فصل: حكمة تشريع الطّلاق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الموسوعة الفقهية / الحزء التاسع والعشرون

طَلاق

التّعريف

1 - الطّلاق في اللّغة‏:‏ الحلّ ورفع القيد، وهو اسم مصدره التّطليق، ويستعمل استعمال المصدر، وأصله‏:‏ طلقت المرأة تطلق فهي طالق بدون هاء، وروي بالهاء - طالقة - إذا بانت من زوجها، ويرادفه الإطلاق، يقال‏:‏ طلّقت وأطلقت بمعنى سرّحت، وقيل‏:‏ الطّلاق للمرأة إذا طلقت، والإطلاق لغيرها إذا سرّح، فيقال‏:‏ طلّقت المرأة، وأطلقت الأسير، وقد اعتمد الفقهاء هذا الفرق، فقالوا‏:‏ بلفظ الطّلاق يكون صريحاً، وبلفظ الإطلاق يكون كنايةً‏.‏ وجمع طالق طلّق، وطالقة تجمع على طوالق، وإذا أكثر الزّوج الطّلاق كان مطلاقاً ومطليقاً، وطلقةً‏.‏

والطّلاق في عرف الفقهاء هو‏:‏ رفع قيد النّكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه‏.‏

والمراد بالنّكاح هنا‏:‏ النّكاح الصّحيح خاصّةً، فلو كان فاسداً لم يصحّ فيه الطّلاق، ولكن يكون متاركةً أو فسخاً‏.‏

والأصل في الطّلاق أنّه ملك الزّوج وحده، وقد يقوم به غيره بإنابته، كما في الوكالة والتّفويض، أو بدون إنابة، كالقاضي في بعض الأحوال، قال الشّربينيّ في تعريف الطّلاق نقلاً عن التّهذيب‏:‏ تصرّف مملوك للزّوج يحدثه بلا سبب، فيقطع النّكاح‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الفسخ‏:‏

2 - الفسخ في اللّغة‏:‏ النّقض والإزالة‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ حلّ رابطة العقد، وبه تنهدم آثار العقد وأحكامه الّتي نشأت عنه‏.‏

وبهذا يقارب الطّلاق، إلاّ أنّه يخالفه في أنّ الفسخ نقض للعقد المنشئ لهذه الآثار، أمّا الطّلاق فلا ينقض العقد، ولكن ينهي آثاره فقط‏.‏

المتاركة‏:‏

3 - المتاركة في اللّغة‏:‏ الرّحيل والمفارقة مطلقاً، ثمّ استعملت للإسقاط في المعاني، يقال‏:‏ ترك حقّه إذا أسقطه‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ ترك الرّجل المرأة المعقود عليها بعقد فاسد قبل الدّخول أو بعده، والتّرك بعد الدّخول لا يكون إلاّ بالقول عند أكثر الفقهاء، كقوله لها‏:‏ خلّيت سبيلك، أو تركتك، وكذلك قبل الدّخول في الأصحّ‏.‏

والمتاركة توافق الطّلاق من وجه وتخالفه من وجه، توافقه في حقّ إنهاء آثار النّكاح، وفي أنّها حقّ الرّجل وحده، وتخالفه في أنّها لا تحسب عليه واحدة، وأنّها تختصّ بالعقد الفاسد، والوطء بشبهة، أمّا الطّلاق فمخصوص بالعقد الصّحيح‏.‏

الخلع‏:‏

4 - الخلع في اللّغة‏:‏ النّزع، وخالعت المرأة زوجها مخالعةً واختلعت منه إذا افتدت منه وطلّقها على الفدية، والمصدر الخَلع، والخُلع اسم‏.‏

وهو في الاصطلاح‏:‏ إزالة ملك النّكاح بلفظ الخلع، أو ما في معناه مقابل عوض تلتزم به الزّوجة أو غيرها للزّوج‏.‏

وقد ذهب الحنفيّة في المفتى به، والمالكيّة، والشّافعيّة في الجديد، والحنابلة في رواية‏:‏ إلى أنّ الخلع طلاق‏.‏

وذهب الشّافعيّ في القديم، والحنابلة في أشهر ما يروى عن أحمد إلى أنّه فسخ‏.‏

التّفريق‏:‏

5 - التّفريق في اللّغة‏:‏ مصدر فرّق، وفعله الثّلاثيّ فرق، يقال‏:‏ فرقت بين الحقّ والباطل، أي فصلت بينهما، وهو في المعاني بالتّخفيف، يقال‏:‏ فرقت بين الكلامين، وبالتّشديد في الأعيان، يقال‏:‏ فرّقت بين العبدين، قاله ابن الأعرابيّ والخطّابيّ‏.‏

وقال غيرهما‏:‏ هما بمعنىً واحد، والتّشديد للمبالغة‏.‏

والتّفريق في اصطلاح الفقهاء‏:‏ إنهاء العلاقة الزّوجيّة بين الزّوجين بحكم القاضي بناءً على طلب أحدهما لسبب، كالشّقاق والضّرر وعدم الإنفاق، أو بدون طلب من أحد حفظاً لحقّ الشّرع، كما إذا ارتدّ أحد الزّوجين‏.‏

وما يقع بتفريق القاضي‏:‏ طلاق بائن في أحوال، وفسخ في أحوال أخرى، وهو طلاق رجعيّ في بعض الأحوال‏.‏

الإيلاء‏:‏

6 - الإيلاء في اللّغة الحلف، من آلى يؤلي إيلاءً، يجمع على ألايا‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ حلف الزّوج على ترك قرب زوجته مدّةً مخصوصةً‏.‏

وقد حدّد القرآن الكريم ذلك بأربعة أشهر في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ‏}‏ فإذا انقضت الأشهر الأربعة بغير قرب منه لها طلقت منه بطلقة بائنة عند الحنفيّة، واستحقّت الطّلاق منه عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، حيث ترفعه الزّوجة للقاضي ليخيّره بين القرب والفراق، فإن قربها انحلّ الإيلاء، وإن رفض فرّق القاضي بينهما بطلقة‏.‏

اللّعان‏:‏

7 - اللّعن في اللّغة‏:‏ الطّرد والإبعاد من الخير، والمسبّة، يقال‏:‏ لعنه لعناً، ولاعنه ملاعنةً، ولعاناً، وتلاعنوا، إذا لعن بعضهم بعضاً‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ عرّفه الكمال بن الهمام‏:‏ بأنّه اسم لما يجري بين الزّوجين من الشّهادات بالألفاظ المعروفة‏.‏

وقد سمّي باللّعان لما في قول الزّوج في الأيمان‏:‏ إنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين، وذلك وفقاً لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ‏}‏‏.‏

والتّحريم بعد اللّعان بين المتلاعنين يكون على التّأبيد، أمّا الطّلاق فليس بالضّرورة كذلك‏.‏ الظّهار‏:‏

8 - الظّهار قول الرّجل لامرأته‏:‏ ‏"‏ أنت عليّ كظهر أمّي ‏"‏، وكان عند العرب ضرباً من الطّلاق‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ تشبيه المسلم زوجته أو جزءاً شائعاً منها بمحرّم عليه على التّأبيد كأمّه وأخته، بخلاف زوجة الغير، فإنّ حرمتها مؤقّتة، ويسمّى الظّهار بذلك لما غلب على المظاهرين من التّشبيه بظهر المحرّم، كقوله لزوجته‏:‏ ‏"‏ أنت عليّ كظهر أمّي ‏"‏ وإن كان الظّهار ليس مخصوصاً بالتّشبيه بالظّهر‏.‏

ولا تفريق بين الزّوجين في الظّهار، ولكن يحرم به الوطء ودواعيه حتّى يكفّر المظاهر، فإن كفّر حلّت له زوجته بالعقد الأوّل‏.‏

الحكم التّكليفيّ للطّلاق

9 - اتّفق الفقهاء على أصل مشروعيّة الطّلاق، واستدلّوا على ذلك بأدلّة، منها‏:‏

أ - قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‏}‏‏.‏

ب - قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏‏.‏

ج - قول الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ما أحلّ الله شيئاً أبغض إليه من الطّلاق «‏.‏

د - حديث عمر‏:‏ » أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم طلّق حفصة ثمّ راجعها «‏.‏

هـ- حديث ابن عمر‏:‏ » أنّه طلّق زوجته في حيضها، فأمره النّبيّ صلى الله عليه وسلم بارتجاعها ثمّ طلاقها بعد طهرها، إن شاء «‏.‏

و- إجماع المسلمين من زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم على مشروعيّته، لكنّ الفقهاء اختلفوا في الحكم الأصليّ للطّلاق‏:‏

فذهب الجمهور إلى أنّ الأصل في الطّلاق الإباحة، وقد يخرج عنها في أحوال‏.‏

وذهب آخرون إلى أنّ الأصل فيه الحظر، ويخرج عن الحظر في أحوال‏.‏

وعلى كلّ فالفقهاء متّفقون في النّهاية على أنّه تعتريه الأحكام، فيكون مباحاً أو مندوباً أو واجباً، كما يكون مكروهاً أو حراماً، وذلك بحسب الظّروف والأحوال الّتي ترافقه، بحسب ما يلي‏:‏

أ - فيكون واجباً كالمولي إذا أبى الفيئة إلى زوجته بعد التّربّص، على مذهب الجمهور، أمّا الحنفيّة‏:‏ فإنّهم يوقعون الفرقة بانتهاء المدّة حكماً، وكطلاق الحكمين في الشّقاق إذا تعذّر عليهما التّوفيق بين الزّوجين ورأيا الطّلاق، عند من يقول بالتّفريق لذلك‏.‏

ب - ويكون مندوباً إليه إذا فرّطت الزّوجة في حقوق اللّه الواجبة عليها - مثل الصّلاة ونحوها - وكذلك يندب الطّلاق للزّوج إذا طلبت زوجته ذلك للشّقاق‏.‏

ج - ويكون مباحاً عند الحاجة إليه لدفع سوء خلق المرأة وسوء عشرتها، أو لأنّه لا يحبّها‏.‏

د - ويكون مكروهاً إذا لم يكن ثمّة من داع إليه ممّا تقدّم، وقيل‏:‏ هو حرام في هذه الحال، لما فيه من الإضرار بالزّوجة من غير داع إليه‏.‏

هـ- ويكون حراماً وهو الطّلاق في الحيض، أو في طهر جامعها فيه، وهو الطّلاق البدعيّ، وسوف يأتي بيانه‏.‏

قال الدّردير‏:‏ واعلم أنّ الطّلاق من حيث هو جائز، وقد تعتريه الأحكام الأربعة‏:‏ من حرمة وكراهة، ووجوب وندب‏.‏

حكمة تشريع الطّلاق

10 - لقد نبّه الإسلام الرّجال والنّساء إلى حسن اختيار الشّريك والشّريكة في الزّواج عند الخطبة، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » تخيّروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم«‏.‏

وقال‏:‏ » لا تزوّجوا النّساء لحسنهنّ، فعسى حسنهنّ أن يرديهنّ، ولا تزوّجوهنّ لأموالهنّ فلعلّ أموالهنّ أن تطغيهنّ ولكن تزوّجوهنّ على الدّين، ولأمة خرماء سوداء ذات دين، أفضل «‏.‏

وقال‏:‏ » تنكح المرأة لأربع‏:‏ لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدّين تربت يداك «‏.‏

وقال للمغيرة بن شعبة عندما خطب امرأةً‏:‏ » انظر إليها، فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما «‏.‏ وقال‏:‏ » تزوّجوا الودود الولود، فإنّي مكاثر بكم الأمم «، وقال لأولياء النّساء‏:‏ » إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد «‏.‏

إلاّ أنّ ذلك كلّه - على أهمّيّته - قد لا يضمن استمرار السّعادة والاستقرار بين الزّوجين، فربّما قصّر أحد الزّوجين في الأخذ بما تقدّم، وربّما أخذا به، ولكن جدّ في حياة الزّوجين الهانئين ما يثير بينهما القلاقل والشّقاق، كمرض أحدهما أو عجزه وربّما كان ذلك بسبب عناصر خارجة عن الزّوجين أصلاً، كالأهل والجيران وما إلى ذلك، وربّما كان سبب ذلك انصراف القلب وتغيّره، فيبدأ بنصح الزّوجين وإرشادهما إلى الصّبر والاحتمال، وبخاصّة إذا كان التّقصير من الزّوجة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً‏}‏‏.‏

إلاّ أنّ مثل هذا الصّبر قد لا يتيسّر للزّوجين أو لا يستطيعانه، فربّما كانت أسباب الشّقاق فوق الاحتمال، أو كانا في حالة نفسيّة لا تساعدهما على الصّبر، وفي هذه الحال‏:‏ إمّا أن يأمر الشّرع بالإبقاء على الزّوجيّة مع استمرار الشّقاق الّذي قد يتضاعف وينتج عنه فتنة، أو جريمة، أو تقصير في حقوق اللّه تعالى، أو على الأقلّ تفويت الحكمة الّتي من أجلها شرع النّكاح، وهي المودّة والألفة والنّسل الصّالح، وإمّا أن يأذن بالطّلاق والفراق، وهو ما اتّجه إليه التّشريع الإسلاميّ، وبذلك علم أنّ الطّلاق قد يتمحّض طريقاً لإنهاء الشّقاق والخلاف بين الزّوجين، ليستأنف الزّوجان بعده حياتهما منفردين أو مرتبطين بروابط زوجيّة أخرى، حيث يجد كلّ منهما من يألفه ويحتمله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً‏}‏‏.‏

