فصل: رقية الكافر للمسلم وعكسه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الموسوعة الفقهية / الجزء الثالث عشر

تعلّم وتعليم

التّعريف

1 - التّعلّم لغة‏:‏ مصدر تعلّم‏.‏ والتّعلّم مطاوع التّعليم، يقال‏:‏ علّمته العلم فتعلّمه‏.‏

والتّعليم مصدر علّم‏:‏ يقال‏:‏ علّمه إذا عرّفه، وعلّمه وأعلمه إيّاه فتعلّمه، وعلم الأمر وتعلّمه‏:‏ أتقنه‏.‏ والعلم نقيض الجهل‏.‏ والعلم أيضاً‏:‏ هو اعتقاد الشّيء على ما هو عليه على سبيل الثّقة‏.‏ وجاء بمعنى‏:‏ المعرفة أيضاً‏.‏

قال الرّاغب‏:‏ التّعليم والإعلام في الأصل واحد، إلا أنّ الإعلام اختصّ بما كان بإخبار سريع، والتّعليم اختصّ بما يكون بتكرير وتكثير، حتّى يحصل منه أثر في نفس المتعلّم‏.‏

وربّما استعمل التّعليم بمعنى الإعلام إذا كان فيه تكرير نحو ‏{‏أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ‏}‏‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ للتّعليم عمّا ذكر‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّثقيف‏:‏

2 - التّثقيف‏:‏ مصدر ثقّف‏.‏ يقال‏:‏ ثقّفت الرّمح‏:‏ أي سوّيته وأزلت عوجه ويقال‏:‏ رجل ثقف‏:‏ إذا كان حاذقاً فطناً سريع الفهم، وثقّف الإنسان‏:‏ أدّبه وعلّمه وهذّبه‏.‏

فالتّثقيف أعمّ من التّعليم‏.‏

ب - التّدريب‏:‏

3 - التّدريب‏:‏ من الدّربة، وهي‏:‏ التّجربة والتّعوّد والجرأة على الأمر‏.‏

وقد درّبته تدريبا، ومنه ما في حديث الثّقفيّ «وكانت ناقة مدرّبة» أي مخرّجة مؤدّبة ‏"‏ قد ألفت الرّكوب والسّير ‏"‏ أي عوّدت المشي في الدّروب، فصارت تألفها وتعرفها ولا تنفر فالتّدريب من وسائل التّعليم‏.‏

ج - التّأديب‏:‏

4 - التّأديب‏:‏ مصدر أدّب‏.‏ يقال‏:‏ أدّبته أدبا من باب ضرب، ويضاعف للمبالغة والتّكثير، فيقال‏:‏ أدّبته - بالتّشديد - إذا علّمته رياضة النّفس ومحاسن الأخلاق‏.‏ والاسم‏:‏ الأدب‏.‏ قال أبو زيد الأنصاريّ‏:‏ الأدب يقع على كلّ رياضة محمودة يتخرّج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل‏.‏ ويأتي التّأديب أيضاً بمعنى‏:‏ العقوبة‏.‏ يقال‏.‏ أدّبته تأديباً‏:‏ إذا عاقبته على إساءته، لأنّه سبب يدعو إلى حقيقة الأدب‏.‏

الحكم التّكليفي

أ - التّعلّم‏:‏

5 - تعلّم العلم تعتريه الأحكام الآتية‏:‏

قد يكون التّعلّم فرض عين وهو تعلّم ما لا بدّ منه للمسلم، لإقامة دينه وإخلاص عمله للّه تعالى أو معاشرة عباده‏.‏ فقد فرض على كلّ مكلّف ومكلّفة - بعد تعلّمه ما تصحّ به عقيدته من أصول الدّين - تعلّم ما تصحّ به العبادات والمعاملات من الوضوء والغسل والصّلاة والصّوم، وأحكام الزّكاة، والحجّ لمن وجب عليه، وإخلاص النّيّة في العبادات للّه‏.‏ ويجب تعلّم أحكام البيوع على التّجّار ليحترزوا عن الشّبهات والمكروهات في سائر المعاملات، وكذا أهل الحرف، وكلّ من اشتغل بشيء يفرض عليه تعلّم حكمه ليمتنع عن الحرام فيه‏.‏

وقد يكون التّعلّم فرض كفاية، وهو تعلّم كلّ علم لا يستغنى عنه في قيام أمور الدّنيا كالطّبّ والحساب والنّحو واللّغة والكلام والقراءات وأسانيد الحديث ونحو ذلك‏.‏

ومن التّعلّم ما هو مندوب، ومنه التّبحّر في الفقه بالتّوسّع فيه، والاطّلاع على غوامضه، وكذا غيره من العلوم الشّرعيّة‏.‏

وقد يكون التّعلّم حراماً‏:‏ ومنه تعلّم الشّعوذة‏.‏ وضرب الرّمل، والسّحر وكذا الكهانة، والعرافة‏.‏ وقد يكون التّعلّم مكروهاً، ومنه تعلّم أشعار الغزل ممّا فيه وصف النّساء المعيّنات، وتفصيل كلّ ما تقدّم في مصطلحه الخاصّ‏.‏

وقد يكون التّعلّم مباحاً، ومنه الأشعار الّتي ليس فيها ما ينكر من استخفاف بأحد المسلمين أو ذكر عوراتهم أو نحو ذلك‏.‏

ب - التّعليم‏:‏

6 - قال النّوويّ‏:‏ تعليم الطّالبين فرض كفاية، فإن لم يكن هناك من يصلح إلّا واحد تعيّن عليه‏.‏ وإن كان جماعة يصلحون، فطلب ذلك من أحدهم فامتنع فهل يأثم‏؟‏ يجري في ذلك وجهان‏.‏ والأصحّ‏:‏ لا يأثم‏.‏ هذا ويلزم تعليم العلم اللّازم تعليمه، كاستعلام كافر يريد الإسلام عن الإسلام، أو استعلام حديث عهد بالإسلام عن صلاة حضر وقتها، وكالمستفتي في الحلال والحرام فإنّه يلزم في هذه الأمور الإجابة، ومن امتنع كان آثماً‏.‏

وليس كذلك الأمر في نوافل العلم الّتي لا ضرورة بالنّاس إلى معرفتها‏.‏

قال ابن الحاجّ‏:‏ ينبغي للعالم، أو يتعيّن عليه‏:‏ إذا رأى النّاس قد أعرضوا عن العلم أن يعرض نفسه عليهم، لتعليمهم وإرشادهم وإن كانوا معرضين‏.‏

7 - وقد حثّ الشّرع على تعليم العلوم الّتي تحتاجها الأمّة في دينها ودنياها، وجاءت الآيات والأحاديث والأخبار بذلك‏.‏ ومن الآيات قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَلولا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَومَهم إذا رَجَعُوا إليهم لَعَلَّهم يَحْذَرُون‏}‏ والمراد هو التّعليم‏.‏ وقوله جلّ شأنه‏:‏ ‏{‏وَإذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه للنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَه‏}‏ وهو إيجاب للتّعليم‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإنَّ فَرِيقَاً مِنْهم لَيَكْتُمُونَ الحقَّ وهم يَعْلَمون‏}‏ وهو تحريم للكتمان‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة»‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم، وإنّ طالب العلم يستغفر له كلّ شيء حتّى الحيتان في البحر»‏.‏

وقوله عليه السلام‏:‏ «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم»‏.‏

والتّحقيق حمل العلم في الحديثين السّابقين على المعنى العامّ، فيشمل علوم الشّرع‏:‏ علم الكلام، والفقه، والتّفسير، والحديث، وعلوم الدّنيا‏.‏ ومنها الزّراعة، والصّناعة، والسّياسة، والحرف، والطّبّ، والتّكنولوجيا، والحساب، والهندسة وغير ذلك من أنواع العلوم، وما يرتبط به مصالح أمور الدّنيا‏.‏

فضل التّعليم والتّعلّم

8 - وردت الآيات والأخبار والآثار، وتطابقت الدّلائل الصّريحة على فضيلة العلم، والحثّ على تحصيله، والاجتهاد في اقتباسه وتعليمه‏.‏

فمن الآيات قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هلْ يَسْتَوي الّذينَ يَعْلَمُونَ والَّذينَ لا يَعْلَمون‏}‏

وقوله تعالى‏.‏ ‏{‏وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمَاً‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِه العُلَمَاءُ‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏هو الَّذي بَعَثَ في الأُمّيّينَ رَسُولاً منهمْ يَتْلُو عليهمْ آياتِه وَيُزَكِّيهمْ وَيُعَلِّمُهُم الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ، وإنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبين‏}‏

ومن الأخبار قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «مَن يُرِدِ اللّه به خيراً يفقّهه في الدّين» وقوله صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه‏:‏ «لأَنْ يهديَ اللّه بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْرِ النّعم»‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه لم يبعثني معنّتاً ولا متعنّتاً، ولكن بعثني معلّماً ميسّراً»‏.‏

