فصل: كيفيّة صلاة الحاجة - عدد الرّكعات وصيغ الدّعاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


صَلاَةُ الْحاجَة

التّعريف

1 - الصّلاة ينظر تعريفها في مصطلح ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

والحاجة في اللّغة‏:‏ المأربة، والتّحوّج‏:‏ طلب الحاجة بعد الحاجة، والحوج‏:‏ الطّلب، والحوج‏:‏ الفقر‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء للفظ الحاجة عن المعنى اللّغويّ‏.‏

وللأصوليّين تعريف خاصّ للحاجة‏:‏ فقد عرّفها الشّاطبيّ فقال‏:‏ هي ما يفتقر إليه من حيث التّوسعة ورفع الضّيق المؤدّي في الغالب إلى الحرج والمشقّة اللّاحقة بفوت المصلحة، فإذا لم تراع دخل على المكلّفين - على الجملة - الحرج والمشقّة ‏(‏ر‏:‏ حاجة ف /1 من الموسوعة ج /16‏)‏‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - اتّفق الفقهاء على أنّ صلاة الحاجة مستحبّة‏.‏

واستدلّوا بما أخرجه التّرمذيّ عن عبد اللّه بن أبي أوفى قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من كانت له إلى اللّه حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضّأ فليحسن الوضوء، ثمّ ليصلّ ركعتين، ثمّ ليثن على اللّه، وليصلّ على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ ليقل‏:‏ لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم، سبحان اللّه ربّ العرش العظيم، الحمد للّه ربّ العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك والغنيمة من كلّ برّ، والسّلامة من كلّ إثم، لا تدع لي ذنباً إلاّ غفرته، ولا همّاً إلاّ فرّجته، ولا حاجةً هي لك رضاً إلاّ قضيتها يا أرحم الرّاحمين»‏.‏ رواه ابن ماجه وزاد بعد قوله‏:‏ «يا أرحم الرّاحمين‏:‏ ثمّ يسأل من أمر الدّنيا والآخرة ما شاء فإنّه يقدّر»‏.‏

كيفيّة صلاة الحاجة - عدد الرّكعات وصيغ الدّعاء

3 - اختلف في عدد ركعات صلاة الحاجة، فذهب المالكيّة والحنابلة، وهو المشهور عند الشّافعيّة، وقول عند الحنفيّة إلى أنّها ركعتان، والمذهب عند الحنفيّة أنّها‏:‏ أربع ركعات، وفي قول عندهم وهو قول الغزاليّ‏:‏ إنّها اثنتا عشرة ركعةً وذلك لاختلاف الرّوايات الواردة في ذلك، كما تنوّعت صيغ الدّعاء لتعدّد الرّوايات‏.‏ وبيان ذلك فيما يأتي‏:‏

أوّلاً‏:‏ روايات الرّكعتين وفيها اختلاف الدّعاء

4 - رواية عبد اللّه بن أبي أوفى، وفيها أنّ صلاة الحاجة ركعتان مع ذكر الدّعاء الّذي أرشد إليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهي الرّواية الّتي سبق ذكرها في الحكم ‏(‏ف /2‏)‏‏.‏

5- حديث أنس - رضي الله عنه - ولفظه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «يا عليّ‏:‏ ألا أعلّمك دعاءً إذا أصابك غمّ أو همّ تدعو به ربّك فيستجاب لك بإذن اللّه ويفرج عنك‏:‏ توضّأ وصلّ ركعتين، واحمد اللّه واثن عليه وصلّ على نبيّك واستغفر لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات ثمّ قل‏:‏ اللّهمّ أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون لا إله إلاّ اللّه العليّ العظيم، لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم، سبحان اللّه ربّ السّموات السّبع، وربّ العرش العظيم، والحمد للّه ربّ العالمين، اللّهمّ كاشف الغمّ، مفرّج الهمّ مجيب دعوة المضطرّين إذا دعوك، رحمن الدّنيا والآخرة ورحيمهما، فارحمني في حاجتي هذه بقضائها ونجاحها رحمةً تغنيني بها عن رحمة من سواك»‏.‏

ثانياً‏:‏ رواية الأربع

6 - وهي مرويّة عن الحنفيّة قال ابن عابدين نقلاً عن التّجنيس وغيره‏:‏ إنّ صلاة الحاجة أربع ركعات بعد العشاء، وأنّ في الحديث المرفوع‏:‏ «يقرأ في الأولى الفاتحة مرّةً وآية الكرسيّ ثلاثاً، وفي كلّ من الثّلاث الباقية يقرأ الفاتحة والإخلاص والمعوّذتين مرّةً مرّةً كنّ له مثلهنّ من ليلة القدر»‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ قال مشايخنا‏:‏ صلّينا هذه الصّلاة فقضيت حوائجنا‏.‏

ثالثاً‏:‏ رواية الاثنتي عشرة ركعةً والدّعاء الوارد فيها

7 - روي عن وهيب بن الورد أنّه قال‏:‏ إنّ من الدّعاء الّذي لا يردّ أن يصلّي العبد ثنتي عشرة ركعةً يقرأ في كلّ ركعة بأمّ الكتاب وآية الكرسيّ ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏، فإن فرغ خرّ ساجداً، ثمّ قال‏:‏ سبحان الّذي لبس العزّ وقال به، سبحان الّذي تعطّف بالمجد وتكرّم به، سبحان الّذي أحصى كلّ شيء بعلمه، سبحان الّذي لا ينبغي التّسبيح إلاّ له، سبحان ذي المنّ والفضل، سبحان ذي العزّ والكرم، سبحان ذي الطّول، أسألك بمعاقد العزّ من عرشك، ومنتهى الرّحمة من كتابك وباسمك الأعظم وجدّك الأعلى، وكلماتك التّامّات العامّات الّتي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر أن تصلّي على محمّد وعلى آل محمّد‏:‏ ثمّ يسأل حاجته الّتي لا معصية فيها، فيجاب إن شاء اللّه‏.‏

صَلاَةُ الْخُسوف

انظر‏:‏ صلاة الكسوف‏.‏

صَلاَةُ الخَوْف

التّعريف

1 - تعريف الصّلاة ينظر في مصطلح ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

أمّا الخوف‏:‏ فهو توقّع مكروه عن أمارة مظنونة أو متحقّقة، وهو مصدر بمعنى الخائف، أو بحذف مضاف‏:‏ الصّلاة في حالة الخوف ويطلق على القتال، وبه فسّر اللّحيانيّ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ‏}‏ الآية كما فسّر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ‏}‏‏.‏

وليس المراد من إضافة الصّلاة إلى الخوف أنّ الخوف يقتضي صلاةً مستقلّةً كقولنا‏:‏ صلاة العيد، ولا أنّه يؤثّر في قدر الصّلاة ووقتها كالسّفر، فشروط الصّلاة، وأركانها، وسننها، وعدد ركعاتها في الخوف كما في الأمن، وإنّما المراد أنّ الخوف يؤثّر في كيفيّة إقامة الفرائض إذا صلّيت جماعةً، وأنّ الصّلاة في حالة الخوف تحتمل أموراً لم تكن تحتملها في الأمن، وصلاة الخوف هي‏:‏ الصّلاة المكتوبة يحضر وقتها والمسلمون في مقاتلة العدوّ أو في حراستهم‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعيّة صلاة الخوف في حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، وإلى أنّها لا تزال مشروعةً إلى يوم القيامة، وقد ثبت ذلك بالكتاب، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ‏}‏ الآية‏.‏

وخطاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم خطاب لأمّته، ما لم يقم دليل على اختصاصه ؛ لأنّ اللّه أمرنا باتّباعه، وتخصيصه بالخطاب لا يقتضي تخصيصه بالحكم، كما ثبت بالسّنّة القوليّة، كقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» وهو عامّ‏.‏