ولهذا قال الفقهاء‏:‏ بوجوب الطّلاق في أحوال، وبندبه في أحوال أخرى - كما تقدّم - على ما فيه من الضّرر، وذلك تقديماً للضّرر الأخفّ على الضّرر الأشدّ، وفقاً للقاعدة الفقهيّة الكلّيّة‏:‏ ‏"‏ يختار أهون الشّرّين ‏"‏‏.‏ والقاعدة الفقهيّة القائلة‏:‏ ‏"‏ الضّرر الأشدّ يزال بالضّرر الأخفّ ‏"‏‏.‏

ويستأنس في ذلك بما ورد عن ابن عبّاس‏:‏ » أنّ زوجة ثابت بن قيس بن شمّاس أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت له‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكنّني أكره الكفر في الإسلام، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ أتردّين عليه حديقته ‏؟‏ قالت‏:‏ نعم قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ اقبل الحديقة وطلّقها تطليقةً «‏.‏

من له حقّ الطّلاق

11 - الطّلاق‏:‏ نوع من أنواع الفَرْق وهو ملك للزّوج وحده، ذلك أنّ الرّجل يملك مفارقة زوجته إذا وجد ما يدعوه إلى ذلك بعبارته وإرادته المنفردة، كما تملك الزّوجة طلب إنهاء علاقتها الزّوجيّة إذا وجد ما يبرّر ذلك، كإعسار الزّوج بالنّفقة، وغيبة الزّوج، وما إلى ذلك من أسباب اختلف الفقهاء فيها توسعةً وتضييقاً، ولكنّ ذلك لا يكون بعبارتها، وإنّما بقضاء القاضي، إلاّ أن يفوّضها الزّوج بالطّلاق، فإنّها في هذه الحال تملكه بقولها أيضاً‏.‏ فإذا اتّفق الزّوجان على الفراق، جاز ذلك، وهو يتمّ من غير حاجة إلى قضاء، وكذلك القاضي، فإنّ له التّفريق بين الزّوجين إذا قام من الأسباب ما يدعوه لذلك، حمايةً لحقّ اللّه تعالى، كما في ردّة أحد الزّوجين المسلمين - والعياذ باللّه تعالى - أو إسلام أحد الزّوجين المجوسيّين وامتناع الآخر عن الإسلام وغير ذلك‏.‏

إلاّ أنّ ذلك كلّه لا يسمّى طلاقاً سوى الأوّل الّذي يكون بإرادة الزّوج الخاصّة وعبارته‏.‏ والدّليل على أنّ الطّلاق هذا حقّ الزّوج خاصّةً قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إنّما الطّلاق لمن أخذ بالسّاق «‏.‏

ثمّ إنّ الرّجل المطلّق لا يسأل عن سبب الطّلاق عند إقدامه عليه، وذلك لأسباب كثيرة منها‏:‏

أ - حفظ أسرار الأسرة‏.‏

ب - حفظ كرامة الزّوجة وسمعتها‏.‏

ج - العجز عن إثبات الكثير من تلك الأسباب، لأنّ غالب أسباب الشّقاق بين الزّوجين تكون خفيّةً يصعب إثباتها، فإذا كلّفناه بذلك نكون قد كلّفناه بما يعجز عنه أو يحرجه، وهو ممنوع في الشّريعة الإسلاميّة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏‏.‏

د - ثمّ إنّ في إقدام الزّوج على الطّلاق وتحمّله الأعباء الماليّة المترتّبة عليه، من مهر مؤجّل، ونفقة ومتعة - عند من يقول بوجوبها - وأجرة حضانة للأولاد، لقرينة كافية على قيام أسباب مشروعة تدعوه للطّلاق‏.‏

هـ- ولكون الطّلاق مباحاً أصلاً عند الجمهور كما تقدّم، إباحةً مطلقةً عن أيّ شرط أو قيد‏.‏

محلّ الطّلاق

12 - اتّفق الفقهاء على أنّ محلّ الطّلاق الزّوجة في زوجيّة صحيحة، حصل فيها دخول أم لا، فلو كان الزّواج باطلاً أو فاسداً، فطلّقها، لم تطلق، لأنّ الطّلاق أثر من آثار الزّواج الصّحيح خاصّةً‏.‏

وهل يعدّ لفظ الطّلاق في النّكاح الفاسد متاركةً ‏؟‏ والجواب‏:‏ نعم، لكن لا ينقص به العدد، لأنّه ليس طلاقاً، قال ابن عابدين‏:‏ طلّق المنكوحة فاسداً ثلاثاً، له تزوّجها بلا محلّل، لكون الطّلاق لا يتحقّق في الفاسد، ولذا كان غير منقص للعدد، بل متاركة‏.‏

ومن باب أولى أنّ الطّلاق لا يقع بعد الوطء بشبهة، لانعدام الزّوجيّة أصلاً‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة - إلى وقوع الطّلاق على المعتدّة من طلاق رجعيّ، حتّى لو قال الرّجل لزوجته المدخول بها‏:‏ أنت طالق، ثمّ قال لها في عدّتها‏:‏ أنت طالق، ثانيةً، كانتا طلقتين، ما لم يرد تأكيد الأولى، فإن أراد تأكيد الأولى لم تقع الثّانية، ما لم تكن قرائن الحال تمنع صحّة إرادة التّأكيد، وذلك لأنّ الطّلاق الرّجعيّ لا ينهي العلاقة بين الزّوجين قبل انقضاء العدّة، بدلالة جواز رجوعه إليها في العدّة بالعقد الأوّل دون عقد جديد‏.‏

أمّا المطلّقة بائناً والمفسوخ زواجها إذا طلّقها في عدّتها، فقد اختلفوا فيها‏:‏

فذهب الجمهور إلى عدم وقوع الطّلاق على المعتدّة من طلاق بائن سواء أكانت البينونة صغرى أم كبرى، وكذلك المفسوخ زواجها، وذلك لانقضاء النّكاح بالبينونة والفسخ‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّ المبانة بينونةً صغرى في عدّتها زوجةً من وجه بدلالة جواز عودها إلى زوجها بعقد جديد أثناء العدّة، ولا يجوز زواجها من غيره قبل انقضاء العدّة، ولهذا فإنّها محلّ لصحّة الطّلاق عندهم، وعلى هذا فلو طلّق رجل زوجته المدخول بها بائناً مرّةً واحدةً، ثمّ طلّقها أخرى في عدّتها كانتا اثنتين، هذا ما لم يقصد تأكيد الأولى، فإن قصد تأكيد الأولى لم تقع الثّانية كما تقدّم في المعتدّة من طلاق رجعيّ‏.‏

وأمّا المفسوخ زواجها فلم ير الحنفيّة وقوع الطّلاق في عدّتها إذا كان سبب الفسخ حرمةً مؤبّدةً، كتقبيلها ابن زوجها بشهوة، فإن كانت الحرمة غير مؤبّدة كانت محلاً للطّلاق في أحوال، وغير محلّ له في أحوال أخرى، ذكر ذلك ابن عابدين فقال‏:‏ ومحلّه المنكوحة، أي ولو معتدّةً عن طلاق رجعيّ أو بائن غير ثلاث في حرّة وثنتين في أمة، أو عن فسخ بتفريق لإباء أحدهما عن الإسلام أو بارتداد أحدهما، بخلاف عدّة الفسخ بحرمة مؤبّدة كتقبيل ابن الزّوج، أو غير مؤبّدة، كالفسخ بخيار عتق، وبلوغ، وعدم كفاءة، ونقصان مهر، وسبي أحدهما، ومهاجرته، فلا يقع الطّلاق فيها كما حرّره في البحر عن الفتح‏.‏

ركن الطّلاق

13 - ركن سائر التّصرّفات الشّرعيّة القوليّة عند الحنفيّة‏:‏ الصّيغة الّتي يعبّر بها عنه‏.‏

أمّا جمهور الفقهاء‏:‏ فإنّهم يتوسّعون في معنى الرّكن، ويدخلون فيه ما يسمّيه الحنفيّة أطراف التّصرّف‏.‏

والطّلاق بالاتّفاق من التّصرّفات الشّرعيّة القوليّة، فركن الطّلاق في مذهب الحنفيّة هو‏:‏ الصّيغة الّتي يعبّر بها عنه‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ للطّلاق أربعة أركان، هي‏:‏ أهل، وقصد، ومحلّ، ولفظ‏.‏

وعند الشّافعيّة‏:‏ أركان خمسة‏:‏ مطلّق، وصيغة، ومحلّ، وولاية، وقصد‏.‏

والأصل في الصّيغة الّتي يعبّر بها عن الطّلاق الكلام، وقد ينوب عنه الكتابة أو الإشارة، ولا ينعقد الطّلاق بغير ذلك، فلو نوى الطّلاق دون لفظ أو كتابة أو إشارة لم يكن مطلّقاً، وكذلك إذا أمر زوجته بحلق شعرها بقصد الطّلاق، لا يكون مطلّقاً أيضاً‏.‏

شروط الطّلاق

14 - يشترط لصحّة الطّلاق لدى الفقهاء شروط موزّعة على أطراف الطّلاق الثّلاثة، فبعضها يتعلّق بالمطلّق، وبعضها بالمطلّقة، وبعضها بالصّيغة، وذلك على الوجه التّالي‏:‏

الشّروط المتعلّقة بالمطلّق

يشترط في المطلّق ليقع طلاقه على زوجته صحيحاً شروط، هي‏:‏

الشّرط الأوّل‏:‏ أن يكون زوجاً‏:‏

15 - والزّوج‏:‏ هو من بينه وبين المطلّقة عقد زواج صحيح‏.‏

الشّرط الثّاني‏:‏ البلوغ‏:‏

16 - ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وقوع طلاق الصّغير مميّزاً أو غير مميّز، مراهقاً أو غير مراهق، أذن له بذلك أم لا، أجيز بعد ذلك من الوليّ أم لا، على سواء، ذلك لأنّ الطّلاق ضرر محض، فلا يملكه الصّغير ولا يملكه وليّه، ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » رفع القلم عن ثلاثة‏:‏ عن النّائم حتّى يستيقظ، وعن الصّبيّ حتّى يحتلم، وعن المجنون حتّى يعقل «‏.‏

وخالف الحنابلة في الصّبيّ الّذي يعقل الطّلاق، فقالوا‏:‏ إنّ طلاقه واقع على أكثر الرّوايات عن أحمد‏.‏ أمّا من لا يعقل فوافقوا الجمهور في أنّه لا يقع طلاقه‏.‏

قال في المغني‏:‏ وأمّا الصّبيّ الّذي لا يعقل فلا خلاف في أنّه لا طلاق له، وأمّا الّذي يعقل الطّلاق، ويعلم أنّ زوجته تبين منه به وتحرم عليه‏:‏ فأكثر الرّوايات عن أحمد أنّ طلاقه يقع، اختارها أبو بكر والخرقيّ وابن حامد‏.‏

وروى أبو طالب عن أحمد‏:‏ لا يجوز طلاقه حتّى يحتلم، وهو قول النّخعيّ، والزّهريّ‏.‏ وروى أبو الحارث عن أحمد‏:‏ إذا عقل الطّلاق جاز طلاقه ما بين عشر إلى اثنتي عشرة، وهذا يدلّ على أنّه لا يقع لدون العشر، وهو اختيار أبي بكر، لأنّ العشر حدّ الضّرب على الصّلاة والصّيام وصحّة الوصيّة، فكذلك هذا، وعن سعيد بن المسيّب‏:‏ إذا أحصى الصّلاة وصام رمضان جاز طلاقه، وقال عطاء‏:‏ إذا بلغ أن يصيب النّساء وعن الحسن‏:‏ إذا عقل وحفظ الصّلاة وصام رمضان وقال إسحاق‏:‏ إذا جاوز اثنتي عشرة‏.‏

الشّرط الثّالث‏:‏ العقل‏:‏

17 - ذهب الفقهاء إلى عدم صحّة طلاق المجنون والمعتوه لفقدان أهليّة الأداء في الأوّل، ونقصانها في الثّاني، فألحقوهما بالصّغير غير البالغ، فلم يقع طلاقهما لما تقدّم من الأدلّة‏.‏ وهذا في الجنون الدّائم المطبق، أمّا الجنون المتقطّع، فإنّ حكم طلاق المبتلى به منوط بحاله عند الطّلاق، فإن طلّق وهو مجنون لم يقع، وإن طلّق في إفاقته وقع لكمال أهليّته‏.‏ وقد ألحق الفقهاء بالمجنون النّائم، والمغمى عليه، والمبرسم، والمدهوش، وذلك لانعدام أهليّة الأداء لديهم ولحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » رفع القلم عن ثلاثة‏.‏‏.‏‏.‏ «‏.‏