ومن الآثار قول عليّ رضي الله عنه‏:‏ كفى بالعلم شرفاً أن يدّعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه، وكفى بالجهل ذمّاً أن يتبرّأ منه من هو فيه‏.‏

وقوله‏:‏ العلم يحرسك، وأنت تحرس المال‏.‏ والمال تنقصه النّفقة، والعلم يزكو بالإنفاق‏.‏

آداب المعلِّم والمتعلّم

أ - آداب المعلّم‏:‏

9 - فصّل الفقهاء القول في آداب المعلّم ووظائفه وأهمّها ما يلي‏:‏

- أن يقصد بتعليمه وجه اللّه تعالى، ولا يقصد توصّلا إلى غرض دنيويّ‏.‏

- وأن يتخلّق بالمحاسن الّتي ورد الشّرع بها وحثّ عليها، والخلال الحميدة والشّيم المرضيّة الّتي أرشد إليها‏.‏

- وأن يحذر من الحسد والرّياء والإعجاب واحتقار النّاس، وإن كانوا دونه بدرجات‏.‏

- وأن لا يذلّ العلم ولا يذهب به إلى مكان ينتسب إلى من يتعلّمه منه، وإن كان المتعلّم كبير القدر‏.‏

- وأن يشفق على المتعلّمين، وأن يجريهم مجرى بنيه، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّما أنا لكم بمنزلة الوالد» بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة، وهو أهمّ من إنقاذ الوالدين ولدهما من نار الدّنيا‏.‏

- وأن لا يتعظّم على المتعلّمين، بل يلين لهم ويتواضع‏.‏ قال عمر رضي الله عنه‏:‏ تواضعوا لمن علّمكم، وتواضعوا لمن تعلّمون، ولا تكونوا من جبّاري العلماء‏.‏

- وأن يتفقّد المتعلّمين، ويسأل عمّن غاب منهم، وينبغي أن يكون باذلا وسعه في تفهيمهم وتقريب الفائدة إلى أذهانهم‏.‏

- وأن يزجر المتعلّم عن سوء الأخلاق بطريق التّعريض ما أمكن ولا يصرّح، وبطريق الرّحمة لا بطريق التّوبيخ‏.‏

- وأن يقتصر بالمتعلّم على قدر فهمه، فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله، فينفّره أو يخبط عليه عقله، اقتداء في ذلك بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم حيث قال‏:‏ «أنزلوا النّاس منازلهم»‏.‏

- وأن يحرّضهم على الاشتغال في كلّ وقت، ويطالبهم في أوقات بإعادة محفوظاتهم، ويسألهم عمّا ذكر لهم من المهمّات‏.‏

- وأن يقدّم في تعليمهم إذا ازدحموا الأسبق فالأسبق‏.‏

- وأن يكون عاملا بعلمه فلا يكذّب قوله فعله، لأنّ العلم يدرك بالبصائر والعمل يدرك بالأبصار، وأرباب الأبصار أكثر‏.‏

ب - آداب المتعلّم‏:‏

10 - ينبغي أن يطهّر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول العلم وحفظه واستثماره، ففي الصّحيحين عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب»‏.‏

وقالوا‏:‏ تطبيب القلب للعلم كتطبيب الأرض للزّراعة‏.‏ وينبغي أن يقطع العلائق الشّاغلة عن كمال الاجتهاد في التّحصيل، ويرضى بما يتيسّر من القوت، ويصبر إن ضاق به العيش‏.‏ - وينبغي للمتعلّم أن يتواضع لمعلّمه وينظر إليه بعين الاحترام، ويرى كمال أهليّته ‏"‏ ورجحانه على أكثر طبقته، فذلك أقرب إلى انتفاعه به ورسوخ ما سمعه منه في ذهنه‏.‏

- وليحذر المتعلّم البسط على من يعلّمه وإن آنسه، والإدلال عليه وإن تقدّمت صحبته، ولا يظهر له الاستكفاء منه والاستغناء عنه، فإنّ في ذلك كفرا لنعمته واستخفافاً بحقّه‏.‏

- ولا ينبغي أن تبعثه معرفة الحقّ للمعلّم على قبول الشّبهة منه، ولا ينبغي له أن يعنّت معلّمه بالسّؤال، ولا يدعوه ترك الإعنات للمعلّم إلى التّقليد فيما أخذ عنه‏.‏ وليست كثرة السّؤال فيما التبس إعناتا، ولا قبول ما صحّ في النّفس تقليدا‏.‏ إلا أنّه لا يلحّ في السّؤال إلحاحا مضجرا، ويغتنم سؤاله عند طيب نفسه وفراغه، ويتلطّف في سؤاله ويحسن خطابه‏.‏ - وليأخذ المتعلّم حظّه ممّن وجد طلبته عنده من نبيه وخامل، ولا يطلب الصّيت وحسن الذّكر باتّباع أهل المنازل من العلماء، إذا كان النّفع بغيرهم أعمّ، إلا أن يستوي النّفعان فيكون الأخذ عمّن اشتهر ذكره وارتفع قدره أولى، لأنّ الانتساب إليه أجمل والأخذ عنه أشهر‏.‏

- وينبغي أن يكون حريصا على التّعلّم مواظبا عليه في جميع أوقاته، ليلا ونهارا حضرا وسفرا، ولا يذهب من أوقاته شيئا في غير العلم إلّا بقدر الضّرورة لأكل ونوم قدرا - لا بدّ منه - ونحوهما من الضّروريّات‏.‏

- ومن آداب المتعلّم‏:‏ الحلم والأناة، وأن تكون همّته عالية، فلا يرضى باليسير مع إمكان كثير، وأن لا يسوّف في اشتغاله ولا يؤخّر تحصيل فائدة، وإن قلّت‏:‏ إذا تمكّن منها، وإن أمل حصولها بعد ساعة، لأنّ للتّأخير آفات، ولأنّ في الزّمن الثّاني يحصل غيرها‏.‏

تعليم الصّغار

11 - على الآباء والأمّهات وسائر الأولياء تعليم الصّغار ما يلزمهم بعد البلوغ، فيعلّم الصّغير ما تصحّ به عقيدته من إيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وما تصحّ به عبادته، ويعرّفه ما يتعلّق بصلاته وصيامه وطهارته ونحوها، وذلك لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «مُرُوا أولادكم بالصّلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع»‏.‏

ويعرّفه تحريم الزّنا واللّواط والسّرقة وشرب المسكر والكذب والغيبة وشبهها، كما يعلّم أنّه بالبلوغ يدخل في التّكليف، ويعرّف ما يبلغ به‏.‏

وقيل هذا التّعليم مستحبّ، ونقل الرّافعيّ عن الأئمّة وجوبه على الآباء والأمّهات، وهذا ما صحّحه النّوويّ‏.‏

ودليل وجوب تعليم الصّغير‏:‏ قول اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا قُوا أَنْفسَكمْ وَأَهليكمْ نَارَاً‏}‏ قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ومجاهد وقتادة‏:‏ معناه علّموهم ما ينجون به من النّار ‏"‏ وهذا ظاهر ‏"‏ وثبت في الصّحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «كلّكم راع ومسئول عن رعيّته»‏.‏

قال القاضي أبو بكر بن العربيّ‏:‏ إنّ الصّبيّ أمانة عند والديه، وقلبه الطّاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كلّ نقش وصورة، وهو قابل لكلّ نقش وقابل لكلّ ما يمال به إليه، فإن عوّد الخير وعلّمه نشأ عليه وسعد في الدّنيا والآخرة، يشاركه في ثوابه أبواه وكلّ معلّم له ومؤدّب، وإن عوّد الشّرّ وأهمل شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيّم به والوليّ عليه‏.‏ ومهما كان الأب يصون ولده من نار الدّنيا فينبغي أن يصونه من نار الآخرة، وهو أولى، وصيانته بأن يؤدّبه ويهديه ويعلّمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السّوء، ولا يعوّده التّنعّم، ولا يحبّب إليه الزّينة وأسباب الرّفاهية فيضيع عمره في طلبها إذا كبر ويهلك هلاك الأبد‏.‏ وينبغي أن يعلّمه أيضاً من أمور الدّنيا ما يحتاج إليه من‏:‏ السّباحة والرّمي وغير ذلك ممّا ينفعه في كلّ زمان بحسبه‏.‏ قال عمر رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏علّموا أولادكم السّباحة والرّماية، ومروهم فليثبوا على الخيل وثباً ‏"‏‏.‏

هذا وللتّفصيل في العلم المحمود والعلم المذموم، وأقسامهما وأحكامهما، وما هو يتعيّن طلبه وتعلّمه وما هو فرض كفاية ‏(‏ر‏:‏ علم‏)‏‏.‏

تعليم النّساء

12 - لا خلاف بين الفقهاء في مشروعيّة تعليم النّساء القرآن والعلوم والآداب‏.‏

ومن الفقهاء من قال بوجوب قيام المتأهّلة من النّساء بتعليم علوم الشّرع، كما كانت عائشة رضي الله عنها ونساء تابعات، وقد قال اللّه تعالى لنساء نبيّه عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى في بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكْمَةِ‏}‏

