فصل: (4) معنى التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الواضح في علوم القرآن



.3- مكانته في التفسير:

قال سفيان الثوري: خذوا التفسير من أربعة، من سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحّاك.
أخذ القراءة على ابن عباس عرضا يقرأ عليه القرآن، وسمع منه التفسير، وأكثر روايته في التفسير عنه.
عن أشعث بن إسحاق قال: كان يقال لسعيد بن جبير: جهبذ العلماء. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: يا أهل الكوفة، تسألوني وفيكم سعيد بن جبير؟!

.4- وفاته:

كان خرج مع ابن الأشعث على الحجاج، ثم اختفى وتنقّل في النواحي، ثم أتى به الحجاج، وحين دعاه الحجاج ليقتل دعا ولده، فبكى ولده، فقال: ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة.
وقتله الحجاج في قصة معروفة، وهو مظلوم، وذلك بواسط سنة خمس وتسعين رحمه الله تعالى.

.2- أبو العالية رحمه الله تعالى:

.1- التعريف به:

هو أبو العالية، رفيع بن مهران الرياحي، مولاهم. أدرك الجاهلية، وأسلم بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. روى عن عليّ وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبيّ بن كعب رضي الله عنهم. تابعي مجمع على توثيقه، روى عن أصحاب الكتب الستة جميعا.

.2- علمه:

حفظ القرآن وأتقنه، وكان عالما بالقراءة، قال ابن أبي داود: ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقراءة من أبي العالية.
وروى عن أبيّ بن كعب نسخة كبيرة في التفسير، أخرج منها ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم كثيرا منها في تفسيريهما، كما أخرج منها الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه.

.3- وفاته:

توفي سنة (90 هـ) على أرجح الأقوال.

.3- علقمة بن قيس الكوفي رحمه الله تعالى:

.1- التعريف به:

هو علقمة بن قيس بن عبد الله الكوفي، ولد في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، غزا في سبيل الله خراسان، وأقام بخوارزم سنتين، ودخل مرو وأقام بها مدة، ولم يولد له.
روى عن عمر، وعثمان، وعلي، وسعد، وحذيفة، وأبي الدرداء، وابن مسعود، وكثيرين غيرهم.

.2- علمه:

لازم عبد الله بن مسعود فكان أعلم الناس به، وعبد الله هو الذي قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رضيت لأمتي ما رضيه لها ابن أمّ عبد».
وقال علي بن المديني: أعلم الناس بعبد الله علقمة، وعبيدة، والحارث. وقال أبو المثنى رياح:
إذا رأيت علقمة، فلا يضرك ألّا ترى عبد الله؛ أشبه الناس به سمتا وهديا، وإذا رأيت إبراهيم النخعي فلا يضرك ألّا ترى علقمة.
قال أبو طالب عن أحمد: ثقة من أهل الخير. وقال قابوس بن أبي ظبيان: أدركت ناسا من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألون علقمة ويستفتونه.

.3- مكانته في التفسير:

قال رحمه الله تعالى: كنت رجلا قد أعطاني الله تعالى حسن الصوت بالقرآن، وكان ابن مسعود يرسل إليّ فأقرأ عليه، فإذا فرغت من قراءتي قال: زدنا فداك أبي وأمي، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن حسن الصوت زينة القرآن».
قال إبراهيم- هو النخعي- كان أصحاب عبد الله الذين يقرءون الناس- أي القرآن- ويعلمونهم السنة، ويصدر الناس عن رأيهم ستة: علقمة، والأسود، وذكر الباقين.
وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: لا أعلم شيئا إلا وعلقمة يعلمه، ولقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خذوا القرآن من أربعة» وذكر (ابن مسعود) في صدر الأربعة.
كان حسن الصوت بالقرآن، جيد الحفظ، حتى لقد كان يقرؤه أحيانا في ليلة.

.4- وفاته:

توفي بالكوفة سنة اثنتين وستين، وعمره تسعون سنة، رحمه الله تعالى.