وحديث‏:‏ » لا طلاق ولا عتاق في إغلاق «‏.‏

وأمّا السّكران، فإن كان غير متعدّ بسكره، كما إذا سكر مضطرّاً، أو مكرهاً أو بقصد العلاج الضّروريّ إذا تعيّن بقول طبيب مسلم ثقة، أو لم يعلم أنّه مسكر، لم يقع طلاقه بالاتّفاق، لفقدان العقل لديه كالمجنون دون تعدّ، هذا إذا غاب عقله أو اختلّت تصرّفاته، وإلاّ وقع طلاقه‏.‏

وإن كان متعدّياً بسكره، كأن شرب الخمرة طائعاً بدون حاجة، وقع طلاقه عند الجمهور رغم غياب عقله بالسّكر، وذلك عقاباً له، وهو مذهب سعيد، وعطاء، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، والشّعبيّ، والنّخعيّ، وغيرهم‏.‏

وذكر الحنابلة عن أحمد روايتين‏:‏

الأولى‏:‏ بوقوع طلاقه كالجمهور، اختارها أبو بكر الخلال والقاضي‏.‏

والثّانية‏:‏ بعدم وقوع طلاقه، اختارها أبو بكر عبد العزيز، وهو قول عند الحنفيّة أيضاً اختاره الطّحاويّ والكرخيّ، وقول عند الشّافعيّة، وقد روي ذلك عن عثمان رضي الله تعالى عنه، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز، والقاسم، وطاوس، وربيعة، وغيرهم‏.‏ وقد استدلّ لمذهب الجمهور بأنّ الصّحابة جعلوا السّكران كالصّاحي في الحدّ بالقذف‏.‏

كما استدلّ لعدم وقوع طلاقه بأنّه فاقد العقل كالمجنون والنّائم، وبأنّه لا فرق بين زوال العقل بمعصية أو غيرها، بدليل أنّ من كسر ساقيه جاز له أن يصلّي قاعداً، وأنّ امرأةً لو ضربت بطن نفسها فنفست، سقطت عنها الصّلاة‏.‏

الشّرط الرّابع‏:‏ القصد والاختيار‏:‏

19 - المراد به هنا‏:‏ قصد اللّفظ الموجب للطّلاق من غير إجبار‏.‏

وقد اتّفق الفقهاء على صحّة طلاق الهازل، وهو‏:‏ من قصد اللّفظ، ولم يرد به ما يدلّ عليه حقيقةً أو مجازاً، وذلك لحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ثلاث جدّهنّ جدّ، وهزلهنّ جدّ‏:‏ النّكاح والطّلاق والرّجعة «‏.‏

ولأنّ الطّلاق ذو خطر كبير باعتبار أنّ محلّه المرأة، وهي إنسان، والإنسان أكرم مخلوقات اللّه تعالى، فلا ينبغي أن يجري في أمره الهزل، ولأنّ الهازل قاصد للّفظ الّذي ربط الشّارع به وقوع الطّلاق، فيقع الطّلاق بوجوده مطلقاً‏.‏

أمّا المخطئ، والمكره، والغضبان، والسّفيه، والمريض، فقد اختلف الفقهاء في صحّة طلاقهم على التّفصيل التّالي‏:‏

أ - المخطئ‏:‏

20 - المخطئ هنا‏:‏ من لم يقصد التّلفّظ بالطّلاق أصلاً، وإنّما قصد لفظاً آخر، فسبق لسانه إلى الطّلاق من غير قصد، كأن يريد أن يقول لزوجته‏:‏ يا جميلة، فإذا به يقول لها خطأً‏:‏ يا طالق وهو غير الهازل، لأنّ الهازل قاصد للفظ الطّلاق، إلاّ أنّه غير قاصد للفرقة به‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في حكم طلاق المخطئ‏:‏

فذهب الجمهور إلى عدم وقوع طلاقه قضاءً وديانةً، هذا إذا ثبت خطؤه بقرائن الأحوال، فإذا لم يثبت خطؤه وقع الطّلاق قضاءً، ولم يقع ديانةً، وذلك لحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه «‏.‏

ولا يقاس حاله على الهازل، لأنّ الهازل ثبت وقوع طلاقه على خلاف القياس بالحديث الشّريف المتقدّم، وما كان كذلك فلا يقاس غيره عليه‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ طلاق المخطئ واقع قضاءً، ثبت خطؤه أم لا، ولا يقع ديانةً، وذلك لخطورة محلّ الطّلاق، وهو المرأة، ولأنّ في عدم إيقاع طلاقه فتح باب الادّعاء بذلك بغير حقّ للتّخلّص من وقوع الطّلاق وهو خطير، وذريعة يجب سدّها‏.‏

ب - المكره‏:‏

21 - الإكراه هنا معناه‏:‏ حمل الزّوج على الطّلاق بأداة مرهبة‏.‏

وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وقوع طلاق المكره إذا كان الإكراه شديداً، كالقتل، والقطع، والضّرب المبرّح، وما إلى ذلك، وذلك لحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا طلاق ولا عتاق في إغلاق «‏.‏

وللحديث المتقدّم‏:‏ » إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه «‏.‏

ولأنّه منعدم الإرادة والقصد، فكان كالمجنون والنّائم، فإذا كان الإكراه ضعيفاً، أو ثبت عدم تأثّر المكره به، وقع طلاقه لوجود الاختيار‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى وقوع طلاق المكره مطلقاً، لأنّه مختار له بدفع غيره عنه به، فوقع الطّلاق لوجود الاختيار‏.‏

وهذا كلّه في الإكراه بغير حقّ، فلو أكره على الطّلاق بحقّ، كالمولي إذا انقضت مدّة الإيلاء بدون فيء فأجبره القاضي على الطّلاق فطلّق، فإنّه يقع بالإجماع‏.‏

ج - الغضبان‏:‏

22 - الغضب‏:‏ حالة من الاضطراب العصبيّ، وعدم التّوازن الفكريّ، تحلّ بالإنسان إذا عدا عليه أحد بالكلام أو غيره‏.‏

والغضب لا أثر له في صحّة تصرّفات الإنسان القوليّة، ومنها الطّلاق، إلاّ أن يصل الغضب إلى درجة الدّهش، فإن وصل إليها لم يقع طلاقه، لأنّه يصبح كالمغمى عليه‏.‏

والمدهوش هو‏:‏ من غلب الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته بسبب غضب اعتراه‏.‏

وقسّم ابن القيّم الغضب أقساماً ثلاثةً نقلها عنه ابن عابدين وعلّق عليها فقال‏:‏ طلاق الغضبان ثلاثة أقسام‏:‏

أحدها‏:‏ أن يحصل له مبادئ الغضب بحيث لا يتغيّر عقله، ويعلم ما يقول ويقصده، وهذا لا إشكال فيه‏.‏

الثّاني‏:‏ أن يبلغ النّهاية، فلا يعلم ما يقول ولا يريده، فهذا لا ريب أنّه لا ينفذ شيء من أقواله‏.‏

الثّالث‏:‏ من توسّط بين المرتبتين بحيث لم يصر كالمجنون، فهذا محلّ النّظر والأدلّة تدلّ على عدم نفوذ أقواله‏.‏

ثمّ قال ابن عابدين‏:‏ والّذي يظهر لي أنّ كلاً من المدهوش والغضبان لا يلزم فيه أن يكون بحيث لا يعلم ما يقول، بل يكتفى فيه بغلبة الهذيان واختلاط الجدّ بالهزل كما هو المفتى به في السّكران‏.‏‏.‏ ثمّ قال‏:‏ فالّذي ينبغي التّعويل عليه في المدهوش ونحوه‏:‏ إناطة الحكم بغلبة الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته، فما دام في حال غلبة الخلل في الأقوال والأفعال لا تعتبر أقواله وإن كان يعلمها ويريدها، لأنّ هذه المعرفة والإرادة غير معتبرة لعدم حصولها عن إدراك صحيح كما لا تعتبر من الصّبيّ العاقل‏.‏

د - السّفيه‏:‏

23 - السّفه‏:‏ خفّة في العقل تدعو إلى التّصرّف بالمال على غير وفق العقل والشّرع‏.‏

وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع طلاق السّفيه، لأنّه مكلّف مالك لمحلّ الطّلاق، ولأنّ السّفه موجب للحجر في المال خاصّةً، وهذا تصرّف في النّفس، وهو غير متّهم في حقّ نفسه، فإن نشأ عن طلاق السّفيه آثار ماليّة كالمهر فهي تبع لا أصل‏.‏

وخالف عطاء، وقال بعدم وقوع طلاق السّفيه‏.‏

هـ – المريض‏:‏

24 – المرض إذا أطلق في عرف الفقهاء انصرف إلى مرض الموت غالباً، إلاّ أن ينصّ فيه على غيره‏.‏

وقد اتّفق الفقهاء على صحّة طلاق المريض مطلقاً، سواء أكان مرض موت أم مرضاً عاديّاً، ما دام لا أثر له في القوى العقليّة، فإن أثّر فيها دخل في باب الجنون والعته وغير ذلك ممّا تقدّم‏.‏

إلاّ أنّ المريض مرض موت بخاصّة إذا طلّق زوجته المدخول بها في مرضه بغير طلب منها أو رضاً طلاقاً بائناً، ثمّ مات وهي في عدّتها من طلاقه هذا، فإنّه يعدّ فارّاً من إرثها حكماً، وترث منه رغم وقوع الطّلاق عليها عند جمهور الفقهاء‏.‏

وقيّد الحنفيّة ذلك بما إذا لم تطلب الطّلاق البائن، فإذا طلبت هذا الطّلاق فلا ترث‏.‏

وخالف الشّافعيّة، وقالوا بعدم إرث البائنة، أمّا المعتدّة من طلاق رجعيّ فترث بالاتّفاق‏.‏ أمّا المريض بغير مرض الموت وكذلك غير المريض فلا يتأتّى في طلاقهما الفرار من الإرث‏.‏

الشّروط المتعلّقة بالمطلّقة

يشترط في المطلّقة ليقع الطّلاق عليها شروط، هي‏:‏

الشّرط الأوّل‏:‏ قيام الزّوجيّة حقيقةً أو حكماً‏:‏

25 - وذلك بأن تكون المطلّقة زوجةً للمطلّق، أو معتدّةً من طلاقه الرّجعيّ، فإذا كانت معتدّةً من طلاق بائن أو فسخ، فقد تقدّم الاختلاف فيه عند الكلام على محلّ الطّلاق‏.‏

هذا في الطّلاق المنجّز، فإذا علّق طلاقها بشرط، كأن قال‏:‏ إن دخلت دار فلان فأنت طالق، فإن كانت عند التّعليق زوجةً صحّ الطّلاق، وإن كانت معتدّةً عند التّعليق ففيه الخلاف المتقدّم في الطّلاق المنجّز‏.‏

فإن كانت عند التّعليق أجنبيّةً ثمّ تزوّجها، ثمّ حصل الشّرط المعلّق عليه، فإن أضاف التّعليق إلى النّكاح - كأن قال للأجنبيّة‏:‏ إن تزوّجتك فأنت طالق، ثمّ تزوّجها - طلقت عند الحنفيّة والمالكيّة خلافاً للشّافعيّة‏.‏

وإن أضافه إلى غير النّكاح، بأن قال للأجنبيّة‏:‏ إن دخلت دار فلان فأنت طالق، ثمّ تزوّجها، ثمّ دخلت، لم تطلق بالاتّفاق‏.‏

وكذلك إن دخلت الدّار قبل الزّواج، فإنّها لا تطلق من باب أولى‏.‏

فإذا علّق طلاق الأجنبيّة على غير النّكاح، ونوى فيه النّكاح، مثل أن يقول لها‏:‏ إن دخلت دار فلان فأنت طالق، ثمّ تزوّجها، ثمّ دخلت الدّار المحلوف عليها، طلقت عند المالكيّة للنّيّة، ولم تطلق عند الجمهور لعدم الإضافة للنّكاح لفظاً‏.‏

الشّرط الثّاني‏:‏ تعيين المطلّقة بالإشارة أو بالصّفة أو بالنّيّة‏.‏

26 - اتّفق الفقهاء على اشتراط تعيين المطلّقة، وطرق التّعيين ثلاثة‏:‏

الإشارة، والوصف، والنّيّة، فأيّها قدّم جاز، فإذا تعارض الثّلاثة ففيه التّفصيل التّالي‏:‏ اتّفق الفقهاء على أنّه إذا عيّن المطلّقة بالإشارة والصّفة والنّيّة وقع الطّلاق على المعيّنة، كأن قال لزوجته الّتي اسمها عمرة مشيراً إليها‏:‏ يا عمرة، أنت طالق، قاصداً طلاقها، فإنّها تطلق بالاتّفاق، لتمام التّعيين بذلك‏.‏

فإن أشار إلى واحدة من نسائه لمتعدّدات دون أن يصفها بوصف، ولم ينو غيرها، وقال لها‏:‏ أنت طالق، وقع الطّلاق عليها بالاتّفاق أيضاً، لأنّ الإشارة كافية للتّعيين، وكذلك إذا وصفها بوصفها دون إشارة ودون قصد غيرها، فإنّها تطلق أيضاً، كما إذا قال‏:‏ سلمى طالق‏.‏

