فصل: ثالثاً: انتقاض الوضوء بخروج المخاط ونحوه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الحيلة في الإجارة والمساقاة

25 - الأصل أنّ اشتراط المرمّة على المستأجر يفسد الإجارة‏,‏ والحيلة في جواز ذلك عند الحنفيّة والحنابلة‏:‏ أن ينظر إلى قدر ما يحتاج إليه‏,‏ فيضمّ إلى الأجرة‏,‏ ثمّ يأمره المؤجّر بصرفه إلى المرمّة‏,‏ فيكون المستأجر وكيلاً بالإنفاق‏.‏

وكذلك اشتراط خراج الأرض على المستأجر غير جائزٍ‏,‏ لأنّ الأصل أنّ الخراج على المالك وليس على المستأجر‏,‏ والحيلة في جوازه عند الحنفيّة والحنابلة‏:‏ أن يزيد في الأجرة بقدره‏,‏ ثمّ يأذن له أن يدفع في خراجها ذلك القدر الزّائد على أجرتها‏,‏ لأنّه متى زاد مقدار الخراج على الأجرة أصبح ذلك ديناً على المستأجر‏,‏ وقد أمره أن يدفعه إلى مستحقّ الخراج وهو جائز‏.‏

ونظير هذا عند الحنفيّة أن يؤجّر دابّةً‏,‏ ويشترط علفها على المستأجر‏,‏ فإنّه غير جائزٍ‏,‏ لأنّه مجهول والأجر من شرطه أن يكون معلوماً والحيلة في جوازه كما سبق‏.‏

وهذه الحيلة غير محتاجٍ إليها عند الحنابلة‏,‏ لأنّهم يجوّزون استئجار الظّئر بطعامها وكسوتها والأجير بطعامه وكسوته‏,‏ فكذلك إجارة الدّابّة بعلفها وسقيها‏.‏

والأصل عند الحنفيّة‏:‏ أنّ الإجارة تنفسخ بموت أحد طرفي العقد‏,‏ وبه قال الثّوري واللّيث وعلى هذا إذا أراد المستأجر أن لا تنفسخ بموت المؤجّر‏,‏ فالحيلة‏:‏ أن يقرّ المؤجّر بأنّها للمستأجر عشر سنين يزرع فيه ما شاء‏,‏ وما خرج فهو له‏,‏ فلا تبطل بموت أحدهما‏.‏ والأصل عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة‏:‏ أنّه لو دفع غزلاً لآخر لينسجه له بنصف الغزل‏,‏ أواستأجر بغلاً ليحمل طعامه ببعضه‏,‏ أو ثوراً ليطحن برّه ببعض دقيقه‏,‏ فسدت الإجارة في الكلّ‏,‏ لأنّه استأجره بجزء عمله‏,‏ ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطّحّان‏.‏

والحيلة في جواز ذلك عند الحنفيّة‏:‏ أن يفرز الأجر أوّلاً ويسلّمه إلى الأجير‏,‏ أو يسمّي قفيزاً بلا تعيينٍ‏,‏ ثمّ يعطيه قفيزاً منه فيجوز‏,‏ فلو خلطه بعد ذلك‏,‏ وطحن الكلّ ثمّ أفرز الأجرة‏,‏ وردّ الباقي جاز‏,‏ لأنّه لم يستأجره أن يطحن بجزء منه‏.‏

الحيلة في الرّهن

26 - الأصل عند الحنفيّة أنّه لا يجوز رهن مشاعٍ‏,‏ والحيلة في جواز ذلك عندهم‏:‏ أن يبيع نصف داره مشاعاً من طالب الرّهن‏,‏ ويقبض منه الثّمن على أنّ المشتري بالخيار‏,‏ ويقبض الدّار ثمّ يفسخ البيع بحكم الخيار‏,‏ فتبقى في يده بمنزلة الرّهن بالثّمن‏.‏

وأمّا الأئمّة الثّلاثة فلا حاجة للحيلة عندهم‏,‏ لأنّه يجوز عندهم رهن مشاعٍ‏.‏

الحيلة في الوكالة

27 - الأصل أنّ شراء الوكيل المعيّن من نفسه غير جائزٍ عند الحنفيّة وهو رواية عن أحمد لأنّ الآمر اعتمد عليه في شرائه فيصير كأنّه قد خدعه بقبول الوكالة ليشتريه لنفسه‏,‏ وأنّه لا يجوز‏.‏

والحيلة عند من يقول بعدم جواز ذلك‏:‏ أن يشتريه بخلاف جنس ما أمر به‏,‏ أو بأكثر ممّا أمر به أو بأقلّ ممّا أمر به‏,‏ لأنّه خالف أمر الآمر فلا ينفذ تصرفه عليه‏,‏ ولا يكون آثماً في اكتساب هذه الحيلة ليشتريها لنفسه‏.‏

الحيلة في الكفالة‏:‏

28 - رجل كفل بنفس رجلٍ آخر على أنّه إن لم يواف بما عليه غداً فهو ضامن للمال الّذي للطّالب على المطلوب‏,‏ فلم يواف المطلوب‏,‏ فالكفيل ضامن المال‏,‏ فهذا يجوز عند أبي حنيفة ولا يجوز عند بعض فقهاء الأحناف‏.‏

والحيلة في ذلك حتّى يجوز عند الجميع‏:‏ أن يشهد عليه أنّه ضامن للألف الّتي على المطلوب‏,‏ على أنّه إن وافى به غداً فهو بريء‏,‏ فيجوز من غير خلافٍ بين فقهاء الأحناف‏.‏

الحيلة في الحوالة

29 - الأصل أنّ الحوالة لا تصح إلا برضا المحتال‏,‏ فإذا أراد المدين أن يحيل الدّائن على رجلٍ ولم يقبل الدّائن الحوالة مخافة أن يتوي حقه‏,‏ فالحيلة في ذلك‏:‏ أن يشهد المدين أنّ الدّائن وكيل له في قبض ماله على غريمه‏,‏ ويقرّ له الغريم بالوكالة‏,‏ أو أنّ الحيلة يقول طالب الحقّ - الدّائن - للمحال عليه‏:‏ اضمن لي هذا الدّين الّذي على غريمي‏,‏ ويرضى منه بذلك بدل الحوالة‏,‏ فإذا ضمنه تمكّن من مطالبة أيّهما شاء‏.‏

الحيلة في الصلح

30 - اختلف الفقهاء فيما يجوز الصلح عليه من حالات الإقرار والإنكار والسكوت‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلحٍ ف 11 وما بعدها‏)‏‏.‏

والحيلة على الصلح على الإنكار - عند من يمنعه - أن يقول رجل أجنبي للمدّعي‏:‏ أنا أعلم أنّ ما في يد المدّعى عليه لك‏,‏ وهو يعلم أنّك صادق في دعواك‏,‏ وأنا وكيله فصالحني على كذا‏,‏ فينقلب حينئذٍ على الإنكار وهو جائز‏,‏ وإن دفع المدّعى عليه المال إلى الأجنبيّ وقال‏:‏ صالح عنّي جاز أيضاً‏.‏

والحيلة في جواز الصلح على الإقرار عند من يمنعه‏:‏ أن يبيعه سلعةً ويحابيه فيها بالقدر الّذي اتّفقا على إسقاطه بالصلح‏.‏

الحيلة في الشّركة

31 - الأصل عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في ظاهر المذهب أنّه لا تجوز الشّركة في العروض‏,‏ كما إذا كان لأحدهما متاع ومع الآخر مال‏,‏ فأراد أن يشتركا‏,‏ فالحيلة في ذلك أن يبيع صاحب المتاع من صاحب المال بنصف ذلك المال‏,‏ فيصير المال والمتاع بينهما نصفين‏,‏ ثمّ يتعاقدان الشّركة على ما يريدان‏,‏ وكذلك الحكم إذا كان مع كلّ واحدٍ متاع‏,‏ فالحيلة‏:‏ أن يبيع كل واحدٍ منهما نصف متاعه من صاحبه بنصف متاع صاحبه‏,‏ ويتقابضان ويتّفقان ويشتركان على ما اتّفقا‏.‏

وللحيل في الشّركة أمثلة أخرى كثيرة ذكرها النّووي وابن القيّم‏.‏

ولا حاجة إلى هذه الحيل عند المالكيّة‏,‏ وهو رواية عن أحمد لأنّه تجوز عندهم الشّركة في العروض بالقيمة‏.‏

الحيلة في المضاربة

32 - الأصل أنّ المضارب أمين فلا يضمن ما تلف تحت يده من مال المضاربة ما لم يتعدّ أو يقصّر‏,‏ ولو شرط رب المال على المضارب ضمان مال المضاربة لم يصحّ‏.‏

والحيلة في تضمينه عند الحنفيّة والحنابلة‏:‏ أن يقرض رب المال المضارب ما يريد دفعه إليه‏,‏ ثمّ يخرج من عنده درهماً واحداً‏,‏ فيشاركه على أن يعملا بالمالين جميعاً على أنّ ما رزقه اللّه تعالى فهو بينهما نصفين‏,‏ فإن عمل أحدهما بالمال بإذن صاحبه فربح كان الرّبح بينهما على ما شرطاه‏,‏ وإن خسر كان الخسران على قدر المالين‏,‏ وعلى ربّ المال بقدر الدّرهم‏,‏ وعلى المضارب بقدر رأس المال‏,‏ وذلك لأنّ المضارب هو الملزم نفسه الضّمان بدخوله في القرض‏.‏

