:‏ اشتراط ما لا يقتضيه العقد وفيه منفعة للبائع أو للمشتري وليس ممّا جرى به التّعامل بين النّاس نحو ما إذا باع داراً على أن يسكنها البائع شهراً ثمّ يسلّمها إليه أو أرضاً على أن يزرعها سنةً أو دابّةً على أن يركبها شهراً أو ثوباً على أن يلبسه أسبوعاً أو على أن يقرضه المشتري قرضاً أو على أن يهب له هبةً أو يزوّج ابنته منه أو يبيع منه كذا ونحو ذلك أو اشترى ثوباً على أن يخيطه البائع قميصاً أو حنطةً على أن يطحنها ونحو ذلك‏.‏

فالبيع في هذا كلّه فاسد كما صرّح الحنفيّة لأنّ زيادة منفعة مشروطة في البيع تكون رباً لأنّها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع وهو تفسير الرّبا والبيع الّذي فيه الرّبا أو الّذي فيه شبهة الرّبا فاسد‏.‏

الضّرب الثّاني من ضربي الشّرط الفاسد

24 - هو ما يبقى التّصرّف معه صحيحاً إمّا لأنّ المشترط أسقطه أو يبقى التّصرّف معه صحيحاً سواء أسقطه المشترط أو لم يسقطه‏.‏

وبهذا يتبيّن أنّ هذا الضّرب قسمان‏:‏

25 - أحدهما‏:‏ ما يحكم معه بصحّة التّصرّف إذا أسقطه المشترط، وقد ذكره المالكيّة في أقسام الشّرط الباطل‏.‏ وضابطه عندهم اشتراط أمر يناقض المقصود من البيع أو يخلّ بالثّمن فيه أو يؤدّي إلى غرر في الهبة، فأنواعه على هذا ثلاثة‏:‏

النّوع الأوّل‏:‏ اشتراط أمر ينافي المقصود من البيع كأن يشترط البائع على المشتري أن لا يبيع أو لا يهب، ونحو ذلك فإنّ هذا الشّرط إذا أسقطه المشترط فإنّ البيع يصحّ‏.‏

النّوع الثّاني‏:‏ اشتراط أمر يخلّ بالثّمن بأن يؤدّي إلى جهالة فيه بزيادة إن كان شرط السّلف من المشتري أو نقص إن كان من البائع كبيع وشرط سلف من أحدهما لأنّ الانتفاع بالسّلف من جملة الثّمن أو المثمّن وهو مجهول فهذا الشّرط إن حذفه المشترط صحّ العقد‏.‏

النّوع الثّالث‏:‏ اشتراط أمر يؤدّي إلى غرر ومثاله في الهبة ما لو دفع إلى آخر فرساً ليغزو عليه سنين وشرط الواهب أن ينفق الموهوب له عليه أي الفرس في تلك السّنين ثمّ تكون الفرس ملكاً للمدفوع له فلا يجوز ذلك للغرر‏.‏

26 - القسم الثّاني‏:‏ ما يحكم معه بصحّة التّصرّف سواء أسقطه المشترط أو لم يسقطه‏.‏

وهذا القسم يتناول الشّروط الباطلة الّتي تسقط ويصحّ معها التّصرّف عند الحنفيّة والشّروط الباطلة الّتي يصحّ معها التّصرّف عند المالكيّة والشّروط الفاسدة الّتي يصحّ معها التّصرّف عند الشّافعيّة والحنابلة، وقد سبقت ضوابط ذلك‏.‏

وأنواعه ما يأتي‏:‏

27 - النّوع الأوّل‏:‏ ذكره الحنفيّة وهو اشتراط ما لا يقتضيه العقد ولا يلائم مقتضاه ولم يرد شرع ولا عرف بجوازه وليس فيه منفعة لأحد المتعاقدين أو للمعقود عليه من أهل الاستحقاق‏.‏ ومثاله كما في البدائع لو شرط أحد المزارعين في المزارعة على أن لا يبيع الآخر نصيبه ولا يهبه فالمزارعة جائزة والشّرط باطل‏.‏ لأنّ هذا الشّرط لا منفعة فيه لأحد فلا يوجب الفساد وهذا لأنّ فساد البيع في مثل هذه الشّروط لتضمّنها الرّبا وذلك بزيادة منفعة مشروطة في العقد لا يقابلها عوض ولم يوجد في هذا الشّرط لأنّه لا منفعة فيه لأحد إلاّ أنّه شرط فاسد في نفسه لكنّه لا يؤثّر في العقد فالعقد جائز والشّرط باطل‏.‏

النّوع الثّاني‏:‏ ذكره المالكيّة وهو اشتراط البراءة من العيوب أو من الاستحقاق، فإذا باع عرضاً أو حيواناً على البراءة من العيوب ثمّ اطّلع المشتري على عيب قديم فيه كان له ردّه ولا عبرة بشرط البراءة‏.‏

النّوع الثّالث‏:‏ اشتراط ما يخالف أو ينافي مقتضى العقد دون الإخلال بمقصوده وهذا النّوع ذكره المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

ومن أمثلته عند المالكيّة ما لو اشترط ربّ الوديعة على المودع ضمانها فلا ضمان عليه إذا تلفت في محلّ لا ضمان عليه فيه، لأنّ يد المودع يد أمانة فلا يضمن إلاّ بالتّعدّي الوديعة من الأمانات فلا يضمن إذا تلفت في هذه الحالة فيلغى الشّرط وتصحّ الوديعة‏.‏

ومن أمثلته عند الشّافعيّة ما لو قال‏:‏ أعمرتك هذه الدّار سنةً فعلى الجديد لو قال مع قوله‏:‏ أعمرتكها فإذا متّ عادت إليّ أو إلى وارثي فكذا هي هبة وإعمار صحيح في الأصحّ وبه قطع الأكثرون كما في الرّوضة فيلغو ذكر الشّرط‏.‏

ومن أمثلته عند الحنابلة ما لو اشترط أن لا خسارة عليه أو شرط أنّه متى نفق المبيع وإلاّ ردّه فهذا الشّرط لا يبطل البيع‏.‏

النّوع الرّابع‏:‏ اشتراط أمر يؤدّي إلى جهالة أو أمر غير مشروع كما لو باع بقرةً وشرط أن تدرّ كلّ يوم صاعًا فإنّ ذلك لا يصحّ لعدم القدرة عليه ولعدم انضباطه‏.‏