فإن نوى واحدةً من نسائه، ولم يشر إليها ولم يصفها، كما إذا قال‏:‏ إحدى نسائي طالق، ونوى واحدةً منهنّ، فإنّها تطلق دون غيرها، وكذلك لو قال‏:‏ امرأتي طالق، وليس له غير زوجة واحدة، فإنّها تطلق‏.‏

فإن أشار إلى واحدة من نسائه، ووصف غيرها، بأن قال لإحدى زوجاته واسمها سلمى‏:‏ أنت يا عمرة طالق، وكانت الأخرى اسمها عمرة، طلقت المشار إليها عند الحنفيّة قضاءً، ولم تطلق عمرة للقاعدة الفقهيّة الكلّيّة‏:‏ الوصف في الحاضر لغو، وفي الغائب معتبر وكذلك إذا أشار إليها ووصفها بغير وصفها، فإنّها تطلق، كما إذا قال لامرأته، أنت يا غزالة طالق، للقاعدة السّابقة‏.‏

فإذا لم يشر إليها، ولكن وصفها بوصف هو فيها، وعنى بها غيرها، كأن قال‏:‏ زوجتي سلمى طالق، وقصد غيرها، ديّن إن كان له زوجة اسمها سلمى - ووقع ديانةً - فإن لم يكن له لم يقع الطّلاق عليه ديانةً ولا قضاءً، لعدم التّعيّن أصلاً، وعدم احتمال اللّفظ للنّيّة‏.‏ فإن قال‏:‏ نساء الدّنيا كلّهنّ طوالق، ونوى زوجته، طلقت زوجته عند الحنفيّة، فإن لم ينوها لم تطلق، وإن قال‏:‏ نساء محلّتي كلّهنّ طوالق، طلقت زوجته، نواها أم لم ينوها، فإن قال‏:‏ نساء مدينتي كلّهنّ طوالق، فإن نوى زوجته فيهنّ طلقت، وإلاّ، فقد ذهب أبو يوسف إلى عدم طلاقها، وهو رواية عن محمّد بن الحسن أيضاً، وفي رواية أخرى عن محمّد بن الحسن أنّها تطلق كما في نساء الحيّ‏.‏

ولو قال‏:‏ نساء المسلمين طوالق لم تطلق امرأته في الأصحّ عند الشّافعيّة‏.‏

ولو كان له زوجتان‏:‏ سلمى وعمرة، فدعا سلمى فأجابته عمرة، فظنّها سلمى فطلّقها، طلقت سلمى ديانةً وقضاءً عند المالكيّة للقصد، أمّا عمرة فتطلق قضاءً لا ديانةً لعدم القصد‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى طلاق المجيبة في الأصحّ، أمّا المناداة فلم تطلق، وفي قول آخر لم تطلقا‏.‏

ولو قال الرّجل لزوجته وأجنبيّة معها‏:‏ إحداكما طالق، ثمّ قال‏:‏ قصدت الأجنبيّة، قبل قوله في الأصحّ لدى الشّافعيّة، لاحتمال كلامه ذلك ولكون الأجنبيّة من حيث الجملة قابلةً - أي للطّلاق - فتقدّم النّيّة، وفي قول آخر تطلق زوجته، لأنّها محلّ الطّلاق دون الثّانية، فلا يصرف قوله إلى قصده، للقاعدة الفقهيّة الكلّيّة‏:‏ إعمال الكلام أولى من إهماله، فإن لم يكن له قصد أصلاً، طلقت زوجته قولاً واحداً للقاعدة السّابقة، فلو قال لزوجته ورجل‏:‏ أحدكما طالق، وقصد الرّجل، بطل قصده، وطلقت زوجته، لأنّ الرّجل ليس محلّ الطّلاق أصلاً‏.‏

ولو قال لإحدى زوجتيه‏:‏ إحداكما طالق إن فعلت كذا، ثمّ فعل المحلوف عليه بعد موت إحداهما، تعيّنت الثّانية الحيّة للطّلاق، طلقت‏.‏

ونصّ الحنابلة على أنّه لو قال لزوجاته الأربع‏:‏ إحداكنّ طالق، فإن كان له نيّة طلقت الّتي نواها، وإن لم يكن له نيّة أقرع بينهنّ، ومن وقعت القرعة عليها كانت هي المطلّقة، وقال مالك‏:‏ طلقن جميعاً، وذهب الجمهور إلى أنّه يخيّر، ويقع الطّلاق على من يختارها منهنّ للطّلاق‏.‏

فإن طلّق واحدةً من نسائه ونسيها، أخرجت المطلّقة بالقرعة أيضاً عند الحنابلة‏.‏

وعند أكثر الفقهاء لا يعوّل على القرعة لبيان من وقع الطّلاق عليها، ولكن على تعيينه هو‏.‏

وتطليق جزء المطلّقة كتطليقها كلّها إذا كان الجزء شائعاً وأضافه إليها، كقوله لزوجته‏:‏ نصفك طالق، أو ثلثك، أو ربعك، أو جزء من ألف منك‏.‏‏.‏ فإن أضافه إلى جزء معيّن منها، فإن كان هذا الجزء المعيّن ثابتاً فيها وجزءاً لا يتجزّأ منها كرأسها، وبطنها‏.‏‏.‏‏.‏ فكذلك الحكم، وإن كان غير ثابت كلعابها، وعرقها، وسائر فضلاتها لم تطلق، وهذا مذهب الجمهور‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن طلّق جزءاً شائعاً منها طلقت، وإن طلّق جزءاً معيّناً، فإن كان ممّا يعبّر به عنها عادةً كالرّأس، والوجه، والرّقبة، والظّهر‏.‏‏.‏ طلقت، وإن كان لا يعبّر به عنها عادةً كاليد والرّجل لم تطلق فإن تعارفه النّاس طلقت به أيضاً‏.‏

الشّروط المتعلّقة بصيغة الطّلاق

27 - صيغة الطّلاق هي اللّفظ المعبّر به عنه، إلاّ أنّه يستعاض عن اللّفظ في أحوال بالكتابة أو الإشارة‏.‏

ولكلّ من اللّفظ والكتابة والإشارة شروط لا بدّ من توافرها فيه، وإلاّ لم يقع الطّلاق، وهذه الشّروط هي‏:‏

أ - شروط اللّفظ‏:‏

يشترط في اللّفظ المستعمل في الطّلاق شروط هي‏:‏

الشّرط الأوّل‏:‏ القطع أو الظّنّ بحصول اللّفظ وفهم معناه‏:‏

28 - المراد هنا‏:‏ حصول اللّفظ وفهم معناه، وليس نيّة وقوع الطّلاق به، وقد تكون نيّة الوقوع شرطاً في أحوال كما سيأتي‏.‏

وعلى هذا إذا حلف المطلّق بشيء، ثمّ شكّ أكان حلفه بطلاق أم بغيره، فإنّه لغو ولا يقع به شيء، وكذلك إذا شكّ أطلّق أم لا ‏؟‏ فإنّه لا يقع به شيء من باب أولى، فإن تيقّن أو ظنّ أنّه طلّق ثمّ شكّ في العدد، أطلّق واحدةً، أم ثنتين، أم أكثر من ذلك ‏؟‏ بنى على الأقلّ لحصول اليقين أو الظّنّ به والشّكّ فيما فوقه، والشّكّ لا يثبت به حكم شرعيّ بخلاف الظّنّ واليقين، وهذا عند جمهور الفقهاء ومنهم أبو حنيفة ومحمّد، وذهب أبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه يتحرّى، فإن استويا عنده حمل بأشدّ ذلك عليه احتياطاً في قضايا الفروج، قال ابن عابدين تعليقاً على ذلك‏:‏ ويمكن حمل الأوّل على القضاء، والثّاني على الدّيانة‏.‏ فإذا نوى التّلفّظ بالطّلاق ثمّ لم يتلفّظ به، لم يقع بالاتّفاق، لانعدام اللّفظ أصلاً، وخالف الزّهريّ، وقال بوقوع طلاق النّاوي له من غير تلفّظ‏.‏

ودليل الجمهور قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إنّ اللّه تجاوز لأمّتي عمّا حدّثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تكلّم به «‏.‏

ولو لقّن أعجميّ لفظ الطّلاق وهو لا يعرف معناه، فقاله لم يقع به شيء وكذلك عربيّ إذا لقّن لفظاً أعجميّاً يفيد الطّلاق وهو لا يعرف ذلك لم يقع مطلقاً‏.‏

الشّرط الثّاني‏:‏ نيّة وقوع الطّلاق باللّفظ‏:‏

29 - هذا خاصّ بالكنايات من الألفاظ، أمّا الصّريح فلا يشترط لوقوع الطّلاق به نيّة الطّلاق أصلاً، واستثنى المالكيّة بعض ألفاظ الكناية حيث أوقعوا الطّلاق بها من غير نيّة كالصّريح، وهي الكنايات الظّاهرة، كقول المطلّق لزوجته‏:‏ سرّحتك، فإنّه في حكم‏:‏ طلّقتك، ووافقهم الحنابلة في ذلك على ما ذكره القاضي، خلافاً لما فهم من كلام الخرقيّ، وذكر في نيل المآرب أنّ لفظ‏:‏ سراح من الكنايات فيحتاج للنّيّة‏.‏

وهل تقوم قرائن الأحوال والعرف مقام النّيّة في الكنايات ‏؟‏

ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى ذلك، وخالف المالكيّة والشّافعيّة، وقالوا‏:‏ لا عبرة بالعرف وقرائن الحال، وعلى ذلك إذا قال الرّجل لزوجته‏:‏ أنت عليّ حرام، فإن قصد به طلاقها طلقت عند جمهور الفقهاء للنّيّة، وقال الحنابلة‏:‏ يكون ظهاراً، وإن لم يقصد به الطّلاق لم تطلق عند الشّافعيّة، وتطلق عند متأخّري الحنفيّة، وفي المشهور عند المالكيّة تطلق ثلاثاً في المدخول بها، وينوّى – أي يسأل عن نيّته – في غير المدخول بها‏.‏

وهل يقع الطّلاق بلفظ لا يحتمله أصلاً كقوله لها‏:‏ اسقني ماءً ‏؟‏ إن لم ينو به الطّلاق لم يقع به شيء بالإجماع، وإن نوى به الطّلاق وقع الطّلاق به عند المالكيّة على المشهور، ولا يقع به شيء على مذهب الجمهور، وهو قول ثان للمالكيّة‏.‏

ب - شروط الكتابة‏:‏

اشترط الفقهاء لوقوع الطّلاق بالكتابة شرطين‏:‏

الشّرط الأوّل‏:‏ أن تكون مستبينةً‏:‏

30 - والمقصود أن تكون مكتوبةً بشكل ظاهر يبقى له أثر يثبت به، كالكتابة على الورق، أو الأرض، بخلاف الكتابة في الهواء أو الماء، فإنّها غير مستبينة ولا يقع بها الطّلاق، وهذا لدى الجمهور، وفي رواية لأحمد يقع بها الطّلاق ولو لم تكن متبيّنةً‏.‏

الشّرط الثّاني‏:‏ أن تكون مرسومةً‏:‏

31 - قال الحنفيّة‏:‏ الكتابة إذا كانت مستبينةً ومرسومةً يقع الطّلاق بها، نوى أو لم ينو، وإذا كانت غير مستبينة لا يقع مطلقاً وإن نوى‏.‏

أمّا إذا كانت مستبينةً غير مرسومة، فإن نوى يقع، وإلاّ لا يقع وقيل‏:‏ يقع مطلقاً‏.‏ والكتابة المرسومة عندهم هي‏:‏ ما كان معتاداً ويكون مصدراً ومعنوناً، مثل ما يكتب إلى الغائب، والكتابة المستبينة هي‏:‏ ما يكتب على الصّحيفة والحائط والأرض، على وجه يمكن فهمه وقراءته‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن كتب الطّلاق مجمعاً عليه، - ناويًا له -، أو كتبه ولم يكن له نيّة وقع، وإن كتبه ليستخير فيه، كان الأمر بيده، إلاّ أن يخرج الكتاب من يده‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو كتب ناطق طلاقاً ولم ينوه فلغو، وإن نواه فالأظهر وقوعه‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن كتب صريح طلاق امرأته بما يتبيّن وقع وإن لم ينوه، وإن نوى تجويد خطّه أو غمّ أهله أو تجربة قلمه لم يقع، ويقبل منه ذلك حكماً‏.‏

وإن كتب صريح طلاق امرأته بشيء لا يتبيّن لم يقع‏.‏

ج - شروط الإشارة‏:‏

32 - جمهور الفقهاء على عدم صحّة الطّلاق بالإشارة من القادر على الكلام، وخالف المالكيّة، فقالوا‏:‏ يقع الطّلاق بإشارة القادر على الكلام، كالأخرس إن كانت إشارته مفهمةً، وإن لم تكن مفهمةً لم يقع بها الطّلاق عند الأكثر، وفي قول لبعض المالكيّة يقع بها الطّلاق بالنّيّة، ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة أنّ إشارة النّاطق بالطّلاق كناية لحصول الإفهام بها في الجملة‏.‏