ويجب أن يكون تعليم النّساء مع مراعاة آداب أمر الشّارع المرأة بالتزامها للحفاظ على عرضها وشرفها وعفّتها، من عدم الاختلاط بالرّجال وعدم التّبرّج، وعدم الخضوع بالقول إذا كانت هناك حاجة للكلام مع الأجانب‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ اختلاط، أنوثة، تبرّج، حجاب، عورة‏)‏‏.‏

ويجب تعليم النّساء العلوم الّتي تعتبر ضروريّة بالنّسبة للأنثى كطبّ النّساء‏.‏

قال في الجوهرة‏:‏ إذا كان المرض في سائر بدن المرأة يجوز النّظر إليه عند الدّواء، لأنّه موضع ضرورة، وإن كان في موضع الفرج فينبغي أن يعلّم امرأة تداويها‏.‏‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ والظّاهر أنّ ‏"‏ ينبغي ‏"‏ هنا للوجوب‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ تطبيب، وتداوي‏)‏‏.‏

هذا ويرى أكثر الفقهاء عدم الكراهة في تعليم النّساء الكتابة كالرّجل‏.‏ فقد أخرج أحمد وأبو داود والنّسائيّ من حديث الشّفاء بنت عبد اللّه رضي الله عنها‏.‏ قالت‏:‏ «دخل عليّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال‏:‏ ألا تعلّمين هذه رقية النّملة كما علّمتها الكتابة»‏.‏ قال الشّيخ مجد الدّين بن تيميّة في المنتقى‏:‏ وهو دليل على جواز تعلّم النّساء الكتابة‏.‏ وقد سرد ابن مفلح في الآداب الشّرعيّة الأحاديث الّتي يؤخذ من ظاهرها النّهي عن تعليم النّساء الكتابة، إلا أنّه قد ضعّف هذه الأحاديث، أو أعلّها بالوضع‏.‏

الضّرب للتّعليم

13 - للمعلّم ضرب الصّبيّ الّذي يتعلّم عنده للتّأديب‏.‏ وبتتبّع عبارات الفقهاء يتبيّن أنّهم يقيّدون حقّ المعلّم في ضرب الصّبيّ المتعلّم بقيود منها ‏.‏

أ - أن يكون الضّرب معتاداً للتّعليم كمَّاً وكيفاً ومحلاً، يعلم المعلّم الأمن منه، ويكون ضربه باليد لا بالعصا، وليس له أن يجاوز الثّلاث، روي «أنّ النّبيّ عليه الصلاة والسلام قال لمرداس المعلّم رضي الله عنه‏:‏ إيّاك أن تضرب فوق الثّلاث، فإنّك إذا ضربت فوق الثّلاث اقتصّ اللّه منك»‏.‏

ب - أن يكون الضّرب بإذن الوليّ، لأنّ الضّرب عند التّعليم غير متعارف، وإنّما الضّرب عند سوء الأدب، فلا يكون ذلك من التّعليم في شيء، وتسليم الوليّ صبيّه إلى المعلّم لتعليمه لا يثبت الإذن في الضّرب، فلهذا ليس له الضّرب، إلّا أن يأذن له فيه نصّا‏.‏

ونقل عن بعض الشّافعيّة قولهم‏:‏ الإجماع الفعليّ مطّرد بجواز ذلك بدون إذن الوليّ‏.‏

ج - أن يكون الصّبيّ يعقل التّأديب، فليس للمعلّم ضرب من لا يعقل التّأديب من الصّبيان قال الأثرم‏:‏ سئل أحمد عن ضرب المعلّم الصّبيان، قال‏:‏ على قدر ذنوبهم، ويتوقّى بجهده الضّرب وإذا كان صغيرا لا يعقل فلا يضربه‏.‏

ضمان ضرب التّعليم

14 - ذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ المعلّم إذا أدّب صبيّه الأدب المشروع فمات، فلا ضمان عليه‏.‏ وبهذا قال الحنفيّة‏.‏ إلا أنّهم يشترطون لنفي الضّمان أن يكون الضّرب قد حصل بإذن الأب أو الوصيّ، فضلا عن كونه لم يخرج عن الضّرب المعتاد كمّا وكيفا ومحلّا، فإذا ضرب المعلّم صبيّا يتعلّم منه بغير إذن الأب أو الوصيّ ضمن عند الحنفيّة، لأنّه متعدّ في الضّرب، والمتولّد منه يكون مضمونا عليه‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو مات المتعلّم من ضرب المعلّم، فإنّه يضمن وإن كان بإذن الوليّ وكان مثله معتادا للتّعليم، لأنّه مشروط بسلامة العاقبة إذ المقصود التّأديب لا الهلاك، فإذا حصل به هلاك تبيّن أنّه جاوز الحدّ المشروع‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ تأديب‏.‏ ضمان‏.‏ قتل‏)‏‏.‏

الاستئجار لتعليم القرآن والعلم الشّرعيّ

15 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز أخذ الرّزق من بيت المال على تعليم القرآن وتدريس علم نافع من حديث وفقه ونحوهما، لأنّ هذا الرّزق ليس أجرة من كلّ وجه بل هو كالأجرة‏.‏ وإنّما اختلفوا في الاستئجار لتعليم القرآن والحديث والفقه ونحوهما من العلوم الشّرعيّة‏:‏ فيرى متقدّمو الحنفيّة - وهو المذهب عند الحنابلة - عدم صحّة الاستئجار لتعليم القرآن والعلم الشّرعيّ، كالفقه والحديث‏.‏ لحديث عبادة بن الصّامت رضي الله عنه قال‏:‏ «علّمت ناساً من أهل الصّفّة القرآن والكتابة، فأهدى إليّ رجل منهم قوساً‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ قوس، وليس بمال‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ أتقلّدها في سبيل اللّه، فذكرت ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم وقصصت عليه القصّة، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه، رجل أهدى إليّ قوساً ممّن كنت أعلّمه الكتاب والقرآن، وليست بمال، وأرمي عنها في سبيل اللّه، قال‏:‏ إن كنت تحبّ أن تطوّق طوقاً من نار فأقبلها»‏.‏ وحديث «أبيّ بن كعب رضي الله عنه، أنّه علّم رجلاً سورة من القرآن، فأهدى له خميصة أو ثوباً، فذكر ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنّك لو لبستها لألبسك اللّه مكانها ثوباً من نار» ولأنّه استئجار لعمل مفروض، فلا يجوز، كالاستئجار للصّوم والصّلاة، ولأنّه غير مقدور الاستيفاء في حقّ الأجير، لتعلّقه بالمتعلّم، فأشبه الاستئجار لحمل خشبة لا يقدر على حملها بنفسه، ولأنّ الاستئجار على تعليم القرآن والعلم سبب لتنفير النّاس على تعليم القرآن والعلم، لأنّ ثقل الأجر يمنعهم من ذلك، وإلى هذا أشار اللّه جلّ شأنه في قوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏أَمْ تَسْألهم أَجراً فَهم مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ‏}‏ فيؤدّي إلى الرّغبة عن هذه الطّاعة، وهذا لا يجوز‏.‏

وذهب متأخّرو الحنفيّة - وهو المختار للفتوى عندهم - والمالكيّة في قول، وهو القول الآخر عند الحنابلة - يؤخذ ممّا نقله أبو طالب عن أحمد - إلى جواز الاستئجار على تعليم القرآن والفقه، لخبر‏:‏ «إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب اللّه» ولما روي عن عبد الجبّار بن عمر أنّه قال‏:‏ كلّ من سألت من أهل المدينة لا يرى بتعليم الغلمان بالأجر بأساً‏.‏ ولأنّ الحفّاظ والمعلّمين - نظراً لعدم وجود عطيّات لهم في بيت المال - ربّما اشتغلوا بمعاشهم، فلا يتفرّغون للتّعليم حسبة، إذ حاجتهم تمنعهم من ذلك، فلو لم يفتح لهم باب التّعليم بالأجر لذهب العلم وقلّ حفّاظ القرآن‏.‏

قال أحمد بن حنبل‏:‏ التّعليم أحبّ إليّ من أن يتوكّل لهؤلاء السّلاطين، ومن أن يتوكّل لرجل من عامّة النّاس في ضيعة، ومن أن يستدين ويتّجر، لعلّه لا يقدر على الوفاء فيلقى اللّه بأمانات النّاس‏.‏

والمذهب عند المالكيّة‏:‏ جواز الاستئجار على تعليم القرآن، أمّا الإجارة على تعليم الفقه وغيره من العلوم، كالنّحو والأصول والفرائض فإنّها مكروهة عندهم‏.‏

وفرّق المالكيّة بين جواز الإجارة على تعليم القرآن، وكراهتها على تعليم غيره‏:‏ بأنّ القرآن كلّه حقّ لا شكّ فيه، بخلاف ما عداه ممّا هو ثابت بالاجتهاد،فإنّ فيه الحقّ والباطل‏.‏ وأيضا فإنّ تعليم الفقه بأجرة ليس عليه العمل بخلاف القرآن، كما أنّ أخذ الأجرة على تعليمه يؤدّي إلى تقليل طالبه‏.‏