شرع من قبلنا

التّعريف

1 - الشّرع، والشّريعة، والشّرعة في اللّغة‏:‏ الطّريق الظّاهر الّذي يوصل منه إلى الماء، يقال‏:‏ شرعت الإبل شرعاً وشروعاً‏:‏ إذا وردت الماء‏.‏

والشّرع في الاصطلاح‏:‏ ما سنّه اللّه لعباده من الدّين وأمرهم باتّباعه‏.‏

‏"‏ ومن قبلنا ‏"‏ هم الأنبياء المرسلون قبل نبيّنا إلى الأمم السّابقة‏.‏

فشرع من قبلنا هو‏:‏ ما جاء به الرّسل من الشّرائع إلى الأمم الّتي أرسلوا إليها قبل مبعث النّبيّ‏.‏

وحدة الشّرائع السّماويّة

2 - الشّرائع السّماويّة كلّها من مصدر واحد، وهو اللّه سبحانه وتعالى، فهي لهذا متّحدة الأصول‏.‏ فلا تختلف في أصول الدّين، كوحدانيّة اللّه، ووجوب إخلاص العبادة له‏.‏ والإيمان بالبعث، والجنّة، والنّار، والملائكة، وغير ذلك من أصول الدّين‏.‏

قال اللّه تعالى لنبيّه‏:‏ ‏{‏شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ‏}‏‏.‏

اختلاف الشّرائع في الفروع

3 - الشّرائع السّماويّة قد تختلف في الأحكام الفرعيّة حسب اختلاف الزّمن والبيئات، وبسبب ظروف وملابسات خاصّة بأمّة من الأمم فتحرّم بعض أمور على أمّة لأسباب خاصّة بها‏.‏

كما حرّم على اليهود بعض أجزاء الحيوان، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ‏}‏‏.‏ ولكن هل نحن متعبّدون بفروع شرع من قبلنا من الأمم‏؟‏ اختلف علماء الأصول والفقه في ذلك‏.‏ وهل كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتعبّد قبل المبعث بشرع أحد من الأنبياء‏؟‏ منهم من قال‏:‏ كان يتعبّد، ومنهم من نفى ذلك‏.‏

وبناءً على هذا الاختلاف الأصوليّ والكلاميّ فإنّ ما هو من الشّرائع السّابقة وإن ورد ما يدلّ على إقراره فهو شرع لنا وإن ورد ما يدلّ على نسخه فليس شرعاً لنا بالاتّفاق‏.‏

وإن سكت شرعنا عن إقراره ونسخه فقد اختلف الفقهاء في ذلك‏:‏

فذهب الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة إلى أنّه شرع لنا، ثابت الحكم علينا، إذا قصّه اللّه علينا في القرآن من غير إنكار، ولا تقرير، فلا نأخذ من أحبارهم ولا من كتبهم‏.‏

واحتجّوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمهِ‏}‏، إلى قوله‏:‏ ‏{‏فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً‏}‏‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّ هذه الآيات وغيرها تدلّ على أنّ شرع من قبلنا من الأنبياء شرع لنا، وهي وإن لم تكن لازمةً لنا بنفس ورودها في تلك الشّريعة قبل مبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم فإنّها قد صارت شريعةً لنا بورودها على شريعتنا ولزمنا أحكامها‏.‏ بناءً على هذا استدلّوا بها على آراء فقهيّة ذهبوا إليها‏:‏

فقد استدلّ الحنفيّة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ‏}‏ على وجوب قتل المسلم بالذّمّيّ، واستدلّوا بقوله تعالى حكايةً عن نبيّ اللّه صالح عليه السلام‏:‏‏{‏قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ‏}‏‏.‏ على جواز قسم الشّرب بالأيّام، لأنّ اللّه تعالى أخبر عن نبيّه صالح بذلك ولم يعقبه بالنّسخ فصارت شريعةً لنا مبتدأةً‏.‏

واستدلّ المالكيّة على جواز الحكم بالأمارة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً‏}‏‏.‏ حكايةً عن نبيّ اللّه يعقوب عليه الصلاة والسلام ردّاً على قول إخوة يوسف‏:‏ ‏{‏إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ‏}‏‏.‏

وبنوا على ذلك أحكاماً كثيرةً‏:‏

منها‏:‏ لو وجد ميّت في دار الإسلام، وهو غير مختون وعليه زنّار فلا يدفن في مقابر المسلمين، استناداً إلى هذه الأمارة‏.‏

وقال الشّافعيّة في القول الأصحّ عندهم‏:‏ إنّ شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا، وإن ورد في شرعنا ما يقرّره، وقالوا‏:‏ إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا بعث معاذاً إلى اليمن قال له‏:‏ » كيف تقضي‏؟‏ فأجابه‏:‏ أقضي بما في كتاب اللّه، قال‏:‏ فإن لم يكن في كتاب اللّه‏؟‏ قال‏:‏ فبسنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال‏:‏ فإن لم يكن في سنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ أجتهد رأيي«‏.‏

ولم يذكر شرع من قبلنا فزكّاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم وصوّبه، فلو كان ذلك من مدارك الأحكام لما جاز العدول إلى الاجتهاد إلاّ بعد العجز عنه‏.‏

وتفصيل الموضوع وأدلّة المختلفين يرجع إليه في الملحق الأصوليّ‏.‏

شرقاء

انظر‏:‏ أضحيّة

شِرْك

انظر‏:‏ إشراك، اشتراك

الشّركة

التّعريف

1 - الشِّركة بكسر فسكون، كنعمة أو بفتح فكسر، ككلمة - ويجوز مع الفتح أيضاً إسكان الرّاء - اسم مصدر شرك، كعلم‏:‏ يقال‏:‏ شرك الرّجل الرّجل في البيع والميراث يشركه شركاً وشركةً، خلط نصيبه بنصيبه، أو اختلط نصيباهما‏.‏

فالشّركة إذن‏:‏ خلط النّصيبين واختلاطهما، والعقد الّذي يتمّ بسببه خلط المالين حقيقةً أو حكماً - لصحّة تصرّف كلّ خليط في مال صاحبه - يسمّى شركةً تجوّزاً، من إطلاق اسم المسبّب وإرادة السّبب‏.‏

وأمّا في الاصطلاح الفقهيّ‏:‏ فالشّركة قسمان‏:‏ شركة ملك وشركة عقد‏.‏

أمّا شركة العقد فسيأتي الكلام عليها في قسمها الخاصّ بها‏.‏

وأمّا شركة الملك فهي أن يختصّ اثنان فصاعداً بشيء واحد، أو ما هو في حكمه‏.‏

والّذي في حكم الشّيء الواحد هو المتعدّد المختلط بحيث يتعذّر أو يتعسّر تفريقه لتتميّز أنصباؤه‏.‏ سواء في ذلك العين والدّين وغيرهما‏.‏ فالدّار الواحدة، أو الأرض الواحدة، مثلاً تثبت فيها شركة الملك بين اثنين إذا اشترياها أو ورثاها أو انتقلت إليهما بأيّ سبب آخر من أسباب الملك، كالهبة والوصيّة والصّدقة‏.‏

