فصل: فرض الصّلوات الخمس وعدد ركعاتها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


صفّ

التّعريف

1 - الصّفّ في اللّغة‏:‏ السّطر المستقيم من كلّ شيء، والقوم المصطفّون وجعل الشّيء - كالنّاس والأشجار ونحو ذلك - على خطّ مستو، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ‏}‏ وصافّ الجيش عدوّه‏:‏ قاتله صفوفاً، وتصافّ القوم‏:‏ وقفوا صفوفاً متقابلةً‏.‏ ولا يخرج معناه الاصطلاحيّ عن معناه اللّغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالصّفّ

أوّلاً‏:‏ تسوية الصّفّ في صلاة الجماعة

2 - ذهب الجمهور إلى أنّه يستحبّ تسوية الصّفوف في صلاة الجماعة بحيث لا يتقدّم بعض المصلّين على البعض الآخر، ويعتدل القائمون في الصّفّ على سمت واحد مع التّراصّ، وهو تلاصق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم، والكعب بالكعب حتّى لا يكون في الصّفّ خلل ولا فرجة، ويستحبّ للإمام أن يأمر بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «سوّوا صفوفكم فإنّ تسوية الصّفّ من تمام الصّلاة»‏.‏ وفي رواية‏:‏ «فإنّ تسوية الصّفوف من إقامة الصّلاة» وفي رواية‏:‏ «وأقيموا الصّفّ فإنّ إقامة الصّفّ من حسن الصّلاة»‏.‏

ولما رواه أنس رضي الله عنه قال‏:‏ «أقيمت الصّلاة فأقبل علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال‏:‏ أقيموا صفوفكم، وتراصّوا فإنّي أراكم من وراء ظهري»‏.‏

وفي رواية‏:‏ «وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه»‏.‏

وذهب بعض العلماء - منهم ابن حجر وبعض المحدّثين - إلى وجوب تسوية الصّفوف لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لتسوّنّ صفوفكم أو ليخالفنّ اللّه بين وجوهكم» فإنّ ورود هذا الوعيد دليل على وجوب التّسوية، والتّفريط فيها حرام، ولأمره صلى الله عليه وسلم بذلك وأمره للوجوب ما لم يصرفه صارف، ولا صارف هنا‏.‏

قال ابن حجر العسقلانيّ‏:‏ ومع القول بأنّ تسوية الصّفّ واجبة فصلاة من خالف ولم يسوّ صحيحة، ويؤيّد ذلك‏:‏ أنّ أنسًا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصّلاة‏.‏

3 - ومن تسوية الصّفوف إكمال الصّفّ الأوّل فالأوّل، وأن لا يشرع في إنشاء الصّفّ الثّاني إلاّ بعد كمال الأوّل، وهكذا‏.‏ وهذا موضع اتّفاق الفقهاء لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أتمّوا الصّفّ المقدّم ثمّ الّذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصّفّ المؤخّر»‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من وصل صفّاً وصله اللّه ومن قطع صفّاً قطعه اللّه»‏.‏

وعليه فلا يقف في صفّ وأمامه صفّ آخر ناقص أو فيه فرجة، بل يشقّ الصّفوف لسدّ الخلل أو الفرجة الموجودة في الصّفوف الّتي أمامه، للأحاديث السّابقة‏.‏

فإذا حضر مع الإمام رجلان أو أكثر، أو رجل وصبيّ اصطفّا خلفه‏.‏

ولو حضر معه رجلان وامرأة اصطفّ الرّجلان خلفه والمرأة خلفهما، ولو اجتمع الرّجال والنّساء والصّبيان والصّبيّات المراهقات وأرادوا أن يصطفّوا للجماعة وقف الرّجال في صفّ أو صفّين أو صفوف ممّا يلي الإمام، ثمّ الصّبيان بعدهم، وفي وجه عند الشّافعيّة يقف بين كلّ رجلين صبيّ ليتعلّم أفعال الصّلاة‏.‏

ثمّ يقف النّساء ولا فرق عند المالكيّة والشّافعيّة بين الكبيرة والصّبيّة المراهقة‏.‏

أمّا الحنفيّة والحنابلة فيرون أنّ الصّبيّات المراهقات يقفن وراء النّساء الكبيرات‏.‏

ويتقدّم بالنّسبة لهؤلاء جميعاً في الصّفوف الأول الأفضل فالأفضل لما رواه أبو مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ يمسح مناكبنا في الصّلاة ويقول‏:‏ استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلينّي منكم أولو الأحلام والنّهى، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم»‏.‏ ولما رواه عبد الرّحمن بن غنم من حديث أبي مالك الأشعريّ قال‏:‏ «ألا أحدّثكم بصلاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ فأقام الصّلاة وصفّ الرّجال وصفّ خلفهم الغلمان ثمّ صلّى بهم، فذكر صلاته ثمّ قال‏:‏ هكذا صلاة‏.‏ قال عبد الأعلى - راوي الحديث-‏:‏ لا أحسبه إلاّ قال‏:‏ صلاة أمّتي»‏.‏

وإن لم يحضر مع الإمام إلاّ جمع من النّساء صفّهنّ خلفه، وكذا الاثنتان والواحدة‏.‏

ومن أدب الصّفّ أن تسدّ الفرج والخلل، وأن لا يشرع في صفّ حتّى يتمّ الأوّل، وأن يفسح لمن يريد دخول الصّفّ إذا كانت هناك سعة، ويقف الإمام وسط الصّفّ والمصلّون خلفه لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «وسّطوا الإمام وسدّوا الخلل»‏.‏

ومقابل الإمام أفضل من الجوانب، وجهة يمين الإمام أفضل من جهة يساره لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه وملائكته يصلّون على ميامن الصّفوف»‏.‏

فضل الصّفّ الأوّل

4 - اتّفق الفقهاء على أنّ أفضل صفوف الرّجال - سواء كانوا يصلّون وحدهم أو مع غيرهم من الصّبيان والنّساء - هو الصّفّ الأوّل، ثمّ الّذي يليه، ثمّ الأقرب فالأقرب، وكذا أفضل صفوف النّساء إذا لم يكن معهنّ رجال‏.‏

أمّا النّساء مع الرّجال فأفضل صفوفهنّ آخرها، لأنّ ذلك أليق وأستر لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «خير صفوف الرّجال أوّلها وشرّها آخرها، وخير صفوف النّساء آخرها وشرّها أوّلها»‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لو يعلم النّاس ما في النّداء والصّفّ الأوّل ثمّ لم يجدوا إلاّ أن يستهموا عليه لاستهموا»‏.‏

5- قال العلماء‏:‏ من فوائد الحثّ على الصّفّ الأوّل المسارعة إلى خلاص الذّمّة والسّبق لدخول المسجد، والفرار من مشابهة المنافقين، والقرب من الإمام، واستماع قراءته والتّعلّم منه والفتح عليه والتّبليغ عنه ومشاهدة أحواله، والسّلامة من اختراق المارّة بين يديه، وسلامة البال من رؤية من يكون أمامه وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلّين، والتّعرّض لصلاة اللّه وملائكته، ودعاء نبيّه صلى الله عليه وسلم وغير ذلك‏.‏

6- ولكن العلماء اختلفوا في المراد من الصّفّ الأوّل فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الصّفّ الأوّل الممدوح الّذي وردت الأحاديث بفضله هو الصّفّ الّذي يلي الإمام سواء تخلّله منبر أو مقصورة أو أعمدة أو نحوها، وسواء جاء صاحبه مقدّماً أو مؤخّراً لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لو يعلمون ما في الصّفّ المقدّم لكانت قرعة»، ولقوله صلى الله عليه وسلم عندما رأى في أصحابه تأخّراً‏:‏ «تقدّموا فائتمّوا بي وليأتمّ بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخّرون حتّى يؤخّرهم اللّه»‏.‏

وذهب بعض العلماء ومنهم الغزاليّ إلى أنّ الصّفّ الأوّل الفاضل هو أوّل صفّ تامّ يلي الإمام ولا يتخلّله شيء ممّا ذكر، لأنّ ما فيه خلل فهو ناقص‏.‏

قال ابن حجر العسقلانيّ‏:‏ وكأنّ صاحب هذا القول لحظ أنّ المطلق ينصرف إلى الكامل، واستدلّ أصحاب هذا القول بما رواه أصحاب السّنن من حديث عبد الحميد بن محمود قال‏:‏ ‏{‏«صلّينا خلف أمير من الأمراء فاضطرّنا النّاس فصلّينا بين السّاريتين، فلمّا صلّينا قال أنس بن مالك كنّا نتّقي هذا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم»‏.‏

وذهب بعض العلماء الآخرين ومنهم بشر بن الحارث وابن عبد البرّ إلى أنّ المراد بالصّفّ الأوّل هو من سبق إلى مكان الصّلاة وجاء أوّلاً وإن صلّى في آخر الصّفوف، واحتجّوا باتّفاق العلماء على أنّ من جاء أوّل الوقت ولم يدخل في الصّفّ الأوّل أفضل ممّن جاء في آخر الوقت وزاحم إلى الصّفّ الأوّل‏.‏

قال ابن حجر العسقلانيّ - أيضاً -‏:‏ وكأنّ صاحب هذا القول لاحظ المعنى في تفضيل الصّفّ الأوّل دون مراعاة لفظه‏.‏

الفرار من الصّفّ في القتال مع الكفّار

7 - اتّفق العلماء على أنّه يحرم على من لزمه الجهاد - وهو المسلم الذّكر الحرّ المكلّف المستطيع - الانصراف عن الصّفّ عند التقاء صفوف المسلمين والكفّار، وإن غلب على ظنّه أنّه إن ثبت قتل لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ‏}‏ الآية، ولأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم عدّ التّولّي يوم الزّحف من السّبع الموبقات»‏.‏

وذلك بشرط أن لا يزيد عدد الكفّار على مثلي المسلمين، بأن كانوا مثلهم أو أقلّ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ‏}‏، إلاّ أن يكون متحرّفاً لقتال أو متحيّزاً إلى فئة من المسلمين ينضمّ إليهم محارباً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‏}‏‏.‏

فإن زاد عدد الكفّار عن مثلي المسلمين جاز الانصراف عن الصّفّ‏.‏

الصّفّ في صلاة الجنازة

8 - قال الفقهاء‏:‏ يستحبّ تسوية الصّفّ في الصّلاة على الجنازة، لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم نعى النّجاشيّ في اليوم الّذي مات فيه وخرج إلى المصلّى فصفّ بهم وكبّر أربعاً»‏.‏

وورد أنّ أبا بكّار الحكم بن فرّوخ قال‏:‏ صلّى بنا أبو المليح على جنازة فظننّا أنّه قد كبّر فأقبل علينا بوجهه فقال‏:‏ أقيموا صفوفكم ولتحسن شفاعتكم‏.‏

كما يستحبّ أن لا تنقص الصّفوف عن ثلاثة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من صلّى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب» وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ما من ميّت يصلّى عليه أمّة من المسلمين يبلغون مائةً كلّهم يشفعون له إلاّ شفّعوا فيه»‏.‏

فإن كان وراء الإمام أربعة جعلهم صفّين في كلّ صفّ رجلين، وإذا كانوا سبعةً أقاموا ثلاثة صفوف يتقدّم واحد منهم إماماً وثلاثة بعده واثنان بعدهم وواحد بعدهما، لما روي من «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى على جنازة فكانوا سبعةً فجعل الصّفّ الأوّل ثلاثةً والثّاني اثنين والثّالث واحداً»‏.‏ إلاّ أنّ بعض العلماء كره أن يكون الواحد صفّاً، كما كرهوا إذا كانوا ثلاثةً أن يجعلوا ثلاثة صفوف بحيث يكون كلّ صفّ رجلاً واحداً‏.‏

أمّا مسألة صفّ الموتى إذا اجتمعوا فينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏جنائز‏)‏‏.‏