وذهب الشّافعيّة - على الأصحّ - إلى جواز الاستئجار لتعليم القرآن بشرط تعيين السّورة والآيات الّتي يعلمها، فإن أخلّ بأحدهما لم يصحّ‏.‏ وقيل‏:‏ لا يشترط تعيين واحد منهما‏.‏ أمّا الاستئجار لتدريس العلم فقالوا‏:‏ بعدم جوازه إلا أن يكون الاستئجار لتعليم مسألة أو مسائل مضبوطة، فيجوز‏.‏ وقد فصّل الفقهاء القول في شروط الاستئجار على تعليم القرآن والعلم، عند الكلام عن الاستئجار على الطّاعات،يرجع إليها في أبواب ‏(‏الإجارة‏)‏ من كتب الفقه‏.‏

الاستئجار على تعليم الحرف والعلوم غير الشّرعيّة

16 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز الاستئجار على تعليم الحرف والصّناعات المباحة الّتي تتعلّق بها المصالح الدّنيويّة، كخياطة وحدادة وبناء وزرع ونسيج ونحو ذلك‏.‏

ويرى جمهور الفقهاء صحّة الإجارة على تعليم العلوم سوى العلوم الشّرعيّة البحتة، كاللّغة والآداب، لأنّها تارة تقع قربة وتارة تقع غير قربة، فلم يمنع من الاستئجار عليه لفعله، كغرس الأشجار وبناء البيوت، لكون فاعلها لا يختصّ أن يكون من أهل القربة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى كراهة الإجارة على تعليم مثل هذه العلوم‏.‏ وللتّفصيل في شروط الاستئجار على تعليم الحرف والعلوم ‏(‏ر‏:‏ مصطلح إجارة ف 151 ج 1‏)‏‏.‏

تعليم علوم محرّمة

17 - لا يجوز تعليم علوم محرّمة، كالكهانة والتّنجيم والضّرب بالرّمل وبالشّعير وبالحمّص، والشّعبذة، وعلوم طبائع وسحر وطلسمات بغير العربيّة لمن لا يعرف معناها وتلبيسات‏.‏ فتعليم كلّ ذلك محرّم وأخذ العوض عليها حرام بنصّ الحديث الصّحيح«في النّهي عن حلوان الكاهن» والباقي في معناه‏.‏

هذا، وليس من المنهيّ عنه تعليم وتعلّم علم النّجوم ليستدلّ به على مواقيت الصّلاة والقبلة واختلاف المطالع ونحو ذلك‏.‏وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ علم‏)‏‏.‏

تعليم الجوارح

18 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يشترط لحلّ ما قتلته الجوارح من الصّيد‏:‏ كون الجارح معلّما، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوَارحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ ممَّا عَلَّمَكمْ اللَّهُ، فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَليكمْ‏}‏ حيث إنّ النّصّ ينطق باشتراط التّعليم، وقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏

«إذا أرسلت كلابك المعلّمة وذكرت اسم اللّه فكل ممّا أمسكن عليك، وإن قتلن، إلا أن يأكل الكلب، فإنّي أخاف أن يكون إنّما أمسكه على نفسه، وإن خالطها كلب من غيرها فلا تأكل»‏.‏ ولأنّ الجارح إنّما يصير آلة بالتّعليم، ليكون عاملا للصّائد بما يريد من الصّيد، فيسترسل بإرساله، ويمسك الصّيد على صاحبه، لا لنفسه‏.‏

وللتّفصيل في صفة الجارح الّذي يصحّ أن يصاد به وشروط تعليمه وضبط تعليمه ينظر‏:‏

مصطلح‏:‏ ‏(‏صيد‏)‏‏.‏

تعمّد

انظر‏:‏ عمد‏.‏

تعمّم

انظر‏:‏ عمامة‏.‏

تعمير

انظر‏:‏ عمارة‏.‏

تعميم

التّعريف

1 - التّعميم لغة‏:‏ جعل الشّيء عامّا أي شاملا، يقال‏:‏ عمّ المطر الأرض‏:‏ إذا شملها‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن الاستعمال اللّغويّ‏.‏

الحكم الإجماليّ

التّعميم يكون في أمور منها‏:‏

أ - الوضوء‏:‏

2 - القاعدة أنّ كلّ عضو من أعضاء الجسم يجب غسله في الوضوء يجب تعميمه بالماء، إلا في حالة التّعذّر والضّرورة‏.‏ واتّفق الفقهاء - ما عدا الزّهريّ - على أنّ الأذنين ليستا من الوجه، فلا يجب غسلهما بالماء في الوضوء‏.‏

وخالف الحنابلة الأئمّة الثّلاثة في داخل الفم والأنف، وقالوا‏:‏ إنّهما من الوجه، فيفترض غسلهما أي بالمضمضة للفم والاستنشاق للأنف‏.‏

والمعتبر عند الأئمّة الثّلاثة‏:‏ غسل ظاهر الأنف‏.‏

3 - واتّفق الأئمّة الأربعة على وجوب تعميم اليدين والمرفقين بالماء، وقالوا‏:‏ إذا لصق باليدين، أو بأصل الظّفر طين أو عجين، يجب إزالته وإيصال الماء إلى أصل الظّفر، وإلا بطل وضوءه‏.‏ ويجب غسل تكاميش ‏(‏تجاعيد‏)‏ الأنامل ليعمّها الماء، إلا أنّ بعض الحنفيّة يرى ضرورة غسل الأوساخ اللّاصقة بباطن الظّفر الطّويل، فإن لم يفعل بطل وضوءه‏.‏ واغتفروا للخبّاز الّذي تطول أظفاره، فيبقى تحتها شيء من العجين لضرورة المهنة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إنّ وسخ الأظفار يعفى عنه إلّا إذا تفاحش وكثر، فيجب إزالته ليصل الماء إلى ما تحت الظّفر‏.‏ أمّا الشّافعيّة فقالوا‏:‏ إنّ الأوساخ الّتي تحت الأظفار إن منعت من وصول الماء إلى الجلد المحاذي لها من الأصبع، فإنّ إزالتها واجبة ليعمّ الماء الجلد، ولكن يعفى عن العمّال الّذين يعملون في الطّين ونحوه، بشرط ألّا يكون كثيرا يلوّث رأس الأصبع‏.‏

ب - الغسل‏:‏

4 - اتّفق الفقهاء على أنّ تعميم الجسد كلّه بالماء فرض في الغسل، لأنّ من أركان الغسل‏:‏ تعميم الجسد‏.‏ واختلفوا في داخل الفم والأنف، فقال الحنفيّة والحنابلة‏:‏ إنّه من البدن، فالمضمضة والاستنشاق فرض عندهما في الغسل، وقال المالكيّة والشّافعيّة‏:‏ إنّ الفرض هو غسل الظّاهر فقط، فلا تجب المضمضمة والاستنشاق في الغسل‏.‏

ويجب تعميم شعره وبشره وإيصال الماء إلى منابت شعره وإن كثف‏.‏

ويجب نقض ضفائر لا يصل الماء إلى باطنها إلّا بالنّقض‏.‏

وقال بعض المالكيّة‏:‏ يستثنى من وجوب غسل الرّأس في الغسل العروس إذا كان شعرها مزيّنا، فلا يجب عليها غسله، بل يكفيها المسح، قالوا‏:‏ لما في الغسل من إضاعة المال‏.‏ كما يجب غسل ما ظهر من صماخي الأذنين، وما يبدو من شقوق البدن الّتي لا غور لها‏.‏ واتّفقوا على ضرورة إيصال الماء إلى ما يمكن إيصاله إليه من أجزاء البدن، ولو كانت غائرة، كعمق السّرّة ومحلّ العمليّات الجراحيّة الّتي لها أثر غائر‏.‏

ولكنّ الشّافعيّة اعتبروا شعب الأذن يدخل فيه القرط من الباطن، لا من الظّاهر، فلا يلزم إدخال الماء إليه ولو أمكن، واتّفقوا على إزالة كلّ حائل يمنع وصول الماء إلى ما تحته، كعجين وعماص في العين ليحصل التّعميم‏.‏