والسّنّة الفعليّة فقد صحّ أنّه - صلى الله عليه وسلم - صلّاها، وبإجماع الصّحابة، فقد ثبت بالآثار الصّحيحة عن جماعة من الصّحابة - رضي الله عنهم - أنّهم صلّوها في مواطن بعد وفاة الرّسول صلى الله عليه وسلم في مجامع بحضرة كبار من الصّحابة، وممّن صلّاها عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - في حروبه بصفّين وغيرها، وحضرها من الصّحبة خلائق كثيرون منهم‏:‏ سعيد بن العاص، وسعد بن أبي وقّاص وأبو موسى الأشعريّ وغيرهم من كبار الصّحابة - رضي الله عنهم - وقد روى أحاديثهم البيهقيّ وبعضها في سنن أبي داود‏.‏

ولم يقل أحد من هؤلاء الصّحابة الّذين رأوا صلاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الخوف بتخصيصها بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال أبو يوسف من الحنفيّة‏:‏ كانت مختصّةً بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم واحتجّ بالآية السّابقة‏.‏

وذهب المزنيّ من الشّافعيّة إلى أنّ صلاة الخوف كانت مشروعةً ثمّ نسخت واحتجّ بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فاتته صلوات يوم الخندق، ولو كانت صلاة الخوف جائزةً لفعلها‏.‏

مواطن جواز صلاة الخوف

3 - تجوز صلاة الخوف عند شدّة الخوف في قتال الحربيّين ؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ‏}‏ الآية، وكذلك تجوز في كلّ قتال مباح، كقتال أهل البغي، وقطّاع الطّرق، وقتال من قصد إلى نفس شخص، أو أهله أو ماله، قياساً على قتال الحربيّين، وجاء في الأثر‏:‏ «من قتل دون ماله فهو شهيد‏.‏ ومن قتل دون دينه فهو شهيد‏.‏ ومن قتل دون دمه فهو شهيد‏.‏ ومن قتل دون أهله فهو شهيد»‏.‏

والرّخصة في هذا النّوع لا تختصّ بالقتال، بل متعلّق بالخوف مطلقاً‏.‏ فلو هرب من سيل، أو حريق ولم يجد معدلاً عنه، أو هرب من سبع فله أن يصلّي صلاة شدّة الخوف، إذا ضاق الوقت وخاف فوت الصّلاة، وكذا المديون المعسر العاجز عن إثبات إعساره، ولا يصدّقه المستحقّ، وعلم أنّه لو ظفر به حبسه‏.‏

ولا تجوز في القتال المحرّم كقتال أهل العدل، وقتال أهل الأموال لأخذ أموالهم، وقتال القبائل عصبيّةً، ونحو ذلك ؛ لأنّها رخصة وتخفيف، فلا يجوز أن يتمتّع بها العصاة ؛ لأنّ في ذلك إعانةً على المعصية، وهو غير جائز، وتجوز في السّفر والحضر، والفرض، والنّفل غير المطلق، والأداء، والقضاء‏.‏

كيفيّة صلاة الخوف

4 - اختلف الفقهاء في كيفيّة صلاة الخوف ؛ لتعدّد الرّوايات عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في كيفيّتها، وأخذ كلّ صفة من الصّفات الواردة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم طائفة من أهل العلم‏.‏ كما اختلفوا في عدد الأنواع الواردة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال الشّافعيّة‏:‏ إنّ الأنواع الّتي جاءت في الأخبار ستّة عشر نوعاً، كما ذكر النّوويّ، وبعضها في صحيح مسلم، وبعضها في سنن أبي داود، وفي ابن حبّان منها تسعة‏.‏

وقال ابن القصّار من المالكيّة‏:‏ إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّاها في عشرة مواطن، وقال أحمد‏:‏ أنّها وردت في ستّة أوجه أو سبعة، ومنهم من أوصل أنواعها إلى أربعة وعشرين نوعاً، وكلّها جائز، فقال أحمد‏:‏ كلّ حديث يروى في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز ؛ لأنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلّاها في مرّات، وأيّام مختلفة وأشكال متباينة، يتحرّى في كلّها ما هو أحوط للصّلاة، وأبلغ في الحراسة، فهي على اختلاف صورها متّفقة في المعنى‏.‏

عدد ركعات صلاة الخوف

5 - لا ينتقص عدد ركعات الصّلاة بسبب الخوف، فيصلّي الإمام بهم ركعتين، إن كانوا مسافرين وأرادوا قصر الصّلاة، أو كانت الصّلاة من ذوات ركعتين، كصلاة الفجر، أو الجمعة، ويصلّي بهم ثلاثاً أو أربعاً إن كانت الصّلاة من ذوات الثّلاث، أو الأربع وكانوا مقيمين، أو مسافرين أرادوا الإتمام‏.‏

وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء، وهو قول عامّة الصّحابة‏.‏

وروي عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - أنّه كان يقول‏:‏ ‏"‏ إنّ صلاة الخوف ركعة ‏"‏‏.‏

بعض الأنواع المرويّة في صلاة الخوف

6 - الأوّل‏:‏ صلاته صلى الله عليه وسلم‏:‏ بذات الرّقاع، فيفرّق الإمام الجيش إلى فرقتين‏:‏ فرقة تحمل في وجه العدوّ، وفرقة ينحاز بها إلى حيث لا تبلغهم سهام العدوّ، فيفتتح بهم الصّلاة، ويصلّي بهم ركعةً في الثّنائيّة‏:‏ الصّبح والمقصورة، وركعتين في الثّلاثيّة والرّباعيّة، هذا القدر من هذه الكيفيّة اتّفقت المذاهب الأربعة عليه‏.‏

واختلفوا فيما يفعل بعد ذلك، فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا قام إلى الثّانية في الثّنائيّة، وإلى الثّالثة في الثّلاثيّة والرّباعيّة خرج المقتدون عن متابعته، وأتمّوا الصّلاة لأنفسهم، وذهبوا إلى وجه العدوّ، وتأتي الطّائفة الحارسة‏.‏ ويطيل الإمام إلى لحوقهم، فإذا لحقوه صلّى بهم الرّكعة الثّانية في الثّنائيّة، والثّالثة في الثّلاثيّة، والثّالثة والرّابعة في الرّباعيّة من صلاته، فإذا جلس للتّشهّد قاموا وأتمّوا الصّلاة، والإمام ينتظرهم، فإذا لحقوه سلّم بهم‏.‏

إلاّ أنّ مالكاً قال‏:‏ يسلّم الإمام ولا ينتظرهم، فإذا سلّم قضوا ما فاتهم من الصّلاة من ركعة، أو ركعتين بفاتحة وسورة جهرًا في الجهريّة‏.‏

وقد اختار الشّافعيّ وأصحابه هذه الصّفة لسلامتها من كثرة المخالفة ولأنّها أحوط لأمر الحرب، وأقلّ مخالفةً لقاعدة الصّلاة‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا قام إلى الثّانية لم يتمّ المقتدون به الصّلاة بل يذهبون إلى مكان الفرقة الحارسة وهم في الصّلاة فيقفون سكوتاً، وتأتي تلك الطّائفة وتصلّي مع الإمام ركعته الثّانية فإذا سلّم ذهبت إلى وجه العدوّ، وجاء الأوّلون إلى مكان الصّلاة وأتمّوا أفذاذاً، وجاءت الطّائفة الأخرى، وصلّوا ما بقي لهم من الصّلاة وتشهّدوا وسلّموا‏.‏

وهو قول عند الشّافعيّة‏.‏

7- الثّاني‏:‏ أن يجعل الإمام الجيش فرقتين‏:‏ فرقةً في وجه العدوّ، وفرقةً يحرم بها، ويصلّي بهم جميع الصّلاة، ركعتين كانت، أم ثلاثاً، أم أربعاً، فإذا سلّم بهم ذهبوا إلى وجه العدوّ وجاءت الفرقة الأخرى فيصلّي بهم تلك الصّلاة مرّةً ثانيةً، وتكون له نافلةً، ولهم فريضة، وهذه صلاته صلى الله عليه وسلم ببطن نخل، وتندب هذه الكيفيّة إذا كان العدوّ في غير جهة القبلة، وكان في المسلمين كثرة والعدوّ قليل وخيف هجومهم على المسلمين ولا يقول بهذه الكيفيّة من الأئمّة من لا يجيز اقتداء المفترض بالمنتفل‏.‏