صِفَة

التّعريف

1 - الصّفة لغةً‏:‏ الحلية، قال اللّيث‏:‏ الوصف‏:‏ وصفك الشّيء بحليته ونعته، واتّصف الشّيء‏:‏ أمكن وصفه‏.‏

والصّفة في اصطلاح أهل النّحو‏:‏ هي الاسم الدّالّ على بعض أحوال الذّات، وذلك نحو‏:‏ طويل وقصير وعاقل وأحمق وغيرها،وهي الأمارة اللّازمة لذات الموصوف الّذي يعرف بها‏.‏

والصّفة في اصطلاح الفقهاء‏:‏ أن ينضبط الموصوف على وجه فلا يبقى بعد الوصف إلاّ تفاوت يسير‏.‏

والصّفة عند الأصوليّين‏:‏ تقييد لفظ مشترك المعنى بلفظ آخر مختصّ ليس بشرط ولا غاية، ولا يريدون بها النّعت فقط كالنّحاة، ويشهد لذلك تمثيلهم بمطل الغنيّ ظلم، مع أنّ التّقييد به إنّما هو بالإضافة - فقط - وقد جعلوه صفةً‏.‏

الحكم الإجمالي

2 - تدخل الصّفة في شروط بيع السّلم، وفي البيع على الصّفة، فيثبت بتخلّفها خيار فوات الوصف‏.‏ ومناط الصّفة في الفقه، أن تكون منضبطةً على وجه لا يبقى بعد الوصف إلاّ تفاوت يسير، فإن كان ممّا لا يمكن ويبقى بعد الوصف تفاوت فاحش فلا يجوز العمل فيه، بسبب بقاء العين مجهولة القدر جهالةً فاحشةً مفضيةً إلى المنازعة، وعدمها مطلوب شرعاً، وليس للصّفة مقابل في الثّمن، لكونها تابعةً في العقد تدخل من غير ذكر، وللمشتري الخيار في الرّدّ أو الأخذ بجميع الثّمن‏.‏

وتفصيله في مصطلح ‏(‏سلم، ورباً‏)‏‏.‏ وراجع مصطلح ‏(‏خيار فوات الصّفة 20 /159، وأيضاً ف /10 ص /162‏)‏‏.‏

3 - وفي أصول الفقه‏:‏ يدخل مفهوم الصّفة‏:‏ وهو تعليق الحكم على الذّات بأحد الأوصاف في نحو‏:‏ في سائمة الغنم زكاة، وكتعليق نفقة البينونة على الحمل، وشرط ثمرة النّخل للبائع إذا كانت مؤبّرةً‏.‏

صَفْقَة

التّعريف

1 - الصّفقة‏:‏ المرّة من الصّفق، وهي في اللّغة‏:‏ الضّرب الّذي يسمع له صوت‏.‏

وفي الحديث‏:‏ «التّسبيح للرّجال، والتّصفيق للنّساء»‏.‏

وتطلق الصّفقة في الاصطلاح‏:‏ على عقد البيع، يقال‏:‏ صفّق يده بالبيعة والبيع‏:‏ وعلى يده صفقًا إذا ضرب بيده على يد صاحبه، وذلك عند وجوب البيع، ويقال‏:‏ تصافق القوم إذا تبايعوا‏.‏ وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه‏:‏ «الصّفقتان في صفقة رباً»‏.‏ أي بيعتان في بيعة الأحكام المتعلّقة بالصّفقة‏:‏

2 - الجمع بين شيئين في صفقة ضربان‏:‏

أ - أن يجمع بينهما في عقد واحد‏.‏

ب - أن يجمعهما في عقدين مختلفي الحكم‏.‏

فالأوّل‏:‏ إن جمع في الصّفقة بين ما يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع، كأن جمع بين أختين أو خمس نسوة في عقد نكاح بطل العقد في الجميع، لتحريم الجمع بين الأختين، وبين الخمس، فالإبطال في واحدة، والتّصحيح في غيرها ليس بأولى من العكس، وإن لم يكن كذلك، فإن جمع في الصّفقة بين شيئين‏:‏ كلّ واحد منهما قابل للعقد، بأن يجمع عينين له قابلتين للبيع في صفقة واحدة صحّ العقد فيهما، ثمّ إن كانا من جنسين‏:‏ كشاة وثوب، أو كانا من جنس لكنّهما مختلفا القيمة وزّع الثّمن عليهما باعتبار القيمة‏.‏

وإن كانا من جنس واحد‏:‏ كشاتين متّفقتي القيمة وزّع عليهما باعتبار الأجزاء‏.‏

وإن جمع في الصّفقة شيئين غير قابلين للعقد‏:‏ كخمر، وميتة فالعقد باطل، وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء‏.‏

اشتمال الصّفقة على ما يجوز بيعه وما لا يجوز

3 - إذا اشتملت الصّفقة على ما يجوز العقد عليه، وما لا يجوز، فإن كان لما لا يجوز فيه العقد قيمة، كأن يبيع داره ودار غيره صحّ العقد في داره بالقسط من المسمّى، إذا وزّع على قيمتيهما، وبطل في دار غيره إعطاءً لكلّ منهما حكمه، ولأنّ الصّفقة اشتملت على صحيح وفاسد، فالعدل التّصحيح في الصّحيح، وقصر الفساد على الفاسد، وهذا محلّ اتّفاق بين جمهور الفقهاء، وهو قول للمالكيّة والمذهب عندهم بطلان الصّفقة كلّها‏.‏

أمّا إذا لم يكن له قيمة، بأن اشتملت على خلّ وخمر، أو ميتة ومذكّاة، فقد اختلف فيها‏:‏ فذهب الحنفيّة إلى أنّه يبطل فيهما إن لم يسمّ لكلّ واحد منهما ثمناً باتّفاق أئمّتهم‏.‏

أمّا إذا سمّى لكلّ واحد منهما ثمناً فقد ذهب أبو حنيفة إلى أنّ البيع يبطل فيهما، لأنّ الميتة والخمر ليسا بمال، والبيع صفقة واحدة، فكان القبول في الميتة، والخمر كالمشروط للبيع فيهما، وهو شرط فاسد مفسد للعقد‏.‏

وقال الصّاحبان‏:‏ يصحّ العقد إن سمّي لكلّ واحد منهما قسط من الثّمن، وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ تفرّق الصّفقة فيهما فيصحّ في الحلال ويبطل في الحرام‏.‏

والتّفصيل في ‏(‏تفريق، وبيع‏)‏‏.‏

وإن اشتملت الصّفقة على عقدين مختلفي الحكم‏:‏ كبيع وإجارة، أو بيع وسلم، أو بيع ونكاح، صحّ كلّ منهما، لصحّته منفرداً فلا يضرّ الجمع، ولا أثر لاختلاف الحكم في ذلك، كما لا أثر له في بيع مشفوع، وغير مشفوع‏.‏

وصورة الإجارة، والبيع أن يقول‏:‏ بعتك هذا الثّوب، وآجرتك داري سنةً بكذا‏.‏ وصورة النّكاح والبيع، أن يقول‏:‏ زوّجتك بنتي، وبعتك دارها، وهي في حجره، أو رشيدة وكّلته في بيع دارها فيصحّ النّكاح والبيع، ويوزّع المسمّى على قيمة المبيع، ومهر المثل‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏تفريق، ونكاح، وصداق‏)‏‏.‏

صَفِيّ

التّعريف

1 - الصّفيّ‏:‏ من الصّفو، والصّفاء نقيض الكدر، وهو الخالص من كلّ شيء، واستصفى الشّيء واصطفاه‏:‏ اختاره‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ الصّفيّ من الغنيمة‏:‏ ما اختاره الرّئيس من المغنم واصطفاه لنفسه قبل القسمة‏:‏ من فرس، أو سيف، أو غيره، وهو الصّفيّة - أيضاً - وجمعه صفايا‏.‏

ومنه قول عبد اللّه بن عنمة يخاطب بسطام بن قيس‏:‏

لك المرباع فيها والصّفايا وحكمك والنّشيطة والفضول

ومنه حديث عائشة - رضي الله عنها - «كانت صفيّة من الصّفيّ تعني صفيّة بنت حييّ كانت من غنيمة خيبر»‏.‏

ولا يخرج التّعريف الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

فالصّفيّ‏:‏ شيء يختار من المغنم قبل القسمة‏:‏كالجارية والعبد والثّوب والسّيف أو غير ذلك‏.‏

الحكم الإجمالي

2 - ذهب الجمهور إلى أنّ الصّفيّ كان لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم خاصّةً، وليس للّذين من بعده، ولا يعلم مخالف لهذا، إلاّ أبو ثور فإنّه قال‏:‏ إن كان الصّفيّ ثابتاً للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فللإمام أن يأخذه على نحو ما كان يأخذه النّبيّ صلى الله عليه وسلم ويجعله مجعل سهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم من خمس الخمس‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ لا أعلم أحداً سبق أبا ثور إلى هذا القول‏.‏

وقد روى أبو داود بإسناده‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كتب إلى بني زهير بن أقيش‏:‏ إنّكم إن شهدتم أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه، وأقمتم الصّلاة، وآتيتم الزّكاة، وأدّيتم الخمس من المغنم، وسهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم الصّفيّ أنتم آمنون بأمان اللّه ورسوله»‏.‏

ومن حديث عائشة - رضي الله عنها - أنّها قالت‏:‏ «كانت صفيّة من الصّفيّ»‏.‏

3 - وأمّا انقطاعه بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم فثابت بإجماع الأمّة - قبل أبي ثور وبعده - وكون أبي بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم لم يأخذوه، ولا ذكره أحد منهم، ولا يجمعون على ترك سنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

صَقْر

انظر‏:‏ أطعمة، صيد‏.‏

صَكَّ

التّعريف

1 - الصّكّ في اللّغة‏:‏ الضّرب الشّديد بالشّيء العريض، يقال‏:‏ صكّه صكّاً‏:‏ إذا ضربه في قفاه ووجهه بيده مبسوطةً‏.‏ وقيل‏:‏ الضّرب عامّةً بأيّ شيء كان‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو الكتاب الّذي يكتب فيه المعاملات، والأقارير ووقائع الدّعوى‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - السّجلّ‏:‏

2 - السّجلّ‏:‏ هو في اللّغة‏:‏ الكتاب، وفي الاصطلاح‏:‏ هو ما تضمّن حكم القاضي‏.‏

ب - المحضر‏:‏

3 - المحضر‏:‏ هو ما يكتب فيه ما جرى بين الخصمين من إقرار، وإنكار وإقامة بيّنة، ونكول عن يمين وغير ذلك من وقائع الدّعوى، على وجه يرفع الاشتباه بلا حكم‏.‏

ج - الدّيوان‏:‏

4 - الدّيوان‏:‏ هو مجمع الصّحف، وهو الخرائط الّتي يحفظ فيها السّجلّات والمحاضر، وغيرها، ويطلق على الكتاب الّذي يكتب فيه أسماء أفراد الجيش وأصحاب العطيّة‏.‏

د - الوثيقة‏:‏

5 - الوثيقة‏:‏ هي في اللّغة‏:‏ الإحكام في الأمر والأخذ بالثّقة‏.‏

وفي الاصطلاح هي‏:‏ ما يشمل الصّكّ، والمحضر، والسّجلّ، والرّهن، وكلّ ما يتوثّق به الإنسان في حقّه‏.‏

الأحكام المتعلّقة بكتابة الصّكوك والسّجلّات

6 - صرّح الشّافعيّة‏:‏ أنّ كتابة الصّكوك، والسّجلّات من فروض الكفاية، في كلّ تصرّف ماليّ، وغيره‏:‏ كطلاق وإقرار، وغير ذلك، وذلك للحاجة إليه لتمهيد إثبات الحقوق عند التّنازع، ولما لها من أثر ظاهر في التّذكّر للوقائع، وفيها حفظ الحقوق عن الضّياع‏.‏