ج - التّيمّم‏:‏

5 - اختلف الفقهاء في تعميم أعضاء التّيمّم بالمسح‏.‏ فقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ يجب تعميم المسح على الوجه ويدخل فيه اللّحية ولو طالت، لأنّها من الوجه، لمشاركتها في حصول المواجهة‏.‏ والمعتبر توصيل التّراب إلى جميع البشرة الظّاهرة من الوجه، وإلى ما ظهر من الشّعر‏.‏ ولا يجب إيصال التّراب إلى ما تحت الحاجبين والشّارب والعذارين والعنفقة لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وصف التّيمّم، واقتصر على ضربتين، ومسح وجهه بإحداهما، ومسح إحدى اليدين بالأخرى وبذلك لا يصل التّراب إلى باطن هذه الشّعور للمشقّة في إيصاله فسقط وجوبه، ولأنّ المعتبر هو تعميم المسح لا التّراب‏.‏ ويجب تعميم مسح يديه وكوعيه مع تخليل أصابعه على الرّاجح عند المالكيّة‏.‏ ويلزم نزع الخاتم - ولو مأذونا فيه أو واسعا - وإلّا كان حائلا، وهذا عند المالكيّة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ تيمّم‏)‏‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ تعميم الوجه واليدين بالمسح في التّيمّم شرط لا ركن‏.‏ فإن كان المسح بيده، فإنّه يشترط أن يمسح بجميع يده أو أكثرها، والمفروض المسح باليد أو ما يقوم مقامها، ويجب مسح الشّعر الّذي يجب غسله في الوضوء، وهو المحاذي للبشرة، فلا يجب مسح ما طال من اللّحية وقالوا‏:‏ إنّ تحريك الخاتم الضّيّق والسّوار يكفي في التّيمّم، لأنّ التّحريك مسح لما تحته، والمفروض هو المسح لا وصول الغبار‏.‏

د - الدّعاء‏:‏

6 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّعميم في الدّعاء من السّنّة لقوله تعالى ‏{‏وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وللمؤمنينَ وَالمُؤمناتِ‏}‏ ولخبر «ما من دعاء أحبّ إلى اللّه من أن يقول العبد‏:‏ اللّهمّ ارحم أمّة محمّد رحمة عامّة» ولحديث «الأعرابيّ الّذي قال‏:‏ اللّهمّ ارحمني ومحمّداً، ولا ترحم معنا أحدا فقال‏:‏ لقد تحجّرت واسعاً»

تعميم الأصناف الثّمانية في الزّكاة

7 - اختلف الفقهاء في وجوب تعميم الأصناف الثّمانية في الزّكاة، فالجمهور على أنّه غير واجب، وذهب الشّافعيّة إلى وجوبه على تفصيل ينظر في ‏(‏الزّكاة‏)‏‏.‏

تعميم الدّعوة إلى الولائم

8 - اختلف في حكم الدّعوة العامّة، وهي الّتي تسمّى ‏(‏الجفلى‏)‏ فالجمهور على جواز إجابتها،

وذهب الحنابلة إلى جواز إجابتها مع الكراهة، على تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏دعوة‏)‏‏.‏

تعوّذ

انظر‏:‏ استعاذة‏.‏

تعويذ

التّعريف

1 - التّعويذ في اللّغة‏:‏ مصدر عوّذ، من عاذ يعوذ عوذاً‏:‏ بمعنى التجأ‏.‏ قال اللّيث يقال‏:‏ فلان عوذ لك‏:‏ أي ملجأ ويقال‏:‏ عذت بفلان‏:‏ استعذت به‏:‏ أي لجأت إليه وهو عياذي‏:‏ أي ملجئي‏.‏ والعوذة‏:‏ ما يعاذ به من الشّيء، والعوذة والتّعويذة والمعاذة كلّه بمعنى‏:‏ الرّقية الّتي يرقى بها الإنسان من فزع أو جنون‏.‏ والجمع‏:‏ عوذ وتعاويذ، ومعاذات والتّعويذ في الاصطلاح يشمل الرّقى والتّمائم ونحوها ممّا هو مشروع أو غير مشروع‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الرّقية‏:‏

2 - الرّقية في اللّغة‏:‏ من رقاه يرقيه رقية بمعنى‏:‏ العوذة والتّعويذ‏.‏ قال ابن الأثير‏:‏ الرّقية‏:‏ العوذة الّتي يرقى بها صاحب الآفة، كالحمّى والصّرع وغير ذلك من الآفات، لأنّه يعاذ بها‏.‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقِيلَ‏:‏ مَنْ رَاقٍ‏}‏ أي من يرقيه‏؟‏ تنبيها على أنّه لا راقي يرقيه، فيحميه‏.‏ وعرّفها بعض الفقهاء‏:‏ بأنّها ما يرقى به من الدّعاء لطلب الشّفاء‏.‏ فالرّقية أخصّ من التّعويذ، لأنّ التّعويذ يشمل الرّقية وغيرها، فكلّ رقية تعويذ ولا عكس‏.‏

ب - التّميمة‏:‏

3 - التّميمة في اللّغة‏:‏ خيط أو خرزات كان العرب يعلّقونها على أولادهم، يمنعون بها العين في زعمهم، فأبطلها الإسلام‏.‏ قال الخليل بن أحمد‏:‏ التّميمة قلادة فيها عوذ‏.‏ ومعناها عند أهل العلم‏:‏ ما علّق في الأعناق من القلائد خشية العين أو غيرها‏.‏

وفي الحديث‏:‏ «من تعلّق تميمة فلا أتمّ اللّه له» أي‏:‏ فلا أتمّ اللّه صحّته وعافيته‏.‏

وهي عند الفقهاء‏:‏ العوذة الّتي تعلّق على المريض والصّبيان، وقد يكون فيها القرآن وذكر اللّه إذا خرز عليها جلد‏.‏ فالتّميمة عند الفقهاء أيضا‏:‏ نوع من التّعويذ والفرق بينها وبين الرّقية‏:‏ أنّ الأولى هي تعويذ يعلّق على المريض ونحوه، والثّانية تعويذ يقرأ عليه

ج - الودعة‏:‏

4 - الودعة‏:‏ شيء أبيض يجلب من البحر يعلّق في أعناق الصّبيان وغيرهم‏.‏

وفي الحديث «من علّق ودعة فلا وَدَعَ اللّه له» أي فلا بارك اللّه ما هو فيه من العافية وإنّما نهى عنها لأنّهم كانوا يعلّقونها مخافة العين فالودعة مثل التّميمة في المعنى‏.‏

د - التُّوَلة‏:‏

5 - التّولة في اللّغة بضمّ أوّله وفتح ثانيه‏:‏ السّحر، وخرز كانوا يرون أنّه يحبّب المرأة إلى زوجها، ويقال فيها أيضا‏:‏ التِوَلة كعِنَبة‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ تحبيب المرأة إلى زوجها‏.‏ كما فسّره ابن مسعود رضي الله عنه راوي الحديث‏.‏ ‏"‏ قالوا‏:‏ يا أبا عبد الرّحمن، هذه التّمائم والرّقى قد عرفناها، فما التّولة‏؟‏ قال‏:‏ شيء يصنعه النّساء يتحبّبن به إلى أزواجهنّ‏.‏ فالتّولة أيضا ضرب من التّعويذ‏.‏

هـ - التّفل، النّفث، النّفخ‏:‏

6 - التّفل‏:‏ النّفخ معه ريق‏.‏ والنّفث‏:‏ نفخ ليس معه ريق‏.‏

فالتّفل شبيه بالبزق، وهو أقلّ منه، أوّله البزق، ثمّ التّفل، ثمّ النّفث، ثمّ النّفخ‏.‏

فكلّ من التّفل، والنّفث، والنّفخ قد يكون من ملابسات التّعاويذ‏.‏

و - النّشرة‏:‏

7 - النّشرة في اللّغة‏:‏ كالتّعويذ والرّقية‏.‏ يعالج بها المجنون والمريض وحلّ السّحر عن المسحور، وفي الحديث «فلعلّ طِبّاً أصابه، يعني سحراً، ثمّ نَشَّره ب قل أعوذ بربّ النّاس» أي رقاه‏.‏ والتّنشير‏:‏ الرّقية أو كتابة النّشرة‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هي أن يكتب شيئا من أسماء اللّه تعالى أو من القرآن، ثمّ يغسله بالماء، ثمّ يمسح به المريض أو يسقاه‏.‏ أو يكتب قرآن وذكر بإناء لحامل لعسر الولادة، ولمريض يسقيانه ونحو ذلك‏.‏

ز - الرّتيمة‏:‏

8 - الرّتيمة والرّتمة‏:‏ خيط يربط بأصبع أو خاتم لتستذكر به الحاجة، ويقال‏:‏ أرتمه‏:‏ إذا شدّ في أصبعه الرّتيمة وقيل‏:‏ هي خيط كان يربط في العنق أو في اليد في الجاهليّة لدفع المضرّة عن أنفسهم على زعمهم‏.‏

الحكم التّكليفي للتّعويذ

9 - يختلف حكم التّعاويذ باختلاف ما تتّخذ منه التّعاويذ‏.‏ وتنقسم إلى ثلاثة أقسام‏:‏