8- الثّالث‏:‏ أن يرتّبهم الإمام صفّين، ويحرم بالجميع فيصلّون معاً، يقرأ ويركع، ويعتدل بهم جميعاً، ثمّ يسجد بأحدهما، وتحرس الأخرى حتّى يقوم الإمام من سجوده، ثمّ يسجد الآخرون، ويلحقونه في قيامه، ويفعل في الرّكعة الثّانية كذلك، ولكن يحرس فيها من سجد معه أوّلاً، ويتشهّد، ويسلّم بهم جميعاً، وهذه صلاته بعسفان‏.‏

ويشترط في استحباب هذه الكيفيّة‏:‏ كثرة المسلمين، وكون العدوّ في جهة القبلة غير مستتر بشيء يمنع رؤيته‏.‏

وله أن يرتّبهم صفوفاً، ثمّ يحرس صفّان، فإن حرس بعض كلّ صفّ بالمناوبة جاز، وكذا لو حرست طائفة في الرّكعتين ؛ لحصول الغرض بكلّ ذلك، والمناوبة أفضل ؛ لأنّها الثّابتة في الخبر، ولو تأخّر الصّفّ الثّاني الّذي حرس في الرّكعة الثّانية ليسجدوا، وتأخّر الصّفّ الأوّل الّذي سجد أوّلاً ليحرس ولم يمشوا أكثر من خطوتين كان أفضل ؛ لأنّه الثّابت في خبر مسلم‏.‏

هذه الصّفة رواها جابر، قال‏:‏ «شهدت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصفّنا صفّين‏:‏ صفّ خلف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والعدوّ بيننا وبين القبلة، فكبّر النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكبّرنا جميعاً، ثمّ ركع وركعنا جميعاً، ثمّ رفع رأسه من الرّكوع، ورفعنا جميعاً‏.‏ ثمّ انحدر بالسّجود والصّفّ الّذي يليه، وقام الصّفّ المؤخّر في نحر العدوّ، فلمّا قضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم السّجود وقام الصّفّ الّذي يليه، انحدر الصّفّ المؤخّر بالسّجود وقاموا، ثمّ تقدّم الصّفّ المؤخّر وتأخّر الصّفّ المتقدّم، ثمّ ركع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعاً، ثمّ رفع رأسه من الرّكوع، ورفعنا جميعاً، ثمّ انحدر بالسّجود، والصّفّ الّذي يليه الّذي كان مؤخّراً في الرّكعة الأولى، وقام الصّفّ المؤخّر في نحور العدوّ، فلمّا قضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم السّجود والصّفّ الّذي يليه، انحدر الصّفّ المؤخّر بالسّجود فسجدوا، ثمّ سلّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وسلّمنا جميعاً»‏.‏

وهذه الأنواع الثّلاثة مستحبّة لا واجبة، فلو صلّوا فرادى أو انفردت طائفة من الإمام، أو صلّى الإمام ببعضهم كلّ الصّلاة، وبالباقين غيره جاز، ولكن تفوت فضيلة الجماعة على المنفرد‏.‏

9 - الرّابع‏:‏ صلاة شدّة الخوف‏:‏ إذا اشتدّ الخوف فمنعهم من صلاة الجماعة على الصّفة المتقدّمة ولم يمكن قسم الجماعة ؛ لكثرة العدوّ، ورجوا انكشافه قبل خروج الوقت المختار، بحيث يدركون الصّلاة فيه، أخّروا استحباباً‏.‏

فإذا بقي من الوقت ما يسع الصّلاة صلّوا إيماءً، وإلاّ صلّوا فرادى بقدر طاقتهم، فإن قدروا على الرّكوع والسّجود فعلوا ذلك، أو صلّوا مشاةً أو ركباناً، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، ثمّ لا إعادة عليهم إذا أمنوا، لا في الوقت ولا بعده‏.‏

والأصل فيما ذكر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً‏}‏‏.‏ وقال ابن عمر - رضي الله عنهما -‏:‏ «فإن كان خوف أشدّ من ذلك صلّوا رجالاً قياماً على أقدامهم، أو ركباناً مستقبلي القبلة، أو غير مستقبليها» متّفق عليه‏.‏

وزاد البخاريّ قال نافع‏:‏ لا أرى عبد اللّه بن عمر قال ذلك إلاّ عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وإن عجزوا عن الرّكوع والسّجود أومئوا بهما، وأتوا بالسّجود أخفض من الرّكوع‏.‏

وهذا القدر متّفق عليه بين الفقهاء‏.‏

10 - واختلفوا في جواز القتال في الصّلاة، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجوز القتال في هذه الحالة الشّديدة في الصّلاة، ويعفى عمّا فيه من الحركات، من الضّربات والطّعنات المتواليات، والإمساك بسلاح ملطّخ بالدّم ؛ للحاجة ؛ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ‏}‏ وأخذ السّلاح لا يكون إلاّ للقتال، وقياساً على المشي والرّكوب اللّذين جاءا في الآية‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يشترط لجواز الصّلاة بهذه الكيفيّة‏:‏ ألاّ يقاتل، فإن قاتل فسدت صلاته، وقالوا‏:‏ «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهنّ في اللّيل وقال‏:‏ شغلونا عن الصّلاة الوسطى حتّى آبت الشّمس ملأ اللّه قبورهم ناراً أو بيوتهم أو بطونهم» فلو جاز القتال في الصّلاة لما أخّرها ؛ ولأنّ إدخال عمل كثير - ليس من أعمال الصّلاة - في الصّلاة مفسد في الأصل، فلا يترك هذا الأصل إلاّ في مورد النّصّ، وهو المشي لا القتال‏.‏

صلاة الجمعة في الخوف

11 - إذا حصل الخوف في بلد وحضرت صلاة الجمعة فلهم أن يصلّوها على هيئة ذات الرّقاع، وعسفان، ويشترط في الصّلاة على هيئة صلاة ذات الرّقاع‏:‏

أ - أن يخطب بجميعهم، ثمّ يفرّقهم فرقتين، أو يخطب بفرقة، ويجعل منها مع كلّ من الفرقتين أربعين فصاعداً، فلو خطب بفرقة وصلّى بأخرى لم تصحّ‏.‏

ب - أن تكون الفرقة الأولى أربعين فصاعداً، فلو نقصت عن أربعين لم تنعقد الجمعة، وإن نقصت الفرقة الثّانية لم يضرّ للحاجة، والمسامحة في صلاة الخوف‏.‏

ولو خطب بهم وصلّى بهم على هيئة صلاة الخوف بعسفان فهي أولى بالجواز، ولا تجوز على هيئة صلاة بطن نخل ؛ إذ لا تقام جمعة بعد جمعة‏.‏

السّهو في صلاة الخوف

12 - يتحمّل الإمام سهو المأمومين إذا صلّى بهم صلاة ذات الرّقاع على الهيئة الّتي ذهب إليها جمهور الفقهاء، إلاّ سهو الطّائفة الأولى في الرّكعة الثّانية فلا يتحمّله ؛ لانقطاع قدوتها بالمفارقة، وسهو الإمام في الرّكعة الأولى يلحق الكلّ، فيسجدون للسّهو في آخر صلاتهم، وإن لم يسجد الإمام‏.‏

وسهوه في الثّانية لا يلحق الأوّلين لمفارقتهم قبل السّهو، ويلحق الآخرين‏.‏

حمل السّلاح في هذه الصّلوات

13 - حمل السّلاح في هذه الصّلوات مستحبّ، يكره تركه لمن لا عذر له من مرض، أو أذًى من مطر أو غيره احتياطاً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ‏}‏ إلى أن قال جلّ شأنه‏:‏ ‏{‏وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ‏}‏ وحملوا الأمر في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ‏}‏ على النّدب، لأنّ تركه لا يفسد الصّلاة، فلا يجب حمله، كسائر ما لا يفسد تركه، وقياساً على الأمن ؛ ولأنّ الغالب السّلامة، أمّا إذا كان المصلّي يتعرّض للهلاك بترك السّلاح وجب حمله، أو وضعه بين يده بحيث يسهل تناوله عند الحاجة‏.‏