فأمّا الأخرس، فالجمهور على وقوع الطّلاق بإشارته، وخصّ الحنفيّة ذلك بعجزه عن الكتابة في ظاهر الرّواية، فإن قدر على الكتابة لم يصحّ طلاقه بالإشارة، وهو قول لدى الشّافعيّة أيضاً، إلاّ أنّه مرجوح عندهم‏.‏

ثمّ إن كانت إشارته مفهومةً لدى كلّ النّاس، وقع بها الطّلاق بغير نيّة كالصّريح، وإن كانت مفهومةً لدى بعضهم فقط، وقع الطّلاق بها مع النّيّة فقط كما في الكتابة، صرّح بذلك الشّافعيّة كما اشترط الحنفيّة لوقوع الطّلاق بالإشارة من الأخرس أن يكون خرسه منذ الولادة أو طرأ عليه واستمرّ إلى الموت في القول المفتى به، ولذا كان طلاقه موقوفاً على موته، وفي قول آخر‏:‏ إذا دام سنةً كان كمن ولد أخرس‏.‏

أنواع الطّلاق

33 - للطّلاق أنواع مختلفة تختلف بحسب النّظر إليه‏:‏

فهو من حيث الصّيغة المستعملة فيه على نوعين‏:‏ صريح وكنائيّ‏.‏

ومن حيث الأثر النّاتج عنه على نوعين‏:‏ رجعيّ وبائن، والبائن على نوعين‏:‏ بائن بينونة صغرى، وبائن بينونة كبرى‏.‏

ومن حيث صفته على نوعين‏:‏ سنّيّ وبدعيّ‏.‏

ومن حيث وقت وقوع الأثر النّاتج عنه على ثلاثة أنواع‏:‏ منجّز، ومعلّق على شرط، ومضاف إلى المستقبل‏.‏

وتفصيل ذلك كما يلي‏:‏

أوّلاً‏:‏ الصّريح والكنائيّ

34 - اتّفق الفقهاء، على أنّ الصّريح في الطّلاق هو‏:‏ ما لم يستعمل إلاّ فيه غالباً، لغةً أو عرفاً، وعرّف كذلك بأنّه‏:‏ ما ثبت حكمه الشّرعيّ بلا نيّة، وليس بين التّعريفين تناف، بل تكامل، فالأوّل تعريفه بحسب اللّفظ المستعمل فيه، والثّاني بحسب الأثر النّاتج عنه‏.‏ كما اتّفقوا على أنّ الكنائيّ في الطّلاق هو‏:‏ ما لم يوضع اللّفظ له، واحتمله وغيره، فإذا لم يحتمله أصلاً لم يكن كنايةً، وكان لغواً لم يقع به شيء‏.‏

واتّفقوا على أنّ الصّريح يقع به الطّلاق بغير نيّة، وكذلك بالنّيّة المناقضة قضاءً فقط، وعلى ذلك فلو أطلق اللّفظ الصّريح، وقال‏:‏ لم أنو به شيئاً وقع به الطّلاق، ولو قال‏:‏ نويت غير الطّلاق لم يصدّق قضاءً وصدّق ديانةً، هذا ما لم يحفّ باللّفظ من قرائن الحال ما يدلّ على صدق نيّته في إرادة غير الطّلاق، فإن وجدت قرينة تدلّ على عدم قصده الطّلاق صدّق قضاءً أيضاً، ولم يقع به عليه طلاق، وذلك كما إذا أكره على الطّلاق فطلّق صريحاً غير ناو به الطّلاق، فإنّه لا يقع ديانةً ولا قضاءً لقرينة الإكراه‏.‏

وهذا لدى الجمهور، وخالف الحنفيّة وقالوا بوقوع الطّلاق من المكره كما تقدّم‏.‏

أمّا الكنائيّ فلا يقع به الطّلاق إلاّ مع النّيّة، ذلك أنّ اللّفظ يحتمل الطّلاق وغيره، فلا يصرف إلى الطّلاق إلاّ بالنّيّة، وأمّا وقوعه بالنّيّة فلأنّ اللّفظ يحتمله، فيصرف إليه بها‏.‏ وقد ألحق المالكيّة الكنايات الظّاهرة بالصّريح، فأوقعوا الطّلاق بها بغير نيّة، وهي الكنايات الّتي تستعمل في الطّلاق كثيراً وإن لم توضع له في الأصل، وهي لفظ‏:‏ الفراق والسّراح‏.‏

والحنابلة مع المالكيّة هنا في قول القاضي، إلاّ أنّ مفهوم كلام الخرقيّ أنّه لا يقع به الطّلاق من غير نيّة مطلقاً‏.‏

35 - وهل يحلّ محلّ النّيّة قرائن الحال في وقوع الطّلاق بالكناية من غير نيّة ‏؟‏

ذهب الحنفيّة والحنابلة في المعتمد إلى أنّ قرائن الحال كالنّيّة في وقوع الطّلاق باللّفظ الكنائيّ، كما لو قال لزوجته في حالة غضب‏:‏ الحقي بأهلك، فإنّه طلاق ولو لم ينوه، وكذلك إذا كان في حالة مساءلة الطّلاق‏.‏

وذهب المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة في رواية إلى عدم الاعتداد بقرائن الحال هنا، فلا يقع الطّلاق باللّفظ الكنائيّ عندهم إلاّ إذا نواه مطلقاً‏.‏

وقد ذهب الفقهاء إلى أنّ الألفاظ الصّريحة في الطّلاق هي مادّة ‏"‏ طلّق ‏"‏ وما اشتقّ منها لغةً وعرفاً، مثل‏:‏ طلّقتك، وأنت طالق، ومطلّقة‏.‏ فلو قال لها‏:‏ أنت مطلقة بالتّخفيف كان كنايةً، فلا يقع الطّلاق به إلاّ بالنّيّة‏.‏

وقد تقدّمت الإشارة إلى أنّ المالكيّة أنزلوا الكنايات المشهورة منزلة الصّريح في وقوع الطّلاق بها من غير نيّة، وإن لم يعدّوها من الصّريح‏.‏

وذهب الشّافعيّة في المشهور والحنابلة، إلى أنّ الصّريح ألفاظ ثلاثة هي‏:‏ الطّلاق والفراق والسّراح، وما اشتقّ منها لغةً وعرفاً، مثل‏:‏ طلّقتك، وأنت طالق، ومطلّقة، فلو قال أنت مطلقة بالتّخفيف كان كنايةً، لعدم اشتهاره في الطّلاق‏.‏

وأمّا الكنائيّ فما وراء الصّريح من الألفاظ ممّا يحتمل الطّلاق كلفظ‏:‏ اعتدّي، واستبرئي رحمك، والحقي بأهلك، وأنت خليّة، وأنت مطلقة بغير تشديد ونحو ذلك‏.‏

ونصّ الحنفيّة على وقوع الطّلاق باللّفظ المصحّف، ثمّ إن كان اللّفظ صريحاً وقع الطّلاق به بغير نيّة، كلفظ‏:‏ طلاغ، وتلاغ، وطلاك، وتلاك‏.‏‏.‏‏.‏ بلا فرق بين أن يكون المطلّق عالماً أو جاهلاً، إلاّ أن يقول المطلّق‏:‏ تعمّدت التّصحيف هذا للتّخويف به، ويحفّ به من قرائن الحال ما يصدّقه، كالإشهاد على ذلك قبل الطّلاق، فإنّه لا يقع به شيء على المفتى به، وإلاّ وقع الطّلاق‏.‏

ولم يحصر الفقهاء الصّريح في الطّلاق بالعربيّة، بل أطلقوه فيها وفي غيرها، وذكروا ألفاظاً بالفارسيّة والتّركيّة يقع بها الطّلاق صريحاً بغير نيّة، مثل‏:‏ ‏"‏ سان بوش ‏"‏ بالتّركيّة ‏"‏ وبهشتم ‏"‏ بالفارسيّة، وقد جرى في هذه الألفاظ بعض اختلاف بينهم، أهي من الصّريح أم من الكنائيّ ‏؟‏ والحقيقة أنّ مردّ ذلك إلى من يعلم بهذه اللّغات والأعراف‏.‏

ما يقع بالصّريح والكنائيّ من الطّلاق

36 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ طلاق الزّوج يكون رجعيّاً دائماً ولا يكون بائناً إلاّ في أحوال ثلاث، وهي‏:‏

أ - الطّلاق قبل الدّخول، ويكون بائناً‏.‏

ب - الطّلاق على مال، ويكون بائناً ضرورة وجوب المال به على الزّوجة، ذلك أنّها لم تبذله له إلاّ لبينونتها‏.‏

ج - الطّلاق الثّلاث، وذلك ضرورة وقوع البينونة الكبرى به، بنصّ الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏‏.‏

هذا إلى جانب أحوال يكون الطّلاق في بعضها بائناً إذا كان بحكم القاضي، كالتّفريق للغيبة، والتّفريق للإيلاء، والتّفريق للعيب، والتّفريق للشّقاق والضّرر، والتّفريق للإعسار بالنّفقة‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّ الكنائيّ يقع الطّلاق به بائناً مطلقاً، إلاّ ألفاظاً قليلةً قدر وجود لفظ الطّلاق الصّريح فيها، فيكون رجعيّاً، مثل‏:‏ اعتدّي، واستبرئي رحمك، وأنت واحدةً‏.‏ والتّقدير‏:‏ طلّقتك فاعتدّي، وطلّقتك فاستبرئي رحمك، وأنت طالق طلقةً واحدةً‏.‏

أمّا الصّريح فيقع به الطّلاق رجعيّاً بشروط، وهي‏:‏

الأوّل‏:‏ يكون بعد الدّخول، فإذا كان قبل الدّخول وقع به الطّلاق بائناً مطلقاً، سواء أكان بلفظ صريح أم بلفظ كنائيّ‏.‏

الثّاني‏:‏ أن لا يكون مقروناً بعوض، فإن قرن بعوض - طلاق على مال - كان بائناً‏.‏ الثّالث‏:‏ أن لا يكون مقروناً بعدد الثّلاث لفظاً أو إشارةً أو كتابةً، وأن لا يكون الثّالث بعد طلقتين سابقتين عليه، رجعيّتين أو بائنتين، لأنّ الطّلاق الثّالث لا يكون إلاّ بائناً بينونةً كبرى‏.‏

الرّابع‏:‏ أن لا يكون موصوفاً بصفة تنبئ عن البينونة، أو تدلّ عليها من غير حرف العطف، كقوله لها‏:‏ أنت طالق بائناً، بخلاف‏:‏ أنت طالق وبائن، فإنّه يقع بالأولى طلقة رجعيّة، وبالثّانية طلقة بائنة، وكذلك أنت طالق طلقةً تملكين بها نفسك، فإنّه بائن‏.‏ الخامس‏:‏ أن لا يكون مشبّهاً بعدد أو صفة تدلّ على البينونة، كأن يقول لها‏:‏ أنت طالق مثل هذه ويشير بأصابعه الثّلاثة، فإنّها تبين منه بثلاث طلقات‏.‏

فإذا تخلّف شرط من هذه الشّروط وقع به الطّلاق بائناً‏.‏

ثانياً‏:‏ الرّجعيّ والبائن

37 - الطّلاق الرّجعيّ هو‏:‏ ما يجوز معه للزّوج ردّ زوجته في عدّتها من غير استئناف عقد، والبائن هو‏:‏ رفع قيد النّكاح في الحال‏.‏

هذا، والطّلاق البائن على قسمين‏:‏ بائن بينونة صغرى، وبائن بينونة كبرى‏.‏

فأمّا البائن بينونة صغرى فيكون بالطّلقة البائنة الواحدة، وبالطّلقتين البائنتين، فإذا كان الطّلاق ثلاثاً، كانت البينونة به كبرى مطلقاً، سواء كان أصل كلّ من الثّلاث بائناً أم رجعيّاً بالاتّفاق‏.‏

فإذا طلّق الزّوج زوجته رجعيّاً حلّ له العود إليها في العدّة بالرّجعة، دون عقد جديد، فإذا مضت العدّة عاد إليها بعقد جديد فقط‏.‏

فإذا طلّق زوجته طلقةً بائنةً واحدةً أو اثنتين جاز له العود إليها في العدّة وبعدها، ولكن ليس بالرّجعة، وإنّما بعقد جديد‏.‏

فإذا طلّقها ثلاثاً كانت البينونة كبرى، ولم يحلّ له العود إليها حتّى تنقضي عدّتها وتتزوّج من غيره، ويدخل بها، ثمّ تبين منه بموت أو فرقة، وتنقضي عدّتها، فإن حصل ذلك حلّ له العود إليها بعقد جديد، وذلك لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