وكذلك الإردبّان من القمح أو أحدهما من القمح والآخر من الشّعير، أو الكيسان من الدّنانير ذات السّكّة الواحدة، يخلطان معاً طواعيةً أو اضطراراً كإن انفتق الكيسان المتجاوران‏.‏

وقد أنكر بعضهم وقوع شركة الملك في الدّيون، لأنّ الدّين وصف شرعيّ في الذّمّة، فلا يملك وتمليكه ممّن هو عليه، هو في حقيقة الأمر، إسقاط لا تمليك‏.‏

ولكنّ الحقّ أنّه يملك، قالوا‏:‏ بدليل أنّ ما يقبضه أحد الدّائنين عن حصّته من الدّين المشترك يكون مشتركاً بين الدّائنين، حتّى ليتعذّر التّخلّص من هذه الشّركة إلاّ بإعمال الحيلة كأن يهب المدين لقابض قدر نصيبه ما قبضه، ويبرئه القابض من حصّته في الدّين‏.‏

أمّا غير الدّين والعين، فكحقّ صاحبي الدّار في حفظ نحو الثّوب تلقيه فيها الرّيح فإنّه حقّ مشترك بينهما شركة ملك، إذ يملكه كلاهما‏.‏

وليس يخالف أحد من أهل الفقه خلافاً يذكر في ثبوت شركة الملك، على هذا النّحو الّذي ذكره الحنفيّة، وإن لم يصرّح بعضهم باسمها بل يتعمّد كثير منهم أن يجمعوها في تعريف واحد مع شركة العقد، كما فعل بعض الشّافعيّة، إذ عرّف الشّركة مطلقاً بأنّها‏:‏ ثبوت الحقّ في شيء لاثنين فأكثر على جهة الشّيوع‏.‏

وبعض المالكيّة إذ عرّفها كذلك بأنّها‏:‏ تقرّر متموّل بين مالكين فأكثر‏.‏

تقسيم شركة الملك

أوّلاً‏:‏ إلى شركة دين، وشركة غيره

2 - أ - فشركة الدّين‏:‏ أن يكون الدّين مستحقّاً لاثنين فأكثر‏:‏ كمائة دينار في ذمّة تاجر تجزئةً لأصحاب الشّركة الّتي يعاملها‏.‏

ب - وشركة غير الدّين‏:‏ هي الشّركة الحاصلة في العين أو الحقّ أو المنفعة‏:‏ كما هو الحال بالنّسبة للسّيّارات أو المنسوجات أو‏.‏‏.‏‏.‏ المأكولات في المتجر المشترك، وبالنّسبة لحقّ شفعة الشّريكين فيما باعه ثالثهما، وحقّ سكنى الدّار أو زراعة الأرض لمستأجريها على الشّيوع ولا خلاف لأحد من فقهاء المذاهب في صحّة هذا التّقسيم‏.‏

ثانياً‏:‏ إلى اختياريّة، واضطراريّة - جبريّة

3 - أ - فالاختياريّة‏:‏ هي الّتي تكون بإرادة الشّريكين أو الشّركاء‏:‏ سواء بواسطة عقد أم بدونه، وسواء وقع العقد مشتركاً منذ بدايته، أم طرأ عليه اشتراكهما، أم طرأ الاشتراك في المال بعد العقد‏.‏

فمثال ما كان بواسطة عقد مشترك منذ البدء، ما لو اشترى اثنان دابّةً للجرّ أو الرّكوب، أو بضاعةً يتّجران فيها‏.‏ وكالشّراء قبول هبة شيء من ذلك، أو غيره، أو الوصيّة أو التّصدّق به‏.‏ ومثال ما كان بواسطة عقد طرأ اشتراكه أو اشتراكه في المال بعده، أن يقع الشّراء أو قبول الهبة أو الوصيّة من واحد، ثمّ يشرك معه آخر، فيقبل الآخر الشّركة - بعوض أو بدونه‏.‏ ومثال ما كان بدون عقد ما لو خلط اثنان ماليهما، وما لو اصطاد اثنان صيداً بشرك نصباه، أو أحييا أرضاً مواتاً‏.‏

ب - والاضطراريّة، أو الجبريّة‏:‏ هي الّتي تكون دون إرادة أحد من الشّريكين أو الشّركاء‏:‏ كما لو انفتقت الأكياس، واختلط ما فيها ممّا يعسر - إن لم يتعذّر - فصل بعضه عن بعض لتتميّز أنصباؤه، كبعض الحبوب‏.‏

أمّا إذا وقع الخلط بفعل أحد الشّركاء، دون إذن باقيهم، فقد قال ابن عابدين‏:‏ إنّ الخالط يملك ما خلطه بمال نفسه، ويكون مضموناً عليه بالمثل لتعدّيه، أي فلا شركة‏.‏

وهذا الّذي تقدّم لا خلاف فيه إلاّ في مثل مسألة‏:‏ تملّك شخص مال غيره بمجرّد الاستبداد بخلطه بمال نفسه، بحيث لا يتميّزان، أو يشقّ ويعسر تمييزهما، فقد قال الحنفيّة‏:‏ إنّه يملكه بذلك ويثبت في ذمّته للآخر بدله، وقال بذلك ابن القاسم، ومعه جماهير المالكيّة، والقاضي من الحنابلة، وقال‏:‏ إنّه قياس المذهب، وهو أحد أقوال الشّافعيّ اعتمده أكثر المتأخّرين من أصحابه، بعد أن قيّدوه في الأوجه بامتناع التّصرّف فيما ملك بالخلط، حتّى يؤدّي بدله لصاحبه، لأنّ الّذي ملكه كذلك، لو كان ملكه بمعاوضة رضائيّة لم يجز له التّصرّف فيه حتّى يرضى صاحبه بذمّته، فأولى إذا ملكه بدون رضاه‏.‏

ومن فقهاء المذاهب الثّلاثة، من ينكر هذا التّملّك القسريّ، ويجعل المال مشتركاً‏:‏ كما هو أحد أقوال الشّافعيّ، واختاره التّقيّ السّبكيّ، وأطال في الانتصار له، وعليه أشهب من المالكيّة، وجماهير متأخّري الحنابلة‏.‏