الحيلة في الهبة

33 - الأصل أنّ الموهوب إن كان مشغولاً بملك الواهب لا تصح الهبة‏,‏ كما لو وهب دابّةً عليها سرجه‏,‏ وسلّمها كذلك لا تصح الهبة كما صرّح به الحنفيّة‏,‏ لأنّ استعمال السّرج إنّما يكون للدّابّة‏,‏ فكانت للواهب عليه يد مستعملة‏,‏ فتوجب نقصاناً في القبض‏.‏

والحيلة في جواز ذلك عند الحنفيّة‏:‏ أن يودع الشّاغل أوّلاً عند الموهوب له‏,‏ ثمّ يسلّمه الدّابّة‏,‏ فتصح لشغلها بمتاع في يده‏.‏

وكذلك لو وهب داراً فيها متاع الواهب‏,‏ أو جراباً فيه طعامه‏.‏

الحيلة في المزارعة

الأصل عند أبي حنيفة أنّه لا تجوز المزارعة بالنّصف أو الثلث أو الربع‏,‏ والحيلة في ذلك حتّى تجوز المزارعة في قول أبي حنيفة‏:‏ أن يأخذها مزارعةً‏,‏ ثمّ يتنازعان إلى قاضٍ يرى أنّ المزارعة جائزة فيحكم بجوازها عليهم‏,‏ فيجوز ذلك إذا قضى به قاضٍ‏,‏ أو يكتبان كتاب إقرارٍ عنهما يقرّان بذلك‏,‏ فيجوز إقرارهما بذلك على أنفسهما‏,‏ ولا حاجة إلى الحيلة على قول أبي يوسف ومحمّدٍ لأنّ المزارعة ببعض الخارج جائزة عندهما‏,‏ والفتوى على قولهما لحاجة النّاس‏.‏

الحيلة في إسقاط حدّ السّرقة والزّنا

35 - الأصل أنّه يشترط للقطع في السّرقة بجانب الشروط الأخرى أن يكون المسروق ملكاً لغير السّارق‏,‏ وإليه ذهب جميع الفقهاء‏,‏ فلا قطع على من سرق مال نفسه من يد غيره كالمرتهن والمستأجر‏.‏

وعلى هذا فمن الحيل لمنع القطع كما صرّح به الشّافعيّة‏:‏ أن يدّعي السّارق أنّ المال المسروق ملكه‏,‏ أو سرقه شخصان‏,‏ ثمّ ادّعى أحدهما أنّ المسروق له أو لهما‏,‏ فكذّبه الآخر‏,‏ لم يقطع‏,‏ لأنّ ما ادّعاه محتمل في ذاته‏,‏ وإن كذّبه الشّرع أو الحس‏,‏ أو قامت بيّنة بخلافه‏,‏ أو كذّبه المقر أو المقر له‏,‏ وكذا لو ادّعى أنّه أخذه من غير حرزٍ‏,‏ أو أنّه دون نصابٍ‏,‏ أو أنّ المالك أذن له في الأخذ لم يقطع‏,‏ نظراً إلى أنّ الحدود تدرأ بالشبهات‏.‏ قال أبو حامدٍ من الشّافعيّة‏:‏ هذه الدّعاوى كلها من الحيل المحرّمة‏,‏ ويسمّى مدّعيها بالسّارق الظّريف كما قال الشّافعي‏.‏

وأمّا دعوى زوجيّة المزنيّ بها لإسقاط حدّ الزّنا فمن الحيل المباحة‏.‏

الحيلة في الإفتاء

36 - صرّح الشّافعيّة بأنّه يكره للمفتي تتبع الحيل طلباً للتّرخيص على من يروم نفعه‏,‏ أو التّغليظ على من يروم ضرّه‏,‏ فمن فعل هذا فلا وثوق به‏,‏ وأمّا إذا صحّ قصده فاحتسب في طلب حيلةٍ لا شبهة فيها‏,‏ ولا تجر إلى مفسدةٍ ليخلّص بها المستفتي من ورطة يمينٍ ونحوها فذلك حسن‏,‏ وعليه يحمل ما جاء عن بعض السّلف من هذا‏.‏

ويحرم سؤال من عرف بالتّساهل واتّباع الحيل المذكورة‏.‏

وفي واضح ابن عقيلٍ للحنابلة‏:‏ أنّه يستحب إعلام المستفتي بمذهب غيره إن كان أهلاً للرخصة كطالب التّخلص من الرّبا فيردّه إلى من يرى الحيل جائزةً للخلاص منه‏.‏

ويرى ابن القيّم‏:‏ أنّه لا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرّمة والمكروهة‏,‏ ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه‏,‏ فإن حسن قصده في حيلةٍ جائزةٍ لا شبهة فيها ولا مفسدة لتخليص المستفتي بها من حرجٍ جاز ذلك‏,‏ بل استحب‏,‏ وقد أرشد اللّه تعالى نبيّه أيوب عليه السلام إلى التّخلص من الحنث بأن يأخذ بيده ضغثاً‏,‏ فيضرب به المرأة ضربةً واحدة‏,‏ وأرشد النّبي صلى الله عليه وسلم بلالاً إلى بيع التّمر بدراهم ثمّ يشتري بالدّراهم تمراً آخر فيتخلّص من الرّبا‏,‏ فأحسن المخارج ما خلّص من المآثم‏,‏ وأقبحها ما أوقع في المحارم‏.‏

مُخارجة

انظر‏:‏ تخارج‏.‏

مَخاض

التّعريف

1 - المخاض بفتح الميم والكسر - لغة - وَجَعُ الولادة‏.‏

يقال‏:‏ مخضت المرأة وكل حاملٍ‏:‏ دنا ولادها وأخذها الطّلق‏.‏

وجاء في التّنزيل‏:‏ ‏{‏فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ‏}‏ أي ألجأها وجع الطّلق إلى جذع النّخلة‏.‏

والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الولادة‏:‏

2 - الولادة وضع الوالدة ولدها‏.‏

والمخاض يسبق الولادة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمخاض

أ - الموت في المخاض‏:‏

3 - قال الفقهاء‏:‏ الميّتة في المخاض شهيدة في الآخرة بمعنى أنّ لها أجر الشهداء في الآخرة لحديث راشد بن حبيشٍ‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دخل على عبادة بن الصّامت يعوده في مرضه‏,‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أتعلمون من الشّهيد في أمّتي ‏؟‏ فأرم القوم‏,‏ فقال عبادة‏:‏ ساندوني فأسندوه‏,‏ فقال‏:‏ يا رسول اللّه‏,‏ الصّبّار المحتسب، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّ شهداء أمّتي إذاً لقليل‏,‏ القتل في سبيل اللّه عزّ وجلّ شهادة‏,‏ والطّاعون شهادة‏,‏ والغرق شهادة‏,‏ والبطن شهادة‏,‏ والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنّة» ولكنّها تغسّل وتكفّن ويصلّى عليها‏,‏ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلّى على امرأةٍ ماتت في النّفاس فقام وسطها»‏.‏

ب - تبرع المرأة في المخاض‏:‏

4 - لا ينفذ تبرع المرأة في مخاضها‏,‏ أو بعد الولادة قبل انفصال المشيمة إلا في الثلث‏.‏ لخطر الولادة‏,‏ فأعطيت حكم المريض مرض الموت فيوقف ما زاد على الثلث‏,‏ فإن انفصلت المشيمة ولم يحصل بالولادة جرح أو ضربان شديد أو ورم‏,‏ نفذ تبرعها‏.‏

مُخَاط

التّعريف

1 - المخاط في اللغة‏:‏ ما يسيل من الأنف كاللعاب من الفم‏,‏ والمخطة‏:‏ ما يقذف الرّجل من أنفه‏,‏ يقال‏:‏ امتخط أي أخرج مخاطه من أنفه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - النخاعة‏:‏

2 - النخاعة بالضّمّ‏:‏ ما يخرجه الإنسان من حلقه من مخرج الخاء المعجمة من البلغم‏,‏ أو هي‏:‏ ما يخرج من الخيشوم عند التّنخع‏.‏

والنخامة هي النخاعة وزناً ومعنىً يقال‏:‏ تنخّم وتنخّع‏:‏ رمى بالنخامة والنخاعة‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ النخاعة أو النخامة هي الفضلة الغليظة الّتي يلفظها الشّخص من فيه‏,‏ سواء من دماغه أو من باطنه‏.‏

والعلاقة بينهما أنّ النخاعة أعم من المخاط‏.‏

ب - اللعاب‏:‏

3 - من معاني اللعاب في اللغة‏:‏ ما سال من الفم‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

وكل من المخاط واللعاب يخرج من الباطن‏,‏ غير أنّ المخاط يخرج من الأنف واللعاب من الفم‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمخاط

أوّلاً‏:‏ طهارة المخاط

4 - اتّفق الفقهاء على أنّ المخاط طاهر‏,‏ وأنّ الصّلاة في ثوبٍ فيه مخاط صحيحة‏,‏ لحديث‏:‏ «فإذا تنخّع أحدكم فليتنخّع عن يساره تحت قدمه‏,‏ فإن لم يجد فليقل هكذا - وصفه الرّاوي- فتفل في ثوبه ثمّ مسح بعضه ببعض»‏.‏

إلا أنّ المالكيّة عمّموا فقالوا‏:‏ مخاط الحيوان الحيّ الطّاهر ولعابه ودمعه وعرقه طاهر‏,‏ سواء كان بحرياً أو برّياً‏,‏ ولو خلق من عذرةٍ أو كلباً‏,‏ أو خنزيراً‏,‏ ولو كان جلالةً أو سكران حال سكره‏,‏ أو أكل نجساً أو شربه‏,‏ ولا تكره الصّلاة في ثوبٍ فيه عرق شارب خمرٍ أو مخاطه أو بصاقه‏.‏

