فصل: الخبر عن دولة الرشيد بن المأمون.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن دولة الرشيد بن المأمون.

لما هلك المأمون بويع ابنه عبد الواحد ولقب الرشيد وكتموا موت أبيه وأغذوا السير إلى مراكش ولقيهم يحيى بن الناصر في طريقهم بعد أن استخلف بمراكش أبا سعيد بن وانودين فهزموه وقتل أكثر من معه وصبح الرشيد مراكش فامتنعوا عليه بأشياعهم ثم خرجوا إليه واستقاموا على بيعته وكان وصل في صحبته عمه السيد أبو محمد سعد فحل من الدولة بمكان وكان إليه التدبير والحل والعقد وبعد استقرار الرشيد بالحضرة وصل إليه عمر بن وقاريط كبير الهساكرة بمن كان عنده من أولاد المأمون السيد وإخوته جاؤا من أشبيلية عند ثورة أهلها بهم واستقروا بسبتة عند عمهم أبي موسى ومنها إلى الحضرة عند استيلاء ابن هود على سبتة ومروا بهسكورة وكان ابن وقاريط حذرا من المأمون ومعتقدا أن لا يعود إليه فتذمم بصحبة هؤلاء الأولاد وقدم على الرشيد فتقبله واعتلق بوصله من السيد أبي محمد سعد وصحبه لمسعود بن حمدان كبير الخلط.
ولما هلك السيد أبو محمد لحق ابن وقاريط بقومه ومعتصمه وكشف وجه الخلاف وأخذ بدعوة يحيى بن الناصر واستنفر له قبائل الموحدين ونهض إليهم الرشيد سنة إحدى وثلاثين وستمائة واستخلف على الحضرة صهره أبا العلى إدريس وصعد إليهم الجبل فأوقع بيحيى وجموعه بمكانهم من هزرجة واستولى على معسكرهم ولحق يحيى ببلاد سجلماسة وانكفأ الرشيد راجعا إلى حضرته واستأمن له كثير من الموحدين الذين كانوا مع يحيى بن الناصر فأمنهم ولحقوا بحضرته.
وكان كبيرهم أبو عثمان سعيد بن زكريا الكدميوي وجاء الباقون على أثره بسعيه بعد أن شرطوا عليه إعادة ما كان أزال المأمون من رسوم المهدي فأعيدت وقدم فيهم أبو بكر بن يعزى التينمللي رسولا عن يوسف بن علي بن يوسف شيخ تينملل ومحمد بن يوزيكن الهنتاني رسولا عن أبي علي بن عزوز ورجعا إلى مرسليهما بالقبول فقدما على الحضرة وقدم معهم موسى بن الناصر أخو يحيى وكبيره وجاء على أثرهم أبو محمد ابن أبي زكريا وأنسوا لإعادة رسوم الدعوة المهدية.
وكان مسعود بن حمدان الخلطي قد أغراه عمر بن وقاريط بالخلاف لصحبة بينهما وكان مدلا ببأسه وكثرة جموعه يقال: إن الخلط كانوا يومئذ يناهزون إثني عشر ألفا سوى الرجل والأتباع والحشود فمرض في الطاعة وتثاقل عن الوفادة ولما علم بمقام الموحدين أجمع اعتراضهم وقتلهم تمكينا للفرقة والشتات في الدولة فأعمل الرشيد الحيلة في استدعائه وصرف عساكره إلى باجة لنظر وزيره السيد أبي محمد حتى خلا لابن حمدان الحو وذهب عنه الريب واستقدمه فأسرع اللحاق بالحضرة وقدم معه معاوية عم عمر بن وقاريط فتقبض عليه وقتل لحينه واستدعى مسعود بن حمدان إلى المجلس الخلافي للحديث فتقبض عليه وعلى أصحابه وقتلوا ساعتئذ بعد جولة وهيعة وقضى الرشيد حاجة نفسه فيهم واستقدم وزيره وعساكره من باجة فقدموا ولما بلغ خبر مقتلهم إلى قومهم قدموا عليهم يحيى ابن هلال بن حمدان وأجلبوا على سائر النواحي وأخذوا بدعوة يحيى واستقدموه من مكانه بقاصية الصحراء.
وداخلهم في ذلك عمرو بن وقاريط وزحفوا لحصار الحضرة وخرجت العساكر لقتالهم ومعهم عبد الصمد بن يلولان فدفع ابن وقاريط في جموعه من العساكر فانهزموا وأحيط بجند النصارى فقتلوا وتفاقم الأمر بالحضرة وعدمت الأقوات.
واعتزم الرشيد على الخروج إلى جبال الموحدين فخرج إليها وسار منها إلى سجلماسة فملكها واشتد الحصار على مراكش وافتتحها يحيى بن الناصر وقومه من هسكورة والخلط وسار أمرهم فيها وتغيرت أحوال الخلافة وتغلب على السلطان السيد أبو إبراهيم بن أبي حفص الملقب بأبي حاقة وفي سنة ثلاث وثلاثين وستمائة خرج الرشيد من سجلماسة بقصد مراكش وخاطب جرمون بن عيسى وقومه من سفيان فأجازوا وادي أم الربيع وبرز إليه يحيى في جموعه والتقى الفريقان فانهزمت جموع يحيى واستحر القتل فيهم ودخل الرشيد إلى الحضرة ظافرا.