أحكام شركة الملك

4 - الأصل أنّ كلّ واحد من الشّريكين أو الشّركاء في شركة الملك أجنبيّ بالنّسبة لنصيب الآخر‏.‏ لأنّ هذه الشّركة لا تتضمّن وكالةً ما، ثمّ لا ملك لشريك ما في نصيب شريكه، ولا ولاية له عليه من أيّ طريق آخر‏.‏ والمسوّغ للتّصرّف إنّما هو الملك أو الولاية وهذا ما لا يمكن تطرّق الخلاف إليه‏.‏

ويترتّب على ذلك ما يلي‏:‏

5 - أ - ليس لشريك الملك في نصيب شريكه شيء من التّصرّفات التّعاقديّة‏:‏ كالبيع، والإجارة، والإعارة وغيرها، إلاّ أن يكون ذلك بإذن شريكه هذا‏.‏ فإذا تعدّى فآجر، مثلاً، أو أعار العين المشتركة فتلفت في يد المستأجر أو المستعير، فلشريكه تضمينه حصّته وهذا أيضاً ممّا لا خلاف فيه‏.‏

6 - ب - لكلّ شريك في شركة الملك أن يبيع نصيبه لشريكه، أو يخرجه إليه عن ملكه على أيّ نحو، ولو بوصيّة، إلاّ أنّ المشترك لا يوهب دون قسمة، ما لم يكن غير قابل لها‏.‏ وسيأتي استثناء حالة الضّرر‏.‏ هكذا قرّره الحنفيّة‏.‏

وهو في الجملة محلّ وفاق إلاّ أنّ هبة المشاع سائغة عند جماهير أهل العلم بإطلاق‏:‏ كما قرّره المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

والحنفيّة على أنّ هبة المشاع لا تجوز - بمعنى عدم إثبات ملك ناجز - فالهبة صحيحة، ولكن يتوقّف الملك على الإفراز ثمّ التّسليم‏.‏

7 - ج - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ للشّريك أن يبيع نصيبه لغير شريكه - في غير حالة الضّرر الآتية - بدون إذن منه، واستثنى الحنفيّة حالةً واحدةً‏:‏ هي حالة اختلاط المالين دون شيوع، لبقاء كلّ مال على ملك صاحبه، وإن عسر تمييزه، أو تعذّر‏:‏ سواء كان اختلاطاً عفويّاً، أم نتيجة خلط مقصود من جانب الشّركاء‏.‏ ففي هذه الحالة‏:‏ أي حالة اختلاط المالين دون شيوع‏:‏ لا بدّ من إذن الشّريك لشريكه ليصحّ بيعه لغيره، ما دام المال شركةً بينهما لم يقسم بعد‏.‏

وسرّ التّفرقة في الحكم بين هذه الحالة، حيث تتوقّف صحّة البيع لغير الشّريك على إذنه، وبين غيرها، حيث لا يوجد هذا التّوقّف، أنّه في حالة شيوع المال بين الشّريكين بسبب إرثهما إيّاه، أو وقوع شركتهما فيه بسبب آخر يقتضي هذا الشّيوع‏:‏ كشرائهما إيّاه معاً، أو إشراك أحدهما صاحبه فيه بحصّة شائعة يكون كلّ جزء في المال المشترك - مهما دقّ وصغر - مشتركاً بين الشّركاء، وبيع النّصيب الشّائع جائز للشّريك ولغيره، إذ لا مانع من تسليمه وتسلّمه فإنّ الإفراز ليس من شرائط التّسليم، ومن ثمّ فلا نزاع في صحّة بيع الحصّة الشّائعة فيما لا يقبل القسمة ذاتاً كالدّابّة، والبيت الصّغير إلاّ أنّه إذا سلّم البائع العين المشتركة كلّها، دون إذن شريكه، كان كالغاصب، والمشتري منه كغاصب الغاصب، بالنّسبة لحصّة الشّريك الّذي لم يبع‏:‏ حتّى إذا تلفت العين كان للّذي لم يبع حقّ الرّجوع بضمان حصّته على أيّ الشّخصين شاء‏:‏ البائع أو المشتري، ثمّ إذا رجع على المشتري، يرجع المشتري على البائع‏.‏

أمّا النّصيب غير الشّائع في شركة الملك، فباق على ملك صاحبه، إلاّ أنّه التبس بغيره أو تعسّر فصله‏.‏ وهذا الالتباس أو التّعسّر لا يمنع القدرة على تسليمه إلى الشّريك، إذا باعه إيّاه، ولكنّه يمنع هذه القدرة وينافيها إذا باع النّصيب لأجنبيّ عن الشّركة، دون إذن شريكه، إذ لا يمكن تسليمه أو تسلّمه، إلاّ مخلوطاً بنصيب هذا الشّريك، فيتوقّف على إذنه‏.‏

وقال القرافيّ المالكيّ في الذّخيرة‏:‏ إذا كانا شريكين في حيوان مثلاً بميراث أو غيره لا يجوز لأحدهما أن يتصرّف إلاّ بإذن شريكه‏:‏ فلو باع نصيبه وسلّم الجميع للمشتري بغير إذن شريكه، كان ضامناً على مقتضى القواعد‏.‏ لأنّ أحسن أحواله أن يكون كالمودع في الأمانة، وهذا إذا وضع يد الأجنبيّ يضمن لتعدّيه، ولا يلزم عدم صحّة البيع، لعدم قدرته على التّسليم‏:‏ لأنّه إن كان شريكه حاضراً، سلم البيع له، وتقع الخصومة بينه وبين المشتري، أو غائباً، رفع أمره إلى الحاكم، ويأذن له في البيع ووضع مال الغائب تحت يده‏.‏

حالة الضّرر

8 - بيع الحصّة الشّائعة في البناء أو الغراس، أو الثّمر أو الزّرع، لا يجوز‏.‏ ويعنون بيع الحصّة في ذلك منفردةً عن الأرض الّتي هي فيها‏.‏

أمّا بالنّسبة للبناء والغراس‏:‏ فإنّه إن شرط هدم البناء، وقلع الغراس، فلا يتأتّى دون هدم وقلع حصّة الشّريك الّذي لم يبع - لمكان الشّيوع - وذلك ضرر لا يجوز‏.‏ ولأنّ شرط بقائهما إنّما هو شرط منفعة لأحد المتعاقدين زائدة عن مقتضى البيع، فيكون شرطاً فاسداً في نفسه، مفسداً للعقد أيضاً، لمكان الرّبا، إذ هي زيادة عريّة عن العوض‏.‏