وجوب كتابة الصّكوك والسّجلّات على القاضي

7 - قال الشّافعيّة‏:‏ لا يجب على القاضي عيناً كتب الصّكوك، والسّجلّات، إذ يجب عليه إيصال الحقّ إلى أهله، وهذا يحصل بالشّهود لا بالصّكوك وكتابة السّجلّات، ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الأئمّة كانوا يحكمون، ولا يكتبون المحاضر والسّجلّات، ولكنّه إن سأل أحد الخصمين كتابة الصّكّ، أو السّجلّ ليحتجّ به عند الحاجة يستحبّ للقاضي إجابته إن أحضر قرطاساً أو كان هناك قرطاس معدّ لذلك من بيت المال‏.‏ وهذا رأي الحنفيّة والمالكيّة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يجب على القاضي كتابة الصّكّ والسّجلّ إذا طلب منه من له مصلحة في كتابته وأتى بكاغد، أو كان في بيت المال كاغد معدّ لذلك، لأنّه وثيقة للطّالب، فلزمه كتابته، كعامل الزّكاة، إذا طلب المزكّي منه كتابة صكّ منه، لئلاّ يطالبه عامل آخر، وكمعشّر تجارة أهل حرب أو ذمّة في دار الإسلام، طلبوا منه كتابة صكّ بأداء العشر، ليكون ذلك لهم براءة ذمّة إذا مرّ بهم معشّر آخر‏.‏

أخذ الأجرة بالكتابة

8 - ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز أخذ الأجرة على كتب الصّكوك، وجميع الوثائق، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ‏}‏‏.‏ وقالوا‏:‏ إنّ من استبيح عمله، وكدّ خاطره كلّما احتاج إنسان إلى ذلك، فإنّ ذلك يضرّ به، ويستغرق مدّة حياته من غير عوض، وفي ذلك غاية الضّرر، فإن لم يكن أجرة الكاتب من بيت المال، فليس للقاضي منع الفقهاء من كتابة العقود، والحجج، وما يتعلّق بأمور الشّرع فيما أباحه اللّه ورسوله، إذا كان الكاتب فقيهاً عالماً بأمور الشّرع، وشروط انعقاد العقود‏.‏

وإذا منع القاضي ذلك لتصير إليه هذه الأمور كان هذا من المكس‏.‏

وإذا كان القاضي يريد منع من لا يصلح لذلك، لئلاّ يعقد عقداً فاسداً فالطّريق إلى ذلك أن يفعل كما كان يفعل الخلفاء الرّاشدون، وهو تعزير من عقد عقداً فاسداً‏.‏ وينبغي أن يسمّي الأجرة، ويعيّن العمل، فإن اتّفقا على شيء، وجاء العمل على ما اتّفق عليه فهي إجارة صحيحة، ويجوز للكاتب أن يأخذ ما اتُّفق عليه‏.‏ من قليل أو كثير، ما لم يكن المكتوب له مضطرّاً إلى قبول ما يطلبه الكاتب، لعدم وجود غيره في الموضع، أو قصر الكتابة عليه، ففي هذه الحالة، على الكاتب ألاّ يرفع الأجرة على النّاس فوق ما يستحقّه، لما علم من ضرورتهم إليه، فإن فعل ذلك فهي جرحة في حقّه، لأنّه قد تعيّن عليه القيام بذلك‏.‏

هذا إذا لم يكن للكاتب رزق في بيت المال، أو لم يكن شيء في بيت المال، وإلاّ فرزقه في بيت المال، لأنّ الكتابة من المصالح العامّة‏.‏

ثمن أوراق الصّكّ والسّجلّ

9 - ثمن أوراق الصّكّ والسّجلّ من بيت المال، لأنّ ذلك من المصالح العامّة، فإن لم يكن في بيت المال شيء، أو احتيج لما هو أهمّ من ذلك فالثّمن على من سأل الكتابة من أصحاب الشّأن كمدّع، ومدّعىً عليه، إن شاء كتابة ما جرى في خصومته، وإن لم يشأ لم يجبر عليه، ولكن يعلمه القاضي أنّه إذا لم يكتب فقد ينسى شهادة الشّهود، والحكم‏.‏

استناد القاضي إلى الخطّ في حكمه

10 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا يجوز للقاضي الاستناد في حكمه إلى خطّ الصّكّ، أو السّجلّ المجرّد، فإذا وجد ورقةً فيها حكمه وطلب منه إمضاؤه، أو تنفيذه، فإن تذّكّره أمضاه، ونفّذه، فإن لم يتذكّر الواقعة، مفصّلةً فلا يعمل به، حتّى يتذكّر الوقائع مفصّلةً‏.‏ ولا يكفيه معرفته أنّ هذا خطّه - فقط - حتّى يتذكّر الواقعة‏.‏ وإن كان السّجلّ في حفظه وتحت يده، لاحتمال التّزوير، ومشابهة الخطّ للخطّ، ولأنّ قضاءه‏:‏ فعله، والرّجوع إلى العلم هو الأصل في فعل الإنسان، لهذا يأخذ عند الشّكّ في عدد الرّكعات بالعلم‏.‏

وقال أبو يوسف، ومحمّد من الحنفيّة، وأحمد في رواية - وهو وجه عند الشّافعيّة - إن كان السّجلّ تحت يده في خريطة والخريطة مختومة بختمه، إلاّ أنّه لا يتذكّر الواقعة عمل به‏.‏

شهادة الشّهود على السّجلّ على أنّه حكمه

11 - إن شهد شاهدان عدلان على أنّ هذا الصّكّ من عمله والسّجلّ حكمه، وإن لم يتذكّر هو الواقعة فقد اختلف الفقهاء فيه‏:‏ فذهب الشّافعيّة وأبو حنيفة إلى‏:‏ أنّ الشّهادة لم تؤثّر، فلا يعتمد عليها حتّى يتذكّر،لأنّ حكمه فعله، والرّجوع إلى العلم هو الأصل في فعل الإنسان‏.‏ وقال المالكيّة والحنابلة، وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة‏:‏ إن شهد عنده شاهدان عدلان أنّ هذا حكمه، قبل شهادتهما، وأمضاه معتمداً على شهادتهما لقدرته على إمضائه، ولأنّهما إذا شهدا عنده بحكم غيره قبلهما، فأولى إن شهدا بحكمه‏.‏

الشّهادة على مضمون الصّكّ، والسّجلّ

12 - لا تجوز شهادة الشّاهد على مضمون صكّ استناداً على خطّه، ما لم يتذكّر الواقعة كالقاضي، وإن كان الصّكّ في حفظه وتحت يده، ويأتي - هنا أيضاً - الخلاف في ما سبق في صكّ القاضي‏.‏

العمل بالصّكّ وحده

13 - استثنى الحنفيّة من عدم جواز الاستناد لثبوت الحقوق على الصّكّ المجرّد‏:‏ ما جرى العرف بقبوله بمجرّد كتابته، كالبراءات السّلطانيّة لأصحاب الوظائف ونحوها كمنشور القاضي، والوالي، وعامّة الأوامر السّلطانيّة، ودفاتر البيّاعين، والسّماسرة، والصّرّافين، وصكوك الوقف الّتي تقادم عليها الزّمن، وذلك لجريان العرف والعادة بقبول كتب البيّاعين والصّرّافين، والسّماسرة وأوامر السّلطان بمجرّد كتابته، وندرة إمكان التّزوير على السّلطان، وتعذّر إقامة بيّنة على صكوك الأوقاف إذا تقادم عليها الزّمن، ولضرورة إحياء الأوقاف‏.‏

كتابة الصّكوك والسّجلّات

14 - صرّح الحنفيّة‏:‏ أنّ الصّكّ لا يكون معتبراً إلاّ إذا كانت الكتابة مستبينةً مرسومةً معنونةً، فإن لم تكن مستبينةً كالكتابة على الهواء والرّقم على الماء فلا يعتبر‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏كتاب‏)‏‏.‏

صَكَّاء

انظر‏:‏ أضحيّة‏.‏

صَلاَح

التّعريف

1 - الصّلاح‏:‏ ضدّ الفساد، ورجل صالح في نفسه من قوم صلحاء ومصلح في أعماله وأموره، وقد أصلحه اللّه، وأصلح الشّيء بعد فساده‏:‏ أقامه‏.‏

الحكم الإجمالي

أ - صلاح الإنسان‏:‏

2 - قال ابن عابدين‏:‏ الصّالح ما كان مستوراً ولم يكن مهتوكاً، ولا صاحب ريبة، وكان مستقيم الطّريقة، سليم النّاحية، قليل الشّرّ، ليس معروفاً بالكذب‏.‏

وقال البهوتيّ‏:‏ الصّلاح في الدّين هو أداء الفرائض بسننها الرّاتبة واجتناب المحرّم فلا يرتكب كبيرةً ولا يدمن على صغيرة‏.‏

ب - بدوّ صلاح الثّمار‏:‏

3 - وهو ظهور مبادئ النّضج والحلاوة فيما لا يتلوّن، وفي غيره بأن يأخذ في الحمرة أو السّواد‏.‏ وأمّا في نحو القثّاء فهو أن يجنى غالباً للأكل، وفي الزّرع اشتداده بأن يتهيّأ لما هو المقصود منه وفي الورد انفتاحه‏.‏

مواطن البحث

4 - يدخل مصطلح صلاح في أمور كثيرة منها في الشّهادة، وقبول شهادة الشّاهد الّتي من شروطها العدالة، والصّلاح من صفاتها، وفي الوقف والوصيّة حيث يتمّ التّقييد بصلاح الرّجل‏.‏

ويدخل في بيع الثّمار قبل بدوّ صلاحها ‏(‏ر‏:‏ بيع الثّمار‏:‏ الموسوعة الفقهيّة 9 /21‏)‏‏.‏

وفي زكاة الثّمار والزّروع وخرصها إذا بدا صلاحها‏.‏

‏(‏ر‏:‏ خرص الثّمار‏:‏ الموسوعة الفقهيّة ج /19، ص /99، ف /3‏)‏‏.‏

ووقت وجوب الزّكاة في الحبّ والثّمر‏.‏

‏(‏ر‏:‏ وقت وجوب الزّكاة في الحبّ والثّمر‏:‏ الموسوعة الفقهيّة ج /23، ص / 283، ف / 106‏)‏‏.‏

وللتّفصيل يرجع إلى كلّ موضوع من المواضيع السّالفة في مصطلحه‏.‏

صَلاَة

التّعريف

1 - الصّلاة أصلها في اللّغة‏:‏ الدّعاء، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَصَلِّ عَلَيْهِمْ‏}‏ أي ادع لهم‏.‏

وفي الحديث قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم «إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائماً فليصلّ، وإن كان مفطراً فليطعم» أي ليدع لأرباب الطّعام‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ قال الجمهور‏:‏ هي أقوال وأفعال مفتتحة بالتّكبير مختتمة بالتّسليم مع النّيّة بشرائط مخصوصة‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ هي اسم لهذه الأفعال المعلومة من القيام والرّكوع والسّجود‏.‏

مكانة الصّلاة في الإسلام

2 - للصّلاة مكانة عظيمة في الإسلام‏.‏ فهي آكد الفروض بعد الشّهادتين وأفضلها، وأحد أركان الإسلام الخمسة‏.‏ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «بني الإسلام على خمس‏:‏ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والحجّ، وصوم رمضان» وقد نسب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تاركها إلى الكفر فقال‏:‏ «إنّ بين الرّجل وبين الشّرك والكفر ترك الصّلاة» وعن عبد اللّه شقيق العقيليّ قال‏:‏ كان أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصّلاة‏.‏