واختلفوا في حكم ما صعد من المعدة من البلغم‏:‏

فذهب أبو حنيفة ومحمّد والحنابلة والمالكيّة إلى أنّه طاهر ولا فرق عندهم بين ما نزل من الصّدر أو الدّماغ وبين ما صعد من المعدة من البلغم‏,‏ واستدلوا بظاهر حديث أبي هريرة رضي الله عنه السّابق‏,‏ إذ لم يفرّق بين ما صعد من المعدة من البلغم وبين ما نزل من الدّماغ أو الصّدر‏,‏ ولأنّ المعدة - كما قال المالكيّة - طاهرة‏,‏ فيكون ما صعد منها طاهراً ما لم يكن منتناً متغيّراً‏.‏

وذهب الشّافعيّة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه نجس‏,‏ لاختلاطه بالأنجاس‏,‏ لأنّ المعدة معدن الأنجاس كما لو قاء طعاماً‏.‏

ثانياً‏:‏ حرمة تناول المخاط

5 - نصّ الشّافعيّة على حرمة تناول المخاط‏,‏ قالوا‏:‏ إنّ المخاط وإن كان طاهراً إلا أنّه مستقذر‏,‏ ويحرم تناول الإنسان له لاستقذاره لا لنجاسته‏.‏

ثالثاً‏:‏ انتقاض الوضوء بخروج المخاط ونحوه

6 - اختلف الفقهاء في انتقاض الوضوء بخروج المخاط ونحوه من بلغمٍ ونخامةٍ‏,‏ فذهب المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة وأبو حنيفة ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة إلى أنّ الوضوء لا ينتقض بخروج مخاطٍ ونحوه ممّا نزل من الدّماغ‏,‏ أو من الجوف‏.‏

واختلفوا في تعليل عدم نقضه تبعاً لاختلافهم في بعض نواقض الوضوء‏,‏ فقال الشّافعيّة والمالكيّة‏:‏ إنّه شيء لم يخرج من أحد السّبيلين‏,‏ وكل ما لم يخرج منهما لم ينقض الوضوء‏,‏ إلا إذا انسدّ المخرج وانفتح منفذ من تحت السرّة فخرج منه المعتاد‏,‏ ففي هذه الحالة يبطل الوضوء به‏.‏

وقال أبو حنيفة ومحمّد والحنابلة‏:‏ لأنّه طاهر‏,‏ ولأنّه شيء صقيل لا يلتصق به شيء من الأنجاس فكان طاهراً‏,‏ وخروج شيءٍ طاهرٍ من المتوضّئ لا يبطل الوضوء فصار كالبزاق‏,‏ وقال أبو يوسف‏:‏ إن صعد المخاط من المعدة وكان ملء الفم أفسد الطّهارة لاختلاطه بالأنجاس‏,‏ لأنّ المعدة معدن الأنجاس‏,‏ فيكون المخاط حدثاً يبطل الوضوء به كالقيء‏,‏ قال الزّيلعي‏:‏ إنّ محلّ الخلاف بين أبي يوسف وصاحبيه‏:‏ إذا لم يكن البلغم مخلوطاً بالطّعام‏,‏ والغالب الطّعام‏.‏

أمّا إذا كان مخلوطاً بالطّعام وكان الطّعام غالباً نقض إجماعاً عندهم‏.‏

رابعاً‏:‏ اقتلاع المخاط أو بلعه في الصّوم

7 - اختلف الفقهاء في فساد الصّوم بابتلاع المخاط أو قلعه‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الصّوم لا يفسد باقتلاع المخاط وابتلاعه وإن أمكن طرحه‏,‏ ولو بعد وصوله إلى ظاهر الفم‏.‏

وقال أبو يوسف من الحنفيّة‏:‏ إن صعد المخاط من المعدة وكان ملء الفم أفسد الصّوم‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ لا يبطل الصّوم بخلع النخامة ومجّها في الأصحّ‏,‏ سواء أقلعها من دماغه‏,‏ أم من باطنه لتكرر الحاجة إلى ذلك فرخّص فيه‏,‏ ومقابل الأصحّ يفطر به كالاستقاءة‏,‏ وإن نزلت بنفسها أو نزلت بغلبة السعال فلا بأس به جزماً‏,‏ وإن بقيت في محلّها فلا يفطر جزماً‏,‏ فإن نزلت من دماغه‏,‏ وحصلت في حدّ الظّاهر من الفم‏,‏ فإن قطعها من مجراها ومجّها لم يفسد الصّوم‏,‏ وإن تركها مع القدرة على مجّها فوصلت الجوف أفطر في الأصحّ لتقصيره‏,‏ أمّا إذا لم تصل إلى حدّ الظّاهر من الفم - وهو مخرج الحاء المهملة - عند النّوويّ - ومخرج الخاء المعجمة عند الرّافعيّ - بأن كانت في حدّ الباطن - وهو مخرج الهمزة والهاء‏,‏ أو حصلت في الظّاهر ولم يقدر على مجّها لم تضرّ‏.‏

وللحنابلة في ابتلاع الصّائم النخامة روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يفطر‏,‏ قال حنبل‏:‏ سمعت أبا عبد اللّه يقول‏:‏ إذا تنخّم ثمّ ازدرده فقد أفطر‏,‏ لأنّ النخامة من الرّأس تنزل‏,‏ ولو تنخّع من جوفه ثمّ ازدرده‏:‏ أفطر‏,‏ لأنّه أمكن التّحرز منها‏,‏ ولأنّها من غير الفم فأشبه القيء‏.‏

والرّواية الثّانية‏:‏ لا يفطر‏,‏ قال في رواية المروزيّ‏:‏ ليس عليك قضاء إذا ابتلعت النخامة‏,‏ وأنت صائم‏,‏ لأنّه معتاد في الفم غير واصلٍ من خارجٍ فأشبه الرّيق‏.‏

خامساً‏:‏ تفل المخاط في المسجد

8 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ تفل الفضلات الطّاهرة المستقذرة من مخاطٍ ونحوه من بصاقٍ ونخامةٍ محظور‏,‏ لحديث‏:‏ «البزاق في المسجد خطيئة»‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يحرم البصاق في المسجد مطلقاً وبه جزم النّووي لظاهر الحديث السّابق‏,‏ وكذلك قال الصّيمري‏:‏ البصاق في المسجد معصية‏,‏ قال الزّركشي‏:‏ أمّا إطلاق الروياني والجرجانيّ والمحامليّ وسليمٍ الرّازي وغيرهم من الشّافعيّة الكراهة فمحمول على إرادة التّحريم‏,‏ فمن بصق في مسجدٍ فقد ارتكب محرّماً‏,‏ وكفّارته دفنه في رمل المسجد‏,‏ فلو مسحها بخرقة ونحوها كان أفضل‏.‏

ونقل الزّركشي عن شرح المهذّب‏:‏ من رأى من يبصق في المسجد لزمه الإنكار عليه‏,‏ ومنعه منه إن قدر‏,‏ ومن رأى بصاقاً أو نحوه كالمخاط في المسجد يزيله بدفنه‏,‏ أو إخراجه‏,‏ ويستحب تطييب محلّه‏,‏ لحديث أنسٍ رضي الله عنه‏:‏ «أنّ النّبيّ رأى نخامةً في قبلة المسجد فغضب حتّى احمرّ وجهه، فجاءت امرأة أنصاريّة فحكّتها‏,‏ وجعلت مكانها خلوقاء‏,‏ فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أحسن هذا»‏.‏

وحكى أبو العبّاس القرطبي عن بعضهم أنّه قال‏:‏ إنّما يكون البزاق في المسجد خطيئةً لمن تفل فيه ولم يدفنه‏,‏ لأنّه يقذر المسجد ويتأذّى به من يعلّق به‏,‏ فأمّا من اضطرّ إلى ذلك ففعل ودفنه فلم يأت بخطيئة‏,‏ ولهذا سمّاه كفّارةً‏,‏ والتّكفير‏:‏ التّغطية‏,‏ والإخفاء‏,‏ والسّتر‏,‏ فكأنّ دفنها غطّى ما يتصوّر عليه من الإثم‏.‏

وقال مالك‏:‏ إذا كان المسجد محصّباً فلا بأس أن يبصق بين يديه وعن يساره‏,‏ وتحت قدمه‏,‏ ويكره أن يبصق أمامه في حائط القبلة‏,‏ وإن كان عن يمينه رجل في الصّلاة وعن يساره رجل بصق أمامه‏,‏ ويدفنه‏,‏ وإن كان لا يقدر على دفنه لا يبصق في المسجد بحال‏,‏ كان مع النّاس أو وحده‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يسن أن يصان المسجد من بزاقٍ‏,‏ ولو في هوائه‏,‏ والبزاق في المسجد خطيئة‏,‏ فإن كانت أرضه حصباء ونحوها كالتراب والرّمل فكفّارتها دفنها‏,‏ وإن لم تكن حصباء بل كانت بلاطاً أو رخاماً مسح النخامة بثوبه أو غيره‏,‏ لأنّ القصد إزالتها‏,‏ ولا يكفي تغطيتها بحصير‏,‏ لأنّه لا إزالة في ذلك‏,‏ وإن لم يزلها فاعلها لزم غيره من كلّ من علم بها إزالتها بدفن أو مسحٍ تبعاً لحالة الأرض‏.‏

فإن بدره البصاق في المسجد أخذه بثوبه‏,‏ ومسح بعض الثّوب ببعضه‏,‏ وإن كان المخاط على حائطٍ وجب أيضاً إزالته‏,‏ لحديث أنسٍ السّابق‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏مسجد‏,‏ وبصاق ف 4‏)‏‏.‏