وأشار يحيى بن وقاريط على الخلط بالاستصراخ بابن هود صاحب الأندلس والأخذ بدعوته فنكثوا بيعة يحيى وبعثوا وفدهم إلى ابن هود صحبة عمر بن وقاريط على الخلط بالاستصراخ فاستقر هنالك وخرج الرشيد من مراكش وفر الخلط أمامه وسار إلى فاس وسرح وزيره السيد أبا محمد إلى غمارة وفازاز لجباية أموالها وكان يحيى بن الناصر لما نكث الخلط بيعته لحق بعرب المعقل فأجاروه ووعدوه النصرة واشتطوا عليه في المطالب وأسف بعضهم بالمنع فاغتاله في جهة تازى وسيق رأسه إلى الرشيد بفاس فبعثه إلى مراكش وأوعز إلى نائبه بها أبي علي ابن عبد العزيز بقتل العرب الذين كانوا في اعتقاله وهم: حسن بن زيد شيخ العاصم وقائد وقائد إبنا شيخا بني جابر فقتلهم وانكفأ الرشيد راجعا إلى حضرته سنة أربع وثلاثين وستمائة وبلغه استيلاء صاحب درعة أبي محمد بن وانودين على سجلماسة وذلك أن الرشيد لما فصل من سجلماسة استخلف عليها يوسف بن علي التينمللي فاستعمل ابن خالته من بني مردنيش وهو يحيى بن أرقم بن محمد بن مردنيش فثار عليه من صنهاجة وقتله في خبائه قام ابنه أرقم يطلب الثأر وبلغ منه ما أراد ثم حدثته نفسه بالانتقاض خوفا من عزل الرشيد إياه فانتقض.
ونهض إليه الرشيد سنة اثنتين وثلاثين وستمائة فلم يزل أبو محمد بن وانودين يعمل الحيلة في استخلاصها حتى تمكن منها وعفا عن أرقم وكان ابن وقاريط لما فصل إلى ابن هود سنة أربع وثلاثين وستمائة ركب البحر في أسطول ابن هود وقصد لسلا وبها السيد أبو العلى صهر الرشيد فكاد أن يغلب عليها وفي سنة خمس وثلاثين وستمائة بايع أهل أشبيلية للرشيد ونقضوا طاعة ابن هود وتولى كبر ذلك أبو عمر بن الجد واستخف بنو حجاج إلى سبتة ووصل وفدهم إلى الحضرة ومروا في طريقهم بسبتة فاقتدى أهلها بهم في بيعة الرشيد وخلعوا أميرهم اليانشي الثائر بها على بن هود وقدموا الحضرة وولى عليهم الرشيد أبا علي بن خلاص منهم ولأيام من مقدمهم وصل عمر بن وقاريط معتقلا من أشبيلية أغراهم بالقبض عليه القاضي أبو عبد الله المؤمناني كان توجه رسولا إلى ابن هود عن الرشيد فأمكنهم من ابن وقاريط وبعث إلى الرشيد في وفد من رسله فاعتقله بأزمور وقتل وصلب برباط هسكورة بعد أن طيف به على جمل وانصرف وفد أشبيلية وسبتة واستقدم الرشيد رؤساء الخلط فتقبض عليهم وبعث عساكره فاستباحوا حللهم وأحياءهم ثم أمر بقتل مشيختهم وقتل معهم ابن وقاريط وقطع دابرهم وفي سنة ست وثلاثين وستمائة وصلت بيعة محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر الثائر بالأندلس على ابن هود وفي سنة سبع وثلاثين وستمائة اشتدت الفتنة بالمغرب وانتشر بنو مرين وقتلوهم قتلا ذريعا وكان الرشيد استقدم أبا محمد بن وانودين من سجلماسة سنة خمس وثلاثين وستمائة وعقد له على فاس وسجلماسة وغمارة ونواحيها من أرض المغرب فكان هنالك ولما انتشر بنو مرين بالمغرب زحف إليهم فهزموه ثم زحف ثانية وثالثة فهزموه وأقام في محاربتهم سنتين ورجع إلى الحضرة واشتد عدوان بني مرين بالمغرب وألحوا على مكناسة حتى أعطوا الأتاوة لبني حمامة منهم فأسفوا بني عسكر بذلك واتصل عيثهم في نواحيها وفي سنة سبع وثلاثين وخمسمائة قتل الرشيد كاتبه ابن المؤمناني لمداخلة له مع بعض السادة وهو عمر بن عبد العزيز أخي المنصور وقف على كتابه إليه بخطه وغلط الرسول بها فدفعها بدار الخليفة.
وفي سنة أربعين وستمائة بعدها كانت وفاة الرشيد غريقا زعموا في بعض حوائز القصر ويقال إنه أخرج من الماء وحم لوقته وكان فيها مهلكه والله تعالى أعلم.