القسم الأوّل‏:‏

10 - ما لا يعقل معناه‏:‏

ومنه ما كان يرقى به في الجاهليّة‏.‏ فذهب جمهور الفقهاء إلى‏:‏ أنّه يجب اجتنابه بلا خلاف‏.‏ لما صحّ «عن ابن مسعود رضي الله عنه‏:‏ أنّه دخل على امرأته، وفي عنقها شيء تتعوّذ به، فجبذه، فقطعه، ثمّ قال‏:‏ لقد أصبح آل عبد اللّه أغنياء عن أن يشركوا باللّه ما لم ينزّل به سلطاناً‏.‏ ثمّ قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إنّ الرّقى والتّمائم والتّولة شرك، قالوا‏:‏ يا أبا عبد الرّحمن هذه الرّقى والتّمائم قد عرفناها، فما التّولة، قال‏:‏ شيء يصنعه النّساء يتحبّبن إلى أزواجهنّ»‏.‏ فيتعيّن حمل الوعيد على ما كانوا يفعلونه من تعليق خرزة يسمّونها تميمة أو نحوها، يرون أنّها تدفع عنهم الآفات‏.‏ ولا شكّ أنّ اعتماد هذا جهل وضلال، وأنّه من أكبر الكبائر، لأنّه إن لم يكن شركا فهو يؤدّي إليه، إذ لا ينفع ولا يضرّ ولا يمنع ولا يدفع إلا اللّه تعالى وكذلك الرّقى والتّعاويذ محمولة أيضا على ذلك، أو على ما إذا كانت بغير لسان العرب ولا يدرى ما هي، ولعلّه يدخلها سحر أو كفر أو غير ذلك ممّا لا يعرف معناه، فإنّها حينئذ حرام، صرّح به الخطّابيّ والبيهقيّ وابن رشد والعزّ بن عبد السّلام وجماعة من أئمّة الشّافعيّة وغيرهم، وقال في الشّرح الصّغير‏:‏ لا يرقى بالأسماء الّتي لم يعرف معناها، قال مالك‏:‏ ما يدريك لعلّها كفر‏؟‏‏.‏ واختلف العلماء في حكم النّفث وغيره عند الرّقى والتّعاويذ، فمنعه قوم، وأجازه آخرون‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ وقد أجمعوا على جوازه، واستحبّه الجمهور من الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم، واستدلّوا بما روته عائشة رضي الله عنها‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينفث في الرّقية» ولفظه‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوّذات، فلمّا مرض مرضه الّذي مات فيه، جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه، لأنّها أعظم بركة من يدي»

وأيضاً بما روي «عن محمّد بن حاطب رضي الله عنه أنّ يده احترقت، فأتت به أمّه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فجعل ينفث عليها، ويتكلّم بكلام زعم أنّه لم يحفظه»‏.‏ وقال محمّد بن الأشعث‏:‏ ذهب بي إلى عائشة رضي الله عنها وفي عينيّ سوء فَرَقَتْني ونفثت‏.‏

واستدلّ الآخرون‏:‏ وهم إبراهيم وعكرمة، والحكم بما قال بعضهم‏:‏ دخلت على الضّحّاك وهو وجع، فقلت‏:‏ ألا أعوذك يا أبا محمّد‏؟‏ قال‏:‏ بلى، ولكن لا تنفث،فعوّذته بالمعوّذتين‏.‏ وبما قال ابن جريج لعطاء‏:‏ القرآن ينفخ أو ينفث‏.‏ قال‏:‏ لا شيء من ذلك‏.‏

وأمّا حكم النّشرة، فقد ذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة والمالكيّة عدا ابن عبد السّلام والشّافعيّة والحنابلة، إلى أنّه جائز وهو قول سعيد بن المسيّب، وعائشة رضي الله عنها، وأبي عبد اللّه والطّبريّ وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ بالمعوّذتين في إناء، ثمّ تأمر أن يصبّ على المريض‏.‏

وذهب ابن عبد السّلام من المالكيّة إلى أنّه حرام، ومنعها أيضاً الحسن، وإبراهيم النّخعيّ، وابن الجوزيّ‏.‏ وكذلك مجاهد لم ير أن تكتب آيات القرآن، ثمّ تغسل، ثمّ يسقاه صاحب الفزع‏.‏ وقال النّخعيّ‏:‏ أخاف أن يصيبه بلاء‏.‏ لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏

«إنّ النّشرة من عمل الشّيطان»‏.‏ وقيل‏:‏ المنع محمول على ما إذا كانت خارجة عمّا في كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعن المداواة المعروفة‏.‏ والنّشرة من جنس الطّبّ، فهي غسالة شيء له فضل كوضوء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأمّا الرّتيمة فيختلف حكمها باختلاف معانيها‏:‏

فحكم الرّتيمة - بمعنى‏:‏ أنّها خيط يربط بأصبع أو خاتم لتستذكر به الحاجة - فقد ذكر ابن عابدين أنّها لا تكره، لأنّها تفعل لحاجة فليس بعبث، لما فيه من الغرض الصّحيح، وهو التّذكّر عند النّسيان‏.‏ «وروي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بعض أصحابه بذلك»، وفي المنح‏:‏ أنّه مكروه، لأنّه محض عبث‏.‏

وعلى هذا الخلاف‏:‏ الدّملج، وهو ما يصنعه بعض الرّجال في العضد وأمّا حكم الرّتيمة - بمعنى أنّها خيط كان يربط في العنق أو في اليد في الجاهليّة لدفع الضّرر بزعمهم - فهو منهيّ عنه، لأنّه من جنس التّمائم المحرّمة، وذكر في حدود الإيمان أنّه كفر

القسم الثّاني‏:‏

11 - ما كان تعويذاً بكلام اللّه تعالى أو بأسمائه فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الاسترقاء بذلك جائز،وقال السّيوطيّ‏:‏ إنّ الجواز مقيّد باجتماع ثلاثة شروط عند جميع العلماء وهي‏:‏

أ - أن يكون بكلام اللّه أو بأسمائه وصفاته‏.‏

ب - أن يكون باللّسان العربيّ وبما يعرف معناه‏.‏

ج - يعتقد أنّ التّعويذ والرّقية لا تؤثّر بذاتها، بل بتقدير اللّه تعالى‏.‏ وقيل‏:‏ إن كان مأثوراً فيستحبّ‏.‏ وذكر الخطّابيّ‏:‏ أنّه إذا كان مفهوم المعنى، وكان فيه ذكر اللّه، فإنّه يستحبّ‏.‏ وأنّ الرّقية الّتي أمر بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هو ما يكون بقوارع القرآن وبما فيه ذكر اللّه تعالى‏.‏ وما نهي عنه هو رقية العزّامين، ومن يدّعي تسخير الجنّ‏.‏

وبالجواز قال أيضاً الحسن البصريّ، وإبراهيم النّخعيّ، والزّهريّ والثّوريّ وآخرون‏.‏

12 - واحتجّ المجوّزون بأحاديث كثيرة منها‏:‏

- ما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّه كان يعوّذ نفسه»‏.‏

- وروت عائشة رضي الله عنها‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول‏:‏ اللّهمّ ربّ النّاس أذهب البأس، واشفه وأنت الشّافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً»‏.‏

- وروى جابر رضي الله عنه قال‏:‏ «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الرّقى، فجاء آل عمرو بن حزم، فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه إنّها كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنّك نهيت عن الرّقى، قال‏:‏ فعرضوها عليه، فقال‏:‏ ما أرى بها بأساً، فمن استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل»‏.‏

وقال الشّعبيّ وسعيد بن جبير وقتادة وجماعة آخرون‏:‏ تكره الرّقى، والواجب على المؤمن أن يترك ذلك اعتصاما باللّه تعالى، وتوكّلا عليه، وثقة به وانقطاعا إليه‏.‏

واحتجّوا بحديث «رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بأنّه ذكر أهل الجنّة الّذين يدخلون الجنّة بغير حساب، ولمّا سئل ما صفتهم قال‏:‏ هم الّذين لا يتطيّرون ولا يكتوون، ولا يسترقون، وعلى ربّهم يتوكّلون»‏.‏

القسم الثّالث‏:‏

13 - ما كان بأسماء غير اللّه من ملك مقرّب أو من معظّم من المخلوقات كالعرش‏.‏ فصرّح الشّوكانيّ‏:‏ بأنّه يكره من الرّقى ما لم يكن بذكر اللّه وأسمائه خاصّة، ليكون بريئاً من شوب الشّرك قال‏:‏ وعلى كراهة الرّقى بغير القرآن علماء الأمّة‏.‏ وقال القرطبيّ‏:‏ هذا ليس من الواجب اجتنابه ولا من المشروع الّذي يتضمّن الالتجاء إلى اللّه والتّبرّك بأسمائه، فيكون تركه أولى، إلا أن يتضمّن تعظيم المرقيّ به، فينبغي أن يجتنب كالحلف بغير اللّه‏.‏

الغرض من اتّخاذ التّعاويذ

أوّلاً‏:‏ الاستشفاء‏:‏

أ - الاستشفاء بالقرآن‏:‏

14 - الأصل في هذا الباب قوله تعالى ‏{‏وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ ما هو شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمؤمنين، وَلا يَزِيدُ الظَّالمينَ إلا خَسَارَاً‏}‏ واختلف العلماء في كون القرآن شفاء على قولين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنّه لا يشرع الاستشفاء به من الأمراض البدنيّة، بل هو شفاء للقلوب، بزوال الجهل عنها وإزالة الرّيب، ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم المعجزات، والأمور الدّالّة على اللّه تعالى، لقوله تعالى ‏{‏يَا أَيُّها النَّاسُ قَدْ جَاءتْكمْ مَوعِظَةٌ مِنْ رَبِّكمْ وَشِفَاءٌ لِمَا في الصُّدورِ‏}‏‏.‏