صَلاَةُ الصُّبْح

انظر‏:‏ الصّلوات الخمس المفروضة‏.‏

صَلاَة الضُّحَى

التّعريف

1 - الصّلاة في اللّغة والاصطلاح سبق الكلام عنها في مصطلح ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

وأمّا الضّحى في اللّغة‏:‏ فيستعمل مفرداً، وهو فويق الضّحوة، وهو حين تشرق الشّمس إلى أن يمتدّ النّهار، أو إلى أن يصفو ضوءها وبعده الضّحاء‏.‏

والضّحاء - بالفتح والمدّ - هو إذا علت الشّمس إلى ربع السّماء فما بعده‏.‏

وعند الفقهاء الضّحى‏:‏ ما بين ارتفاع الشّمس إلى زوالها‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

صلاة الأوّابين‏:‏

2 - قيل‏:‏ هي صلاة الضّحى‏.‏ وعلى هذا فهما مترادفتان، وقيل‏:‏ إنّ صلاة الأوّابين ما بين المغرب والعشاء وبهذا تفترقان‏.‏

صلاة الإشراق‏:‏

3 - بتتبّع ظاهر أقوال الفقهاء والمحدّثين يتبيّن‏:‏ أنّ صلاة الضّحى وصلاة الإشراق واحدة إذ كلّهم ذكروا وقتها من بعد الطّلوع إلى الزّوال ولم يفصلوا بينهما‏.‏

وقيل‏:‏ إنّ صلاة الإشراق غير صلاة الضّحى، وعليه فوقت صلاة الإشراق بعد طلوع الشّمس، عند زوال وقت الكراهة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ صلاة الإشراق‏)‏‏.‏

الحكم التّكليفيّ

4 - صلاة الضّحى نافلة مستحبّة عند جمهور الفقهاء وصرّح المالكيّة والشّافعيّة بأنّها سنّة مؤكّدة‏.‏ فقد روى أبو ذرّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «يصبح على كلّ سلامى من أحدكم صدقة‏:‏ فكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة‏:‏ وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضّحى»‏.‏

وعن أبي الدّرداء - رضي الله عنه - قال‏:‏ «أوصاني حبيبي بثلاث لن أدعهنّ ما عشت‏:‏ بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وصلاة الضّحى، وأن لا أنام حتّى أوتر»‏.‏

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال‏:‏ «أوصاني خليلي بثلاث‏:‏ صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وركعتي الضّحى وأن أوتر قبل أن أرقد»‏.‏

وقال بعض الحنابلة‏:‏ لا تستحبّ المداومة عليها ؛ كي لا تشتبه بالفرائض، ونقل التّوقّف فيها عن ابن مسعود وغيره‏.‏

صلاة الضّحى في حقّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم

5 - اختلف العلماء في وجوب صلاة الضّحى على رسول اللّه مع اتّفاقهم على عدم وجوبها على المسلمين‏.‏

فذهب الجمهور إلى أنّ صلاة الضّحى ليست مفروضةً على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏ وذكر الشّافعيّة وبعض المالكيّة وبعض الحنابلة أنّ صلاة الضّحى ضمن ما اختصّ به رسول اللّه من الواجبات، وأقلّ الواجب منها عليه ركعتان‏.‏

‏(‏ر‏:‏ اختصاص ف /10، ج /2، ص 259‏)‏‏.‏

المواظبة على صلاة الضّحى

6 - اختلف العلماء هل الأفضل المواظبة على صلاة الضّحى، أو فعلها في وقت وتركها في وقت‏؟‏

فذهب الجمهور إلى أنّه تستحبّ المواظبة على صلاة الضّحى ؛ لعموم الأحاديث الصّحيحة من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أحبّ العمل إلى اللّه تعالى ما داوم عليه صاحبه وإن قلّ»‏.‏ ونحو ذلك‏.‏ وروى الطّبرانيّ في الأوسط من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «إنّ في الجنّة باباً يقال له الضّحى فإذا كان يوم القيامة نادى مناد‏:‏ أين الّذين كانون يديمون صلاة الضّحى‏؟‏ هذا بابكم فادخلوه برحمة اللّه»‏.‏

وروى ابن خزيمة في صحيحه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يحافظ على صلاة الضّحى إلاّ أوّاب، قال‏:‏ وهي صلاة الأوّابين»‏.‏

وقال الحنابلة على الصّحيح من المذهب - وهو ما حكاه صاحب الإكمال عن جماعة‏:‏ لا تستحبّ المداومة على صلاة الضّحى بل تفعل غبّاً ؛ لقول عائشة - رضي الله عنها - «ما رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ سبّح سبحة الضّحى قطّ»‏.‏

وروى أبو سعيد الخدريّ قال‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي الضّحى حتّى نقول‏:‏ لا يدعها، ويدعها حتّى نقول‏:‏ لا يصلّيها» ولأنّ في المداومة عليها تشبيهاً بالفرائض‏.‏ وقال أبو الخطّاب‏:‏ تستحبّ المداومة عليها ؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أوصى بها أصحابه وقال‏:‏ «من حافظ على شفعة الضّحى غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر»‏.‏

‏(‏ر‏:‏ نفل‏)‏‏.‏

وقت صلاة الضّحى

7 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الأفضل فعل صلاة الضّحى إذا علت الشّمس واشتدّ حرّها ‏;‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلاة الأوّابين حين ترمض الفصال» ومعناه أن تحمى الرّمضاء وهي الرّمل فتبرك الفصال من شدّة الحرّ‏.‏

قال الطّحاويّ‏:‏ ووقتها المختار إذا مضى ربع النّهار‏.‏ وجاء في مواهب الجليل نقلاً عن الجزوليّ‏:‏ أوّل وقتها ارتفاع الشّمس، وبياضها وذهاب الحمرة، وآخره الزّوال‏.‏

قال الحطّاب نقلاً عن الشّيخ زرّوق‏:‏ وأحسنه إذا كانت الشّمس من المشرق مثلها من المغرب وقت العصر‏.‏

قال الماورديّ‏:‏ ووقتها المختار إذا مضى ربع النّهار‏.‏

قال البهوتيّ‏:‏ والأفضل فعلها إذا اشتدّ الحرّ‏.‏

ثمّ اختلف الفقهاء في تحديد وقت صلاة الضّحى على الجملة‏.‏

فذهب الجمهور إلى أنّ وقت صلاة الضّحى من ارتفاع الشّمس إلى قبيل زوالها ما لم يدخل وقت النّهي‏.‏

وقال النّوويّ في الرّوضة‏:‏ قال أصحابنا ‏"‏ الشّافعيّة ‏"‏‏:‏ وقت الضّحى من طلوع الشّمس، ويستحبّ تأخيرها إلى ارتفاعها‏.‏

ويدلّ له خبر أحمد عن أبي مرّة الطّائفيّ قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «قال اللّه‏:‏ يا ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات من أوّل نهارك أكفك آخره» لكن قال الأذرعيّ‏:‏ نقل ذلك عن الأصحاب فيه نظر، والمعروف من كلامهم الأوّل ‏"‏ أي ما ذهب إليه الجمهور ‏"‏‏.‏

وقال الرّمليّ الكبير في حاشيته على شرح الرّوض، بعد أن نقل قول النّوويّ السّابق ذكره‏:‏ لم أر من صرّح به فهو وجه غريب أو سبق قلم‏.‏

عدد ركعات صلاة الضّحى

8 - لا خلاف بين الفقهاء القائلين‏:‏ باستحباب صلاة الضّحى في أنّ أقلّها ركعتان‏.‏

فقد روى أبو ذرّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «يصبح على كلّ سلامى من أحدكم صدقة‏:‏ فكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضّحى»‏.‏ فأقلّ صلاة الضّحى ركعتان لهذا الخبر‏.‏