وأمّا بالنّسبة للثّمر أو الزّرع‏:‏ فإذا لم يبلغ أوان قطعه فبدون إذن الشّريك لا يصحّ بيع الحصّة لأجنبيّ، للحوق الضّرر به حينئذ، إذ سيطالب المشتري بقطع ما اشتراه، ولا سبيل إليه إلاّ بقطع حصّة هذا الشّريك‏.‏

9 - د - ذهب الفقهاء إلى أنّه في حضور الشّريك، لا ينتفع شريكه الآخر بالمال المشترك إلاّ بإذنه، لأنّه بدون الإذن يكون غصباً، ويدخل في الإذن‏:‏ الإذن العرفيّ‏.‏

فإذا ركب الشّريك الدّابّة المشتركة، أو حمل عليها، بدون إذن شريكه فتلفت أو هزلت ونقصت قيمتها، ضمن حصّة‏.‏ شريكه في حال التّلف، وضمن نقص قيمتها في حالة الهزال‏.‏

وإذا زرع الأرض المشتركة، أو بنى فيها، وشريكه حاضر، دون إذن منه، طبّقت أحكام الغصب‏:‏ فتنقسم الأرض بينهما، وعليه قلع ما وقع في نصيب شريكه، وضمان نقص أرضه‏.‏ إلاّ أن يكون الزّرع قد أدرك أو كاد، فليس عليه حينئذ إلاّ ضمان نقصان الأرض، دون قلع الزّرع وليس للشّريك الآخر أن يدفع إلى الّذي زرع الأرض المشتركة نصف البذر، على أن يكون الزّرع بينهما لأنّه بيع معدوم إن كان الزّرع لم ينبت بعد، وإلاّ فلا بأس بذلك، كما أنّه ليس له أيضاً أن يصرّ على قلع الزّرع متى كانت القسمة ممكنةً‏.‏

وهنا للشّافعيّة ضابط حسن‏:‏ الشّريك أمين إن لم يستعمل المشترك، أو استعمله مناوبةً - لأنّها إجارة فاسدة - وإلاّ‏:‏ فإن استعمله بإذن شريكه فعاريّة، أو بدون إذنه فغصب‏.‏ ومن الاستعمال حلب الدّابّة اللّبون‏.‏

10 - هـ – في حالة غيبة الشّريك أو موته، يكون لشريكه الحاضر أن ينتفع بالمشترك انتفاعاً لا يضرّ به‏.‏

11 - و - ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا احتاج المال المشترك إلى النّفقة - سواء للتّعمير، أم لغيره- كبناء ما تخرّب، وإصلاح ما وهى، وإطعام الحيوانات، ولكن نشب النّزاع بين الشّركاء‏:‏ فأراد بعضهم الإنفاق، وأبى الآخرون - ففي الحكم تفصيل، لأنّ المال إمّا قابل للقسمة أو غير قابل‏:‏

أ - ففي القابل للقسمة‏:‏ كالدّار الفسيحة، والحوانيت المعدّة للاستغلال والحيوانات المتعدّدة، لا إجبار على الممتنع، ولكن يقسم المال ليقوم بإصلاح ماله والإنفاق عليه من شاء، اللّهمّ إلاّ أن يكون الممتنع، على خلاف المصلحة، وصيّاً أو ناظر وقف - كما في دار مشتركة بين وقفين مثلاً - فإنّه يجبر، لأنّ تصرّفه منوط بالمصلحة‏.‏

ب - وإن لم يكن المال المشترك قابلاً للقسمة، أجبر الشّريك على المشاركة في النّفقة، لأنّ امتناعه مفوّت لحقّ شريكه في الانتفاع بماله وذلك كما في نفقة دابّة واحدة، أو كري نهر، أو مرمّة قناة أو بئر، أو إصلاح آلة ريّ، أو سفينة، أو حائط لا ينقسم لضيق عرصته - موضع بنائه - أو لحمولة عليه، إلاّ أن تكون الحمولة كلّها لغير طالب العمارة إلاّ أنّ متأخّري الحنفيّة مالوا إلى القول‏:‏ بأنّ الجدار الواسع العرصة ملحق هنا بما لا ينقسم، لتضرّر الشّريك فيه بعدم المشاركة في إصلاحه وترميمه‏.‏

والمالكيّة يوافقون الحنفيّة موافقةً تكاد تكون تامّةً، ويزيدون أنّ الشّريك إذا أصرّ على الامتناع، فإنّ القاضي يبيع عليه حصّته كلّها لمن يقوم بالنّفقة اللازمة‏.‏ ولم يجتزئوا ببيع ما يكفي لسداد هذه النّفقة، منعاً لضرر تكثير الشّركاء، ولا بإجبار الشّريك القادر على النّفقة وحده، دون لجوء إلى البيع - كما لم يلجأوا إليه في الحصّة الّتي هي وقف، ومنعوه إذا كان ثمّت ما يغني عنه‏:‏ من ريع لها متجمّع، أو أجرة متاحة بسبب وجود راغب في الاستئجار بأجرة معجّلة مثلاً- مع أنّه قد قيل عندهم بكلّ من هذا وذاك‏.‏

أمّا حيث لا يوجد ما يغني في الحصّة الموقوفة عن البيع، فإنّها تباع كلّها - كغير الموقوفة - منعاً لكثرة الأيدي، كما استدركه النّفراويّ على بعض شرّاح خليل، ولم يجعلوا الوقف مانعاً من البيع إلاّ إذا كان المشترك جميعه وقفاً، وحينئذ يقوم الطّالب بالنّفقة اللازمة، ثمّ يستوفي ما يخصّ الحصّة الأخرى من غلّتها‏.‏

ومع ما تقدّم فإنّ المالكيّة لا يرون إجبار الشّريك إذا امتنع عن الإصلاح الّذي ليس فيه نفع محقّق‏:‏ وقد مثّلوه بإصلاح العيون والآبار، حتّى لقد رفضوا قول من قال منهم بالإجبار إذا كان على هذه العيون أو الآبار زرع، أو شجر فيه ثمر مؤبّر‏.‏ ورأوا أن يقوم بالإصلاح الشّريك الّذي يريده، ثمّ يحول بين الشّريك الممتنع وبين كمّيّة الماء الزّائدة الّتي نتجت من عمليّة الإصلاح إلى أن يستوفي منه ما يخصّه من النّفقات، ولو ظلّ كذلك الدّهر كلّه‏.‏