فالصّلاة عمود الدّين الّذي لا يقوم إلاّ به، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل اللّه» وهي أوّل ما يحاسب العبد عليه‏.‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أوّل ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصّلاة، فإن صلحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر»، كما أنّها آخر وصيّة وصَّى بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمّته عند مفارقته الدّنيا فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الصّلاة وما ملكت أيمانكم»

وهي آخر ما يفقد من الدّين، فإن ضاعت ضاع الدّين كلّه‏.‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لتنقضنّ عرى الإسلام عروةً عروةً، فكلّما انتقضت عروة تشبّث النّاس بالّتي تليها‏.‏ فأوّلهنّ نقضاً الحكم، وآخرهنّ الصّلاة»‏.‏

كما أنّها العبادة الوحيدة الّتي لا تنفكّ عن المكلّف، وتبقى ملازمةً له طول حياته لا تسقط عنه بحال‏.‏

وقد ورد في فضلها والحثّ على إقامتها، والمحافظة عليها، ومراعاة حدودها آيات وأحاديث كثيرة مشهورة‏.‏

فرض الصّلوات الخمس وعدد ركعاتها

3 - أصل وجوب الصّلاة كان في مكّة في أوّل الإسلام، لوجود الآيات المكّيّة الّتي نزلت في بداية الرّسالة تحثّ عليها‏.‏

وأمّا الصّلوات الخمس بالصّورة المعهودة فإنّها فرضت ليلة الإسراء والمعراج على خلاف بينهم في تحديد زمنه‏.‏

4 - وقد ثبتت فرضيّة الصّلوات الخمس بالكتاب والسّنّة والإجماع‏:‏

أمّا الكتاب فقوله تعالى في غير موضع من القرآن‏.‏ ‏{‏وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتاً‏}‏ أي فرضاً مؤقّتاً‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى‏}‏ ومطلق اسم الصّلاة ينصرف إلى الصّلوات المعهودة، وهي الّتي تؤدّى في كلّ يوم وليلة‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ‏}‏ يجمع الصّلوات الخمس، لأنّ صلاة الفجر تؤدّى في أحد طرفي النّهار، وصلاة الظّهر والعصر يؤدّيان في الطّرف الآخر، إذ النّهار قسمان غداة وعشيّ، والغداة اسم لأوّل النّهار إلى وقت الزّوال، وما بعده العشيّ، فدخل في طرفي النّهار ثلاث صلوات ودخل في قوله‏:‏ ‏{‏وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ‏}‏ المغرب والعشاء، لأنّهما يؤدّيان في زلف من اللّيل وهي ساعاته‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا‏}‏ قيل‏:‏ دلوك الشّمس زوالها وغسق اللّيل أوّل ظلمته، فيدخل فيه صلاة الظّهر والعصر، وقوله‏:‏ ‏{‏وَقُرْآنَ الْفَجْرِ‏}‏ أي وأقم قرآن الفجر وهو صلاة الفجر‏.‏

فثبتت فرضيّة ثلاث صلوات بهذه الآية وفرضيّة صلاتي المغرب والعشاء ثبتت بدليل آخر‏.‏

وقيل‏:‏ دلوك الشّمس غروبها فيدخل فيها صلاة المغرب والعشاء، وفرضيّة الظّهر والعصر ثبتت بدليل آخر‏.‏

وأمّا السّنّة فما روي عن «رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال عام حجّة الوداع‏:‏ اعبدوا ربّكم، وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وحجّوا بيتكم، وأدّوا زكاة أموالكم طيّبةً بها أنفسكم تدخلوا جنّة ربّكم»‏.‏

وقد انعقد إجماع الأمّة على فرضيّة هذه الصّلوات الخمس وتكفير منكرها‏.‏

حكم تارك الصّلاة

5 - لتارك الصّلاة حالتان‏:‏ إمّا أن يتركها جحوداً لفرضيّتها، أو تهاوناً وكسلاً لا جحوداً‏.‏ فأمّا الحالة الأولى‏:‏ فقد أجمع العلماء على أنّ تارك الصّلاة جحوداً لفرضيّتها كافر مرتدّ يستتاب، فإن تاب وإلاّ قتل كفراً كجاحد كلّ معلوم من الدّين بالضّرورة، ومثل ذلك ما لو جحد ركناً أو شرطاً مجمعاً عليه‏.‏

واستثنى الشّافعيّة والحنابلة من ذلك من أنكرها جاهلاً لقرب عهده بالإسلام أو نحوه فليس مرتدّاً، بل يعرف الوجوب، فإن عاد بعد ذلك صار مرتدّاً‏.‏

وأمّا الحالة الثّانية‏:‏ فقد اختلف الفقهاء فيها - وهي‏:‏ ترك الصّلاة تهاوناً وكسلاً لا جحوداً- فذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه يقتل حدّاً أي أنّ حكمه بعد الموت حكم المسلم فيغسّل، ويصلّى عليه، ويدفن مع المسلمين، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه ويقيموا الصّلاة ويؤتوا الزّكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّ الإسلام وحسابهم على اللّه» ولأنّه تعالى أمر بقتل المشركين ثمّ قال‏:‏ ‏{‏فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ‏}‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «خمس صلوات كتبهنّ اللّه على العباد فمن جاء بهنّ لم يضيّع منهنّ شيئاً استخفافاً بحقّهنّ كان له عند اللّه عهد أن يدخله الجنّة، ومن لم يأت بهنّ فليس له عند اللّه عهد إن شاء عذّبه وإن شاء أدخله الجنّة» فلو كفر لم يدخل تحت المشيئة‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّ تارك الصّلاة تكاسلاً عمداً فاسق لا يقتل بل يعزّر ويحبس حتّى يموت أو يتوب‏.‏

وذهب الحنابلة‏:‏ إلى أنّ تارك الصّلاة تكاسلاً يدعى إلى فعلها ويقال له‏:‏ إن صلّيت وإلاّ قتلناك، فإن صلّى وإلاّ وجب قتله ولا يقتل حتّى يحبس ثلاثاً ويدعى في وقت كلّ صلاة، فإن صلّى وإلاّ قتل حدّاً، وقيل كفراً، أي لا يغسّل ولا يصلّى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين‏.‏ لكن لا يرقّ ولا يسبى له أهل ولا ولد كسائر المرتدّين‏.‏ لما روى جابر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «إنّ بين الرّجل وبين الشّرك والكفر ترك الصّلاة» وروى بريدة «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من تركها فقد كفر» وروى عبادة مرفوعاً «من ترك الصّلاة متعمّداً فقد خرج من الملّة» وكلّ شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء‏.‏

ولأنّه يدخل بفعلها في الإسلام، فيخرج بتركها منه كالشّهادتين‏.‏

وقال عمر رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏ لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة ‏"‏، وكذا عندهم لو ترك ركناً أو شرطاً مجمعاً عليه كالطّهارة والرّكوع والسّجود، ولا يقتل بترك صلاة فائتة‏.‏

كما اختلف القائلون بالقتل في محلّه‏.‏

فمحلّه عند المالكيّة هو بقاء ركعة بسجدتيها من الوقت الضّروريّ إن كان عليه فرض واحد فقط‏.‏ قال مالك‏:‏ إن قال‏:‏ أصلّي ولم يفعل قتل بقدر ركعة قبل طلوع الشّمس للصّبح، وغروبها للعصر، وطلوع الفجر للعشاء، فلو كان عليه فرضان مشتركان أخّر لخمس ركعات في الظّهرين، ولأربع في العشاءين‏.‏

وهذا في الحضر، أمّا في السّفر فيؤخّر لثلاث في الظّهرين وأربع في العشاءين‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ محلّ القتل هو إخراجها عن وقتها الضّروريّ فيما له وقت ضرورة - بأن يجمع مع الثّانية في وقتها - فلا يقتل بترك الظّهر حتّى تغرب الشّمس، ولا بترك المغرب حتّى يطلع الفجر، ويقتل في الصّبح بطلوع الشّمس، وفي العصر بغروبها، وفي العشاء بطلوع الفجر، فيطالب بأدائها إذا ضاق الوقت ويتوعّد بالقتل إن أخّرها عن الوقت، فإن أخّر وخرج الوقت استوجب القتل، وصرّحوا بأنّه يقتل بعد الاستتابة، لأنّه ليس أسوأ حالاً من المرتدّ‏.‏

والاستتابة تكون في الحال، لأنّ تأخيرها يفوّت صلوات، وقيل‏:‏ يمهل ثلاثة أيّام‏.‏ والقولان في النّدب، وقيل في الوجوب‏.‏

شروط الصّلاة

تقسيمات الشّروط عند الفقهاء

6 - قسّم الحنفيّة، والمالكيّة، والشّافعيّة شروط الصّلاة إلى‏:‏ شروط وجوب، وشروط صحّة، وزاد المالكيّة قسماً ثالثاً هو‏:‏ شروط وجوب وصحّة معاً‏.‏

شروط وجوب الصّلاة

أ - الإسلام‏:‏

7 - تجب الصّلاة على كلّ مسلم ذكر أو أنثى‏.‏ ولا تجب على الكافر الأصليّ، لأنّها لو وجبت عليه حال كفره لوجب عليه قضاؤها، لأنّ وجوب الأداء يقتضي وجوب القضاء، واللّازم منتف، ويترتّب على هذا أنّا لا نأمر الكافر بالصّلاة في كفره ولا بقضائها إذا أسلم، لأنّه أسلم خلق كثير في عهد النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده فلم يؤمر أحد بقضاء الصّلاة، ولما فيه من التّنفير عن الإسلام، ولقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ‏}‏ قال الشّيخ العدويّ‏:‏ هذا بناءً على أنّ الكفّار غير مكلّفين‏.‏ وعلى القول بتكليفهم وهو المعتمد فهو شرط صحّة‏.‏

وقد صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ الصّلاة لا تجب على الكافر الأصليّ وجوب مطالبة بها في الدّنيا، لعدم صحّتها منه، لكن يعاقب على تركها في الآخرة زيادةً على كفره، لتمكّنه من فعلها بالإسلام‏.‏

واختلف الفقهاء في وجوب الصّلاة على المرتدّ‏.‏

فذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏:‏ - إلى أنّ الصّلاة لا تجب على المرتدّ فلا يقضي ما فاته إذا رجع إلى الإسلام، لأنّه بالرّدّة يصير كالكافر الأصليّ‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى وجوب الصّلاة على المرتدّ على معنى أنّه يجب عليه قضاء ما فاته زمن الرّدّة بعد رجوعه إلى الإسلام تغليظاً عليه، ولأنّه التزمها بالإسلام فلا تسقط عنه بالجحود كحقّ الآدميّ‏.‏

ب - العقل‏:‏

8 - يشترط لوجوب الصّلاة على المرء أن يكون عاقلاً، فلا تجب على المجنون باتّفاق الفقهاء‏.‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «رفع القلم عن ثلاث‏:‏ عن النّائم حتّى يستيقظ، وعن المبتلى وفي رواية‏:‏ المعتوه حتّى يبرأ، وعن الصّبيّ حتّى يكبر»‏.‏

واختلفوا فيمن تغطّى عقله أو ستر بمرض أو إغماء أو دواء مباح‏.‏

فذهب الحنفيّة‏:‏ إلى التّفريق بين أن يكون زوال العقل بآفة سماويّة، أو بصنع العبد‏.‏

فإن كان بآفة سماويّة كأن جنّ أو أغمي عليه ولو بفزع من سبع أو آدميّ نظر، فإن كانت فترة الإغماء يوماً وليلةً فإنّه يجب عليه قضاء الخمس، وإن زادت عن ذلك فلا قضاء عليه للحرج، ولو أفاق في زمن السّادسة إلاّ أن تكون إفاقته في وقت معلوم فيجب عليه قضاء ما فات إن كان أقلّ من يوم وليلة مثل أن يخفّ عنه المرض عند الصّبح مثلاً فيفيق قليلاً ثمّ يعاوده فيغمى عليه، فتعتبر هذه الإفاقة، ويبطل ما قبلها من حكم الإغماء إذا كان أقلّ من يوم وليلة، وإن لم يكن لإفاقته وقت معلوم لكنّه يفيق بغتةً فيتكلّم بكلام الأصحّاء ثمّ يغمى عليه فلا عبرة بهذه الإفاقة‏.‏