وإنّما اختلفوا في أقلّها وأكثرها‏:‏

فذهب المالكيّة والحنابلة - على المذهب - إلى أنّ أكثر صلاة الضّحى ثمان لما روت أمّ هانئ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكّة وصلّى ثماني ركعات، فلم أر صلاةً قطّ أخفّ منها غير أنّه يتمّ الرّكوع والسّجود»‏.‏

وصرّح المالكيّة بكراهة ما زاد على ثماني ركعات، إن صلّاها بنيّة الضّحى لا بنيّة نفل مطلق، وذكروا أنّ أوسط صلاة الضّحى ستّ‏.‏

ويرى الحنفيّة والشّافعيّة - في الوجه المرجوح - وأحمد - في رواية عنه - أنّ أكثر صلاة الضّحى اثنتا عشرة ركعةً، لما رواه التّرمذيّ والنّسائيّ بسند فيه ضعف أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من صلّى الضّحى ثنتي عشرة ركعةً بنى اللّه له قصراً من ذهب في الجنّة» قال ابن عابدين نقلاً عن شرح المنية‏:‏ وقد تقرّر أنّ الحديث الضّعيف يجوز العمل به في الفضائل‏.‏

وقال الحصكفيّ من الحنفيّة، نقلاً عن الذّخائر الأشرفيّة‏:‏ وأوسطها ثمان وهو أفضلها ؛ لثبوته بفعله وقوله عليه الصلاة والسلام وأمّا أكثرها فبقوله فقط‏.‏ وهذا لو صلّى الأكثر بسلام واحد أمّا لو فصل فكلّما زاد أفضل‏.‏

أمّا الشّافعيّة‏:‏ فقد اختلفت عباراتهم في أكثر صلاة الضّحى إذ ذكر النّوويّ في المنهاج أنّ أكثرها اثنتا عشرة وخالف ذلك في شرح المهذّب، فحكى عن الأكثرين‏:‏ أنّ أكثرها ثمان ركعات‏.‏ وقال في روضة الطّالبين‏:‏ أفضلها ثمان وأكثرها اثنتا عشرة، ويسلّم من كلّ ركعتين‏.‏

السّور الّتي تقرأ في صلاة الضّحى

9 - قال ابن عابدين‏:‏ يقرأ فيها سورتي الضّحى أي سورة ‏{‏والشّمس‏}‏ وسورة ‏{‏والضّحى‏}‏، وظاهره الاقتصار عليهما ولو صلّاها أكثر من ركعتين‏.‏ فقد روي عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال‏:‏ «أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن نصلّي الضّحى بسور منها‏:‏ ‏{‏وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا‏}‏، ‏{‏وَالضُّحَى‏}‏»‏.‏

وفي نهاية المحتاج‏:‏ ويسنُّ أن يقرأ فيهما - ركعتي الضّحى - ‏"‏ الكافرون، والإخلاص ‏"‏ وهما أفضل في ذلك من الشّمس، ‏{‏وَالضُّحَى‏}‏ وإن وردتا أيضاً ؛ إذ ‏"‏ الإخلاص ‏"‏ تعدل ثلث القرآن، ‏"‏ والكافرون ‏"‏ تعدل ربعه بلا مضاعفة‏.‏

وقال الشبراملسي‏:‏ ويقرؤهما أي ‏"‏ الكافرون، والإخلاص ‏"‏ - أيضاً - فيما لو صلّى أكثر من ركعتين، ومحلّ ذلك - أيضاً - ما لم يصلّ أربعاً أو ستّاً بإحرام فلا يستحبّ قراءة سورة بعد التّشهّد الأوّل، ومثله كلّ سُنّة تَشَهّد فيها بتشهّدين فإنّه لا يقرأ السّورة فيما بعد التّشهّد الأوّل ‏(‏ر‏:‏ قراءة، ونافلة‏)‏‏.‏

هذا وفي قضاء صلاة الضّحى إذا فاتت من وقتها، وفي فعلها جماعةً تفاصيل للفقهاء تنظر في‏:‏ ‏(‏تطوّع وصلاة الجماعة‏)‏‏.‏

صَلاَةُ الطَّوَاف

انظر‏:‏ طواف‏.‏

صَلاَةُ الظُّهْر

انظر‏:‏ الصّلوات الخمس المفروضة‏.‏

صَلاَةُ الْمرأَة

انظر‏:‏ ستر العورة، صلاة‏.‏

صَلاَةُ الْعِشَاء

انظر‏:‏ الصّلوات الخمس المفروضة‏.‏

صَلاَةُ الْعَصْر

انظر‏:‏ الصّلوات الخمس المفروضة‏.‏

الصّلاة على الرّاحلة أو الدّابّة

التّعريف

1 - الصّلاة ينظر تعريفها في مصطلح ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

والرّاحلة من الإبل‏:‏ البعير القويّ على الأسفار والأحمال، وهي الّتي يختارها الرّجل لمركبه ورحله على النّجابة وتمام الخلق وحسن المنظر، وإذا كانت في جماعة الإبل تبيّنت وعرفت‏.‏ والرّاحلة عند العرب‏:‏ كلّ بعير نجيب سواء أكان ذكراً أم أنثى، والجمع رواحل، ودخول الهاء في الرّاحلة للمبالغة في الصّفة، وقيل‏:‏ سمّيت راحلةً ؛ لأنّها ذات رحل‏.‏

والدّابّة‏:‏ كلّ ما يدبّ على الأرض‏.‏ وقد غلب هذا الاسم على ما يركب من الحيوان من إبل وخيل وبغال وحمير‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

السّفينة‏:‏

2 - السّفينة‏:‏ الفلك، والعلاقة بينها وبين الرّاحلة أنّ كلّاً منهما يركب، وكما أنّ للصّلاة على الرّاحلة أحكاماً خاصّةً، فكذلك للصّلاة في السّفينة أحكاماً خاصّةً تنظر في مصطلح ‏(‏سفينة‏)‏‏.‏

الأحكام الّتي تتعلّق بالصّلاة على الرّاحلة

أ - صلاة النّفل‏:‏

3 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجوز للمسافر صلاة النّفل على الرّاحلة حيثما توجّهت به‏.‏ والدّليل على ذلك قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ‏}‏ قال ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -‏:‏ نزلت في التّطوّع خاصّةً، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يسبّح على ظهر راحلته حيث كان وجهه» وعن جابر - رضي الله عنه - «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي على راحلته حيث توجّهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة»‏.‏

وأجمعواعلى أنّ صلاة التّطوّع على الرّاحلة في السّفر الطّويل الّذي تقصر فيه الصّلاة جائزة‏.‏ وأمّا السّفر القصير، وهو ما لا يباح فيه القصر فإنّ الصّلاة على الرّاحلة جائزة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، وهو قول الأوزاعيّ واللّيث والحسن بن حييّ‏.‏

وقال مالك‏:‏ لا يباح إلاّ في سفر طويل ؛ لأنّه رخصة سفر فاختصّ بالطّويل كالقصر‏.‏ واستدلّ الأوّلون بالآية المذكورة، وقول ابن عمر فيها، وحديثه الّذي قال فيه‏:‏ «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يوتر على البعير»‏.‏

والمشهور عند الحنفيّة‏:‏ أنّه لا يشترط السّفر وإنّما قيّدوا جواز النّفل على الرّاحلة بما إذا كان المصلّي خارج المصر محلّ القصر، أي في المحلّ الّذي يجوز للمسافر قصر الصّلاة فيه‏.‏ وأجاز أبو يوسف من الحنفيّة التّنفّل على الرّاحلة في المصر وقال‏:‏ حدّثني فلان - وسمّاه - عن سالم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ركب الحمار في المدينة يعود سعد بن عبادة - رضي الله تعالى عنهما - وكان يصلّي وهو راكب»‏.‏ وأجاز ذلك محمّد مع الكراهة مخافة الغلط لما في المصر من كثرة اللّغط‏.‏

كما أجاز التّنفّل على الدّابّة في المصر بعض الشّافعيّة كأبي سعيد الإصطخريّ والقاضي حسين وغيرهما، وكان أبو سعيد الإصطخريّ محتسب بغداد يطوف السّكك وهو يصلّي على دابّته‏.‏