نعم سياق كلام المالكيّة هنا في غير الحيوان، لكنّهم نصّوا - في موضعه - على ما يفيد أنّ الحيوان لا يختلف حكمه‏:‏ ذلك أنّهم جعلوا للقاضي السّلطة نفسها إذا كان الحيوان ملكاً خاصّاً، وامتنع مالكه عن الإنفاق عليه، غاية الأمر أنّهم زادوا إعطاء المالك خيار ذبح ما يجوز ذبحه من الحيوان حتّى إذا رفض هذا وذاك أيضاً ناب عنه القاضي‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة في نفقة الحيوان المشترك إلى نحو ما تقدّم عن الحنفيّة والمالكيّة‏.‏

أمّا في غير الحيوان، فلكلّ من الشّافعيّ وأحمد قولان‏:‏

قول بإجبار الشّريك على التّعمير والإنفاق مع شريكه، دفعاً للضّرر، وصيانةً للأملاك عن التّعطيل، وهذا هو الّذي اعتمده الحنابلة وكثير من الشّافعيّة‏:‏ كالغزاليّ وابن الصّلاح‏.‏

وقول بعدم الإجبار لأنّ الممتنع يتضرّر بالنّفقة أيضاً، والضّرر لا يزال بالضّرر، مع أنّه قد يكون له عذر، أو وجهة نظر، ثمّ كلّ ما ليست له روح فليست له في نفسه حرمة يستحقّ الإنفاق من أجلها، ولا في تعطيله إضاعة مال محرّمة شرعاً، إذ لا يعدّون التّرك من هذه الإضاعة، بل لا بدّ من فعل إيجابيّ‏:‏ كأن يقذف الشّخص بمتاعه إلى البحر‏.‏ وهذا هو الّذي اعتمده الشّافعيّة، وقال ابن قدامة‏:‏ إنّه أقوى دليلاً، وإن كان الجوريّ من الشّافعيّة يستثني النّبات ويلحقه بالحيوان‏.‏

ومن الشّافعيّة من جمع بين القولين، بأنّ الأمر يوكّل إلى القاضي‏:‏ فإن لم ير من الشّريك الممتنع إلاّ العناد أجبره، وإلاّ فلا‏.‏

رجوع الشّريك على شريكه بما أنفق

12 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا استقلّ بالنّفقة أحد الشّريكين فيما ينقسم، دون إذن شريكه، فمتبرّع لا رجوع له على شريكه بما أنفق - لا مثلاً ولا قيمةً، لأنّ له بالقسمة مندوحةً عن ذلك‏.‏ إلاّ أنّهم ذكروا أنّه لو خاف تلف المال المشترك، أو نقصانه، إذا لم ينفق عليه لنقله من مكانه - كما لو تعطّلت الشّاحنة بالمال المشترك في مكان مخوف، كبادية مثلاً - فإنّه ينفق على نقله، ويرجع بما أنفق على شريكه‏.‏

أمّا فيما لا ينقسم‏:‏ فقد أطلق ابن نجيم في ‏"‏ الأشباه ‏"‏ القول برجوع المنفق على شريكه، وأنّه - إن أمكن - يؤجّر العين ويستوفي من أجرتها مثل النّفقة الّتي أنفقها - إن كان قد أنفق بإذن القاضي - أو قيمة ما أجراه من أوجه الإصلاح إن لم يكن بإذن القاضي‏.‏

والشّريك الّذي يستقلّ بالإنفاق على المشترك، دون إذن شريكه ودون إذن من القاضي، لا يستحقّ الرّجوع على شريكه بشيء ممّا أنفق، عند الشّافعيّة لأنّه حينئذ متبرّع، حتّى في موضع الإجبار على المشاركة في النّفقة، قياساً على الّذي يقضي دين غيره بغير إذنه، وهو كذلك أيضاً عند الحنابلة، إلاّ في حالة الإجبار على المشاركة، إذا أنفق الشّريك بقصد الرّجوع على شريكه، بناءً على إحدى الرّوايتين عندهم في الّذي يقضي دون غيره بغير إذنه - أعنى رواية استحقاقه الرّجوع‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لو عمّر أحد الشّركاء الرّحى المشتركة بإذن شركائه أو مع سكوتهم استحقّ الرّجوع بحصصهم ممّا أنفقه في ذممهم، وإن كان إنفاقه مع إبائهم فلا يستحقّ الرّجوع بشيء في ذممهم ولكن يستوفي من الغلّة ثمّ ما يفضل من الغلّة فهو لهم جميعاً‏.‏

الدّين المشترك

13 - هو كلّ دين وجب بسبب واحد لشريكين فأكثر‏.‏ كما لو باع الشّريكان داراً مشتركةً بينهما بعقد واحد دون تحديد ثمن لكلّ منهما، أمّا لو تعدّدت الصّفقة الموجبة للدّين حقيقةً، أو حكماً اختلف السّبب، وانتفى الاشتراك في الدّين‏:‏ وذلك كالدّين الّذي استحقّ على مشتر واحد ثمناً لعين واحدة كدار، أو قطعة أرض يملكها اثنان ما دام كلّ منهما قد باع نصيبه بعقد مستقلّ، وإن أخذ على المشتري بعد ذلك صكّاً واحداً بجميع الدّين‏.‏ فهذا دين غير مشترك، لأنّه وجب بسببين‏.‏ لا بسبب واحد حقيقةً وحكماً، برغم اتّحاد المبيع والمشتري والصّكّ‏.‏ فلا سبيل لأحد البائعين على الآخر، إذا تقاضى من الدّين شيئاً‏.‏

ومن الدّين المشترك أيضاً كلّ دين وجب بسبب واحد لشريكين فأكثر‏.‏ وهو ما كان عوضاً عن مالين غير مشتركين، إلاّ أنّه استحقّ عنهما بصفقة واحدة‏:‏ كدار لهذا ودار لذاك، باعاهما معاً في عقد واحد بثمن إجماليّ لهما، دون أن يميّز فيه ثمن كلّ على حدة، لا ببيان مقدار - كستّمائة لهذا وأربعمائة لذاك - ولا بتحديد صفة، كنقود فضّيّة لهذا وذهبيّة لذاك، لأنّ مثل هذا التّمييز ينافي اتّحاد الصّفقة‏:‏ بدليل أنّ للمشتري حينئذ أن يقبل البيع في نصيب واحد، ويرفضه في نصيب الآخر، معتذراً بأنّ هذا الثّمن أو ذاك الوصف لا يناسبه‏.‏

ويترتّب على عدم اتّحاد الصّفقة أن لا يكون الدّين مشتركاً‏.‏ إلاّ أنّه في حالة التّمييز ببيان تفاضل الاستحقاقين، إذا زال التّفاضل باستيفاء الزّيادة عاد الدّين مشتركاً‏.‏