مُخافتة

انظر‏:‏ إسرار‏.‏

مُخَدَّرة

التّعريف

1 - المخدّرة اسم مفعولٍ لفعل خدّر‏,‏ يقال‏:‏ خدّر الشّيء‏:‏ ستره‏,‏ وهو في أصل اللغة‏:‏ اسم لستر يمد للجارية في ناحيةٍ من البيت‏.‏

ثمّ استعمل في كلّ ما واراك من بيتٍ ونحوه‏.‏

وقال الفيومي‏:‏ لا يطلق على البيت خدر إلا إذا كانت فيه امرأة يقال‏:‏ أخدرت الجارية‏:‏ لزمت الخدر‏,‏ وأخدرها أهلها وخدّروها‏:‏ ستروها وصانوها عن الامتهان‏,‏ والخروج لحاجتها‏,‏ فهي مخدّرة مستورة مصونة‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هي المرأة الملازمة للخدر‏,‏ وهو السّتر بكراً كانت أم ثيّباً‏,‏ ولا تبرز لغير المحارم من الرّجال وإن خرجت لحاجة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

البرزة‏:‏

2 - البرزة في اللغة هي المرأة العفيفة‏:‏ تبرز للرّجال‏,‏ وتتحدّث معهم‏,‏ وهي الّتي أسنّت‏,‏ وخرجت عن حدّ المحجوبات‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والبرزة ضد المخدّرة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمخدّرة

إحضار المخدّرة إلى مجلس الحكم

3 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة في الأصحّ عندهم إلى أنّ المخدّرة الحاضرة لا تكلّف الحضور للدّعوى عليها صرفاً للمشقّة عنها كالمريض‏,‏ وأضاف الشّافعيّة فقالوا‏:‏ ولا تكلّف أيضاً الحضور للتّحليف إن لم يكن في اليمين تغليظ بالمكان‏,‏ فإن كان أحضرت على الأصحّ‏,‏ بل توكّل المخدّرة أو يبعث القاضي إليها نائبه فتجيب من وراء السّتر إن اعترف الخصم أنّها هي أو شهد اثنان من محارمها أنّها هي‏,‏ وإلا تلفّعت بنحو ملفحةٍ وخرجت من السّتر إلى مجلس الحكم‏,‏ وعند الحلف تحلف في مكانها‏.‏

والوجه الثّاني‏:‏ أنّها تحضر كغيرها‏,‏ وبه جزم القفّال في فتاويه‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ أمّا إذا كانت مخدّرةً وكان لها حق على غيرها من قريبٍ أو بعيدٍ أو زوجٍ فأرسلت إلى القاضي وسألته العدوى على خصمها‏,‏ فإنّه ينفذ إليها شاهدين وبعض الوكلاء‏,‏ فتوكّل في ذلك ويشهد الشهود عليها‏,‏ ويدّعي الوكيل بما يتوجّه لها من حقٍّ‏,‏ فإن وجب عليها يمين فيما يقضي به للوكيل لها فإنّه يرسل إليها من يسأل عن ذلك ويستوفى اليمين إن كان اليمين يجب عليها‏.‏

اختلاف المتداعيين في التّخدير

4 - نصّ الشّافعيّة على أنّه إذا اختلف المتداعيان في التّخدير بأن يقول المدّعي إنّ المدّعى عليها غير مخدّرةٍ ويلزمها الحضور في مجلس الحكم‏,‏ وقالت المدّعى عليها‏:‏ إنّها مخدّرة فلا يلزمها شرعاً الحضور في مجلس الدّعوى نظر‏:‏ فإن كانت من قومٍ الغالب في نسائهم الخدر صدّقت هي بيمينها وإلا يصدّق هو بيمينه حيث لا بيّنة لهما‏,‏ وهذا هو قول الماورديّ والروياني وهو القول الأولى عند الشّافعيّة كما قال الشّربيني الخطيب‏.‏

التّخدير من الأعذار المجيزة الشّهادة على الشّهادة

5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من شروط وجوب أداء الشّهادة‏:‏ أن لا يكون الشّاهد معذوراً لمرض ونحوه ككون المرأة مخدّرةً مثلاً‏.‏

فإن كان المدعو للشّهادة امرأةً مخدّرةً لم يلزمها الأداء‏,‏ وتشهد على شهادتها غيرها‏,‏ أو يبعث القاضي إليها من يسمعها دفعاً للمشقّة عنها‏.‏

مُخَذِّل

انظر‏:‏ تخذيل‏.‏

مُخَنَّّث

التّعريف

1 - المخنّث لغةً‏:‏ بفتح النون وكسرها من الانخناث‏,‏ وهو التّثنّي والتّكسر وذلك للينه وتكسره‏,‏ والاسم الخنث‏,‏ ويقال للمخنّث‏:‏ خناثة وخنيثة‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ من تشبه حركاته حركات النّساء خلقاً أو تخلقاً‏.‏

وقال ابن عابدين نقلاً عن صاحب النّهر‏:‏ المخنِّث بكسر النون مرادف للوطيّ‏.‏

وقال ابن حبيبٍ‏:‏ المخنّث هو المؤنّث من الرّجال وإن لم تعرف منه الفاحشة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الخنثى‏:‏

2 - الخنثى في اللغة‏:‏ الّذي خلق له فرج الرّجل وفرج المرأة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والفرق بين المخنّث والخنثى‏:‏ أنّ المخنّث لا خفاء في ذكوريّته‏.‏

وأمّا الخنثى فالحكم بكونه رجلاً أو امرأةً لا يتأتّى إلا بتبين علامات الذكورة أو الأنوثة فيه‏.‏ ب - الفاسق‏:‏

3 - الفاسق في اللغة‏:‏ من الفسق وهو في الأصل خروج الشّيء من الشّيء على وجه الفساد‏,‏ ومنه قولهم‏:‏ فسق الرطب‏:‏ إذا خرج عن قشره‏.‏

ويطلق على‏:‏ الخروج عن الطّاعة‏,‏ وعن الدّين‏,‏ وعن الاستقامة‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ الفاسق هو المسلم الّذي ارتكب كبيرةً قصداً‏,‏ أو صغيرةً مع الإصرار عليها بلا تأويلٍ‏.‏

والعلاقة بين الفاسق والمخنّث إذا كان بتكلف ولم يكن خلقة العموم والخصوص‏,‏ لأنّ كلّ مخنّثٍ بالمفهوم المذكور فاسق‏,‏ وليس كل فاسقٍ مخنّثاً‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمخنّث

4 - المخنّث ضربان‏:‏

أحدهما‏:‏ من خلق كذلك ولم يتكلّف التّخلق بأخلاق النّساء وزيّهنّ وكلامهنّ وحركاتهنّ‏,‏ بل هو خلقة خلقه اللّه عليها‏,‏ فهذا لا ذم عليه ولا عتب ولا إثم ولا عقوبة‏,‏ لأنّه معذور لا صنع له في ذلك‏.‏

والثّاني‏:‏ من لم يكن كذلك خلقةً‏,‏ بل يتعمّد التّشبه بالنّساء في الأقوال والأفعال‏,‏ وباختياره‏,‏ فهذا هو المذموم الّذي جاء في الأحاديث الصّحيحة لعنه‏.‏

وتترتّب عليهما أحكام مختلفة نتعرّض لها فيما يلي‏:‏

أ - شهادة المخنّث‏:‏

5 - صرّح الحنفيّة وهو المتبادر من أقوال غيرهم بأنّه لا تقبل شهادة مخنّثٍ‏.‏

ومراده المخنّث الّذي يباشر الرّديء من الأفعال‏,‏ أو يتشبّه بالنّساء تعمداً لذلك في تزيينه‏,‏ وتكسير أعضائه‏,‏ وتليين كلامه لكون ذلك معصيةً‏,‏ لما روى ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لعن اللّه المخنّثين من الرّجال‏,‏ والمترجلات من النّساء» يعني المتشبّهات بالرّجال‏.‏

وأمّا الّذي في كلامه لين‏,‏ وفي أعضائه تكسر خلقةً‏,‏ ولم يشتهر بشيء من الأفعال الرّديئة فهو عدل مقبول الشّهادة‏.‏

ب - نظر المخنّث إلى غير محارمه من النّساء‏:‏

6 - صرّح بعض الفقهاء بأنّه لا يجوز للمخنّث الّذي يأتي بالرّديء من الأفعال النّظر إلى النّساء‏,‏ واختلفوا في المخنّث الّذي في أعضائه لين أو تكسر بأصل الخلقة ولا يشتهي النّساء‏:‏ فقد رخّص بعض الحنفيّة والحنابلة في ترك مثله مع النّساء استدلالاً بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ‏}‏ وفي رواية أبي بكرٍ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال‏:‏ ‏{‏غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ‏}‏ هو المخنّث‏,‏ وعن مجاهدٍ وقتادة‏:‏ الّذي لا إرب له في النّساء‏,‏ وهو من لا شهوة له‏.‏

وقيل‏:‏ هو المجبوب الّذي جفّ ماؤه‏,‏ وقيل‏:‏ المراد به الأبله الّذي لا يدري ما يصنع بالنّساء‏,‏ وإنّما همه بطنه‏,‏ والأصل في هذا الباب حديث أمّ سلمة رضي الله عنها قالت‏:‏ «دخل عليّ النّبي صلى الله عليه وسلم وعندي مخنّث‏,‏ فسمعته يقول لعبد اللّه بن أبي أميّة يا عبد اللّه أرأيت إن فتح اللّه عليكم الطّائف غداً فعليك بابنة غيلان‏,‏ فإنّها تقبل بأربع‏,‏ وتدبر بثمان‏,‏ فقال النّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا يدخلن هؤلاء عليكم»‏.‏