وإن كان زوال العقل بصنع الآدميّ كما لو زال عقله ببنج أو خمر أو دواء لزمه قضاء ما فاته وإن طالت المدّة، وقال محمّد‏:‏ يسقط القضاء بالبنج والدّواء، لأنّه مباح فصار كالمريض‏.‏

وقال ابن عابدين‏:‏ إنّ المراد شرب البنج لأجل الدّواء، أمّا لو شربه للسّكر فيكون معصيةً بصنعه كالخمر‏.‏ ومثل ذلك النّوم فإنّه لا يسقط القضاء، لأنّه لا يمتدّ يوماً وليلةً غالباً، فلا حرج في القضاء‏.‏

وذهب المالكيّة‏:‏ إلى سقوط وجوب الصّلاة على من زال عقله بجنون أو إغماء ونحوه، إلاّ إذا زال العذر وقد بقي من الوقت الضّروريّ ما يسع ركعةً بعد تقدير تحصيل الطّهارة المائيّة أو التّرابيّة، فإذا كان الباقي لا يسع ركعةً سقطت عنه الصّلاة‏.‏

ويستثنى من ذلك من زال عقله بسكر حرام فإنّه تجب عليه الصّلاة مطلقاً، وكذا النّائم والسّاهي تجب عليهما الصّلاة، فمتى تنبّه السّاهي أو استيقظ النّائم وجبت عليهما الصّلاة على كلّ حال سواء أكان الباقي يسع ركعةً مع فعل ما يحتاج إليه من الطّهر أم لا، بل ولو خرج الوقت ولم يبق منه شيء‏.‏

وعند الشّافعيّة‏:‏ لا تجب الصّلاة على من زال عقله بالجنون أو الإغماء أو العته أو السّكر بلا تعدّ في الجميع، لحديث عائشة‏:‏ «رفع القلم عن ثلاث‏:‏ عن النّائم حتّى يستيقظ، وعن المعتوه حتّى يبرأ، وعن الصّبيّ حتّى يكبر»‏.‏

فورد النّصّ في المجنون، وقيس عليه من زال عقله بسبب يعذر فيه، وسواء قلّ زمن ذلك أو طال‏.‏ إلاّ إذا زالت هذه الأسباب وقد بقي من الوقت الضّروريّ قدر زمن تكبيرة فأكثر، لأنّ القدر الّذي يتعلّق به الإيجاب يستوي فيه الرّكعة وما دونها، ولا تلزمه بإدراك دون تكبيرة‏.‏ وهذا بخلاف السّكر أو الجنون أو الإغماء المتعدِّى به إذا أفاق فإنّه يجب عليه قضاء ما فاته من الصّلوات زمن ذلك لتعدّيه‏.‏

قالوا‏:‏ وأمّا النّاسي للصّلاة أو النّائم عنها والجاهل لوجوبها فلا يجب عليهم الأداء، لعدم تكليفهم، ويجب عليهم القضاء، لحديث‏:‏ «من نسي صلاةً أو نام عنها فكفّارتها أن يصلّيها إذا ذكرها» ويقاس على النّاسي والنّائم‏:‏ الجاهل إذا كان قريب عهد بالإسلام‏.‏

وقصر الحنابلة عدم وجوب الصّلاة على المجنون الّذي لا يفيق، لحديث عائشة - رضي الله عنها - مرفوعاً‏:‏ «رفع القلم عن ثلاث‏:‏ عن النّائم حتّى يستيقظ، وعن المعتوه حتّى يفيق، وعن الصّبيّ حتّى يكبر» ولأنّه ليس من أهل التّكليف أشبه الطّفل، ومثله الأبله الّذي لا يفيق‏.‏

وأمّا من تغطّى عقله بمرض أو إغماء أو دواء مباح فيجب عليه الصّلوات الخمس، لأنّ ذلك لا يسقط الصّوم، فكذا الصّلاة، ولأنّ عمّاراً - رضي الله عنه - ‏"‏ غشي عليه ثلاثاً، ثمّ أفاق فقال‏:‏ هل صلّيت‏؟‏ فقالوا‏:‏ ما صلّيت منذ ثلاث، ثمّ توضّأ وصلّى تلك الثّلاث ‏"‏، وعن عمران بن حصين وسمرة بن جندب نحوه، ولم يعرف لهم مخالف، فكان كالإجماع، ولأنّ مدّة الإغماء لا تطول - غالباً - ولا تثبت عليه الولاية، وكذا من تغطّى عقله بمحرّم - كمسكر - فيقضي، لأنّ سكره معصية فلا يناسب إسقاط الواجب عنه‏.‏

وكذا تجب الصّلوات الخمس على النّائم‏:‏ بمعنى يجب عليه قضاؤها إذا استيقظ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من نسي صلاةً أو نام عنها فكفّارتها أن يصلّيها إذا ذكرها» ولو لم تجب عليه حال نومه لم يجب عليه قضاؤها كالمجنون، ومثله السّاهي‏.‏

ج - البلوغ‏:‏

9 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ البلوغ شرط من شروط وجوب الصّلاة، فلا تجب الصّلاة على الصّبيّ حتّى يبلغ، للخبر الآتي، ولأنّها عبادة بدنيّة، فلم تلزمه كالحجّ، لكن على وليّه أن يأمره بالصّلاة إذا بلغ سبع سنوات، ويضربه على تركها إذا بلغ عشر سنوات، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «مروا أولادكم بالصّلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع»‏.‏

وقد حمل جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - الأمر في الحديث على الوجوب، وحمله المالكيّة على النّدب‏.‏

وقد صرّح الحنفيّة بأنّ الضّرب يكون باليد لا بغيرها كالعصا والسّوط، وأن لا يجاوز الثّلاث، «لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمرداس المعلّم‏:‏ إيّاك أن تضرب فوق ثلاث، فإنّك إذا ضربت فوق الثّلاث اقتصّ اللّه منك»‏.‏

ويفهم من كلام المالكيّة جوازه بغير اليد، قال الشّيخ الدّسوقيّ‏:‏ ولا يحدّ بعدد كثلاثة أسواط بل يختلف باختلاف حال الصّبيان‏.‏

ومحلّ الضّرب عند المالكيّة إن ظنّ إفادته، قالوا‏:‏ الضّرب يكون مؤلماً غير مبرّح إن ظنّ إفادته وإلاّ فلا‏.‏

وقد ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ وجوب الأمر بها يكون بعد استكمال السّبع والأمر بالضّرب يكون بعد العشر بأن يكون الأمر في أوّل الثّامنة وبالضّرب في أوّل الحادية عشرة‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ يكون الأمر عند الدّخول في السّبع والضّرب عند الدّخول في العشر‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يضرب في أثناء العشر، ولو عقب استكمال التّسع‏.‏

قال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ وصحّحه الإسنويّ، وجزم به ابن المقري، وينبغي اعتماده، لأنّ ذلك مظنّة البلوغ‏.‏ وأمّا الأمر بها فلا يكون إلاّ بعد تمام السّبع‏.‏

شروط صحّة الصّلاة

أ - الطّهارة الحقيقيّة‏:‏

10 - وهي طهارة البدن والثّوب والمكان عن النّجاسة الحقيقيّة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ‏}‏ وإذا وجب تطهير الثّوب فتطهير البدن أولى، ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏

«تنزّهوا من البول، فإنّ عامّة عذاب القبر منه» وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصّلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدّم وصلّي» فثبت الأمر باجتناب النّجاسة، والأمر بالشّيء نهي عن ضدّه، والنّهي في العبادات يقتضي الفساد‏.‏

وأمّا طهارة مكان الصّلاة فلقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ‏}‏ فهي تدلّ بدلالة النّصّ على وجوب طهارة المكان كما استدلّ بها على وجوب طهارة البدن كما سبق‏.‏

ولما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أنّه نهى عن الصّلاة في المزبلة والمجزرة ومعاطن الإبل وقوارع الطّريق والحمّام والمقبرة‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ»‏.‏

ومعنى النّهي عن الصّلاة في المزبلة والمجزرة كونهما موضع النّجاسة‏.‏

ب - الطّهارة الحكميّة‏:‏

11 - وهي طهارة أعضاء الوضوء عن الحدث، وطهارة جميع الأعضاء عن الجنابة، لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ‏}‏‏.‏ وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تقبل صلاة بغير طهور» وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «مفتاح الصّلاة الطّهور، وتحريمها التّكبير، وتحليلها التّسليم»، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «تحت كلّ شعرة جنابة فاغسلوا الشّعر وأنقوا البشرة» والإنقاء هو التّطهير‏.‏

وتفصيل ذلك في المصطلحات‏:‏ ‏(‏طهارة، ووضوء، وغسل‏)‏‏.‏

ج - ستر العورة‏:‏

12 - لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏ قال ابن عبّاس - رضي الله عنهما -‏:‏ المراد به الثّياب في الصّلاة‏.‏

ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يقبل اللّه صلاة حائض إلاّ بخمار»، ولأنّ ستر العورة حال القيام بين يدي اللّه تعالى من باب التّعظيم‏.‏

د - استقبال القبلة‏:‏

13 - لقوله تعالى‏:‏‏{‏فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ‏}‏ وقال ابن عمر - رضي الله عنهما - «بينما النّاس بقباء في صلاة الصّبح، إذ جاءهم آت فقال‏:‏ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه اللّيلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها‏.‏ وكان وجوههم إلى الشّام فاستداروا إلى الكعبة»‏.‏

وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏استقبال‏)‏‏.‏

هـ – العلم بدخول الوقت‏:‏

14 – لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا‏}‏ ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أمّني جبريل عند البيت مرّتين، فصلّى الظّهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشّراك، ثمّ صلّى العصر حين كان كلّ شيء مثل ظلّه، ثمّ صلّى المغرب حين وجبت الشّمس وأفطر الصّائم، ثمّ صلّى العشاء حين غاب الشّفق، ثمّ صلّى الفجر، حين برق الفجر وحرم الطّعام على الصّائم‏.‏ وصلّى المرّة الثّانية الظّهر حين كان ظلّ كلّ شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثمّ صلّى العصر حين كان ظلّ كلّ شيء مثليه، ثمّ صلّى المغرب لوقته الأوّل، ثمّ صلّى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث اللّيل، ثمّ صلّى الصّبح حين أسفرت الأرض، ثمّ التفت إليّ جبريل وقال‏:‏ يا محمّد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين»‏.‏

وقد اتّفق الفقهاء على أنّه يكفي في العلم بدخول الوقت غلبة الظّنّ‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏أوقات الصّلاة‏)‏‏.‏

تقسيم أقوال وأفعال الصّلاة

15 - قسّم الحنفيّة والحنابلة أقوال الصّلاة وأفعالها إلى أركان، وواجبات، وسنن‏.‏ فالأركان هي الّتي لا تصحّ الصّلاة بدونها بلا عذر، وتركها يوجب البطلان سواء كان عمداً أو سهواً‏.‏

والواجبات عند الحنفيّة هي ما لا تفسد الصّلاة بتركه، وتعاد وجوباً إن تركه عمداً بلا عذر، أو سهواً ولم يسجد للسّهو‏.‏

فترك الواجب عمداً يوجب الإعادة، وسهواً يوجب سجود السّهو، وإن لم يعدها يكن آثماً فاسقاً، ويستحقّ تارك الواجب العقاب بتركه ولكن لا يكفر جاحده‏.‏