والقول الثّاني‏:‏ أنّه شفاء أيضاً من الأمراض بالرّقية والتّعوّذ ونحوه، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء، فجوّزوا الاستشفاء بالقرآن‏:‏ بأن يقرأ على المريض، أو الملدوغ الفاتحة، ويتحرّى ما يناسب، وإن كان القرآن كلّه شفاء على أنّ ‏{‏مِنْ‏}‏ في قوله تعالى ‏{‏وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ‏}‏ للبيان‏.‏ وفي الخبر «من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه اللّه»‏.‏

ولما روى الأئمّة، واللّفظ للدّارقطنيّ عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال‏:‏ «بعثنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في سريّة ثلاثين راكباً، قال فنزلنا على قوم من العرب، فسألناهم أن يضيّفونا، فأبوا، فلدغ سيّد الحيّ‏.‏ فأتوا فقالوا‏:‏ فيكم أحد يرقي من العقرب‏؟‏ وفي رواية ابن قتّة‏:‏ إنّ الملك يموت‏.‏ قال‏:‏ قلت أنا‏:‏ نعم، ولكن لا أفعل حتّى تعطونا‏.‏ فقالوا‏:‏ فإنّا نعطيكم ثلاثين شاة، قال‏:‏ فقرأت عليه ‏{‏الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ‏}‏ سبع مرّات فبرأ» وفي رواية سليمان بن قتّة عن أبي سعيد «فأفاق وبرأ‏.‏ فبعث إلينا بالنّزل، وبعث إلينا بالشّاء، فأكلنا الطّعام أنا وأصحابي، وأبوا أن يأكلوا من الغنم، حتّى أتينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر، فقال‏:‏ وما يدريك أنّها رقية‏؟‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه‏.‏ شيء ألقي في روعي، قال‏:‏ كلوا وأطعمونا من الغنم»‏.‏

قال ابن حجر‏:‏ فقد أخرج أحمد وأبو داود والنّسائيّ، وصحّحه ابن حبّان والحاكم، من رواية عبد الرّحمن بن حرملة عن ابن مسعود رضي الله عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يكره عشر خصال، فذكر فيها الرّقى إلا بالمعوّذات» وعبد الرّحمن بن حرملة قال البخاريّ‏:‏ لا يصحّ حديثه، وقال الطّبريّ لا يحتجّ بهذا الخبر لجهالة راويه، وعلى تقدير صحّته فهو منسوخ بالإذن في الرّقية بفاتحة الكتاب، وأشار المهلّب إلى الجواب عن ذلك بأنّ في الفاتحة معنى الاستعاذة، وهو الاستعانة، فعلى هذا يختصّ الجواز بما يشتمل على هذا المعنى، وقد أخرج التّرمذيّ وحسّنه والنّسائيّ من حديث أبي سعيد رضي الله عنه «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يتعوّذ من الجانّ وعين الإنسان حتّى نزلت المعوّذات، فأخذ بها وترك ما سواها»‏.‏ وهذا لا يدلّ على المنع من التّعوّذ بغير هاتين السّورتين، بل يدلّ على الأولويّة، ولا سيّما مع ثبوت التّعوّذ بغيرهما، وإنّما اجتزأ بهما لما اشتملتا عليه من جوامع الاستعاذة من كلّ مكروه جملة وتفصيلاً‏.‏

ثمّ قال ابن حجر بعدئذ‏:‏ لا يلزم من مشروعيّة الرّقى بالمعوّذات أن يشرع بغيرها من القرآن، لاحتمال أن يكون في المعوّذات سرّ ليس في غيرها‏.‏ وقد ذكرنا من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنّه صلى الله عليه وسلم ترك ما عدا المعوّذات، لكن ثبتت الرّقية بفاتحة الكتاب، فدلّ على أن لا اختصاص للمعوّذات، وفي الفاتحة من معنى الاستعاذة باللّه الاستعانة به، فمهما كان فيه استعاذة أو استعانة باللّه وحده - أو ما يعطى معنى ذلك - فالاسترقاء به مشروع‏.‏ ويجاب عن حديث أبي سعيد بأنّ المراد‏:‏ أنّه ترك ما كان يتعوّذ به من الكلام غير القرآن، ويحتمل أن يكون المراد بتبويب البخاريّ بعنوان ‏"‏ الرّقى بالقرآن ‏"‏ بعضَه، فإنّه اسم جنس يصدق على بعضه، والمراد ما كان فيه التجاء إلى اللّه سبحانه، ومن ذلك المعوّذات‏.‏ وقد ثبتت الاستعاذة بكلمات اللّه في عدّة أحاديث كما مضى‏.‏

قال ابن بطّال‏:‏ في المعوّذات جوامع من الدّعاء تعمّ أكثر المكروهات من السّحر والحسد وشرّ الشّيطان ووسوسته وغير ذلك، فلهذا كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يكتفي بها‏.‏

ب - الاستشفاء بالأدعية المناسبة والأذكار المأثورة‏:‏

15 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز الاستشفاء بالأدعية والأذكار المأثورة، لما روي عن عائشة رضي الله عنها «أنّه صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ أهل بيته، يمسح بيده اليمنى، ويقول‏:‏ اللّهمّ ربّ النّاس أذهب البأس واشف أنت الشّافي، لا شفاء إلّا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً» وفي حديث آخر عن عثمان بن أبي العاص «رضي الله عنه أنّه شكا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ضع يدك على الّذي تألّم من جسدك، وقل‏:‏ بسم اللّه ثلاثاً، وقل سبع مرّات‏:‏ أعوذ بعزّة اللّه وقدرته من شرّ ما أجد وأحاذر»‏.‏

ثانياً‏:‏ استمالة الزّوج‏:‏

16 - ما يستخدم لتحبيب الزّوجة أو الزّوج يسمّى ‏"‏ تولة ‏"‏ كما سبق ‏(‏ف - 5‏)‏‏.‏

صرّح الحنفيّة‏:‏ أنّ ذلك حرام لا يحلّ، وعلّل ابن وهبان بأنّه ضرب من السّحر، والسّحر حرام‏.‏ ومقتضاه أنّه ليس مجرّد كتابة آيات، بل فيه شيء زائد، كما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إنّ الرّقى والتّمائم والتّولة شرك»‏.‏

وفي الجامع الصّغير‏:‏ امرأة أرادت أن تضع تعويذا ليحبّها زوجها، أنّ ذلك حرام لا يحلّ‏.‏

وأمّا ما تتحبّب به المرأة إلى زوجها من كلام مباح أو ما تلبسه للزّينة، أو تطعمه من عُقَّارٍ مباح أكله، أو أجزاء حيوان مأكول ممّا يعتقد أنّه سبب إلى محبّة زوجها، لما أودع اللّه تعالى فيها من الخواصّ بتقدير اللّه‏.‏ لا أنّه يفعل بذاته‏.‏

فقال ابن رسلان من الشّافعيّة‏:‏ الظّاهر أنّ هذا جائز، لا أعرف الآن ما يمنعه في الشّرع‏.‏

ثالثاً‏:‏ دفع ضرر العين‏:‏

الكلام هنا في مواضع‏:‏

أ - الإصابة بالعين‏:‏

17 - ذهب جمهور العلماء إلى أنّ الإصابة بالعين ثابتة موجودة، ولها تأثير في النّفوس، وتصيب المال، والآدميّ، والحيوان‏.‏

والأصل في ذلك ما رواه مسلم من حديث ابن عبّاس رضي الله عنه رفعه «العين حقّ، ولو كان شيء سابق القَدَر سبقته العين، وإذا اسْتُغْسِلْتُم فاغسلوا»‏.‏ وما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «العين حقّ‏.‏ ونهى عن الوشم»‏.‏ وأنكر طائفة من الطّبائعيّين وطوائف من المبتدعة العين لغير معنى، وأنّه لا شيء إلا ما تدركه الحواسّ الخمس وما عداها فلا حقيقة له‏.‏

والدّليل على فساد قولهم‏:‏ أنّه أمر ممكن، والشّرع أخبر بوقوعه فلا يجوز ردّه‏.‏

ب - الوقاية من العين‏:‏

ذكر العلماء للوقاية من العين الطّرق الآتية‏:‏

أ - قراءة بعض الأدعية والأذكار من قبل العائن‏:‏

18 - ذهب جمهور العلماء إلى أنّ قراءة بعض الأدعية المأثورة، والآيات القرآنيّة تدفع ضرر العين، كما روى عامر بن ربيعة رضي الله عنه‏:‏ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه شيئاً يعجبه، فليدع بالبركة، فإنّ العين حقّ»، ففيه دليل على أنّ العين لا تضرّ، ولا تعدو إذا برّك العائن، فالمشروع على كلّ من أعجبه شيء أن يبرّك، فإنّه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة، والتّبرّك أن يقول‏:‏ تبارك اللّه أحسن الخالقين، اللّهمّ بارك فيه‏.‏ وقال النّوويّ يستحبّ للعائن أن يدعو لمعيّن بالبركة، فيقال‏:‏ اللّهمّ بارك ولا تضرّه‏.‏ ويقول‏:‏ ما شاء اللّه لا قوّة إلّا باللّه‏.‏