قال ابن جريجٍ‏:‏ كان اسم هذا المخنّث هيت‏,‏ وبهذا صرّح السّرخسيّ حيث قال‏:‏ إنّ هيت المخنّث كان يدخل بيوت أزواج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتّى سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منه كلمةً شنيعةً أمر بإخراجه‏.‏

وقيل‏:‏ كان اسمه ماتع‏,‏ وقيل‏:‏ صوابه هنب‏.‏

ج - الصّلاة خلف المخنّث‏:‏

7 - صرّح الزهري بقوله‏:‏ لا نرى أن يصلّى خلف المخنّث إلا من ضرورةٍ لا بدّ منها‏,‏ كأن يكون ذا شوكةٍ‏,‏ أو من جهته‏,‏ فلا تعطّل الجماعة بسببه‏.‏

وقد رواه معمر عن الزهريّ بغير قيدٍ‏,‏ ولفظه‏:‏ قلت فالمخنّث ‏؟‏ قال‏:‏ لا ولا كرامة‏,‏ لا يؤتم به‏.‏

أمّا المخنّث الّذي فيه تكسر وتثنٍّ وتشبه بالنّساء فلا مانع من الصّلاة خلفه إذا كان ذلك أصل خلقته‏.‏

د - تعزير المخنّث‏:‏

8 - صرّح الحنفيّة بأنّ المخنّث يعزّر ويحبس حتّى يحدث توبةً‏.‏

وقال الشّربيني الخطيب‏:‏ القاعدة أنّه لا تعزير في غير معصيةٍ‏,‏ ولكن استثني منه نفي المخنّث مع أنّه ليس بمعصية للمصلحة‏.‏

هـ - حد من قال لآخر يا مخنّث‏:‏

9 - صرّح المالكيّة بأنّه يحد الشّخص في قوله لحرّ عفيفٍ مسلمٍ‏:‏ يا مخنّث إن لم يحلف أنّه لم يرد قذفه‏,‏ فإن حلف بأنّه لم يرد قذفه‏,‏ وإنّما أراد أنّه يتكسّر في القول والفعل كالنّساء فلا يحد بل يؤدّب‏,‏ هذا إن لم يخصّ العرف المخنّث بمن يؤتى‏.‏

وأمّا إن خصّه العرف بهذا كما هو الآن‏,‏ فيحد مطلقاً حلف أم لم يحلف‏,‏ لأنّه يعتبر كمصرٍّ على معصيته‏.‏

مَخِيط

انظر‏:‏ إحرام‏.‏

مَخِيلة

التّعريف

9 - من معاني المخيلة في اللغة‏:‏ الكبر والظّن‏.‏

وأمّا في الاصطلاح فقد قال العيني‏:‏ المَخيلة - بفتح الميم - الكبر‏.‏

وفسّر الشّافعيّة المخيلة بالأمارة على الحمل‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

العجب‏:‏

2 - من معاني العجب في اللغة‏:‏ الزّهو‏.‏

وهو في الاصطلاح‏:‏ ظن الإنسان في نفسه استحقاق منزلةٍ هو غير مستحقٍّ لها‏.‏

والصّلة بين المخيلة والعجب‏:‏ أنّ المخيلة تكسب النّفس العجب‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمخيلة

أوّلاً‏:‏ المخيلة بمعنى الكبر

3 - المخيلة منهي عنها شرعاً‏,‏ فقد قال النّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كلوا واشربوا وتصدّقوا والبسوا في غير إسرافٍ ولا مخيلةٍ»‏.‏

قال الموفّق عبد اللّطيف في تعليقه على هذا الخبر‏:‏ هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه‏,‏ وفيه تدبير مصالح النّفس والجسد في الدنيا والآخرة‏,‏ فإنّ السّرف يضر في كلّ شيءٍ‏:‏ يضر بالجسد ويضر بالمعيشة فيؤدّي إلى الإتلاف‏,‏ ويضر بالنّفس إذ كانت‏,‏ تابعةً للجسد في أكثر الأحوال‏,‏ والمخيلة تضر بالنّفس حيث تكسبها العجب‏,‏ وتضر بالآخرة حيث تكسب الإثم‏,‏ وبالدنيا حيث تكسب المقت من النّاس‏.‏

ثانياً‏:‏ المخيلة بمعنى الأمارة على الحمل

4 - اختلف الفقهاء في تأخير استيفاء الحدّ إذا ادّعت الجانية الحمل فقد جاء في الفتاوى الهنديّة عند الكلام عن حدّ الزّنا‏:‏ إذا شهدوا على امرأةٍ بالزّنا فقالت‏:‏ أنا حبلى ترى النّساء ولا يقبل قولها‏,‏ فإن قلن‏:‏ هي حامل أجّلها حولين فإن لم تلد رجمها‏.‏

ويرى المالكيّة أنّ الحامل إذا ترتّب عليها قتل أو جرح يخاف منه‏,‏ أو لزمها حد من حدود اللّه فإنّه يؤخّر عنها لوضع الحمل عند ظهور مخايله‏,‏ ولا يكفي مجرّد دعواها الحمل‏.‏ وقال الشّافعيّة بعد أن فصّلوا القول في تأخير استيفاء القصاص والحدود عن الحامل لوضع الحمل‏:‏ والصّحيح تصديقها في حملها - إذا أمكن حملها عادةً - بغير مخيلةٍ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ‏}‏ أي من حملٍ أو حيضٍ‏,‏ ومن حرم عليه كتمان شيءٍ وجب قبوله إذا أظهره كالشّهادة‏,‏ ولقبوله صلى الله عليه وسلم قول الغامديّة في ذلك‏.‏

بل قال الزّركشي‏:‏ ينبغي أن يقال بوجوب الإخبار عليها بذلك لحقّ الجنين‏,‏ والقول الثّاني المقابل للصّحيح‏:‏ أنّها لا تصدّق لأنّ الأصل عدم الحمل‏,‏ وهي متّهمة بتأخير الواجب‏,‏ فلا بدّ من بيّنةٍ تقوم على ظهور مخايلةٍ أو إقرار المستحقّ‏.‏

وعلى الأوّل هل تحلف أو لا ‏؟‏ رأيان، أوجههما الأوّل أي تحلف كما صرّح به الماورديّ وجزم به ابن قاضي عجلون لأنّ لها غرضاً في التّأخير‏.‏

وقال الإسنوي‏:‏ المتّجه الثّاني أي‏:‏ عدم التّحليف لأنّ الحقّ لغيرها وهو الجنين‏.‏

قال إمام الحرمين‏:‏ ولا أدري الّذي يصدّقها يقول بالصّبر إلى انقضاء مدّة الحمل‏,‏ أم إلى ظهور المخايل ‏؟‏ والأرجح الثّاني‏,‏ فإنّ التّأخير أربع سنين من غير ثبتٍ بعيد‏.‏

وقال الدّميري‏:‏ ينبغي أن يمنع الزّوج من الوطء لئلا يقع حمل يمنع استيفاء وليّ الدّم‏.‏

لكن المتّجه عدم منعه من ذلك كما في المهمّات وأمّا إذا ادّعت الحمل ولم يمكن حملها عادةً كآيسة فلا تصدّق‏,‏ كما نقله البلقيني عن النّصّ‏,‏ فإنّ الحسّ يكذّبها‏.‏

وقال الحنابلة إن ادّعت الزّانية الحمل قبل قولها‏,‏ لأنّه لا يمكن إقامة البيّنة عليه‏.‏

مُدَابرة

التّعريف

1 - من معاني المدابرة في اللغة‏:‏ القطع من الخلف يقال‏:‏ أذن مدابرة‏:‏ قطعت من خلفها وشقّت‏,‏ وناقة مدابرة‏:‏ شقّت من قبل قفاها‏,‏ وكذلك الشّاة‏,‏ قال الأصمعي‏:‏ وذلك من الإقبالة والإدبارة‏,‏ وهو شق في الأذن ثمّ يفتل ذلك فإذا أقبل به فهو الإقبالة‏,‏ وإذا أدبر به فهو الإدبارة‏,‏ والمدابرة أن يقطع من مؤخّر أذن الشّاة شيء ثمّ يترك معلّقاً لا يبين كأنّه زنمة‏,‏ وفي حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه‏:‏ «نهى عن أن يضحّى بمقابلة ولا مدابرةٍ»‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الشّرقاء‏:‏

2 - الشّرقاء مشقوقة الأذن أقل من الثلث‏.‏

ب - الخرقاء‏:‏

3 - الخرقاء هي الّتي في أذنها خرق مستدير‏.‏

ج - المقابلة‏:‏

4 - المقابلة هي الّتي قطع في أذنها من جهة وجهها وترك معلّقاً‏.‏

الحكم الإجمالي

5 - قال الحنفيّة والمالكيّة عند الكلام عن الأضحيّة‏:‏ ندب غير مدابرةٍ‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يكره الأضحيّة بالمدابرة ونحوها‏,‏ كالمقابلة والخرقاء‏,‏ والشّرقاء لما روي عن عليٍّ رضي الله عنه قال‏:‏ «أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن‏,‏ وأن لا نضحّي بمقابلة‏,‏ ولا مدابرةٍ‏,‏ ولا شرقاء‏,‏ ولا خرقاء» قال‏:‏ المقابلة‏:‏ ما قطع طرف أذنها‏,‏ والمدابرة‏:‏ ما قطع من جانب الأذن، والشّرقاء‏:‏ المشقوقة‏,‏ والخرقاء‏:‏ المثقوبة‏.‏