ومذهب الحنابلة كمذهب الحنفيّة في حالة ترك الواجب سهواً، حيث إنّ تركه سهواً أو جهلاً يوجب سجود السّهو عندهم، ويخالفونهم في حالة التّرك عمداً حيث إنّ ترك الواجب عمداً يوجب بطلان الصّلاة عندهم‏.‏

والسّنن، وهي الّتي لا يوجب تركها البطلان ولو عمداً قال الحنفيّة‏:‏ السّنّة‏:‏ هي الّتي لا يوجب تركها فساداً ولا سجوداً للسّهو، بل يوجب تركها عمداً إساءةً، وأمّا إن كان غير عامد فلا إساءة أيضاً، وتندب إعادة الصّلاة‏.‏

والإساءة هنا أفحش من الكراهة، وصرّحوا بأنّه لو ترك السّنّة استخفافًا فإنّه يكفر‏.‏ ويأثم لو ترك السّنّة بلا عذر على سبيل الإصرار، وقال محمّد‏:‏ في المصرّين على ترك السّنّة القتال، وأبو يوسف بالتّأديب، وعند الحنابلة يباح السّجود للسّهو عند ترك السّنّة سهواً من غير وجوب ولا استحباب‏.‏

وزاد الحنفيّة قسماً رابعاً هو الآداب، وهو في الصّلاة‏:‏ ما فعله الرّسول صلى الله عليه وسلم مرّةً أو مرّتين ولم يواظب عليه كالزّيادة على الثّلاث في تسبيحات الرّكوع والسّجود‏.‏ كما قسّم الحنابلة السّنن إلى ضربين‏:‏ سنن أقوال، وسنن أفعال وتسمّى هيئات‏.‏

وقسّم المالكيّة والشّافعيّة أقوال وأفعال الصّلاة إلى أركان وسنن من حيث الجملة‏.‏

وزاد المالكيّة الفضائل ‏(‏المندوبات‏)‏‏.‏

والسّنن عند الشّافعيّة على ضربين‏:‏ أبعاض‏:‏ وهي السّنن المجبورة بسجود السّهو، سواء تركها عمداً أو سهواً، سمّيت أبعاضاً لتأكّد شأنها بالجبر تشبيهاً بالبعض حقيقةً‏.‏

وهيئات‏:‏ وهي السّنن الّتي لا تجبر بسجود السّهو‏.‏

أركان الصّلاة عند الفقهاء

ذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ أركان الصّلاة هي‏:‏

أ - النّيّة‏:‏

16 - النّيّة وهي العزم على فعل العبادة تقرّباً إلى اللّه تعالى، فلا تصحّ الصّلاة بدونها بحال، والأصل فيها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}‏‏.‏

وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّما الأعمال بالنّيّات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى»‏.‏

وقد انعقد الإجماع على اعتبارها في الصّلاة‏.‏ ولا بدّ في النّيّة من تعيين الفرضيّة ونوعيّة الصّلاة، هل هي ظهر أم عصر‏؟‏ وتفصيل الكلام عن النّيّة في مصطلح ‏(‏نيّة‏)‏‏.‏

ب - تكبيرة الإحرام‏:‏

17 - ودليل فرضيّتها حديث عائشة‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يستفتح الصّلاة بالتّكبير» وحديث المسيء صلاته «إذا قمت إلى الصّلاة فكبّر»‏.‏

وحديث عليّ - رضي الله عنه - يرفعه قال‏:‏ «مفتاح الصّلاة الطّهور، وتحريمها التّكبير، وتحليلها التّسليم»‏.‏

وقد سبق تفصيل الكلام على تكبيرة الإحرام في مصطلح ‏(‏تكبيرة الإحرام 13 /217‏)‏‏.‏

ج - القيام للقادر في الفرض‏:‏

18 - لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ‏}‏ ولخبر البخاريّ عن عمران بن حصين «كانت بي بواسير، فسألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الصّلاة‏؟‏ فقال‏:‏ صلّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب»‏.‏

وقد أجمعت الأمّة على ذلك، وهو معلوم من الدّين بالضّرورة‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ من أركان الصّلاة القيام في فرض القادر عليه ولو بمعين بأجرة فاضلة عن مؤنته ومؤنة من يعوله يومه وليلته‏.‏

ويقسّم المالكيّة ركن القيام إلى ركنين‏:‏ القيام لتكبيرة الإحرام، والقيام لقراءة الفاتحة‏.‏ قالوا‏:‏ والمراد بالقيام القيام استقلالاً، فلا يجزئ إيقاع تكبيرة الإحرام في الفرض للقادر على القيام جالساً أو منحنياً، ولا قائماً مستنداً لعماد، بحيث لو أزيل العماد لسقط‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ شرطه نصب فقاره للقادر على ذلك، فإن وقف منحنياً أو مائلاً بحيث لا يسمّى قائماً لم يصحّ، والانحناء السّالب للاسم‏:‏ أن يصير إلى الرّكوع أقرب‏.‏

قالوا‏:‏ لو استند إلى شيء كجدار أجزأه مع الكراهة‏.‏ وكذا لو تحامل عليه بحيث لو رفع ما استند إليه لسقط، لوجود اسم القيام، وإن كان بحيث يرفع قدميه إن شاء وهو مستند لم يصحّ، لأنّه لا يسمّى قائماً بل معلّقاً نفسه‏.‏ ولو أمكنه القيام متّكئاً على شيء أو القيام على ركبتيه لزمه ذلك لأنّه ميسوره‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ حدّ القيام ما لم يصر راكعاً، وركنه الانتصاب بقدر تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة في الرّكعة الأولى، وفيما بعدها بقدر قراءة الفاتحة فقط‏.‏

وركن القيام خاصّ بالفرض من الصّلوات دون النّوافل، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏

«من صلّى قائماً فهو أفضل، ومن صلّى قاعداً فله نصف أجر القائم»‏.‏

وقد سبق في مصطلح تطوّع ‏(‏ف /16، 12 / 157‏)‏ وأمّا بقيّة تفصيلات القيام في الصّلاة فتأتي في مصطلح ‏(‏قيام‏)‏‏.‏

د - قراءة الفاتحة‏:‏

19 - وهي ركن في كلّ ركعة من كلّ صلاة فرضاً أو نفلاً جهريّةً كانت أو سرّيّةً‏.‏

لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وفي رواية «لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرّجل فيها بفاتحة الكتاب»، «ولفعله صلى الله عليه وسلم»، ولخبر البخاريّ‏:‏ «صلّوا كما رأيتموني أصلّي»‏.‏

وقراءة الفاتحة فرض في صلاة الإمام والفذّ دون المأموم عند المالكيّة، والحنابلة‏.‏

وقال الشّافعيّة بفرضيّتها في الجميع‏.‏ تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏قراءة‏)‏‏.‏

هـ – الرّكوع‏:‏

20 – وقد انعقد الإجماع على ركنيّته، وسنده قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا‏}‏‏.‏ وحديث المسيء صلاته، وهو ما رواه أبو هريرة‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلّى ثمّ جاء فسلّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فردّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليه السّلام ثمّ قال‏:‏ ارجع فصلّ، فإنّك لم تصلّ‏.‏ فعل ذلك ثلاثاً‏.‏ ثمّ قال‏:‏ والّذي بعثك بالحقّ فما أحسن غيره، فعلّمني‏.‏ فقال‏:‏ إذا قمت إلى الصّلاة فكبّر، ثمّ اقرأ ما تيسّر معك من القرآن‏.‏ ثمّ اركع حتّى تطمئنّ راكعاً، ثمّ ارفع حتّى تعتدل قائماً، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجداً، ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالساً، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجداً، ثمّ افعل ذلك في صلاتك كلّها»‏.‏ فدلّ على أنّ الأفعال المسمّاة في الحديث لا تسقط بحال، فإنّها لو سقطت لسقطت عن الأعرابيّ لجهله بها‏.‏

وتفصيل مباحث الرّكوع في مصطلح‏:‏ ‏(‏ركوع‏)‏‏.‏

و - الاعتدال‏:‏

21 - هو القيام مع الطّمأنينة بعد الرّفع من الرّكوع، وهو ركن في الفرض والنّافلة، «لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته ثمّ ارفع حتّى تعتدل قائماً»، ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم داوم عليه‏.‏ لقول أبي حميد في «صفة صلاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ فإذا رفع رأسه استوى حتّى يعود كلّ فقار مكانه» ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلّوا كما رأيتموني أصلّي»‏.‏

ويدخل في ركن الاعتدال الرّفع منه لاستلزامه له، وفرّق المالكيّة وبعض الحنابلة بينهما فعدّوا كلّاً منهما ركناً‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ وتبطل الصّلاة بتعمّد ترك الرّفع من الرّكوع، وأمّا إن تركه سهواً فيرجع محدودباً حتّى يصل لحالة الرّكوع ثمّ يرفع، ويسجد بعد السّلام إلاّ المأموم فلا يسجد لحمل الإمام لسهوه، فإن لم يرجع محدودباً ورجع قائماً لم تبطل صلاته مراعاةً لقول ابن حبيب‏:‏ إنّ تارك الرّفع من الرّكوع سهواً يرجع قائماً لا محدودباً كتارك الرّكوع‏.‏

ثمّ إنّ أكثر المالكيّة على نفي ركنيّة الاعتدال، وأنّه سنّة‏.‏ قالوا‏:‏ فيسجد لتركه سهواً، وتبطل الصّلاة بتركه عمداً قطعاً، لأنّه سنّة شهرت فرضيّتها‏.‏

قال الدّسوقيّ‏:‏ قال شيخنا أبو الحسن العدويّ - هذا هو الرّاجح كما يستفاد من كلام الحطّاب، وحدّ الاعتدال عند المالكيّة‏:‏ أن لا يكون منحنياً، وعند الحنابلة‏:‏ ما لم يصر راكعاً، قالوا‏:‏ والكمال منه الاستقامة حتّى يعود كلّ عضو إلى محلّه، وعلى هذا فلا يضرّ بقاؤه منحنياً يسيراً حال اعتداله واطمئنانه، لأنّ هذه الهيئة لا تخرجه عن كونه قائماً، وسبق حدّه عند الشّافعيّة في ركن القيام‏.‏

وقد صرّح الفقهاء بأنّه لا بدّ من الطّمأنينة في الاعتدال‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ الطّمأنينة في الاعتدال‏:‏ أن تستقرّ أعضاؤه على ما كان قبل ركوعه، بحيث ينفصل ارتفاعه عن عوده إلى ما كان عليه‏.‏

وصرّح الشّافعيّة بأنّه يجب أن لا يقصد غير الاعتدال، فلو رفع فزعاً من شيء كحيّة لم يحسب رفعه اعتدالاً لوجود الصّارف، فالواجب أن لا يقصد برفعه شيئاً آخر‏.‏

ز - السّجود‏:‏

22 - من أركان الصّلاة السّجود في كلّ ركعة مرّتين‏.‏ وقد انعقد الإجماع على ذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا‏}‏ ولحديث المسيء صلاته «ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجداً»، وحدّ المالكيّة السّجود بأنّه مسّ الأرض، أو ما اتّصل بها من ثابت بالجبهة، فلا يجزئ السّجود على نحو السّرير المعلّق، ويتحقّق السّجود عندهم بوضع أيسر جزء من الجبهة بالأرض أو ما اتّصل بها، ويشترط استقرارها على ما يسجد عليه، فلا يصحّ على تبن أو قطن‏.‏ وأمّا وضع الأنف فهو مستحبّ، لكن تعاد الصّلاة لتركه عمداً أو سهواً في الظّهرين للاصفرار، وفي غيرهما للطّلوع مراعاةً للقول بوجوبه‏.‏ ووضع بقيّة الأعضاء - اليدين والرّكبتين والقدمين - فهو سنّة‏.‏ قال الدّسوقيّ‏.‏ قال في التّوضيح‏:‏ وكون السّجود عليها سنّةً ليس بصريح في المذهب‏.‏ غايته أنّ ابن القصّار قال‏:‏ الّذي يقوى في نفسي أنّه سنّة في المذهب‏.‏ وقيل‏:‏ إنّ السّجود عليها واجب، وصرّحوا بعدم اشتراط ارتفاع العجيزة عن الرّأس بل يندب ذلك‏.‏