البينونة الكبرى والصّغرى

38 - البينونة عند إطلاقها تنصرف للصّغرى، ولا تكون كبرى إلاّ إذا كانت ثلاثاً‏.‏

إلاّ أنّ طرق وقوع الثّلاث اختلف الفقهاء في بعضها، واتّفقوا في بعضها الآخر حسب الآتي‏:‏ اتّفق الفقهاء على أنّ الزّوج إذا طلّق زوجته مرّةً واحدةً رجعيّةً أو بائنةً، ثمّ عاد إليها بعقد أو رجعة، ثمّ طلّقها مرّةً أخرى رجعيّاً أو بائناً، ثمّ عاد إليها بعقد أو رجعة، ثمّ طلّقها للمرّة الثّالثة كان ثلاثاً، وبانت منه بينونةً كبرى، وذلك لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ‏}‏‏.‏

كما اتّفقوا على أنّه إذا طلّقها مرّةً واحدةً، ثمّ طلّقها ثانيةً بعد انقضاء عدّتها، أنّ الثّانية لا تقع عليها، لعدم كونها محلاً للطّلاق، لانقضاء الزّوجيّة بالكلّيّة، والطّلاق خاصّ بالزّوجات، وكذلك إذا طلّقها ثالثةً بعد ذلك، فإنّها لا تقع عليها، وفي هذه الحال تكون البينونة صغرى ويحلّ له العود إليها بعقد جديد‏.‏

والمطلّقة قبل الدّخول بها إذا طلّقها‏:‏ فإنّ الحكم يختلف باختلاف اللّفظ‏.‏

فذهب المالكيّة والحنابلة إلى وقوع الثّانية والثّالثة عليها - كالمدخول بها - إذا عطفهنّ على بعضهنّ بالواو فقال‏:‏ أنت طالق وطالق وطالق، لأنّ العطف بالواو يقتضي المغايرة، فتكون الأولى غير الثّانية، وهنّ كالكلمة الواحدة‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه لو قال لغير الموطوءة‏:‏ أنت طالق واحدةً وواحدةً بالعطف، أو قبل واحدة، أو بعدها واحدة، تقع واحدة بائنة، ولا تلحقها الثّانية لعدم العدّة، وكذلك إذا عطفها بالفاء وثمّ‏.‏

وفي أنت طالق واحدةً بعد واحدة، أو قبلها أو مع واحدة أو معها واحد ثنتان، الأصل‏:‏ أنّه متى أوقع بالأوّل لغا الثّاني، أو بالثّاني اقترنا، لأنّ الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال‏.‏ ويقع بأنت طالق واحدةً وواحدةً إن دخلت الدّار ثنتان لو دخلت لتعلّقهما بالشّرط دفعةً، وتقع واحدة إن قدّم الشّرط، لأنّ المعلّق كالمنجّز‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو قال لغير موطوءة‏:‏ أنت طالق وطالق وطالق وقعت طلقة، لأنّها تبين بالأولى، فلا يقع ما بعدها، ولو قال لها‏:‏ إن دخلت الدّار فأنت طالق وطالق فدخلت وقعت ثنتان في الأصحّ لأنّهما متعلّقان بالدّخول ولا ترتيب بينهما، وإنّما يقعان معاً، والثّاني مقابل الأصحّ لا يقع إلاّ واحدة كالمنجّز، ولو عطف بثمّ أو نحوها ممّا يقتضي التّرتيب لم يقع بالدّخول إلاّ واحدة‏.‏

ولو قال لها‏:‏ أنت طالق إحدى عشرة طلقةً طلقت ثلاثاً، بخلاف إحدى وعشرين، فلا يقع إلاّ طلقة للعطف‏.‏

ولو قال لها‏:‏ أنت طالق طلقةً مع طلقة، أو معها طلقة، فثنتان معاً في الأصحّ، وقيل على التّرتيب واحدة تبين بها‏.‏

ولو قال لها‏:‏ أنت طالق طلقةً قبل طلقة أو طلقةً بعدها طلقة، فطلقة واحدة، لأنّها تبين بالأولى، فلا تصادف الثّانية نكاحاً‏.‏

أمّا المدخول بها إن طلّقها طلقةً واحدةً، ثمّ طلّقها ثانيةً في عدّتها، فإن كانت الأولى رجعيّةً، فقد ذهب الجماهير إلى وقوع الثّانية، فإذا طلّقها ثالثةً في العدّة - وكانت الثّانية رجعيّةً أيضاً - وقعت الثّالثة وبانت منه بينونةً كبرى، هذا ما لم ينو بالثّانية والثّالثة تأكيد الأولى، فإن نوى تأكيد الأولى صدّق ديانةً، ولم يصدّق قضاءً، وأمضي عليه الثّلاث، ما لم تحفّ به قرائن أحوال ترجّح صحّة نيّته، فإن حفّت به قرائن حال ترجّح صحّة نيّته صدّق ديانةً وقضاءً، كما إذا طلّق زوجته فسئل‏:‏ ماذا فعلت ‏؟‏ فقال‏:‏ طلّقتها، أو قلت‏:‏ هي طالق، نصّ على ذلك الحنفيّة‏.‏

ونصّ الشّافعيّة على قريب من ذلك، قال في مغني المحتاج‏:‏ وإن قال‏:‏ أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق وتخلّل فصل، فثلاث، سواء أقصد التّأكيد أم لا، لأنّه خلاف الظّاهر، لكن إذا قال‏:‏ قصدت التّأكيد، فإنّه يديّن، فإن تكرّر لفظ الخبر فقط، كأنت طالق طالق طالق، فكذا عند الجمهور خلافاً للقاضي في قوله‏:‏ يقع واحدة، وإن لم يتخلّل فصل، فإن قصد تأكيداً - أي قصد تأكيد الأولى بالأخيرتين - فواحدة، أو قصد استئنافاً فثلاث، وكذا إذا أطلق بأن لم يقصد تأكيداً ولا استئنافاً يقع ثلاث في الأظهر‏.‏

والحنابلة في هذا مع الشّافعيّة‏.‏

والمالكيّة مذهبهم لا يخرج عن ذلك‏.‏ قال الدّردير‏:‏ وإن كرّره ثلاثاً بلا عطف لزمه ثلاث في المدخول بها كغيرها، أي غير المدخول بها يلزمه الثّلاث إن نسّقه ولو حكماً، كفصله بسعال، إلاّ لنيّة تأكيد فيهما - أي في المدخول بها وغيرها - فيصدّق بيمين في القضاء، وبغيرها في الفتوى، بخلاف العطف فلا تنفعه نيّة التّأكيد مطلقاً كما تقدّم، لأنّ العطف ينافي التّأكيد‏.‏

39 - فإذا طلّقها بائناً واحدةً، أو اثنتين معاً، ثمّ طلّقها ثانيةً وثالثةً في عدّتها، لم تقع الثّانية أو الثّالثة عند الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة لخروجها عن الزّوجيّة بالأولى، فلم تعد محلاً للطّلاق بعد ذلك‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ الأولى أو الثّانية إذا كانتا بلفظ صريح، لحقتها الثّانية والثّالثة، بلفظ صريح كانت أو كنائيّ، فإذا كانت الأولى أو الثّانية بائناً لحقتها الثّانية والثّالثة إذا كانت بلفظ صريح فقط، فإذا كانت بائناً لم تلحقها إذا أمكن جعلها إخباراً عنها لاحتمال ذلك، كقوله لها‏:‏ أنت بائن بائن فإن لم يمكن جعلها إخباراً عنها لحقتها أيضاً، كقوله لها‏:‏ أنت بائن ثمّ قوله‏:‏ أنت بائن بأخرى، فإنّها تلحقها لتعذّر جعلها إخباراً عنها‏.‏

فإذا طلّقها وذكر أنّه ثلاث لفظاً وقع ثلاث عند جمهور الفقهاء وكذلك إذا قال‏:‏ اثنتين، فإنّه يقع عليه اثنتان، كأن يقول لها‏:‏ أنت طالق ثلاثاً، أو أنت طالق اثنتين‏.‏

فإذا قال لها‏:‏ أنت طالق وأشار بأصابعه الثّلاث، فقد ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه إن قال لها‏:‏ ‏"‏ هكذا ‏"‏ مع الإشارة وقع الثّلاث، وإن قال‏:‏ مثل هذه، مع الإشارة بالثّلاث وقع ثلاث إن نواها، وإلاّ وقعت واحدة، فإن لم يقل شيئاً مع الإشارة بالأصابع وقعت واحدة ولغت الإشارة‏.‏

فإن كتب لها ثلاثاً بدل الإشارة بالأصابع، فمثل الإشارة‏.‏

فإن قال لها‏:‏ أنت طالق أكبر الطّلاق أو أغلظه‏.‏‏.‏ فإن نوى به ثلاثاً، فثلاث لاحتمال اللّفظ ذلك، وإلاّ وقع به واحدة بائن‏.‏

إلاّ أنّ الشّافعيّة نصّوا على أنّه لو قال لها‏:‏ أنت طالق، ونوى عدداً وقع ما نواه، فإن قال‏:‏ أنت طالق واحدةً، ونوى عدداً، وقع ما نواه واحدةً به على الرّاجح، لأنّ الملفوظ يناقض المنويّ، واللّفظ أقوى، فالعمل به أولى‏.‏

وقيل‏:‏ يقع المنويّ عملاً بالنّيّة‏.‏

والحنابلة مع الحنفيّة والشّافعيّة فيما تقدّم، إلاّ أنّه روي عن الإمام أحمد قوله‏:‏ وإذا قال لها‏:‏ أنت بريّة، أو أنت بائن أو حبلك على غاربك، أو الحقي بأهلك، فهو عندي ثلاث، ولكن أكره أن أفتي به، سواء دخل بها أم لم يدخل‏.‏

أمّا الحنفيّة والشّافعيّة فيوقعون بذلك ثلاثاً إن نواها، لاحتمال اللّفظ لها، فإذا لم ينو الثّلاث لم يقع به ثلاث‏.‏

والمالكيّة مع الجمهور في كلّ ما تقدّم، إلاّ أنّهم في المسألة الأخيرة يقولون‏:‏ يقع ثلاث مطلقاً، إلاّ في الخلع أو قبل الدّخول، فيكون واحدةً‏.‏

فإذا قال لها‏:‏ أنت طالق واحدةً، ونوى به ثلاثاً، وقع واحدة، وبطلت النّيّة، لعدم احتمال اللّفظ لها، فإن قال لها‏:‏ أنت طالق ثلاثاً ونوى به واحدةً، وقع عليه ثلاث عند الجميع، لصراحة اللّفظ، فلا تعمل النّيّة بخلافه‏.‏ فإن قال لها‏:‏ أنت طالق ونوى به ثلاثاً، وقع به واحدة عند الحنفيّة، وهو إحدى روايتين عند الحنابلة، وفي الرّواية الثّانية يقع ثلاث، وهو قول مالك والشّافعيّ‏.‏

ثالثاً‏:‏ السّنّيّ والبدعيّ

40 - قسّم الفقهاء الطّلاق من حيث وصفه الشّرعيّ إلى سنّيّ وبدعيّ‏.‏

يريدون بالسّنّيّ‏:‏ ما وافق السّنّة في طريقة إيقاعه، والبدعيّ‏:‏ ما خالف السّنّة في ذلك، ولا يعنون بالسّنّيّ أنّه سنّة، لما تقدّم من النّصوص المنفّرة من الطّلاق، وأنّه أبغض الحلال إلى اللّه تعالى‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في بعض أحوال كلّ من السّنّيّ والبدعيّ، واتّفقوا في بعضها الآخر، كما يلي‏:‏

قسّم الحنفيّة الطّلاق إلى سنّيّ وبدعيّ، وقسّموا السّنّيّ إلى قسمين‏:‏ حسن وأحسن‏.‏

فالأحسن عندهم‏:‏ أن يوقع المطلّق على زوجته طلقةً واحدةً رجعيّةً في طهر لم يطأها فيه، ولا في حيض أو نفاس قبله، ولم يطأها غيره فيه بشبهة أيضاً، فإن زنت في حيضها ثمّ طهرت، فطلّقها لم يكن بدعيّاً‏.‏

وأمّا الحسن‏:‏ فأن يطلّقها واحدةً رجعيّةً في طهر لم يطأها فيه ولا في حيض أو نفاس قبله، ثمّ يطلّقها طلقتين أخريين في طهرين آخرين دون وطء، هذا إن كانت من أهل الحيض، وإلاّ طلّقها ثلاث طلقات في ثلاثة أشهر، كمن بلغت بالسّنّ ولم تر الحيض‏.‏

وهذا في المدخول أو المختلى بها، أمّا غير المدخول أو المختلى بها، فالحسن‏:‏ أن يطلّقها واحدةً فقط، ولا يهمّ أن يكون ذلك في حيض أو غيره، ولا يضرّ أنّ طلاقها يكون بائناً، لأنّه لا يكون إلاّ كذلك‏.‏

وما سوى ذلك فبدعيّ عندهم، كأن يطلّقها مرّتين أو ثلاثاً في طهر واحد معاً أو متفرّقات، أو يطلّقها في الحيض أو النّفاس، أو يطلّقها في طهر مسّها فيه، أو في طهر مسّها في الحيض قبله‏.‏