4 - والتّطوّع الجائز على الرّاحلة يشمل النّوافل المطلقة والسّنن الرّواتب والمعيّنة والوتر وسجود التّلاوة، وهذا عند جمهور الفقهاء ‏(‏المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏)‏‏.‏

واستدلّوا «بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يوتر على بعيره، وكان يسبّح على بعيره إلاّ الفرائض»‏.‏

وعند الحنفيّة ما يعتبر واجباً عندهم من غير الفرائض كالوتر لا يجوز على الرّاحلة بدون عذر، وكذلك سجدة التّلاوة‏.‏

وعن أبي حنيفة‏:‏ أنّه ينزل عن دابّته لسنّة الفجر ؛ لأنّها آكد من سائر السّنن الرّواتب‏.‏ وتجوز الصّلاة للمسافر على البعير والفرس والبغل والحمار ونحو ذلك، ولو كان الحيوان غير مأكول اللّحم، ولا كراهة هنا لمسيس الحاجة إليه، ولأنّه صحّ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلّي على حماره النّفل»‏.‏ غير أنّه يشترط أن يكون ما يلاقي بدن المصلّي على الرّاحلة وثيابه من السّرج، والمتاع، واللّجام طاهراً‏.‏

وهذا كما يقول الشّافعيّة، والحنابلة، وعامّة مشايخ الحنفيّة كما ذكر في الأصل‏.‏

وعن أبي حفص البخاريّ ومحمّد بن مقاتل الرّازيّ‏:‏ أنّه إذا كانت النّجاسة في موضع الجلوس أو في موضع الرّكابين أكثر من قدر الدّرهم لا تجوز، ولو كان على السّرج نجاسة فسترها لم يضرّ‏.‏

5- وتجوز الصّلاة على الرّاحلة تطوّعًا في السّفر الواجب والمندوب والمباح، كسفر التّجارة ونحوه، عند أبي حنيفة ومالك والشّافعيّ‏.‏

ولا يباح في سفر المعصية‏:‏ كقطع الطّريق، والتّجارة في الخمر والمحرّمات عند مالك والشّافعيّ وأحمد ؛ لأنّ التّرخّص شرع للإعانة على تحصيل المباح فلا يناط بالمعصية‏.‏

وقال أبو حنيفة والثّوريّ والأوزاعيّ‏:‏ له ذلك ؛ لأنّه مسافر، فأبيح له التّرخّص كالمطيع‏.‏

ب - صلاة الفريضة‏:‏

6 - الأصل أنّ صلاة الفريضة على الرّاحلة لا تجوز إلاّ لعذر، فعن جابر بن عبد اللّه - رضي الله عنه - «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلّي على راحلته نحو المشرق فإذا أراد أن يصلّي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة»‏.‏

قال ابن بطّال‏:‏ أجمع العلماء على أنّه لا يجوز لأحد أن يصلّي الفريضة على الدّابّة من غير عذر‏.‏

ولأنّ أداء الفرائض على الدّابّة مع القدرة على النّزول لا يجوز‏.‏

ولأنّ شرط الفريضة المكتوبة أن يكون المصلّي مستقبل القبلة مستقرّاً في جميعها، فلا تصحّ من الرّاكب المخلّ بقيام أو استقبال‏.‏

7- وقد عدّد الفقهاء الأعذار الّتي تبيح الصّلاة على الرّاحلة‏.‏

ومن ذلك‏:‏ الخوف على النّفس أو المال من عدوّ أو سبع، أو خوف الانقطاع عن الرّفقة، أو التّأذّي بالمطر والوحل ؛ ففي مثل هذه الأحوال تجوز صلاة الفريضة على الرّاحلة بالإيماء من غير ركوع وسجود ؛ لأنّ عند اعتراض هذه الأعذار عجزاً عن تحصيل هذه الأركان‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ إذا اشتدّ الخوف، بحيث لا يتمكّن من الصّلاة إلى القبلة، أو عجز عن بعض أركان الصّلاة‏:‏ إمّا لهرب مباح من عدوّ، أو سيل، أو سبع، أو حريق، أو نحو ذلك ممّا لا يمكنه التّخلّص منه إلاّ بالهرب، أو المسابقة، أو التحام الحرب والحاجة إلى الكرّ والفرّ والطّعن والضّرب والمطاردة فله أن يصلّي على حسب حاله راجلاً وراكباً إلى القبلة إن أمكن، أو إلى غيرها إن لم يمكن، وإذا عجز عن الرّكوع والسّجود أومأ بهما وينحني إلى السّجود أكثر من الرّكوع على قدر طاقته، وإن عجز عن الإيماء سقط، وإن عجز عن القيام، أو القعود، أو غيرهما سقط، وإن احتاج إلى الطّعن والضّرب والكرّ والفرّ فعل ذلك ولا يؤخّر الصّلاة عن وقتها لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً‏}‏‏.‏

وحديث يعلى بن أميّة‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسّماء من فوقهم والبلّة من أسفل منهم فحضرت الصّلاة فأمر المؤذّن فأذّن وأقام ثمّ تقدّم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على راحلته فصلّى بهم يومئ إيماءً يجعل السّجود أخفض من الرّكوع»‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلحي‏:‏ ‏(‏صلاة الخوف، واستقبال ف /38‏)‏‏.‏

8- وإذا كانت صلاة الفرض على الرّاحلة لا تجوز إلاّ لعذر ؛ لأنّ شرط الفريضة المكتوبة أن يكون المصلّي مستقبل القبلة مستقرّاً في جميعها ومستوفياً شروطها وأركانها، فإنّ من أمكنه صلاة الفريضة على الرّاحلة مع الإتيان بكلّ شروطها وأركانها، ولو بلا عذر صحّت صلاته وذلك كما يقول الشّافعيّة والحنابلة - وهو الرّاجح المعتمد عند المالكيّة -‏.‏

قال الحنابلة‏:‏ وسواء أكانت الرّاحلة سائرةً أم واقفةً، لكن الشّافعيّة قيّدوا ذلك بما إذا كان في نحو هودج وهي واقفة، وإن لم تكن معقولةً‏.‏ أمّا لو كانت سائرةً فلا يجوز ؛ لأنّ سيرها منسوب إليه بدليل جواز الطّواف عليها‏.‏ ولو كان للدّابّة من يلزم لجامها ويسيّرها، بحيث لا تختلف الجهة جاز ذلك، وقال سحنون من المالكيّة‏:‏ لا يجزئ إيقاع الصّلاة على الدّابّة قائماً وراكعاً وساجداً لدخوله على الغرر‏.‏

قبلة المصلّي على الرّاحلة

9 - مصلّي النّافلة على الرّاحلة لا يلزمه استقبال القبلة، بل يصلّي حيثما توجّهت الدّابّة أو صوب سفره كما يقول المالكيّة، وتكون هذه عوضاً عن القبلة، وقد «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي على راحلته حيث توجّهت به، أي جهة مقصده، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة»‏.‏

والحكمة في التّخفيف على المسافر‏:‏ أنّ النّاس محتاجون إلى الأسفار‏.‏ فلو شرط فيها الاستقبال لأدّى إلى ترك أورادهم أو مصالح معايشهم‏.‏

10 - غير أنّ المصلّي إذا أمكنه افتتاح الصّلاة إلى القبلة، وهذا إذا كانت الدّابّة سهلةً غير مقطورة بأن كانت واقفةً أو سائرةً وزمامها بيده فإنّه يجب عليه استقبال القبلة عند الإحرام، وهذا عند الشّافعيّة‏.‏ وهو رواية عند الحنابلة ورأي ابن حبيب من المالكيّة، ورواية ابن المبارك من الحنفيّة - واستدلّوا بما رواه أنس‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوّع استقبل بناقته القبلة فكبّر ثمّ صلّى حيث وجّهه ركابه» ؛ ولأنّه أمكنه استقبال القبلة في ابتداء الصّلاة فلزمه ذلك كالصّلاة كلّها‏.‏