وذهب الشّافعيّة‏:‏ إلى أنّ أقلّ السّجود يتحقّق بمباشرة بعض جبهته مكشوفة مصلّاه، لحديث خبّاب بن الأرتّ قال‏:‏ «شكونا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شدّة الرّمضاء في جباهنا وأكفّنا فلم يشكنا» أي لم يزل شكوانا‏.‏

ووجه الدّلالة من الحديث‏:‏ أنّه لو لم يجب كشف الجبهة لأرشدهم إلى سترها، وإنّما اعتبر كشفها دون بقيّة الأعضاء لسهولته فيها دون البقيّة، ولحصول مقصود السّجود وهو غاية التّواضع بكشفها‏.‏ ويجب - أيضاً - وضع جزء من الرّكبتين، ومن باطن الكفّين، ومن باطن القدمين على مصلّاه لخبر الصّحيحين‏:‏ «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم‏:‏ على الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - واليدين، والرّكبتين، وأطراف القدمين»‏.‏

ولا يجب كشف هذه الأعضاء، بل يكره كشف الرّكبتين، لأنّه قد يفضي إلى كشف العورة‏.‏ وقيل‏:‏ يجب كشف باطن الكفّين‏.‏

ثمّ إنّ محلّ وجوب الوضع إذا لم يتعذّر وضع شيء منها، وإلاّ فيسقط الفرض، فلو قطعت يده من الزّند لم يجب وضعه، لفوت محلّ الفرض‏.‏

ويجب - أيضاً - أن ينال محلّ سجوده ثقل رأسه، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا سجدت فأمكن جبهتك» قالوا‏:‏ ومعنى الثّقل أن يتحامل بحيث لو فرض تحته قطن أو حشيش لانكبس وظهر أثره في يده لو فرضت تحت ذلك، ولا يشترط التّحامل في غير الجبهة من الأعضاء‏.‏

ويجب كذلك أن لا يهوي لغير السّجود، فلو سقط لوجهه من الاعتدال وجب العود إلى الاعتدال ليهوي منه، لانتفاء الهويّ في السّقوط‏.‏ وإن سقط من الهويّ لم يلزمه العود بل يحسب ذلك سجوداً‏.‏

ويجب أيضاً أن ترتفع أسافله - عجيزته وما حولها - على أعاليه لخبر «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» فلا يكتفي برفع أعاليه على أسافله ولا بتساويهما، لعدم اسم السّجود كما لو أكبّ ومدّ رجليه، إلاّ إن كان به علّة لا يمكنه السّجود إلاّ كذلك فيصحّ، فإن أمكنه السّجود على وسادة بتنكيس لزمه، لحصول هيئة السّجود بذلك، ولا يلزمه بلا تنكيس‏.‏ وإذا صلّى في سفينة مثلاً ولم يتمكّن من ارتفاع ذلك لميلانها صلّى على حاله ولزمه الإعادة، لأنّ هذا عذر نادر‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ السّجود على الأعضاء السّبعة‏:‏ الجبهة مع الأنف، واليدين، والرّكبتين، والقدمين، ركن مع القدرة، لحديث ابن عبّاس مرفوعاً «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - واليدين، والرّكبتين، وأطراف القدمين» ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب‏:‏ وجهه، وكفّاه، وركبتاه، وقدماه»‏.‏

ثمّ إنّه يجزئ بعض كلّ عضو في السّجود عليه، لأنّه لم يقيّد في الحديث الكلّ، ولو كان سجوده على ظهر كفّ، وظهر قدم، وأطراف أصابع يدين، ولا يجزئه إن كان بعضها فوق بعض كوضع جبهته على يديه، لأنّه يفضي إلى تداخل أعضاء السّجود‏.‏

ومتى عجز المصلّي عن السّجود بجبهته سقط عنه لزوم باقي الأعضاء، لأنّ الجبهة هي الأصل في السّجود، وغيرها تبع لها، فإذا سقط الأصل سقط التّبع، ودليل التّبعيّة، ما روى ابن عمر - رضي الله عنهما - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما» وباقي الأعضاء مثلهما في ذلك لعدم الفارق، وأمّا إن قدر على السّجود بالجبهة فإنّه يتبعها الباقي من الأعضاء، وصرّحوا بأنّه لا يجزئ السّجود مع عدم استعلاء الأسافل إن خرج عن صفة السّجود، لأنّه لا يعدّ ساجداً، وأمّا الاستعلاء اليسير فلا بأس به - بأن علا موضع رأسه على موضع قدميه بلا حاجة يسيراً - ويكره الكثير‏.‏

ح - الجلوس بين السّجدتين‏:‏

23 - من أركان الصّلاة الجلوس بين السّجدتين، سواء أكان في صلاة الفرض أم النّفل، «لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته‏:‏ ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالساً» ولحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السّجدة لم يسجد حتّى يستوي جالساً»‏.‏

وزاد المالكيّة والحنابلة قبل هذا الرّكن ركناً آخر وهو الرّفع من السّجود‏.‏

وما سبق من نفي أكثر المالكيّة الاعتدال من الرّكوع يجري أيضاً في الاعتدال من السّجود‏.‏

وقد صرّح المالكيّة بصحّة صلاة من لم يرفع يديه عن الأرض حال الجلوس بين السّجدتين‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يجب أن لا يقصد برفعه غير الجلوس، كما في الرّكوع‏.‏ فلو رفع فزعاً من شيء لم يكف، ويجب أن يعود إلى السّجود‏.‏

وهذا هو مذهب الحنابلة أيضاً، قالوا‏:‏ ويشترط في نحو ركوع وسجود ورفع منهما‏:‏ أن لا يقصد غيره، فلو ركع أو سجد، أو رفع خوفاً من شيء لم يجزئه، كما لا يشترط أن يقصده، اكتفاءً بنيّة الصّلاة المستصحب حكمها‏.‏

قال الشّيخ الرّحيبانيّ‏:‏ بل لا بدّ من قصد ذلك وجوباً‏.‏

ط - الجلوس للتّشهّد الأخير‏:‏

24 - وهو ركن عند الشّافعيّة والحنابلة، لمداومة الرّسول صلى الله عليه وسلم عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» ولأنّ التّشهّد فرض والجلوس له محلّه فيتبعه‏.‏

وذهب المالكيّة‏:‏ إلى أنّ الرّكن هو الجلوس للسّلام فقط‏.‏ فالجزء الأخير من الجلوس الّذي يوقع فيه السّلام فرض، وما قبله سنّة، وعليه فلو رفع رأسه من السّجود واعتدل جالساً وسلّم كان ذلك الجلوس هو الواجب، وفاتته السّنّة، ولو جلس ثمّ تشهّد، ثمّ سلّم كان آتياً بالفرض والسّنّة، ولو جلس وتشهّد ثمّ استقلّ قائماً وسلّم كان آتياً بالسّنّة تاركاً للفرض‏.‏

ى - التّشهّد الأخير‏:‏

25 - ويقول بركنيّته الشّافعيّة والحنابلة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا قعد أحدكم في الصّلاة فليقل‏:‏ التّحيّات للّه‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال‏:‏ «كنّا نقول في الصّلاة قبل أن يفرض التّشهّد‏:‏ السّلام على اللّه السّلام على جبريل وميكائيل‏.‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تقولوا هذا‏.‏ فإنّ اللّه هو السّلام، ولكن قولوا‏:‏ التّحيّات للّه‏.‏‏.‏‏.‏» الحديث، وقال عمر - رضي الله عنه - لا تجزئ صلاة إلاّ بتشهّد‏.‏

وأقلّ التّشهّد عند الشّافعيّة‏:‏ التّحيّات للّه‏.‏ سلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة اللّه وبركاته‏.‏ سلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه‏.‏ وهو أقلّه عند الحنابلة - أيضاً - بدون لفظ‏:‏ ‏"‏ وبركاته ‏"‏‏.‏ مع التّخيير بين ‏"‏ وأنّ محمّداً رسول اللّه ‏"‏ ‏"‏ وأنّ محمّداً عبده ورسوله ‏"‏ لاتّفاق الرّوايات على ذلك‏.‏

والتّشهّد الأخير عند المالكيّة سنّة وليس بركن‏.‏

ك - الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد التّشهّد الأخير‏:‏

26 - هي ركن عند الشّافعيّة والحنابلة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً‏}‏، ولحديث‏:‏ «قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك‏؟‏ فقال‏:‏ قولوا‏:‏ اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللّهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد»‏.‏

وقد «صلّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم على نفسه في الوتر»‏.‏ وقال‏:‏ «صلّوا كما رأيتموني أصلّي»‏.‏

وأقلّ الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اللّهمّ صلّ على محمّد ‏"‏‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ ونحوه كصلّى اللّه على محمّد أو على رسوله أو على النّبيّ أو عليه، وصرّحوا بأنّه لا بدّ من أن تكون الصّلاة على النّبيّ بعد التّشهّد، فلو صلّى على النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبل التّشهّد لم تجزئه‏.‏

وبعض الحنابلة يعدّ الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ركناً مستقلّاً، وبعضهم يجعلها من جملة التّشهّد الأخير‏.‏

ل - السّلام‏:‏

27 - اتّفق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على ركنيّته، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «تحريمها التّكبير، وتحليلها التّسليم» وقالت عائشة - رضي الله عنها -‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يختم الصّلاة بالتّسليم»‏.‏

ولفظه المجزئ عند المالكيّة والشّافعيّة ‏"‏ السّلام عليكم ‏"‏‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ فلا يجزئ سلام اللّه، أو سلامي، أو سلام عليكم، ولا بدّ - أيضاً - من تأخّر ‏"‏ عليكم ‏"‏ وأن يكون بالعربيّة‏.‏

وأجاز الشّافعيّة تقدّم ‏"‏ عليكم ‏"‏ فيجزئ عندهم ‏"‏ عليكم السّلام ‏"‏ مع الكراهة‏.‏

قالوا‏:‏ ولا يجزئ السّلام عليهم، ولا تبطل به الصّلاة، لأنّه دعاء للغائب، ولا عليك ولا عليكما، ولا سلامي عليكم، ولا سلام اللّه عليكم‏.‏ فإن تعمّد ذلك مع علمه بالتّحريم بطلت صلاته، ولا تجزئ - أيضاً - سلام عليكم‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ صيغته المجزئة‏:‏ السّلام عليكم ورحمة اللّه فإن لم يقل ‏"‏ ورحمة اللّه ‏"‏ في غير صلاة الجنازة لم يجزئه، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقوله‏.‏ وقال‏:‏ «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» وهو سلام في صلاة ورد مقروناً بالرّحمة فلم يجزئه بدونها كالسّلام في التّشهّد‏.‏ فإن نكّر السّلام، كقوله‏:‏ سلام عليكم، أو عرّفه بغير اللّام، كسلامي، أو سلام اللّه عليكم، أو نكّسه فقال عليكم سلام أو عليكم السّلام، أو قال‏:‏ السّلام عليك لم يجزئه لمخالفته لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» ومن تعمّد ذلك بطلت صلاته، لأنّه يغيّر السّلام الوارد، ويخلّ بحرف يقتضي الاستغراق‏.‏

والواجب تسليمة واحدة عند المالكيّة والشّافعيّة، وقال الحنابلة‏:‏ بوجوب التّسليمتين‏.‏ واستحبّ الشّافعيّة والحنابلة أن ينوي بالسّلام الخروج من الصّلاة، فلا تجب نيّة الخروج من الصّلاة، قياساً على سائر العبادات، ولأنّ النّيّة السّابقة منسحبة على جميع الصّلاة‏.‏ واختلف المالكيّة في اشتراط نيّة الخروج على قولين‏:‏