فإن طلّقها في الحيض، ثمّ طلّقها في الطّهر الّذي بعده، كان الثّاني بدعيّاً أيضاً، لأنّهما بمثابة طهر واحد، وعليه أن ينتظر حيضها الثّاني، فإذا طهرت منه طلّقها إن شاء، ويكون سنّيّاً عند ذلك، ولو طلّقها في الحيض، ثمّ ارتجعت، ثمّ طلّقها في الطّهر الّذي بعده كان بدعيّاً في الأرجح، وهو ظاهر المذهب، وقال القدوريّ‏:‏ يكون سنّيّاً‏.‏

وهذا كلّه ما لم تكن حاملاً، أو صغيرةً دون سنّ الحيض، أو آيسةً، فإن كانت كذلك كان طلاقها سنّيّاً، سواء مسّها أم لم يمسّها، لأنّها في طهر مستمرّ، ولكن لا يزيد على واحدة، فإن زاد كان بدعيّاً‏.‏

واستثنى الحنفيّة من البدعيّ عامّةً‏:‏ الخلع، والطّلاق على مال، والتّفريق للعلّة، فإنّه لا يكون بدعيّاً ولو كان في الحيض، لما فيه من الضّرورة، وكذلك تخييرها في الحيض سواء اختارت نفسها في الحيض أم بعده وكذلك اختيارها نفسها في الحيض، سواء أخيّرها في الحيض أم قبله، فإنّه لا يكون بدعيّاً لأنّه ليس من فعله المحض‏.‏

وقسّم جمهور الفقهاء الطّلاق من حيث وصفه الشّرعيّ إلى سنّيّ وبدعيّ، ولم يذكروا للسّنّيّ تقسيماً، فهو عندهم قسم واحد خلافاً للحنفيّة، إلاّ أنّ بعض الشّافعيّة قسّموا الطّلاق إلى سنّيّ وبدعيّ، وما ليس سنّيّاً ولا بدعيّاً وهو المرجّح عندهم، والّذي ليس سنّيّاً ولا بدعيّاً هو ما استثناه الحنفيّة من البدعيّ كما تقدّم‏.‏

والسّنّيّ عند الجمهور‏:‏ هو ما يشمل الحسن والأحسن عند الحنفيّة معاً‏.‏

والبدعيّ عندهم‏:‏ ما يقابل البدعيّ عند الحنفيّة، إلاّ أنّهم خالفوهم في أمور، أهمّها‏:‏

أنّ الطّلاق الثّلاث في ثلاث حيضات سنّيّ عند الحنفيّة، وهو بدعيّ عند الجمهور، وكذلك الطّلاق ثلاثاً في طهر واحد لم يصبها فيه، فإنّه سنّيّ عند الشّافعيّة أيضاً، وهو رواية عند الحنابلة، اختارها الخرقيّ‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه محرّم كما عند الحنفيّة، وهو رواية ثانية عند الحنابلة‏.‏

هذا، والمدار على معرفة السّنّيّ والبدعيّ من الطّلاق القرآن والسّنّة، أمّا القرآن فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ وقد فسّر ابن مسعود رضي الله عنه ذلك بأن يطلّقها في طهر لا جماع فيه، ومثله عن ابن عبّاس رضي الله عنهما‏.‏

وأمّا السّنّة فما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أنّه طلّق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رضي الله عنه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » مره فليراجعها، ثمّ ليتركها حتّى تطهر، ثمّ تحيض، ثمّ تطهر، ثمّ إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ، فتلك العدّة الّتي أمر اللّه أن يطلّق لها النّساء «‏.‏ وما ورد عن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ طلاق السّنّة تطليقة وهي طاهر في غير جماع، فإذا حاضت وطهرت طلّقها أخرى، فإذا حاضت وطهرت طلّقها أخرى، ثمّ تعتدّ بعد ذلك بحيضة‏.‏

والمعنى العامّ في السّنّيّ والبدعيّ، أنّ السّنّيّ يمنع النّدم، ويقصّر العدّة على المرأة فيقلّ تضرّرها من الطّلاق‏.‏

حكم الطّلاق البدعيّ من حيث وقوعه ووجوب العدّة بعده

41 - اتّفق جمهور الفقهاء على وقوع الطّلاق البدعيّ، مع اتّفاقهم على وقوع الإثم فيه على المطلّق لمخالفته السّنّة المتقدّمة‏.‏

فإذا طلّق زوجته في الحيض وجب عليه مراجعتها، رفعاً للإثم لدى الحنفيّة في الأصحّ عندهم، وقال القدوريّ من الحنفيّة‏:‏ إنّ الرّجعة مستحبّة لا واجبة‏.‏

وذهب الشّافعيّ إلى أنّ مراجعة من طلّقها بدعيّاً سنّة، وعبّر الحنابلة عن ذلك بالاستحباب‏.‏ وذهب المالكيّة إلى تقسيم البدعيّ إلى‏:‏ حرام ومكروه، فالحرام‏:‏ ما وقع في الحيض أو النّفاس من الطّلاق مطلقاً، والمكروه‏:‏ ما وقع في غير الحيض والنّفاس، كما لو أوقعه في طهرها الّذي جامعها فيه، وعلى هذا يجبر المطلّق في الحيض والنّفاس على الرّجعة رفعاً للحرمة، ولا يجبر غيره على الرّجعة وإن كان بدعيّاً‏.‏

وهذا كلّه ما دامت الرّجعة ممكنةً، بأن كان الطّلاق رجعيّاً، فإذا كان بائناً بينونةً صغرى أو كبرى تعذّر الرّجوع واستقرّ الإثم‏.‏

دليل ذلك ما تقدّم من أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما باسترجاع زوجته ما دام ذلك ممكناً، فإذا لم يكن ممكناً للبينونة امتنع الرّجوع، فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه كان إذا سئل عن الرّجل يطلّق امرأته وهي حائض يقول‏:‏ أمّا أنت طلّقتها واحدةً أو اثنتين، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمره أن يرجعها، ثمّ يمهلها حتّى تحيض حيضةً أخرى، ثمّ يمهلها حتّى تطهر، ثمّ يطلّقها قبل أن يمسّها، وأمّا أنت طلّقتها ثلاثاً، فقد عصيت ربّك فيما أمرك به من طلاق امرأتك، وبانت منك‏.‏

رابعاً‏:‏ الطّلاق المنجّز والمضاف والمعلّق

الأصل في الطّلاق التّنجيز، إلاّ أنّه يقبل التّعليق والإضافة باتّفاق الفقهاء، وله تفصيلات وأحكام كما يلي‏:‏

أ - الطّلاق المنجّز‏:‏

42 - تعريفه‏:‏ هو الطّلاق الخالي في صيغته عن التّعليق والإضافة، كقوله‏:‏ أنت طالق، أو اذهبي إلى بيت أهلك، ينوي طلاقها‏.‏

حكمه‏:‏ أنّه ينعقد سبباً للفرقة في الحال، ويعقبه أثره بدون تراخ ما دام مستوفياً لشروطه، فإذا قال لها‏:‏ أنت طالق، طلقت للحال وبدأت عدّتها، هذا مع ملاحظة الفارق بين البائن والرّجعيّ كما تقدّم‏.‏

ب - الطّلاق المضاف‏:‏

43 - تعريفه‏:‏ هو الطّلاق الّذي قرنت صيغته بوقت بقصد وقوع الطّلاق عند حلول ذلك الوقت، كقوله‏:‏ أنت طالق أوّل الشّهر القادم، أو آخر النّهار، أو أنت طالق أمس‏.‏

حكمه‏:‏ ذهب الجمهور إلى أنّ الطّلاق المضاف إلى المستقبل ينعقد سبباً للفرقة في الحال، ولكن لا يقع به الطّلاق إلاّ عند حلول أجله المضاف إليه بعد استيفائه لشروطه الأخرى، فإذا قال لها‏:‏ أنت طالق آخر هذا الشّهر، لم تطلق حتّى ينقضي الشّهر، ولو قال‏:‏ في أوّله طلقت أوّله، ولو قال‏:‏ في شهر كذا، طلقت في أوّله عند الأكثر، وخالف البعض وقالوا يقع في آخره‏.‏

فإذا أضاف الطّلاق إلى زمن سابق، فإن قصد وقوعه للحال مستنداً إلى ذلك الزّمن السّابق، وقع للحال كالمنجّز مقتصراً على وقت إيقاعه، وقيل‏:‏ يلغو، وإن قصد الإخبار عن نفسه، وأنّه طلّقها في ذلك الزّمن السّابق، صدّق في ذلك بيمينه إن كان التّصديق ممكناً، فإن كان مستحيلاً، كأن يقول لها‏:‏ أنت طالق منذ خمسين سنةً وعمرها أقلّ من ذلك كان لغواً‏.‏ هذا مذهب الحنفيّة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه إن أضاف طلاقه إلى زمن مستقبل كأن قال لها‏:‏ أنت طالق بعد سنة، أو أنت طالق يوم موتي طلقت للحال منجّزاً، وكذلك إذا أضافه إلى زمن ماض قاصداً به الإنشاء، كقوله‏:‏ أنت طالق أمس، فإنّها، تطلق للحال، فإن قصد به الإخبار ديّن عند المفتي‏.‏

ونصّ الحنابلة على أنّه إن قال‏:‏ أنت طالق أمس ولا نيّة له، فظاهر كلام أحمد أنّ الطّلاق لا يقع، وقال القاضي في بعض كتبه‏:‏ يقع الطّلاق، وإن قصد الإخبار صدّق، ووقع الطّلاق‏.‏

ومذهب الشّافعيّة كالحنفيّة، إلاّ أنّهم خالفوهم فيما لو أضافه إلى زمن سابق محال ولم يكن له نيّة، فإنّه يقع عندهم، كما لو قال لها‏:‏ أنت طالق قبل أن تخلقي، فإنّه يقع للحال إذا لم يكن له نيّة‏.‏

ج‏:‏ الطّلاق المعلّق على شرط‏:‏

44 - التّعليق على شرط هنا هو ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى سواء أكان ذلك المضمون من قبل المطلّق أو المطلّقة أو غيرها، أو لم يكن من فعل أحد‏.‏ فإن كان من فعل المطلّق أو المطلّقة أو غيرهما سمّي يميناً لدى الجمهور مجازاً، وذلك لما فيه من معنى القسم، وهو‏:‏ تقوية عزم الحالف أو عزم غيره على فعل شيء أو تركه، كما إذا قال لزوجته‏:‏ أنت طالق إن دخلت دار فلان، أو‏:‏ أنت طالق إن ذهبت أنا إلى فلان، أو‏:‏ أنت طالق إن زارك فلان‏.‏‏.‏‏.‏ فإن كان الطّلاق معلّقاً لا على فعل أحد، كما إذا قال لها‏:‏ أنت طالق إن طلعت الشّمس مثلاً، كان تعليقاً، ولم يسمّ يميناً، لانتفاء معنى اليمين فيه، وإن كان في الحكم مثل اليمين، وهنالك من الفقهاء من أطلق عليه اليمين أيضاً‏.‏

وأدوات الرّبط والتّعليق هي‏:‏ إن، وإذا، وإذْمَا، وكلّ، وكلّما، ومتى، ومتى ما، ونحو ذلك، وكلّها تفيد التّعليق بدون تكرار إلاّ‏:‏ كلّما، فإنّها تفيد التّعليق مع التّكرار‏.‏

وقد يكون التّعليق بدون أداة، كما إذا قال لها‏:‏ عليّ الطّلاق سأفعل كذا، فهو بمثابة قوله‏:‏ عليّ الطّلاق إن لم أفعل كذا، وهو التّعليق المعنويّ، وقد جاء به العرف‏.‏

حكمه‏:‏ اتّفق جمهور الفقهاء على صحّة اليمين بالطّلاق أو تعليق الطّلاق على شرط مطلقاً، إذا استوفى شروط التّعليق الآتية‏:‏

فإذا حصل الشّرط المعلّق عليه وقع الطّلاق، دون اشتراط الفور إلاّ أن ينويه، وإذا لم يحصل لم يقع، سواء في ذلك أن يكون الشّرط المعلّق عليه من فعل الحالف أو المحلوف عليها، أو غيرهما، أو لم يكن من فعل أحد، هذا إذا حصل الفعل المعلّق عليه طائعاً ذاكراً التّعليق، فإن حصل منه الفعل المعلّق عليه ناسياً أو مكرهاً وقع الطّلاق به أيضاً عند الجمهور‏.‏

وعند الشّافعيّة فيه قولان أظهرهما‏:‏ أنّها لم تطلق‏.‏

ثمّ ما دام لم يحصل المعلّق عليه لم يمنع من قربان زوجته عند الجمهور، وقال مالك‏:‏ يضرب له أجل المولي‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه إن علّق طلاقه بأمر في زمن ماض ممتنع عقلاً أو عادةً أو شرعاً حنث للحال، وإن علّقه بأمر ماض واجب فعله عقلاً أو شرعاً أو عادةً فلا حنث عليه‏.‏

وإن علّقه بأمر في زمن مستقبل، فإن كان محقّق الوجود أو مظنون الوجود عقلاً أو عادةً أو شرعاً لوجوبه نجّز للحال، كما إذا قال‏:‏ هي طالق إن لم أمسّ السّماء، أو هي طالق إن قمت، أو إن صلّيت‏.‏