وفي حديث أنس رضي الله عنه رفعه‏:‏ «من رأى شيئاً فأعجبه، فقال‏:‏ ما شاء اللّه، لا قوّة إلا باللّه لم يضرّه»‏.‏

ب - الاسترقاء من العين‏:‏

19 - روى التّرمذيّ من حديث «أسماء بنت عميس رضي الله عنها أنّها قالت‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ إنّ ولد جعفر تسرع إليهم العين، أونسترقي لهم‏؟‏ قال‏:‏ نعم» الحديث‏.‏

وفي رواية عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما أنّه صلى الله عليه وسلم قال لأسماء‏:‏

«ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة‏؟‏ أتصيبهم الحاجة‏؟‏ قالت‏:‏ لا، ولكنّ العين تسرع إليهم، قال ارقيهم، قالت‏:‏ فعرضت عليه، فقال‏:‏ ارقيهم»‏.‏

ج - الاستشفاء من إصابة العين‏:‏

20 - صرّح العلماء بوجوب الاغتسال للاستشفاء من إصابة العين، فيؤمر العائن بالاغتسال، ويجبر إن أبى، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «كان يؤمر العائن فيتوضّأ، ثمّ يغتسل منه المعين»‏.‏ والأمر حقيقة للوجوب، ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ممّا ينتقع به، ولا يضرّه هو، ولا سيّما إذا كان هو الجاني عليه‏.‏

د - المعروف بالإصابة بالعين وما عليه‏:‏

21 - نقل ابن بطّال عن بعض العلماء، أنّه ينبغي إذا عرف واحد بالإصابة بالعين أن يجتنب ويحترز منه، وينبغي للإمام منعه من مداخلة النّاس، ويلزمه بيته، وإن كان فقيراً رزقه ما يكفيه، فضرره أكثر من ضرر آكل الثّوم والبصل الّذي منعه النّبيّ صلى الله عليه وسلم من دخول المسجد لئلا يؤذي النّاس، ومن ضرر المجذوم الّذي منعه عمر رضي الله عنه‏.‏ وقال النّوويّ‏:‏ هذا القول صحيح متعيّن، لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه‏.‏

رابعاً‏:‏ دفع البلاء‏:‏

22 - كان أهل الجاهليّة يعلّقون التّمائم والقلائد، ويظنّون أنّها تقيهم وتصرف عنهم البلاء، فأبطلها الإسلام، ونهاهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عمّا كانوا يصنعونه من ذلك في جاهليّتهم بقوله‏:‏ «من تعلّق تميمة فلا أتمّ اللّه له، ومن علّق ودعة فلا ودع اللّه له» وذلك لأنّه لا يصرفه إلا اللّه عزّ وجلّ، واللّه تعالى هو المعافي والمبتلي‏.‏

أ - تعليق التّعويذات على الإنسان‏:‏

23 - إن كان المعلّق خرزاً أو خيوطاً أو عظاماً أو نحو ذلك فذلك حرام، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من تعلّق شيئاً وكل إليه»‏.‏ ولحديث «أنّه صلى الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقة - أراه قال من صفر - فقال‏:‏ ويحك ما هذه‏؟‏ قال‏:‏ من الواهنة‏.‏ قال أمّا إنّها لا تزيدك إلا وهناً، انبذها عنك فإنّك لو متّ وهي عليك ما أفلحت أبداً»‏.‏

وإن كان المعلّق شيئاً ممّا كتب فيه الرّقى المجهولة والتّعوّذات الممنوعة فذلك حرام أيضاً‏.‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من تعلّق تميمة فلا أتمّ اللّه له، ومن تعلّق ودعة فلا ودع اللّه له»‏.‏ وإن كان المعلّق شيئا كتب فيه شيء ممّا يجوز الاسترقاء به من القرآن أو الأدعية المأثورة، فقد اختلف في جواز ذلك‏:‏

فقالت طائفة‏:‏ يجوز ذلك‏.‏ وهو قول عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهو ظاهر ما روي عن عائشة رضي الله عنها وبه قال أبو جعفر، وأحمد في رواية‏.‏ وحملوا حديث النّهي عن التّمائم على ما فيه شرك ونحوه من الرّقى الممنوعة على ما تقدّم بيانه‏.‏ وقالت طائفة أخرى‏:‏ لا يجوز ذلك، وبه قال ابن مسعود وابن عبّاس، وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن حكيم رضي الله عنهم، وبه قال جمع من التّابعين، منهم أصحاب ابن مسعود‏.‏

قال إبراهيم النّخعيّ‏:‏ كانوا - يعني أصحاب ابن مسعود - يكرهون التّمائم كلّها، من القرآن وغيره‏.‏ وكرهه أحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه، وجزم به المتأخّرون، لعموم النّهي عن التّمائم، ولسدّ الذّريعة، لأنّ تعليقه يفضي إلى تعليق غيره، ولأنّه إذا علّق فلا بدّ أن يمتهنه المعلّق، بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك‏.‏

والّذين ذهبوا من العلماء إلى جواز تعليق التّعويذ اشترطوا ما يلي‏:‏

- 1 - أن يكون في قصبة أو رقعة يخرز فيها‏.‏

- 2 - أن يكون المكتوب قرآنا، أو أدعية مأثورة‏.‏

- 3 - أن يترك حمله عند الجماع أو الغائط‏.‏

- 4 - ألا يكون لدفع البلاء قبل وقوعه، ولا لدفع العين قبل أن يصاب، قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ ما تعلّق بعد نزول البلاء فليس من التّمائم‏.‏

ب - تعليق التّعويذات على الحيوان‏:‏

24 - وأمّا تعليق التّعويذ على الحيوان فلا يخلو إمّا أن يكون الحيوان طاهراً، فيكره لأنّه فعل غير مأثور، ولما فيه من الامتهان وملابسة الأنجاس والأقذار، وهذا بخلاف الصّبيان ونحوهم فلهم من يصونهم ويمنعهم من ذلك‏.‏

وإن كان الحيوان نجساً كالكلب ونحوه فلا إشكال في التّحريم‏.‏

تعليق الجنب والحائض التّعاويذ

25 - ذهب القائلون بجواز تعليق التّعاويذ إلى أنّه لا بأس بتعليق الجنب والحائض التّعاويذ أو بشدّها على العضد إذا كانت ملفوفة، أو خرز عليها أديم‏.‏

رقية الكافر للمسلم وعكسه

أ - رقية الكافر للمسلم‏:‏

26 - اختلف الفقهاء في جواز رقية الكافر للمسلم فذهب الحنفيّة والإمام الشّافعيّ، وهو رواية عن مالك إلى‏:‏ جواز رقية اليهوديّ والنّصرانيّ للمسلم إذا رقى بكتاب اللّه وبذكراللّه‏.‏ لما روي في موطّأ مالك‏:‏ أنّ أبا بكر رضي الله عنه دخل على عائشة رضي الله تعالى عنها وهي تشتكي، ويهوديّة ترقيها، فقال أبو بكر‏:‏ ارقيها بكتاب اللّه‏.‏

قال الباجيّ‏:‏ يحتمل - واللّه أعلم - أن يريد بقوله ‏"‏ بكتاب اللّه ‏"‏ أي ‏"‏ بذكر اللّه عزّ وجلّ ‏"‏ أو رقية موافقة لما في كتاب اللّه، ويعلم صحّة ذلك بأن تظهر رقيتها، فإن كانت موافقة لكتاب اللّه أمر بها‏.‏ وفي رواية أخرى عن مالك أنّه قال‏:‏ أكره رقى أهل الكتاب، ولا أحبّه، لأنّنا لا نعلم هل يرقون بكتاب اللّه، أو بالمكروه الّذي يضاهي السّحر‏.‏

ب - رقية المسلم للكافر‏:‏

27 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز رقية المسلم للكافر‏.‏ واستدلّوا بحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه الّذي سبق ذكره ‏(‏ف - 14‏)‏ ووجه الاستدلال أنّ الحيّ - الّذي نزلوا عليهم فاستضافوهم فأبوا أن يضيّفوهم - كانوا كفّاراً، ولم ينكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك عليه‏.‏

أخذ الأجرة على التّعاويذ والرّقى

28 - ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز أخذ الأجرة على التّعاويذ والرّقى، وإليه ذهب عطاء، وأبو قلابة، وأبو ثور، وإسحاق، واستدلّوا بحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه الّذي سبق ذكره ‏(‏ف - 14‏)‏ واستدلّ الطّحاويّ للجواز وقال‏:‏ يجوز أخذ الأجر على الرّقى، لأنّه ليس على النّاس أن يرقي بعضهم بعضاً، لأنّ في ذلك تبليغاً عن اللّه تعالى‏.‏

وكره الزّهريّ أخذ الأجرة على القرآن مطلقاً، سواء أكان للتّعليم أو للرّقية‏.‏