وقال القاضي‏:‏ الخرقاء الّتي انثقبت أذنها وهذا نهي تنزيهٍ‏,‏ ويحصل الإجزاء بها‏,‏ ولا نعلم فيها خلافاً‏,‏ ولأنّ اشتراط السّلامة من ذلك يشق إذ لا يكاد يوجد سالم من هذا كلّه‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لا يضر ثقب الأذن ولا شقها ولا خرقها في الأصحّ‏,‏ ويضر القطع عندهم وإن كان قليلاً‏.‏

مُدَاخَلة

التّعريف

1 - المداخلة في اللغة‏:‏ مصدر داخل يقال‏:‏ داخلت الأشياء مداخلةً ودخالاً‏:‏ دخل بعضها في بعضٍ‏,‏ وداخل المكان‏:‏ دخل فيه‏,‏ وداخل فلاناً‏:‏ دخل معه‏,‏ وداخل فلاناً في أموره شاركه فيها‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الحكم الإجمالي

2 - إن باع الشّخص أرضاً أو ساحةً أو عرصةً أو رهن أو أوصى أو وهب أو تصدّق أو وقف أو أصدق وقال‏:‏ ‏"‏ وبما فيها ‏"‏ دخل في العقد ما فيها من أشجارٍ وأبنيةٍ‏,‏ وإن استثناها بأن يقول‏:‏ ‏"‏ دون ما فيها ‏"‏ خرجت ولم يدخل شيء منها في العقد‏,‏ وهذا محل اتّفاقٍ‏.‏ والقاعدة‏:‏ أنّ ما جاز إيراد العقد عليه بانفراده صحّ استثناؤه، وإن أطلق‏:‏ بأن قال‏:‏ بعتك ونحوه ولم يزد دخل في البيع ما فيها من أشجارٍ وبناءٍ‏,‏ لأنّ هذه الأشياء للثّبات والدّوام في الأرض‏,‏ فأشبهت جزءاً من الأرض فتتبعها كالشفعة‏,‏ وكالبيع كل ناقلٍ للملك‏:‏ كالهبة‏,‏ والوصيّة‏,‏ والصّدقة، والإصداق‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ بيع ف 35 وما بعدها‏)‏‏.‏

مُدَاعَبَة

التّعريف

ا - المداعبة لغةً‏:‏ الممازحة‏,‏ وفي الحديث‏:‏ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لجابر رضي الله عنه وقد تزوّج‏:‏ «أبكراً تزوّجت أم ثيّباً ‏؟‏ فقال‏:‏ بل ثيّباً‏,‏ قال‏:‏ فهلا بكراً تداعبها وتداعبك»‏.‏

والمداعبة في الاصطلاح‏:‏ هي الملاطفة في القول بالمزاح وغيره‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الملاعبة‏:‏

2 - الملاعبة مصدر لاعب‏,‏ يقال‏:‏ لاعبه ملاعبةً ولعاباً‏:‏ لعب معه‏,‏ ومن معاني اللّعب‏:‏ اللّهو‏,‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ‏}‏‏.‏

ويقال‏:‏ لعب بالشّيء‏:‏ اتّخذه لعبةً‏,‏ ويقال‏:‏ لعب في الدّين‏,‏ اتّخذه سخريّةً‏,‏ وفي التّنزيل العزيز‏:‏ ‏{‏وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً‏}‏‏.‏

ومن معانيه‏:‏ عمل عملاً لا يجدي عليه نفعاً‏,‏ ضد جدّ‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة بين المداعبة والملاعبة هي أنّ الملاعبة أعم‏.‏

الحكم التّكليفي

3 - اختلف الفقهاء - كما قال الزبيدي - في حكم المداعبة والمزاح‏.‏

فاستبعد بعضهم وقوع المزاح منه صلى الله عليه وسلم لجليل مكانته وعظيم مرتبته‏,‏ فكأنّهم سألوه عن حكمته بقولهم‏:‏ إنّك تداعبنا يا رسول اللّه‏,‏ قال‏:‏ «إنّي لا أقول إلا حقاً»‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ هل المداعبة من خواصّه صلى الله عليه وسلم فلا يتأسّون به فيها ‏؟‏ فبيّن صلى الله عليه وسلم لهم أنّها ليست من خواصّه‏.‏

والمداعبة لا تنافي الكمال‏,‏ بل هي من توابعه ومتمّماته إذا كانت جاريةً على القانون الشّرعيّ‏,‏ بأن تكون على وفق الصّدق‏,‏ وبقصد تآلف قلوب الضعفاء وجبرهم وإدخال السرور عليهم والرّفق بهم‏,‏ والمنهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تمار أخاك ولا تمازحه» إنّما هو الإفراط فيها والدّوام عليها‏,‏ لأنّه يورث آفاتٍ كثيرةً ظاهرةً وباطنةً من القسوة والغفلة والإيذاء والحقد وإسقاط المهابة وغير ذلك‏.‏

ومزاحه صلى الله عليه وسلم سالم من جميع هذه الأمور‏,‏ يقع منه على جهة الندرة لمصلحة تامّةٍ من مؤانسة بعض أصحابه‏,‏ فهو بهذا القصد سنّة‏,‏ إذ الأصل من أفعاله صلى الله عليه وسلم وجوب التّأسّي به فيها أو ندبه‏,‏ إلا لدليل يمنع من ذلك‏,‏ ولا دليل هنا يمنع منه‏,‏ فتعيّن النّدب كما هو مقتضى كلام الفقهاء والأصوليّين‏.‏

مداعبة الأزواج

4 - قال الغزالي في الإحياء‏:‏ وعلى الزّوج أن يزيد على احتمال الأذى من امرأته بالمداعبة والمزاح والملاعبة‏,‏ فهي الّتي تطيّب قلوب النّساء‏,‏ وعلى الرّجل أن لا يوافقها باتّباع هواها إلى حدٍّ يفسد خلقها ويسقط بالكلّيّة هيبته عندها‏.‏

‏(‏ر‏:‏ عشرة ف 8‏)‏‏.‏

وجاء في الحديث أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما‏:‏ «أفلا جاريةً تلاعبها وتلاعبك» وفي روايةٍ أخرى‏:‏ «وتداعبها وتداعبك» وفي روايةٍ‏:‏ «وتضاحكها وتضاحكك»‏.‏

مداعبة الأطفال

5 - جاء في حديث أنسٍ رضي الله عنه قال‏:‏ «كان النّبي صلى الله عليه وسلم أحسن النّاس خلقاً‏,‏ وكان لي أخ يقال له أبو عميرٍ - قال‏:‏ أحسبه فطيماً - وكان إذا جاء قال‏:‏ يا أبا عميرٍ ما فعل النغير»‏.‏

قال ابن حجرٍ‏:‏ في الحديث جواز الممازحة وتكرير المزاح‏,‏ وأنّها إباحة سنّةٍ لا رخصةٍ‏,‏ وأنّ ممازحة الصّبيّ الّذي لم يميّز جائزة‏.‏

مُدَاواة

انظر‏:‏ تداوي‏.‏

مُدَبَّر

انظر‏:‏ تدبير‏.‏

مَدْح

التّعريف

1 - المدح في اللغة‏:‏ هو الثّناء بذكر أوصاف الكمال والأفضال خلقيّةً كانت أو اختياريّةً‏.‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

التّقريظ‏:‏

2 - التّقريظ في اللغة‏:‏ المدح والثّناء‏,‏ وأصله من القُرظ‏,‏ وهو شيء يدبغ به الأديم‏,‏ وإذا دبغ به حسن وصلح وزادت قيمته‏,‏ فشبّه مدحك للإنسان الحيّ بذلك‏,‏ بذلك تزيد في قيمته بمدحك إيّاه‏.‏

والفرق بينه وبين المدح‏:‏ أنّ المدح يكون للحيّ والميّت‏,‏ والتّقريظ لا يكون إلا للحيّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمدح

من الأحكام المتعلّقة بالمدح ما يأتي‏:‏

مدح اللّه سبحانه وتعالى والثّناء عليه

3 - ورد في مدح اللّه تعالى قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ولا أحد أحب إليه المدحة من اللّه» والمدحة - كما قال علماء اللغة - ما يمدح به‏,‏ ونقل ابن حجرٍ عن ابن بطّالٍ قوله في شرح الحديث‏:‏ أراد به المدح من عباده - أي عباد اللّه - بطاعته وتنزيهه عمّا لا يليق به والثّناء عليه بنعمه ليجازيهم على ذلك‏.‏

مدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم

4 - دأب العلماء على مدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعظيم قدره عند ربّه ومنزلته وما خصّه اللّه به في الدّارين من كرامته‏,‏ قال القاضي عياض‏:‏ لا خلاف أنّه صلى الله عليه وسلم أكرم البشر وسيّد ولد آدم وأفضل النّاس منزلةً عند اللّه وأعلاهم درجةً وأقربهم زلفى‏,‏ ثمّ ساق أحاديث فيما ورد من ذكر مكانته صلى الله عليه وسلم عند ربّه والاصطفاء ورفعة الذّكر والتّفضيل وسيادة ولد آدم وما خصّه به في الدنيا من مزايا الرتب وبركة اسمه الطّيّب‏,‏ فروى عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه ‏:‏ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ اللّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل‏,‏ واصطفى قريشاً من كنانة‏,‏ واصطفى من قريشٍ بني هاشم‏,‏ واصطفاني من بني هاشم»‏.‏

وقال اللّه تعالى في نبيّه المصطفى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إََِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