وزاد صاحب النّهاية أنّه ينبغي اشتراط أن لا يكون التّمييز في المقدار أو الصّفة قائماً أصلاً، وإن لم يتعرّض له في العقد‏.‏

قبض الدّين المشترك

14 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة، والحنابلة في رواية، وهو مقتضى مذهب المالكيّة إلى أنّ كلّ دين مشترك بين اثنين مثلاً، إذا قبض أحدهما منه شيئاً - ولو كان المؤدّي كفيل المدين، أو محالاً عليه من قبله فهو مقبوض عن الدّين المشترك، فيكون مشتركاً، وللّذي لم يقبض - ويسمّونه الشّريك السّاكت - أن يرجع على القابض، بنسبة حصّته في الدّين، كما أنّ له أن يترك للقابض ما قبض ليتملّكه، ويرجع هو بحصّته فيه على المدين رجوعاً مقيّداً بعدم التّوى، حتّى إذا تويت على المدين، كأن مات مفلّساً، عاد بها على القابض، إذ لم يسلّم له ما كان يرجو سلامته، وشرط السّلامة في مثله مفهوم عرفاً‏.‏

وسواء في ذلك كلّه كان الدّين دين معاوضة كألف هي ثمن دار بين الشّريكين، أم دين إتلاف، كما لو كانت الألف قيمة زرع لهما ضمنه قالعه أو محرقه، أم غيرهما، كما لو كانت ميراثاً ورثاه عن مورّث واحد، أو بدل قرض أقرضاه من مال مشترك بينهما‏.‏

أمّا أنّ ما يقبضه أحد الشّريكين يعتبر مقبوضاً عن الدّين المشترك، فذلك أنّه لا يمكن أن يكون مقبوضاً عن حصّة القابض وحده، إلاّ إذا وقعت قسمة الدّين بين الدّائنين، وهذا لم يحصل، ولا يمكن أن يحصل، لمعنيين‏:‏

15 - أوّلهما‏:‏ أنّ ما في الذّمّة لا يمكن تمييز بعضه من بعض‏.‏ وهذه هي حقيقة القسمة، فلا تتصوّر في الدّين إذن‏.‏

ثانيهما‏:‏ أنّ القسمة لا تخلو من معنى المعاوضة، لأنّ كلّ جزء فرضناه في المال المشترك، مهما صغر، فهو مشترك بين الشّريكين‏.‏ فلو صحّحناها بالنّسبة للدّين الّذي في الذّمّة، لكان معنى ذلك أنّ كلاً من الشّريكين اشترى ما وقع في نصيبه من ملك صاحبه في الدّين، بما تركه له من ملكه هو، وهذا ممتنع، لأنّه من قبيل بيع الدّين لغير من هو عليه‏.‏

وأمّا أنّ للشّريك السّاكت - الّذي لم يقبض - أن يرجع على المدين، فلأنّ دينه في ذمّة هذا المدين، وليست لهذا المدين ولاية دفعه لغيره، فلا يسقط بهذا الدّفع‏.‏ إلاّ أنّه إذا رجع الشّريك على القابض ابتداءً، كان عين حقّه فيما قبضه، لأنّ الدّين لا يتعيّن إلاّ بالقبض‏:‏ فليس للقابض أن يمنعه منه، ويعطيه من غيره سواء كان المقبوض مثل الدّين أم أجود أم أردأ، لأنّه ما دام الجنس واحداً فاختلاف الوصف بالجودة والرّداءة لا ينافي أنّ القبض عن الدّين‏:‏ ولذا يجبر الدّائن على قبول الأجود، فإذا فات المقبوض عند القابض بسبب ما كضياع، أو تلف، أو دفعه للغير في معاوضة، أو ضمان، أو تبرّع، فإنّه - في غير حالة تلفه بيد القابض دون تعدّ منه- يكون قد فوّت على شريكه حصّته فيه، ومن حقّ هذا الشّريك إذن أن يضمّنه إيّاها‏.‏ وفي حالة عدم التّعدّي لا تضمين، ولكن يكون الفوات كلّه على القابض، ونصيب الشّريك السّاكت في الدّين يظلّ كاملاً في ذمّة المدين‏.‏

أمّا إذا رجع الشّريك على القابض بعد تواء حقّه عند الغريم - المدين - فليس له إلاّ مثل هذا الحقّ في ذمّة القابض، ديناً كسائر الدّيون، لأنّه كان قد أسقط تعلّق حقّه بعين المقبوض، إذ خلّى بين القابض وبين تملّكه، وعدل إلى مطالبة الغريم‏.‏

ثمّ بعد أن يقبض الشّريك حصّته في المقبوض من القابض، يكون ما بقي في ذمّة المدين بينهما كلّ بقدر ما بقي له، وهي نفس نسبة حقّيهما في الدّين الأصليّ‏.‏

هذا الحكم، أعني كون ما يقبضه أحد الشّريكين من الدّين شركةً بينهما أطلقه أبو حنيفة‏:‏ سواء أجّل أحد الشّريكين حصّته في الدّين أم لم يؤجّل، لأنّ هذا التّأجيل من أحدهما لغو عنده، إذ هو يتضمّن القسمة - بدليل أنّ الحالّ غير المؤجّل، وصفاً كما هو ظاهر، وحكماً، لامتناع المطالبة بالمؤجّل دون الحالّ‏.‏

وذهب أبو يوسف وهو رواية عن محمّد إلى أنّ التّأجيل يمنع المطالبة فإن أجّل أحدهما نصيبه استقلّ القابض بما قبض خلال الأجل إلى أن يحلّ، لأنّ الأجل يمنع المطالبة‏.‏

ذلك أنّ هذا التّأجيل صحيح عندهما، إذ هو تصرّف المالك في خالص ملكه، فينفذ قياساً على الإبراء، بل ليس هو إلاّ إبراءً مؤقّتاً، فيعتبر بالمطلق‏.‏ فإذا حلّ الأجل، اعتبر كأن لم يكن، ثمّ إن كان الشّريك الآخر قد قبض من الدّين شيئاً رجع عليه هذا بحصّته فيه، إن كانت باقيةً، وإلاّ ضمّنه إيّاها‏.‏

وعند الحنابلة لمن أخّر حصّته من الدّين الحالّ أن يشارك من لم يؤخّر فيما يقبضه من الدّين، واستثنوا ما إذا كان القبض بإذن الشّريك، وتلف المقبوض، ولم يحلّ الأجل بعد‏.‏