.الفصل الثالث أقسام التفسير:

روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: التفسير أربعة: حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تقره العرب بألسنتها، وتفسير تفسّره العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى.
وقال آخرون: التفسير ثلاثة أقسام: تفسير بالرواية، ويسمى التفسير بالمأثور.
وتفسير بالدراية، ويسمى التفسير بالرأي. وتفسير الإشارة، ويسمى التفسير الإشاري.
ويضيف بعضهم قسما رابعا، وهو تفسير باطني، ويسمى التفسير الباطني.

.(1) معنى التفسير بالمأثور:

هو تفسير القرآن الكريم بما جاء في القرآن الكريم أو السنة، أو أقوال الصحابة والتابعين، مما ليس منقولا عن أهل الكتابين اليهود والنصارى.

.(2) معنى التفسير بالرأي:

هو تفسير القرآن الكريم بالاجتهاد بعد معرفة المفسّر لكلام العرب، ومعرفة الألفاظ العربية ووجوه دلالتها، ومعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك.
أ- ما يجوز من التفسير بالرأي:
هو ما كان موافقا لكلام العرب، ومناحيهم في القول، مع موافقة الكتاب والسّنة، ومراعاة سائر شروط التفسير؛ من معرفة الناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول وغيرها.
ويستدل لجوازه بالوجوه التالية:
1- إن الله تعالى قد أمر بتدبر القرآن فقال تعالى: {كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ} [ص: 29].
2- إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا لابن عباس رضي الله عنهما بقوله: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل».
3- إن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اختلفوا في تفسير آيات من القرآن مما لم يبين لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلو كان النظر والاجتهاد محظورا في فهم كتاب الله تعالى من أهله، لكان الصحابة قد وقعوا في معصية الله تعالى، كيف وقد رضي الله تعالى عنهم وأكرمهم بالصحبة؟!
4- إن الناس قد درجوا على تفسير كتاب الله تعالى بالاجتهاد والنظر من أيام التدوين إلى أيامنا هذه، ولن تجتمع هذه الأمة على ضلالة.
ب- ما لا يجوز من التفسير بالرأي:
وهو ما كان غير جار على قوانين اللغة العربية، ولا موافقا للأدلة الشرعية، ولا مستوفيا لشرائط التفسير التي ذكرها المفسرون.
ويستدل لمنعه بالوجوه التالية:
1- نهى الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن تفسير القرآن بالرأي، قال صلّى الله عليه وسلّم: «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار».
2- خروج ذلك التفسير عن جادة التفسير حين لا يبالي بناسخ ومنسوخ، وأسباب نزول، وأمثال ذلك. قال عمر رضي الله تعالى عنه: ما أخاف على هذه الأمة من مؤمن ينهاه إيمانه، ولا من فاسق بيّن فسقه، لأن الناس لا تثق به، ولكني أخاف عليها رجلا قد قرأ القرآن حتى أذلقه بلسانه، ثم تأوله على غير تأويله.
3- تجنّبه وضع اللغة، فإن الخروج بالكلمة أو الجملة عن المراد بهما تعطيل لهما، والكلام إنما هو لإفهام معان معينة منها.
وذلك مثل تفسير قوله تعالى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: 22] أي منتقمون منهم، فإنه تفسير يجافي بيان العرب ونصوص القرآن.
وتفسير قوله تعالى في حق أهل النار: {لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً} [النبأ: 23] أي أزمانا ثم يخرجون منها، مع أن المراد لابثين فيها أحقابا بعد أحقاب لا يخرجون منها، كما نقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما. وتفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] أي اتقوا الله فإنه يعلمكم دون تعلم، فإن سرد الآية يفيد اتقوا الله ويعلمكم الله بالقرآن ما ينفعكم في أمور المال وغيره.

.(3)معنى التفسير الباطني:

هو تفسير القرآن الكريم على معان مخالفة لظاهر القرآن الكريم، مما يجافي معاني الكلمات والجمل في القرآن الكريم، دون دليل أو شبهة من دليل.
وهذا نجده ظاهرا في تفاسير الباطنية الذين رفضوا الأخذ بظاهر القرآن، وقالوا: للقرآن ظاهر وباطن، والمراد منه: باطنه دون ظاهره.
ومن أمثلة ضلالهم تأويل قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ بأن المراد بالصلاة هي العهد المألوف، وسمي صلاة لأنها صلة بين المستجيبين ويبن الإمام، وتأويل الصيام بأنه الإمساك عن كشف السر.
حكم هذا النوع من التفسير:
هو تفسير باطل وإثم، بل فيه الخروج عن الإسلام لمن اعتقد ذلك، معاذ الله.
ويستدل لبطلانه بالوجوه التالية:
أ- إنه تفسير يقوم على عقيدة التحلل من التكاليف الشرعية، والرفض للشرائع والأحكام من حيث الحقيقة والواقع. وفي هذا نقض بناء الشريعة، وحل عرى الإسلام.
ب- فضلا عن كونه غريبا عن معاني الكلمات والجمل في اللغة العربية. وفي ذلك مخالفة صريحة لقول الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2].
ج- إنه يجعل القرآن ملهاة، يفسره كل مفسر بما شاء له ضلاله وهواه.
هـ- إنه يفك عقد المسلمين، ويفرّق جماعتهم، من جراء فقدان ضوابط تفسير القرآن الكريم.

.(4) معنى التفسير الإشاري:

هو تفسير القرآن الكريم بغير ظاهره، لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف، ويمكن الجمع بينها وبين التفسير الظاهر المراد أيضا.
مثل أن يقال في قوله تعالى: {اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} [طه: 24] إن المراد بفرعون هو النفس البشرية. وأن يقال في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123] إن المراد بالكفار النفس.

.حكم هذا النوع من التفسير:

هو تفسير باطل وإثم كذلك، بل يخشى الخروج عن الإسلام لمن اعتقد ذلك، معاذ الله. ولو ألحق بالتفسير الباطني لا يعدّ بعيدا، وقد عرفت الحكم في ذلك التفسير.
اللهم إلا أن يكون التفسير الإشاري قائما على الاعتراف بمعاني ظواهر النصوص على ما تقتضيه اللغة والنصوص الشرعية الأخرى، فالمرجو ألّا يكون بأس وإثم بإذن الله، ويقرب من هذا التفسير ما قاله علماء الأصول في قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] الآية نص في وجوب نفقة الزوجة على الزوج، وهي تشير إلى أن الولد ينسب إلى أبيه، والله أعلم.
وقد جعل الإمام السيوطي شروط قبول التفسير الإشاري على ما يلي:
1- ألّا يتنافى مع ما يظهر من معنى النظم الكريم.
2- ألّا يدّعى أنه المراد وحده دون الظاهر.
3- ألّا يكون تأويلا بعيدا سخيفا، كتفسير بعضهم قوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} بجعل كلمة (لمع) فعلا ماضيا، وكلمة (المحسنين) مفعولا به.
4- ألّا يكون له معارض شرعي أو عقلي.
5- أن يكون له شاهد شرعي يؤيده.

.الفصل الرّابع التعريف بأشهر التفاسير والمفسرين:

1- الطبري.
2- الزمخشري.
3- الفخر الرازي.
4- القرطبي.
5- ابن كثير.
مع بيان طريقة كل منهم، وخصائص تفسيره.

.1- الإمام الطبري 224- 310 هـ:

.1- التعريف به:

هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري من أهالي طبرستان، ولد (بآمل) سنة (224 هـ)، خرج من بلده (آمل) في الثانية عشرة من عمره يطلب العلم ويجلس إلى المشايخ، وقد سمع بالعراق والشام ومصر عن خلق كثير، واستقر به مقامه بعد ذلك في بغداد.
قال أبو سعيد بن يونس: كان فقيها، قدم إلى مصر قديما سنة ثلاث وستين ومائتين وكتب بها، ورجع إلى بغداد وصنّف تصانيف حسنة تدل على سعة علمه.
وقال علي بن عبد الله: مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة.
قال ابن جرير يوما لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن! فأجابوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما يفني الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. وقال الخطيب البغدادي في تاريخه: أحد العلماء يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله تعالى، عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسّنة وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في (تاريخ الأمم والملوك) وكتاب (التفسير) الذي لم يصنّف أحد مثله، وكتاب (تهذيب الآثار) لم أر سواه في معناه إلا أنه لم يتمّه، وكتاب حسن في القراءات سمّاه (الجامع) وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء، وتفرّد بمسائل حفظت عنه.