وقال جلّ شأنه‏:‏ ‏{‏وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ‏}‏‏.‏

وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ‏}‏‏.‏

وروي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما في معنى هذه الآية‏:‏ لا ذكرت إلا ذكرت معي في الأذان والإقامة والتّشهد ويوم الجمعة على المنابر ويوم الفطر ويوم الأضحى وأيّام التّشريق‏,‏ ويوم عرفة وعند الجمار‏,‏ وعلى الصّفا والمروة‏,‏ وفي خطبة النّكاح‏,‏ وفي مشارق الأرض ومغاربها‏.‏

وكان صلى الله عليه وسلم له شعراء يصغي إليهم‏,‏ منهم حسّان بن ثابتٍ‏,‏ وعبد اللّه بن رواحة‏,‏ وقد مدح كعب بن زهيرٍ رضي الله عنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم بقصيدته الّتي مطلعها ‏"‏ بانت سعاد‏.‏‏.‏‏.‏ ‏"‏ فأثابه على مدحه ببردته صلى الله عليه وسلم‏.‏

إلا أنّه يجب أن لا يصل مدحه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى حدّ الإطراء المنهيّ عنه لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تطروني كما أطرت النّصارى ابن مريم‏,‏ فإنّما أنا عبده‏,‏ فقولوا‏:‏ عبد اللّه ورسوله»‏.‏

قال القرطبي في معناه‏:‏ لا تصفوني بما ليس فيّ من الصّفّات‏,‏ تلتمسون بذلك مدحي‏,‏ كما وصفت النّصارى عيسى بما لم يكن فيه‏,‏ فنسبوه إلى أنّه ابن اللّه فكفروا بذلك وضلوا‏,‏ وهذا يقتضي أنّ من رفع أمراً فوق حدّه وتجاوز مقداره بما ليس فيه فمعتدٍ آثم‏,‏ لأنّ ذلك لو جاز في أحدٍ لكان أولى الخلق بذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

مدح النّاس

5 - الأصل أنّ مدح الغير - كما قال الرّاغب الأصفهاني - ليس في نفسه بمحمود ولا مذمومٍ‏,‏ وإنّما يحمد ويذم بحسب المقاصد‏,‏ فمن قصده طلب ما يستحق به الثّناء على الوجه الّذي يستحب فذلك محمود‏,‏ والمذموم منه‏:‏ أن يميل إليه من غير تحرّيه لفعل ما يقتضيه‏,‏ وقد توعّد اللّه تعالى من طلب المحمدة من غير فعل حسنةٍ تقتضيها فقال تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ‏}‏‏.‏

وقال الغزالي‏:‏ والمدح تدخله ست آفاتٍ‏:‏ أربع في المادح‏,‏ واثنتان في الممدوح‏.‏

فأمّا المادح فالأولى‏:‏ أنّه قد يفرط فينتهي به إلى الكذب‏,‏ قال خالد بن معدانٍ‏:‏ من مدح إماماً أو أحداً بما ليس فيه على رءوس الأشهاد بعثه اللّه يوم القيامة يتعثّر بلسانه‏.‏ والثّانية‏:‏ أنّه قد يدخله الرّياء‏,‏ فإنّه بالمدح مظهر للحبّ‏,‏ وقد لا يكون مضمراً له ولا معتقداً لجميع ما يقوله‏,‏ فيصير به مرائياً منافقاً‏.‏

والثّالثة‏:‏ أنّه قد يقول ما لا يتحقّقه ولا سبيل له إلى الاطّلاع عليه‏.‏

روي أنّ رجلاً مدح رجلاً عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ويحك قطعت عنق صاحبك، ثمّ قال‏:‏ إن كان أحدكم مادحاً لا محالة فليقل‏:‏ أحسب كذا وكذا‏,‏ إن كان يرى أنّه كذلك‏,‏ واللّه حسيبه‏,‏ ولا يزكّي على اللّه أحداً»‏.‏

وهذه الآفة تتطرّق إلى المدح بالأوصاف المطلقة الّتي تعرف بالأدلّة كقوله‏:‏ إنّه متّقٍ وورع وزاهد وخيّر وما يجرى مجراه‏,‏ فأمّا إذا قال‏:‏ رأيته يصلّي باللّيل ويتصدّق‏,‏ ويحج فهذه أمور مستيقنة‏,‏ ومن ذلك قوله‏:‏ إنّه عدل رضا‏,‏ فإنّ ذلك خفي فلا ينبغي أن يجزم القول فيه إلا بعد خبرةٍ باطنةٍ‏,‏ سمع عمر رضي الله عنه رجلاً يثني على رجلٍ فقال‏:‏ أسافرت معه ‏؟‏ قال‏:‏ لا‏,‏ قال‏:‏ أخالطته في المبايعة والمعاملة ‏؟‏ قال‏:‏ لا‏,‏ قال‏:‏ فأنت جاره صباحه ومساءه ‏؟‏ قال‏:‏ لا‏,‏ قال‏:‏ واللّه الّذي لا إله إلا هو لا أراك تعرفه‏.‏

الرّابعة‏:‏ أنّه قد يفرح الممدوح وهو ظالم أو فاسق وذلك غير جائزٍ‏,‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه عزّ وجلّ يغضب إذا مدح الفاسق»‏.‏

وقال الحسن‏:‏ من دعا لظالم بطول البقاء فقد أحبّ أن يعصى اللّه تعالى في أرضه‏.‏

والظّالم الفاسق ينبغي أن يذمّ ليغتمّ‏,‏ ولا يمدح ليفرح‏.‏

وأمّا الممدوح فيضره من وجهين‏:‏

إحداهما‏:‏ أنّه يحدث فيه كبراً وإعجاباً وهما مهلكان‏,‏ قال الحسن‏:‏ كان عمر رضي الله عنه جالساً ومعه الدّرّة والنّاس حوله‏,‏ إذ أقبل الجارود بن المنذر فقال رجل‏:‏ هذا سيّد ربيعة‏,‏ فسمعها عمر رضي الله عنه ومن حوله وسمعها الجارود‏,‏ فلمّا دنا منه خفقه بالدّرّة فقال‏:‏ مالي ولك يا أمير المؤمنين ‏؟‏ قال‏:‏ مالي ولك أما لقد سمعتها ‏؟‏ قال‏:‏ سمعتها فمه قال‏:‏ خشيت أن يخالط قلبك منها شيء فأحببت أن أطاطىء منك‏.‏

الثّاني‏:‏ هو أنّه إذا أثنى عليه بالخير فرح به وفتر ورضي عن نفسه‏,‏ ومن أعجب بنفسه قلّ تشمره‏,‏ وإنّما يتشمّر للعمل من يرى نفسه مقصّراً‏,‏ فأمّا إذا انطلقت الألسن بالثّناء عليه ظنّ أنّه قد أدرك‏.‏

أمّا إذا سلم المدح من هذه الآفات في حقّ المادح والممدوح لم يكن به بأس‏,‏ بل ربّما كان مندوباً إليه‏.‏

وقال الخادمي‏:‏ من السّتّة المتعلّقة بآفات اللّسان - فيما الأصل فيه الإذن والإباحة من جانب الشّرع - المدح‏,‏ وهو جائز تارةً ومنهي عنه تارةً على اختلاف الأحوال والأوقات‏,‏ فإن كان للّه ورسوله وسائر الأنبياء والصّالحين ونحوهما ممّن يجب تعظيمه فهو من القرب وأعلى الرتب‏,‏ وجاز المدح - أي لغيرهم كما صرّح ابن أحمد - لأنّه يورث زيادة المحبّة والألفة واجتماع القلوب‏.‏

ثمّ قال الخادمي‏:‏ لكن جوازه بشروط خمسةٍ‏:‏

الأوّل‏:‏ أن لا يكون المدح لنفسه لأنّ تزكية النّفس لا تجوز‏,‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَََلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى‏}‏ لكن إن كان يقصد التّحديث بالنّعمة فظاهر أنّه جائز بل قد يستحب‏,‏ وفي حكم مدح النّفس مدح ما يتعلّق بها من الأولاد والآباء والتّلامذة والتّصانيف ونحوها بحيث يستلزم مدح المادح‏.‏

والثّاني‏:‏ الاحتراز عن الإفراط في المدح المؤدّي إلى الكذب والرّياء‏,‏ وعن القول بما لا يتحقّقه‏,‏ ولا سبيل له إلى الاطّلاع عليه كالتّقوى والورع والزّهد لكونها من أحوال القلوب‏,‏ فلا يجزم القول بمثلها بل يقول‏:‏ أحسب ونحوه‏.‏

والثّالث‏:‏ أن لا يكون الممدوح فاسقاً‏,‏ فعن أنسٍ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ اللّه عزّ وجلّ يغضب إذا مدح الفاسق» وإنّما يغضب اللّه لأنّه تعالى أمر بمجانبته وإبعاده‏,‏ فمن مدحه فقد وصل ما أمر اللّه به أن يقطع ووادّ من حادّ اللّه‏,‏ مع ما في مدحه من استحسان فسقه وإغرائه على إدامته‏.‏

والرّابع‏:‏ أن يعلم أنّ المدح لا يحدث في الممدوح كبراً أو عجباً أو غروراً‏,‏ فإنّ للوسائل حكم المقاصد‏,‏ وما يفضي إلى الحرام حرام‏.‏

وأمّا إذا أحدث في الممدوح كمالاً وزيادة مجاهدةٍ و سعى طاعةً فلا منع بل له استحباب‏.‏ والخامس‏:‏ أن لا يكون المدح لغرض حرامٍ‏,‏ أو مفضياً إلى فسادٍ‏,‏ مثل مدح الأمراء والقضاة ليتوصّل به إلى المال الحرام المجازى به منهم أو التّسلط على النّاس وظلمهم ونحو ذلك‏.‏