الأوّل‏:‏ أنّه يشترط أن يجدّد نيّة الخروج من الصّلاة بالسّلام لأجل أن يتميّز عن جنسه كافتقار تكبيرة الإحرام إليها لتميّزها عن غيرها، فلو سلّم من غير تجديد نيّة لم يجزه، قال سند‏:‏ وهو ظاهر المذهب‏.‏

الثّاني‏:‏ لا يشترط ذلك وإنّما يندب فقط، لانسحاب النّيّة الأولى‏.‏ قال ابن الفاكهانيّ‏:‏ هو المشهور، وكلام ابن عرفة يفيد أنّه المعتمد‏.‏

م - الطّمأنينة‏:‏

28 - هي‏:‏ استقرار الأعضاء زمناً ما‏.‏ قال الشّافعيّة‏:‏ أقلّها أن تستقرّ الأعضاء‏.‏

وعند الحنابلة وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ حصول السّكون وإن قلّ‏.‏ وهو الصّحيح في المذهب‏.‏

والثّاني‏:‏ بقدر الذّكر الواجب‏.‏

وفائدة الوجهين‏:‏ إذا نسي التّسبيح في ركوعه أو سجوده، أو التّحميد في اعتداله، أو سؤال المغفرة في جلوسه، أو عجز عنه لعجمة أو خرس، أو تعمّد تركه وقلنا هو سنّة واطمأنّ قدراً لا يتّسع له، فصلاته صحيحة على الوجه الأوّل، ولا تصحّ على الثّاني‏.‏

وهي ركن عند الشّافعيّة والحنابلة، وصحّح ابن الحاجب من المالكيّة فرضيّتها‏.‏

والمشهور من مذهب المالكيّة أنّها سنّة، ولذا قال زرّوق‏:‏ من ترك الطّمأنينة أعاد في الوقت على المشهور‏.‏ وقيل‏:‏ إنّها فضيلة‏.‏

ودليل ركنيّة الطّمأنينة حديث المسيء صلاته المتقدّم‏.‏ وحديث حذيفة‏:‏ «أنّه رأى رجلاً لا يتمّ الرّكوع ولا السّجود فقال له‏:‏ ما صلّيت، ولو متّ متّ على غير الفطرة الّتي فطر اللّه عليها محمّداً صلى الله عليه وسلم» وهي ركن في جميع الأركان‏.‏

ن - ترتيب الأركان‏:‏

29 - لمّا ثبت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلّيها مرتّبةً، مع قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» وعلّمها للمسيء صلاته مرتّبةً ‏"‏ بثمّ ‏"‏ ولأنّها عبادة تبطل بالحدث كان التّرتيب فيها ركناً كغيره‏.‏ والتّرتيب واجب في الفرائض في أنفسها فقط‏.‏ وأمّا ترتيب السّنن في أنفسها، أو مع الفرائض فليس بواجب‏.‏

أركان الصّلاة عند الحنفيّة

أركان الصّلاة عند الحنفيّة ستّة‏:‏

أ - القيام‏:‏

30 - وهو ركن في فرض للقادر عليه، ويشمل التّامّ منه وهو‏:‏ الانتصاب مع الاعتدال، وغير التّامّ وهو‏:‏ الانحناء القليل بحيث لا تنال يداه ركبتيه، ويسقط عن العاجز عنه حقيقةً أو حكماً، والعجز الحكميّ هو‏:‏ كما لو حصل له به ألم شديد، أو خاف زيادة المرض‏.‏

ومن العجز الحكمي أيضاً‏:‏ كمن يسيل أو جرحه إذا قام، أو يسلس بوله، أو يبدو ربع عورته، أو يضعف عن القراءة أصلاً - أمّا لو قدر على بعض القراءة إذا قام فإنّه يلزمه أن يقرأ مقدار قدرته، والباقي قاعداً، أو عن صوم رمضان، فيتحتّم القعود عليه في هذه المسائل لعجزه عن القيام حكماً إذ لو قام لزم فوت الطّهارة أو السّتر أو القراءة أو الصّوم بلا خلف‏.‏

ب - القراءة‏:‏

31 - ويتحقّق ركن القراءة بقراءة آية من القرآن، ومحلّها ركعتان في الفرض وجميع ركعات النّفل والوتر‏.‏

قال الكاسانيّ‏:‏ عن أبي حنيفة في قدر القراءة ثلاث روايات‏.‏ في ظاهر الرّواية قدّر أدنى المفروض بالآية التّامّة طويلةً كانت أو قصيرةً كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مُدْهَامَّتَانِ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ثُمَّ نَظَرَ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ‏}‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ الفرض غير مقدّر، بل هو على أدنى ما يتناوله الاسم سواء كانت آيةً أو ما دونها بعد أن قرأها على قصد القراءة‏.‏

وفي رواية‏:‏ قدر الفرض بآية طويلة كآية الكرسيّ وآية الدّين، أو ثلاث آيات قصار، وبه أخذ أبو يوسف‏.‏

وأصله قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ‏}‏ فهما يعتبران العرف، ويقولان‏:‏ مطلق الكلام ينصرف إلى المتعارف، وأدنى ما يسمّى المرء به قارئاً في العرف أن يقرأ آيةً طويلةً، أو ثلاث آيات قصار، وأبو حنيفة يحتجّ بالآية من وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنّه أمر بمطلق القراءة، وقراءة آية قصيرة قراءة‏.‏

والثّاني‏:‏ أنّه أمر بقراءة ما تيسّر من القرآن، وعسى أن لا يتيسّر إلاّ هذا القدر‏.‏

وقد أجاز أبو حنيفة القراءة بالفارسيّة سواء كان يحسن القراءة بالعربيّة أو لا يحسن‏.‏

وقال أبو يوسف ومحمّد‏:‏ إن كان يحسن لا يجوز، وإن كان لا يحسن يجوز، وإلى قولهما رجع أبو حنيفة كما جاء في ابن عابدين، وأمّا قراءة الفاتحة فسيأتي أنّها واجبة وليست بركن‏.‏

ج - الرّكوع‏:‏

32 - وأقلّه طأطأة الرّأس مع انحناء الظّهر، لأنّه هو المفهوم من موضوع اللّغة فيصدق عليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ارْكَعُوا‏}‏، وفي السّراج الوهّاج‏:‏ هو بحيث لو مدّ يديه نال ركبتيه‏.‏

د - السّجود‏:‏

33 - ويتحقّق بوضع جزء من جبهته وإن قلّ، ووضع أكثرها واجب للمواظبة، كما يجب وضع الأنف مع الجبهة، وفي وضع القدمين ثلاث روايات‏:‏ الأولى‏:‏ فرضيّة وضعهما‏.‏ والثّانية‏:‏ فرضيّة إحداهما‏.‏ والثّالثة‏:‏ عدم الفرضيّة‏:‏ أي أنّه سنّة‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ إنّ المشهور في كتب المذهب اعتماد الفرضيّة، والأرجح من حيث الدّليل والقواعد عدم الفرضيّة، ولذا قال في العناية والدّرر‏:‏ إنّه الحقّ، ثمّ الأوجه حمل عدم الفرضيّة على الوجوب‏.‏

هـ - القعدة الأخيرة قدر التّشهّد‏:‏

34 - وهي محلّ خلاف عندهم‏.‏ فقال بعضهم‏:‏ هي ركن أصليّ‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إنّها واجبة لا فرض،لكن الواجب - هنا - في قوّة الفرض في العمل كالوتر‏.‏ وعند بعضهم‏:‏ إنّها فرض وليست بركن أصليّ بل هي شرط للتّحليل‏.‏

و - الخروج بصنعه‏:‏

35 - أي بصنع المصلّي - فعله الاختياريّ - بأيّ وجه كان من قول أو فعل، والواجب الخروج بلفظ السّلام ويكره تحريماً الخروج بغيره كأن يضحك قهقهةً، أو يحدث عمداً، أو يتكلّم، أو يذهب، واحترز ‏(‏بصنعه‏)‏ عمّا لو كان سماويّاً كأن سبقه الحدث‏.‏

36 - قال الحصكفيّ شارح تنوير الأبصار‏:‏ وبقي من الفروض‏:‏ تمييز المفروض، وترتيب القيام على الرّكوع، والرّكوع على السّجود، والقعود الأخير على ما قبله، وإتمام الصّلاة، والانتقال من ركن إلى آخر، ومتابعته لإمامه في الفروض، وصحّة صلاة إمامه في رأيه، وعدم تقدّمه عليه، وعدم مخالفته في الجهة، وعدم تذكّر فائتة، وعدم محاذاة امرأة بشرطهما، وتعديل الأركان عند الثّاني ‏"‏ وهو أبو يوسف ‏"‏‏.‏

واختلفوا في تفسير تمييز المفروض، ففسّره بعضهم‏:‏ بأن يميّز السّجدة الثّانية عن الأولى، بأن يرفع ولو قليلاً أو يكون إلى القعود أقرب، وذهب آخرون إلى أنّ المراد بالتّمييز تمييز ما فرض عليه من الصّلوات عمّا لم يفرض عليه، حتّى لو لم يعلم فرضيّة الخمس، إلاّ أنّه كان يصلّيها في وقتها لا يجزيه‏.‏

ولو علم أنّ البعض فرض والبعض سنّة ونوى الفرض في الكلّ، أو لم يعلم ونوى صلاة الإمام عند اقتدائه في الفرض جاز، ولو علم الفرض دون ما فيه من فرائض وسنن جازت صلاته أيضاً، فليس المراد المفروض من أجزاء كلّ صلاة، أي كأن يعلم أنّ القراءة فيها فرض وأنّ التّسبيح سنّة وهكذا‏.‏ والمراد بترتيب القيام على الرّكوع،والرّكوع على السّجود، والقعود الأخير على ما قبله، تقديمه عليه حتّى لو ركع ثمّ قام لم يعتبر ذلك الرّكوع، فإن ركع ثانياً صحّت صلاته، لوجود التّرتيب المفروض، ولزمه سجود السّهو لتقديمه الرّكوع المفروض، وكذا تقديم الرّكوع على السّجود، وأمّا القعود الأخير فيفترض إيقاعه بعد جميع الأركان، حتّى لو تذكّر بعده سجدةً صلبيّةً سجدها وأعاد القعود وسجد للسّهو، ولو تذكّر ركوعاً قضاه مع ما بعده من السّجود، أو قياماً أو قراءةً صلّى ركعةً‏.‏

37 - ومن الفرائض - أيضاً - إتمام الصّلاة، والانتقال من ركن إلى ركن، لأنّ النّصّ الموجب للصّلاة يوجب ذلك، إذ لا وجود للصّلاة بدون إتمامها وذلك يستدعي الأمرين‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ والظّاهر أنّ المراد بالإتمام عدم القطع‏.‏ وبالانتقال الانتقال عن الرّكن للإتيان بركن بعده إذ لا يتحقّق ما بعده إلاّ بذلك، وأمّا الانتقال من ركن إلى آخر بلا فاصل بينهما فواجب حتّى لو ركع ثمّ ركع يجب عليه سجود السّهو، لأنّه لم ينتقل من الفرض وهو الرّكوع إلى السّجود، بل أدخل بينهما أجنبيّاً، وهو الرّكوع الثّاني‏.‏

والنّيّة عندهم شرط وليست بركن‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏نيّة‏)‏‏.‏

وكذا تكبيرة الإحرام، فهي عندهم شرط في الصّلاة عمومًا غير صلاة الجنازة، أمّا في الجنازة فهي ركن اتّفاقاً‏.‏

تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تكبيرة الإحرام، ف / 3، 13 / 218‏)‏‏.‏