والّذي يؤخذ من تقرير ابن رجب في قواعده لمذهب الحنابلة - وهو الّذي اختاره ابن تيميّة - أنّهم يجعلون ما يقبضه أحد الشّريكين له خاصّةً، بل منهم من نصّ على ذلك بصريح العبارة، كما فعل القاضي‏.‏

ما يقوم مقام القبض‏:‏ ما يعادل الوفاء

16 - هناك أشياء تعادل الوفاء بالدّين، كلاً أو بعضاً‏.‏ إلاّ أنّ هذه منها ما يقوم مقام القبض من دائن بعينه، لأنّه اقتضاء للدّين معنىً‏:‏ كما لو سقط الدّين عن ذمّة مدينه بطريق المقاصّة بدين له لاحق - كأن باع المدين الدّائن، أو آجره، أو أقرضه شيئاً، صالحه عن دينه بشيء ما، أو رهنه به رهناً فتلف عنده، أو أتلف له الدّائن شيئاً، أو غصبه إيّاه فهلك عنده، أو فوّت عليه عيناً اشتراها منه شراءً فاسداً، بتلفها أو خروجها من يده‏.‏

ومنها ما يقوم مقام الإقباض والقضاء، لا القبض والاقتضاء‏:‏ كما لو سقط الدّين عن ذمّة المدين بدين له سابق، إذ القاعدة‏:‏ أنّ الدّينين إذا التقيا قصاصاً يكون الثّاني قضاءً للأوّل، لأنّ الأوّل كان واجب القضاء قبله - كما لو اشتريت منه شيئاً وقبضته، ثمّ أتلفه عليك قبل أن يستوفي ثمنه‏.‏

ومنها ما لا مقاصّة فيه أصلاً، بل هو بمثابة الإتلاف‏:‏ كهبة الدّين والإبراء منه، أو ليس بإتلاف، ولكن لا يسلّم للموفي به ما يحتمل الشّركة فيه‏:‏ كما لو سقط الدّين عن ذمّة المرأة بجعله مهراً لها، أو عن ذمّة مستحقّ القصاص بجعله بدل صلح عن جناية العمد - قتلاً أو غيره، كما لو شجّ المدين موضحةً‏:‏ لأنّ العقد في هذين الموضعين وقع على نفس الدّين - فملك بعينه، ثمّ سقط - لا على شيء في ذمّة الزّوج أو الجاني، حتّى تقع المقاصّة، ويصدق أنّه قد سلّم لكلّ منهما ما يقبل الشّركة، وهو ما التزماه في ذمّتيهما‏:‏ ومن البيّن أنّ بضع المرأة، وسقوط القصاص عن الجاني، كلاهما لا يقبل الشّركة‏.‏

وقد روي عن محمّد مثل ذلك في الإجارة إذا قيّدت بنفس الدّين، لأنّ المنفعة ليست من قبيل المال المطلق‏.‏

وقد صرّح الحنفيّة بأنّه إذا استوفى أحد الشّريكين نصيبه في الدّين المشترك بينه وبين آخر، بأحد هذه الوجوه، فإنّ شريكه لا يستحقّ الرّجوع عليه - بمعنى أن يخيّر بين هذا الرّجوع والرّجوع على الدّين - إلاّ فيما هو لو اقتضاه وقبض في المعنى، حيث يسلّم للقابض شيء يقبل الشّركة، لا فيما هو قضاء أو إتلاف‏.‏

إلاّ أنّ الرّجوع في حالة الصّلح - وقوامه المسامحة والتّغاضي - يختلف عنه فيما عداه ممّا يعتمد المماكسة والتّشاحّ‏:‏ كالبيع والإجارة‏:‏ فإنّ في حالة البيع مثلاً، يكون للشّريك بالنّصف أن يرجع بالرّبع على شريكه الّذي اشترى بنصيبه شيئاً من المدين، وأن يلزمه بذلك، إذ لا غبن فيه على المشتري، نظراً إلى أنّ الظّاهر أنّه استوفى حقّه، فإنّ شأن المشتري أن لا يدّخر وسعاً في الحصول على ما يعادل أو يفوق الثّمن الّذي يدفعه‏.‏ ولا شأن للشّريك الرّاجع بما اشتراه شريكه، لأنّه إنّما اشتراه بثمن في ذمّته، ثمّ وقع التّقاصّ بين هذا الثّمن وما يساويه من الدّين في ذمّة المدين البائع - نعم إذا تراضيا على أن يجعلا هذا المشترى بينهما فذلك لهما، وهي صفقة مستقلّة‏:‏ كأنّ الشّريك الرّاجع اشترى نصفه بربع الدّين الّذي استحقّه على المشتري‏.‏

أمّا في حالة الصّلح، فإنّه إذا رجع الشّريك على شريكه الّذي صالح عن نصيبه بشيء ما، لم يملك إلزامه بربع الدّين، لأنّه قد يكون أكثر ممّا حصل عليه بطريق الصّلح، لبنائه على المسامحة كما قلنا‏.‏ بل يكون للشّريك الصّالح الخيار بين إعطائه ربع الدّين، وإعطائه نصف الشّيء الّذي صالح عليه‏.‏

إذا أبرأ أحد الدّائنين مدينهما من بعض حصّته في الدّين المشترك، لم يبق له في ذمّته إلاّ باقي حصّته، وللآخر حصّته كاملةً‏:‏ فإذا وقع لهما قبض شيء من الدّين، فإنّ قسمته بينهما - إذا تأخّرت عن الإبراء - تكون على هذه النّسبة‏:‏ أي نسبة ما بقي للمبرئ إلى تمام حصّة الآخر، أو كما يقولون‏:‏ تكون القسمة على ما بقي من السّهام‏.‏

ويستوي أن يكون الإبراء قبل القبض أو بعده - لصحّة الإبراء بعد القبض‏.‏ فإذا كان الدّين ألفاً مثلاً، لكلّ واحد منهما خمسمائة، فأبرأ أحدهما المدين من مائة، فما بقي للمبرئ إنّما هو أربعة أخماس ما لصاحبه، فتكون قسمة ما يقبضه على هذه النّسبة‏.‏

أمّا إذا وقع هذا الإبراء بعد القسمة على التّساوي، فالقسمة ماضية على الصّحّة، لأنّ حقّيهما عندها كانا متساويين، ثمّ يرجع المدين على مبرئه بالمائة الّتي أبرئ منها وهذا موضع وفاق، إلاّ أنّ صحّة الإبراء بعد القبض ممّا تفرّد به الحنفيّة‏.‏