وقال العز بن عبد السّلام‏:‏ لا يكثر من المدح المباح‏,‏ ولا يتقاعد عن اليسير منه عند مسيس الحاجة‏,‏ ترغيباً للممدوح في الإكثار ممّا مدح به‏,‏ أو تذكيراً له بنعمة اللّه عليه ليشكرها وليذكرها بشرط الأمن على الممدوح من الفتنة‏.‏

وقد عقد النّووي باباً في كتابه رياض الصّالحين بعنوان‏:‏ ‏"‏ كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجابٍ ونحوه‏,‏ وجوازه - أي بلا كراهةٍ - لمن أمن ذلك في حقّه ‏"‏ أورد فيه أحاديث في النّهي عن المدح‏,‏ منها ما رواه أبو موسى رضي الله عنه قال‏:‏ «سمع النّبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يثني على رجلٍ ويطريه في المدحة فقال‏:‏ أهلكتم أو قطعتم ظهر الرّجل»‏.‏

وما رواه همّام بن الحارث عن المقداد رضي الله عنه أنّ رجلاً جعل يمدح عثمان رضي الله عنه فعمد المقداد فجثا على ركبتيه فجعل يحثو في وجهه الحصباء‏,‏ فقال له عثمان‏:‏ ما شأنك‏,‏ فقال إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب»‏.‏

وورد أنّه صلى الله عليه وسلم قال لعمر‏:‏ «ما لقيك الشّيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجّك» ثمّ قال النّووي‏:‏ قال العلماء‏:‏ وطريق الجمع بين الأحاديث - أي في النّهي والإباحة - أن يقال‏:‏ إن كان الممدوح عنده كمال إيمانٍ ويقين ورياضة نفسٍ ومعرفة تامّة بحيث لا يفتتن ولا يغتر بذلك ولا تلعب به نفسه فليس بحرام ولا مكروهٍ‏,‏ وإن خيف عليه شيء من هذه الأمور كره مدحه في وجهه كراهةً شديدةً‏,‏ وعلى هذا التّفصيل تنزل الأحاديث المختلفة‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ تأوّل العلماء قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ احثوا التراب في وجوه المدّاحين ‏"‏ أنّ المراد به المدّاحون في وجوههم بالباطل وبما ليس فيهم حتّى يجعلوا ذلك بضاعةً يستأكلون به الممدوح ويفتنونه‏.‏

ما يفعله الممدوح

6 - قال الغزالي‏:‏ على الممدوح أن يكون شديد الاحتراز عن آفة الكبر والعجب وآفة الفتور‏,‏ ولا ينجو من ذلك إلا بأن يعرف نفسه‏,‏ ويتأمّل ما في خطر الخاتمة‏,‏ ودقائق الرّياء وآفات الأعمال‏,‏ فإنّه يعرف من نفسه ما لا يعرفه المادح‏,‏ ولو انكشف له جميع أسراره وما يجري على خواطره لكفّ المادح عن مدحه وعليه أن يظهر كراهة المدح بإذلال المادح‏,‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب»‏.‏ ونقل ابن حجرٍ العسقلاني عن بعض السّلف‏:‏ أنّه إذا مدح الرّجل في وجهه فليقل‏:‏ اللّهمّ لا تؤاخذني بما يقولون‏,‏ واغفر لي ما لا يعلمون‏,‏ واجعلني خيراً ممّا يظنون‏.‏

مدح المرء نفسه وذكر محاسنه

7 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لا يجوز للإنسان في الجملة أن يمدح نفسه وأن يزكيها قال العز ابن عبد السّلام‏:‏ ومدحك نفسك أقبح من مدحك غيرك‏,‏ فإنّ غلط الإنسان في حقّ نفسه أكثر من غلطه في حقّ غيره فإنّ حبّك الشّيء يعمي ويصم‏,‏ ولا شيء أحب إلى الإنسان من نفسه‏,‏ ولذلك يرى عيوب غيره ولا يرى عيوب نفسه‏,‏ ويعذر به نفسه بما لا يعذر به غيره وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَََلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء‏}‏‏.‏

ولا يمدح المرء نفسه إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك‏,‏ مثل أن يكون خاطباً إلى قومٍ فيرغّبهم في نكاحه‏,‏ أو ليعرّف أهليّته للولايات الشّرعيّة والمناصب الدّينيّة‏,‏ ليقوم بما فرض اللّه عليه عيناً أو كفايةً كقول يوسف عليه السلام‏:‏ ‏{‏اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

وقد يمدح المرء نفسه ليقتدى به فيما مدح نفسه به‏,‏ وهذا مختص بالأقوياء الّذين يأمنون التّسميع ويقتدى بأمثالهم‏,‏ ومن ذلك قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر»‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أنا أكرم ولد آدم على ربّي ولا فخر»‏.‏

وقول عليٍّ كرّم اللّه وجهه‏:‏ واللّه ما آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار‏.‏

وقول عثمان رضي الله عنه‏:‏ ما تعنّيت ولا تمنّيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ التّعنّي‏:‏ التّطلّي بالعينة‏,‏ وهو بول فيه أخلاط تطلى بها الإبل الجربى‏,‏ والتّمنّي‏:‏ التّكذب‏,‏ تفعل من مَنَى يمني إذا قدر‏,‏ لأنّ الكاذب يقدر الحديث في نفسه ثمّ يقولـه‏.‏

قال ابن مفلحٍ‏:‏ فهذه الأشياء خرجت مخرج الشكر للّه وتعريف المستفيد ما عند المفيد‏.‏ وقال‏:‏ اعلم أنّ ذكر محاسن نفسه ضربان‏:‏ مذموم ومحبوب‏,‏ فالمذموم‏:‏ أن يذكره للافتخار وإظهار الارتفاع والتّميز على الأقران وشبه ذلك‏,‏ والمحبوب‏:‏ أن يكون فيه مصلحة دينيّة‏,‏ وذلك بأن يكون آمراً بمعروف‏,‏ أو ناهياً عن منكرٍ‏,‏ أو ناصحاً‏,‏ أو مشيراً بمصلحة‏,‏ أو معلّماً‏,‏ أو مؤدّباً‏,‏ أو واعظاً‏,‏ أو مذكّراً‏,‏ أو مصلحاً بين اثنين‏,‏ أو يدفع عن نفسه شراً أو نحو ذلك، فيذكر محاسنه ناوياً بذلك أن يكون هذا أقرب إلى قبول قوله واعتماد ما يذكره‏,‏ أو أنّ هذا الكلام الّذي أقوله لا تجدونه عند غيري فاحتفظوا به أو نحو ذلك‏.‏

مدح الميّت والثّناء عليه

8 - نقل ابن حجرٍ العسقلاني عن الزّين بن المنير‏:‏ أنّ ثناء النّاس على الميّت مشروع وجائز مطلقاً‏,‏ بخلاف الحيّ فإنّه منهي عنه إذا أفضى إلى الإطراء خشيةً عليه من الزّهو‏.‏ وقال النّووي‏:‏ يستحب الثّناء على الميّت وذكر محاسنه‏.‏

وقال‏:‏ يستحب لمن مرّ به جنازة أو رآها أن يدعو لها ويثني عليها بالخير إن كانت أهلاً للثّناء‏,‏ ولا يجازف في الثّناء‏.‏

ونقل في المجموع عن البندنيجيّ نحو ذلك‏.‏

وقد روى أنس رضي الله عنه قال‏:‏ «مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال النّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ وجبت، ثمّ مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال‏:‏ وجبت، فقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه‏:‏ ما وجبت ‏؟‏ قال‏:‏ هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنّة‏,‏ وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النّار‏,‏ أنتم شهداء اللّه في الأرض»‏.‏

قال الداودي‏:‏ المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصّدق‏,‏ لا الفسقة لأنّهم قد يثنون على من يكون مثلهم‏,‏ ولا من بينه وبين الميّت عداوة‏,‏ لأنّ شهادة العدوّ لا تقبل‏.‏

وقال النّووي‏:‏ قال بعضهم‏:‏ معنى الحديث‏:‏ أنّ الثّناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل - وكان ذلك مطابقاً للواقع - فهو من أهل الجنّة‏,‏ فإن كان غير مطابقٍ للواقع فلا‏,‏ وكذا عكسه قال‏:‏ والصّحيح أنّه على عمومه وأنّ من مات منهم فألهم اللّه تعالى النّاس الثّناء عليه بخير كان دليلاً على أنّه من أهل الجنّة‏,‏ سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا‏,‏ فإنّ الأعمال داخلة تحت المشيئة‏,‏ وهذا إلهام يستدل به على تعيينها‏,‏ وبهذا تظهر فائدة الثّناء‏.‏ قال ابن حجرٍ العسقلاني‏:‏ وهذا في جانب الخير واضح‏,‏ ويؤيّده حديث‏:‏ «ما من مسلمٍ يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين» وفي روايةٍ‏:‏ «ثلاثة من جيرانه الأدنين أنّهم لا يعلمون منه إلا خيراً إلا قال اللّه تعالى‏:‏ قد قبلت قولكم وغفرت له ما لا تعلمون» وأمّا جانب الشّرّ فظاهر الأحاديث أنّه كذلك‏,‏ لكن إنّما يقع ذلك في حقّ من غلب شره على خيره لحديث‏:‏ «إنّ للّه ملائكةً تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشّرّ»‏.‏

قال في الفتاوى الهنديّة‏:‏ وكره ما كان عليه أهل الجاهليّة من الإفراط في مدح الميّت عند جنازته حتّى كانوا يذكرون ما هو يشبه المحال‏,‏ وأصل الثّناء والمدح على الميّت ليس بمكروه‏,‏ وإنّما المكروه مجاوزة الحدّ بما ليس فيه‏.‏