وفي قول عند الشّافعيّة‏:‏ يشترط الاستقبال في السّلام - أيضاً - لأنّه آخر طرفي الصّلاة فاشترط فيه ذلك‏.‏

والرّواية الثّانية عند الحنابلة - وهو قول عند الشّافعيّة -‏:‏ لا يلزمه ذلك يعني في السّلام لأنّ الافتتاح جزء من أجزاء الصّلاة فأشبه سائر أجزائها ؛ ولأنّ ذلك لا يخلو من مشقّة فسقط شرط الاستقبال في السّلام‏.‏

وعند الحنفيّة يستحبّ ذلك ولا يجب، وإن لم يسهل استقبال القبلة بأن كانت الدّابّة سائرةً وهي مقطورة، ولم يسهل انحرافه عليها أو كانت جموحاً لا يسهل تحريفها فلا يجب الاستقبال ؛ لما في ذلك من المشقّة واختلال أمر السّير عليه، فيحرم إلى جهة سيره‏.‏

وفي قول عند الشّافعيّة‏:‏ يجب عليه الاستقبال مطلقاً سواء سهل عليه ذلك أم لا، فإن تعذّر لم تصحّ صلاته‏.‏

11 - وإن كان المصلّي على الرّاحلة في مكان واسع كمحمل واسع وهودج ويتمكّن من الصّلاة إلى القبلة والرّكوع والسّجود فعليه استقبال القبلة في صلاته ويسجد على ما هو عليه إن أمكنه ذلك ؛ لأنّه كراكب السّفينة، وقال أبو الحسن الآمديّ‏:‏ يحتمل أن لا يلزمه شيء من ذلك كغيره لأنّ الرّخصة العامّة تعمّ ما وجدت فيه المشقّة وغيره‏.‏ هذا بالنّسبة للتّطوّع، أمّا بالنّسبة للفريضة فإنّه يجوز ترك الاستقبال للعذر - فقط - على ما سبق بيانه‏.‏

كيفيّة الصّلاة على الرّاحلة

12 - من جازت له الصّلاة على الرّاحلة فإنّه يومئ في صلاته بالرّكوع والسّجود، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، قال جابر‏:‏ «بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في حاجة فجئت وهو يصلّي على راحلته نحو المشرق، والسّجود أخفض من الرّكوع»‏.‏

وروى البخاريّ‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلّي في السّفر على راحلته حيث توجّهت به يومئ إيماء صلاة اللّيل إلاّ الفرائض»‏.‏

قال ابن عرفة من المالكيّة‏:‏ من تنفّل في محمله فقيامه تربّع، ويركع كذلك ويداه على ركبتيه فإذا رفع رفعهما، ويومئ بالسّجود وقد ثنى رجليه، فإن لم يقدر أومأ متربّعاً‏.‏

ومن افتتح التّطوّع راكباً، ثمّ نزل في أثناء الصّلاة فإنّه يستقبل القبلة ويبني على ما سبق من صلاته ويتمّها بالأرض راكعاً وساجداً، قال المالكيّة‏:‏ إلاّ على قول من يجوّز الإيماء في النّافلة للصّحيح غير المسافر فإنّه يتمّ صلاته على دابّته بالإيماء إذا دخل المدينة‏.‏

وقال أبو يوسف من الحنفيّة‏:‏ يستقبل صلاته ولا يبني على ما سبق ؛ لأنّ أوّل صلاته بالإيماء وآخرها بركوع وسجود ؛ فلا يجوز بناء القويّ على الضّعيف‏.‏

وروي عن محمّد‏:‏ أنّه إذا نزل بعد ما صلّى ركعةً استقبل ؛ لأنّ ما قبل أداء الرّكعة مجرّد تحريمة وهي شرط، فالشّرط المنعقد للضّعيف كان شرطاً للقويّ، وأمّا إذا صلّى ركعةً فقد تأكّد فعل الضّعيف فلا يبنى عليه القويّ‏.‏

13 - وإن ركب ماش وهو في صلاة نفل أتمّه راكباً، كما يقول الحنابلة وزفر من الحنفيّة‏.‏ وعند الحنفيّة‏:‏ لا يبني ؛ لأنّ الرّكوب عمل كثير‏.‏ ومن افتتح التّطوّع خارج المصر، ثمّ دخل المصر، أو نوى النّزول ببلد دخله نزل عن دابّته لانقطاع سفره وأتمّ صلاته مستقبلاً القبلة‏.‏ وهذا عند الشّافعيّة والحنابلة، وهو ما عليه الأكثر عند الحنفيّة، وقيل‏:‏ يتمّ على الدّابّة بإيماء‏.‏

ولو ركب المسافر النّازل وهو في صلاة نافلة بطلت صلاته ؛ لأنّ حالته إقامة فيكون ركوبه فيها كالعمل الكثير من المقيم، وقال محمّد من الحنفيّة‏:‏ يبني على صلاته‏.‏

الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

1 - المقصود بالصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ الدّعاء له بصيغة مخصوصة والتّعظيم لأمره‏.‏ قال القرطبيّ‏:‏ الصّلاة على النّبيّ من اللّه‏:‏ رحمته، ورضوانه، وثناؤه عليه عند الملائكة، ومن الملائكة‏:‏ الدّعاء له والاستغفار، ومن الأمّة‏:‏ الدّعاء له، والاستغفار، والتّعظيم لأمره‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم

2 - لا خلاف بين الفقهاء في مشروعيّة الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، للأمر بها، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً‏}‏ قال ابن كثير في تفسير الآية‏:‏ المقصود من هذه الآية‏:‏ أنّ اللّه - سبحانه وتعالى- أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيّه عنده في الملأ الأعلى ؛ بأنّه يثني عليه عند الملائكة المقرّبين، وأنّ الملائكة تصلّي عليه‏.‏ ثمّ أمر جلّ شأنه بالصّلاة والتّسليم عليه ؛ ليجتمع الثّناء عليه من أهل العاَلَمين‏:‏ السّفليّ والعلويّ جميعاً، وجاءت الأحاديث المتواترة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصّلاة عليه، وكيفيّة الصّلاة عليه‏.‏

فقد روى البخاريّ عند تفسير هذه الآية‏:‏ «قيل لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا رسول اللّه، أمّا السّلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلّي عليك‏؟‏ قال‏:‏ قولوا‏:‏ اللّهمّ صلّ على محمّد، وعلى آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللّهمّ بارك على محمّد، وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد»‏.‏

الحكم التّكليفيّ

3 - ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في مواطن، واستحبابها في مواطن‏.‏ واختلفوا في مواطن الوجوب‏.‏

4 - فقال الحنفيّة، والمالكيّة‏:‏ إنّ الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في التّشهّد الأخير سنّة، وليس بواجب‏.‏ وقالوا‏:‏ تجب الصّلاة عليه صلى الله عليه وسلم في العمر مرّةً للأمر بها في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً‏}‏‏.‏

وقال الطّحاويّ‏:‏ تجب كلّما ذُكِرَ صلى الله عليه وسلم‏.‏

واستدلّوا على عدم الوجوب في التّشهّد الأخير «بقوله صلى الله عليه وسلم - في تعليم التّشهّد - بعد أن ذكر ألفاظ التّشهّد‏:‏ إذا قلت هذا، أو فعلت، فقد تمّت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد»‏.‏

وقالوا‏:‏ وإلى هذا ذهب أهل المدينة، وأهل الكوفة، وجملة من أهل العلم‏.‏

أمّا الصّلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التّشهّد الأوّل فليس بمشروع عندهم، وبه قال الحنابلة فإن أتى بالصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم عامداً في التّشهّد الأوّل كره، وتجب عليه الإعادة‏.‏ أو ساهياً وجبت عليه سجدتا السّهو عند الحنفيّة‏.‏ وتفسد صلاته عند المالكيّة إن تعمّد بإتيانها‏.‏

5- وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إنّها تجب في التّشهّد الأخير من كلّ صلاة، وبعد التّكبيرة الثّانية في صلاة الجنازة، وفي خطبتي الجمعة، والعيدين، ولا تجب خارج ذلك‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّ اللّه تعالى فرض الصّلاة على نبيّه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً‏}‏ فلم يكن فرض الصّلاة عليه في موضع أولى من الصّلاة عليه في الصّلاة‏.‏ ووجدنا الدّلالة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بما وصفنا ؛ من أنّ الصّلاة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرض في الصّلاة، لا في خارجها‏.‏ فقد جاء في حديث «أبي هريرة - رضي الله عنه - أنّه قال‏:‏ يا رسول اللّه ؛ كيف نصلّي عليك‏؟‏ يعني في الصّلاة‏.‏ فقال‏:‏ تقولون‏:‏ اللّهمّ صلّ على محمّد، وعلى آل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم‏.‏ وبارك على محمّد، وآل محمّد، كما باركت على إبراهيم، ثمّ تسلّمون عليّ»‏.‏

وعن كعب بن عجرة عن «النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنّه كان يقول في الصّلاة‏:‏ اللّهمّ صلّ على محمّد، وعلى آل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد»‏.‏

وقال الشّافعيّ‏:‏ فلمّا روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يعلّمهم التّشهّد في الصّلاة، وروي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم علّمهم كيف يصلّون عليه في الصّلاة، لم يجز - واللّه أعلم - أن نقول‏:‏ التّشهّد واجب، والصّلاة على النّبيّ غير واجبة، والخبر فيهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم زيادة فرض القرآن‏.‏

وقال - رحمه الله -‏:‏ فعلى كلّ مسلم - وجبت عليه الفرائض - أن يتعلّم التّشهّد، والصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ ومن صلّى صلاةً لم يتشهّد فيها، ويصلّي على النّبيّ صلى الله عليه وسلم - وهو يحسن التّشهّد - فعليه إعادتها‏.‏ وإن تشهّد ولم يصلّ على النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو صلّى عليه ولم يتشهّد، فعليه الإعادة حتّى يجمعهما جميعاً‏.‏ وإن كان لا يحسنهما على وجههما أتى بما أحسن منهما، ولم يجزه إلاّ بأن يأتي باسم تشهّد، وصلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وإن أحسنهما فأغفلهما، أو عمد بتركهما فسدت صلاته، وعليه الإعادة فيهما جميعاً‏.‏

وقد قال بهذا جماعة من الصّحابة ومن بعدهم‏.‏

فمن الصّحابة‏:‏ عبد اللّه بن مسعود، وأبو مسعود البدريّ، وعبد اللّه بن عمر‏.‏

ومن التّابعين‏:‏ أبو جعفر محمّد بن عليّ، والشّعبيّ، ومقاتل بن حيّان‏.‏ ومن أرباب المذاهب المتبوعين‏:‏ إسحاق بن راهويه، وأحمد في إحدى روايتيه، وهي المشهورة في المذهب‏.‏ أمّا الصّلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التّشهّد الأوّل، في الصّلاة الرّباعيّة والثّلاثيّة، فهي سنّة في القول الجديد للشّافعيّ، وهو اختيار ابن هبيرة، والآجرّيّ من الحنابلة، ولا تبطل الصّلاة بتركه ولو عمداً، ويجبر بسجود السّهو إن تركه‏.‏

الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم خارج الصّلاة

6 - تستحبّ الصّلاة عليه صلى الله عليه وسلم خارج الصّلاة في كلّ الأوقات، وتتأكّد في مواطن منها‏:‏ يوم الجمعة وليلتها، وعند الصّباح، وعند المساء، وعند دخول المسجد، والخروج منه، وعند قبره صلى الله عليه وسلم وعند إجابة المؤذّن، وعند الدّعاء، وبعده وعند السّعي بين الصّفا والمروة، وعند اجتماع القوم، وتفرّقهم، وعند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم وعند الفراغ من التّلبية، وعند استلام الحجر، وعند القيام من النّوم، وعقب ختم القرآن، وعند الهمّ والشّدائد، وطلب المغفرة، وعند تبليغ العلم إلى النّاس، وعند الوعظ، وإلقاء الدّرس، وعند خطبة الرّجل المرأة في النّكاح‏.‏

وفي كلّ موطن يجتمع فيه لذكر اللّه تعالى‏.‏

ألفاظ الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم

7 - روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم - في الصّلاة عليه - صيغ مختلفة في بعض ألفاظها‏.‏ قال صاحب المهذّب‏:‏ إنّ أفضل صيغ الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أن يقول المصلّي عليه‏:‏ ‏"‏ اللّهمّ صلّ على محمّد، وعلى آل محمّد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم‏.‏ إنّك حميد مجيد ‏"‏‏.‏

ومنها‏:‏ ما رواه البخاريّ ومسلم عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال‏:‏ «خرج علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلنا‏:‏ قد علمنا - أو عرفنا - كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك‏؟‏ قال‏:‏ قولوا‏:‏ اللّهمّ صلّ على محمّد، وعلى آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم‏.‏ إنّك حميد مجيد‏.‏ اللّهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على إبراهيم‏.‏ إنّك حميد مجيد» وفي لفظ للبخاريّ ومسلم‏:‏ «قولوا‏:‏ اللّهمّ صلّ على محمّد، وعلى أزواجه، وذرّيّته، كما صلّيت على آل إبراهيم‏.‏ وبارك على محمّد، وعلى أزواجه، وذرّيّته، كما باركت على آل إبراهيم‏.‏ إنّك حميد مجيد»‏.‏

وهناك صيغ أخرى‏.‏ وأقلّ ما يجزئ هو‏:‏ اللّهمّ صلّ على محمّد‏.‏

الصّلاة على سائر الأنبياء

8 - أمّا سائر الأنبياء والمرسلين فيصلّى عليهم ويسلّم‏.‏ قال تعالى في نوح‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ‏}‏ وفي إبراهيم‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ‏}‏ وفي موسى وهارون‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ‏}‏‏.‏

وروي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «صلّوا على أنبياء اللّه ورسله، فإنّ اللّه بعثهم كما بعثني»‏.‏

وقد حكى غير واحد الإجماع على أنّ الصّلاة على جميع النّبيّين مشروعة‏.‏

الصّلاة على غير الأنبياء

9 - أمّا الصّلاة على غير الأنبياء ؛ فإن كانت على سبيل التّبعيّة، كما جاء في الأحاديث السّابقة‏:‏ «اللّهمّ صلّ على محمّد، وعلى آل محمّد» فهذا جائز بالإجماع‏.‏

واختلفوا فيما إذا أفرد غير الأنبياء بالصّلاة عليهم‏.‏ فقال قائلون‏:‏ يجوز ذلك، واحتجّوا بقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ‏}‏‏.‏

وبخبر عبد اللّه بن أبي أوفى قال‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال‏:‏ اللّهمّ صلّ عليهم فأتاه أبي بصدقته، فقال‏:‏ اللّهمّ صلّ على آل أبي أوفى»‏.‏

وقال الجمهور من العلماء‏:‏ لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصّلاة ؛ لأنّ هذا شعار للأنبياء إذا ذكروا، فلا يلحق بهم غيرهم، فلا يقال‏:‏ قال أبو بكر صلى الله عليه وسلم، أو قال‏:‏ عليّ صلى الله عليه وسلم، وإن كان المعنى صحيحاً، كما لا يقال‏:‏ محمّد عزّ وجلّ، وإن كان عزيزاً جليلاً ؛ لأنّ هذا من شعار ذكر اللّه عزّ وجلّ‏.‏

أمّا السّلام، فقد نقل ابن كثير عن الشّيخ أبي محمّد الجوينيّ - من الشّافعيّة - أنّه في معنى الصّلاة، فلا يستعمل في الغائب، ولا يفرد به غير الأنبياء، وسواء في ذلك الأحياء والأموات‏.‏

وأمّا الحاضر فيخاطَب به، فيقال‏:‏ سلام عليكم، وسلام عليك، وهذا مجمع عليه‏.‏

وقد روي عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ لا تصحّ الصّلاة على أحد إلاّ على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالمغفرة‏.‏