وإن كان المعلّق عليه مستحيلاً، أو نادراً، أو مستبعداً عقلاً أو عادةً أو شرعاً لحرمته، لم يحنث، كما لو قال‏:‏ أنت طالق لو جمعت بين الضّدّين، أو إن لمست السّماء، أو إن زنيت‏.‏

شروط صحّة التّعليق

يشترط لوقوع الطّلاق المعلّق على شرط ما يلي‏:‏

45 - أ - أن يكون الشّرط المعلّق عليه معدوماً عند الطّلاق وعلى خطر الوجود في المستقبل، فإذا كان الشّرط موجوداً عند التّعليق، كما إذا قال لها‏:‏ أنت طالق إن كان أبوك معنا الآن، وهو معهما، فإنّه طلاق صحيح منجّز يقع للحال، وليس معلّقاً، أمّا أنّه على خطر الوجود، فمعناه‏:‏ أن يكون الشّرط المعلّق عليه ممكن الحصول في المستقبل، فإذا كان مستحيل الحصول لغا التّعليق، ولم يقع به شيء، لا في الحال ولا في المستقبل، كما إذا قال لها‏:‏ إن عاد أبوك حيّاً - وهو ميّت - في الحياة الدّنيا فأنت طالق، فإنّه لغو‏.‏

وهذا مذهب الحنفيّة، وذهب المالكيّة إلى وقوعه منجّزاً، وللحنابلة فيه قولان‏.‏

46 - ب - أن يكون التّعليق متّصلاً بالكلام، فإذا فصل عنه بسكوت، أو بكلام أجنبيّ، أو كلام غير مفيد، لغا التّعليق ووقع الطّلاق منجّزاً، كما لو قال لها‏:‏ أنت طالق، وسكت برهةً، ثمّ قال‏:‏ إن دخلت دار فلان، أو قال لها‏:‏ أنت طالق، ثمّ قال لها‏:‏ أعطني ماءً، ثمّ قال‏:‏ إن لم تدخلي دار فلان‏.‏

إلاّ أنّه يغتفر الفاصل الضّروريّ، كما إذا قال لها‏:‏ أنت طالق، ثمّ تنفّس لضرورة، ثمّ قال‏:‏ إن دخلت دار فلان، فإنّه معلّق، ولا يقع إلاّ بدخولها الدّار المحلوف عليها، وكذلك‏:‏ إساغة اللّقمة، أو كلمة مفيدة، كأن يقول لها‏:‏ أنت طالق بائناً إن دخلت دار فلان، فإنّه معلّق ويقع به بائناً عند الدّخول، فإن قال لها‏:‏ أنت طالق رجعيّاً إن دخلت دار فلان، لغا التّعليق ووقع الرّجعيّ منجّزاً، لأنّ كلمة ‏"‏ رجعيّاً ‏"‏ لم تفد شيئاً، فكانت قاطعاً للتّعليق، بخلاف كلمة ‏"‏ بائن ‏"‏ فإنّها أفادت، فلم تكن قاطعاً، وهذا المثال وفق مذهب الحنفيّة الّذين يوقعون بكلمة ‏"‏ بائن ‏"‏ طلاقاً بائناً‏.‏

47 - ج - أن لا يقصد به المجازاة، فإذا قصد به المجازاة، وقع منجّزاً ولم يتعلّق بالشّرط، كما إذا قالت له‏:‏ يا خسيس، فقال لها‏:‏ إن كنت كذلك فأنت طالق، يريد معاقبتها، لا تعليق الطّلاق على تحقّق الخساسة فيه، فإنّه يقع الطّلاق هنا منجّزاً، سواء أكان خسيساً أم لا، فإن أراد التّعليق لا المجازاة تعلّق الطّلاق، ويديّن‏.‏

48 - د - أن يذكر المشروط في التّعليق، وهو المعلّق عليه، فلو لم يذكر شيئاً، كما إذا قال لها‏:‏ أنت طالق إن، فإنّه لغو في الرّاجح لدى الحنفيّة، وهو قول أبي يوسف، وقال محمّد بن الحسن‏:‏ تطلق للحال‏.‏

49 – هـ – وجود رابط، وهو أداة من أدوات الشّرط، وقد تقدّمت، إلاّ أن يفهم الشّرط من المعنى، فإنّه يتعلّق بدون رابط، كما إذا قال لها‏:‏ عليّ الطّلاق سأذهب إلى فلان، فإنّه تعليق صحيح مع عدم الرّابط‏.‏

50 - و - قيام الزّوجيّة بين الحالف والمحلوف عليها عند التّعليق، حقيقةً أو حكماً، بأن تكون زوجته أو معتدّته من رجعيّ أو بائن، فإذا لم تكن زوجته عند التّعليق، ولا معتدّته، لغا التّعليق ولم يقع عليها به شيء، كما إذا قال لأجنبيّة عنه‏:‏ أنت طالق إن دخلت دار فلان، فإنّه لغو، إلاّ أن تكون زوجةً لغيره، فإنّه يتوقّف التّعليق عندها على إجازة زوجها، لأنّه فضوليّ، فإن أجازه الزّوج صحّ التّعليق، ثمّ إن دخلت بعد الإجازة وقع الطّلاق عليها، وإلاّ فلا‏.‏

هذا ما لم يعلّق الطّلاق على نكاحها، فإن علّقه عليه صحّ التّعليق أيضاً ولو لم تكن زوجته أو معتدّته عند التّعليق، كأن يقول لأجنبيّة عنه‏:‏ إن تزوّجتك فأنت طالق، ثمّ يتزوّجها، فإنّها تطلق بذلك، وكذلك قوله‏:‏ كلّ امرأة أتزوّجها فهي طالق، ثمّ يتزوّج امرأةً أجنبيّةً، فإنّها تطلق بذلك لصحّة التّعليق هنا، فإذا علّق بغير نكاحها لم يصحّ التّعليق، ويلغو الطّلاق، كما إذا قال لأجنبيّة عنه‏:‏ إن دخلت دار فلان فأنت طالق، ثمّ دخلتها قبل زواجها منه أو بعده، فإنّها لا تطلق‏.‏ وهذا كلّه لدى المالكيّة، وفي القول الرّاجح عند الحنفيّة، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف‏.‏

وقال محمّد بن الحسن‏:‏ لا يصحّ التّعليق، ويلغو الطّلاق‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ لا ينعقد الطّلاق هنا، كما لو علّقه على غير الزّواج‏.‏

فإذا علّقه بمقارنة النّكاح لا عليه، لغا بالاتّفاق، كأن يقول لأجنبيّة‏:‏ أنت طالق مع نكاحك، فإنّه لغو، وكذلك إذا علّقه على انتهاء النّكاح، كأن يقول لها‏:‏ أنت طالق مع موتي، أو مع موتك، فإنّه لغو أيضاً لعدم الملك‏.‏

51 - ز - قيام الزّوجيّة بين الحالف والمحلوف عليها عند حصول الشّرط المعلّق عليه حقيقةً أو حكماً، بأن تكون زوجةً له أو معتدّةً من طلاق رجعيّ أو بائن، فإذا لم تكن كذلك عند وقوع الشّرط لم يقع الطّلاق به عليها، فإذا قال لزوجته‏:‏ إن دخلت دار فلان فأنت طالق، فدخلتها وهي زوجته أو معتدّته طلقت، وإن دخلتها بعد أن طلّقها وانقضت عدّتها، لم تقع عليها الطّلقة المعلّقة، لعدم صلاحيّتها لوقوع الطّلاق عليها عندئذ‏.‏

52 - ح - كون الزّوج أهلاً لإيقاع الطّلاق عند التّعليق، بأن يكون بالغاً عاقلاً عند الجمهور، خلافاً للحنابلة كما سبق، ولا يشترط كونه كذلك عند حصول الشّرط المعلّق عليه، فلو قال لها الزّوج عاقلاً‏:‏ إن دخلت دار فلان فأنت طالق، ثمّ جنّ، ثمّ دخلت الدّار المحلوف عليها، فإنّها تطلق، وكذلك إذا دخلتها قبل جنونه، فإنّها تطلق أيضاً، بخلاف ما لو علّق طلاقها وهو مجنون، فإنّه لغو‏.‏

انحلال الطّلاق المعلّق على شرط

53 - إذا علّق الزّوج الطّلاق على شرط، فإنّه ينحلّ بحصول الشّرط المعلّق عليه مرّةً واحدةً، مع وقوع الطّلاق به على الزّوجة في هذه المرّة، فإذا عادت إليه ثانيةً في العدّة أو بعدها، لم تقع عليها به طلقة أخرى لانحلاله، هذا ما لم يكن التّعليق بلفظ ‏"‏ كلّما ‏"‏، وإلاّ وقع عليها به ثانيةً وثالثةً، لأنّ كلّما تفيد التّكرار دون غيرها‏.‏

وعلى ذلك فلو قال لزوجته‏:‏ أنت طالق ثلاثاً إن دخلت دار فلان، ثمّ طلّقها منجّزاً واحدةً قبل دخول الدّار، ثمّ مضت عدّتها، ثمّ دخلت الدّار المحلوف عليها، ثمّ عادت إليه بزوجيّة أخرى، جاز، فإذا دخلت الدّار المحلوف عليها بعد ذلك لم يضرّها، ولم يقع عليها بذلك شيء، لانحلال الطّلاق المعلّق بالدّخول الأوّل بعد العدّة، فإذا علّق طلاقها الثّلاث على دخول الدّار، ثمّ نجّز طلاقها مرّةً واحدةً، وانقضت عدّتها دون أن تدخل الدّار المحلوف عليها، ثمّ عادت إليه بعقد جديد، ثمّ دخلتها، وقع الثّلاث عليها، لعدم انحلال اليمين المعلّقة، بخلاف ما لو دخلتها بعد عدّتها، فإنّها تنحلّ بذلك‏.‏

وكذلك تنحلّ اليمين المعلّقة على شرط بزوال الحلّ بالكلّيّة، كما إذا علّق طلاقها الثّلاث على دخول الدّار، ثمّ طلّقها ثلاثًا منجّزةً، ثمّ تزوّجها بعد التّحليل، ثمّ دخلت الدّار ولم تكن دخلتها من قبل، فإنّها لا تطلق هنا لانحلال اليمين المعلّقة بزوال الحلّ بالكلّيّة، وذلك بوقوع الثّلاث عليها، على خلاف وقوع ما دون الثّلاث، فإنّه لا يزيل الحلّ، فلا تنحلّ به اليمين المعلّقة إلاّ بحصول الشّرط فعلاً مرّةً‏.‏

وهذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة، وللشّافعيّة فيه أقوال ثلاثة‏:‏

الأوّل‏:‏ يقع مطلقاً، والثّاني‏:‏ لا يقع مطلقاً، والثّالث‏:‏ يقع بما دون الثّلاث، ولا يقع بعد الثّلاث، وذهب الحنابلة إلى وقوعه في الكلّ‏.‏

كما تنحلّ اليمين المعلّقة على شرط بردّة الحالف مع لحاقه بدار الحرب، فلو طلّقها معلّقاً، ثمّ ارتدّ ولحق بدار الحرب، ثمّ عاد إلى الإسلام، وعاد إليها، ثمّ فعلت المعلّق عليه، فإنّها لا تطلق بذلك، لانحلال اليمين المعلّقة بردّته، وهذا قول الإمام أبي حنيفة، وخالفه الصّاحبان‏:‏ أبو يوسف ومحمّد، وقالا‏:‏ لا ينحلّ التّعليق بالرّدّة مطلقًا‏.‏

وتنحلّ اليمين المعلّقة على شرط أيضاً بفوت محلّ البرّ، فإذا قال لها‏:‏ أنت طالق إن دخلت دار فلان، ثمّ خربت الدّار، أو إن كلّمت زيداً فمات زيد، انحلّت اليمين المعلّقة، حتّى لو أنّ الدّار الخربة بنيت ثانيةً فإنّ اليمين المعلّقة لا تعود، لأنّها غير الدّار المحلوف عليها‏.‏

تعليق الطّلاق على شرطين

54 - إذا علّق طلاقها على شرطين أو أكثر وقع الطّلاق عليها بحصول المعلّق عليه كلّه في النّكاح، وكذلك بوقوع الثّاني أو الأخير فقط في النّكاح، وعلى هذا فإن حصل الشّرط الأوّل في النّكاح، والشّرط الثّاني بعده، كما إذا قال لها‏:‏ إن جاء زيد وعمرو فأنت طالق، فجاء زيد، ثمّ طلّقها منجّزاً واحدةً، ثمّ جاء عمرو بعد انقضاء عدّتها، لم تطلق ثانيةً بمجيئه‏.‏ فإن طلّقها منجّزاً واحدةً إثر تعليقه، ثمّ جاء الأوّل زيد بعد انقضاء العدّة، ثمّ تزوّجها فجاء عمرو وهي زوجته، وقع عليها المعلّق، فكانتا اثنتين، نصّ على ذلك الحنفيّة‏.‏